عرض مشاركة واحدة
قديم 10-05-2019, 10:10 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

الشيخ عباس محمد


الملف الشخصي









الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً


افتراضي آباء وأمهات الأنبياء والأئمة(ع)

آباء وأمهات الأنبياء والأئمة(عليهم السلام)/ اسئلة واجوبة




السؤال: آباء النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا على التوحيد

ورد في كتب عديدة حول آباء النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما يلي:
إنّ جميع آبائه(عليهم السلام) وأُمّهاته كانوا على التوحيد، لم يدخلهم كفر ولا عيب ولا رجس ولا شيء ممّا كان عليه أهل الجاهلية.
أي: إنّ جميع آبائه وأُمّهاته(عليه الصلاة والسلام) كانوا على التوحيد من أبيه الأوّل حتى نبيّ الله آدم(عليه السلام). فإن كان كذلك ففي زمن الأنبياء(عليهم السلام) على أيّ دين كانوا؟
مثلاً في زمن نبيّ الله موسى(عليه السلام) هل كانوا على الديانة اليهودية؛ لأنّ نبيّ الله موسى(عليه السلام) حجّة عليهم، وهو نبيّ زمانه، وكذلك في زمن نبيّ الله عيسى(عليه السلام)، وكذلك بالنسبة لباقي الأنبياء؟
وهل يحقّ لنا أن نقول: إنّهم كانوا يهوداً أو نصارى أو غير ذلك، أم لا؟ وكيف؟
يرجى بيان الأمر.
الجواب:

نعم، وكما دلّت عليه المصادر والأحاديث أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يدينون بالحنيفية وما تتعبّد به من طقوس وشعائر.
وقد قال السيّد جعفر مرتضى في كتاب (الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم)) ما يلي:
((قالوا: إنّ كلمة الإمامية قد اتّفقت على أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من آدم إلى عبد الله كلّهم مؤمنون موحّدون(1).
بل ويضيف المجلسي قوله:... بل كانوا من الصدّيقين، إمّا أنبياء مرسلين، أو أوصياء معصومين, ولعلّ بعضهم لم يظهر الإسلام لتقية، أو مصلحة دينية(2).
ويضيف الصدوق هنا: أنّ أُمّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) آمنة بنت وهب كانت مسلمة أيضاً(3)))(4).
ثمّ قال: ((وممّن صرّح بإيمان عبد المطّلب وغيره من آبائه(صلّى الله عليه وآله وسلّم): المسعودي، واليعقوبي. وهو ظاهر كلام الماوردي، والرازي في كتابه (أسرار التنزيل)، والسنوسي، والتلماسي محشّي الصفا، والسيوطي...))(5).
ثمّ قال: ((وقد استدلّوا على ذلك أيضاً بقوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهّرات...)(6)))(7).
والحنيفية التي سار عليها آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنّما هي: دين النبوّة والأنبياء، أو دين الله وهي الإسلام، في كلّ عهد من عهود الأنبياء تتبنّى عقيدة التوحيد وما يدور في عبادة الله وحده، وقد وصف الله تعالى إبراهيم(عليه السلام) بها كما في قوله عزّ وجلّ: (( مَا كَانَ إِبرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُسلِماً وَمَا كَانَ مِنَ المُشرِكِينَ )) (آل عمران:67).
قال العاملي في موضع آخر: ((وجود بقايا الحنيفية - دين إبراهيم، كالحجّ وآدابه - في الجزيرة العربية، وفي مكّة بالذات؛ لأنّ العرب، وهم أولاد إسماعيل، قد توارثوا عنه الدين الحقّ وكانوا يعتزّون بذلك - إلى أن قال: - غير أنّ بقية منهم - وإن كانت قليلة جداً - قد بقيت متمسّكة بعقيدة التوحيد، وترفض عبادة الأوثان؛ وتعبد الله على حسب ما تراه مناسباً وقريباً إلى تعاليم دين إبراهي،. ومن هؤلاء: عبد المطّلب، وأضرابه من رجالات بني هاشم الأبرار.
وكان من بقايا الحنيفية: تعظيم البيت، والطواف به، والوقوف بعرفة، والتلبية، وهدي البدن...
وقد روي عن الصادق(عليه السلام) ما مفاده: إنّ العرب كانوا أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس؛ فإنّ العرب يغتسلون من الجنابة، والاغتسال من خالص شرائع الحنيفية، وهم أيضاً يختتنون، وهو من سنن الأنبياء، كما أنّهم يغسلون موتاهم، ويكفّنونهم، ويوارونهم في القبور، ويلحدونهم، ويحرمون نكاح البنات والأخوات، وكانوا يحجّون إلى البيت ويعظّمونه، ويقولون: بيت ربّنا، ويقرّون بالتوراة والإنجيل، ويسألون أهل الكتب...(8)))(9).
أمّا في ما يتعلّق بمدى علاقة آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) باليهودية والنصرانية، فنقول:
1- كما ورد في النصّ المذكور أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقرّون بكلّ من التوراة والإنجيل، هذا مسلّم به دون شك؛ لأنّ كلاً من الكتابين المذكورين كتاب الله المنزّل على موسى(عليه السلام) وهو: التوراة، وكتاب الله المنزّل على عيسى(عليه السلام) وهو: الإنجيل، فهم - أيّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) - يؤمنون بذلك حقّاً كدين في خط حنيفية إبراهيم(عليه السلام).
2- كما لا شكّ ولا ريب أنّ المؤمنين بالتوراة من قوم موسى(عليه السلام) هم مؤمنون بدين موسى كمسلمين أحناف، وهكذا القول فيمن آمن بالإنجيل من قوم عيسى(عليه السلام)، كلّ قد آمن بالله وكان في الإسلام حنيفاً.
إذاً فلا ضير في أن يكون آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الذين أدركوا عيسى(عليه السلام) في دين عيسى(عليه السلام)، ومن أدرك موسى(عليه السلام) أن يكونوا في دينه أيضاً، طالما أنّهم قد أقرّوا بما جاءت به التوراة والإنجيل فلماذا لا يكونون في معية قوم عيسى(عليه السلام) وقوم موسى(عليه السلام)؟! وهذا ممّا لا يتنافى مع مسلّمة كونهم أحنافاً.
نعم، ممّا يجدر ذكره: ما ورد في قوله تعالى: (( وَقَالَتِ اليَهُودُ عُزَيرٌ ابنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى المَسِيحُ ابنُ اللَّهِ... )) (التوبة:30) فاليهود هنا وإخوانهم النصارى قد وصفهم الله تعالى بالإشراك، والإشراك يتنافى مع مسلّمات الحنيفية وما تتعبّد به من التوحيد، وهذا يعني: أنّ اليهود والنصارى قد انحرفوا عن التوراة والإنجيل، وأنّهم على خلاف ما جاء به عيسى وموسى(عليهما السلام)...
قال الطبرسي في (مجمع البيان): (( (( مَا كَانَ إِبرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصرَانِيّاً )) (آل عمران:67) نزّه إبراهيم وبرّأه عن اليهودية والنصرانية؛ لأنّهما صفتا ذمّ، قد دلّ القرآن والإجماع على ذلك. وهذا يدلّ على أنّ موسى أيضاً لم يكن يهودياً، ولم يكن عيسى نصرانياً؛ فإنّ الدين عند الله الإسلام، واليهودية ملّة محرّفة عن شرع موسى، والنصرانية ملّة محرّفة عن شرع عيسى، فهما صفتا ذمّ جرتا على فرقتين ضالّتين))(10).
وعلى ضوء هذه الحقيقة التاريخية لم يكن آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الأحناف نصارى ولا يهوداً، بل كانوا على دين الأنبياء ابتداءً من عيسى وحتى إبراهيم(عليهما السلام).

(1) انظر: أوائل المقالات: 46 القول في آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، تصحيح اعتقادات الإمامية: 139 في أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا موحّدين.
(2) بحار الأنوار 15: 117 حديث (63) الباب (1).
(3) الاعتقادات في دين الإمامية: 110(40) باب (الاعتقاد في آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
(4) الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) 2: 185 الفصل الخامس البحث الأوّل.
(5) الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) 2: 186 الفصل الخامس البحث الأوّل.
(6) مجمع البيان 4: 90 قوله تعالى: (( وَإِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ... ))، تفسير الرازي 24: 173 قوله تعالى: (( وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ )).
(7) الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) 2: 187 الفصل الخامس البحث الأوّل.
(8) انظر: الاحتجاج للطبرسي 2: 91 - 92 في ما احتجّ الصادق(عليه السلام) على الزنديق.
(9) الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) 2: 230 - 231 الفصل الخامس البحث الرابع.
(10) مجمع البيان 2: 317 قوله تعالى: (( مَا كَانَ إِبرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصرَانِيّاً... )).

تعليق على الجواب (1)

من الأُمور المسلّمة أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا مؤمنين، وهذا لا نقاش فيه عندنا، ولكن حسب استقصائي القاصر وتتبّعي لم أجد من تعرّض إلى أنّهم هل كانوا يدينون لله بالمسيحية؛ لأنّ رسالة عيسى(عليه السلام) كانت عامّة لكلّ الناس، ولا يسع أحد أن يتخلّف عنها إلاّ إذا لم تصله دعوته، وليس الحال هكذا في مكّة فإنّ المسيحية واصلة إليهم كما وصلت اليهودية.
نعم، ورد أنّهم كانوا على الحنيفية الإبراهيمية، ولكن لو كان هذا يكفي لكفى غيرهم، ولما احتاج الناس إلى بعث الأنبياء من جديد، فأرجو تسليط الضوء على هذا الموضوع مع إرشادي إلى المصادر التي تذكره.

