الرؤية الكونية ورحمة الربّ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الـدمـع حـبـر العـيـون
    • Apr 2011
    • 21803

    الرؤية الكونية ورحمة الربّ

    [align=center][table1="width:100%;background-color:black;border:10px double green;"][cell="filter:;"][align=center]
    [align=center][table1="width:85%;background-image:url('http://www.ahbabhusain.net/vb/mextraedit4/backgrounds/18.gif');border:10px solid deeppink;"][cell="filter:;"][align=center]
    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد الله رب العالمين فاطر السموات والارضين جل على عن وصفه الواصفين ونعت الناعتين
    والصلاه والسلام على اشرف بريته ومعادن حكمته وتراجمته وحيه والسن ارادته محمد المصطفى وعترته
    اللهم صلِ على محمد وآلــه محمد عليهم صلوته ورحماته وبركاته ما دام بريته
    واللعنه على ظاليهم وناكرين فاضلهم على قيام يوم الدين
    الرؤية الكونية ورحمة الربّ
    لا يخفى أنَّ رحمة الله لا تختص بالآخرة بل هي في الدنيا أيضاً فالإنسان الذي لا يعيش الاختلاف والنزاع ولا يعيش كثرات المادة
    فهو بالفعل مشمول لرحمة الله تعالى لأنَّ حالته النورانيَّة والمعنوية التي اكتسبها تجعله يعيش الذكر الدائم والاطمئنان المستمر
    (ألا بذكر الله تطمئن القلوب )
    والسعادة الحقيقية، وذلك لأنه رغم تواجده في الدنيا يعيش عالم والملكوت بل الجبروت وينزجر من عالم الملك
    كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) مخاطباً همّام: (لولا الأجل الذي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم
    في أجسادهم طرفه عين شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب عظما).(10)
    ومن هنا نراه يستغفر الله بمجرد توجهه إلى عالم الملك والمادة وإن كان هذا التوجه من غير قصدٍ أو أن التكليف فرض عليه ذلك،

    كما كان الامام علي (عليه السلام) حيث كان يحكم بين الناس وهو على كرسيِّ الخلافة والقضاء فالحكم

    بين الناس أمر لا بد منه ولكن رغم ذلك كان يجعله يعيش في عالم الملك ولو ساعات ومن أجل هذا الأمر

    كان في قيام الليل وأوقات السحر يبكي حتى يغمى عليه ويتوب

    كما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليران على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم سبعين مرة)

    ثم إنه ليس هناك أي انفصال بين هذه الحالة النورانية ونورانية البرزخ والقيامة بل كلها أمر واحد

    حيث أن عالم التجرد لا تعتريه الكثرة والتفرق فلا زمان يحكمه ولا مكان يحدُّه فالجنة الحقيقية يعيشها المؤمن

    وهو على الأرض والنار يعيشها الكافر وهو على الأرض.

    العبودية = الرجوع إلى الله =الرحمة الإلهية

    ومن خلال ما ذكرنا اتَّضح لك أن العبودية المنصوصةفي قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)

    تعنى الرجوع إلى الله والعيش في ظل كرامته المستفادةمن قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ)

    وهي بنفسها الرحمة الإلهية المذكورةفي قوله تعالى: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)

    وقال إمامنا سيِّد الساجدين زين العابدين (عليه السلام):(.. ولم تترك عبادك هملا ولا سدى ولم تدعهم بغير بيان ولا هدى

    ولم تدعهم إلا إلى الطاعة ولم ترض منهم بالجهالة والإضاعة بل خلقتهم ليعبدوك..)

    العبودية الاجتماعية

    وما ذكرناه إنما كان على صعيد الفرد لا المجتمع.

