العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الاسلامي > المنتدى الاسلامي العام > قسم القرآن الكريم
روابط مفيدة مشاركات اليوم البحث


تجلّي آيات من القرآن الكريم في سيرة الإمام الحسين (عليه السلام)

قسم القرآن الكريم


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-02-2024, 09:35 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية صدى المهدي


الملف الشخصي









صدى المهدي متواجد حالياً


افتراضي تجلّي آيات من القرآن الكريم في سيرة الإمام الحسين (عليه السلام)

المقدّمة

استودع النبي(صلى الله عليه واله) أُمّته ـ طبقاً لحديث الثقلين المعتبر والمشهور ـ جوهرتين ثمينتين: إحداهما القرآن الكريم، والأُخرى أهل البيت(عليهم السلام)، ولا يمكن أن يتحقّق القبول لهذا الحديث المأثور عن الرسول(صلى الله عليه واله) بقبول إحداهما دون الأُخرى، فلا بدّ أن يكونا ـ جنباً إلى جنب ـ موضعاً لاعتزازنا وتقديرنا، وفقاً لوصية النبي(صلى الله عليه واله).

هذا من جهة، ومن جهة أُخرى إذا كانت كلّ واحدة من هاتين الجوهرتين بياناً وتفسيراً للأُخرى ـ كما يمكن أن نستشف ذلك جيّداً من حديث الرسول(صلى الله عليه واله) ـ فإنّ كلاً منهما ستُمثّل تجسّداً وتجلّياً للأُخرى. وعليه؛ فالمستفاد من حديث الرسول(صلى الله عليه واله) هو أنّ جميع أهل البيت(عليهم السلام) يمثّلون القرآن الكريم في حياتهم.

والجدير بالإشارة ـ والحال هذه ـ ما يمكن أن يُظنّ من أنّ نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) وحركته ضدّ خليفة عصره (يزيد بن معاوية) تمثّل تخلّفاً عن العمل بالقرآن الكريم، بَيدَ أنّه إذا أخضع الإنسان سيرة الإمام الحسين(عليه السلام) إلى نظرة واقعية، ودرسها وفق رؤية قرآنية، تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الزمانية والمكانية الحاكمة على تلك المدّة، فسيُدرك بسهولة أنّ سيرة الإمام الحسين(عليه السلام) تكشف بذاتها أنّه(عليه السلام) لم يتنكّب طريق العمل بآيات القرآن الكريم في جميع مراحل حركته، وأنّ هدفه من النهضة أساساً هو هدف قرآني وسماوي، فالإمام الحسين(عليه السلام) يمثّل الشخصية التي استطاعت أن تجسّد القرآن الكريم بصورة واقعية في حياتها الحافلة بالمفاخر.

بناءً على ذلك، بوسعنا أن نقول: إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ـ كجدّه العظيم(صلى الله عليه واله) وأبيه(عليه السلام) وسائر الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) ـ يمثّل تجسيداً للقرآن الكريم، وإنّنا في هذا المقال نحاول أن نلقي نظرةً على الآيات القرآنية التي تبلورت في حياته(عليه السلام)؛ لنبيّن أنّه(عليه السلام) كان الحامي والذائد الحقيقي عن دين رسول الله(صلى الله عليه واله) إزاء الأعداء من قبيل يزيد بن معاوية، وربّما تكون هذه الآيات كثيرة، ولكنّنا سنكتفي هنا بذكر موارد منها بصفتها أُنموذجاً.

أوّلاً: الآيات الدالةعلى إقامةالصلاةومناجاةاللّه

تعدّ الصلاة من الموضوعات المهمّة جداً في الدين الإسلامي، ومن الواجبات المفروضة على كلّ مسلم، فمن جهة يعدّها الله تعالى من صفات المتقين؛ إذ يقول: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا..)[1]، ومن جهة أُخرى يقدّمها من الصفات المهمّة، كصفة الزكاة وفي آيات متعدّدة، كما في قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[2]، وغيرها من الآيات[3]، وحري بالذكر كذلك أنّ الصلاة ـ من جهة ـ قد عُدّت في الأحاديث المأثورة عن الأئمّة(عليهم السلام) عموداً للدين، كما في الحديث القائل: «الصلاة عمود الدين»[4]، وعدّت من جهة أُخرى ميزاناً لقبول سائر الأعمال، كما في الحديث القائل: «... فإن قُبلت قُبل ما سواها، وإن ردّت ردَّ ما سواها»[5].

