عرض مشاركة واحدة
قديم 04-09-2017, 05:05 PM   المشاركة رقم: 2
معلومات العضو
الشيخ عباس محمد

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : منتدى رد الشبهات
افتراضي

ولكنْ بغضّ النظر عن هذه الناحية، لو نظرنا إلى ملابسات هذه القضية والقرائن الداخلية في ألفاظ الخبر، وأيضاً القرائن الخارجية التي لها علاقة بهذا الخبر، لرأيتم أن إرسال أبي بكر إلى الصلاة كان بإيعاز من عائشة نفسها، ولم يكن من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فمن جملة القرائن المهمة التي لها الاثر البالغ في فهم هذه القضية: قضية أمر رسول الله بخروج القوم مع أُسامة، قضية بعث أُسامة، وتأكيده (صلى الله عليه وآله وسلم) على هذا البعث إلى آخر لحظة من حياته المباركة.
أمّا أنّ النبي كان يؤكّد على بعث أُسامة، وإلى آخر لحظة من حياته، فلم يخالف فيه أحد، ولا خلاف فيه أبداً، وهو مذكور في كتبنا وفي كتبهم، فلا خلاف في هذا.
وأمّا أنّ كبار الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر كانا في هذا البعث، فهذا أيضاً ثابت بالكتب المعتبرة التي نقلت هذا الخبر، فكيف يأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بخروج أبي بكر في بعث أُسامة، ويؤكّد على خروجه إلى آخر لحظة من حياته، ومع ذلك يأمر أبا بكر أنْ يصلّي في مكانه ؟
وهنا يضطرّ مثل ابن تيميّة لان ينكر وجود أبي بكر في بعث أُسامة، ويقول هذا كذب، لانّه يعلم بأنّ وجود أبي بكر في بعث

أُسامة، يعني كذب خبر إرسال أبي بكر إلى الصلاة، ولكنّ مسألة الصلاة من أهمّ أدلّتهم على إمامة أبي بكر، إذن، لابدّ من الانكار والحال أنّ وجود أبي بكر في بعث اُسامة لا يقبل الانكار.
أنقل لكم عبارة واحدة فقط، يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتاب فتح الباري بشرح البخاري:
قد روى ذلك ـ أي كون أبي بكر في بعث أُسامة ـ الواقدي، وابن سعد، وابن إسحاق، وابن الجوزي، وابن عساكر، وغيرهم(1) . أي: وغيرهم من علماء المغازي والحديث.
ولذا لمّا توفّي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أُسامة بجيشه في خارج المدينة، ولذا لمّا ولّي أبو بكر اعترض أُسامة ولم يبايع أبا بكر قال: أنا أمير على أبي بكر وكيف أُبايعه ؟ ولذا لمّا سيّر أبو بكر أُسامة بما أمره رسول الله به استأذن منه إبقاء عمر في المدينة المنورة، ليكون معه في تطبيق الخطط المدبرة.
القرائن الداخلية والخارجية تقتضي كذب هذا الخبر، أي خبر: أنّ النبي أرسل أبا بكر إلى الصلاة.
ولكن لا نكتفي بهذا القدر، ونضيف أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يعتقد،
____________
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 / 124.

وكذا أهل البيت كانوا يعتقدون، بأنّ خروج أبي بكر إلى الصلاة كان بأمر من عائشة لا من رسول الله.
قال ابن أبي الحديد: سألت الشيخ ـ أي شيخه وأُستاذه في كلام له في هذه القضية ـ أفتقول أنت أنّ عائشة عيّنت أباها للصلاة ورسول الله لم يعيّنه ؟ فقال: أمّا أنا فلا أقول ذلك، لكن عليّاً كان يقوله، وتكليفي غير تكليفه، كان حاضراً ولم أكن حاضراً.
ولا نكتفي بهذا القدر فنقول:
سلّمنا بأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي أمر أبا بكر بهذه الصلاة، فكم من صحابي أمر رسول الله بأنْ يصلّي في مكانه في مسجده وفي محرابه، ولم يدّع أحد ثبوت الامامة بتلك الصلاة لذلك الصحابي الذي صلّى في مكانه (صلى الله عليه وآله وسلم).
لكنْ لكم أن تقولوا: بأنّ الصلاة في أُخريات حياته تختلف عن الصلاة في الاوقات السابقة، هذه الصلاة بهذه الخصوصية حيث كانت في أواخر حياته فيها إشعار بالنصب، بنصب أبي بكر للامامة من بعده، لك أنْ تقول هذا، كما قالوا.
فاسمع لواقع القضية، واستمع لما يأتي:
إنّه لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الامر، فقد ذكرت تلك
الاخبار أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج بنفسه الشريفة ـ معتمداً على رجلين

ورجلاه تخطّان على الارض ـ ونحّى أبا بكر عن المحراب، وصلّى تلك الصلاة بنفسه.
لكنّهم يعودون فيقولون: بأنّ صلاة أبي بكر كانت أيّاماً عديدة، وهذا الذي وقع من رسول الله وقع مرّة واحدةً فقط.
قلت:
أوّلاً:
لم تكن الصلاة أيّاماً، بل هي صلاة واحدة، وهي صلاة الصبح من يوم الاثنين، فكانت صلاة واحدة.
وثانياً:
على فرض أنّه قد صلّى أيّاماً وصلوات عديدة، ففعل رسول الله ذلك في آخر يوم من حياته، وخروجه بهذا الشكل معتمداً على رجلين ورجلاه تخطّان على الارض، دليل على أنّه عزله بعد أن نصبه لو صحّ هذا النصب.
فلو سلّمنا أنّ الامر بهذه الصلاة هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لو سلّمنا هذا، فرسول الله ملتفت إلى أنّهم سيستدلّون بهذه الصلاة على إمامته من بعده، وفي هذا الفعل إشعار بالامامة والخلافة العامة من بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)، فخرج بهذا الشكل ليرفع هذا التوهّم وليزيل هذا الاشعار، وهذا مذكور وموجود في نفس الروايات التي اشتملت في أوّلها على أنّ رسول الله هو الامر بهذه الصلاة بزعهم.

وهنا نكات:
النكتة الاولى:
قالت الروايات: إنّه خرج معتمداً على رجلين، والراوي عائشة ـ كما ذكرنا، الاخبار كلّها تنتهي إلى عائشة ـ خرج رسول الله معتمداً على رجلين ورجلاه تخطّان الارض، وتنحّى أبو بكر عن المحراب، وصلّى تلك الصلاة بنفسه الشريفة.
وخروجه بهذه الصورة دليل على العزل لو كان هناك نصّ.
وعائشة ذكرت أحد الرجلين اللذين اعتمد عليهما رسول الله لدى خروجه، ولم تذكر اسم الرجل الثاني، والرجل الثاني كان علي (عليه السلام)، ممّا يدلّ على انزعاجها من هذا الفعل.
يقول ابن عباس للراوي: أسمّتْ لك الرجل الثاني ؟ قال: لا، قال: هو علي، ولكنّها لا تطيب نفساً بأن تذكره بخير.
النكتة الثانية:
إنّه لمّا رأى بعض القوم أنّ خروج النبي بهذه الصورة وصلاته بنفسه وعزل أبي بكر سيهدم أساس استدلالهم بهذه الصّلاة على إمامة أبي بكر بعد رسول الله، وضع حديثاً في أنّ رسول الله لم يعزل أبا بكر، وإنّما جاء إلى الصلاة معتمداً على رجلين، وصلّى خلف أبي بكر، فثبتت القضية وقويت.
وبعبارة أُخرى: رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينصب أبا بكر عملاً، مضافاً إلى إرساله إلى الصلاة لفظاً وقولاً، إذ يأتي معتمداً على رجلين
________________________________________
حينئذ ورجلاه تخّطان الارض ويصلّي خلف أبي بكر.
ومن الذي يمكنه حينئذ من أنْ يناقش في إمامة أبي بكر وكونه خليفة لرسول الله، مع اقتداء رسول الله به في الصلاة، ألا يكفي هذا لان يكون دليلاً على إمامة أبي بكر لما عدا رسول الله ؟
نعم، وضعوا هذه الاحاديث الدالّة على أنّ رسول الله اقتدى بأبي بكر.
لكن الشيخين لم يرويا هذا الحديث، أي هذه القطعة من الحديث غير موجودة في الصحيحين، الموجود في الصحيحين: إنّ رسول الله نحّاه أو تنحّى أو تأخّر أبو بكر، وصلّى رسول الله بنفسه تلك الصلاة.
أمّا هذا الحديث فموجود في مسند أحمد، وهو حديث كذب قطعاً، وكذّبه غير واحد من كبار الائمّة من حفّاظ أهل السنّة، وحتّى أنّ بعضهم كالحافظ أبي الفرج ابن الجوزي ألّف رسالة خاصة في بطلان حديث اقتداء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)بأبي بكر، وهل من المعقول أن يقتدي النبي بأحد أفراد أُمّته، فيكون ذلك الفرد إماماً للنبي، هذا غير معقول أصلاً.
رسالة ابن الجوزي مطبوعة منذ عشرين سنة تقريباً لاوّل مرّة،

نشرتها أنا بتحقيق منّي والحمد لله(1) .
النكتة الثالثة:
إنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن خرج إلى الصلاة وصلّى بنفسه الشريفة، ونحّى أبا بكر، لم يكتف بهذا المقدار، وإنّما جلس على المنبر بعد تلك الصلاة، وخطب، وذكر القرآن والعترة، وأمر الناس باتّباعهما والاقتداء بهما، فأكّد رسول الله بخطبته هذه ما دلّ عليه فعله، أي حضوره للصلاة وعزله لابي بكر عن المحراب، ثمّ أضاف في هذه الخطبة بعد الصلاة إنّ على جميع المسلمين أن يخرجوا مع أُسامة، وأكّد على وجوب هذا البعث وعلى الاسراع فيه.
وبعد هذا كلّه لا يبقى مجال للاستدلال بحديث تقديمه في الصلاة.
الدليل السابع:
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير أُمّتي أبو بكر وعمر».
هذا الحديث بهذا المقدار ذكره القاضي الايجي وشارحه
____________
(1) هذه الرّسالة ألّفها الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي الحنبلي، المتوفى سنة 597 هـ، ردّاً على معاصره الحافظ عبد المغيث الحنبلي، ولذا أسماها بآفة أصحاب الحديث في الردّ على عبد المغيث، طبعت لاوّل مرّة بتحقيقنا.

وغيرهما أيضاً.
لكن الحديث ليس هكذا، للحديث ذيل، وهم أسقطوا هذا الذيل ليتمّ لهم الاستدلال، فاسمعوا إلى الحديث كاملاً:
عن عائشة، قلت: يا رسول الله، من خير الناس بعدك ؟ قال: «أبو بكر»، قلت: ثمّ مَن ؟ قال: «عمر».
هذا المقدار الذي استدلّ به هؤلاء.
لكن بالمجلس فاطمة سلام الله عليها، قالت فاطمة: يا رسول الله، لم تقل في علي شيئاً !
قال: «يا فاطمة، علي نفسي، فمن رأيتيه يقول في نفسه شيئاً ؟».
فيستدلّون بصدر الحديث بقدر ما يتعلّق بالشيخين، ويجعلونه دليلاً على إمامة الشيخين، ويسقطون ذيله، وكأنّهم لا يعلمون بأنّ هناك من يرجع إلى الحديث ويقرأه بلفظه الكامل، ويعثر عليه في المصادر.
لكن الحديث ـ مع ذلك ـ ضعيف سنداً، فراجعوا كتاب تنزيه الشريعة المرفوعة عن الاحاديث الشنيعة الموضوعة(1) .
____________
(1) تنزيه الشريعة المرفوعة عن الاحاديث الشنيعة الموضوعة 1 / 367.

الدليل الثامن:
قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لو كنت متّخذاً خليلاً دون ربّي لاتّخذت أبا بكر».
ويكفي في الجواب عن هذا الحديث أن نقول: إذا كان رسول الله قال في حقّ أبي بكر: «لو كنت متّخذاً خليلاً لاتّخذت أبا بكر» إذا كان قال هكذا في حقّ أبي بكر، فقد جاءت الرواية عندهم في حقّ عثمان: إنّه اتّخذه خليلاً ! فبالنسبة إلى أبي بكر يقول «لو» أمّا في حقّ عثمان يقول: «اتّخذته خليلاً»، يقول: «إنّ لكلّ نبيّ خليلاً من أُمّته، وإنّ خليلي عثمان بن عفّان» فيكون عثمان أفضل من أبي بكر.
وأنا أيضاً ـ كما ذكرت هذا مرّة في بعض الليالي الماضية اعتقادي على ضوء رواياتهم في مناقب المشايخ ـ أرى أنّ عثمان أفضل من أبي بكر وعمر، لمناقبه الموجودة في كتبهم، ومن جملتها هذا الحديث، لكنه حديث باطل مثله(1) .
____________
(1) تنزيه الشريعة المرفوعة عن الاحاديث الشنيعة الموضوعة 1 / 392.

الدليل التاسع:
قوله: وأين مثل أبي بكر فقد فعل كذا وكذا، زوّجني واساني بنفسه كذا جهّزني بماله إلى آخره.
وهذا الحديث:
أمّا سنداً، فقد أدرجه الحافظ السيوطي في كتابه اللالي المصنوعة بالاحاديث الموضوعة(1) ، وأيضاً أدرجه الحافظ ابن عرّاق صاحب كتاب تنزيه الشريعة(2) ، أدرجه في كتابه هذا المؤلف في خصوص الروايات الموضوعة.
أمّا دلالة، فإنّه يدلّ على أنّ أبا بكر كان يعطي من ماله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان يصرف من أمواله الشخصية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان رسول الله بحاجة إلى مال أبي بكر وإنفاقه عليه، وهذا من القضايا الكاذبة، وقد وصل كذب هذا الخبر إلى حدٍّ التجأ مثل ابن تيميّة إلى التصريح عن كذبه، مثل ابن تيميّة يصرّح بأنّ هذا غير صحيح(3) ورسول الله لم يكن محتاجاً إلى أموال أبي بكر.
____________
(1) اللالي المصنوعة في الاحاديث الموضوعة 1 / 295.
(2) تنزيه الشريعة المرفوعة في الاحاديث الشنيعة الموضوعة 1 / 344.
(3) منهاج السنة 4 / 289.

وهكذا يضع الواضعون الفضائل والمناقب المستلزمة بالطعن في رسول الله، فإنفاق أبي بكر على رسول الله كذب، وابن تيميّة ممّن يعترف بهذا.
فهذا الحديث كذب سنداً ودلالة.
الدليل العاشر:
ما رووه عن علي (عليه السلام) في فضل الشيخين، منها الرواية التي ذكرها هؤلاء أنّه قال: خير الناس بعد النبيين أبو بكر ثمّ عمر ثمّ الله أعلم.
ليس هذا اللفظ وحده، لهم أحاديث أُخرى، وألفاظ أُخرى أيضاً ينقلونها عن علي في فضل الشيخين، لكن:
أوّلاً:
أبو بكر نفسه يعترف بأنّه لم يكن خير الناس، ألم يقل: ولّيتكم ولست بخيركم؟، وهذا موجود في الطبقات لابن سعد(1) ، أو: أقيلوني فلست بخيركم، كما في المصادر الكثيرة(2) .
وثانياً:
ذكر صاحب الاستيعاب بترجمة أمير المؤمنين(3)
____________
(1) الطبقات الكبرى 3 / 139.
(2) مجمع الزوائد 5 / 183، سيرة ابن هشام 2 / 661، تاريخ الخلفاء: 71.
(3) الاستيعاب في معرفة الاصحاب 3 / 1090.

سلام الله عليه، وذكر ابن حزم في كتاب الفصل(1) ، وذكر غيرهما من كبار الحفّاظ: إنّ جماعة كبيرة من الصحابة كانوا يفضّلون عليّاً على أبي بكر.
فإذا كان علي بنفسه يعترف بأفضليّة الشيخين منه، كيف كان أولئك يفضّلون عليّاً عليهما ؟ لقد ذكروا أسماء عدّة من الصحابة كانوا يقولون بأفضليّة علي، منهم أبو ذر، وسلمان، والمقداد، وعمّار، و...، وعلي يعترف بأفضليّة الشيخين منه !! هذه أخبار مكذوبة على أمير المؤمنين (عليه السلام)سلام الله عليه.
إذن، لم نجد دليلاً من أدلّة القوم سالماً عن الطعن والجرح والاشكال، إمّا سنداً ودلالة، وإمّا سنداً، على ضوء كتبهم وعلى ضوء كلمات علمائهم.
فتلك الاحاديث من الاحاديث الموضوعة التي لا أساس لها، في اعترافهم، لاسيّما حديث اقتدوا باللذين من بعدي.
والمهم قضيّة الصلاة، فصلاة أبي بكر في حياة رسول الله قد تشعر بإمامته بعده، لكن رسول الله عزله عن المحراب وصلّى تلك الصلاة بنفسه، إن صحّ خبر إرساله أبا بكر إلى الصلاة.
____________
(1) الفصل في الملل والنحل 4 / 181.