    (الكافي عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن ابن أبي نصر عن حماد بن عثمان عن أبي عبيدة الحذاء

    قال سالت أبا جعفر (عليه السلام) عن الاستطاعة و قول الناس فقال و تلا هذه الآية و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك

    و لذلك خلقهم يا أبا عبيده الناس مختلفون في أصابه القول و كلهم هالك

    قال قلت قوله إلا من رحم ربك قال هم شيعتنا و لرحمه خلقهم و هو قوله و لذلك خلقهم يقول لطاعة الإمام).(11)

    وسيتضح لك هذا إن شاء الله تعالى كلام الإمام قدِّس سرُّه حول الغاية من الخلق وللإمام قدِّس سرُّه الشريف

    كلامٌ لطيف حول غاية أفعال الله تعالى نكتفي بخلاصة ما ذكره في كتابه القيِّم الأربعون حديثاً

    قال الإمام رضوان الله تعالى عليه: (يقول المحققون من الفلاسفة أنَّه لا توجد غاية لأفعال الله سوى ذاته وتجلِّياتها،

    ولا يمكن أن يكون لذاته المقدَّسة في إيجاد الأشياء هدف آخر وراء ذاته وظهوره وتجليه المقدَّس،

    لأنَّ أيَّ فاعلٍ لو أوجد شيئاً بغايةٍ غير ذاته(ما وراء ذاته) مهما كانت تلك الغاية، وإن كانت إيصال الفائدة والمثوبة للغير،
    أو كانت الغاية العبادة والمعرفة أو الثناء والحمد، كان هذا الفاعل مستكملاً بهذه الغاية وكان وجودها بالنسبة إليه أولى من عدمها،

    وهذا يستلزم النقص والقصور والانتفاع، وهذا محال على الذات المقدس الكامل على الإطلاق، الغني بالذات والواجب من جميع الجهات،

    فإذاً لا يُستفسَر عن أفعاله ولا يُوجَّه إليه لِمَ (لا يُسأل عمّا يفعل) وأمّا الموجودات الأخرى فإنَّ لها غايات ومقاصد

    أخرى غير ذاتها (وذلك لأنَّها ناقصة ذاتاً وفعلاً)(وهم يُسألون)).(12)

    المطلوب من الإنسان

    وقد حان طرح السؤال الرئيسي الذي هو في الواقع الحلقة التِّي تربط أبحاثنا السابقة بما سنتحدَّث عنه فيما بعدُ وهذا السؤال هو:

    ما هو المطلوب من الإنسان؟ قد ذكر سبحانه وتعالى بصريح القول أنَّه:

    (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).(13)

    فالمطلوب منه إذاً هو العبادة لا شئٍ آخر والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا تعني العبادة ….

    هل هي الصلاة والصوم والزكاة والحج وغيرها من الأفعال؟ أم هي شئٌ آخر ما وراء هذه الأفعال والأقوال؟

    أقـول: عندما نلاحظ كلّ هذه الأفعال نشاهد أنَّ هناك أمراً مُشترك يحكمها جميعاً وذلك الأمر المشترك

    هو النيَّة وينبغي أن تكون تقرُّباً إلى الله ولولا القربة لما أطلق على العمل عبادة أصلاً فإذاً قوام العبادة بالنيَّة ومن الواضح
    أنَّ النيَّة ليست من الأعمال الجوارحيَّة بل هي حالةٌ قلبيَّة كامنة في نفس الإنسان فإذاً أساس العبادة أمرٌ نفسيٌّ باطنيّ.

    ماذا تعني قربةً إلى الله

    ولا يخفى معنى هذه الكلمة فهي تعني الوصول إلى الله نفسِه والاستقرار في جواره والابتهاج بلقائه، فهذا الأمر ممكنٌ للإنسان

    ولولا إمكانه لما طلب منه ذلك ولما ذُمَّ تاركه كما تدلُّ على ذلك الآيات الكثيرة والأحاديث المتواترة ولأهميَّة

    هذا البحث نجعله في عنوانٍ مستقل فنقول:

    لقــــــــــــــــاء الله:

    بعد أن اتَّضح لنا بأنَّ النفس هي نفحة من نفحات الرحمن ومظهر من مظاهره الذي قد تجلَّى فيه الجمال والجلال كما شرحنا سابقاً

    في تفسير قوله تعالى: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)

    وبعد أن عرفنا حقيقة خليفةَ الله، يمكننا أن نعرف المقصود من لقاء الله الذي يتحدَّث عنه سبحانه في كتابه العزيز،

    وليس هو إلاّ معرفة الله سبحانه بالقلب الذي يتبع معرفة الإنسان لنفسه،

    ولا ينبغي لنا أن نَصرف جميع هذه الآيات الصريحة عن ظاهرها اعتمادا على فهمنا القاصر وأذهاننا المحدودة المؤطَّرة بأفكار

    ربَّما هي ليست إلاّ أوهام متلبِّسة بلباس الحقائق تلك الأفكار التِّي جعلت الكثير يحرِّف الكلم عن مواضعه ويُفسِّر القرآن برأيه.