الجواب:

من المسلّم به والثابت عندنا نحن الإمامية أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا موحّدين مؤمنين، وهناك إشارات من الروايات على أنّهم كانوا أحنافاً على ملّة أبيهم إبراهيم(عليه السلام), ولا توجد أيّ دلالة من الأخبار، أو الروايات على أنّهم كانوا يتعبّدون بشريعة موسى أو عيسى(عليهما السلام) حتى نستطيع أن نبتّ بالأمر, هذا هو حصيلة ما نحصل عليه من الروايات ونعتقد به، ويكفي المؤمن ذلك، ويتوقّف عن التفصيل أكثر. مع ملاحظة أنّ المسألة تشمل تعبّد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل البعثة على بعض الوجوه.
ولكن لا مانع من البحث العلمي حسب ما نعرفه من القواعد الكليّة, ونذكر هنا عدّة نقاط:
أولاً: إنّ كلّ ديانة سماوية تعتمد على ركنين: العقيدة والشريعة، أو ما نسمّيه بـ(أُصول الدين وفروعه), ومن الواضح أنّ أُصول الدين واحدة عند كلّ الأنبياء من زمن آدم إلى نبيّنا(عليهم السلام)، والتي ينصّ القرآن على أنّها الإسلام والحنيفية، وما تتميّز الشرائع إلاّ بالفروع، ومنها ينسب الشخص إلى أنّه يهودي أو مسيحي إذا تعبّد بشريعة موسى(عليه السلام)، أي: ما جاء به من أحكام (فروع) وشريعة عيسى(عليه السلام).
ثانياً: هناك بعض الروايات يدلّ ظاهرها على أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا أوصياء, وبجمعها مع الروايات التي تدلّ على أنّهم كانوا أحنافاً، يمكن أن نقول أنّهم كانوا أوصياء لإبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام) حسب الشريعة الإبراهيمية، وعليه فقد لا يلزمهم التعبّد بالشريعة الموسوية أو العيسوية من جهة كونهم أوصياء.
ثالثاً: لقد أشار السيّد جعفر مرتضى العاملي إلى أنّ الآيات والدلائل تشير إلى أنّ إبراهيم الخليل(عليه السلام) ونبيّنا الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هما اللذان كان لديهما شريعة عالمية وبُعثا للناس كافّة, ولم يسلم ذلك بخصوص نبيي الله موسى وعيسى(عليهما السلام)، بل أنّهما بعثا إلى بني إسرائيل خاصّة. وانّ معنى (أولوا العزم) من خلال الآية (( فَاصبِر كَمَا صَبَرَ أُولُو العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ )) (الأحقاف:35), هو التأكيد على رسوخ وعمق درجة العصمة فيهم وقدرتهم الكبيرة على التحمل.. إلى آخر ما أشار إليه(1).
وبما ذكرناه ينحلّ الإشكال.

(1) الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) 2: 198 - 200.

تعليق على الجواب (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
اللّهمّ صلّ على محمّد وآله الطاهرين..
آباء النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا جميعاً موحّدين غير مشركين، وذلك ما جاء في قوله تعالى: (( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) (الشعراء:218-219).
نسب نبيّ الإسلام: محمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر (وهو الملقّب بقريش) بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان - اشتهر أنّ الرسول كان يقف في نسبه عند عدنان - (بعض النسابين يتابع واصلاً النسب إلى آدم أبو البشر) بن أدد بن مقوم بن ناحور بن تارخ بن يعرب بن يشجب بن نابت بن نبيّ الله إسماعيل بن نبيّ الله إبراهيم بن تارخ - وقال بعضهم أنه نفسه آزر - بن تاخور ابن شارخ (شاروخ) بن أرغو ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نبيّ الله نوح بن لامك ابن متوشلخ بن أخنوخ - قيل أنّه نبيّ الله إدريس - بن يرد بن مهلائيل بن قنين (قينان) بن يافث بن شيث بن آدم.
(( وَإِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَومَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )) (الأنعام:74).
(( وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ وَكَانَ فِي مَعزِلٍ يَا بُنَيَّ اركَب مَعَنَا وَلا تَكُن مَعَ الكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ اليَومَ مِن أَمرِ اللَّهِ إلاّ مَن رَحِمَ وَحَالَ بَينَهُمَا المَوجُ فَكَانَ مِنَ المُغرَقِينَ )) (هود:42-43).
آزر، قال البعض انّه جدّه لأمّه، والبعض قال انّه عمّه، لكن ماذا عن سام بن نوح الذي صرّح القرآن بعدم إيمانه فكيف يكون آباء الأنبياء كلّهم مؤمنين موحّدين؟
الجواب:

هذا الكلام غير صحيح؛ فإنّ (سام) ممّن بقي مع أبيه نوح(عليه السلام)، وهو أبو العرب وجميع الساميين.
أمّا ابن نوح(عليه السلام) الذي غرق فقيل: اسمه: (كنعان)، وهو قول الأكثرين؛ وقيل: (يام)(1)، قاله أبو صالح، عن ابن عبّاس، وبه قال عبيد بن عمر وابن إسحاق(2)!!
هذا على قول من يقول: بأنّه ابنه، أمّا الآخرين فقد أخذوا بروايات عديدة بأنّه ليس ابنه، كما في قراءات أُخرى، مثل قوله: (ونادى نوح ابنها)(3)، وفي أُخرى: (ابنه) في لغة طيّ تعني: ابن امرأته(4).
قال الغرناطي الكلبي: (( وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ )) (هود:42) كان اسمه كنعان، وقيل: (يام)، وكان له ثلاث بنون سواه، وهم (سام، وحام، ويافث)، ومنهم تناسل الخلق(5).
وقد أوردت ما قلناه جميع تفاسير الفريقين، فلا ندري من أين استقيت تلك المعلومة عن (سام) أبو العرب.
نعم، نسب ذلك إلى عبيد بن عمير(6)، والظاهر أنّه تصحيف عن (يام)؛ لأنّهم عدّوا عبيد بن عمير من القائلين بذلك(7).
وعلى كلّ الاحتمالات التي ذكرناها وذكرها العلماء لا يكون ذلك نقضاً لقاعدة كون آباء الأنبياء موحّدين.
ودمتم في رعاية الله
(1) مجمع البيان 5: 280 قوله تعالى: (( وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ... )).
(2) انظر: زاد المسير 4: 88، تفسير القرطبي 9: 38.
(3) انظر: كنز العمّال 2: 600 حديث (4838) القراءات، التبيان 5: 495 قوله تعالى: (( قَالَ يَا نُوحٌ أَنّهُ لَيسَ مِن أهلِكَ... ))، تفسير الرازي 17: 231.
(4) انظر: تفسير العيّاشي 3: 148 حديث (30) قوله تعالى: (( وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ... ))، قرب الإسناد: 41 حديث (132)، تفسير القمّي 1: 328 سورة هود.
(5) التسهيل لعلوم التنزيل 2: 16 قوله تعالى: (( وَنَادَى نُوحٌ ابنَهُ... )).
(6) انظر: تفسير البغوي 2: 385.
(7) انظر: زاد المسير 4: 88.





السؤال: لماذا لم يعتنق أجداد النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) اليهودية أو النصرانية
لماذا لم يعتنق أجداد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) اليهودية أو النصرانية رغم نسخهنّ للشريعة الإبراهيمية؟ ولماذا لم تعتنق قريش اليهودية أو النصرانية بدل عبادة الأصنام؟
الجواب:

لم يثبت نسخ دين موسى وعيسى - على نبيّنا وآله وعليهما السلام - لشريعة إبراهيم(عليه السلام)، بل إنّ بني إسرائيل وكذا آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا يدينون بشريعة إبراهيم(عليه السلام)، وقد أكّد القرآن الكريم على دين إبراهيم(عليه السلام) بقوله تعالى: (( وَمَن أَحسَنُ دِيناً مِمَّن أَسلَمَ وَجهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفا )) (النساء:125).
وقوله تعالى: (( قُل صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفاً )) (آل عمران:95).
وقوله تعالى: (( ثُمَّ أَوحَينَا إِلَيكَ أَنِ اتَّبِع مِلَّةَ إِبرَاهِيمَ حَنِيفاً )) (النحل:123).
وأمّا قريش فإنّ أجدادهم كانوا يعتنقون دين إبراهيم وإسماعيل(عليهما السلام)، ولكنّهم انحرفوا بالتدريج إلى أن وصلوا إلى الشرك.