مضافاً إلى أنّ إمامة الشيخين يجب أن تبحث من ناحية أُخرى، وهي: أنّ هناك موانع، أنّ هناك قضايا تمنع من أن يكونا إمامين للمسلمين، تلك القضايا كثيرة ومذكورة في الكتب، ولم يكن من منهجنا التعرض لتلك القضايا.
مناقشة الاجماع على خلافة أبي بكر
ويبقى الاجماع، إجماع الصحابة على خلافة أبي بكر، وأنتم أعرف بحاله، ولا أحبّ الدخول في هذا البحث، لانّه سيجرّنا إلى قضايا قد لا يقتضي ذكرها في الوقت الحاضر.
وأيّ إجماع هذا الذي يدّعونه على إمامة أبي بكر ؟! وتلك قضايا السقيفة وملابسات بيعة أبي بكر وإمامته التي يقولون بها، ولربّما نتعرّض إلى بعض النقاط المتعلّقة بهذا الامر في بحثنا عن الشورى التي خصّصنا لها ليلة.
ولكن الذي يكفي أن أقوله هنا هو: أنّ صاحب شرح المقاصد(1) وغيره من كبار علماء الكلام يقولون بأنّا عندما ندّعي الاجماع، لا ندّعي وقوع الاجماع حقيقةً، عندما نقول: قام
____________
(1) شرح المقاصد 5 / 254.

الاجماع على خلافة أبي بكر، ليس بمعنى أنّ القوم كلّهم كانوا مجمعين وموافقين على إمامته، بل إنّ إمامته قد وقعت في الحقيقة ببيعة عمر فقط وفي السقيفة، بعد النزاع بين المهاجرين والانصار، وإلقاء النزاع بين الانصار الاوس والخزرج، يكفي أنْ أُشير إلى هذا المطلب.
لكن مع ذلك عندما نراجع إلى هذه الكتب يقولون بأنّ الاولى أنْ نسكت عن مثل هذه القضايا ولا نتكلّم عنها، فإنّ رسول الله قد أمر بالسكوت عمّا سيقع بين أصحابه، لا داعي لطرح مثل هذه القضايا وللتعرض لمثل هذه الاُمور.
وإنّي أرى من المناسب أنْ أقرأ لكم نصّ عبارة السعد التفتازاني في شرح المقاصد، لتروا كيف يضطربون، وإنّهم إلى أين يلتجئون، يقول السعد:
إنّ جمهور علماء الملّة وعلماء الاُمّة أطبقوا على ذلك ـ أي على إمامة أبي بكر ـ وحسن الظن بهم يقضي بأنّهم لو لم يعرفوه بدلائل وإمارات لما أطبقوا عليه.
قلت:
إذا كان كذلك، إذا كنّا مقلّدين للصحابة من باب حسن الظن بهم، فلماذا أتعبنا أنفسنا ؟ ولماذا اجتهدنا فنظرنا في الادلّة وجئنا بالاية والحديث، كنّا من الاوّل نقول: بأنّا في هذه المسألة

مقلّدون للصحابة، فعلوا كذا ونحن نقول كذا، لاحظوا، ثمّ يقول التفتازاني:
يجب تعظيم الصحابة والكفّ عن مطاعنهم، وحمل ما يوجب بظاهره الطّعن فيهم على محامل وتأويلات، سيّما المهاجرين والانصار.
خاتمة المطاف
وعندما ينقل السعد عن الاماميّة قولهم: إنّ بعد رسول الله إماماً، وليس غير علي، لانتفاء الشرائط من العصمة والنص والافضليّة عن غيره ـ وقد رأيتم كيف كان هذا الانتفاء في بحوثنا السابقة ـ يتهجّم ويشتم الشيخ المحقق نصير الدين الطوسي وسائر علماء الاماميّة، لاحظوا كلامه، أنقل نصّ عبارته، لتقفوا على مقدار فهم هؤلاء، وعلى حدّ أدبهم، ثمّ تقارنوا بين كلام الاماميّة وكلام هؤلاء القوم، يقول:
احتجّت الشيعة بوجوه لهم في إثبات إمامة علي بعد النبي من العقل والنقل، والقدح فيما عداه من أصحاب رسول الله الذين قاموا بالامر، ويدّعون في كثير من الاخبار الواردة في هذا الباب التواتر، بناء على شهرته فيما بينهم، وكثرة دورانه على ألسنتهم، وجريانه في أنديتهم، وموافقته لطباعهم، ومقارعته لاسماعهم، ولا يتأمّلون
________________________________________
كيف خفي على الكبار من الانصار والمهاجرين، والثقات من الرواة والمحدّثين، ولم يحتجّ البعض على البعض، ولم يبرموا عليه الابرام والنقض، ولم يظهر إلاّ بعد انقضاء دور الامامة وطول العهد بأمْر الرسالة، وظهور التعصّبات الباردة، والتعسّفات الفاسدة، وإفضاء أمر الدين إلى علماء السوء، والملك إلى أُمراء الجور، ومن العجائب أنّ بعض المتأخرين من المتشغّبين، الذين لم يروا أحداً من المحدّثين ولا رووا حديثاً في أمر الدين، ملؤوا كتبهم من أمثال هذه الاخبار والمطاعن في الصحابة الاخيار، وإن شئت فانظر في كتاب التجريد المنسوب إلى الحكيم نصير الدين الطوسي، كيف نصر الاباطيل وقرّر الاكاذيب....
قلت:
أمّا نصير الدين الطوسي، فإنّا نشكر التفتازاني على قناعته بهذا المقدار من الشتم والسبّ له ! نشكره على اكتفائه بهذا المقدار !
فإنّ ابن تيميّة ذكر في الشيخ نصير الدين الطوسي بسبب تأليفه كتاب التجريد واستدلاله في هذا الكتاب على إمامة علي من كتب أهل السنّة، ذكره بما لا يمكن أن يتفوّه به مسلم في حقّ أدنى الناس، ذكره بما لا يقال، ونسب إليه الكبائر والعثرات التي لا تقال، وقد خصّصنا ليلةً للتحقيق حول هذا الموضوع، وسنتعرض لكلامه

بعون الله.
هذا فيما يتعلق بالشيخ نصير الدين الطوسي.
وأمّا أصل المطلب، فإنّا قد أقمنا الادلّة على إمامة علي من نفس كتبهم، بيّنا صحّة تلك الادلّة من نفس كتبهم، وقد ذكرنا احتجاجاتنا بكلّ أدب ومتانة ووقار، لم نتعرض لاحد منهم بسبّ أو شتم، فأثبتنا إمامة أمير المؤمنين بالنص، وأثبتنا إمامته بالعصمة، وأثبتنا إمامته بالافضليّة، كلّ ذلك من كتبهم، كلّ ذلك بناء على أقوال علمائهم، واستشهدنا بأفضل الطرق والاسانيد، واستندنا إلى أشهر الكتب والمؤلّفات، لم يكن منّا سبّ ولا شتم ولا تعصّب ولا تعسّف، ثمّ نظرنا إلى أدلّتهم في إمامة أبي بكر، أمّا النص فقالوا هم: بعدم وجوده، وأمّا الاجماع فلا إجماع حتّى اضطرّوا إلى الاعتراف بعدم انعقاده، وربما نتعرض لذلك في ليلة خاصة، وأمّا الافضليّة فتلك أفضل أدلّتهم، وقد نظرنا إليها واحداً واحداً على ضوء كتبهم، فما ذنبنا إنْ لم يتم دليل على إمامة أبي بكر ؟ وتمّ الدليل من كتبهم على إمامة علي.
لماذا لا يريدون البحث عن الحقيقة ؟ لماذا تكون الحقيقة مرّة ؟ لماذا يلجؤون إلى السبّ والشتم ؟ ولماذا هذا التهجّم ؟ ألا يكفي ما واجهه علماؤنا منذ العصور الاولى إلى يومنا هذا، من سبّ

وشتم وقتل وسجن وطرد وإلى آخره ؟ إلى متى ؟ ولماذا هذا ؟ نحن نريد البحث عن أمر حقيقي واقعي يتعلّق بمن نريد أن نقتدي به بعد رسول الله، نريد أن نجعله واسطة بيننا وبين ربّنا، في أُمورنا الاعتقادية وفي أُمورنا العملية، أي في الاُصول والفروع وفي جميع الجهات، نريد أن نبحث عن الحقيقة ونتوصّل إليها، فإذا وصلنا إلى الحقيقة وعثرنا على الحق حينئذ نقول لربّنا: إنّا قد نظرنا في الادلّة وبحثنا عن الحقيقة، فكان هذا ما توصّلنا إليه، وهذا إمامنا، وهذا منهجنا ومسلكنا، ليكون لنا عذراً عند الله سبحانه وتعالى، وكلّ هذا البحث لهذا، وليس لحبّ أو بغض، وليس لدينا أيّ غرض، وما الداعي إلى الشتم ؟ وإلى متى تكون الحقيقة مرّة ؟ وإلى متى لا يريدون استماع الحق وأخذ الحق وقبول الحق ؟ والشتم لماذا ؟ وهل يتفوّه به إلاّ السوقه ؟ إلاّ الجهلة ؟












عرض البوم صور الشيخ عباس محمد   رد مع اقتباس