    اللقاء في القـــــــــرآن والسنَّة

    ولا يمكننا الوصول إلى هذا المستوى إلاّ بعد أن عرفنا بأنَّه تعالى:(مع كلِّ شيءٍ لا بمقارنة وغير كلّ شيءٍ لا بمفارقة)

    فحينئذٍ سوف نعلم أنَّه تعالى هو أوضح من كلِّ شيء حيث أنَّ قوام جميع الأشياء به لأنَّه هو الوجود المطلق الغنيّ بالذات

    وجميع الوجودات الأخرى فقيرةٌ بالذات إليه (أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ)

    وبالأحرى ليس هناك إلاّ وجود واحد ظهر في الأشياء والكلُّ تجلِّياته تعالى ومظاهره، والعبد بمقدار معرفته نفسَه وإحساسه

    فقرَه ومسكنته وأنَّه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حيوةً ولا نشوراً،

    بنفس المستوى سوف يعرف ربَّه ويصلُ إليه حيث يغفل حينئذٍ عن مشخصاته الفردية وماهيته المحدودة ويعرف أنَّ تلك المشخصات لم تكن إلاّ أوهام فليس وراء الوجود شيءٌ آخر فلا يعشق إلاّ الله ولا يعبد إلاّ الله ولا يريد إلاّ الله فحينئذٍ سوف لا يكون ممن

    قال تعالى عنهم (..ألا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ)(14)

    لأنَّه بالفعل قد عرف بأنَّ الله سبحانه بكلِّ شيءٍ محيط فلا يكون في مريةٍ من لقاء ربِّه بل يكون مصداقاً لقوله تعالى

    (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(15)

    وهذا سيُّد الشهداء أبو عبد الله الحسين (عليه السلام) ينادي:

    (تركت الخلق طرّاً في هواكا ..وأيتمت العيال لكي أراكا)

    لذَة الوصال ونار الفراق

    إنَّ جميع اللذات الدنيوية إنَّما هي ترجع إلى نفس الإنسان فهي التِّي تلتذ وهي التي تبتهج ولكن حيث أنَّ النفس مسجونة

    في الجسم نراها بواسطة الحواس الخمسة تتعامل مع الأشياء فتنظر إلى الوردة الجميلة فتلتذ من تلك الرؤية
    فهي في الواقع لا تلتذ من الوردة ولا تريدها كوردة بل النفس تلتذ بالجمال وتحبُّ الجمال فلو فقدت الوردة جمالَها فلا تحبُّها أصلاً،

    وهكذا بالنسبة إلى كلِّ هالك وآفل،فالمطلوب إذاً هو الجمال والكمال غير المحدود وغير المؤطَّر،

    وهو الله سبحانه ومن هنا نشاهد النبي إبراهيم ينفي كلَّ آفل وبالأخير يصل إلى الربّ

    (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ

    قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ

    فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ

    إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ).(16)

    وللإمام في كتابه القيِّم شرح دعاء السحر بيان حول الآية نحيل القرّاء الكرام إلى مراجعة الكتاب.(17)

    فالله سبحانه هو الذي يكون مطلوباً للإنسان وهو الذي يأنس به العارف لا غيره (يا من اسمه دواء وذكره شفاء)(18)

    ولا يمكن أن يسرَّ العارف إلاّ الله نفسه كما في دعاء الجوشن الكبير:

    (يا سرور العارفين يا منى المحبين يا أنيس المريدين يا حبيب التوابين يا رازق المقلين يا رجاء المذنبين يا قره عين العابدين)(19)

