وقفة مع لذات الروح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • الـدمـع حـبـر العـيـون
    • Apr 2011
    • 21803

    وقفة مع لذات الروح


    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صلِ على محمد وآله محمد الطيبين الطاهرين

    كنت أبحث عن لذة لا كدر فيها فلم أجدها لا في الطعام ولا في اللباس ولا في الجنس .


    ففكرت كثيرا ، ترى ، كيف أشبع نفسي من لذات صافية لا حساب عليها ؟


    و أتصور أن هذا هو ما يبحث عنه أغلب الناس و لكن لا يجدون إليه سبيلا . فما هو السبيل إلى ذلك؟


    بحثت مدة من الزمن بين صفحات الجرائد و المجلات تلاحق فيها عيني العناوين المختلفة


    فلم يمل قلبي إلى أي منها ، و تصفحت عدة من الكتب الثقافية العامة فلم أجد ما تفتش عنه روحي و تتعطش له نفسي من اللذات
    التي تروي الوله الداخلي الذي يواصل إلحاحه بلا تردد .
    و ذات يوم من أيام الله المملوءة بالبركات ساقني التوفيق الإلهي إلى محاضرة إسلامية


    لأحد طلاب العلم كان عنوانها ( لذات الروح) ،
    فخفق قلبي بشدة مذ سمعت بالعنوان و بدأت نبضاته تتسابق مع دقات ثواني الساعة و كأنها تريد أن تسبقها كي تحظى بجرعات شافية


    من هذا الحديث .


    و بدأت المحاضرة و بدأ معها النور يتسلل إلى أعماق فؤادي و أخذ ، الظلام الحالك ينجلي ،
    و لا تعجب مما حصل لي ، إنها الحقائق العليا و ما تحدثه في القلوب الباحثة عن اللذات الحقيقية ، فأين لذات الطعام و الرئاسة و الترف و العلاقة الزوجية ،
    كلها و مع شدة الحاجة إليها ، لكنها لا شيء أمام لذات الروح .
    و مما قاله المحاضر أن لذات الروح كثيرة من أبرزها :


    1 ـ لذة الدعاء والمناجاة المنبعثة من أعماق القلب .


    2 ـ لذة العطاء و التضحية في سبيل الله .


    حينما سمعت هذا الكلام عرفت تماما أن هذا هو ما تشتهيه الروح ، و لكن لا يمكن للإنسان أن يتذوقه من طبق أنيق أو على فراش وثير ،كلا ،
    بل له طريقه الخاص الذي تشرحه تعاليم السماء . ثم واصل الحديث قائلا :
    إن الإنسان إذا هام في شيء تصور أنه غاية المنى ، و لكنه لو تريث قليلا وتعرف على حقائق جديدة عن لذات الروح
    لوجد فيها أعلى و أحسن من كل ما تتمناه نفسه الغريزية .
    و كما أن للناس ألسنة و لغات لا يتمكن الجاهل بها أن يفهم من الحديث شيئا،
    كذلك فإن لعالم القلوب و الأرواح لغة و منطق لا يمكن أن يفهمها من أصمت أسماعه طبول الطرب ،
    و شغلت قلبه رغبات الدنيا ، و أعمى بصره الطمع في المادة .


    و لكن لا يخلو كل إنسان من ساعات أو لحظات تختطفه فيها الفطرة الطاهرة التي فطرالله تعالى الناس عليها ،
    و تعرضه للنفحات الإلهية التي لا تنقطع عن البشر وهي تكرر وتقول :
    (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ
    فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد/16).


    كل ذلك لعلها تجد قلبا يصغي و يقول : بلا ، لبيك يا رباه ...


    يا ترى ، هذا الذي يقول لبيك عن أي حاجة يبحث وهو يرفل في لذات المادة ؟ لا شك أنه يخفي في قلبه حاجة كبرى
    إلى لذة من نوع أرقى و أسمى ، لذة إذا ولدت فإنها لا تموت أبدا ، تتخطى مع الإنسان سنين عمره و تتبعه
    إلى عالم البرزخ ثم يجدها يوم القيامة حية أمامه قد تجسدت في شكلها الحقيقي بقدر من العظمة و الضخامة ما لا يمكن أن يصفه بشر .


    و نحن علينا أن نعرف أن لذات الروح في الدنيا هي جزء من لذات الآخرة .


    فمن يتذوق الدعاء و الحديث مع الله تعالى من أعماق قلبه و هو في كامل القناعة أن ما يختاره الله هو الأحسن له ،
    فإنه وإن كان جسده على الأرض مع المخلوقين إلا أن روحه قد اخترقت حجب الأهواء و أضحت تهوى عالم الملكوت
    ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) .(البقرة/186).


    إن هذه الحقيقة الخالدة في الحياة مهما حرمنا منها ، ومهما فقدنا طعم لذتها ،
    لعلل فيا لنفوس ، وأمراض في القلوب ، فإنه ، و لعظمتها فقد خصص أكثر الناس فهما و علما و أخلاقا خيرة أوقاتهم لمناجاة الله تعالى
    و قد علمنا ألإمام السجاد عليه السلام دروسا في كيفية التروي من اللذة الروحية عبر الدعاء ، و مما جاء في مناجاته لله تعالى :


    (إلهي من الذي ذاق حلاوة محبتك فرام منك بدلا، و من الذي أنس بقربك فابتغى عنك حولا ) منجاة المحبين


    (إلهي ..قد إنقطعت نحوك رغبتي فأنت لا غيرك مرادي و لك لا لسواك سهري و سهادي و لقاؤك منى نفسي
    و رؤيتك حاجتي و في مناجاتك روحي و راحتي وعندك دواء علتي و شفاء غلتي .. يا نعيمي و جنتي و يا دنياي وآخرتي...) منجاة المريدين.


