المرجع الشبيري الزنجاني يتميز بالوسطية والتواضع العلم
“سلوك المراجع”؛ رئيس مؤسسة تراث الشيعة لشفقنا: المرجع الشبيري الزنجاني يتميز بالوسطية والتواضع العلمي
خاص شفقنا -تجري وكالة شفقنا سلسلةً من الحوارات تحت عنوان “سلوك مراجع التقليد العظام” بهدف التعريف بسلوك وسير هؤلاء العلماء الذين يعتبرون ركنًا من أركان التشيع. وفيما يلي الجزء الأول من حوارنا مع حجة الإسلام والمسلمين الشيخ رضا مختاري تناولنا فيه سيرة المرجع الديني آية الله الشيخ موسى الشبيري الزنجاي وشخصيته العلمية.
“لقد اتخذ نهجًا وسطيًا بعيدًا عن الإفراط والتفريط فيما يتعلق بالقضايا العلمية والسياسية والاجتماعية”. يقول حجة الإسلام والمسلمين رضا مختاري عن سلوك أستاذه آية الله السيد موسى الشبيري الزنجاني.
ويتابع موضحا: يتميز سماحته بسمة أخرى هي بعده عن هوى النفس، فلا تجده مطلقًا عنده، فإذا وجد ما فيه مصلحة الحوزة العلمية، يعبر عنه صراحة حتى لو أثار حفيظة الآخرين؛ ذلك أنه غير مهتم بترضية الآخرين أو حشد المريدين، وإنما تبيان القضايا بنحو سليم وصحيح، فلا تراه يخفي شيئًا كي يرضي البعض أو يتخذ موقفًا يعارض أفكاره وآراءه.
حجة الإسلام والمسلمين رضا مختاري هو مدير مؤسسة تراث الشيعة وأحد تلامذة المرجع الديني آية الله الشبيري الزنجاني، يقول عن صراحة بيان أستاذه: كثير الدقة عند البيان يتجنب التعميم الذي تراه في بيان بعض الأشخاص، غير مُجامِل يتحاشى التعابير المٌبالِغة الخاطئة؛ لا لشيء سوى لابتعاده عن هوى النفس واتقاءه الله، فمن لا يسعى لحشد الأنصار والمريدين واستغلال مكانته، لا يخفي شيئًا ولا يخاف.
“تعرفت على سماحته في شتاء سنة 1978 بعد بضعة أشهر من دخولي الحوزة العلمية في قم، حينها كان المرجع الشبيري يؤم صلواتي الظهر والعصر في مسجد الإمام الحسن العسكري”؛ هكذا كانت بداية معرفة حجة الإسلام مختاري بأستاذه، ووقتها كانت المدرسة الفيضية مغلقة، كما كان مسجد الإمام العسكري أهم مراكز إقامة صلوات الجماعة بقم بفعل حضور آية الله الشبيري نهارًا وآية الله مرتضى الحائري وآية الله السيد رضا الصدر مساءً.
هكذا كانت السنة الأولى من سنوات دراسته الحوزوية، ويقول مختاري إنه كان يوجه بعض الأسئلة للمرجع الشبيري لم تكن خارجة عن إطار معرفة الطلبة في أولى سنوات دراستهم.
يضيف مختاري إن تلك الصلوات وتلك الأسئلة مهدت لمعرفة أقرب بالمرجع الشبيري تبعها تأليفه لكتاب تناول سيرة كبار علماء الشيعة بعد حوالي 6 سنوات، عرج عليه سماحته مشيدا بترجمة ابن إدريس في الكتاب.
كما تطرق مختاري إلى سيرة والد المرجع الشبيري، أي الراحل آية الله السيد أحمد الشبيري الزنجاني، وبين بالقول: كان الراحل من كبار الشخصيات الحوزوية ومشهور بالزهد والتقوى والإعراض عن الحياة الدنيوية، كما أنه كان محل ثقة كبار المرجع مثل آية الله الصدر وآية الله الخوانساري، وكان بيته يحتضن بعض اجتماعات العلماء قبل الثورة الإسلامية، كما إنه كان قريبا من الإمام الخميني وآية الله شريعتمداري، وعٌرف عنه الاعتدال والوسطية قولًا وفعلًا.