صلاةالإمام الحسين(عليه السلام)ومناجاته

لنلحظ الآن ما هو دور هذه المسألة الحيوية في حياة الإمام الحسين(عليه السلام)، ومن الأفضل ـ بُغية الوقوف على أبعادها ـ أن نُلقي نظرةً على ما ذكره المؤرّخون فيما يرتبط بهذه المسألة. يذكر الطبري وآخرون ـ مثلاً ـ أنّ العباس(عليه السلام) بعدما عاد إلى الإمام الحسين(عليه السلام) ليطلعه على ما دار بينه وبين شمر بن ذي الجوشن من حديث، قال له الحسين(عليه السلام): «ارجع إليهم، فإن استطعت أن تؤخّرهم إلى غدوة، وتدفعهم عنّا العشية، لعلّنا نُصلّي لربّنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أنّي قد كنت أُحبّ الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار»[6].

وبعدما اشتدّ القتال يقول ابن الأثير في كتابه (الكامل في التاريخ) قال أبو ثمامة الصائدي لأبي عبد الله(عليه السلام): «...أُحبّ أن ألقى ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها... فرفع الحسين رأسه، ثمّ قال: ذكرت الصلاة، جعلك الله من المُصلّين الذاكرين! نعم، هذا أوّل وقتها، ثمّ قال: سلوهم أن يكفّوا عنّا حتّى نُصلّي»[7].

تحليل وإيضاح

يمكننا أن نستفيد من هذه الحادثة نقطتين مهمتين:

الأُولى: أوضح الإمام الحسين(عليه السلام) في هذا الكلام أنّه يحبّ الصلاة، ممّا يكشف بوضوح أنّ المُصلّي الواقعي لا يكتفي بإقامة الصلاة فقط، بل ينبغي أن يكون محبّاً لها، ومروّجاً لثقافة الصلاة في وسط المجتمع، فإنّ الإمام(عليه السلام) بإقامته الصلاة جماعة ـ بمرأى من جيشه وجيش العدو ـ قد أوصل رسالة تُنبئ الجميع بأهمّية إقامة الصلاة في أوّل وقتها.

الثانية: أراد الإمام(عليه السلام) من خلال هذا السلوك العرفاني الخالص، أن يعرض في ظهيرة العاشر من محرّم ـ أمام الصديق والعدو ـ جميع أبعاد هذه العبادة، وأسرارها وأجزائها، في أجمل صورها وأكملها وبكل إخلاص وعشق.

وفيما يرتبط بحبّ الإمام(عليه السلام) للصلاة في ذلك الظرف الخطير يمكن أن نُشير إلى الأسباب الآتية:

1ـ قد ثبت من وجهة نظر علم النفس أنّ الصلاة تمنح الإنسان حالة من الطمأنينة، وأنّ الإنسان يصل في كنفها إلى الشعور بالسكينة والهدوء، وأنّه يتلقّى بواسطتها نوعاً من العلاج، ومن الطبيعي أنّ كلّ ذلك منوط بمقدار حضور القلب، واستجماع الحواس، ومناجاة الربّ الرحيم.

والسبب في أنّ الصلاة تبعث على الطمأنينة هو أنّ العلاج بواسطة الاسترخاء يعدّ في حدِّ ذاته من المواضيع التي حظيت بقبول المعالجين النفسيين، وليس هناك شك في أنّ الصلاة هي إحدى طرق الاسترخاء والسكينة، وقد وظّف أحد العلماء ـ ويدعى (ولبي) هذه الطريقة بصفتها وسيلة في العلاج[8].

2ـ إنّ طرح المشاكل والحوادث المسبّبة للاضطراب في جوّ من السكينة أثناء الصلاة يؤدّي بنفسه إلى تحرّر الإنسان من القلق والاضطراب.

3ـ إنّ ذكر المشاكل والتصريح بها يخفّف في حدِّ ذاته من شدّة اضطراب الإنسان، تماماً مثلما يسبّب التحدّث بالمشاكل إلى صديق حميم شعوراً بالراحة لدى الإنسان.

4ـ إنّ مجرد الدعاء والمناجاة يؤدّي في حدِّ ذاته إلى التقليل من حجم الاضطراب عند الإنسان، فالمؤمن ـ في الحقيقة ـ يزوّد نفسه من خلال عقد الأمل باستجابة الدعاء بسند قويّ في مواجهة المشاكل والحوادث والمصاعب، وبهذا الشعور من المدد الغيبي يهبّ لمواجهة الحوادث.

5ـ تؤدّي الصلاة بواسطة ما توجده من رابطة معنوية إلى النشاط المعنوي ومضاعفته لدى الإنسان، وربّما يكون هذا الشعور هو سبب الشفاء السريع لبعض المرضى عندما يقومون بزيارة الأضرحة والمعابد.