السؤال: علة عدم دخول آباء النبي محمد(صلى الله عليه وآله) في الديانة المسيحية
لماذا اعتنق أجداد النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الديانة الحنيفية، بينما يفترض أن تكون (المسيحية)، على اعتبار أنّ الدين الحنفي متقدّم زماناً عن المسيحي؟
الجواب:

لقد كان آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأجداده على ديانة أبيهم إبراهيم الخليل(عليه السلام)، وهم موحّدون لم يشركوا بالله ولم يعبدوا الأصنام، كما تؤكّد ذلك النصوص المتضافرة عن السُنّة والشيعة، وهم قد بقوا على هذه الديانة ولم يعتنقوا غيرها من الديانات السماوية، وقد يكون للبعد المكاني الذي ظهر فيه هؤلاء الأنبياء عن مكّة المكرّمة، موطن أجداد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأيضاً لعدم بعث هؤلاء الأنبياء في زمانهم دعاة لهم إلى بقية الأقطار يدعون الناس إلى دينهم الجديد، ولم يثبت أنّ اليهودية والمسيحية كانتا رسالتين عالميتين.
وأمّا من جاء بعد هؤلاء الأنبياء من أتباعهم، فقد حرّفوا هذه الأديان، كما يصرّح به القرآن الكريم، فلم يدخل آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في هذه الأديان لهذه الأسباب، وبقوا على الديانة الحنيفية، ديانة إبراهيم(عليه السلام).
وأمّا على القول بأنّ أجداد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا أوصياء لإسماعيل(عليه السلام) فينتفي الإشكال من أساسه.



السؤال: آباء النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) موحّدون وليس منهم آزر
قرأت في كتاب (أوائل المقالات في المذاهب المختارات) للشيخ المفيد رحمه الله الآتي:
((القول في آباء رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأُمّه وعمّه أبي طالب - رحمة الله تعالى عليهم: اتّفقت الإمامية على أنّ آباء رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطّلب مؤمنون بالله - عزّ وجلّ - موحّدون له.
واحتجّوا في ذلك بالقرآن والأخبار؛ قال الله - عزّ وجلّ: (( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) (الشعراء:218-219).
وقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين، إلى أرحام المطهّرات حتى أخرجني في عالمكم هذا).
وأجمعوا على أنّ عمّه أبا طالب - رحمه الله - مات مؤمناً، وأنّ آمنة بنت وهب كانت على التوحيد، وأنّها تُحشر في جملة المؤمنين.
وخالفهم على هذا القول جميع الفرق ممّن سمّيناه بدء)).(انتهى قول الشيخ).
وسؤالي: ألم يكن أبو النبيّ إبراهيم الخليل على نبيّنا وآله وعليه الصلاة والسلام مشركاً وهو يعتبر جدّ نبيّنا؟
أرجو حلّ هذا الإشكال بالنسبة لي.

الجواب:

قال السيّد جعفر مرتضى في كتابه (الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم)): ((وقد اعتُرض على القائلين بإيمان جميع آبائه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى آدم, بأنّ القرآن الكريم ينص على كفر آزر أبي إبراهيم؛ قال تعالى: (( وَمَا كَانَ استِغفَارُ إِبرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنهُ إِنَّ إِبرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ )) (التوبة:114).
وأجابوا:
أوّلاً: إنّ ابن حجر يدّعي إجماع المؤرّخين على أنّ آزر لم يكن أباً لإبراهيم, وإنّما كان عمّه, أو جدّه لأُمّه, على اختلاف النقل، واسم أبيه الحقيقي: تارخ, وإنّما أطلق عليه لفظ الأب توسّعاً وتجوّزاً، وهذا كقوله تعالى: (( أَم كُنتُم شُهَدَاءَ إِذ حَضَرَ يَعقُوبَ المَوتُ إِذ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعبُدُونَ مِن بَعدِي قَالُوا نَعبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ )) (البقرة:133). ثمّ عدّ فيهم إسماعيل, وهو ليس من آبائه, ولكنّه عمّه.
وقد ذكر بعض العلماء: أنّ اسم آزر لم يذكر في القرآن إلاّ مرّة واحدة في أوّل الأمر, ثمّ لم يتكرّر اسمه في غير ذلك المورد؛ تنبيهاً على أنّ المراد بالأب: آزر.
ثانياً: إنّ استغفار إبراهيم لأبيه قد كان في أوّل عهده وفي شبابه, مع أنّنا نجد أنّ إبراهيم حين شيخوخته, وبعد أن رُزق أولاداً, وبلغ من الكبر عتياً يستغفر لوالديه؛ قال تعالى حكاية عنه: (( رَبَّنَا اغفِر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنِينَ يَومَ يَقُومُ الحِسَابُ )) (ابراهيم:41)، قال هذا بعد أن وهب الله له على الكبر إسماعيل وإسحاق حسب نصّ الآيات الشريفة، مع أنّ الآية تفيد: أنّ الاستغفار الأوّل قد تبعه التبرّؤ مباشرة.
ولكن من الواضح: أنّ بين الوالد والأب فرقاً؛ فإنّ الأب يُطلق على المربّي وعلى العمّ والجدّ, أمّا (الوالد) فإنّما يخص الوالد بلا واسطة. فالاستغفار الثاني إنّما كان للوالد, أمّا الأوّل فكان للأب.
ثالثاً: إنّه يمكن أن يكون ذلك الذي استغفر له, وتبرّأ منه, قد عاد إلى الإيمان, فعاد هو إلى الاستغفار له.
هذا, ولكن بعض الأعلام يرى: أنّ إجماع المؤرّخين على أنّ أبا إبراهيم ليس آزر منشؤه التوراة, التي تذكر أنّ اسم أبي إبراهيم هو: (تارخ)..
ثمّ ذكر ما استظهرناه نحن أيضاً من أنّ من الممكن أن يكون نفس والد إبراهيم قد كان مشركاً يجادله في الإيمان بالله, فوعده بالاستغفار له, ووفى بوعده, ثمّ عاد فآمن بعد ذلك، فكان يدعو له بعد ذلك أيضاً حتى في أواخر حياته هو كما أسلفنا.
وهذا الاحتمال وإن كان وارداً حيث لا ملزم لحمل الأب في القرآن, والوالد على المجاز، إلاّ أنّه ينافي الإجماع والأخبار؛ فلا محيص عن الالتزام بما ذكرناه آنفاً من أنّ المراد بالأب هو: العمّ والمربّي, لا الوالد على الحقيقة.
مع عدم قبولنا منه قوله: إنّ استعمال الأب في العمّ المربّي يكون مجازاً))(1).
ودمتم في رعاية الله
(1) الصحيح من سيرة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) 2: 189-191.

تعليق على الجواب (1)

لقد ذكرتم في الجواب السابق ان هنالك فرق بين الأب والوالد
وهو أن فإن الأب يطلق على المربي وعلى العم والجد,
أما ( الوالد ) فإنما يخص الوالد بلا واسطة
فما هو الدليل من القرآن على استعمال كلمة الأب مرة للمربي ومرة للعم ومرة للجد؟ ام انه دليل لغوي؟
الجواب:

قال الطباطبائي في الميزان 7/162:
والأب ربما تطلق على الجد والعم وغيرهما، وقد اشتمل القرآن الكريم على هذا الاطلاق بعينه في قوله تعالى: (( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدى قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون )) (البقرة:133) فإبراهيم جد يعقوب وإسماعيل عمه وقد أطلق على كل منهما الأب، وقوله تعالى فيما يحكى من كلام يوسف عليه السلام: (( واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب )) (يوسف:38) فإسحاق جد يوسف وإبراهيم عليه السلام جد أبيه وقد أطلق على كل منهما الأب .
فقد تحصل ان آزر الذي تذكره الآية ليس أبا لإبراهيم حقيقة وإنما كان معنونا ببعض الأوصاف والعناوين التي تصحح إطلاق الأب عليه، وان يخاطبه إبراهيم عليه السلام بيا أبت، واللغة تسوغ إطلاق الأب على الجد والعم وزوج أم الانسان بعد أبيه وكل من يتولى أمور الشخص وكل كبير مطاع، وليس هذا التوسع من خصائص اللغة العربية بل يشاركها فيه وفي أمثاله سائر اللغات كالتوسع في إطلاق الام والعم والأخ والأخت والرأس والعين والفم واليد والعضد والإصبع وغير ذلك مما يهدى إليه ذوق التلطف والتفنن في التفهيم والتفهم.




السؤال: رواية آحاد لا تثبت أن آزر والد إبراهيم(عليه السلام)