    (يا سرور الأرواح و يا منتهى غاية الأفراح).(20)
    وعلى ضوء ذلك يمكننا معرفة الأحاديث الكثيرة التِّي تؤكِّد على عبادة الأحرار التي تنبع عن الحبِّ والعشق بالله:

    (الطالقانى عن عمر بن يوسف بن سليمان عن القاسم بن إبراهيم الرقى عن محمد بن احمد بن مهدى الرقى عن عبد الرزاق

    عن معمر عن الزهرى عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

    بكى شعيب (عليه السلام) من حب الله عز و جل حتى عمى فرد الله عز و جل عليه بصره ثم بكى حتى

    عمى فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمى فرد الله عليه بصره فلما كانت الرابعة أوحى الله إليه يا شعيب إلى متى

    يكون هذا أبدا منك إن يكن هذا خوفا من النار فقد آجرتك و إن يكن شوقا إلى الجنَّة فقد أبحتك

    فقال إلهي وسيدي أنت تعلم إني ما بكيت خوفا من نارك و لا شوقا إلى جنتك و لكن عقد حبك على

    قلبي فلست أصبر أو أراك فأوحي الله جل جلاله إليه أما إذا كان هذا هكذا فمن أجل هذا سأخدمك كليمي موسى بن عمران).(21)

    (وقال أمير المؤمنين و سيد الموحدين صلوات الله عليه ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا في جنتك لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك).(22)

    وفي قبال لذَّة الوصال هناك نار الفراق الذي لا يمكن تصوُّر شدته ذكره أمير المؤمنين (عليه السلام) في دعاء الكميل.

    قال الإمام قدِّس سرُّه (إنَّ دعاء الكميل دعاء عجيب للغاية، بعض فقراته لا يمكن أن تصدر من البشر العادي

    (إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك)

    فمن يمكنه أن يقول هذا الكلام؟ من يمتلك هذا العشق للجمال الإلهي بحيث لا يخاف من النار،

    لكنَّه يخاف أنَّه إذا دخل النار ينزل من مقامه ويصل إلى مرتبة يُحرم من عشقه؟

    إنَّه يصرخ من فراق ذلك العشق بالله المجمر في قلبه الذي لا يعمل عملاً إلا من منطلق ذلك العشق).(23)

    وقال في كلمة أخرى: (إنَّ نار جهنَّم مضافاً إلى أنَّها تُحرق الجسم تُحرق القلب

    (القلب المعنوي)أيضاً فهي تدخل القلب، مع ذلك يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) (فهبني صبرت على عذابك..)!).(24)

    لقاء الله في القصيدة العرفانيَّة للإمام

    ومن هنا يمكننا أن نصل إلى محتوى القصيدة العرفانية التِّي أنشدها الإمام قدّس سرُّه، تلك القصيدة التِّي أهداها إلى الأمَّة الإسلاميَّة

    نجله السيد أحمد رضوان الله تعالى عليه وذلك بعد وفات الإمام ونحن نحاول أن نشرح البيتَ الأوَّل والثاني منها فحسب

    قال إمامنا:(من بخال لبت أي دوست كرفتار شدم .. جشم بيمار تو را ديدم وبيمار شدم)

    يقول الإمام: أنا ابتليت بخال شفتك يا محبوب وقد شرحنا معنى الخال سابقاً فراجع.ونظرت إلى عينك الخمول والعين الخمولة

    هي التي نوصفها بالغض فهي لا تتصف بالغمض ولا بالفتح وهذه الحالة للعين تُبرِز جمال المحبوب وتضفي من جماله

    وإنَّما يقصد الإمام من ذلك الجذبات الإلهيَّة وأسرارها التِّي تصل إلى العاشق وتُفهمُه أنَّ معشوقه ومحبوبه مع علمه الكامل

    بحاله ومعرفته بعبده، مع ذلك فهو يستر على ذنوبه ويتغاضى عن زلاّته.
    (غافل از خود شدم وكوس أنا الحق بزدم *** همجو منصور خريدار سر دار شدم)

    ثمَّ يقول الإمام قدِّس سرُّه:إنِّي قد غفلت عن نفسي وهذه مرتبة راقية جدّاً لا يصل إليها إلاّ الأوحدي

    والمقصود من كلامه هو أنَّني قد انفصلت عن كلِّ شئٍ يرجع إلى شخصيتي الموهومة وتباعدت

    عن كلِّ أمر يمسُّ أنا والأنانيَّةُ رأس كلِّ خطيئة حيث أنَّها تبعدُ الإنسان عن الله وتغمسُه في متاهات

    الدنيا وآثارها الدنيَّة وزخرفها وزبرجها،فبمقدار إبتعاد الإنسان عن الجانب السفليِّ من نفسه سوف يتقرَّب إلى الجانب العلويِّ منه

    وهذا يعني تقرُّبه إلى الحقّ المطلق وهو الله سبحانه وتعالى، فحينئذٍ برى نفسَه مظهر تامّ من مظاهر

    الحق وآية من آياته جلَّ وعلا فينادي أنا الحق ولكن عندما يرجع إلى هويَّته يرى أنَّ هذا النداء والصراخ

    لم يكن في محلِّه لأنَّه لا زال فقيراً ولا زال ناقصاً فماذا يطلب بعد ذلك؟

    يقول إمامنا قدِّس سرُّه: (همجو منصور خريدار سر دار شدم)فحينئذٍ تمنِّيت الموت كما تمنَّي ذلك منصور الحلاج

    وكنت من المشترين الطالبين للمشنقة لأنَّه رأيت مادام أنَّني محبوس في هذا البدن المادِّي فمن المستحيل

    أن أصل إلى اللقاء الإلهي وأستقرَّ تحت ولايته إلاّ أن أموت

    (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوْا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ).(25)

    ومن هنا نصل إلى أمر آخر وهو أنَّ العارف لا يمكنه أن يصل إلى لقاء الله الأتَّم إلاّ بعد انفصاله عن الجسم المادِّي

    يتــــــــــــــــــــــــــــــبع

    [/align]
    [/cell][/table1][/align]
    [/align]
    [/cell][/table1][/align]
  • الـدمـع حـبـر العـيـون
    • Apr 2011
    • 21803

    #2
    [align=center][table1="width:100%;background-color:black;border:10px double green;"][cell="filter:;"][align=center]
    [align=center][table1="width:85%;background-image:url('http://www.ahbabhusain.net/vb/mextraedit4/backgrounds/20.gif');border:10px solid deeppink;"][cell="filter:;"][align=center]
    ورجوعه إليه تعالى إمّا بالقتل في سبيل الله والوصول إلى الشهادة وإمّا بالموت المتداول حيث الانفصال من عالم الطبيعة
    (وفى الحديث القدسي من عشقته فقد قتلته ومن قتلته فعلى ديته ومن علي ديته فأنا ديته)(26)
    وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نعرف معنى الآيتين
    (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(27)
    (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(28)
    فتأمَّل فيهما وتدبَّر محتواهما لتعرف أنَّ كلام الإمام إنَّما هو نابع من القرآن الكريم.
    وفي قبال هؤلاء هناك من لا يرجو لقاء الله وذلك لانغماره في الدنيا التي تُبعده عن تمنِّي الموت
    كما قال تعالى: (الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ).(29)
    والمهمُّ هو العمل طبقاً للشريعة المقدَّسة فهو الذي يجعل المؤمن بالفعل من مصاديق الراجين لقاء الله وقد بيَّن سبحانه ذلك
    في قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحدا).(30)
    الرجـــــــــــــــــوع إلى الله
    إنَّ المقامات التِّي يصل إليها الإنسان سواء في عالم الملك والدنيا أو الملكوت والبرزخ أو الجبروت والآخرة ليس بينها
    أيّ اختلاف وتعدُّد بل هي حقيقة واحدة راجعة إلى النفس الإنسانيَّة، ولا يخفي أنَّ النفس لبساطتها وتجرُّده


    هي التِّي تُدرك تلك المراتب فالدنيا ليست هي إلاّ إدراك النفس وموقفها بالنسبة إلى المادة كما

    أنَّ البرزخ ليس هو إلاّ وصول النفس إلى مستوى من الرُقيِّ أو النزول بحيث يمكنها أن تُدرك اللذات أو الآفات ونفس الكلام

    بالنسبة إلى الجنَّة فلولا النفس وحالاتها لما كانت الدنيا ولا البرزخ ولا الآخرة ولهذا نرى أنَّه تعالى يقول (هم درجات)

    فالدرجات ترجع إلى الإنسان نفسه وقد ثبت هذا الأمر في محلِّه وليس هنا مجال لشرحه بالتفصيل

    ـــــــــــــــــــــ

    (10) بحار الأنوار ج 67 ص 315 رواية 50 باب 14.

    (11) بحار الأنوار ج 5 ص 195 رواية 1 باب 7.

    (12) الأربعون حديثاً الحديث 35.

    (13) الذاريات 56.

    (14) فصلت 53-54.

    (15) البقرة 46.

    (16) الأنعام75 -79.

    (17) شرح دعاء السحر 26-29.

    (18) دعاء الكميل.

    (19) بحار الأنوار ج 94 ص 389 رواية 3 باب 52.

    (20) بحار الأنوار ج 94 ص 111 رواية 16 باب 32.

    (21) بحار الأنوار ج12 ص380 رواية1 باب11.

    (22) بحار الأنوار ج 70 ص 186 رواية 1 باب 53.

    (23) صحيفة النور ج19ص61.

    (24) صحيفة النور ج19ص286.

    (25) الجمعة 6.

    (26) شرح الأسماء الحسنى للسبزواري ج ص وأيضاً الحديث المنقول من مجالس الشيخ عن ابن عبدون عن ابن الزبير عن ابن فضال

    عن فضل بن محمد الاموى عن ربعى بن عبد الله عن الفضيل بن يسار عن ابى جعفر (عليه السلام)

    قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الله عز و جل الصوم لى و انا أُجزى به دليل على ذلك فجزاء الصوم

    إنِّما هو الله كما أكَّد على ذلك الإمام قدس سرُّه أيضاً. راجع بحار الأنوار ج 96 ص 255 رواية 35 باب 30.

    (27) العنكبوت 5.

    (28) البقرة 46.

    (29) يونس 7.

    (30) الكهف 110.

    الشيخ ابراهيم الانصاري






    [/align]
    [/cell][/table1][/align]
    [/align]
    [/cell][/table1][/align]

    تعليق

    • محـب الحسين

      • Nov 2008
      • 46763

      #3
      أحسنتِ اختي العزيزه
      جزاكِ الله كل خير

      تعليق

      • دمعة الكرار
        • Oct 2011
        • 21333

        #4

        تعليق

        • محب الرسول

          • Dec 2008
          • 28579

          #5
          جزاك الله خيرا اختي
          موضوع ولا اروع
          بارك الله فيكِ

          تعليق

          • نور البتول الطاهرة
            • Aug 2010
            • 3064

            #6
            بارك الله فيك أختي على الطرح القيم
            جزاك الله خير

            تعليق

            • الـدمـع حـبـر العـيـون
              • Apr 2011
              • 21803

              #7

              مرور طيفكم الراقي يرسم الابتسامة على وجهي
              أشكركم لحضوركم الجميل لكل جديدي

              تعليق

              • نور الزهراء
                • May 2012
                • 3660

                #8
                جزآك الله جنةٍ عَرضها آلسَموآت وَ الأرض
                بآرك الله فيك على الطَرح القيم وَ في ميزآن حسناتك ,,
                آسأل الله أنْ يَرزقـك فسيح آلجنات !!
                دمتـمّ بـِ طآعَة الله ..~
                ..:ღ:..


                تعليق

                • نور البتول الطاهرة
                  • Aug 2010
                  • 3064

                  #9
                  بارك الله فيك أختي على الموضوع القيم
                  جعله في ميزان حسناتك
                  جزاك الله خير

                  تعليق

                  • الـدمـع حـبـر العـيـون
                    • Apr 2011
                    • 21803

                    #10
                    ..أسعدني مروركـِ العطر ..
                    وانرتي صفحتي بوجودكـِ المميز .
                    .. تحياتي وودي واحترامي ..

                    تعليق

                    يعمل...
                    X