وبملاحظة النقاط المدرجة أعلاه يمكننا أن نعرف السبب الذي جعل من بعض الأحاديث تُرشد قائلة: «ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدنيا أن يتوضّأ، فيدخل المسجد، فيركع ركعتين، يدعو الله فيهما، أَما سمعت الله يقول: واستعينوا بالصبر والصلاة»[9]، وقد كان النبي(عليه السلام) ـ طبقاً لما رُوي عن الإمام علي(عليه السلام) ـ كلّما دخله هم وغم يقول: «أرحنا يا بلال»[10].

ثانياً: الآيات الدالةعلى التمسّك بالعهدوالميثاق

إنّ الوفاء بالعهود والمواثيق في الإسلام من المسؤوليات الحتمية لكلّ فرد مسلم، وقد عدّ القرآن الكريم هذا الموضوع من علامات المؤمنين؛ إذ يقول(عز وجل): (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[11]، ويقول تعالى: (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)[12]، ويقول الرسول(صلى الله عليه واله): «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليفِ إذا وعد»[13]، ويقول الإمام موسى الكاظم(عليه السلام): «لا دين لـمَن لا عهد له»[14].

تمسّك الإمام الحسين(عليه السلام)بالعهودوالمواثيق

لنلحظ الآن ما لهذا الموضوع من دور في حياة الإمام الحسين(عليه السلام)، وإلى أيّ مدى كان(عليه السلام) ملتزماً بهذا الموضوع المهم؟

عندما يبتغي الإمام الحسين(عليه السلام) أن يُثني على أصحابه يُشير ـ قبل كلّ شيء ـ إلى صفة الالتزام بالعهود والمواثيق، يقول(عليه السلام) كما نقل الشيخ المفيد(رحمه الله): «أمّا بعدُ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي...»[15]، وكذلك ينقل رحمه(رحمه الله) فيما يرتبط برفض الإمام(عليه السلام) لنقض العهد في حياة معاوية: «وكتبوا إلى الحسين(عليه السلام) في خلع معاوية والبيعة له، فامتنع عليهم، وذكر أنّ بينه وبين معاوية عهداً وعقداً لا يجوز له نقضه حتّى تمضي المدّة»[16].

ويقول الشيخ المجلسي(رحمه الله): «إنّ الطرماح بن حكم قال: لقيت حسيناً وقد امترت لأهلي ميرةً، فقلت: أُذكرك في نفسك، لا يغرّنك أهل الكوفة، فو الله، لئن دخلتها لتُقتلَن، وإنّي لأخاف أن لا تصل إليها، فإن كنت مجمعاً على الحرب فانزل أجأ، فإنه جبل منيع، والله، ما نالنا فيه ذلّ قطُّ، وعشيرتي يرون جميعاً نصرك، فهم يمنعونك ما أقمت فيهم. فقال: إنّ بيني وبين القوم موعداً أكره أن أخلفهم»[17].

وفي مقابل ذلك، فإنّ أكثر ما أحزن الإمام الحسين(عليه السلام) وآذاه هو نقض أهل الكوفة لعهدهم، وقد بلغ هذا الموقف الشنيع منهم حدّاً استدعى لعن الإمام(عليه السلام) لهم؛ إذ يقول(عليه السلام): «تباً لكم أيّتها الجماعة وترحاً وبؤساً لكم، حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين...أَلا لعنة الله على الظالمين الناكثين، الذين ينقضون الأيمان بعد التوكيد»[18].

تحليل وإيضاح

توجد هنا نقطتان جديرتان بالالتفات والتأمّل:

الأُولى: لم يكن الثبات والتمسّك بالعهد أمراً بعيداً عن التوقّع بالنسبة لشخصية كشخصية الإمام الحسين(عليه السلام)، فهو الذي تربّى على يدي النبي)صلى الله عليه واله) الذي تمكّن بسيرته أن يعلّم الآخرين درس الوفاء، ذلك النبيّ الذي لم يتخلَّ عن عهوده ومواثيقه وهو يتعامل مع الكفار، حتّى وإن كانت تعود عليه بالضرر... يقول تعالى: (...فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ...)[19].

الثانية: يمثّل مدح الإمام(عليه السلام) لأصحابه ـ في الواقع ـ مدحَ القرآن لـمَن يتحلّون بصفة الوفاء بالعهد في قوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (فَمِنْهُم مَّنقَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ)[20]، وفي المقابل يمثّل الأشخاص الذين لعنهم الإمام(عليه السلام) لنقضهم العهد ذات الأشخاص الذين استحقوا اللعن في القرآن الكريم للسبب ذاته؛ إذ يقول تعالى: (وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ)[21].