ما قولكم العلمي البحت في الردّ على هذه الشبهة!
*************************
هذه الرواية تنسف عقيدة أنّ آباء الأنبياء لا يمكن أن يكونوا كفّاراً، وأيضاً بها طعن بإبراهيم(عليه السلام).
تقول الرواية في الكافي - وقال عنه المجلسي (26/548): حسن - :
((عَلِيُّ بنُ إِبرَاهِيمَ، عَن أَبِيهِ، عَنِ ابنِ أَبِي عُمَيرٍ، عَن هِشَامِ بنِ سَالِمٍ، عَن أَبِي أَيُّوبَ الخَزَّازِ، عَن أَبِي بَصِيرٍ، عَن أَبِي عَبدِ اللَّهِ(عليه السلام): أَنَّ آزَرَ أَبَا إِبرَاهِيمَ(عليه السلام) كَانَ مُنَجِّماً لِنُمرُودَ، وَلَم يَكُن يَصدُرُ إلاّ عَن أَمرِهِ، فَنَظَرَ لَيلَةً فِي النُّجُومِ فَأَصبَحَ وَهُوَ يَقُولُ لِنُمرُودَ: لَقَد رَأَيتُ عَجَباً.
قَالَ: وَمَا هُوَ؟
قَالَ: رَأَيتُ مَولُوداً يُولَدُ فِي أَرضِنَا يَكُونُ هَلاكُنَا عَلَى يَدَيهِ، وَلا يَلبَثُ إلاّ قَلِيلاً حَتَّى يُحمَلَ بِهِ، قَالَ: فَتَعَجَّبَ مِن ذَلِكَ وَقَالَ: هَل حَمَلَت بِهِ النِّسَاءُ؟
قَالَ: لا.
قَالَ: فَحَجَبَ النِّسَاءَ عَنِ الرِّجَالِ فَلَم يَدَعِ امرَأَةً إلاّ جَعَلَهَا فِي المَدِينَةِ لا يُخلَصُ إِلَيهَا، وَوَقَعَ آزَرُ بِأَهلِهِ، فَعَلِقَت بِإِبرَاهِيمَ(عليه السلام)، فَظَنَّ أَنَّهُ صَاحِبُهُ، فَأَرسَلَ إِلَى نِسَاءٍ مِنَ القَوَابِلِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لا يَكُونُ فِي الرَّحِمِ شَيءٌ إلاّ عَلِمنَ بِهِ، فَنَظَرنَ، فَأَلزَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا فِي الرَّحِمِ ]إِلَى[ الظَّهرِ، فَقُلنَ مَا نَرَى فِي بَطنِهَا شَيئاً، وَكَانَ فِيمَا أُوتِيَ مِنَ العِلمِ أَنَّهُ سَيُحرَقُ بِالنَّارِ، وَلَم يُؤتَ عِلمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيُنجِيهِ.
قَالَ: فَلَمَّا وَضَعَت أُمُّ إِبرَاهِيمَ أَرَادَ آزَرُ أَن يَذهَبَ بِهِ إِلَى نُمرُودَ لِيَقتُلَهُ، فَقَالَت لَهُ امرَأَتُهُ: لا تَذهَب بِابنِكَ إِلَى نُمرُودَ فَيَقتُلَهُ، دَعنِي أَذهَب بِهِ إِلَى بَعضِ الغِيرَانِ أَجعَلهُ فِيهِ حَتَّى يَأتِيَ عَلَيهِ أَجَلُهُ، وَلا تَكُونَ أَنتَ الَّذِي تَقتُلُ ابنَكَ.
فَقَالَ لَهَا: فَامضِي بِهِ.
قَالَ: فَذَهَبَت بِهِ إِلَى غَارٍ، ثُمَّ أَرضَعَتهُ، ثُمَّ جَعَلَت عَلَى بَابِ الغَارِ صَخرَةً، ثُمَّ انصَرَفَت عَنهُ.
قَالَ: فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ رِزقَهُ فِي إِبهَامِهِ، فَجَعَلَ يَمَصُّهَا فَيَشخُبُ لَبَنُهَا، وَجَعَلَ يَشِبُّ فِي اليَومِ كَمَا يَشِبُّ غَيرُهُ فِي الجُمعَةِ، وَيَشِبُّ فِي الجُمعَةِ كَمَا يَشِبُّ غَيرُهُ فِي الشَّهرِ، وَيَشِبُّ فِي الشَّهرِ كَمَا يَشِبُّ غَيرُهُ فِي السَّنَةِ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَن يَمكُثَ.
ثُمَّ إِنَّ أُمَّهُ قَالَت لأَبِيهِ: لَو أَذِنتَ لِي حَتَّى أَذهَبَ إِلَى ذَلِكَ الصَّبِيِّ فَعَلتُ.
قَالَ: فَافعَلِي.
فَذَهَبَت فَإِذَا هِيَ بِإِبرَاهِيمَ(عليه السلام)، وَإِذَا عَينَاهُ تَزهَرَانِ كَأَنَّهُمَا سِرَاجَانِ، قَالَ: فَأَخَذَتهُ فَضَمَّتهُ إِلَى صَدرِهَا، وَأَرضَعَتهُ، ثُمَّ انصَرَفَت عَنهُ فَسَأَلَهَا آزَرُ عَنهُ، فَقَالَت: قَد وَارَيتُهُ فِي التُّرَابِ، فَمَكَثَت تَفعَلُ فَتَخرُجُ فِي الحَاجَةِ وَتَذهَبُ إِلَى إِبرَاهِيمَ(عليه السلام) فَتَضُمُّهُ إِلَيهَا وَتُرضِعُهُ، ثُمَّ تَنصَرِفُ، فَلَمَّا تَحَرَّكَ أَتَتهُ كَمَا كَانَت تَأتِيهِ، فَصَنَعَت بِهِ كَمَا كَانَت تَصنَعُ، فَلَمَّا أَرَادَتِ الانصِرَافَ أَخَذَ بِثَوبِهَا. فَقَالَت لَهُ: مَا لَكَ؟
فَقَالَ لَهَا: اذهَبِي بِي مَعَكِ.
فَقَالَت لَهُ: حَتَّى أَستَأمِرَ أَبَاكَ.
قَالَ: فَأَتَت أُمُّ إِبرَاهِيمَ(عليه السلام) آزَرَ فَأَعلَمَتهُ القِصَّةَ.
فَقَالَ لَهَا ائتِينِي بِهِ فَأَقعِدِيهِ عَلَى الطَّرِيقِ، فَإِذَا مَرَّ بِهِ إِخوَتُهُ دَخَلَ مَعَهُم وَلا يُعرَفُ، قَالَ: وَكَانَ إِخوَةُ إِبرَاهِيمَ(عليه السلام) يَعمَلُونَ الأَصنَامَ وَيَذهَبُونَ بِهَا إِلَى الأَسوَاقِ وَيَبِيعُونَهَا، قَالَ: فَذَهَبَت إِلَيهِ فَجَاءَت بِهِ حَتَّى أَقعَدَتهُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَمَرَّ إِخوَتُهُ فَدَخَلَ مَعَهُم، فَلَمَّا رَآهُ أَبُوهُ وَقَعَت عَلَيهِ المَحَبَّةُ مِنهُ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ: فَبَينَمَا إِخوَتُهُ يَعمَلُونَ يَوماً مِنَ الأَيَّامِ الأَصنَامَ إِذَا أَخَذَ إِبرَاهِيمُ(عليه السلام) القَدُومَ، وَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَجَرَ مِنهَا صَنَماً لَم يَرَوا قَطُّ مِثلَهُ. فَقَالَ آزَرُ (لأُمِّهِ): إِنِّي لأَرجُو أَن نُصِيبَ خَيراً بِبَرَكَةِ ابنِكِ هَذَا. قَالَ: فَبَينَمَا هُم كَذَلِكَ إِذَا أَخَذَ إِبرَاهِيمُ القَدُومَ فَكَسَرَ الصَّنَمَ الَّذِي عَمِلَهُ، فَفَزِعَ أَبُوهُ مِن ذَلِكَ فَزَعاً شَدِيداً، فَقَالَ لَهُ: أَيَّ شَيءٍ عَمِلتَ؟
فَقَالَ لَهُ إِبرَاهِيمُ(عليه السلام): وَمَا تَصنَعُونَ بِهِ؟
فَقَالَ آزَرُ: نَعبُدُهُ.
فَقَالَ لَهُ إِبرَاهِيمُ(عليه السلام): أَتَعبُدُونَ ما تَنحِتُونَ؟
فَقَالَ آزَرُ لأُمِّهِ: هَذَا الَّذِي يَكُونُ ذَهَابُ مُلكِنَا عَلَى يَدَيهِ))(1).
أقول:
((وَوَقَعَ آزَرُ بِأَهلِهِ فَعَلِقَت بِإِبرَاهِيمَ(عليه السلام)))، آزر هو أبو إبراهيم؟
وهنا طعن فى إبراهيم!
((إِذَا أَخَذَ إِبرَاهِيمُ(عليه السلام) القَدُومَ، وَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَجَرَ مِنهَا صَنَماً لَم يَرَوا قَطُّ مِثلَه)).
يا إمامية نبيّ يصنع صنماً بيده لم ير أحد مثله قط! اتّقوا الله!!
*************************
(1) الكافي 8: 366 - 368.
الجواب:

نقول: إنّ المتن المذكور من كون آزر هو والد نبيّ الله إبراهيم(عليه السلام) لا يمكن القبول به؛ وإن أمكن حمله على التقية فهو، وإلاّ يردّ علمه إلى صاحبه - وذلك للأسباب التالية:
أوّلاً: إنّ هذا القول مخالف لإجماع الطائفة من كون أجداد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا من الموحّدين، ولا يوجد فيهم مشرك واحد, وإبراهيم(عليه السلام) هو جدّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فيكون آزر جدّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً(1).
وقد ورد في هذا الجانب حديث متضافر عند الطائفتين - السُنّة والشيعة - : أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهّرات، حتى أخرجني في عالمكم هذا، لم يدنّسني بدنس الجاهلية)(2).
ثانياً: لم يرد في كتب التاريخ أنّ أبا إبراهيم(عليه السلام) هو (آزر), بل يقول التاريخ أنّ اسم أبيه هو (تارخ)، وهذا ما ورد أيضاً في العهدين: القديم والجديد(3).
والذين يرون أنّ (آزر) هو والد إبراهيم(عليه السلام) يستندون إلى تعليلات لا يمكن قبولها, ومن ذلك أنّهم يقولون: إنّ اسم والد إبراهيم(عليه السلام) هو (تارخ) ولقبه (آزر), وهذا القول لا تسنده الوثائق التأريخية.
أو يقولون: أنّ (آزر) هو اسم صنم كان أبو إبراهيم يعبده, وهذا القول مخالف لظاهر الآية القرآنية التي تقول: انّ أباه كان (آزر)، إلاّ إذا قدّرنا جملة أو كلمة، وهذا أيضاً خلاف الظاهر(4).
هذا وقد نقل الطبري في تفسيره عن مجاهد قوله: ((لم يكن آزر والد إبراهيم))(5), وصرّح بهذا المعنى أيضاً الآلوسي في تفسيره عن كثير من علماء المذاهب الأُخرى غير الشيعة(6).
ثالثاً: مخالف لظاهر القرآن الكريم, وذلك أنّ الله تعالى قال في سورة التوبة:
(( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَستَغفِرُوا لِلمُشرِكِينَ وَلَو كَانُوا أُولِي قُربَى مِن بَعدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُم أَنَّهُم أَصحَابُ الجَحِيمِ * وَمَا كَانَ استِغفَارُ إِبرَاهِيمَ لأبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنهُ )) (التوبة:113-114).
وذلك لأنّ إبراهيم(عليه السلام) كان قد وعد (آزر) أن يستغفر له، (( سَأَستَغفِرُ لَكَ رَبِّي )) (مريم:47)، بأمل رجوعه عن عبادة الأصنام, ولكنّه عندما رآه مصمّماً على عبادة الأصنام ومعانداً, ترك الاستغفار له، ويتّضح من هذه الآية بجلاء أنّ إبراهيم بعد أن يئس من آزر, لم يعد يطلب له المغفرة ولم يكن يليق به أن يفعل، وكلّ القرآئن تدلّ على أنّ هذه الحوادث وقعت عندما كان إبراهيم شابّاً, يعيش في (بابل) ويحارب عبدة الأصنام.
ولكن هناك آيات أُخرى في القرآن تشير إلى أنّ إبراهيم(عليه السلام) في أواخر عمره, وبعد الانتهاء من بناء الكعبة, طلب المغفرة لأبيه, وفي هذه الآيات - كما سيأتي - لم تستعمل كلمة (أب)، بل استعملت كلمة (والد) الصريحة في المعنى، إذ يقول: (( الحَمدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الكِبَرِ إِسمَاعِيلَ وَإِسحَاقَ إِنَ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّل دُعَاء * رَبَّنَا اغفِر لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلمُؤمِنِينَ يَومَ يَقُومُ الحِسَابُ )) (إبراهيم:39-41).
فإذا جمعنا هذه الآية مع آية سورة التوبة التي تنهى المسلمين عن الاستغفار للمشركين وتنفي ذلك عن إبراهيم(عليه السلام) إلاّ لفترة محدودة ولهدف مقدّس, تبيّن لنا بجلاء أنّ المقصود من (أب) في الآية المذكورة ليس الوالد, بل هو العم أو الجدّ من جانب الأُمّ، أو ما إلى ذلك.
وبعبارة أُخرى: إنّ (والد) تعطي معنى الأبوّة المباشرة، بينما (أب) لا تفيد ذلك.
وقد وردت في القرآن كلمة (أب) لمعنى العمّ, كما في الآية (133) من سورة البقرة: (( قَالُوا نَعبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ آبَائِكَ إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً )) (البقرة:133), والضمير في (قالوا) يعود إلى أبناء يعقوب, وكان إسماعيل عمّ يعقوب لا أباه(7).
ومن هنا فنحن نردّ هذه الرواية؛ لمخالفتها للقرآن، وهو منهج عُلّمناه من الأئمّة(عليهم السلام) في مثل هكذا مسائل.
ودمتم في رعاية الله
(1) انظر: تفسير مجمع البيان للطبرسي 4: 90 قوله تعالى: (( وَإِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ... ))، 6: 426 قوله تعالى: (( وَاذكُر فِي الكِتَابِ إِبرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً... )).
(2) انظر: تصحيح الاعتقاد: 139 في أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا موحّدين، مجمع البيان 4: 90, 6: 426، تفسير الرازي 24: 174 قوله تعالى: (( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ))، الدرّ المنثور 5: 98.
(3) الكتاب المقدّس (العهد القديم): 18 سفر التكوين، الإصحاح الحادي عشر 26، الكتاب المقدّس (العهد الجديد): 96 انجيل لوقا، الإصحاح الثالث 34.
(4) تفسير الأمثل 4: 346 قوله تعالى: (( وَإِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ... )).
(5) جامع البيان 7: 316 حديث (10471) قوله تعالى: (( وَإِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ... )).
(6) روح المعاني 7: 194.
(7) انظر: تفسير الأمثل 4: 346 - 348 قوله تعالى: (( وَإِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ... )).



السؤال: الجمع بين كون آباء النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) موحّدين وتسمية عبد المطّلب ابنه بـ(عبد العزّى)


عندي سؤال حيّرني وأرجو أن أجد عندكم الجواب:
بما أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من آدم(عليه السلام) موحّدون، ومن البعيد جدّاً أن يختار الله تعالى الأنبياء من نطف غير طاهرة قد دنّستها الأرجاس، فما علّة تسمية عبد المطّلب لابنه المعروف بـ(أبي لهب) بـ(عبد العزّى)؟
الجواب:

ممّا يجب أن نعرفه قبل الخوض في التسمية ومشروعيتها، أنَّ هناك أدلّة عديدة نؤمن بها بأنّ آباء الأنبياء والأئمّة(عليهم السلام) موحّدون مؤمنون، وهم من أصلح وأفضل أهل زمانهم، قال تعالى: (( مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ المُسلِمِينَ مِن قَبلُ )) (الحج:78)، وكذلك قوله تعالى: (( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) (الشعراء:219).
وقد جاءت أحاديث كثيرة تتضمن هذه المعاني، نذكر بعضها اختصاراً:
روى ابن جرير الطبري في (نوادر المعجزات): ((ثمّ قذفنا في صلب آدم، ثمّ أُخرجنا إلى أصلاب الآباء وأرحام الأُمّهات، ولا يصيبنا نجس الشرك، ولا سفاح الكفر، يسعد بنا قوم ويشقى بنا آخرون))(1).
وورد أيضاً: ((وكانت قريش تقول: عبد المطّلب إبراهيم الثاني))(2).
وكذلك قصّته المشهورة وقوله العظيم في وجه أبرهة الحبشي: ((للبيت ربٌّ يحميه[يمنعه]))(3)، واستسقائه بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند الجدب والمجاعة، وتوجّهه إلى الكعبة، والتوجّه والتوسّل به إلى الله تعالى(4).
وقال الشيخ المفيد في (أوائل المقالات): (( واتّفقت الإمامية على أنّ آباء رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من لدن آدم إلى عبد الله بن عبد المطّلب مؤمنون بالله - عزّ وجلّ - موحّدون له. واحتجّوا في ذلك بالقرآن والأخبار، قال الله - عزوجل -: (( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) (الشعراء:218-219). وقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لم يزل ينقلني من أصلاب الطاهرين إلى أرحام المطهّرات حتى أخرجني في عالمكم هذا)(5) ))(6).
وروي عن مولانا أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه قال: (والله ما عبد أبي ولا جدّي عبد المطّلب ولا هاشم ولا عبد مناف صنماً قط). قيل له: فما كانوا يعبدون؟ قال: (كانوا يصلّون إلى البيت على دين إبراهيم(عليه السلام) متمسّكين به)(7).
وقد روى أهل السُنّة في تفاسيرهم ما يدعم صلاحهم ومدحهم، ونقتصر على هذه الرواية:
روى السيوطي في (الدرّ المنثور): ((عن ابن مردويه، عن ابن عبّاس، قال: سألت رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقلت: بأبي أنت وأُمّي! أين كنت وآدم في الجنّة؟ فتبسّم حتى بدت نواجذه، ثمّ قال: (إنّي كنت في صلبه... لم يلتق أبواي قطا على سفاح، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيّبة إلى الأرحام الطاهرة، مصفّى مهذّباً، لا تتشعّب شعبتان إلاّ كنت في خيرهما...) ))(8).
وبعد هذه المقدّمة والتسليم بها، ينبغي علينا إحسان الظنّ بهم، وتأويل بعض الأسماء، مثل: (عبد العزّى) التي وردت عنهم، خصوصاً أنّ أبا لهب هذا من الكفّار وليس والداً للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا للأئمّة(عليهم السلام)، ولله الحمد والمنّة.
ومع ذلك نقول بأنّ الأسماء عند العرب من أقسام الألفاظ المرتجلة التي لا تدلّ فيها الألفاظ على معانيها، بل على مسمّياتها، ومنها: أسماء الأعلام والبلدان والآلات والأدوات وغيرها. فمثلاً: مَن سمّى ابنه جميلاً، لا يجعله بهذه التسمية جميلاً حقيقةًً، بل قد يكون غيرَ جميل حقيقةًً، ومن سمّى ابنه: عبد الله، فقد يكون عدّواً لله، فلم يدلّ الاسم على مسمّاه، وهكذا.
بالإضافة إلى أنّ مفردة (العزّى) غير مختصّة بالآلهة في أصل وضعها في اللغة العربية؛ فإنّها تعني: العزيزة الشريفة - مؤنّث الأعزّ - فيكون معنى (عبد العزّى): خادم العزيزة، وليس عبداً بمعنى العبادة، كما في عبد المطّلب نفسه.
وكذلك تسمية هذا الابن من بين أبنائه العشرة بهذه التسمية، لها دلالتها على علم عبد المطّلب بجحده وكفره بالرسالة العظيمة في مستقبله، ويدعم هذا الرأي تسمية عدو الله أبي لهب بـ(عبد العزّى)، وتسمية أبي رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بـ(عبد الله).
وربّما علمه وفعله في هاتين التسميتين ناتجة عن المداراة والمصلحة والتقية مع ذلك المجتمع القبلي الجاهلي الظالم، فلولا هذه التغطية بـ(عبد العزّى) والتي قد يقصد منها (خادم العزيزة)، وظاهرها اعترافه بآلهتهم، كما كان أبو طالب يفعل ذلك معهم؛ حمايةً للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لما استطاع التسمية بـ(عبد الله) والحفاظ عليه، وعلى نفسه من هؤلاء المشركين، ليكون نبيّنا(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأبهى صورة وأجمل الأسماء وأحبّها إلى الله تعالى. والله العالم.

(1) نوادر المعجزات: 81 الباب الثاني (فضائل سيّدة النساء فاطمة الزهراء).
(2) تاريخ اليعقوبي 2: 11 مولد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
(3) كشف الخفاء 2: 138( 2037) حرف اللام، السيرة النبوية 1: 33 قصّة أصحاب الفيل، الكامل في التاريخ 1: 444.
(4) السيرة الحلبية 1: 189.
(5) تفسير مجمع البيان 4: 90، 6: 426.
(6) أوائل المقالات: 45 - 46.
(7) كمال الدين وإتمام النعمة: 174 الباب 12.
(8) الدرّ المنثور 5: 98 سورة الشعراء.




السؤال: شرعية نذر عبد المطّلب ذبح أحد أبنائه العشرة
إذا كان عبد المطّلب مؤمناً، فلماذا قام بهذا النذر: (قتل أحد أولاده‎ إذا وصل عددهم عشرة) الذي يتصرف بموجبه بنفس أُخرى، وهو محرّم شرعاً، ثمّ يقوم باللجوء إلى الكهنة والاقتراع بالأسهم؟
الجواب:

لا يبعد أن يكون نذر عبد المطّلب ذبح أحد أبنائه إن بلغوا عشرة - إن صحّ خبر النذر - ناجم عن إلهام أو رؤيا صادقة، على حذو رؤيا نبيّ الله إبراهيم(عليه السلام)؛ فعبد المطّلب لم يكن شخصاً عادياً، والمظنون جداً أنّه من الأوصياء، ولا أقلّ من كونه موحّداً على دين جدّه إبراهيم(عليه السلام)، وقيل: أنّه من أوصياء عيسى المسيح(عليه السلام).
والذي يؤيّد كونه وصيّاً: ما ورد في الأخبار: ((أنّ الأرض لا تخلو من حجّة لله وإلاّ لساخت بأهلها))، وكان الناس في عصر عبد المطّلب على عبادة الأوثان، فلو لم يكن في الناس حجّة لله لَما قامت الأرض ولَما استقرّت.
وممّا يؤيّده كذلك: ما ورد في كتب السُنّة من حادثة جيش أبرهة الذي جاء لهدم الكعبة - كما أشارت إليه سورة الفيل - وحين التقى به أبرهة وهو بصدد استرجاع مائتي ناقة له استولى عليها جيش أبرهة، قال له أبرهة: قد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثمّ زهدت فيك حين كلّمتني؛ أتكلّمني في مائتي بعير، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلّمني فيه؟
فقال عبد المطّلب: إنّي أنا ربّ الأبل، وإنّ للبيت ربّاً سيمنعه(1).
وموقفه هذا يدلّ على درجة عالية من التسليم واليقين لا يمكن أن تتّفق إلاّ لنبيّ أو وصيّ نبيّ.
ومن يكن كذلك فكيف يتصوّر أن تبدر منه معصية عظمى تتمثل في ذبح أحد أبنائه وإن كان نذراً؟
فيجب أن نلتمس لفعله هذا وجهاً صحيحاً من الشرع، وقد استقربنا بأنّه قد تلقّى من الله تعالى عبر الرؤيا أو الوحي أو الإلهام ما دفعه إلى الإقدام على ما أقدم عليه، ولعلّه كان مؤمناً بأنّ الله تعالى سوف يفدي ولده عبد الله كما فدى إسماعيل(عليه السلام) من قبل، ولهذا أقدم على نذره.
وحادثة الذبح كما يرويها بعض المؤرّخين: أنّ عبد المطّلب كان نذر إن وافى له عشرة رهط أن ينحر أحدهم، فلمّا توافوا له أقرع بينهم، فصارت القرعة على عبد الله وكان أحبّهم إليه، فقال: أهو أو مائة من الإبل؟ ثمّ أقرع ثانية بين المائة وبينه، فصارت القرعة على الإبل.
فهذا الخبر يدلّ على أنّ عبد المطّلب كان عازماً منذ البداية على فداء ولده بالإبل، وإلاّ لمضى لسبيله وذبح عبد الله، أو همّ بذبحه كما فعل إبراهيم(عليه السلام) من قبل.
أمّا قولك: ((ثمّ يقوم باللجوء إلى الكهنة والاقتراع بالأسهم))، فلا نرى فيه بأساً أو عيباً على عبد المطّلب كما تظنّ أنت، فإنّ العرب كانوا يقترعون في كثير من المسائل التي يتحيّرون فيها، كالسفر وغيره، فقد كانت القرعة من عادات العرف العربي في الجاهلية وقد أقرّها الإسلام بعد ذلك، أمّا ذهاب عبد المطّلب إلى الكهنة فلم يثبت، وإن ثبت فهو لأجل القرعة لا لأجل التعلّم أو التصديق بأقوالهم.

(1) جامع البيان 30: 489 سورة الفيل.

تعليق على الجواب (1)
لا يمكن القبول عقلاً بأنّ إنسان عاقل ينذر هذا النذر المزعوم، فبدل أن يذبح أحد أبنائه إذا بلغوا العشرة فانّه يتوقّف عن إتيان النساء قبل ذلك!
الجواب:

إنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا يعلمون أنّهم يحملون نور النبوّة.
فلعلّ رغبة عبد المطّلب في كثرة الأبناء ليس هو لأجل كثرتهم، بل هو منتظر لانتقال ذلك النور إلى أحد أبنائه، فطلبه للابن العاشر لأجل هذا الغرض، ولعلّ مقصود نذره هو: إذا تحقّق انتقال النور سوف يذبح أحد أبنائه غير ذلك الابن الذي يحمل ذلك النور، وليس معنى ذبحه أن يحصل ذلك بدون رضا من الله تعالى، بل معناه أنّه لو اختبر كما اختبر إبراهيم(عليه السلام) بذبح ابنه لفعل.
ولمّا خرجت القرعة على عبد الله الحامل لنور النبوّة، التجأ إلى طريقة أُخرى، وهي: التعرّض إلى اختبار آخر، هو: التنازل عن أمواله من الإبل في قبال حفظ هذا الولد الحامل لنور النبوّة، فصارت القرعة على الإبل دون الابن، فرضي بذلك.




السؤال: إسلام أبوي النبيّ محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعمّه في مصادر السُنّة
ما الدليل على إسلام أُمّ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأبوه وعمّه من كتب أهل السُنّة.

الجواب:

ولد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وترعرع في عائلة تدين بالتوحيد، وتتمتّع بسموّ الأخلاق، وعلّو المنزلة, فإيمان جدّه عبد المطّلب نلمسه من كلامه ودعائه عند هجوم أبرهة الحبشي لهدم الكعبة؛ إذ لم يلتجئ إلى الأصنام، بل توكّل على الله لحماية الكعبة(1).
بل يمكن أن نقول بأنّ عبد المطّلب كان عارفاً بشأن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومستقبله المرتبط بالسماء، من خلال الأخبار التي أكدت ذلك. وتجلّت اهتماماته به في الاستسقاء بالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو رضيع, وما ذلك إلاّ لِما كان يعلمه من مكانته عند الله المنعم الرزّاق(2).
والشاهد الآخر هو: تحذيره لأُمّ أيمن من الغفلة عنه عندما كان صغيرا(3).
وكذلك حال عمّه أبو طالب الذي استمر في رعاية النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودعمه لأجل تبليغ الرسالة والصدع بها حتى آخر لحظات عمره المبارك، متحمّلاً في ذلك أذى قريش وقطيعتهم وحصارهم له في الشِعب.
ونلمس هذا في ما روي عن أبي طالب(عليه السلام) من مواقف ترتبط بحرصه على سلامة حياة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(4).
وأمّا والدا النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فالروايات دالّة على نبذهما للشرك والأوثان، ويكفي دليلاً قول الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لم أزل أُنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات)(5), وفيه إيعاز إلى طهارة آبائه وأُمّهاته من كلّ دنس وشرك.
قال المعلّق على كتاب (بحار الأنوار) للمجلسي عبد الرحيم الرباني الشيرازي: وذهب بعضهم - أي: المخالفون - إلى إيمان والديه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأجداده، واستدلّوا عليه بالكتاب والسُنّة، منهم: السيوطي؛
قال في كتاب (مسالك الحنفاء: 17):
((المسلك الثاني، أنّهما - أيّ عبد الله وآمنة - لم يثبت عنهما شرك، بل كانا على الحنيفية دين جدّهما إبراهيم على نبيّنا وعليه الصلاة والسلام، كما كان على ذلك طائفة من العرب، كزيد بن عمرو بن نفيل، وورقة بن نوفل، وغيرهما)).
وهذا المسلك ذهبت إليه طائفة، منهم: الإمام فخر الدين الرازي، فقال في كتابه (أسرار التنزيل) ما نصّه: ((قيل: إنّ آزر لم يكن والد إبراهيم، بل كان عمّه، واحتجّوا عليه بوجوه، منها: أنّ آباء الأنبياء ما كانوا كفّاراً، ويدلّ عليه وجوه، منها: قوله تعالى: (( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) (الشعراء:218-219)؛ قيل: معناه أنّه كان ينقل نوره من ساجد إلى ساجد.
وبهذا التقدير الآية دالّة على أنّ جميع آباء محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا مسلمين، وحينئذ يجب القطع بأنّ والد إبراهيم ما كان من الكافرين، إنّما ذاك عمّه، أقصى ما في الباب أن يُحمل قوله تعالى: (( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) على وجوه أُخر، وإذا وردت الروايات بالكلّ ولا منافاة بينهما وجب حمل الآية على الكلّ، ومتى صحّ ذلك ثبت أنّ والد إبراهيم ما كان من عبدة الأوثان.
ثمّ قال: وممّا يدلّ على أنّ آباء محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما كانوا مشركين قوله(عليه السلام): (لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات)، وقال تعالى: (( إِنَّمَا المُشرِكُونَ نَجَسٌ )) (التوبة:28)؛ فوجب أن لا يكون أحد من أجداده مشركاً)).
هذا كلام الإمام فخر الدين الرازي بحروفه، وناهيك به إمامة وجلالة، فإنّه إمام أهل السُنّة في زمانه، والقائم بالردّ على الفرق المبتدعة في وقته.
ثمّ قال السيوطي: ((وعندي في نصرة هذا المسلك وما ذهب إليه الإمام فخر الدين أمور، أحدها: دليل استنبطه مركّب من مقدّمتين:
الأُولى: إنّ الأحاديث الصحيحة دلّت على أنّ كلّ أصل من أُصول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من آدم(عليه السلام) إلى أبيه عبد الله فهو خير أهل قرنه وأفضلهم، ولا أحد في قرنه ذلك خير منه ولا أفضل.
والثانية: إنّ الأحاديث والآثار دلّت على أنّه لم تخلُ الأرض - من عهد نوح(عليه السلام) أو آدم(عليه السلام) إلى بعثة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، إلى أن تقوم الساعة - من ناس على الفطرة، يعبدون الله ويوحّدونه، ويصلّون له، وبهم تحفظ الأرض، ولولاهم لهلكت الأرض ومن عليها، وإذا قرنت بين هاتين المقدّمتين أنتج منهما قطعاً أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن فيهم مشرك؛ لأنّه ثبت في كلّ منهم أنّه خير قرنه، فإن كان الناس الذين على الفطرة هم آباؤهم (إياهم) فهو المدّعى، وإن كان غيرهم وهم على الشرك لزم أحد الأمرين: إمّا أن يكون المشرك خيراً من المسلم، وهو باطل بالإجماع، وإمّا أن يكون غيرهم خيراً منهم، وهو باطل لمخالفة الأحاديث فوجب قطعاً أن لا يكون فيهم مشرك ليكونوا خير أهل الأرض في كلّ قرنه...)) إهـ‍.
ثمّ ذكر أدلّة لإثبات المقدّمة الأُولى، منها:
ما أخرجه البخاري: عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً، حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه)(6).
وما أخرجه البيهقي في (دلائل النبوّة): عن أنس: أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (ما افترق الناس فرقتين إلاّ جعلني الله في خيرهما. فأخرجت من بين أبوى (أبوين) فلم يصبني شيء من عهد (عهر) الجاهلية، وخرجت من نكاح، ولم أخرج من سفاح، من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمّي، فأنا خيركم نفساً، وخيركم أباً)(7).
وما أخرج أبو نعيم في (دلائل النبوّة) من طرق: عن ابن عبّاس، قال: قال النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم): (لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة، مصفّى مهذباً لا تنشعب شعبتان إلاّ كنت في خيرهما).
وما أخرجه الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في فضائل العبّاس من حديث واثلة بلفظ: (إنّ الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واتّخذه خليلاً، واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ثمّ اصطفى من ولد إسماعيل نزاراً، ثمّ اصطفى من ولد نزار مضر، ثمّ اصطفى من مضر كنانة، ثمّ اصطفى من كنانة قريشاً، ثمّ اصطفى من قريش بني هاشم، ثمّ اصطفى من بني هاشم بني عبد المطّلب، ثمّ اصطفاني من بني عبد المطّلب). قال: أورده المحبّ الطبري في (ذخائر العقبى).
ثمّ ذكر تسعة أحاديث أُخرى تدلّ على ذلك.
ثمّ ذكر أدلّة لإثبات المقدّمة الثانية:
منها: أحاديث تدلّ على أنّ الأرض لم تزل بعد نوح كان على وجهها مسلمون يعملون لله بطاعته، ويدفع الله بهم عن أهل الأرض، فعدّهم في بعضها: سبعة، وفي أُخرى: أربعة عشر، وفي ثالثة: اثني عشر.
ومنها: أحاديث وردت في تفسير قوله تعالى: (( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً )) (البقرة:213)؛ فيها: أنّه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلّهم على شريعة من الحقّ، وفيها: أنّ ما بين نوح إلى آدم من الآباء كانوا على الإسلام. وفيها: أنّ أولاد نوح(عليه السلام) لم يزالوا على الإسلام وهم ببابل حتى ملكهم نمرود بن كوس (كوش)، فدعاهم إلى عبادة الأوثان، ففعلوا.
ثمّ قال: فعُرف من مجموع هذه الآثار أنّ أجداد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كانوا مؤمنين بيقين من آدم إلى زمن نمرود، وفي زمنه كان إبراهيم(عليه السلام) وآزر، فإن كان آزر والد إبراهيم فيستثنى من سلسلة النسب، وإن كان عمّه فلا استثناء في هذا القول - أعنى: أنّ آزر ليس أبا إبراهيم - كما ورد عن جماعة من السلف.
ثمّ ذكر آثاراً وأقوالاً تدلّ على أنّ آزر كان عمّ إبراهيم ولم يكن أباه.
ثمّ قال: ثمّ استمر التوحيد في ولد إبراهيم وإسماعيل، قال الشهرستاني في (الملل والنحل): كان دين إبراهيم قائماً والتوحيد في صدر العرب شائعاً، وأوّل من غيّره واتّخذ عبادة الأصنام عمرو بن لحي.
وقال عماد الدين ابن كثير في تاريخه: كانت العرب على دين إبراهيم(عليه السلام) إلى أن ولى عمرو بن عامر الخزاعي مكّة، وانتزع ولاية البيت من أجداد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأحدث عمرو المذكور عبادة الأصنام، وشرّع للعرب الضلالات، وتبعته العرب على الشرك، وفيهم بقايا من دين إبراهيم، وكانت مدّة ولاية خزاعة على البيت ثلاثمئة سنة، وكانت ولايتهم مشؤومة، إلى أن جاء قصي جدّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقاتلهم وانتزع ولاية البيت منهم، إلاّ أنّ العرب بعد ذلك لم ترجع عمّا كان أحدثه عمرو الخزاعي.
فثبت أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من عهد إبراهيم(عليه السلام) إلى زمان عمرو المذكور كلّهم مؤمنون بيقين، ونأخذ الكلام على الباقي.
ثمّ ذكر آياتاً لإثبات ذلك، وعقّبها بأحاديث، منها: ما ورد في تفسير قوله تعالى: (( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ )) (الزخرف:28)، تدلّ على أنّ التوحيد كان باقياً في ذرّية إبراهيم(عليه السلام)، ولم يزل ناس من ذرّيته على الفطرة يعبدون الله تعالى حتى تقوم الساعة.
وأحاديث في تفسير قوله: (( وَاجنُبنِي وَبَنِيَّ أَن نَعبُدَ الأَصنَامَ )) (إبراهيم:35)، تدلّ على أنّ الله استجاب لإبراهيم(عليه السلام) دعوته في ولده، فلم يعبد أحد من ولده صنماً بعد دعوته.
وحديثاً في تفسير قوله تعالى: (( رَبِّ اجعَلنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي )) (إبراهيم:40)، يدلّ على أنّه لن تزال من ذرّية إبراهيم ناس على الفطرة يعبدون الله تعالى.
ثمّ ذكر آثاراً تدلّ على أنّ عدنان ومعد وربيعة ومضر وخزيمة والياس وكعب بن لؤي وغيرهم كانوا مسلمين.
ثمّ قال: فحصل ممّا أوردناه أنّ آباء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من عهد إبراهيم إلى كعب بن لؤي كانوا كلّهم على دين إبراهيم(عليه السلام)، وولده مرّة بن كعب الظاهر أنّه كذلك؛ لأنّ أباه أوصاه بالإيمان، وبقي بينه وبين عبد المطّلب أربعة آباء، وهم: كلاب، وقصي، وعبد مناف، وهاشم، ولم أظفر فيهم بنقل، لا بهذا ولا بهذا.
وأمّا عبد المطّلب ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّه لم تبلغه الدعوة.
والثاني: أنّه كان على التوحيد وملّة إبراهيم، وهو ظاهر عموم قول الإمام فخر الدين، وما تقدّم من الأحاديث.
والثالث: أنّ الله أحياه بعد بعثة النبيّ(عليه السلام) حتى آمن به وأسلم ثمّ مات، حكاه ابن سيّد الناس، وهذا أضعف الأقوال.
ووجدت في بعض كتب المسعودي اختلافاً في عبد المطّلب، وأنّه قد قيل فيه: مات مسلماً لِما رأى من الدلائل على نبوّة محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وعلم أنّه لا يبعث إلاّ بالتوحيد.
وقال الشهرستاني في (الملل والنحل): ظهر نور النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في أسارير عبد المطّلب بعض الظهور، وببركة ذلك النور أُلهم النذر في ذبح ولده، وببركته كان يأمر ولده بترك الظلم والبغي، ويحثّهم على مكارم الأخلاق، وينهاهم عن دنيات الأمور، وببركة ذلك النور كان يقول في وصاياه: إنّه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى يُنتقم منه وتصيبه عقوبة، إلى أن هلك رجل ظلوم لم تصبه عقوبة، فقيل لعبد المطّلب في ذلك، ففكّر في ذلك فقال: والله إنّ وراء هذه الدار دار يجزى فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب فيها المسيء بإساءته، وببركة ذلك النور قال لأبرهة: إنّ لهذا البيت ربّاً يحفظه، ومنه قال وقد صعد أبا قبيس:
لا همّ أنّ المرء يمنع رحله فامنع حلالك ***** لا يغلبنّ صليبهم ومحالهم عدوا محالك
فانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك
انتهى كلام الشهرستاني(8).
ثمّ ذكر أموراً تدلّ على إيمان عبد المطّلب، إلى أن قال: ثمّ رأيت الإمام أبا الحسن الماوردي أشار إلى نحو ما ذكره الإمام فخر الدين، إلاّ أنّه لم يصرّح كتصريحه؛ فقال في كتابه (أعلام النبوّة): ((لمّا كان أنبياء الله صفوة عباده وخيرة خلقه لما كلّفهم من القيام بحقّه والإرشاد لخلقه، استخلصهم من أكرم العناصر، واجتباهم بمحكم الأوامر، فلم يكن لنسبهم من قدح، ولمنصبهم من جرح، لتكون القلوب (لهم) أصغى، والنفوس لهم أوطأ، فيكون الناس إلى إجابتهم أسرع، ولأوامرهم أطوع..
وإنّ الله استخلص رسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أطيب المناكح، وحماه من دنس الفواحش، ونقله من أصلاب طاهرة إلى أرحام منزّهة، وقد قال ابن عبّاس في تأويل قول الله تعالى: (( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )) (الشعراء:219)، أي: تقلّبك من أصلاب طاهرة من أب بعد أب إلى أن جعلك نبيّاً. فكان نور النبوّة ظاهراً في آبائه.
وإذا خبرت حال نسبه وعرفت طهارة مولده، علمت أنّه سلالة آباء كرام، ليس في آبائه مسترذل، ولا مغمور مستبذل، بل كلّهم سادة قادة. وشرف النسب، وطهارة المولد من شروط النبوّة)). انتهى كلام الماوردي بحروفه.
قلت: ثمّ فصّل السيوطي الكلام حول ذلك وحول أُمّهاته(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وصنّف أيضاً في ذلك كتابه (الدرج المنيفة في الآباء الشريفة)، وكتابه (المقامة السندسية في النسبة المصطفوية)، وكتابه (التعظيم والمنّة في أنّ أبوى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الجنّة)، وكتابه (السبل الجليّة في الآباء العلية)، وصنّف كتاب (نشر العلمين المنيفين في إحياء الأبوين الشريفين)، ردّ فيه على من جزم بأنّ الحديث الذي ورد في إحيائهما موضوع، وصنّف كتاب (أنباء الأذكياء في حياة الأنبياء عليهم السلام).
قلت: وممّن صرّح بإيمان عبد المطّلب وغيره: المسعودي، واليعقوبي، وغيرهما))(9).