تأثير آية الله البروجردي على المرجع الشبيري
ردًا على سؤال حول تأثير آية الله محقق الداماد وآية الله البروجردي على المرجع الشبيري، يقول مدير مؤسسة تراث الشيعة إن آية الله البروجردي كان كبير التأثير على تلميذه فيما يتعلق بتأصيل القضايا الفقهية والتاريخية وشأن صدور الروايات وكذلك في اهتمامه بعلم الرجال وتعقب أقوال فقهاء الشيعة والسنة. فهو لا يكتفي فقط برأي محدد دون آخر، بل يدرس الآراء والمدارس كلها ثم يستنتج فقهيًا أو أصوليًا عبر جمع القرائن والشواهد في جميع المصادر وأمهات الكتب الفقهية والروائية دون أن يتجاهل حتى قرينة تاريخية صغيرة. كما أنه لا يكتفي بالكتب المطبوعة بل يراجع النسخ الخطية أيضا، تماما مثل آية الله البروجردي. فسماحته متأثر من أستاذه فيما يتعلق بالاهتمام بصحيح الأحاديث وتتبع أقوال الشيعة والسنة ودراسة الشواهد وجمعها.
“أما في الجانب الأصولي فقد تأثر بآية الله محقق الداماد الذي عُرف بدقة النظر في القضايا والفكر الأصولي”؛ يضيف حجة الإسلام مختاري ويقول: يجب ألا ننسى بأن آية الله البروجردي حينذاك كان يعيش سنوات حياته الأخيرة وكان منشغلًا بقضايا المرجعية وإدارة الحوزة فلم يفرغ للتدريس والتتبع. لكن آية الله الداماد لم يكد ينقطع عن الدراسة والبحث العلمي، مما جعل المرجع الشبيري يتأثر به في الدقة الأصولية وكشف دقائق الأمور الفقية؛ كما إن سماحته يؤمن بأعلمية آية الله محقق الداماد، فضلا عن نقده لبعض الآراء الرجالية لأستاذه آية الله البروجردي.
مختاري يؤكد إن تأثير علم الرجال لا ينحصر فقط في آراء المرجع الشبيري الفقهية والأصولية، بل تعدى ذلك ويمكن لمسه في آراءه الاجتماعية والسياسية. فالكثير من فتاواه لا تتطابق مع مشهور المعاصرين، والسبب هو اهتمامه البالغ بالحديث وتتبع جميع الروايات. فعلى سبيل المثال لم يستمر بحث النظر في النكاح عند الكثير من العلماء سوى أسبوعًا واحدًا، لكن آية الله الشبيري الزنجاني يدرس كل ما في هذا البحث من أحاديث، وأظن أن جلسات درسه في بحث النظر إلى المحارم من باب النكاح قد استمرت نحو 100 جلسة.
ويتابع مختاري موضحا بالقول: السبب في اختلاف فتاوى سماحته مع فتاوى كبار المراجع، هو عنايته الكبيرة، متأثرًا بأستاذه آية الله البروجردي، بالروايات وشأن صدورها وكذلك جمع الشواهد والنظر في فقه أهل السنة. فسماحته وخلافًا للعديد من كبار العلماء، لا يسعى إلى حلحلة جميع القضايا بالقواعد الأصولية، بل إنه وطبقا لمنهج آية الله البروجردي، يأخذ بنظر الاعتبار الروايات والشواهد أولًا، وبخلافه يلجأ إلى الأصول العملية، ولا يرفع من شأن علم أصول الفقه حدًّا أجلّ من العلوم كلها.
اعتدال اجتماعي
يقول رئيس مؤسسة تراث الشيعة إن الاعتدال الاجتماعي لآية الله البروجردي مشهود عند تلميذه المرجع الشبيري الزنجاني. فآية الله البروجردي، بصفته تلميذا للآخوند الخراساني، كان في قلب أحداث الثورة الدستورية بإيران، كما شهد النضال العلمائي تجاه ملك إيران الأسبق رضاشاه، وكذلك التطورات التي رافقت تأميم النفط. كل هذا ساهم في تكوين إشراف كامل بالأحداث التاريخية عند آية الله البروجردي مما جعله لا يتخذ موقفًا إلا وفيه مصلحة للمجتمع الشيعي. وعلى منهج أستاذه، سار المرجع الشبيري فيمكن للمرء أن يلمس في سماحته الوسطية العلمية والسلوكية والدينية والسياسية.
وسطية سياسية وابتعاد عن الإفراط والتفريط
حجة الإسلام والمسلمين مختاري يشير إلى سلوك أستاذه في السياسية والاجتماع مبينا: لقد اتخذ نهجًا وسطيًا بعيدًا عن الإفراط والتفريط فيما يتعلق بالقضايا العلمية والسياسية والاجتماعية، ويتميز سماحته بسمة أخرى هي بعده عن هوى النفس، فلا تجده مطلقًا عنده، فإذا وجد ما فيه مصلحة للحوزة العلمية، يعبر عنه صراحة حتى لو أثار حفيظة الآخرين؛ ذلك أنه غير مهتم بترضية الآخرين أو حشد المريدين، وإنما تبيان القضايا بنحو سليم وصحيح، فلا تراه يخفي شيئًا كي يرضي البعض أو يتخذ موقفًا يعارض أفكاره وآراءه. فالجميع على علم بأن كل ما يقول سماحته نابع من خلوص نيته وصدق كلامه.
دعوته طلاب الحوزة إلى الابتعاد عن الشؤون الدنيوية
يشير مختاري إلى وصايا آية الله الشبيري الزنجاني لطلبة الحوزة ويقول: العديد من الأشخاص يحلون في مكتبه للقاء سماحته وأخذ النصيحة منه، ودائما ما يخاطبهم بالدعوة إلى التركيز على الدراسة والالتزام بالواجبات وترك المحرمات والابتعاد عن الشؤون التي تؤثر سلبًا في صورة ومكانة رجال الدين عند الناس. فالبعض يغوي طلبة الحوزة بالتقليل من أهمية الدراسة ويدعوهم إلى الاهتمام بالأذكار والأوراد بدل البحث والتحقيق ليضيع عنهم العيش كما الدراسة وأحيانا يحرفهم عن جادة الصواب. لكن منهج السلف الصالح وفقهاء الشيعة هو تجنب المحرمات، والالتزام بالواجبات فضلًا عن البحث الدقيق واختيار الصديق الصدوق، وهذا ما يؤكد عليه آية الله الشبيري دائمًا.
بيان دقيق لا يفهمه إلا المدققين
مختاري يتابع موضحًا إن آية الله الشبيري كان يعقد جلسة فقهية منذ ما يقارب على أربعين سنة، شارك فيها عدد من كبار العلماء مثل الشيخ الميانجي، والسيد مهدي الروحاني، ومير محمدي، والسيد محقق الداماد، كما حضرها في السنوات الأخيرة السيد خرازي والسيد الأستادي. كذلك كان هناك جلسة أخرى لم يشارك فيها كثيرًا، كانت مخصصة لتفسير القرآن يحضرها الراحل آذري القمي، وآية الله معرفت، والسيد جعفر مرتضى العالمي. عادة ما يأخذ سماحته على ترجمة القرآن الكريم عند تلاوته من مصحف مترجم، فيشير إلى خطأ المترجم؛ وهذا ما لن نقف عليه نحن حتى ولو قرأنا الترجمة عدة مرات، ذلك أننا نفتقد لدقة النظر التي يمتلكها سماحته.
يضيف حجة الإسلام مختاري إن المرجع الشبيري يتميز بآراء جديدة وإبداعية في الأصول، فتراه يتعمق في كنه القضايا وذلك ما لا يدركه بعض الطلبة ممن يفتقد لقدرة فهم القضايا العلمية الدقيقة. كما إن جلسات بحثه ليست مكتظة بالمشاركين والمستمعين، وخلافًا لبحوث بعض العلماء الذين يتناولون فقط جانبًا معتادًا من القضايا، يتناول آية الله الشبيري جوانب معمقة من القضايا ويكشف نقاط لا يدركها إلا القليل من الفضلاء البارعين.
تعامل ودي مع الناس
وحول مكانة الناس عند آية الله الشبيري الزنجاني، يقول تلميذه حجة الإسلام والمسلمين مختاري إن سماحته يتعامل مع الناس بتواضع شديد وبساطة كثيرة؛ وقد رأيت بنفسي إن ولدًا بحدود الـ 12 من العمر أتى عند سماحته وطلب منه أن يطرح عليه سؤالا شخصيا لم يرد أن يسمعه أحد. فلم يعارض سماحته طلب ذلك الولد واستمع إليه بمفرده. كما إن ذات يوم أتى ولد صغير في العمر طلب منه التقاط صورة مع سماحته، فتوقف بمتانة صبر وحلم حتى التقط الولد الصورة التي أرادها.
وأكثر من مرة أتى أشخاص بسطاء يستفسرون عن أبسط المسائل مما يمكن حلها عبر الرسائل العلمية أو الاستفسار من أشخاص آخرين، لكن المرجع الشبيري لا يتضايق بمثل هذه الأمور فتراه يرد على كل سؤال يوجه إليه برحابة صدر دون أي تكبر علمي. فالناس ومن مختلف الشرائح المجتمعية، يأتون عند سماحته ومنهم من يطلب أن يقرأ سماحته الأذان والإقامة في آذان أطفالهم، ومنهم من يقول ما في صدره دون أن مانع أو عائق. هذا التواضع العلمي بالذات كان يتميز به أيضًا والده الراحل آية الله السيد أحمد الشبيري.
المواضيع المتشابهه
المرجع الشبيري الزنجاني يتميز بالوسطية والتواضع العلم
العرض العادي