ثالثاً: الآياتالدالةعلى الكرم والسخاء

يُعدّ الجود والسخاء من الفضائل الإنسانية التي أثنى عليها القرآن الكريم؛ إذ يقول تعالى في سورة الإنسان: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا)[22].

جودالإمام الحسين(عليه السلام)وسخاؤه

يقول العلّامة المجلسي(رحمه الله) فيما يرتبط بجود الإمام(عليه السلام) وكرمه: «جاءه رجل من الأنصار يُريد أن يسأله حاجة، فقال(عليه السلام): يا أخا الأنصار، صن وجهك عن بذلة المسألة، وارفع حاجتك في رقعة، فإنّي آتٍ فيها ما سارّك إن شاء الله. فكتب: يا أبا عبد الله، إنّ لفلان عليّ خمسمائة دينار، وقد ألحّ بي، فكلّمه ينظرني إلى ميسرة. فلمّا قرأ الحسين(عليه السلام) الرقعة دخل إلى منزله، فأخرج صرّةً فيها ألف دينار، وقال(عليه السلام) له: أمّا خمسمائة فاقض بها دينك، وأمّا خمسمائة فاستعن بها على دهرك، ولا ترفع حاجتك إلّا إلى أحد ثلاثة: إلى ذي دين، أو مروّة، أو حسب، فأمّا ذو الدين فيصون دينه، وأمّا ذو المروّة فإنّه يستحيي لمروّته، وأمّا ذو الحسب فيعلم أنّك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك، فهو يصون وجهك أن يردّك بغير قضاء حاجتك»[23].

وجاء في رواية أُخرى: «أتاه رجل فسأله، فقال(عليه السلام): إنّ المسألة لا تصلح إلّا في غرم فادح، أو فقر مدقع، أو حمالة مفظعة»[24].

يقول الشيخ المفيد(رحمه الله): «وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحرّ بن يزيد التميمي، حتّى وقف هو وخيله مقابل الحسين(عليه السلام) في حرّ الظهيرة، والحسين وأصحابه معتمّون متقلّدو أسيافهم، فقال الحسين(عليه السلام) لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشّفوا الخيل ترشيفاً. ففعلوا، وأقبلوا يملأون القصاع والطساس من الماء، ثمّ يدنونها من الفرس، فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عُزلت عنه وسقوا آخر، حتّى سقوها كلّها»[25].

ويقول الشيخ عباس القمّي(رحمه الله): «يقول علي بن الطعّان المحاربي: كنت مع الحرّ يومئذٍ، فجئت في آخر مَن جاء من أصحابه، فلمّا رأى الحسين(عليه السلام) ما بي وبفرسي من العطش، قال: أنخ الراوية. والراوية عندي السقاء، فقال: يابن أخي، أنخ الجمل. (مراده الجمل الذي يحمل الماء)، فأنخته، فقال: اشرب. فجعلت كلمّا شربت سال الماء من السقاء، فقال الحسين: اخنث السقاء. أي: اعطفه، فلم أدرِ كيف أفعل، فقام فخنثه، وسقيت فرسي»[26].

إنّ سلوك الإمام(عليه السلام) الحافل بالجود والسخاء تجاه أعدائه في واقعة عاشوراء وفي حين الشدّة يكشف عن أخلاقه الحسنة؛ ولذلك عندما سأله أمير المؤمنين(عليه السلام): «يا بُنيّ ما السؤدد؟ قال: اصطناع العشيرة، واحتمال الجريرة»[27]، وفي رواية أُخرى: «قيل للحسين بن علي(عليه السلام): ما الفضل؟ قال: ملك اللسان، وبذل الإحسان»[28]، وقال(عليه السلام):«أجود الناس مَن أعطى مَن لا يرجوه»[29]، وقال(عليه السلام): «أجود الناس مَن جاد بنفسه وماله في سبيل الله»[30]، وأخيراً قدّم الإمام الحسين(عليه السلام) لحبيبه كلّ ما عنده في صحراء كربلاء على طبق الإخلاص.