    قد تكون هذه الكلمات غريبة في خضم هذا العالم الذي يضج بالهموم المادية و التنافس فيها ،
    و لكن ثبت طوال الزمن أن أي محبوب في هذه الدنيا ،شيئا كان أو إنسانا فإنهلا يلبث أن يذبل و تذهب نضارته أو يأتي شيء أحسن منه.
    و في مقابل ذلك هناك محبوب كله حلاوة و لذة ، إنه المحبوب الوحيد الذي لا ينتظر منا شيئا نعطيه إياه ،
    بل إن العلاقة الروحية معه كلها أخذ وكسب ، راحة و أنس ، ود و عاطفة ، فلاح و نجاح ،سعادة و هناء .


    و كل ما يخالطها من حنين و أنين ، بكاء و خضوع ، فإنها ناتجة من ألم الفراق و الخوف من التقصير و هيجان الشوق و الحب .
    أما ما تتطلبه هذه اللذة من صبر وتضحية ، عطاء و جهاد بالنفس و الوقت و المال ،
    فإنها تماما كمن يحول ما في يده من مال إلى رصيده في البنك ،
    و فوق ذلك فإن كل ما يكون ظاهره عطاء لهذا المحبوب فإنه في الحقيقة أعلى درجات الأخذ و الكسب
    لأنه سوف يرصد لصاحبه ثم يرد عليه مضاعفا ..فمن هو هذا المحبوب ؟ إنه الوحيد الذي يمكن أن نخاطبه قائلين :
    ( إلهي ما ألذ خواطر الإلهام بذكرك على القلوب و ما أحلى المسير إليك بالأوهام في مسالك الغيوب ..
    و ما أطيب طعم حبك و ما أعذب شرب قربك ..) .مناجاة العارفين –السجاد(ع)


    و أما عن لذة العطاء ، فإن الناس يضحون بمختلف أنواع العطاء لأحبائهم من البشر


    الذين سوف ينسونهم بعد الموت بمجرد أن تمر شهور قلائل على ردمهم تحت التراب
    وسوف يفرون عنهم يوم يفر المرء من أخيه و أمه و أبيه و صاحبته و بنيه. كما أنهم يبررون الكدح المضاعف في الحياة
    وجمع الثروة بمتطلبات الحياة و أهواء النفس ، و النتيجة


    هي ضعف رغبة هؤلاء الناس في مقامات الآخرة ، فلماذا لا يضحون في المحبوب الحق الذي يضاعف لكل من يقرضه قرضا حسنا .

    و التعبير بالقرض الوارد في الآيات الكريمة لطيف و جميل إذ أنه يبين أنه سوف يرد ، و الله تعالى لا يرد إلا ردا مضاعفا لا يمكن أن يتصوره بشر.

    (يا حي يا قيوم ، برحمتك استغيث ، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله).

    الكاتب أحمد الخليفة
    منـقول
  • * || نور على نور ||*
    • Nov 2008
    • 11135

    #2
    اللهم صلِّ على محمد وآلِ محمد
    كل الشكر والتقدير للنقل القيّم والمفيد
    جزآكِ الله خير الجزآء
    ووفقكِ لكل خـير وصوآب
    تحيّآتي

    تعليق

    • محـب الحسين

      • Nov 2008
      • 46763

      #3
      طرح رائع
      بوركتِ اختي العزيزه
      جزاكِ الله خير الجزاء

      تعليق

      • عاشقة ام الحسنين
        كبار الشخصيات

        • Oct 2010
        • 16012

        #4
        اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياكريم
        طرح في غاية الرّقي ...
        سلمت يمنـاك على الموضوع القيم ...
        جزاكم الله خيرا الجزاء...

        تعليق

        • محب الرسول

          • Dec 2008
          • 28579

          #5
          الله يعطيكِ الف عافيه
          جزاكِ الله كل خير

          تعليق

          • الـدمـع حـبـر العـيـون
            • Apr 2011
            • 21803

            #6
            حُضورٌ آتَنفسْ مِنهُ السَعآدهـ لـِ تَوآجدُكـم
            لاحَرمَني الله مِنْ مُروركـم الذِي عَطّرَ مُتَصفَحي
            لِـأرواحكمـ ياسمَينة لا تَذّبُلْ..

            تعليق

            • نور الزهراء
              • May 2012
              • 3660

              #7
              بٌأًرًڳّ أِلٌلُهً فَيٌڳّ عِلٌى أَلِمًوُضِوًعَ أٌلّقِيُمّ ۇۈۉأٌلُمِمّيِزُ

              وُفّيُ أٌنِتُظٌأًرِ جّدًيًدّڳّ أِلّأَرّوّعٌ وِأًلِمًمًيِزَ

              لًڳَ مِنٌيّ أٌجَمًلٌ أِلًتَحِيُأٌتِ

              وُڳِلً أِلٌتَوَفّيُقٌ لُڳِ يّأِ رٌبِ

              تعليق

              يعمل...
              X