(1) انظر: السيرة النبوية: 1: 33 قصّة أصحاب الفيل, تاريخ الطبري 1: 553، الكامل في التاريخ 1: 444 ذكر أمر الفيل.
(2) انظر: السيرة الحلبية: 1: 189, الملل والنحل للشهرستاني: 2: 240 الفصل الثاني: المحاصلة من العرب.
(3) انظر: الطبقات الكبرى 1: 118 ذكر ضم عبد المطّلب رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، تاريخ مدينة دمشق 3: 85 باب (ذكر مولد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، البداية والنهاية 2: 343 رضاعته عليه الصلاة والسلام، السيرة النبوية: 1: 240 إكرام عبد المطّلب له.
(4) انظر: أُسد الغابة 1: 19 ذكر وفاة خديجة وأبي طالب، تاريخ الطبري 2: 64، البداية والنهاية 3: 63، السيرة النبوية لابن كثير 1: 473, وغيرها.
(5) انظر: السيرة الحلبية 1: 45، 70, تفسير الآلوسي 7: 195 قوله تعالى: (( وَإِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ... ))، تفسير البحر المحيط 7: 45 قوله تعالى: (( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ))، تفسير الرازي 13: 39 قوله تعالى: (( وَإِذ قَالَ إِبرَاهِيمُ لأبِيهِ آزَرَ... ))، 24: 174 قوله تعالى: (( وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ )).
(6) انظر: صحيح البخاري 4: 166 كتاب (بدء الخلق).
(7) انظر: دلائل النبوّة 1: 174 باب (ذكر شرف أصل الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ونسبه).
(8) انظر: الملل والنحل 2: 239.
(9) بحار الأنوار 15: 118 الهامش، وانظر: مسالك الحنفا في والدي المصطفى، المطبوع مع مجموعة رسائل السيوطي ضمن كتاب الحاوي للفتاوي 2: 202(67).





السؤال: أُمّهات الأئمّة مختارات من قبل الله عزّ وجلّ
هل أنّ أزواج وأُمّهات الأئمّة الاثنا عشر جرى اختيارهنّ بأمر من الله عزّ وجلّ وتوفيقه؛ لأنّه حسب ما قرأته في الكتب فإنّ معظم أُمّهات وزوجات الأئمّة هنّ جواري مملوكات، ولسن من الحرائر ذوات النسب الشريف، وليست لهنّ قربى بالنسب النبوّي الهاشمي الشريف؟
الجواب:

إنّ الله تبارك وتعالى قد اختار أُمّهات الأئمّة(عليهم السلام)، فالإمام لا يُولد إلاّ من صلب طاهر ورحم مطهّر، كما ورد في بعض الأخبار والزيارات, ولا يضرّ كون أُمّ الإمام جارية أو مملوكة ما دامت متّصفة بهذه الصفة (ذات الرحم المطهّر), وكون أغلب أُمّهات الأئمّة(عليهم السلام) أُمّهات ولد (مملوكات) أو جواري، ربّما فيه حكمة، وهي المصاهرة في بعض الأقوام لأجل نشر الإسلام بطريق العصبية، وهذا أسلوب سلمي لا يعتمد على الحرب، له أبلغ الأثر في كسب الأتباع، كما لا يخفي على المطّلع على سنن التاريخ والعمران البشري





السؤال: أُمّهات الأئمّة(عليهم السلام) اخترن من بلدان متعدّدة

لماذا بعض أُمّهات الأئمّة(عليهم السلام) نساء لسن من نسل فاطمة الزهراء(عليها السلام)؟
لماذا الأئمّة لم يتزوّجوا من بنات أقاربهم مثلاً، وتزوّجوا من نساء أخريات، فمنهنّ من فارس، أو المغرب، أو الافرنجة، ومنهنّ لم يُلدن مسلمات، هل هناك تفصيل في هذة المسألة؟
فمثلاً: أُمّ الإمام المهدي كما تروي الروايات أنّها كانت تدين بالمسيحية، وقد يستشكل البعض في أنّ مثلاً والديها مشركان، وقد يكونان ممّن أكلا الحرام أو شربا الخمر، فكيف يكون التأثير هنا على النطف والنسل؟
وقد يستشكل أحد المخالفين ويقول: أنّ جدّيّ الإمام المهدي لأُمّه مشركين، ما هو الجواب؟
الجواب:

هناك تقدير إلهي لأُمّهات الأئمّة(عليهم السلام)؛ فقد تم اختيارهنّ من بلدان مختلفة، ولعلّ ذلك لحكمة إلهية، يمكن أن تكون لربط تلك الجماعات بالمذهب الحقّ من خلال هذه المصاهرة فيهم.
ثمّ إنّ الاختيار وقع على نساء خالصات ومصفيّات من كلّ نقص حتى صرن أُمّهات الأئمّة(عليهم السلام).
ثمّ إنّه لا يشترط في نساء الأئمّة ولا الأنبياء(عليهم السلام) أن يكون آباءهنّ مسلمين؛ فلقد تزوّج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من نساء كان آباءهنّ مشركين.
نعم، يشترط في أُمّهات الأئمّة(عليهم السلام) أن يكنّ من ذوات الأرحام المطهّرة.




يتبع


من مواضيع الشيخ عباس محمد » الشخصية الاستفزازية واسبابها
» الشخصية الطيبة
» الشّخصيّة في علم النّفس
» الإرشاد النفسي
» مفاهيم خاطئة عن الطب النفسي
رد مع اقتباس