التفاتة: طبقاً لمنطق الإمام الحسين(عليه السلام) ينبغي ـ بناءً على ما ذُكر في الروايات المتقدّمة ـ
أن يقترن السخاء بالحفاظ على العزّة والكرامة الإنسانية، فلا ينتهي الجود إلى إذلال الشخص المحتاج، والانتقاص منه، من هنا كان(عليه السلام) يولي الكرامة الإنسانية كلّ الاهتمام، ويؤكّد أنّه لا ينبغي النيل من كرامة الإنسان بلا حق، فقد كان(عليه السلام) ـ على كلّ حال ـ متحلّياً بهذه الصفة المتميّزة على أفضل وجه، وكان(عليه السلام) يعمل وفقاً لهذه الصفة الحسنة، مراعياً جميع الجوانب الأخلاقية، ويمكن القول: إنّ الإمام الحسين(عليه السلام) ـ في الحقيقة ـ هو القرآن الناطق.

رابعاً: الآيات الدالةعلى العزّةوالإباء

يَعدّ القرآن الكريم في بعض آياته رفضَ الذلّ من الصفات الحسنة، يقول تعـالى: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ...)[31]، وينسب هذه الصفة إلى الله تعالى والرسول(صلى الله عليه واله) والمؤمنين: (...وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ...)[32]، حتّى أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) يقول: «فَإِنَّه جَلَّ اسْمُه قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَه، وإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّ»[33]، وعليه ينبغي لكلّ شخص ـ طبقاً لتعاليم القرآن الكريم والأحاديث ـ أن يذبّ عن شرفه وعن كرامته الإنسانية، وليس له أن يُهين منزلته بالرضوخ للذلّ بأيّ شكل من الأشكال، من هنا يُعدّ الانتحار في الدين الإسلامي ذنباً، يستوجب العذاب بنار جهنّم يوم القيامة؛ لأنّه ليس لأيّ إنسان الحق في أنّ يطأ بقدميه شرف الإنسانية وكرامتها.

نظرةإلىعزّةالإمامالحسين)عليه السلام)ورفضه للذلّ

جاء في الأحاديث أنّ الرسول(صلى الله عليه واله) اعتبر الإمام الحسين(عليه السلام) أُسوةً في العزّة والفخر، وأنّه(صلى الله عليه واله) قال فيه: «إنّه لمكتوب عن يمين عرش الله)عز وجل): مصباح هدى وسفينة نجاة، وإمام خير ويُمن وعزّ وفخر وعلم وذخر»[34]، ويعني هذا الحديث أنّ الطريق إلى الخير والكمال والعزّة والشرف هو التأسي والاتّباع لسيرة الإمام الحسين(عليه السلام)، لما يتبوّأه(عليه السلام) من مكانة رفيعة، ولذلك لم يخضع الإمام(عليه السلام) للظلم والضيم إطلاقاً، وآثر الدفاع عن الحقّ على أن يعيش ذليلاً، وأصبح الصوت المطالب بالحرية في العالم، وكمثال على ذلك: عندما واجه(عليه السلام) صفوف الأعداء خاطبهم قائلاً: «أَلا وإنّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين السلّة والذلّة، وهيهات له ذلك، هيهات منّي الذلّة! أبى الله ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طهرت، وحجور طابت، أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»[35].

وعندما حمي وطيس المعركة، وبينا كان الإمام(عليه السلام) في ميدان القتال إلى اللحظة التي استُشهد فيها، كانت تشع في خطابه هذه الكلمات:[36]
​من دار السيدة رقية عليها السلام للقران الكريم


من مواضيع صدى المهدي » الامام الصادق (ع) في اقوالهم
» أسباب النهي عن الخوض في القضاء والقدر
» إهداء نسخة مصورة من مخطوط قرآني نادر إلى خزانة العتبة العباسية
» الانتظار والصِّراع بين المستضعفين والمستكبرين
» الإستفتاءات … أسئلة بشأن البيع والشراء
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
(عليه, آيات, الإمام, الحسين, السلام), الكريم, القرآن, تجلّي, سيرة

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ذكر الإمام الحسين(عليه السلام ) في القرآن الكريم صدى المهدي قسم القرآن الكريم 0 02-08-2023 07:42 AM
استشهاد الإمام الحسين - عليه السلام - في القرآن الكريم الشيخ عباس محمد منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) 0 09-11-2015 07:29 PM
مكانة الإمام الحسين عليه السلام في آيات الذكر الحكيم العلوية ام موسى الاعرجي منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) 1 29-12-2014 08:51 PM
مكانة القرآن الكريم في فكر الإمام الصادق عليه السلام . صدى الطف قسم القرآن الكريم 9 09-07-2012 02:50 PM
استشهاد الإمام الحسين ( عليه السلام ) في القرآن الكريم ترآنيــم الوفـآء منتدى الإمام الحسين الشهيد (سلام الله عليه) 8 10-04-2011 02:47 PM



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين