
وقال أمير المؤمنين(ع) : (فلو رميت ببصـر قلبك نحو ما يوصف لك منها ، لعزفت نفسك عن بدائع ما أخرج إلى الدنيا ، من شهواتها ولذاتها وزخارف مناظرها ، ولذهلت بالفكر في اصطفاق أشجار، غيبت عروقها في كثبان المسك ، على سواحل أنهارها ، وفي تعليق كبائس(عذوق) اللؤلؤ الرطب في عساليجها (عصونها)وأفنانها، وطلوع تلك الثمار مختلفة في غلف أكمامها ، تُحنى من غير تكلف فتأتي على منية مجتنيها ، ويطاف على نزالها في أفنية قصورها بالأعسال المصفقة ، والخمور المروقة . قومٌ لم تزل الكرامة تتمادى بهم حتى حلوا دار القرار، وأمنوا نقلة الأسفار . فلو شغلت قلبك أيها المستمع، بالوصول إلى ما يهجم عليك من تلك المناظر المونقة ، لزهقت نفسك شوقاً إليها ، ولتحملت من مجلسـي هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالاً بها . جعلنا الله وإياكم ممن سعى بقلبه إلى منازل الأبرار برحمته ). (نهج البلاغة/2/75) .
ونقرأ في تفسير قوله تعالى: عَيْنًا يَشْـرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا: (وأنهار الجنة تجري بغير أخدود ، فإذا أراد المؤمن أن يُجري نهراً ، خَطَّهُ خَطّاً فنبع الماء من ذلك الموضع ، وجرى بغير تعب... أي يجرونها إلى حيث شاءوا من الجنة ) ! (البحار:8/11، وتأويل الآيات/741).
ونقرأ للمفيد في الإختصاص/357: (قال رسول الله(ص) : إن أنهار الجنة تجري في غير أخدود ، أشد بياضاً من الثلج ، و أحلى من العسل ، وألين من الزبد . طين النهر مسك إِذْفِر (فواح) وحصاه الدر والياقوت ، تجري في عيونه وأنهاره حيث يشتهي ويريد في جنان ولي الله ، فلو أضاف من في الدنيا من الجن والإنس لأوسعهم طعاماً وشراباً وحُللاً وحُلِيّاَ ، لا ينقصه من ذلك شئ ) .
ونقرأ للمفيد في الإختصاص/350، عن النبي(ص) : ( فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ: فإذا انتهى إلى باب الجنة قيل له: هات الجواز . قال: هذا جوازي ، مكتوبٌ فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم . هذا جواز جائز من الله العزيز الحكيم لفلان بن فلان فينادي مناد يسمع أهل الجمع كلهم: ألا إن فلان بن فلان ، قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً .قال: فيدخل فإذا هو بشجرة ذات ظل ممدود ، وماء مسكوب وثمار مهدلة تسمى رضوان، يخرج من ساقها عينان تجريان ، فينطلق إلى إحداهما فيغتسل منها ، فيخرج وعليه نضرة النعيم، ثم يشرب من الأخرى ، فلا يكون في بطنه مغص ولامرض ولا داء أبداً،وذلك قوله تعالى: وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا.
ثم تستقبله الملائكة فتقول له: طبت فادخلها مع الداخلين ، فيدخل فإذا هو بسماطين من شجر ، أغصانها اللؤلؤ ، وفروعها الحلي والحلل ، وثمارها مثل ثدي الجواري الأبكار ، فتستقبله الملائكة معهم النوق والبراذين والحلي والحلل فيقولون: يا ولي الله اركب ما شئت والبس ما شئت ، وسل ما شئت .
قال: فيركب ما اشتهى ويلبس ما اشتهى ، وهو على ناقة أو برذون من نور وثيابه من نور ، وحليته من نور ، يسير في دار النور ، معه ملائكة من نور وغلمان من نور ، ووصايف من نور ، حتى تهابه الملائكة مما يرون من النور فيقول بعضهم لبعض:تنحوا فقد جاء وفد الحليم الغفور .
قال: فينظر إلى أول قصر له من فضة ، مشرقاً بالدر والياقوت ، فتشـرف عليه أزواجه ، فيقلن مرحباً مرحباً ، إنزل بنا ، فَيَهِمُّ أن ينزل بقصـره . قال: فتقول الملائكة: سِرْ يا ولي الله فإن هذا لك وغيره ، حتى ينتهي إلى قصر من ذهب مكلل بالدر والياقوت ، فتشرف عليه أزواجه فيقلن: مرحباً مرحباً يا ولي الله إنزل بنا ، فَيَهِمُّ أن ينزل بهن فتقول له الملائكة: سِرْ يا ولي الله فإن هذا لك ، وغيره .
قال: ثم ينتهي إلى قصر مكلل بالدر والياقوت ، فيهمُّ أن ينزل بقصره فتقول له الملائكة: سِرْ يا ولي الله فإن هذا لك وغيره . قال: ثم يأتي قصراً من ياقوت أحمر مكللاً بالدر والياقوت فيهم بالنزول بقصره فتقول له الملائكة: سر يا ولي الله فإن هذا لك وغيره . قال: فيسير حتى يأتي تمام ألف قصر...
ثم ذكر النبي(ص) الحور العين، فقالت أم سلمة: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أمالنا فضل عليهن؟ قال: بلى بصلاتكن وصيامكن وعبادتكن لله بمنزلة الظاهرة على الباطنة ، وحدث أن الحور العين خلقهن الله في الجنة مع شجرها وحبسهن على أزواجهن في الدنيا... فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ: يعني خيرات الأخلاق حسان الوجوه . كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ: يعني صفاء الياقوت ، وبياض اللؤلؤ ).
وفي الإختصاص/358: (عن أبي جعفر(ع) قال: إن أهل الجنة جُرْدٌ مُرْدٌ ، مكحلين ، مكللين ، مطوقين ، مسورين مختمين ، ناعمين ، محبورين ، مكرمين . يعطى أحدهم قوة مائة رجل في الطعام والشراب والشهوة والجماع ، ويجد لذة غذائه مقدار أربعين سنة ، ولذة عشائه مقدار أربعين سنة ، قد ألبس الله وجوههم النور، وأجسادهم الحرير، بيض الألوان، صفر الحلي ، خضر الثياب...
يحيون فلا يموتون أبداً ، ويستيقظون فلا ينامون أبداً ، ويستغنون فلا يفتقرون أبداً ، ويفرحون فلا يحزنون أبداً ، ويضحكون فلا يبكون أبداً ، ويكرمون فلا يهانون أبداً ، ويفكهون ولا يقطبون أبداً، ويحبرون ويسرون أبداً ، ويأكلون فلا يجوعون أبداً ، ويروون فلا يظمؤون أبداً ، ويُكْسَوْنَ فلا يَعْرُون أبداً ، ويركبون ويتزاورون أبداً . يسلم عليهم الولدان المخلدون أبداً ، بأيديهم أباريق الفضة وآنية الذهب أبداً ، متكئين على سرر أبداً ، على الأرائك ينظرون أبداً ، تأتيهم التحية والتسليم من الله أبداً . نسأل الله الجنة برحمته ، إنه على كل شئ قدير ) .
أقول: في بعض الروايات: مكحلون . وهي وما بعدها هنا منصوبة على لحال .
وفي تفسير القمي(2/70) عن الإمام الصادق(ع) وقد سئل: (جعلت فداك ، هل في الجنة غناء؟ قال: إن في الجنة شجرة يأمر الله رياحها فتهبُّ ، فتضرب تلك الشجرة بأصوات لم يسمع الخلائق مثلها حسناً ! ثم قال: هذا عوض لمن ترك السماع للغناء في الدنيا من مخافة الله . قال قلت: جعلت فداك زدني ، فقال: إن الله خلق الجنة بيده ولم ترها عين ولم يطلع عليها مخلوق، يفتحها الرب كل صباح فيقول: ازدادي ريحاً ، ازدادي طيباً ، وهو قول الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِي لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
تعليق