العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الاسلامي > منتدى رد الشبهات
منتدى رد الشبهات يختص برد الشبهات عن مذهبنا الجعفري وكشف حقائق المذاهب الاخرى


شبهات وردود واسئلة واجوبة في اية الولاية

منتدى رد الشبهات


إضافة رد
قديم 11-02-2017, 04:11 PM   المشاركة رقم: 1
معلومات العضو
الشيخ عباس محمد

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً

المنتدى : منتدى رد الشبهات
افتراضي شبهات وردود واسئلة واجوبة في اية الولاية

شبهات وردود واسئلة واجوبة في اية الولاية
السؤال: تواتر الروايات في شأن نزول آية الولايةهل أحاديث شأن النزول الآية الولاية في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) - في مصادر الشيعة - متواترة؟
الجواب:




هناك طرق كثيرة لروايات عدّة - في مصادرنا - تفصح عن كون قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55) نزلت في الإمام عليّ(عليه السلام)، وتشير إليه وإلى الأئمّة(عليهم السلام)، ومن هذه الطرق:
1- في الكافي: عن أحمد بن عيسى، قال: حدّثني جعفر بن محمد(عليه السلام)، عن أبيه، عن جدّه(عليه السلام)...(1).
2- في الكافي: عن أحمد بن عيسى، عن أبي عبد الله(عليه السلام)...(2).
3- في الكافي: عن الحسين بن أبي العلاء، قال: قلت لأبي أبي عبد الله(عليه السلام)...(3).
4- في الكافي: عن عمر بن أُذينة، عن زرارة، والفضيل، وبكير، ومحمد بن مسلم، وبريد، وأبي الجارود، جميعاً، عن أبي جعفر(عليه السلام)...(4).
5- في الكافي: عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)...(5).
6- في الكافي: عن الحسين بن أبي العلاء، قال: ذكرت لأبي عبد الله(عليه السلام)...(6).
7- في أمالي الصدوق: كثير بن عياش، عن أبي الجارود، وعن أبي جعفر(عليه السلام)...(7).
8- في أمالي الصدوق: الريان بن الصلت، قال: حضر الرضا(عليه السلام) مجلس المأمون بمرو...(8).
9- في الخصال: الأعمش، عن جعفر بن محمد(عليهما السلام)...(9).
10- في الخصال: مكحول، قال: قال أمير المؤمنين(عليه السلام)...(10).
11- في كمال الدين: عمر بن أُذينة، عن أبان، عن سليم، قال: رأيت عليّاًّ(عليه السلام)...(11).
12- في مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام): عن أبي صالح، عن ابن عبّاس...(12).
13- في مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام)، ]طريق آخر في تصدّق عليّ[: عن أبي صالح مولى أُمّ هاني، عن ابن عبّاس...(13).
14- في مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام)، (طريق ثالث لبيان نزول قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ... )) ): عن عبد الله بن محمد بن الحنفية، عن أبيه...(14).
15- في مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام)، في، باب (العرف والحكم إذا كان في القرآن مطلقاً أو عاماً أو مجملاً ففسّره النبيّ)(15).
16- في كتاب سُليم، في مناشدات أمير المؤمنين(عليه السلام) للمسلمين في صفّين(16).
17- في أمالي الطوسي، في المجلس الثاني(17).
18- في الاحتجاج(18).
19- أيضاً في الاحتجاج(19).
20- في كتاب المزار(20).
21- في كتاب الروضة في فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام)(21).
22- في كتاب اليقين(22).
23- في تفسير القمّي(23).
24- في تفسير فرات(24).
هذه مجموعة من الطرق وفيها كفاية لإثبات التواتر، وهناك غيرها. ولا حاجة لإثبات وثاقة رجال السند بعد ورود هذه الطرق المتعدّدة.








(1) الكافي للكليني 1: 427 حديث 77، كتاب الحجّة، باب (فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية).
(2) الكافي للكليني 1: 288 حديث 3، كتاب الحجّة، باب (ما نصّ الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمة واحداً فواحداً).
(3) الكافي للكليني 1: 189 حديث 16، كتاب الحجّة، باب (فرض طاعة الأئمة).
(4) الكافي للكليني 1: 289 حديث 4، كتاب الحجّة، باب (ما نصّ الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمة واحداً فواحداً).
(5) الكافي للكليني 1: 146 حديث 11، كتاب التوحيد، باب (النوادر).
(6) الكافي للكليني 1: 187 حديث 7 كتاب الحجّة، باب (فرض طاعة الأئمة).
(7) أمالي الصدوق: 186 حديث 193، المجلس السادس والعشرون.
(8) أمالي الصدوق: 615 ــ 624 حديث 1، المجلس التاسع والسبعون.
(9) الخصال للصدوق: 479 حديث 46، أبواب الاثني عشر.
(10) الخصال للصدوق: 572 حديث 1، أبواب السبعين وما فوقه.
(11) كمال الدين للصدوق: 274 حديث 25، الباب الرابع والعشرون.
(12) مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام) لمحمد بن سليمان الكوفي 1: 150 حديث 15، (نزول آية الولاية في عليّ(عليه السلام).
(13) مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام) لمحمد بن سليمان الكوفي 1: 169 حديث 100، (طريق آخر في تصدّق عليّ).
(14) مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام) لمحمد بن سليمان الكوفي 1: 189 حديث 110.
(15) مناقب أمير المؤمنين(عليه السلام) لمحمد بن سليمان الكوفي 2: 415 حديث 896.
(16) كتاب سُليم بن قيس: 296.
(17) أمالي الطوسي: 59 حديث 55، المجلس الثاني.
(18) الاحتجاج للطبرسي 1: 66 (احتجاج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم الغدير على الخلق كلّهم).
(19) الاحتجاج للطبرسي 2: 251 (رسالة الإمام الهادي(عليه السلام) إلى أهل الأهواز).
(20) المزار لابن المشهدي: 268 (12) (زيارة أُخرى لمولانا أمير المؤمنين(عليه السلام)).
(21) الروضة في فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام): 161 (138) (حديث الخاتم).
(22) اليقين لابن طاووس: 223 (في ما نذكر من كتاب الدلائل من الجزء الأوّل برواية أبي جعفر الطبري).
(23) تفسير القمّي 1: 170 (في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله... )) ).
(24) تفسير فرات الكوفي: 123 حديث 133 ــ 142، 144 ــ 147 (سورة المائدة).




















































































السؤال: نقاش في صحة رواية التصدق عند الإمامية وتواترها
الاستدلال بروايات التصدّق بالخاتم.
سنذكر أوّلاً؛ جميع الروايات التي وردت مسندة من طرق القوم في هذا الشأن، ونتكلّم في أسانيدها، ثمّ ننظر في متونها:
الرواية الأولى: ((الصدوق: أخبرني علي بن حاتم، قال: حدّثنا أحمد بن محمد بن سعد (سعيد) الهمداني، قال: حدّثنا جعفر بن عبد الله المحمدي، قال: حدّثنا كثير بن عياش، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر، في قول الله عزّ وجلّ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )) (المائدة:55)، قال: ((إنّ رهطاً من اليهود أسلموا، منهم: عبد الله بن سلام، وأسد، وثعلبة، وابن خيامين، وابن صوريا، فأتوا النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقالوا: يا نبيّ الله! إنّ موسى(عليه السلام) أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله؟ ومن وليّنا بعدك؟
فنزلت هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، ثمّ قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (قوموا)، فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: (يا سائل! أما أعطاك أحد شيئاً؟) قال: نعم، هذا الخاتم، قال: (من أعطاكه؟) قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلّي، قال: (على أي حال أعطاك؟) قال: كان راكعاً، فكبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكبر أهل المسجد، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (عليّ بن أبي طالب وليّكم بعدي)، قالوا: رضينا بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد نبيّاً، وبعليّ بن أبي طالب وليّاً، فأنزل الله عزّ وجلّ: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُم الغَالِبُونَ )) (المائدة:56) ))(1).
أقول: كثير بن عياش، ضعيف(2).
أمّا أبو الجارود زياد بن المنذر، فهو زيدي المذهب، والاختلاف فيه بيّن عند القوم، والأكثر على ذمّه، والخوئي بعد أن أورد الروايات الذامّة فيه على لسان الباقر والصادق ضعّف بعضها واضطرب في أُخرى، وخلص إلى القول بأنّه ثقة، فقط لوقوعه في أسانيد (كامل الزيارات)، وقد شهد ابن قولويه بوثاقة جميع رواتها، ولشهادة علي بن إبراهيم في (تفسيره) بوثاقة كلّ من وقع في إسناده(3).
أمّا وثاقة كلّ من وقع في أسانيد (كامل الزيارات) فقد أوقفناك على بطلان ذلك، وذكرنا استظهار بعضهم من أنّ قول ابن قولويه هذا إنّما هو محمول على مشايخه الذين صدّر بهم أسانيد روايات كتابه، لا كلّ من ورد في أسناد الروايات، ويكفيك دليلاً على ذلك: روايتنا هذه؛ فعلي بن حاتم من شيوخ ابن قولويه، وهو وإن كان ثقة في نفسه إلاّ أنّه يروي عن الضعفاء، كما ذكرنا..
وأمّا القول في وثاقة كلّ من وقع في أسانيد (تفسير القمّي) فستقف عليه قريباً إن شاء الله.
الرواية الثانية: ((الصدوق: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان، قال: حدّثنا عبد الرحمن بن محمد الحسني، قال: حدّثني أبو جعفر محمد بن حفص الخثعمي، قال: حدّثنا الحسن بن عبد الواحد، قال: حدّثني أحمد بن التغلبي، قال: حدّثني أحمد بن عبد الحميد، قال: حدّثني حفص بن منصور العطّار، قال: حدّثنا أبو سعيد الورّاق، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال... - وذكر حديثاً طويلاً فيه قول عليّ بن أبي طالب لأبي بكر رضي الله عنه - قال: (أنشدك بالله ألي الولاية من الله مع ولاية رسول الله في آية زكاة الخاتم أم لك؟) قال: بل لك))(4).
أقول: سند هذه الرواية ظلمات بعضها فوق بعض، وحسبنا قول محقّق الكتاب فيه: الظاهر هو - أي: التغلبي - أحمد بن عبد الله بن ميمون التغلبي؛ قال ابن حجر: ثقة زاهد، وأمّا بقية رجال السند فمهملون أو مجاهيل(5)، وهو كما قال.
الرواية الثالثة: ((الصدوق: حدّثنا أحمد بن الحسن القطّان، ومحمد بن أحمد السناني، وعلي بن موسى الدقّاق، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم المكتب، وعلي بن عبد الله الورّاق، قالوا: حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن يحيى بن زكريا القطاّن، قال: حدّثنا بكر بن عبد الله بن حبيب، قال: حدّثنا تميم بن بهلول، قال: حدّثنا سليمان بن حكيم، عن ثور بن يزيد، عن مكحول، قال:... - وذكر حديثاً طويلاً جداً في احتجاج الأمير على الصديق رضي الله عنهما، قال فيه: - (كنت أصلّي في المسجد، فجاء سائل فسأل وأنا راكع، فناولته خاتمي من إصبعي، فأنزل الله تبارك وتعالى فِيّ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ )) ) ))(6).
أقول: سند هذه الرواية كسابقتها، فالسناني(7)، والورّاق، والمكتب، وتميم بن بهلول، وابن زكريا القطّان، وثور بن يزيد جميعهم مجهولون(6)، والبقية تقدّمت تراجمهم.
الرواية الرابعة: ((الكليني: عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محمد الهاشمي، عن أبيه، عن أحمد بن عيسى، عن أبي عبد الله، في قول الله عزّ وجلّ: (( إنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ))، قال: إنّما يعني أولى بكم، أي: أحقّ بكم وبأموركم وأنفسكم وأموالكم (الله ورسوله والذين آمنوا) يعني: عليّاً وأولاده الأئمّة إلى يوم القيامة، ثمّ وصفهم الله عزّ وجلّ، فقال: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) وكان أمير المؤمنين في صلاة الظهر وقد صلّى ركعتين وهو راكع وعليه حلّة قيمتها ألف دينار، وكان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كساه إياها، وكان النجاشي أهداها له، فجاء سائل فقال: السلام عليك يا ولّي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدّق على مسكين، فطرح الحلّة إليه، وأومأ بيده إليه أن احملها: فأنزل الله عزّ وجلّ فيه هذه الآية، وصيّر نعمة أولاده بنعمته، فكلّ من بلغ من أولاده مبلغ الإمامة يكون بهذه النعمة مثله، فيتصدّقون وهم راكعون، والسائل الذي سأل أمير المؤمنين من الملائكة، والذين يسألون الأئمّة من أولاده يكونون من الملائكة))(9).
أقول: حسب الرواية هذه أنّ في سندها ضعفاء ومجاهيل؛ فمعلى بن محمد مضطرب الحديث والمذهب، ويروي عن الضعفاء(10)، ورغم هذا يقول عنه الخوئي: الظاهر أنّ الرجل ثقة يعتمد على رواياته. وأمّا قول النجاشي من اضطرابه في الحديث والمذهب، فلا يكون مانعاً من وثاقته؛ وأمّا اضطرابه في المذهب فلم يثبت كما ذكره بعضهم، وعلى تقدير الثبوت فهو لا ينافي الوثاقة؛ وأمّا اضطرابه في الحديث فمعناه أنّه قد يروي ما يعرف، وقد يروي ما ينكر، وهذا أيضاً لا ينافي الوثاقة.. وأنّ روايته عن الضعفاء على ما ذكره ابن الغضائري، فهي على تقدير ثبوتها لا تضر بالعمل بما يرويه عن الثقات؛ فالظاهر أنّ الرجل معتمد عليه، والله أعلم.
أقول: والظاهر أنّ الخوئي اضطر إلى كلّ هذا؛ لأنّ صاحبنا وقع في أسانيد كتاب (كامل الزيارات) لابن قولويه، وقد عرفت رأيه في ذلك.
والحسن بن محمد الهاشمي ضعيف(11)، وأبوه(12) وأحمد بن عيسى مجهولان(13).
الرواية الخامسة: ((الطبرسي، حدّثنا أبو الحمد مهدي بن نزار الحسني القايني، قال: حدّثنا الحاكم أبو القاسم الحسكاني، قال: حدّثنا أبو الحسن محمد بن القاسم الفقيه الصيدلاني، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الشعراني، قال: حدّثنا أبو علي أحمد بن علي بن رزين البياشاني، قال: حدّثني المظفّر بن الحسين الأنصاري، قال: حدّثنا السدّي بن علي الورّاق، قال: حدّثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن قيس بن الربيع، عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، قال: بينا عبد الله بن عبّاس جالس على شفير زمزم يقول: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): إذ أقبل رجل متعمّم بعمامة، فجعل ابن عبّاس لا يقول: قال رسول الله، إلا قال الرجل: قال رسول الله، فقال ابن عبّاس: سألتك بالله من أنت؟
فكشف العمامة عن وجهه، وقال: يا أيّها الناس! من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي، أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرّ الغفاري، سمعت رسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهاتين وإلاّ فَصُمَّتَا، ورأيته بهاتين وإلاّ فعميتا، يقول: (عليّ قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله)، إنّي صلّيت مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوماً صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً، فرفع السائل يده إلى السماء، وقال: اللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله فلم يعطني أحد شيئاً، وكان عليّ راكعاً، فأومأ بخنصره اليمنى إليه وكان يتختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره وذلك بعين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فلمّا فرغ النبيّ من صلاته رفع رأسه إلى السماء، وقال: (اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال: (( قَالَ رَبِّ اشرَح لِي صَدرِي * وَيَسِّر لِي أَمرِي * وَاحلُل عُقدَةً مِن لِسَانِي * يَفقَهُوا قَولِي * وَاجعَل لِي وَزِيراً مِن أَهلِي * هَارُونَ أَخِي * اشدُد بِهِ أَزرِي * وَأَشرِكهُ فِي أَمرِي )) (طه:25-32) فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً: (( قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجعَلُ لَكُمَا سُلطَاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيكُمَا )) (القصص:35)، اللّهمّ وأنا محمّد نبيّك وصفيّك، اللّهمّ فاشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي، عليّاً اشدد به ظهري)، قال أبوذر: فوالله ما استتم رسول الله الكلمة حتى نزل عليه جبرئيل من عند الله، فقال: يا محمد، اقرأ، قال: ما أقرأ؟ قال: اقرأ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )) ))(14).
أقول: آفة هذه الرواية: عباية بن ربعي؛ فهو مجهول عند القوم(15)، وغالٍ وملحد ومتروك الحديث عند أهل السُنّة، وابن الربيع مجهول الحال عند القوم وهو من البترية(16)، والحماني قال فيه الخوئي: إنّه لم تثبت وثاقته(17)، وكذا قال فيه البعض من أهل السُنّة واتّهموه بسرقة الحديث، وبقية السند لم أقف لهم على ترجمة.
الرواية السادسة: ((القمّي، حدّثني أبي، عن صفوان، عن أبان بن عثمان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر، قال: بينما رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) جالس وعنده قوم من اليهود فيهم عبد الله بن سلام، إذ نزلت عليه هذه الآية، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسجد، فاستقبله سائل، فقال: (هل أعطاك أحد شيئاً؟) قال: نعم، ذاك المصلّي. فجاء رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإذا هو عليّ أمير المؤمنين))(18).
قلت: أمّا والد القمّي إبراهيم بن هاشم رغم كلّ ما قيل فيه، إلاّ أنّه لم يصرّح أحد بوثاقته، حتى قال الحلّي في ذلك: لم أقف لأحدٍ من أصحابنا على قول في القدح فيه، ولا تعديل بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول روايته(19).
وقد استمات الخوئي وغيره(20) في إثبات وثاقته ضاربين عرض الحائط كلّ الأمور التي تثبت بها الوثاقة أو الحسن، كنصّ أحد المعصومين، أو نصّ أحد الأعلام المتقدّمين، أو نصّ أحد الأعلام المتأخّرين، أو دعوى الإجماع من قبل الأقدمين، وغيرها من الأُصول التي وضعوها في ذلك، وجاؤوا بأمور لا تخلو من إشكال، منها: قول القمّي نفسه بصحّة كلّ ما ورد في تفسيره. ومنها: وقوعه في أسناد (كامل الزيارات).
ولا شك أنّ الخوئي وغيره معذورون في ذلك؛ لأنّ رواياته تبلغ ستة آلاف ومائتين وأربعة عشر مورداً، فعزَّ عليهم إسقاط كلّ ذلك، ولكن الذي ينبغي أن لا نعذر فيه الخوئي ولا غيره على اجتهادهم في إثبات صحّة هذا التفسير، هو تلك المصائب التي ملأ بها القمّي تفسيره؛ كالقول بتحريف القرآن (انظر: قوله في ذلك (22، 23) من تفسيره، وقد ذكرنا نماذج من مروياته في التحريف في الباب الثاني)، والطعن في الصحابة، وقذف أمّهات المؤمنين بالفاحشة.. وغيرها، والروايات في ذلك كثيرة لا يسعنا ذكر شيء منها لعدم مناسبة المقام لذلك.
ولكن لا بأس من ذكر مثال على هذا الأخير - وهو قذف أمهات المؤمنين بالفاحشة رضي الله عنهنّ وأرضاهنّ -: روى القمّي في تفسير قوله عزّ وجلّ: (( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمرَأَةَ نُوحٍ وَاِمرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحتَ عَبدَينِ مِن عِبَادِنَا صَالِحَينِ فَخَانَتَاهُمَا )) (التحريم:10): ((عن أبي الحسن، قال: والله ما عنى بقوله: فخانتاهما، إلاّ الفاحشة، وليقيمن الحدّ على فلانة في ما أتت في طريق البصرة، وكان فلان يحبّها، فلمّا أرادت أن تخرج إلى البصرة، قال لها فلان: لا يحلّ لك أن تخرجي من غير محرّم، فزوجت نفسها من فلان))(21).
ولا شك أنّك عرفت من هو فلان، وفي بعض النسخ جاء التصريح باسمه، وهو: طلحة(22).
ولأمثال هذه الرواية وغيرها طعن بعض المحقّقين(23) من القوم في نسبة التفسير إلى القمّي، أو القول أنّ التفسير ليس للقمّي وحده، وإنّما هو ملفّق ممّا أملاه القمّي على تلميذه أبي الفضل العبّاس، وما رواه التلميذ بسنده الخاص، عن أبي الجارود، عن الإمام الباقر، وأبو الفضل العبّاس هذا ليس له ذكر في الأُصول الرجالية ولا يعرف من هو، وأبو الجارود مرّت ترجمته.
ومن الذين فصّلوا القول في هذا: الشيخ جعفر السبحاني، حيث خلص إلى القول: بأنّه كيف يمكن الاعتماد على ما ذكر في ديباجة الكتاب(24) لو ثبت كون الديباجة لعلي بن إبراهيم نفسه؟
وقال: ثمّ إنّ الاعتماد على هذا التفسير بعد هذا الاختلاط مشكل جداً، خصوصاً مع ما فيه من الشذوذ في المتون(25).
ونختم تعليقنا بإيراد هذه الرواية: ((روى الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: استأذن على أبي جعفر قوم من أهل النواحي من الشيعة، فأذن لهم فدخلوا، فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة، فأجاب وله عشر سنين))(26).
فهذه الرواية مردودة عقلاً، وإسنادها مكون من علي بن إبراهيم وأبيه فقط، فواضع الرواية أحدهما لا محالة، وهما من تصدرا إسناد روايتنا السابقة.
الرواية السابعة: ((العيّاشي، عن خالد بن يزيد، عن المعمر بن المكّي، عن إسحاق بن عبد الله بن محمد بن علي بن الحسن، عن الحسن بن زيد، عن أبيه زيد بن الحسن، عن جدّه، قال: سمعت عمّار بن ياسر، يقول: وقف لعليّ بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه، فأعطاه السائل، فأتى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأعلمه بذلك، فنزل على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ ))، فقرأها رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) علينا، ثمّ قال: (من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه) ))(27).
أقول: العيّاشي نفسه وإن كان ثقة إلاّ أنّه يروي عن الضعفاء كثيراً(28)، أمّا تفسيره فجلّ رواياته محذوفة الأسانيد(29)، وبقية رجال السند غير معروفين وليس لهم ذكر في كتب الرجال، والحسن بن زيد وردت فيه ذموم كثيرة(30).
الرواية الثامنة: ((فرات: حدّثني الحسين بن سعيد معنعناً، عن أبي جعفر، قال: إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان يصلّي ذات يوم في مسجد، فمرّ مسكين فقال له رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (هل تُصُدِّقَ عليك بشيء؟) قال: نعم، مررت برجل راكع فأعطاني خاتمه، وأشار بيده، فإذا هو عليّ بن أبي طالب، فنزلت هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ ))، فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (هو وليّكم من بعدي) ))(31).
الرواية التاسعة: ((فرات: حدّثني جعفر بن أحمد (محمد) معنعناً، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر: نزلت في عليّ بن أبي طالب: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ )) ))(32).
الرواية العاشرة: ((فرات، حدّثني الحسين بن سعيد معنعناً، عن جعفر: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ ))، نزلت في عليّ بن أبي طالب))(33).
الرواية الحادية عشرة: ((فرات: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا محمد بن الحسين (الحسن) بن أبي الخطّاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن سليمان بن طريف، عن محمد بن مسلم، أنّ سلاماً الجعفي قال لأبي جعفر: يا ابن رسول الله، حدّثني عنك خيثمة عن قول الله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ ))، أنّ الآية نزلت في عليّ بن أبي طالب، قال: صدق خيثمة))(34).
الرواية الثانية عشرة: ((فرات: حدّثني جعفر بن محمد بن سعيد الأحمسي معنعناً، عن أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، قال: أقبل سائل فسأل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: (هل سألت أحداً من أصحابي؟) قال: لا، قال: (فائت المسجد فاسألهم، ثمّ عد إليَّ فأخبرني)، فأتى المسجد فلم يعطه أحد شيئاً، قال: فمر بعليّ وهو راكع فناوله يده فأخذ خاتمه، ثمّ رجع إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخبره، فقال: (هل تعرف هذا الرجل؟) قال: لا، فأرسل معه فإذا هو عليّ بن أبي طالب، قال: ونزلت هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ )) ))(35).
الرواية الثالثة عشرة: ((فرات: حدّثنا الحسين بن الحكم الحبري، قال: حدّثنا حسن بن حسين، قال: حدّثنا حبّان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ )): نزلت في عليّ بن أبي طالب خاصّة))(36).
الرواية الرابعة عشرة: ((فرات: حدّثني عبيد بن كثير معنعناً، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ )): أتى عبد الله بن سلام ورهط معه من مسلمي أهل الكتاب إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند الظهر، فقالوا: يا رسول الله!، بيوتنا قاصية ولا متحدّث لنا دون هذا المسجد، وإنّ قومنا لمّا رأونا قد صدقنا الله ورسوله وتركنا دينهم أظهروا لنا العداوة، وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يجالسونا ولا يكلّمونا فشقّ علينا، فبينا هم يشكون إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ نزلت هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ ))، فتلا عليهم، فقالوا: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين، وأذّن بلال بالصلاة، وخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسجد والناس يصلّون بين راكع وساجد وقاعد، وإذا مسكين يسأل فدعاه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: (هل أعطاك أحد شيئاً؟) قال: نعم، قال: (ماذا؟) قال: خاتم من فضّة، قال: (من أعطاك؟) قال: ذاك الرجل القائم. فإذا هو عليّ بن أبي طالب، قال: (أنّى أعطاك؟) قال: أعطانيه وهو راكع. فزعموا أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كبَّر عند ذلك يقول: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُم الغَالِبُونَ )) (المائدة:56) ))(37).
الرواية الخامسة عشرة: ((فرات: حدّثني أبو علي أحمد بن الحسين الحضرمي معنعناً، عن ابن عبّاس، قال: لمّا نزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ )) جاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسجد فإذا سائل فدعاه، فقال: (من أعطاك من هذا المسجد؟) قال: ما أعطاني إلاّ هذا الراكع الساجد - يعني: عليّاً - فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (الحمد لله الذي جعلها فِيَّ وفي أهل بيتي)، قال: وكان في خاتم عليّ الذي أعطاه السائل: سبحان من فخري بأنّي له عبد))(38).
الرواية السادسة عشرة: ((فرات: حدّثنا جعفر بن أحمد معنعناً، عن عليّ، قال: نزلت هذه الآية على نبيّ الله وهو في بيته: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) إلى قوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، خرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فدخل المسجد، ثمّ نادى سائل فسأل، فقال له: (أعطاك أحد شيئاً؟) قال: لا، إلاّ ذاك الراكع أعطاني خاتمه. يعني: عليّاً))(39).
أقول: المرويات السابقة جميعها من تفسير فرات، وقد أوقفناك على قيمته، وحال مؤلفه، هذا فضلاً عن المجاهيل والمهملين فيها، ناهيك عن عنعنتها وانقطاعها.
فالحسين بن سعيد لا أظنّه الأهوازي الثقة، كما توهّم محقّق التفسير في ذكر مشايخه، بل المؤكّد أنّه ليس هو؛ فالأهوازي يروي عن الرضا وأبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث، فهو في طبقة إبراهيم بن هاشم.
وفرات من أعلام الغيبة الصغرى، ومن معاصري الكليني صاحب الكافي، فكيف يروي عن الأهوازي وهو لم يدركه؟
وابن عطاء، وابن طريف، والجعفي، والحبري، مجاهيل عند القوم(40).
وإسماعيل بن إبراهيم، والأحمسي، والحضرمي، لم أقف لهم على ترجمة.
وأبو هاشم لم يرد ذكره في الأُصول الرجالية، وقال فيه صاحب (المناقب): كان ثقة جليلاً، ولكن ليس في المناقب المطبوع من هذا شيء، كما ذكر الخوئي(41)، والكلبي متروك الحديث.
وعبيد كذّبه كلّ من ترجم له من الفريقين(42).
الرواية السابعة عشرة: ((الطوسي: المفيد، عن علي بن محمد الكاتب، عن الحسن بن علي الزعفراني، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن محمد بن علي، عن العبّاس بن عبد الله العنبري، عن عبدالرحمن بن الأسود اليشكري، عن عون بن عبيد الله، عن أبيه، عن جده أبي رافع، قال: دخلت على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوماً وهو نائم وحيّة في جانب البيت، فكرهت أن أقتلها فأوقظ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فظننت أنّه يوحى إليه، فاضطجعت بينه وبين الحيّة، فقلت: إن كان منها سوء كان إلي دونه، فمكثت هنيئة، فاستيقظ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يقرأ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ))، حتى أتى على آخر الآية، ثمّ قال: (الحمد لله الذي أتم لعليّ نعمته، وهنيئاً له بفضل الله الذي آتاه) ))(43).
أقول: أمّا الكاتب فقد مرَّ الكلام عنه، والزعفراني مهمل(44)، وكذا حال الثقفي(45)، والعنبري لم أجد من ترجم له عند القوم، وابن الأسود مجهول الحال أيضاً(46).
الرواية الثامنة عشرة: ((الطوسي: أخبرنا جماعة، عن أبي المفضل، قال: حدّثنا الحسن بن علي بن زكريا العاصمي، قال: حدّثنا أحمد بن عبيد الله العدلي، قال: حدّثنا الربيع بن يسار، قال: حدّثنا الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذرّ رضي الله عنه في حديث طويل، قال فيه الأمير رضي الله عنه: (هل فيكم أحد آتى الزكاة وهو راكع ونزلت فيه: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) غيري؟...) الرواية))(47).
أقول: أبو المفضّل مرَّ الكلام عنه، وكذا الأعمش، ولم أجد ترجمة للعاصمي أو العدلي، وكذا ابن يسار.
الرواية التاسعة عشرة: ((النجاشي، محمد بن جعفر، عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن أحمد بن يوسف، عن علي بن الحسن بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن علي بن الحسين، عن إسماعيل بن الحكم، عن عبد الله بن عبيدالله بن أبي رافع، عن أبيه، عن أبي رافع، قال: وذكر تمام القصّة السابقة))(48).
أقول: أحمد بن يوسف إن كان القصباني فلم يرد فيه توثيق صريح، وإن كان مولى بني تيم الله فمحال أن يرويَ عنه ابن عقدة المولود سنة (249هـ)، والذي ذكر النجاشي روايته عنه سنة (209هـ)(49)، وإسماعيل بن محمد وابن الحكم مجهولان(50).
الرواية العشرون: ((محمد بن سليمان الكوفي، قال: أجاز لي أبو أحمد عبد الرحمن بن أحمد الهمداني، قال: حدّثني إبراهيم بن الحسن، قال: حدّثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدّثنا حبّان بن علي، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ )): فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسجد والناس يصلّون بين راكع وساجد وقاعد، وإذا مسكين يسأل، فدعاه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: (هل أعطاك أحد شيئاً؟) قال: نعم. قال: (ماذا؟) قال: خاتم من فضّة. قال: (من أعطاك؟) قال: ذاك الرجل القائم. قال: (على أي حال أعطاك؟) قال: أعطاني وهو راكع. وإذا هو عليّ بن أبي طالب، فكبّر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ))(51).
أقول: الهمداني مجهول، وإبراهيم بن الحسن مشترك بين عدّة مجاهيل عند الشيعة.
الرواية الحادية والعشرون: ((محمد بن سليمان الكوفي (بالسند المتقدّم عن عبد الله بن محمد بن إبراهيم): حدّثنا عبد ربّه بن عبد الله بن عبد ربه العبدي البصري، قال: حدّثنا أبو اليسع أيوب بن سليمان الحبطي، قال: حدّثنا محمد بن مروان السدّي، عن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي صالح مولى أمّ هانئ، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما... فذكر رواية شبيهة بالرواية الرابعة عشرة))(52).
أقول: حسب السند أنّ فيه مجاهيل، بل إنّ الإسناد الذي فيه السدّي عن السائب الكلبي معدود في سلاسل الكذب الشهيرة!!
الرواية الثانية والعشرون: ((محمد بن سليمان الكوفي، قال: حدّثنا عبيد الله بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن زكريا، قال: حدّثنا قيس بن حفص وأحمد بن يزيد، قالا: حدّثنا حسين بن حسن، قال: حدّثنا أبو مريم، عن المنهال، عن عبيد الله بن محمد بن الحنفية، عن أبيه قال:.. فذكر رواية شبيهة بالرواية الثانية عشرة))(53).
أقول: محمد بن الحنفية نفسه ليس له توثيق خاص في كتب الشيعة، وابنه عبيد الله مجهول، والمنهال بن عمرو ضعيف عند أهل السُنّة، مجهول عند الشيعة.
الرواية الثالثة والعشرون: ((الطبري الشيعي، قال: حدّثني أبو الفرج المعافا، قال: حدّثنا محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي، قال: حدّثنا القاسم بن هاشم بن يونس النهشلي، قال: حدّثنا الحسن بن الحسين، قال: حدّثنا معاذ بن مسلم، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عامر... فذكر الرواية الرابعة عشرة))(54).
أقول: عطاء بن السائب مجهول عند الشيعة، ثقة عند السُنّة، اختلط في آخر عمره، والقاسم النهشلي مجهول، والحسن بن الحسين مشترك بين كثيرين.
وبعد.. فهذه حال كلّ الروايات المسندة التي وقفنا عليها من كتب القوم المعتبرة وغير المعتبرة في شأن هذه القصّة، وقد رأيت أنّه لم يصحّ منها شيء أصلاً من طرق الشيعة، فضلاً عن طرق أهل السُنّة، رغم كلّ التهويلات التي استخدمها القوم عند الكلام في هذا الاستدلال، من تواتر وصحّة القصّة في طرق أهل السُنّة، ومن عدم خلو كتبهم منها، ضاربين عرض الحائط بيان الفرق بين الإيعاز وبين التخريج والتحقيق كما ذكرنا، ممّا يلبس الأمر على القارئ البسيط، مع أنّ مجرد عزو الحديث إلى كتاب ليس دليلاً على صحته باتّفاق المسلمين شيعتهم وسُنّتهم.
ولا شك أنّ الروايات في شأن نزول هذه الآية في تصدّق عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) بخاتمه في الصلاة قد أوردها الكثير من علماء أهل السُنّة، إمّا لبيان ضعفها، أو من باب إيراد كلّ ما له شأن بنزول الآية دون اشتراط الصحّة، أو إيرادها بأسانيدها مبرئين الذمة بذلك، ولكن لم يصحّ منها شيء.
حتى الأميني الذي كان ديدنه الاستماتة في إثبات أحاديث الإمامة حتى لو كانت واهية، كحديث بدء الدعوة الذي مرَّ بك مثلاً، لم يورد في هذه القصّة ولا رواية واحدة مناقشاً فيها سندها؛ لعلمه التام بعدم صحّة شيء في ذلك، وإنّما اكتفى بإيراد من ذكرها من علماء أهل السُنّة، موهماً قارئه بأنّ صحّة القصّة هذه من المسلّمات عندهم، دون أن يبيّن حقيقة قول الكثير ممّن ذكرهم في هذه الروايات في بيان عدم صحّة شيء منها، وهذه هي الأمانة التي يتبجّح بها ويطالبنا بها.
وعلى أي حال، لا نطيل الكلام في أسانيد روايات هذه القصة، فالمحك أن يدلنا القوم على سند صحيح للقصّة من كتب أي من الفريقين.
ولننتقل إلى الكلام في متونها:
الكلام في متون روايات تصدّق عليّ(عليه السلام) بخاتمه وهو راكع:
من دلائل ضعف هذه القصّة والاضطراب البيّن فيها: الاختلاف في رواياتها؛ ففي روايات: أنّ نزول هذه الآية إنّما كان في بيته(صلّى الله عليه وآله وسلّم)..
وفي أُخرى: في مجلسه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع اليهود..
وأُخرى: في مسجده(صلّى الله عليه وآله وسلّم)..
بل ذكرت بعض الروايات أنّ نزولها إنّما كان في المسجد الحرام، حيث دخل الأمير(عليه السلام) يوماً إلى الكعبة يصلّي، فلمّا ركع أتاه سائل فتصدّق عليه بحلقة خاتمه، فأنزل الله الآية(55).
وكذا الاختلاف في المتصدّق به، بين خاتم كما في أكثر الروايات، وبين حلّة، كما في رواية (الكافي)، ولم يتردّد البعض في القول بأنّ القصّة ربّما تكرّرت، فمرّة تصدّق بخاتم وأُخرى بحلّة(56).
والاختلاف أيضاً في الخاتم، بين كونه من فضة كما في بعض الروايات، وذهب كما في أُخرى(57).
والاختلاف في نقشه أيضاً، بين (الملك لله)(58)، وبين (سبحان من فخري بأنّي له عبد)(59).
وكذا الاختلاف في الصلاة، بين تطوّع الظهر، أو فريضته خلف النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(60).
وكذا دعاء السائل، بين (السلام عليك يا وليّ الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدّق على مسكين)، هكذا ابتداءً، وبين (اللّهمّ أشهدك أنّي سألت في مسجد رسول الله)، كما في أكثر الروايات.


والاختلاف في وقت نزول الآية؛ ففي بعض الروايات: أنّها نزلت قبل القصّة، وأُخرى: بعد دعاء الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
والاختلاف في كيفية التصدّق بالخاتم، بين نزع عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) للخاتم بنفسه، وبين نزع السائل له.
وكذا الاختلاف في وقت تبليغ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لقومه، بين إخبارهم فور نزول الآية، وبين إرجاء ذلك إلى يوم الغدير(61).
والاختلاف في سؤال السائل؛ ففي بعض الروايات: أنّ السائل سأل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) التصدّق عليه أوّلاً، وفي أُخرى: أنّ السائل سأل أوّلاً في مسجد النبيّ، ثمّ مرَّ به (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسؤال النبيّ له: هل تصدّق عليك بشيء؟(62).
والتضارب في الروايات كثير ونجتزئ بما أوردناه.
ونذكر الآن بعض الردود على هذا الاستدلال:
1) منها: إن دلّت هذه الآية على نفي إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، كذلك تدلّ على سلب الإمامة عن بقية الأئمّة الاثني عشر بعين ذلك التقرير، فالدليل يضرّ الشيعة أكثر من أهل السُنّة، فهؤلاء لم يؤت أحدهم الزكاة وهو راكع لو كان ذلك شرطاً فيمن يتولّى أمر المسلمين.
2) ومنها: أنّ (صيغة الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون) صيغة جمع، فكيف يصدق على عليّ(عليه السلام) وحده، حتى وإن كان ذلك جائزاً في اللغة، وعلى ذلك شواهد من القرآن، ولكن حمله على المفرد دون دليل هو الخلاف، والأميني الذي يبدو أنّه لم يجد له مخرجاً أمام ضعف أسانيد هذه الروايات وتهافت الاستدلال بها؛ فقد أسهب في بيان أنّ في القرآن آيات عدّة نزلت بصيغة الجمع وكان المراد بها المفرد(63)، ولا شك أنّ ما ذكره صحيح ولكن لا يفيد في ما نحن فيه؛ حيث إنّ الأمثلة التي أوردها إنّما وردت فيها روايات صحيحة خلاف رواياتنا هذه.
3) ومنها: أنّ الله تعالى لا يثني على المرء إلاّ بمحمود، وفعل ذلك في الصلاة ليس بمستحب، ولو كان مستحباً لفعله الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولحضّ عليه، ولكرّر عليّ(عليه السلام) فعله، وإن في الصلاة لشغلاً.
والغريب أنّ القوم يرون بطلان صلاة أهل السُنّة بالتكفير (أي: وضع اليمنى على اليسرى في حال القيام)، ويعدّون ذلك عملاً يستوجب البطلان(64)، ولا يعدّون عمل الأمير(عليه السلام) من انشغاله بالسائل والاستماع إليه والإشارة إليه ونزع الحلّة أو الخاتم من يده وإلقائه إليه.. إلى آخر ما ذكرته الروايات، حركات مبطلة للصلاة، رغم أنّ ذلك أيضاً يتعارض مع ما ذكره القوم في ذلك عنه وعن الأئمّة كما في هذه الأمثلة..
فضلاً عن معارضته لقولـه عزّ وجلّ: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ )) (الأنفال:3)؛ فعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه رأى مصلّياً يعبث بلحيته، فقال: (أمّا هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه)(65).
وذكروا أنّ عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) كان إذا حضر وقت الصلاة تلوّن وتزلزل، فقيل له: ما لك؟ فقال: (جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، وأنا في ضعفي فلا أدري أحسن أداء ما حملت أو لا)(66).
وهو القائل(عليه السلام) كما يروي القوم: (طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشتغل قلبه بما تراه عيناه ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه)(67). وهذا في غير الصلاة، فكيف لو كان في الصلاة، وكأنّ القوم يريدون أنّ يقولوا: إنّه(عليه السلام) من الذين يقولون ما لا يفعلون.
وعن الصادق، قال: (إذا كنت في صلاتك فعليك بالخشوع والإقبال على صلاتك؛ فإنّ الله يقول: (( الَّذِينَ هُم فِي صَلاتِهِم خَاشِعُونَ )) (المؤمنون:2) )(68).
وعنه أيضاً، قال: (إذا استقبلت القبلة فانس الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك عن كلّ شاغل يشغلك عن الله)(69).
وقد أورد القوم عن الإمام زين العابدين رحمه الله روايات كثيرة عن صلاته وخشوعه فيها، نذكر منها:
أنّه كان قائماً يصلّي حتى وقف ابنه الباقر وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر، فسقط فيها، فنظرت إليه أمّه، فصرخت وأقبلت نحو البئر تستغيث، وتقول: يا ابن رسول الله! غرق ولدك محمّد. وهو لا ينثني عن صلاته، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر، فلمّا طال عليها ذلك قالت حزناً على ولدها: ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله! فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلاّ عن كمالها وإتمامها، ثمّ أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلاّ برشاً طويل، فأخرج ابنه محمداً على يديه يناغي ويضحك لم يبتل به ثوب ولا جسد بالماء، فقال: هاك ضعيفة الإيمان بالله. فضحكت لسلامة ولدها، وبكت لقوله: يا ضعيفة اليقين بالله، فقال: لا تثريب عليك اليوم، لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي، أفمن يرى راحم بعده؟(70)
وعن الثمالي، قال: رأيت عليّ بن الحسين يصلّي فسقط رداؤه عن أحد منكبيه، فلم يسوّه حتى فرغ من صلاته، فسألته عن ذلك؟ فقال: (ويحك! بين يدي من كنت؟ إنّ العبد لا يُقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه)(71).
وعن الصادق، قال: (كان أبي يقول: كان عليّ زين العابدين إذا قام إلى الصلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلاّ ما حرّكت الريح منه)(72).
وفي رواية: إنّ إبليس تمثّل لعليّ بن الحسين وهو في صلاته في صورة أفعى لها عشرة رؤوس محدّدة الأنياب، منقلبة الأعين، وطلع عليه من الأرض من موضع سجوده، ثمّ تطاول في قبلته فلم يرعه ذلك، فانخفض إلى الأرض، وقبض على عشر أنامل رجلي عليّ بن الحسين فجعل يكدمها بأنيابه، فكان لا يكسر طرفه إليه، ولا يحوّل قدميه عن مقامه(73).
وعن الجعفي، قال: صلّى أبو جعفر ذات يوم فوقع على رأسه شيء فلم ينزعه من رأسه حتى قام إليه جعفر فنزعه من رأسه(74).
والروايات في الباب كثيرة جداً، وما أوردناه أقل القليل(75).
ولكن انظر كيف توفّق بينها وبين فعل عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) من استماعه إلى السائل وانشغاله به، حتى لفت نظره إليه من دون بقية المصلّين، وفي بعض الروايات أنّه كان يصلّي خلف النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(76)، ولا شكّ أنّه في الصف الأوّل، ونزع الخاتم من إصبعه وألقاه إليه، أو نزع الحلّة كما في (الكافي)، وهذا أشدّ، وطرحها إليه و.. و..
والكاظم لمّا سئل: عن الرجل يكون في الصلاة فيستمع الكلام أو غيره فينصت ليسمعه، ما عليه إن فعل ذلك؟ قال: (هو نقص)(77). فكيف بمن فعل كلّ ما فعل الأمير(عليه السلام)، وهو القائل بزعم القوم: إنّ وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة عمل، وليس في الصلاة عمل(78).
على أي حال، نعود إلى ما كنّا فيه من ذكر الردود:
4) ومنها: أنّه لو قدّر أن هذا مشروع في الصلاة لم يختص بالركوع، بل يكون في القيام والقعود أولى منه في الركوع، فلو تصدّق المتصدّق في حال القيام والقعود أما كان يستحقّ هذه الموالاة؟
5) ومنها: أنّ عليّاً(عليه السلام) لم يكن ممّن تجب عليه الزكاة على عهد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ فإنّه كان فقيراً، والزكاة إنّما تجب على من ملك النصاب حولاً، وهو لم يكن من هؤلاء، وفقر أهل البيت غير خافٍ..
فقد روى القوم: أنّ عليّاً(عليه السلام) قال يوماً لفاطمة رضي الله عنها: يا فاطمة! هل عندك شيء تطعميني؟
قالت: والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصية، ما أصبح عندي شيء يطعمه بشر، وما كان من شيء أطعمك منذ يومين إلاّ شيء أؤثرك به على نفسي وعلى الحسن والحسين، قال: أعلى الصبيين ألا أعلمتني فآتيكم بشيء؟ قالت: يا أبا الحسن! إنّي لأستحيي من إلهي أن أكلّفك ما لا تقدر، فخرج فاستقرض ديناراً... الرواية(79).
وفي رواية أُخرى: دخل(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على فاطمة ووجدها صفراء من الجوع، فقال: ما لي أرى وجهك أصفر؟ قالت: يا رسول الله! الجوع(80).
فلا غرابة إذاً أن يقترض(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من شدّة الفاقة ليؤمن قوت نفسه وعياله، وله في ذلك حكايات رواها القوم، منها:
ما رواه عليّ(عليه السلام) من أنّ يهودياً كان له على رسول الله دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهودي! ما عندي ما أعطيك، قال: فإنّي لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني، فقال: إذاً أجلس معك، فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء الآخرة، والغداة(81).
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما، قال: إنّ رسول الله توفّي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعاً من شعير، أخذها رزقاً لعياله(82).
وعن الصادق: (مات رسول الله وعليه دَين)(83).
كلّ هذا رغم تشدّده في أمر الدَين حتى ثبت عنه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تركه للصلاة على من كان عليه دين حتى لو كان قليلاً؛ فهذا رجل مات على عهده(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليه ديناران، فأخبر بذلك فأبى أن يصلّي عليه(84).
ورجل آخر من الأنصار مات وعليه دَين فلم يصلّ عليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال: لا تصلّوا على صاحبكم حتى يقضي دَينه(85).
ورووا أنّه جعل الدَّين قرين الكفر في الاستعاذة منهما؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: أعوذ بالله من الكفر والدَين، قيل: يا رسول الله! أيعدل الدَين بالكفر؟ فقال: نعم(86).
ورووا عن الصادق: (قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): الدَين راية الله عزّ وجلّ في الأرض، فإذا أراد أن يذل عبداً وضعه في عنقه)(87).
وعن الباقر: (كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل الله، إلاّ الدَين؛ فإنّه لا كفّارة له إلاّ أداؤه)(88). وغيرها.
فما الذي اضطرّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى التديّن وموته وهو عليه، رغم كلّ ما أورده القوم عنه في ذلك؟ فهل من كانت هذه حالهم تجب عليهم الزكاة؟
وكذا كان حال عليّ(عليه السلام) إلى وفاته؛ فيوم أن تزوّج الزهراء رضي الله عنها عيّرتها نساء قريش بفقره، فجاءت أباها(صلّى الله عليه وآله وسلّم) شاكية: إنّك زوّجتني فقيراً لا مال له.
وفي أُخرى: قلن: زوّجك رسول الله من عائل لا مال له(89).
وهكذا عاش (عليه السلام)؛ ففي إحدى خطبه قال: (والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها)(90)؟
حتى اضطر أن يبيع متاعه ليوفّر ثمن قوت يومه؛ فعنه (عليه السلام) أنّه قال: (من يشتري سيفي هذا؟ فوالله لو كان عندي ثمن إزار ما بعته)(91).
وكان لا يزال (عليه السلام) يشكو إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الدين إلى أن مات مديوناً(92).
فعن الباقر، قال: (قبض عليّ وعليه دين ثمانمائة ألف درهم)(93).
وهكذا كان حال أبنائه رضي الله عنهم؛ فعن الصادق، قال: (مات الحسن وعليه دَين، ومات الحسين وعليه دَين)(94)..
بل إنّ الحسين(عليه السلام) أتعب من جاء بعده؛ فقد أصيب وعليه دَين بضعة وسبعون ألف دينار، فاهتم عليّ بن الحسين بدَين أبيه حتى امتنع من الطعام والشراب والنوم في أكثر أيامه ولياليه(95).
ولا نطيل المسألة، ولكن هل ترى على هؤلاء زكاة لمالٍ يبلغ النصاب ويحول عليه الحول، ويفيض عن الحاجة، ويسلم من الدين؟
ونختم هذا برواية وضعها القوم في قصّتنا هذه، تبيّن أنّ فقر عليّ(عليه السلام) من المسلّمات، مختصرها قول البعض: وأيّ مال لعليّ حتى يؤدّي منه الزكاة(96)؟
6) ومنها: أنّ الروايات التي ذكرت أنّ خاتمه(عليه السلام) كان من ذهب(97)، خلاف ما ورد في النهي عن ذلك..
فعن الرضا، قال: (لا تصلّ في خاتم ذهب)(98).
وعن الباقر، قال: (نهى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن سبع: ذكر منها: التختّم بالذهب)(99).
وعن الصادق، قال: (قال النبيّ لعليّ: إيّاك أن تتختّم بالذهب)(100).
وعن عليّ(عليه السلام)، قال: (نهاني رسول الله - ولا أقول: نهاكم - عن التختّم بالذهب)(101)، فكيف توفّق بينها؟
7) ومنها: أنّ إعطاء الخاتم لا يجزئ في الزكاة عند الإمامية، فهم لا يرون زكاة الحليّ، وعلى هذا أيضاً كثير من فقهاء المسلمين(102).
8) ومنها: أنّ الزكاة تؤدّى فور وجوبها ولا ينتظر فيها السؤال.
وعليه لا يمتدح من لم يخرج الزكاة إلاّ بعد أن تطلب منه، وإنّما يمتدح من أخرجها ابتداءً فور وجوبها.
9) ومنها: أنّ هذه الآية بمنزلة قولـه: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (البقرة:43)، وهي تحثّ على صلاة الجماعة؛ لأنّ المصلّي في الجماعة إنّما يكون مدركاً للركعة بإدراك ركوعها، بخلاف الذي لم يدرك إلاّ السجود؛ فإنّه قد فاتته الركعة، أمّا القيام فلا يشترط فيه الإدراك.
10) ومنها: أنّ الركوع يطلق ويراد به: الخضوع، وذلك مثل قوله سبحانه: (( يَا مَريَمُ اقنُتِي لِرَبِّكِ وَاسجُدِي وَاركَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (آل عمران:43) فالمراد بالركوع: الخضوع؛ إذ أنّ المرأة لا يطلب منها صلاة الجماعة، فالمراد بقوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) أي: خاضعون لله، وليس المراد أنّهم يؤتون الزكاة حال الركوع؛ فتأمل!
11) ومنها: أنّ هذه الآيات إنّما نزلت في النهي عن موالاة الكفّار والأمر بموالاة المؤمنين، وأنّ سياق الكلام يدلّ على ذلك لمن تدبّر، وهو قولـه تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللَّهَ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأتِيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ مِن عِندِهِ فَيُصبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِم نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقسَمُوا بِاللَّهِ جَهدَ أَيمَانِهِم إِنَّهُم لَمَعَكُم حَبِطَت أَعمَالُهُم فَأَصبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:51-55).
فالآيات واضحة كلّ الوضوح أنّها في النهي عن موالاة اليهود والنصارى، وقد وصف الله الذين في قلوبهم مرض بأنّهم يوالون الكفّار والمنافقين والمرتدّين، وبيَّن أنّهم لن يضرّوا الله شيئاً، ثمّ وصف المؤمنين بما وصفهم به، فهذا السياق العام يوجب لمن قرأه علماً يقينياً لا يمكنه دفعه عن نفسه، وهو أنّ الآية عامّة في كلّ المؤمنين المتّصفين بهذه الصفات لا تختص بواحد بعينه، وهل هؤلاء يرون - أيضاً - أنّ الولاية عند أهل الكتاب تكون بالمعنى نفسه (الوصاية) فتفسّر بها على ذلك في هذه الآيات؟ أي: أنّ بعضهم وصيّ على بعض؟ كيف يكون ذلك؟
نعوذ بالله من صدأ الأذهان، ورين البهتان، والضلال بعد الإيمان.
12) ومنها: أنّ غاية ما في الآية: أنّ المؤمنين عليهم موالاة الله ورسوله والمؤمنين، فيوالون عليّاً، ولا ريب أنّ موالاة عليّ واجبة على كلّ مؤمن، كما يجب على كلّ مؤمن موالاة أمثاله من المؤمنين..
قال تعالى: (( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَولاهُ وَجِبرِيلُ وَصَالِحُ المُؤمِنِينَ )) (التحريم:4)، فبيَّن الله أنّ كلّ صالح من المؤمنين مولى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما أنّ الله مولاه وجبرئيل مولاه، لا أن يكون صالح المؤمنين متولّياً على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا متصرّفاً فيه.
قال تعالى: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ )) (التوبة:71)(103) فجعل كلّ مؤمن وليّاً لكلّ مؤمن، وذلك لا يوجب أن يكون أميراً عليه معصوماً لا يتولّى عليه إلاّ هو، فكلّ مؤمن تقي فهو وليّ لله والله وليه، كما قال تعالى: (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا )) (البقرة:257)، وقال: (( وَأُولُو الأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ )) (الأحزاب:6).
فهذه النصوص كلّها ثبتت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأنّ هذا وليّ هذا، وهذا وليّ هذا، وأنّهم أولياء الله، وأنّ الله وملائكته والمؤمنين أولياء رسوله، كما أنّ الله ورسوله والملائكة أولياء المؤمنين، وليس في شيء من هذه النصوص أنّ من كان وليّاً للآخر كان أميراً عليه دون غيره، وأنّه يتصرّف فيه دون الناس.
13) ومنها: أنّ الفرق بين الوَلاية (بالفتح)، والوِلاية (بالكسر) معروف، فالوَلاية (بالفتح) ضد العداوة وهي المذكورة في الآية، وليست هي الوِلاية (بالكسر) التي هي الإمارة(104).
فالأمير يسمّى: الوالي، ولا يسمّى: الوليّ.
14) ومنها: أنّه لو أراد الولاية التي هي الإمارة، لقال: إنّما يتولّى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا، ولم يقل: (ومن يتولّ الله ورسوله)؛ فإنّه لا يقال: لمن وليّ عليهم، ولا أنّه يقال: تولّوه، بل يقال: تولّى عليهم.
15) ومنها: أنّ الله سبحانه لا يوصف بأنّه متولّ على عباده، وأنّه أمير عليهم، ولا يقال: إنّ الله أمير المؤمنين، كما يسمّى المتولّي، مثل عليّ(عليه السلام) وغيره: أمير المؤمنين، بل الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً لا يقال: إنّه متولٍ على الناس وأنّه أمير عليهم.
16) ومنها: أنّه ليس كلّ من تولّى عليه إمام عادل يكون من حزب الله ويكون غالباً؛ فإنّ أئمّة العدل يتولّون على المنافقين والكفّار، كما كان في مدينة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تحت حكمه ذمّيون ومنافقون، وكذلك كان تحت ولاية عليّ(عليه السلام) كفّار ومنافقون، والله تعالى يقول: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُم الغَالِبُونَ )) (المائدة:56)، فلو أراد الإمارة لكان المعنى: أنّ كلّ من تأمّر على الذين آمنوا فإنّهم يكونون من حزبه الغالبين، وليس كذلك، وكذلك الكفّار والمنافقون تحت أمر الله الذي هو قضاؤه وقدره مع كونه لا يتولاهم، بل يبغضهم.
17) ومنها: أنّ كلمة (إنّما) تفيد الحصر، والحصر يكون في ما يحتمل اعتقاد الشركة والتردّد والنزاع، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردّد ونزاع في الإمامة وولاية التصرّف، بل كان في النصرة والمحبة.
18) ومنها: أنّ إمامته (عليه السلام) غير مرادة في زمان الخطاب؛ لأنّ ذلك عهد النبوّة، والإمامة نيابة فلا تتصوّر إلاّ بعد انتقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإذا لم يكن زمان الخطاب مراداً تعيّن أن يكون المراد الزمان المتأخّر عن زمن الانتقال ولا حدّ للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلى الأمير(عليه السلام) بعد مضي زمان أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
لذا وضعوا كثير من الروايات بلفظ: (بعدي)، كما مرَّ بك وسيأتي.
19) ومنها: أنّ الأمر في الآية إن كان محمولاً على الإمارة كما يدّعي القوم، فهو دليل على بطلان كلّ النصوص السابقة، خاصّة إذا علمنا أنّ سورة المائدة التي منها هذه الآية من أواخر ما نزل من القرآن؛ حيث لم ينزل بعدها إلاّ سورتا التوبة والنصر، والغريب أنّ قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في رواياتنا هذه يؤكّد هذا، فكلّها تدلّ على عدم علمه بخليفته - بزعم القوم - حتى نزول الآية، وسؤاله عن هذا المتصدّق والهيئة التي تصدّق بها.. إلى آخر ما جاء في الروايات لمن تدبّرها.
والحقّ أنّ الردود على هذا الاستدلال كثيرة، وما أوردنا فيه كفاية لمن طلب الحق، ولا بأس بأن نختم كلامنا ببعض الطرائف التي أوردها القوم ممّا يتّصل بموضوعنا:
أ - منها: أنّ الخاتم الذي تصدّق به عليّ(عليه السلام) على السائل كان خاتم سليمان(عليه السلام)(105).
ب - ومنها: أنّ الخاتم وزنه أربعة مثاقيل، حلقته من فضة، وفصه خمسة مثاقيل وهو من ياقوتة حمراء، وثمنه خراج الشام، وخراج الشام ثلاثمائة حمل من فضة، وأربعة أحمال من ذهب، وكان الخاتم لمران بن طوق، قتله عليّ(عليه السلام) وأخذ الخاتم من إصبعه، وأتى به إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جملة الغنائم، وأمره النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يأخذ الخاتم، فأخذ الخاتم، فأقبل وهو في إصبعه وتصدّق به على السائل في أثناء ركوعه في أثناء صلاته خلف النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(106).
ج - ومنها: أنّ التصدّق بالخاتم كان يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة(107).
د - ومنها: أنّ جميع الأئمّة تصدّقوا وهم راكعون(108).
هـ - ومنها: أنّ السائل الذي سأله كان من الملائكة، والذين يسألون الأئمّة من أولاده يكونون من الملائكة(109).
و - ومنها: أنّ عمر بن الخطّاب تصدّق بأربعين خاتماً - وفي رواية أُخرى: أربعة وعشرين - وهو راكع، لينزل فيه ما نزل في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)(110).
(1) أمالي الصدوق: 107، بحار الأنوار 35: 183، تفسير البرهان 1: 480، تفسير الميزان 6: 16، تأويل الآيات 1: 152، وسائل الشيعة 9: 478، المناقب 2: 209، تفسير الصافي 2: 46، تفسير نور الثقلين 1: 647، إثبات الهداة 2: 54.
(2) معجم رجال الحديث 7: 322، 14: 107، جامع الرواة 2: 27، مجمع الرواة 3: 75، 5: 68.
(3) معجم رجال الحديث 7: 321، كليات في علم الرجال: 314، 407، رجال النجاشي 1: 387، رجال الطوسي: 122، 197، مقياس الهداية 2: 353، رجال الكشي:150، تنقيح المقال 1: 60، 459، بحار الأنوار 37: 32، كمال الدين: 608 (الحاشية)، مجمع الرجال 3: 73، الفهرست: 102، جامع الرواة 1: 339، الخلاصة: 223.
(4) الخصال: 548، نور الثقلين 1: 645، الاحتجاج: 118، تفسير الميزان 6: 18.
(5) الخصال: 548 (الحاشية للمحقّق علي أكبر الغفاري).
(6) الخصال: 580، نور الثقلين 1: 635، تفسير الصافي 2: 45، مستدرك الوسائل 7: 256.
(7) معجم رجال الحديث 15: 20، رجال ابن داود: 269.
(8) انظر تراجمهم في: معجم رجال الحديث 5: 174، 2: 363، 3: 378، 417، 12: 85، 12: 178.
(9) الكافي 1: 288، 427، تفسير البرهان 1: 480، نور الثقلين 1: 643، جامع الأحاديث 8: 441، تأويل الآيات 1: 153، وسائل الشيعة 5: 18، 9: 51، تفسير الصافي 2: 44، بحار الأنوار 24: 63.
(10) معجم رجال الحديث 18: 257، مجمع الرجال 6: 113، رجال النجاشي 2: 365، جامع الرواة 2: 251.
(11) رجال النجاشي 1: 135.
(12) معجم رجال الحديث 18: 87.
(13) معجم رجال الحديث 2: 183.
(14) مجمع البيان 3: 324، تفسير البرهان 1: 481، بحار الأنوار 35: 195، كشف الغمة 1: 166، تفسير الميزان 6: 21، تأويل الآيات 1: 151، إثبات الهداة 2: 120، 3: 511، المناقب 2: 208، التفسير الكاشف 3: 82.
(15) معجم رجال الحديث 9: 253، الطوسي: 69، مجمع الرجال 3: 253.
(16) الطوسي: 133، مجمع الرجال 5: 62، معجم رجال الحديث 14: 92، جامع الرواة 2: 24.
(17) معجم رجال الحديث 20: 59، رجال النجاشي 2: 419، الفهرست: 210، 229، الطوسي: 517، مجمع الرجال 6: 260، رجال ابن داود: 204، جامع الرواة 2: 330.
(18) تفسير القمّي 1: 178، تفسير البرهان 1: 480، 483، نور الثقلين 1: 645، بحار الأنوار 35: 186، 188، تفسير الميزان 6: 17، العيّاشي 1: 356، وسائل الشيعة 9: 478، إثبات الهداة 2: 140، تفسير الصافي 2: 45.
(19) رجال الحلي: 4، معجم رجال الحديث 1: 317.
(20) معجم رجال الحديث 1: 316، مقدمة التفسير القمّي : 6.
(21) تفسير القمّي 2: 362.
(22) تفسير البرهان 4: 358، بحار الأنوار 22: 240.
(23) بحار الأنوار 22: 240 (الحاشية)، كلّيات في علم الرجال: 320.
(24) يشير إلى قول القمّي في المقدمة من روايته للتفسير عن الثقات.
(25) كلّيات في علم الرجال: 309، وما بعده.
(26) الكافي 1: 496، بحار الأنوار 50: 93.
(27) تفسير العيّاشي 1: 355، بحار الأنوار 35: 187، تفسير البرهان 1: 482، إثبات الهداة 2: 135، 3: 514، تفسير الميزان 6: 18، وسائل الشيعة 9: 479.
(28) معجم رجال الحديث 17: 224.
(29) مقدمة تفسير العياشي 1: 7، بحار الأنوار 1: 28، الذريعة 4: 295.
(30) معجم رجال الحديث 4: 335.
(31) تفسير فرات 1: 124، بحار الأنوار 35: 198، مستدرك الوسائل 7: 258.
(32) تفسير فرات 1: 123، بحار الأنوار 37: 171.
(33) تفسير فرات 1: 125، بحار الأنوار 35: 198، إثبات الهداة 2: 165.
(34) تفسير فرات 1: 124، بحار الأنوار 35: 198.
(35) تفسير فرات 1: 125.
(36) تفسير فرات 1: 126.
(37) تفسير فرات 1: 126، إثبات الهداة 2: 165.
(38) تفسير فرات 1: 128، بحار الأنوار 35: 197.
(39) تفسير فرات 1: 128.
(40) معجم رجال الحديث 8: 182، 173، 10: 254.
(41) معجم رجال الحديث 10: 306.
(42) معجم رجال الحديث 11: 75، رجال النجاشي 2: 39.
(43) أمالي الطوسي: 58، بحار الأنوار 22: 103، 35: 184.
(44) معجم رجال الحديث 6: 66.
(45) معجم رجال الحديث 1: 287.
(46) معجم رجال الحديث 9: 309.
(47) أمالي الطوسي: 557، إثبات الهداة 2: 86.
(48) رجال النجاشي: 62، معجم رجال الحديث 1: 176، بحار الأنوار 32: 305.
(49) معجم رجال الحديث 2: 366، 367.
(50) معجم رجال الحديث 3: 131.
(51) مناقب أمير المؤمنين 1: 150.
(52) مناقب أمير المؤمنين 1: 169.
(53) مناقب أمير المؤمين 1: 179.
(54) دلائل الإمامة: 54، مستدرك الوسائل 7: 256، بحار الأنوار 35: 186، اليقين: 223
(55) بحار الأنوار 37: 128.
(56) تفسير الصافي 2: 46.
(57) تفسير البرهان 1: 484، بحار الأنوار 35: 196، 187.
(58) بحار الأنوار 35: 203، سعد السعود: 97.
(59) تفسير فرات 1: 128.
(60) انظر أيضاً: بحار الأنوار 35: 190.
(61) تفسير البرهان 1: 480، 483، 484، 489، بحار الأنوار 35: 188، 37: 156، العيّاشي 1: 360، الكافي 1: 289.
(62) انظر أيضاً: تفسير فرات 1: 125، 126.
(63) الغدير 3: 163.
(64) الخصال 2: 161، دعائم الإسلام 1: 159، قرب الإسناد: 125، بحار الأنوار 10: 277، 396، 84: 203، 325، المسائل المنتخبة للخوئي: 104، زبدة الأحكام للأراكي: 100، المسائل الإسلامية للشيرازي: 310.
(65) بحار الأنوار 84: 261، 239، الخصال 2: 165.
(66) بحار الأنوار 84: 256، المناقب 2: 124.
(67) بحار الأنوار 70: 299، 84: 261، الكافي 2: 16.
(68) بحار الأنوار 84: 260.
(69) بحار الأنوار 84: 230، مصباح الشريعة: 10.
(70) المناقب 4: 135، بحار الأنوار 46: 34، 84: 245، إثبات الهداة 3: 24.
(71) علل الشرايع: 233، بحار الأنوار 46: 61، 66، 84: 237، الخصال: 517.
(72) الكافي 3: 300، بحار الأنوار 46: 64، 84: 229، 248.
(73) إثبات الهداة 3: 25.
(74) بحار الأنوار 84: 252.
(75) للمزيد راجع: بحار الأنوار 84: 226 باب: آداب الصلاة.
(76) تفسير البرهان 1: 485.
(77) قرب الإسناد: 123، بحار الأنوار 84: 296.
(78) بحار الأنوار 10: 277، 84: 325.
(79) أمالي الطوسي: 626، بحار الأنوار 14: 197، 43: 31، 59، 96: 147، تأويل الآيات 1: 108، كشف الغمة 1: 469، تفسير فرات 1: 83.
(80) الكافي 5: 528، بحار الأنوار 43: 62، نور الثقلين 3: 587.
(81) أمالي الصدوق: 376، بحار الأنوار 16: 216.
(82) مكارم الأخلاق: 25، الاحتجاج: 120، قرب الإسناد: 44، بحار الأنوار 16: 239، 17: 297، 103: 144.
(83) الكافي 1: 253، 5: 93، التهذيب 6: 184، بحار الأنوار 16: 275، 43: 321، 81: 345، 103: 142، من لا يحضره الفقيه 3: 111، وسائل الشيعة 18: 317.
(84) علل الشرايع: 528، بحار الأنوار 81: 344،103: 142، من لا يحضره الفقيه 3: 111.
(85) علل الشرايع: 590، المحاسن 2: 318، بحار الأنوار 103: 143، وسائل الشيعة 18: 319.
(86) الخصال: 27، علل الشرايع: 527، بحار الأنوار 103: 141.
(87) علل الشرايع: 529، بحار الأنوار 103: 142.
(88) علل الشرايع: 528، الخصال: 9، بحار الأنوار 103: 141.
(89) سيأتي تخريج هذه الروايات.
(90) نور الثقلين 5: 16، بحار الأنوار 40: 346،41: 160،66: 320،77: 394.
(91) المناقب 2: 97، بحار الأنوار 40: 324،42: 43، كشف المحجّة: 124.
(92) أمالي الطوسي: 443، بحار الأنوار 95: 301،108: 57.
(93) كشف المحجّة: 125، بحار الأنوار 40: 338،103: 142، 145، وسائل الشيعة 18: 322، وانظر أيضاً: من لا يحضره الفقيه 3: 111، علل الشرايع: 590، المحاسن 2: 318، وسائل الشيعة 18: 317.
(94) بحار الأنوار 43: 321،81: 344،103: 143، الكافي 5: 93، التهذيب 6: 184، من لا يحضره الفقيه 3: 111، المحاسن 2: 318، وسائل الشيعة 18: 317.
(95) المناقب 4: 143، بحار الأنوار 46: 52.
(96) تفسير العسكري: 30، بحار الأنوار 41: 20،96: 193.
(97) تفسير البرهان 1: 484، بحار الأنوار 35: 187، 196، المناقب 3: 3.
(98) فقه الرضا: 16، بحار الأنوار 66: 538، وسائل الشيعة 4: 413.
(99) قرب الإسناد: 48، بحار الأنوار 66: 538.
(100) قرب الإسناد: 66، بحار الأنوار 66: 339، وسائل الشيعة 4: 416.
(101) معاني الأخبار 301، بحار الأنوار 66: 539، وسائل الشيعة 4: 414، 6: 308.
(102) الانتصار: 80، المختصر النافع: 81، المسائل المنتخبة: 170، زبدة الأحكام: 116، 169، شرائع الإسلام 1: 150، المسائل الإسلامية: 447، بحار الأنوار 96: 37، 38، 39، 41، 42، قرب الإسناد: 135، دعائم الإسلام: 464، الحدائق الناضرة 12: 97، 98، وسائل الشيعة 9: 156، وما بعدها.
(103) وأورد القوم عن الباقر قوله في نزول هذه الآية: أي: إنّما وليّكم الله، فقال المسلمون: هذا بعضنا أولياء بعض، تفسير البرهان 1: 490، شرح الأخبار: 104، ممّا يدلّ على عدم فهم المسلمين لغير هذه الموالاة التي يريدها القوم.
(104) سنأتي على ذكر دلائل أُخرى عند حديثنا في روايات (من كنت مولاه).
(105) تفسير البرهان 1: 485، شرح الأخبار 1: 226.
(106) المصدران السابقان.
(107) تفسير البرهان 1: 485، مصباح الشريعة: 530، بحار الأنوار 35: 190، شرح الأخبار 1: 226.
(108) الكافي 1: 288، تفسير البرهان 1: 480، نور الثقلين 1: 643، جامع الأحاديث 8: 441، تأويل الآيات 1: 153، وسائل الشيعة 6: 334، تفسير الصافي 2: 44.
(109) المصادر السابقة.
(110) أمالي الصدوق: 107، بحار الأنوار 35: 183، 203، تفسير البرهان 1: 480، تفسير الميزان 6: 16، تأويل الآيات 1: 152، وسائل الشيعة 6: 335، المناقب 3: 4، تفسير الصافي 2: 46، نور الثقلين 1: 647، إثبات الهداة 2: 55، سعد السعود: 97.




الجواب:




أولاً: سنقدّم نقاط تحوي بعض القواعد لكي يتوضّح جوابنا طبقاً لها:
1- إنّ تصنيف الحديث ينقسم إلى: متواتر وآحاد، والمتواتر ما وصلت طرقه إلى حدّ يمتنع تواطؤ رواته على الكذب، والآحاد بخلافه، فإذا وصل الحديث إلى حدّ التواتر وحصل القطع منه، فلا يبحث في السند عندئذ، ولا يلتفت إلى صحّة أو وثاقة أو حسن أو ضعف الأسانيد؛ لأنّها من أقسام الخبر الآحاد وتتدرّج حجّيته حسبها، والمتواتر قد تجاوز ذلك إلى القطع، وهو حجّة بنفسه.
2- إنّ الشيعة لا يستدلّون في العقائد إلاّ بالقطع واليقين، فإذا كان دليلهم نقلياً فيجب أن يثبت بالقطع، كالتواتر مثلاً.
3- هناك قاعدة في علم الحديث موجودة عند الشيعة والسُنّة، وهي أنّ الضعيف ينجبر ضعفه بالضعيف, فكلّما كثرت الطرق الضعيفة فسوف تجبر السند، وأنّ السند الذي يوجد فيه وضّاع أو كذّاب لا ينجبر بسند فيه وضّاع أو كذاب مثله بل يزداد ضعفاً وسقوطاً.
4- إنّ مناقشة أي مذهب أو فرقة يجب أن يكون حسب مبانيها، ومناقشة الشيعة الإمامية في حديثهم يجب أن يكون حسب مبانيهم في علمي الرجال والحديث.
ثانياً: الجواب على ما جاء في السؤال كالآتي:
1- ذكر المستشكل نفسه ثلاثة وعشرين طريقاً مختلفاً، كان في ما أحصيناه منها على عجالة: خمسة عن الإمام الباقر(عليه السلام)، وثلاثةً عن الإمام الصادق(عليه السلام)، واثنين عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، واثنين عن أبي ذرّ(رضي الله عنه)، وواحداً عن عمّار بن ياسر(رضي الله عنه)، وخمسةً عن ابن عبّاس(رضي الله عنه)، ثلاثةً منها ترجع إلى طريق واحد، واثنين عن محمد بن الحنفية(رضي الله عنه) بطريق واحد، واثنين عن أبي رافع(رضي الله عنه) بطريق واحد، وواحداً عن ابن عامر.
وترك العديد من الطرق نقتصر على ذكر مصادر بعضها على نحو العجالة؛ لحصول الغرض منها:
- (الكافي2/513ح1 باب المباهلة).
- (الخصال/479ح36 أبواب الاثني عشر).
- (تحف العقول/458 ماروي عن الإمام الحسن بن علي بن محمد(عليه السلام)).
- (روضة الواعظين/92 مجلس في ذكر الإمامة).
- (شرح الأخبار1/228ح217 ولاية عليّ(عليه السلام)، 2/193ح529 احتجاجه(عليه السلام) في الشورى، 2/346ح697 عليّ في القرآن).
- (الاحتجاج1/66 احتجاج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم الغدير).
- (تفسير العسكري/460 قصّة عبد الله بن سلام).
- (تفسير فرات1/125 حديثان، 1/126 سورة المائدة).
- (فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة/188 الفصل الثاني والعشرون قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )) ).
صارفين النظر عن البحث في أسانيدها على فرض ضعفها المدّعى أو ما قد يدّعى فيها، فإنّها تكفي في إثبات التواتر وحصول القطع بسبب نزول الآية، بخصوص تصدّق أمير المؤمنين(عليه السلام) بخاتمه وهو راكع؛ إذ لو كان كلّ هذا العدد من الطرق المختلفة غير المتّحدة بجميع الطبقات لا يكفي لإثبات التواتر، فلا ندري كيف سيثبت تواتر العديد من الأحاديث التي ادُّعي لها التواتر!!
هذا بالاقتصار على طرق الشيعة الإمامية،أمّا بإضافة طرق أهل السُنّة فإنّه سيصل إلى ما فوق التواتر، ولا خصوصية لرواة مذهب معيّن في ذلك.
هذا فضلاً عن العشرات من الشواهد الداعمة لسبب النزول عن طريق بيان المعنى، نذكر بعض مصادرها على سبيل المثال لا الحصر:
- (الكافي 1/146ح11 باب النوادر، 1/187ح7، 1/189ح16 باب فرض طاعة الأئمّة(عليهم السلام)، 1/289ح4 باب ما نصّ الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمّة(عليهم السلام) واحداً فواحداً، 1/427ح77 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية).
- (دعائم الإسلام1/14 ذكر ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، 12/20 ذكر ولاية الأئمّة).
- (أمالي الصدوق/624ح843 المجلس التاسع والسبعون).
- (كمال الدين/336ح9 الباب الثالث والثلاثون).
- (كتاب سليم/198 أمير المؤمنين يقيم الحجّة على المسلمين في عصر عثمان، و296 رسائل بين أمير المؤمنين(عليه السلام) ومعاوية اثناء حرب صفّين).
- (شرح الأخبار1/104 قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من كنت مولاه فعليّ مولاه)، 219ح199، 238ح245 ولاية عليّ(عليه السلام)).
- (الاختصاص /277).
- (أمالي الطوسي/355ح738).
- (تفسير العيّاشي1/327 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )) ).
وتركنا الأكثر.
فبعد هذا لا يردّ التواتر إلاّ معاند!!
2- وبغضّ النظر عن التواتر الثابت الحاصل ممّا ذكرنا في النقطة السابقة، فإنّ هذا المستشكل ادّعى ضعف جميع الطرق التي ذكرها، ونفترض أنّه سيدّعي ضعف الطرق التي أوردناها ولم يذكرها, فأين هو من قاعدة أنّ الضعيف ينجبر بالضعيف على ما لهذه الطرق المفروض ضعفها من كثرة، فعددها الذي يفوق عدّة عشرات ألا يكفي في جبران الضعف وليس فيها كذّاب أو وضّاع؟! بل حتى لو كان ادُّعي الكذب على بعض الرواة فإنّ الضعف المدّعى في الأغلب سوف يجبر بعضها بعضاً.
3- إنّنا سنغضّ الطرف عن المناقشة في تفاصيل ما ذكره من الجرح والتعديل في رجال أسانيد الروايات التي ذكرها؛ لأنّه لا كثير فائدة في البحث فيهم إذا كان أحدهم غير مؤثّر في الحكم على كلّ السند، مع وجود راو ٍ واحد ضعيف أو مهمل أو مجهول، فيدخل السند كلّه في قسم الضعيف، ولكن سنناقشه في الأسانيد التي يدور الكلام فيها على راوٍ أو راويين، يكون الحكم عليه أو عليهما مؤثّراً في صحّة السند أو وثاقته أو حُسنه.
وسيكون الكلام هنا تنزّلاً مع المستشكل على مبناه من جعل الخبر الواحد حجّة في العقائد، وإلاّ فقد ذكرنا سابقاً أنّ هذا غير معتمد عند الإمامية..
فقد ذكر تحت رقم (الرواية السادسة) رواية علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره، عن أبيه، عن صفوان، عن أبان بن عثمان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)، و رجال السند كلّهم ثقات؛ فأبو حمزة الثمالي: صفي عليّ(عليه السلام)، وأبان بن عثمان: من المجمع على الأخذ عنه، وصفوان بن يحيى: ثقة ثقة، وإبراهيم بن هاشم القمّي المعروف: ناشر حديث الكوفيين بقم، لا يشك أحد بوثاقته، وإن لم ينصّوا عليها، وابنه علي بن إبراهيم: ثقة، صاحب التفسير.
فلمّا لم يجد مطعناً في أحد، تشبّث بالقشّة! وبدأ بمناقشة علمائنا في الرجال في توثيقهم لإبراهيم بن هاشم القمّي، وأنّه لم يُذكر له توثيق، مع أنّ المفروض أن تكون المناقشة في المباني الرجالية لدى الشيعة الإمامية، وإبراهيم بن هاشم متفّق على توثيقه.
بل نصّ علماؤنا على أنّه أعلى شأناً من التوثيق:
قال السيّد ابن طاووس في سند فيه إبراهيم بن هاشم، رواه الصدوق: (ورواة الحديث ثقات بالاتّفاق)(1)؛ فالسيّد أوّلاً وثّق إبراهيم بن هاشم الواقع في السند, ثمّ أنّه نسب ذلك لاتّفاق العلماء؛ فلاحظ!
وذكره ابن داود الحلّي في القسم الأوّل من كتابه الخاص بالممدوحين ومن لم يضعفهم الأصحاب(2).
وقال العلاّمة في حقّه: ((ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، ولا على تعديله بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول قوله))(3).
وقال أبو علي الحائري: ((وإنّما قيّد بالتنصيص - أي العلاّمة في الخلاصة - لأنّ ظاهر الأصحاب تلقّيهم روايته بالقبول، كما ينبه عليه قولهم: أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم)).
وقال أيضاً: ((إنّ العلاّمة (ره) صحّح جملة من طرق الصدوق هو فيها، كطريقه إلى: عامر بن نعيم، وكردويه، وياسر الخادم، وكثيراً ما يعدّ أخباره في الصحاح، كما في (المختلف)، بل قال جدّي: جماعة من أصحابنا يعدّون أخباره من الصحاح.
ونقل المحقّق البحراني عن بعض معاصريه - والظاهر من طريقته أنّه خالي (ره) - توثيقه عن جماعته وقوّاه؛ لأنّ اعتماد جلّ أئمّة الحديث من القمّيين على حديثه لا يتأتّى مع عدم علمهم بثقته، مع أنّهم كانوا يقدحون بأدنى شيء، كما أنّهم غمزوا في أحمد بن محمد بن خالد مع ثقته وجلالته بأنّه يروي عن الضعفاء ويعتمد المجاهيل، مع أنّ ولده الثقة الجليل اعتمد في نقل الأخبار جلّها عنه، واعتمد ثقة الإسلام عليه مع قرب عهده به في أكثر أخباره.
قلت: وكذا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد ين يحيى وغيرهم من الأجلاء، وكذا كونه شيخ الإجازة، وكذا رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه وعدم استثنائه، وعن والد شيخنا البهائي (ره): إنّي لأستحي أن لا أعدّ حديثه صحيحاً))(4). ومثل هذا القول وأوسع منه ما قاله المامقاني في (تنقيح المقال)(5).
ومن ذاك ما نقله عن السيّد الداماد في (الرواشح): ((والصحيح الصريح عندي: أنّ الطريق من جهته صحيح؛ فأمره أجلّ وحاله أعظم من أن يتعدّل ويتوثّق بمعدّل وموثّق غيره، بل غيره يتعدّل ويتوثّق بتعديله وتوثيقه إيّاه، كيف؟! وأعاظم أشياخنا الفخام - كرئيس المحدّثين، والصدوق، والمفيد، وشيخ الطائفة، ونظائرهم ومن في طبقتهم ودرجتهم، ورتبتهم، ومرتبتهم، من الأقدمين والأحدثين - شأنّهم أجلّ وخطبهم أكبر من أن يظنّ بأحد منهم قد حاج إلى تنصيص ناص، وتوثيق موثّق، وهو شيخ الشيوخ، وقطب الأشياخ، ووتد الأوتاد، وسند الأسانيد، فهو أحقّ وأجدر بأن يستغني عن ذلك))(6).
إضافة إلى توثيق السيّد الخوئي إيّاه، الذي اعترف به هذا المستشكل، وغيره من علمائنا الكثير، فبعد ذلك لا فائدة في محاولة الاستماتة في ردّ كلمات علمائنا في توثيقة مع أنّ المفروض أن يكون الكلام حسب مباني الإمامية وأعلامهم في الرجال.
والعجب من هذا المستشكل! أنّه نسي أو تناسى أنّه على رغم ممّا ذكره العلماء في توثيقه، إلاّ أنّه لا اختلاف في مدحه وحسنه، ونصّهم على أنّ رواياته مقبولة معتبرة، فبعد اعتبار روايته وقبولها لا مجال لمحاولة ردّ رواية ابنه في تفسيره عنه, وهل التوثيق إلاّ من أجل هذا؟!
والأعجب من ذلك: أنّه حاول تضعيف الرجل لنقله روايات يعتقد هو بطلانها، حسب مذهبه، بعد أن لم يفهم مدلولها وفقهها الذي بيّنه علماؤنا في كتبهم!! وهذا من أعجب أساليب الجرح والتعديل، أن يعرض روايات الرجل على ما يعتقده من مذهب، فإذا لم توافقه جرح الرجل ورماه بالضعف ورواية المناكير؛ فتأمل!
وأمّا الكلام عن (تفسير القمّي) فسوف يأتي التفصيل فيه ضمن عنوان: (علم الكلام/بحث حول وثاقة رجال تفسير القمّي).
وذكر في (الرواية الحادية عشرة) رواية فرات الكوفي: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا محمد بن الحسين (الحسن) بن أبي الخطّاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن سليمان بن طريف، عن محمد بن مسلم: أنّ سلاماً الجعفي قال لأبي جعفر(عليه السلام)... الرواية.
وحاول تضعيفها كما فعل في كلّ الروايات التي أوردها؛ إذ طعن على فرات الكوفي وتفسيره بما لم نجده في غير مقاله هذا، فقد قال: ((قد أوقفناك على قيمته وحال مؤلّفه))، وحكم على سليمان بن طريف وسلام الجعفي بالجهالة، وإسماعيل بن إبراهيم بعدم وجود ترجمة له.
وستعرف قيمة ما ذكر:
فأمّا (تفسير فرات) فهو من التفاسير الروائية القديمة، أسندت معظم رواياته إلى إلإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)، أورد عنه الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل)، والمجلسي في (البحار)، والحر العاملي في (إثبات الهداة)، وذكر طرقه إليه في (خاتمة الوسائل30/159، الفائدة الرابعة).
وتوجد منه عدّة نسخ، تاريخ إحداها بين أوائل القرن التاسع إلى أوائل القرن الحادي عشر، وهي ملخّصة غير كاملة، ونسخة أُخرى استنسخت على نسخة تاريخها 1083هـ.
والمطبوع الموجود الآن، هو على نسخة في مكتبة أمير المؤمنين(عليه السلام) في النجف الأشرف، كتبت في بداية القرن الرابع عشر، راويها: أبو الخير مقداد بن علي الحجازي المدني، عن أبي قاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العلوي الحسني أو الحسيني عن فرات(7).
وأمّا راوي التفسير فرات الكوفي؛ فقد ورد في أسانيد الصدوق، وتفسير القمّي، وفضل زيارة الحسين(عليه السلام) لابن الشجري، ونقل عنه الحاكم الحسكاني، كما ذكرنا.
ويظهر من مضمون روايته أنّه إمامي المذهب، خلافاً لما ذكره محقّق الكتاب، اعتماداً على استحسانات واهية، من أنّه زيدي المذهب.
قال عنه المجلسي: ((وتفسير فرات؛ وإن لم يتعرّض الأصحاب لمؤلّفه بمدح ولا قدح، ولكن كون أخباره موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة، وحسن الضبط في نقلها، ممّا يعطي الوثوق بمؤلّفه وحسن الظنّ به))(8).
ونقل الخوانساري عن بعض المحقّقين في حواشيه على (منهج المقال)، قوله: له كتاب تفسير القرآن، وهو يروي عن الحسين بن سعيد من مشايخ الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه، وقد روى عنه الصدوق بواسطة، ونقل في تفسيره أحاديث كثيرة في كتبه. وهذا التفسير يتضمّن ما يدلّ على حسن اعتقاده، وجودة انتقائه، ووفور علمه، وحسن حاله، ومضمونه موافق للكتب المعتمدة(9).
وقال المامقاني: إنّ أقلّ ما يفيده كونه من مشايخ علي بن بابويه، وإكثار الصدوق (ره) الرواية عنه، وكذا رواية الشيخ الحر (ره) والفاضل المجلسي (ره) عنه، هو كون الرجل في أعلى درجات الحسن، بعد استفادة كونه إمامياً من الأخبار التي رواها، والعلم عند الله تعالى(10).
وممّا نقلنا يظهر لك اعتماد علمائنا على الكتاب أوّلاً، والتصريح بحسن حال مؤلفه فرات الكوفي ثانياً.
وأمّا إسماعيل بن إبراهيم، فهو: إسماعيل (بن إسحاق) بن إبراهيم، فيكفي في حسنه أنّه أحد مشايخ فرات الكوفي؛ لما تقرّر عندهم من تحسين مشايخ المشهورين بالرواية وأصحاب الإجازة.
ومحمد بن الحسن بن أبي الخطّاب ثقة، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ثقة، وثعلبة بن ميمون ثقة, وسليمان بن طريف عدّه الشيخ في أصحاب الصادق(عليه السلام)، وهو كافٍ في حسنه، خاصّة مع رواية الثقات عنه، كثعلبة في هذا السند، ومحمد بن مسلم ثقة، وسلام الجعفي، وهو: سلام بن المستنير الجعفي الكوفي الذي يروي عنه ابن محبوب بالواسطة، وروايته عنه ولو بالواسطة تكشف عن وثاقته، أو لا أقل عن حسنه(11)، فالرواية حسنة على أقل تقدير.
وذكر تحت (الرواية السابعة عشرة) رواية الطوسي في (أماليه) عن المفيد، وهي رواية أبي رافع المشهورة، المروية عند الخاصة والعامّة، ولها طرق عديدة؛ فقد ذكر نفسه في (الرواية التاسعة عشرة) طريقاً آخر إليها برواية النجاشي في رجاله.
فرواية الطوسي بسنده: عن عون بن عبيد الله، عن عبيد الله، عن أبي رافع، ورواية النجاشي: عن عبد الله بن عبيد الله أخو عون، عن أبيه عبيد الله، عن جدّه أبو رافع، والمستشكل لم يتكلّم عن السند إلى هنا في الروايتين وإنّما تكلّم على ما بعدهم من الرجال، ولكنّه نسي طريقاً ثالثاً ذكره ابن طاووس نقلاً عن تفسير ابن الجُحام الثقة(12)، وهذا السند يرجع إلى عون بن عبيد الله، كما في سند الطوسي، والراوي عن عون عند ابن الجُحام هو محمد بن عبيد الله عن أخيه عون، ومن محمد هذا يفترق طريق ابن أبي شيبة الذي رواه الطبراني في الكبير(13) عن طريق ابن جحام، بل مجموع الطرق عن محمد بن عبيد الله هذا أربعة: ثلاثة منها في كتب أهل السُنّة، والأوّل عند الشيعة، وهو طريق ابن الجحام، وإن يحتمل الإتّحاد في بعضها؛ لما وقع من تصحيف في الأسانيد.
وعلى كلّ، فإنّ عبد الرحمن بن الأسود الكندي اليشكري الراوي عن عون في سند الطوسي، تابعه محمد بن عبيد الله عن عون، وافترق الطريق من محمد هذا إلى أربعة طرق: مخول، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن محمد بن عبيد الله، وحصين، عن هارون بن سعيد، عن محمد بن عبيد الله، ويحيى بن الحسن بن الفرات، عن علي بن الهاشم بن البريد، عن محمد بن عبيد الله، وإسماعيل بن إسحاق الراشدي، عن يحيى بن هاشم المغاني، عن محمد بن عبيد الله, وإذا قلنا بإتّحاد الطريق الرابع والثالث لوجود التصحيف، فالطرق عن محمد بن عبيد الله ثلاثة.
وبالنتيجة فإنّ أغلب من تكلّم عليهم في هذه الطرق لهم متابعون، فضلاً عن كفاية تعدّد الطرق في استفاضة الحديث وحسنه.
إلى هنا ظهر أنّ عندنا ثلاث روايات، إحداها صحيحة، وهي: رواية علي بن إبراهيم في تفسيره، واثنتان حسنتان، وهما: رواية فرات الكوفي، والرواية المعروفة المشهورة عن أبي رافع, وهذا يكفي للتمسّك بالحديث تنزّلاً منّا على مبنى القوم، وإلاّ فإنّنا قد أشرنا إلى عدم الحاجة إلى مثل هذا التصحيح في النقطتين السابقتين، وللمستدل أن يعكس الاستدلال ويبدأ من النقطة الثالثة ثمّ ينتهي بالأولى، - أي: يترقّى من تصحيح أحد الطرق إلى إثبات التواتر-.
وممّا قدمنا؛ يظهر ما في قول المستشكل ((وبعد فهذه حال كلّ الروايات المسندة التي وقفنا عليها من كتب القوم، إلى قوله: وقد رأيت أنّه لم يصحّ منها شيء أصلاً من طرق الشيعة فضلاً عن طرق أهل السُنّة)).
فأوّلاً: أنّه لم يذكر كلّ الطرق، وقد أشرنا إلى مصادر العديد منها.
وثانياً: قد رأيت أنّه قد صحّ طريق واحد منها وحسن طريقان على الأقل، مع أنّا قد غضضنا الطرف عن مناقشته عمّا جاء من أخطاء واشتباهات في الجرح والتعديل لبقية الأسانيد؛ روماً للاختصار.
وثالثاً: إنّ الكلام في طرق الشيعة لا في طرق السُنّة، وإلاّ لذكرنا له ما يمكن تصحيحه على مبانيهم، مثل رواية ابن أبي حاتم في تفسيره(14)، والطبري في تفسيره(15)، وغيرها.
وأمّا قوله: ((رغم كلّ التهويلات التي استخدمها القوم، عند الكلام في هذا الاستدلال، من تواتر وصحّة القصّة في طرق أهل السُنّة... الخ)).
فلا ندري؛ هل الكلام في روايات أهل السُنّة وعدم صحّتها وعدم تواترها؟ فهذا ممّا لم يتحدّث عنه، وإلاّ لكان من السهل علينا إثبات تواترها عندهم، فضلاً عن صحّة بعض طرقها!
وإن كان الكلام في روايات الشيعة، فما في هذه العبارة لا علاقة له بها، أو هو من الخلط وسبق القلم.
وعلى كلّ، فقد أثبتنا تواتر الحديث عند الشيعة فقط، فضلاً عن بقية الطرق عند المذاهب الأُخرى، ولو جمعنا كلّ الطرق عند كلّ المذاهب لأصبح الحديث فوق التواتر بمراتب، وكلامنا هنا عن الطرق المستقلّة، لا عن عموم التخريج في الكتب، كما يحاول أن يوهمه هذا المستشكل.
ومن السماجة الادّعاء بأنّ كثير من علماء أهل السُنّة قد ذكروا حادثة التصدّق لبيان ضعفها، أو إيراد كلّ ما له شأن بنزول الآية! ولو كان الكلام في طرقهم لبيّنا له العدد الوفير من علمائه الذين أخرجوها مسندة، بل اعتمدوا على أسانيدها ولم يعلّقوا بشيء عليها، مع أنّ إيراد كلّ ما له شأن بالنزول مع ذكر الأسانيد كافٍ في الباب، ولعلّ ما في جملته الأخير من قوله: ((أو إيرادها بأسانيدها مبرئين الذمّة بذلك)) ما يبيّن لك حال علمائه.
وأمّا قوله: ((لكن لم يصحّ منها شيء)) فهو على عهدته، وقد بيّنا ما فيه.
وأمّا أنّ الأميني لم يناقش في الأسانيد، فلأنّ الأمر مفروغ منه عند العلماء لا يحتمل المناقشة، وإن كان بعض من ينتسب لهم يحاول تكذيب الحادثة، كأمثال ابن تيمية.
وأمّا طلبه السند الصحيح من كتبنا، فقد دللناه عليه, فهل يا ترى سيكتفي أم يبقى يلج في عناده؟!
وأمّا السند الصحيح من كتبهم، فله مكانه الخاص به.
ثالثاً: الكلام على ما استشكله في متون الروايات:
أ‌ - إنّ ما ذكره من اختلاف واضطراب المتون ليس بشيء؛ إذ من الواضح أنّ التواتر الثابت لمجموعة من التفاصيل يغني عن الالتفات إلى الاختلاف في التفاصيل الأُخرى، فقد حصل التواتر بوقوع التصدّق من شخص الإمام عليّ(عليه السلام) في حالة الركوع، لسائل سئل في المسجد، ولم يعطه أحد شيئاً، فنزلت الآية تخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك، وتثبت صفة الولاية لله ولرسوله وللمتصدّق، وهذا يكفي في ردّ كلّ التخرصات، مع أنّ في التفاصيل كلاماً كثيراً مع هذا المستشكل، تركناه كرهاً للتطويل ولعدم الحاجة إليه.
ب - ما ذكره من الإشكالات على استدلال الشيعة بالآية، فهي إشكالات مكرّرة من أسلافه قد أجاب عليها علماؤنا بالتفصيل، وأجبنا عليها كلّها في هذا الباب (آية الولاية)، خاصّة الجواب الخاص بالردّ على الآلوسي؛ فليراجع!








(1) فلاح السائل: 158 الفصل التاسع عشر.
(2) رجال ابن داود: 34 (43) باب الهمزة.
(3) الخلاصة: 49 (9) باب الهمزة باب إبراهيم.
(4) منتهى المقال 1: 214 (92) باب الألف/إبراهيم.
(5) تنقيح المقال 5: 72 (621) باب إبراهيم.
(6) الرواشح السماوية: 83 الراشحة الرابعة.
(7) انظر: مقدمة تفسير فرات.
(8) بحار الأنوار 1: 37 الفصل الثاني توثيق المصادر.
(9) روضات الجنات 5: 354 (542).
(10) تنقيح المقال 2: 3 من أبواب الفاء الطبعة الحجرية.
(11) تنقيح المقال 2: 43 من أبواب السين الطبعة الحجرية.
(12) سعد السعود: 95 فصل في ما يذكره من الجزء الثالث من كتاب ابن الجحام.
(13) المعجم الكبير 1: 320 (955) عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه.
(14) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1161(6549)(6551) قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )).
(15) تفسير الطبري 6: 390 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )).
































































السؤال: رواية صحيحة عبد أهل السنة تحكي واقعة التصدق
ما هي قصّة تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بالخاتم، هل هي صحيحة؟
الجواب:




إنّ تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بالخاتم، موضع اتّفاق الشيعة وأهل السُنّة، وسنروي لك رواية صحيحة من طرق أهل السُنّة تحكي واقعة التصدّق:
روى الحاكم الحسكاني بسند صحيح عن ابن عبّاس: ((أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلّى يوماً بأصحابه صلاة الظهر، وانصرف هو وأصحابه، فلم يبق في المسجد غير عليّ قائماً، يصلّي بين الظهر والعصر، إذ دخل المسجد فقير من فقراء المسلمين، فلم ير في المسجد أحداً خلا عليّاً، فأقبل نحوه، فقال: يا وليّ الله! بالذي تصلّي له، أن تتصدّق عليَّ بما أمكنك. وله خاتم عقيق يماني أحمر، كان يلبسه في الصلاة في يمينه، فمدّ يده فوضعها على ظهره، وأشار إلى السائل بنزعه، فنزعه ودعا له، ومضى، وهبط جبرائيل، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ: لقد باهى الله بك ملائكته اليوم، اقرأ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... ))(1).
وروى عن ابن مؤمن الشيرازي في الآية التي بعدها، وهي: قوله تعالى: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )) (المائدة:56), وقال: لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)(2).
وسند رواية التصدّق عند الحسكاني هو: وحدّثنا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي بالبصرة, قال: حدّثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدّثنا سفيان الثوري، عن منصور,عن مجاهد، عن ابن عبّاس..
قال سفيان: وحدّثني الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، في قول الله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ))... الرواية(3).
والحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، وثّقه السمعاني؛ قال: نزيل البصرة، عنده أكثر مصنفات أبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، ثقة نبيل(4). قرّب الذهبي وفاته في 320هـ(5).
ويعقوب بن سفيان، هو أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي، المحدّث الحافظ صاحب كتاب (المعرفة والتاريخ)، ترجمه الخطيب في (الرحلة في طلب الحديث)(6)، وترجمه ابن حجر في (تهذيب التهذيب)، وقال: وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: كان ممّن جمع وصنّف، مع الورع والنسك، والصلابة في السُنّة. وقال النسائي: لا بأس به، وقال الحاكم: كان إمام أهل الحديث بفارس - ثمّ قال - : وقال أبو زرعة الدمشقي: قدم علينا رجلان من نبلاء الناس، أحدهما وأرحلهما: يعقوب بن سفيان، يعجز أهل العراق أن يروا مثله رجلاً(7).
والظاهر أنّ هذا الحديث من تفسيره.
والفضل بن دكين معروف مشهور، وثقه الكلّ(8).
وسفيان الثوري، أعلى من التزكية عندهم(9)، وسفيان روى هذا الحديث من طريقين يجتمعان فيه:
الأول: عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عبّاس. والثاني: عن الأعمش عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس. وهؤلاء كلّهم ثقات عند القوم.
وأمّا الراوي عن الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، فهو: أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي، صاحب التفسير الذي أخذه من اثني عشر تفسيراً.
فإنّ الحاكم الحسكاني يروي بواسطة، أبي العبّاس العلوي، عن أبي قيدة، عن محمد بن عبيد الله، عن الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي.
وقد أورد سنده في الرواية السابقة على هذه الرواية؛ قال: أخبرنا عقيل بن الحسين، قال: أخبرنا علي بن الحسين، قال: حدّثنا محمد بن عبيد الله، قال: حدّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقّاق... إلى آخر السند، ثمّ قال: وحدّثني الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، عن ابن عبّاس(10).
ثمّ أورد الرواية محلّ الشاهد، قال: وحدّثنا الحسن بن محمّد بن عثمان الفسوي... إلى آخر ما أوردناه من سند ومتن الرواية.
وهكذا في كلّ ما يروي عن الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي(11).
ومحمد بن عبيد الله الوارد في السند، وفي سند آخر أبو بكر محمد بن عبيد الله(12)، هو: أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي، إذ أشار إليه بـ(ابن مؤمن) في عدّة أسانيد أُخر، فباتّحاد الراوي والمروي عنه ومكان وتاريخ الرواية، يتّضح اتّحادهما.
فقد روى الحسكاني بنفس السند عن أبي بكر بن مؤمن، عن عبدويه بن محمد بشيراز(13)، وروى عنه بنفس السند باسم: محمد بن عبيد الله، عن عبدويه بن محمد بشيراز(14).
كما روى بنفس السند، عن ابن مؤمن، عن المنتصر بن نصر بن تميم الواسطي(15)، وروى بنفس السند باسم محمد بن عبيد الله، عن المنتصر بن نصر بن تميم الواسطي(16).
كما روى عن أبي بكر بن مؤمن، عن عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقّاق ببغداد(17)، وروى عنه باسم محمد بن عبيد الله عن عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقّاق ببغداد(18).
كما روى عن أبي بكر بن مؤمن، عن أبي عمر عبد الملك بن علي بكازرون(19)، وروى عنه باسم محمد بن عبيد الله، عن أبي عمر عبد الملك بن علي بكازرون(20).
بل إنّه ذكره بالاسمين في رواية واحدة؛ قال: أخبرنا أبو العبّاس المحمدي، قال: أخبرنا علي بن الحسين، قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله، قال: حدّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبيد الله الدقّاق المعروف بـ(ابن السماك) ببغداد... إلى آخر ما ذكره من الرواية، ثمّ قال: قال ابن مؤمن: لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)(21).
وقد روى آخرون عن تفسير ابن مؤمن الشيرازي ما رواه الحسكاني عن محمد بن عبيد الله بنفس السند؛ فقد روى الحسكاني عن محمد بن عبيد الله بسنده، عن علقمة، عن ابن مسعود، في أنّ الخلافة وقعت لثلاثة(22)، ورواه ابن طاووس في (الطرائف) عن محمد بن مؤمن الشيرازي من كتابه، عن علقمة، عن ابن مسعود أيضاً(23).
وروى الحسكاني أيضاً عن محمد بن عبيد الله بسنده، عن سفيان، عن السدّي، عن الحارث، عن عليّ(عليه السلام) في تفسير آية (( فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ ))(24)، ورواه بنفس السند ابن طاووس، عن محمد بن مؤمن الشيرازي من كتابه الطرائف(25)، وروى أيضاً عن محمد بن عبيد الله بسنده، عن ابن عبّاس في قوله: (( وَاجعَل لِي مِن لَدُنكَ سُلطَانًا نَصِيرًا )) (الإسراء:80)(26)، ورواه عن أبي بكر الشيرازي ابن شهر آشوب في (المناقب)(27).
وروى أيضاً عن القطّان، عن وكيع، عن سفيان، عن السدّي، عن عبد خير، عن عليّ(عليه السلام)، في قوله تعالى: (( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ )) (النبأ:1)(28).
ورواه ابن طاووس في الطرائف عن محمد بن مؤمن الشيرازي بإسناده عن السدّي(29).
وروى عن محمد بن حرزاد بالأهواز بسنده عن أبي هريرة في قوله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُم وَحُسنُ مَآبٍ )) (الرعد:29)(30)، ورواه عن ابن مؤمن محمد بن الحسن القمّي في العقد النضيد بنفس السند(31).
وروى عن أبي الطيب السامري بسنده إلى ابن عبّاس في قوله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ )) (الأنعام:82)(32)، ورواها الكاشي عن محمد بن مؤمن الشيرازي بنفس السند والمتن(33).
وروى عن أبي بكر محمد بن عبد الرزّاق بالبصرة بسنده، عن أبي هريرة في قوله: (( جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ )) (الإسراء:81)(34)، ورواها عن أبي بكر الشيرازي في إحقاق الحق(35).
ومن هنا ظهر الاتّحاد بين ما يذكره الحسكاني باسم محمد بن عبيد الله في بعض الأسانيد، وبين ما يذكره باسم أبو بكر محمد بن مؤمن في أسانيد اُخر.
وقد ترجم الشيخ منتجب الدين (القرن السادس) في فهرسته لابن مؤمن الشيرازي، بقوله: الشيخ محمد [بن] مؤمن الشيرازي: ثقة، عين، مصنف كتاب (نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين) صلوات الله وسلامه عليه وعلى أولاده الطيبين الطاهرين، أخبرنا أبو البركات المشهدي رحمه الله به(36).
وترجمه ابن شهر آشوب (ت588) في معالم العلماء بقوله: أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي كرامي، له نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين(عليه السلام)(37).
وقال ابن طاووس (ت664هـ) في الطرائف حينما نقل عدّة روايات من كتابه: ومن ذلك ما رواه محمد بن مؤمن الشيرازي ممّا أورده في كتابه واستخرجه من تفاسير الاثني عشر وهو من علماء الأربعة المذاهب وثقاتهم(38).
وقال أيضاً: ومن ذلك ما رواه الحافظ محمد بن مؤمن في كتابه المذكور(39). وأيضاً: ومن ذلك ما رواه الحافظ عندهم محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه، فسمّاه حافظاً في عدّة موارد(40).
وذكر أسماء التفاسير التي استخرج كتابه منها؛ قال: في ذلك ما رواه الشيخ الحافظ محمدبن مؤمن الشيرازي فيما أورده في كتابه الذي استخرجه من التفاسير الاثني عشر: تفسير أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن سفيان، وتفسير ابن جريج، وتفسير مقاتل بن سليمان، وتفسير وكيع ابن جراح، وتفسير يوسف بن موسى القطّان، وتفسير قتادة، وتفسير أبي عبيدة قاسم بن سلام، وتفسير علي بن حرب الطائي، وتفسير السدّي، وتفسير مجاهد، وتفسير مقاتل بن حيان، وتفسير أبي صالح(41). وأيضاً سماه حافظاً في كتابه اليقين(42).
وأورد الحسكاني تعداد هذه التفاسير في (شواهد التنزيل) بنفس الترتيب(43)، وقد أشرنا إلى أنّ الرواية مورد البحث مستخرجة من تفسير يعقوب بن سفيان.
ونقل السيّد المرعشي عن (مناقب الكاشي): أنّ أبا بكر محمد بن المؤمن توفّي في 388هـ(44)، وقال عنه الكاشي: العلاّمة الإمام الفاضل(45).
وأمّا الواسطة بين الحسكاني وابن مؤمن فهما: أبو العبّاس عقيل بن الحسين بن محمد بن علي العلوي، عن أبي الحسن عليّ بن الحسين بن قيدة الفسوي
وأبو الحسن علي بن الحسين، هو علي بن الحسين بن محمد بن مندة، شيخ الخزّاز القمّي، صاحب (كفاية الأثر)، وقد وقع التصحيف في اسمه من مندة إلى (قيدة) عند الحسكاني في الموضعين.
قال الوحيد البهبهاني في التعليقة: علي بن الحسين بن محمد بن مندة، أبو الحسن، قد أكثر من الرواية عنه الثقة الجليل علي بن محمد علي بن الخزّاز وترحّم عليه، والظاهر أنّه من مشايخه، فهو في طبقة الصدوق وكثيراً ما يروي عن الثقة الجليل هارون بن موسى التلعكبري(46).
وهو من شيوخ الكراجكي أيضاً؛ روى عنه في كتاب (تفضيل أمير المؤمنين) حديث الطير عن أبي هدبة مولى أنس(47).
فهو من شيوخ الإجازة، يروي عنه الثقات، ويروي عن الثقات، وقد روى عنه في سند الحسكاني: أبو العبّاس عقيل بن الحسين العلوي؛ ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام؛ قال: عقيل بن الحسين بن محمد بن علي السيّد الفرغاني، أبو العبّاس: محتشم ذو مال، النسوي المولد، فرغاني المنشأ تاريخ الإسلام، وفيات سنة 427 هـ.
وفي منتخب السياق ذيل تاريخ نيسابور: عقيل بن الحسين بن محمد بن علي بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب السيّد أبو العبّاس الفرغاني، ثمّ الفارسي كبير جزيل النعمة، منسوي المولد، فرغاني المنشأ، علوي المحتد، سمع الكثير...الخ(48).
والحديث له شواهد كثيرة جدّاً عن عدد من الصحابة تخرجه إلى حدّ التواتر.
(1) شواهد التنزيل 1: 212 حديث (221).
(2) شواهد التنزيل 1: 246 حديث (241).
(3) شواهد التنزيل 1: 212 حديث (221).
(4) الأنساب 4: 385.
(5) تاريخ الاسلام سنة 340هـ.
(6) الرحلة في طلب الحديث: 206 حديث (106).
(7) تهذيب التهذيب 11: 338 [648].
(8) تهذيب التهذيب 8: 244 [ 505].
(9) تهذيب التهذيب 4: 99 [199].
(10) شواهد التنزيل 1: 211 حديث (220).
(11) انظر: شواهد التنزيل 1: 345 حديث (357)، 1: 455 حديث (481)، 2: 332 حديث (973)، 2: 377 حديث (1027).
(12) شواهد التنزيل 1: 75 حديث (87).
(13) شواهد التنزيل 1: 70 حديث (80).
(14) شواهد التنزيل 1: 432 حديث (459)، 1: 483 حديث (513)، 2: 177حديث (809)، 2: 259 حديث (893).
(15) شواهد التنزيل 1: 147 حديث (161).
(16) شواهد التنزيل 1: 97 حديث (114)، 1: 571 حديث (609)، 2: 266 حديث (882).
(17) شواهد التنزيل 2: 6 حديث (628).
(18) شواهد التنزيل 1: 86 حديث (106)، 1: 211 حديث (220)، 246 حديث (241)، وغيرها.
(19) شواهد التنزيل 2: 268 حديث (901).
(20) شواهد التنزيل 1: 196 حديث (206)، 2: 154 حديث (781).
(21) شواهد التنزيل 1: 246 حديث (241).
(22) شواهد التنزيل 1: 97 حديث (114).
(23) الطرائف: 95 حديث (134).
(24) شواهد التنزيل 1: 432 حديث (459).
(25) الطرائف: 94 حديث (131).
(26) شواهد التنزيل 1: 452 حديث (479).
(27) مناقب ابن شهر اشوب1: 341, فصل (في المسابقة بالجهاد).
(28) شواهد التنزيل 2: 418 حديث (1075).
(29) الطرائف: 95 حديث (133).
(30) شواهد التنزيل 1: 398 حديث (421).
(31) العقد النضيد: 74، الحديث السادس والخمسون.
(32) شواهد التنزيل 1: 262 حديث (255).
(33) إحقاق الحقّ 3: 543.
(34) شواهد التنزيل 1: 453 حديث (480).
(35) إحقاق الحقّ 3: 550.
(36) فهرست منتجب الدين: 29 حديث (393).
(37) معالم العلماء: 153 [784].
(38) الطرائف: 93 حديث (131)، ما نزل من الآيات في شأن عليّ(عليه السلام).
(39) الطرائف: 94 حديث (132).
(40) الطرائف: 96 حديث (135)، 138.
(41) الطرائف: 429.
(42) اليقين: 113, 413.
(43) شواهد التنزيل 2: 484 حديث (1159).
(44) شرح إحقاق الحقّ 4: 73.
(45) شرح إحقاق الحقّ 4: 331.
(46) تعليقة على منهج المقال: 251.
(47) بحار الأنوار 57: 300، التفضيل: 15، فصل في خبر الطائر، باب الاستدلال من الأخبار.
(48) شواهد التنزيل 1: 75، الهامش.
























تعليق على الجواب (1)
السائل يقول لعليّ(رضي الله عنه): يا وليّ الله! كما جاء في نصّ الحديث، قبل أن تنزل آية الولاية، فكيف هذا؟
الجواب:




نحن لا نقول أنّ ولايته (عليه السلام) لم تكن ثابتة قبل نزول آية الولاية, وإنّما نقول أنّ آية الولاية أحد الأدلّة على ولايته.
نعم, إنّ مَن لم يكن يعرف ولايته سابقاً فإنّه علم بها بعد نزول الآية, كما ورد في أسباب النزول بخصوص بعض اليهود، منهم عبد الله بن سلام؛ فإنّهم سألوا النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه فنزلت الآية(1), ولكنّ هذا لا يعني أنّ كلّ المسلمين لم يكونوا يعلمون بولايته قبل نزول الآية..
كيف؟! وحديث الدار كان في بدايات الدعوة الإسلامية, ولم يحضره إلاّ بني هاشم, وقد أخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بولايته هناك(2).
بل إنّ ولايته كانت معروفة عند كثير من المسلمين من المهاجرين والأنصار، لتكرّر إخبار من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بها في عدّة مواضع, ولكنّ ماذا نفعل لمَن يريد أن يغطي ضوء الشمس بغربال؟ فهو من أجل غايته وغرضه ينكر ضوء النهار, ويقول: إنّه ليل, فأفهم.








(1) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان 1: 307 قوله سبحانه: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... ))، أسباب نزول الآيات للواحدي: 133 سورة المائدة.
(2) انظر: تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 49، تفسير البغوي 3: 400 قوله تعالى: (( وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ )) (الشعراء: 214).
















































السؤال: أسانيد حديث التصدق وتضعيف الألباني لها
قال ناصر الدين الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة)، حديث رقم4921: (نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودخل المسجد؛ والناس يصلّون بين راكع وقائم يصلّي؛ فإذا سائل، قال: يا سائل!! أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا؛ إلاّ هذا الراكع - لعليّ - أعطاني خاتماً).
قال الألباني: منكر، أخرجه الحاكم في (علوم الحديث ص102)، وابن عساكر (12/153/2) من طريق محمد بن يحيى بن الضريس: ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ، قال... فذكره. وقال الحاكم: ((تفرد به ابن الضريس عن عيسى العلوي الكوفي)).
قلت: وهو متّهم؛ قال في (الميزان): ((قال الدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن حبّان: يروي عن آبائه أشياء موضوعة)). ثمّ ساق له أحاديث.
(تنبيه): عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر... إلخ؛ هكذا وقع في هذا الإسناد عند المذكورين. والذي في (الميزان) و(اللسان): عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر!! فسمّى جدّه: محمداً، بدل: عبيد الله؛ ولعلّه الصواب؛ فإنّه كذلك في (الكامل1/295) في الترجمة، وفي بعض الأحاديث التي ساقها تحتها، وأحدها من طريق محمد بن يحيى بن ضريس: حدّثنا عيسى بن عبد الله بن محمد... ثمّ قال: ((وبهذا الإسناد تسعة أحاديث مناكير، وله غير ما ذكرت، وعامّة ما يرويه لا يتابع عليه))(سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: المجلد العاشر، القسم الثاني/580).
الجواب:




إنّ الشيخ الألباني قد اقتصر في تخريجه هذا على بعض الطرق، وغفل، أو تغافل، عن تخريج الطرق الأُخرى في سبب النزول هذا، الذي ورد عن عدّة صحابة، نذكر منهم: ابن عبّاس، وعمّار، وأبو ذرّ، والمقداد بن الأسود، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو رافع، وأنس بن مالك، والتابعي الكبير سلمة بن كهيل، ومحمد بن الحنفية، بالإضافة إلى طريق الإمام عليّ(عليه السلام)(1)، فلا ندري لماذا تخرج فضائل أهل البيت(عليهم السلام) وما يدلّ على إمامتهم بهذا الشكل القاصر المعيب الناقص؟!!
وإليك أيّها الأخ تخريج الحديث الذي ذكره الزيلعي لهذه الرواية في كتابه (تخريج الأحاديث والآثار):
((قوله - أي: الزمخشري في الكشّاف، الآية 55 من المائدة -: روي عن عليّ(رضي الله عنه) أنّ سائلاً سأله وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه، كأنّه كان مزجاً في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كبير عمل يفسد بمثله صلاته، فنزلت.
قلت: رواه الحاكم أبو عبد الله في كتابه (علوم الحديث): ((من حديث عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب، قال: نزلت هذه الآية (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) فدخل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المسجد والناس يصلّون بين قائم وراكع وساجد، وإذا سائل، فقال له رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا سائل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: لا، إلاّ هذا الراكع يعني عليّاً أعطاني خاتماً)). انتهى.
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره: ((ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول، ثنا موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )). انتهى.
نقول: وهذا مرسل صحيح على شرط البخاري ومسلم. والمرسل الصحيح إذا عضده مسند ضعيف فإنّه يرتقي إلى درجة الاحتجاج، فكيف مع هذه الأسانيد المتعدّدة؟!
قال الإمام الشافعي: فقلت له: المنقطع مختلف، فمن شاهد أصحاب رسول الله من التابعين فحدّث حديثاً منقطعاً عن النبيّ اعتبر عليه بأُمور، منها: أن يُنظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه فيه الحفّاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله بمثل معنى ما روى، كانت هذه دلالة على صحّة من قَبِل عنه وحفظه، وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده من قبل ما يفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مرسل غيره يسنده قبل ما يفرد به من ذلك؟ ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مرسل غيره ممّن قُبل العلم عنه من غير رجاله الذين قُبل عنهم؟
فإن وجد ذلك، كانت دلالة يقوّي به مرسله، وهي أضعف من الأولى، وإن لم يوجد ذلك، نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله قولاً له، فإن وجد يوافق ما روي عن رسول الله، كانت هذه دلالة على أنّه لم يأخذ مرسله إلاّ عن أصل يصحّ إن شاء الله(2).
نقول: وقد تحقّق في هذا المرسل الصحيح عن سلمة بن كهيل الشرطان اللذان ذكرهما الشافعي، فقد روي بسند متّصل عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في رواية الحاكم، بل رواه بسند متصل صحيح، أو قريب من الصحّة: الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل) عن شيوخ سلمة بن كهيل الثقات نفسهم(3)، فعلم من أين وصله.
وقد رواه ابن أبي حاتم بسند مرسل آخر عمّن أخذ العلم عن غير رجال سلمة بن كهيل، وهو عتبة بن أبي حكيم، وسنده هذا: الربيع بن سليمان المرادي، ثنا أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم(4).
وقال الرازي في (المحصول): ((قال الشافعي(رضي الله عنه): لا أقبل المرسل إلاّ إذا كان الذي أرسله مرة، أسنده أُخرى قبل مرسله، أو أرسله هو وأسنده غيره، وهذا إذا لم تقم الحجّة بإسناده، أو أرسله راو آخر، ويعلم انّ رجال أحدهما غير رجال الآخر)).
ثمّ قال في الردّ على الحنفية: ((والجواب: أنّ غرض الشافعي(رضي الله عنه) من هذه الأشياء حرف واحد، وهو أنّا إذا جهلنا عدالة راوي الأصل، لم يحصل ظنّ كون ذلك الخبر صدقاً، فإذا انضمت هذه المقويات إليه قوى بعض القوّة، فحينئذ يجب العمل به، إمّا دفعاً للضرر المظنون، وإمّا لقوله عليه الصلاة والسلام: (اقضي بالظاهر) ))(5)، ونقل ذلك ابن كثير في (اختصار علوم الحديث)(6)، والنواوي والسيوطي في (شرح تقريب النواوي)(7).
وأمّا على مختار الآمدي من قبول مراسيل العدل مطلقاً، فالأمر واضح(8).
الزيعلي: وأخرجه ابن مردويه في تفسيره: عن سفيان الثوري، عن أبي سنان، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ بن أبي طالب قائماً يصلّي، فمرّ سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )).. الآية، وفيه انقطاع؛ فإنّ الضحّاك لم يلق ابن عبّاس
نقول: وقع الخلاف في لقاء الضحّاك لابن عبّاس، وإن ثبت عدم لقيا، فهو مختص في الأحكام، وامّا التفسير، فالواسطة بينه وبين ابن عبّاس معلومة وهو سعيد بن جبير.
قال المزّي في تهذيب الكمال: ((قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ثقة، مأمون، وقال أبو بكر بن أبي خثيمة، عن يحيى بن معين وأبو زرعة: ثقة، وقال زيد بن الحباب، عن سفيان الثوري: خذوا التفسير من أربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحّاك، وقال أبو قتيبة مسلم بن قتيبة، عن شعبة، قلت لمشاش: الضحّاك سمع من ابن عبّاس؟ قال: ما رآه قط، وقال أبو داود الطيالسي، عن شعبة: حدّثني عبد الملك بن ميسرة، قال: الضحّاك لم يلق ابن عبّاس، إنّما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير))(9).
ولو سلّمنا الانقطاع، فهو يحقّق شرط الشافعي الثاني، كما بيّنا آنفاً.
الزيعلي: ورواه أيضاً: حدّثنا سليمان بن أحمد هو الطبراني، ثنا محمد بن علي الصائغ، ثنا خالد بن يزيد العمري، ثنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن علي بن حسين بن علي، عن الحسين بن زيد، عن أبيه زيد بن علي بن الحسين، عن جدّه، قال: سمعت عمّار بن ياسر يقول: وقف بعليّ سائل وهو واقف في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأعلمه ذلك، فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) الآية، فقرأها رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أصحابه, ثمّ قال: (من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاده).
ورواه الطبراني في معجمه الوسيط، إلاّ أنّه قال: إسحاق بن عبد الله بن محمد بن علي بن حسين، عن الحسن بن زيد، عن أبيه زيد بن الحسين، عن جده، قال: سمعت عمّاراً... فذكره.
ورواه الثعلبي من حديث أبي ذرّ، قال: صلّيت مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوماً من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئاً، فرفع السائل يده وقال: اللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يعطني أحد شيئاً، وكان عليّ راكعاً، فأومى إليه بخنصره اليمين، وكان يختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم في خنصره، وذلك بعين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)... وذكر فيه قصّة.
وليس في لفظ أحد منهم أنّه خلعه وهو في الصلاة كما في لفظ المصنّف - أي الزمخشري -))(10).
نقول: والعجب من هذا الالبانيّ كيف يخرج هذا الحديث بهذا القصور!
وكيف يخالف ما اعتمده هو؛ قال في إرواء الغليل بخصوص قصّة العبّاس: ((قلت: وهو الذي نجزم به لصحّة سندها مرسلاً، وهذه شواهد لم يشتد ضعفها... فهو يتّقى بها ويرتقي إلى درجة الحسن على أقل الأحوال))(11)! وقد ملأ تخريجه لإرواء الغليل بمثل هذا.
وقال في الردّ على (إباحة التحلّي بالذهب المحلق) للشيخ إسماعيل الأنصاري: ((لكن هذا القدر من الحديث صحيح أيضاً؛ لأنّه مرسل صحيح الإسناد، وقد روي موصولاً، كما علمت له شاهدان موصولان، الأوّل: عن أبي هريرة... والآخر: عن أسماء بنت زيد)). ثمّ قلت مشيراً إلى شواهد أُخرى: ((وفي الباب عن عائشة عند النسائي وغيره، وأسماء أيضاً عند أبي داود))، فهذه الشواهد وإن كان غالب مفرداتها لا تخلو من ضعيف، فممّا لا شك فيه: أنّها بمجموعها صالحة للاحتجاج بها على تحريم ما اجتمعت عليه من تحريم السوار والطوق وكذا الخرص، لما تقرّر من مصطلح الحديث: أنّ كثرة الطرق تقوّي الحديث إذا خلت من متروك، أو متّهم، لا سيّما والمشهود له، وهو الحديث المرسل الصحيح إسناده حجّة وحده عند جمهور الفقهاء، قال الحافظ ابن كثير: ((والاحتجاج به مذهب مالك، وأبي حنيفة وأصحابهما. وهو يحكي عن أحمد في رواية)).
وأمّا مذهب الشافعي، فشرطه في الاحتجاج به معروف، وهو أن يجيء موصلاً من وجه آخر ولو مرسلاً، فهذا قد جاء موصولاً من طرق، وعليه فهذا الحديث المرسل صحيح حجّة عند جميع علماء المذاهب الأربعة، وغيرهم من أئمّة أُصول الحديث والفقه، وبذلك يظهر لكلّ منصف أنّ القول بسقوط الاستدلال بهذا الحديث، لمجرّد وروده مرسلاً هو الساقط، والله تعالى هو الموفق))(12).
ونحن نقول: وبهذا يظهر لكلّ منصف أنّ كلام الألباني في تضعيف حديث التصدّق ساقط؛ إذ هو حسب قوله اتّبع فيه هواه لا غير.








(1) انظر: شواهد التنزيل 1: 209 ــ 247 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(2) الرسالة للشافعي: 461.
(3) شواهد التنزيل 1: 212 حديث (221).
(4) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162 حديث (6546).
(5) المحصول 4: 460 المسألة الثالثة: المراسيل.
(6) الباعث الحثيث: 157 النوع التاسع: المرسل.
(7) تدريب الراوي: 126 النوع التاسع: المرسل.
(8) الأحكام 2: 123 الخلاف في قبول الخبر المرسل.
(9) تهذيب الكمال 13: 291 (2928).
(10) تخريج الأحاديث والأثار للزيلعي 1: 409 حديث (420).
(11) ارواء الغليل 3: 349 حديث (857) تعجيل اخراج الصدقة وأخذها(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من العبّاس قبل سنتين.
(12) انظر: حياة الألباني وآثاره: 1: 134، الفصل الثاني.








































































السؤال: رد شبهات عن آية الولاية وذكر المصادر المعتبرة في شأن نزولها
من أدلّتنا القوية التي نستدل بها على إخواننا السُنّة بوصاية وولاية الإمام عليّ(عليه السلام) بعد الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هي الآية القرآنية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55). بما ثبت من نزولها في تصدّق عليّ(عليه السلام) وهو راكع عندما أتى سائل يسأل الصدقة في المسجد.
والسؤال:
1- هل كانت صدقة أم زكاة؟ ولماذا نقول: إنّها صدقة، وذكرت في القرآن زكاة؟! وهل يجوز إعطاء الزكاة في هذا الموضع؟
2- ماذا نقول عن دعوى العبث في الصلاة؟ وهل يجوز للمصلّي أن يتصدّق وهو يصلّي؟
3- هل كانت تتوفّر في هذا الخاتم شروط الزكاة:
أ- حول الحول.
ب - وأن تكون بمقدار 2.5%...الخ؟
وأريد الأدلّة من كتب إخواننا السُنّة إن وجدت.
الجواب:




يجب أن يعلم الجميع بأنّه (إذا ورد الأثر بطل النظر)، فلا يجوز التقديم بين يدي الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا اجتهاد في معرض النصّ.
ومع ذلك نقول: إنّ كلّ الروايات تذكر بأنّها كانت: صدقة؛ فإنّ سائلاً سأل المسلمين فلم يعطه أحد، فأشار إليه أمير المؤمنين(عليه السلام) أن خذ الخاتم، فأخذه، فنزلت الآية الكريمة في حقّه. فلا علاقة للزكاة الواجبة هنا، ولم يدّع أحد ورود سبب نزول الآية في الزكاة، فلا مجال للخوض في شروطها وتوفّرها أو عدمها هنا، خصوصاً أنّ أكثر الروايات تذكر بأنّ الصلاة أيضاً كانت صلاة نافلة وتطوّع قبل الظهر.
وقد أطلق الله تعالى في كتابه: الزكاة، والصلاة، والحجّ، والصيام، والصدقة، على الواجبة والمستحبّة، فلا ضير في إطلاق الزكاة وإرادة الصدقة المستحبّة، أو خصوص الزكاة الواجبة، أو الأعمّ منهما، مثل قوله تعالى: (( وَمَا آتَيتم من رباً ليَربوَ في أَموَال النَّاس فَلا يَربو عندَ اللَّه وَمَا آتَيتم من زَكَاة تريدونَ وَجهَ اللَّه فأولَئكَ هم المضعفونَ )) (الروم:39)، وقوله تعالى: (( وَأَوصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمتُ حَيّاً )) (مريم:31).
وسنذكر من قال بنزول الآية الكريمة في حقّ عليّ(عليه السلام) من مصادر أهل السُنّة المعتبرة باختصار:
أولاً: ابن جزي الكلبي في تفسيره (التسهيل لعلوم التنزيل)، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، قيل: نزلت في عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)؛ فإنّه سأله سائل وهو راكع في الصلاة فأعطاه خاتمه))(1).
ثانياً: الرازي في تفسيره، قال: ((القول الثاني: إنّ المراد من هذه الآية شخص معيّن. وعلى هذا ففيه أقوال: روى عكرمة (الخارجي الناصبي كعادته) أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر، والثاني: روى عطاء، عن ابن عبّاس: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) )).
ثمّ ذكر روايتين في تصدّق عليّ(عليه السلام) على الفقير عن عبد الله بن سلام، وأبي ذرّ(2).
ثالثاً: السيوطي في (الدرّ المنثور)، قال: ((أخرج الخطيب في (المتفق) عن ابن عبّاس، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للسائل: (من أعطاك هذا الخاتم؟) قال: ذاك الراكع، فأنزل الله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55).
وأخرج عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عبّاس في قوله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب.
وأخرج الطبراني في (الأوسط)، وابن مردويه، عن عمّار بن ياسر، قال: وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع (نقول: وهذا يدلّ على أنّ الصلاة والزكاة كانت تطوّعاً لا واجباً)، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأعلمه ذلك، فنزلت على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فقرأها رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أصحابه، ثمّ قال: (من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه).
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن عليّ بن أبي طالب، قال: (نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بيته (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ))إلى آخر الآية، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فدخل المسجد وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي، فإذا سائل، فقال: (يا سائل! هل أعطاك أحد شيئاً؟) قال: لا، إلاّ ذاك الراكع - لعليّ بن أبي طالب ـ. أعطاني خاتمه.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن عساكر، عن سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ )).. الآية.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد في قوله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )).. الآية، نزلت في عليّ بن أبي طالب؛ تصدّق وهو راكع.
وأخرج ابن جرير، عن السدّي وعتبة بن حكيم مثله.
(نقول: ولم يقل أحد: أدّى الزكاة فكلّ الروايات تقول.. تصدّق عليّ(عليه السلام) ).
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: أتى عبد الله بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبيّ الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند الظهر، فقالوا: يا رسول الله! أنّ بيوتنا قاصية لا نجد من يجالسنا ويخاطبنا دون هذا المسجد، وإنّ قومنا لمّا رأونا قد صدّقنا الله ورسوله، وتركنا دينهم، أظهروا العداوة، وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يؤاكلونا، فشقّ ذلك علينا، فبينا هم يشكون ذلك إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، ونودي بالصلاة، صلاة الظهر، وخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: (أعطاك أحد شيئاً؟) قال: نعم. قال: (من؟) قال: ذلك الرجل القائم. قال: على أي حال أعطاكه؟ قال: وهو راكع. قال: وذاك عليّ بن أبي طالب، فكبّر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند ذلك، وهو يقول: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )) (المائدة:56).
وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم، عن أبي رافع، قال: دخلت على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو نائم يوحى إليه، فإذا حيّة في جانب البيت، فكرهت أن أبيت عليها فأوقظ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخفت أنّه يوحى إليه، فاضطجعت بين الحيّة وبين النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لئن كان منها سوء كان فيّ دونه، فمكثت ساعة، فاستيقظ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يقول: ( (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، الحمد لله الذي أتم لعليّ نعمه، وهيأ لعليّ بفضل الله إياه).
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ بن أبي طالب قائماً يصلّي، فمرّ سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )).. الآية، قال: نزلت في الذين آمنوا وعليّ بن أبي طالب أوّلهم))(3).
رابعاً: الزمخشري في كشافه، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، الواو فيه للحال؛ أي: يعملون ذلك في حال الركوع، وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله إذا صلّوا وإذا زكّوا.
وقيل: هو حال من يؤتون الزكاة، بمعنى: يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة، وأنّها نزلت في عليّ(كرم الله وجهه) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه، كأنّه كان مَرجاً في خنصره (أي سهل الحركة)، فلم يتكلّف لخلعه كثيرَ عمل تفسد بمثله صلاته)).
(ودافع الرجل عن مجيء الآية بالجمع ونزولها في عليّ(عليه السلام) )(4).
خامساً: ابن عطية الأندلسي في (المحرّر الوجيز): ((ولكن اتّفقَ أنَّ عليّاً بن أبي طالب أعطى صدقة وهو راكع))، ونقل ذلك عن السدّي ومجاهد، وذكر رواية في نزولها في عليّ(عليه السلام)، ثمّ ردّ هذا القول على عادتهم، ورجّح غيره كغيره!!(5)
سادساً: أبو السعود في تفسيره، قال: ((وروي أنّها نزلت في عليّ(رضي الله عنه) حين سأله سائل وهو راكع، فطرح عليه خاتمه، كأنّه كان مَرجاً في خنصره، غير محتاج في إخراجه إلى كثير عمل يؤدّي إلى فساد الصلاة، ولفظ الجمع حينئذ لترغيب الناس في مثل فعله(رضي الله عنه)، وفيه دلالة على أنّ صدقة التطوّع تسمّى: زكاة))(6).
سابعاً: ابن أبي حاتم في تفسيره: نقل بسنده عن عقبة بن أبي حكيم، وسلمة بن كهيل، في سبب نزول الآية الكريمة في عليّ(عليه السلام)(7).
ثامناً: ابن كثير في تفسيره، قال: ((حتى أنّ بعضهم ذكر في هذا أثراً عن عليّ بن أبي طالب أنّ هذه الآية نزلت فيه، وذلك أنّه مرّ به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه)).
ثمّ نقل عن ابن أبي حاتم روايتيه في أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)، ولم يعلق على إسنادها مع أنّهما صحيحتان.
ثمّ نقل قول ابن جرير عن مجاهد.
ونقل عن عبد الرزّاق بسنده عن ابن عبّاس، أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)، ولكنّه ضعّف سندها.. وعن ابن مردويه بسنده عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، وضعّفه بعدم إدراك الضحّاك لابن عبّاس، ثمّ ذكر طريقاً ثالثاً عن أبي صالح، عن ابن عبّاس به، وعلّق بقوله: ((وهذا إسناد لا يفرح به)).
ثمّ قال: ((ثمّ رواه ابن مردويه من حديث عليّ بن أبي طالب نفسه، وعمّار بن ياسر، وأبي رافع، وليس يصحّ شيء منها بالكلّية، لضعف أسانيدها، وجهالة رجالها)).
ثمّ قال: ((ثمّ روى بإسناده (ابن مردويه) عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس، في قوله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ))، نزلت في المؤمنين، وعليّ بن أبي طالب أوّلهم)).
ثمّ ذكر عن ابن جرير، بسنده عن أبي جعفر(عليه السلام)، أنّه سأله عبد الملك عن هذه الآية، قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا. قلنا: بلغنا أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب، قال: (عليّ من الذين آمنوا).
وقال أسباط عن السدّي: نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين ولكن عليّ بن أبي طالب مَرَّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه(8).
تاسعاً: البغوي في تفسيره، نقل عن ابن عبّاس والسدّي: أنّ قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) أراد به عليّاً بن أبي طالب(رضي الله عنه)؛ مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه(9).
عاشراً: البيضاوي في تفسيره، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ )): متخشعون في صلاتهم وزكاتهم، وقيل: هو حال مخصوصة بـ(يؤتون)، أو يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصاً على الإحسان ومسارعة إليه، وإنّها نزلت في عليّ(رضي الله عنه) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه، واستدلّ بها الشيعة على إمامته زاعمين أنّ المراد بالوليّ المتولّي للأمور، والمستحق للتصرّف فيها، والظاهر ما ذكرناه، مع أنّ حمل الجمع على الواحد أيضاً خلاف الظاهر.
(نقول: ولكن سبب النزول يغنينا عن الظاهر).
ثمّ قال: وإن صحّ أنّه نزل فيه، فلعلّه جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس في مثل فعله فيندرجوا فيه، وعلى هذا، يكون دليلاً على أنّ الفعل القليل في الصلاة لا يبطلها، وأنّ صدقة التطوع تسمّى: زكاة))(10).
(وهذه الجملة الأخيرة فيها ردّ على أسئلتكم ومن علمائهم).
الحادي عشر: السمرقندي في تفسيره نصّ على ذلك ورجّحه، فقال: ((ثمّ قال تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، قال ابن عبّاس: وذلك أنّ بلالاً لمّا أذّن وخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والناس في المسجد يصلّون بين قائم وراكع وساجد، فإذا هو بمسكين يسأل الناس، فدعاه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم، قال: ماذا؟ قال: خاتم فضة، قال: ومن أعطاك؟ قال: ذلك المصلّي، قال: في أي حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع.. فنظر، فإذا هو عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)، فقرأ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على عبد الله بن سلام: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، يعني: يتصدّقون في حال ركوعهم؛ حيث أشار عليّ بخاتمه إلى المسكين حتى نزع من أصبعه وهو في ركوعه، ويقال: يراد به جميع المسلمين أنّهم يصلّون ويؤدّون الزكاة))(11).
الثاني عشر: السمعاني في تفسيره، قال: (( (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) يعني مصلّون، إلاّ أنّه خصّ الركوع تشريفاً، وقيل: معناه خاضعون، وقال السدّي ـ. وهو رواية عن مجاهد -: إنّ هذا أنزل في عليّ بن أبي طالب، كان في الركوع ومسكين يطوف في المسجد، فنزع خاتمه ودفع إليه، فهذا معنى قوله: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) ))(12).
الثالث عشر: ابن جرير الطبري - شيخ المفسّرين - في تفسيره، ذكر ذلك في أوّل آرائه في تأويل الآية، ومن عادته تقديم الرأي الراجح، فقال: ((وأمّا قوله: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فإنّ أهل التأويل اختلفوا في المعنى به، فقال بعضهم: عُني به عليّ بن أبي طالب، وقال بعضهم: عُني به جميع المؤمنين. ذكر من قال ذلك:
(ثمّ نقل بأسانيده) عن السدّي، وعن عتبة بن أبي حكيم، وعن مجاهد: أنّها نزلت في عليّ))(13).
الرابع عشر: القرطبي - خاتمة المفسّرين - في تفسيره، قال: ((وقال ابن عبّاس: نزلت في أبي بكر!! وقال في رواية أُخرى: نزلت في عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)، وقاله مجاهد والسدّي، وحملهم على ذلك قوله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))..
وهي المسألة الثانية: وذلك أنّ سائلاً سأل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يعطه أحد شيئاً، وكان عليّ في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم، فأشار إلى السائل بيده حتى أخذه، قال الكيا الطبري: وهذا يدلّ على أنّ العمل القليل لا يبطل الصلاة؛ فإنّ التصدّق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ولم تبطل به الصلاة.
وقوله: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى: زكاة، فإنّ عليّاً تصدّق بخاتمه في الركوع، وهو نظير قوله تعالى: (( وَمَا آتَيتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ )) (الروم:39)، وقد انتظم الفرض والنفل فصار اسم الزكاة شاملاً للفرض والنفل، كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين)).
ثمّ قال القرطبي بعد استبعاده لقول الطبري: ((وقال ابن خويز منداد: قوله تعالى: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) تضمّنت جواز العمل اليسير في الصلاة، وذلك أنّ هذا خرج مخرج المدح، وأقل ما في باب المدح أن يكون مباحاً، وقد روي أنّ عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) أعطى السائل شيئاً وهو في الصلاة، وقد يجوز أن يكون هذه صلاة تطوّع، وذلك أنّه مكروه في الفرض))(14).
الخامس عشر: النسفي في تفسيره، قال: ((والواو في (( وَهُم رَاكِعُونَ )) للحال، أي: يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة. قيل: أنّها نزلت في عليّ(رضي الله عنه) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه، كأنّه كان مرجاً في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل يفسد صلاته، وورد بلفظ الجمع، وإن كان السبب فيه واحداً؛ ترغيباً للناس في مثل فعله لينالوا مثل ثوابه، والآية تدلّ على: جواز الصدقة في الصلاة، وعلى أنّ الفعل القليل لا يفسد الصلاة))(15).
ولم يذكر النسفي غير ذلك في تفسيره للآية الكريمة.
السادس عشر: الآلوسي في تفسيره (روح المعاني)، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ )): حال من فاعل الفعلين، أي: يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون متواضعون لله تعالى. (نقول: أليس هذا خلافاً للظاهر؟!!)
وقيل: هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة والركوع ركوع الصلاة، والمراد: بيان كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه.
وغالب الأخباريّين على أنّها نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه؛ فقد أخرج الحاكم، وابن مردويه، وغيرهما، عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متّصل، قال...(إلى أن قال): فقال لهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ))، ثمّ إنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فبصر بسائل فقال: (هل أعطاك أحد شيئاً؟) فقال: نعم خاتم من فضة. فقال: (من أعطاكه؟) فقال: ذلك القائم. وأومأ إلى عليّ كرّم الله تعالى وجهه، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (على أيّ حال أعطاك؟). فقال: وهو راكع. فكبّر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ تلا هذه الآية.
فأنشأ حسان(رضي الله عنه) يقول:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي ***** وكل بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مديحك المحبر ضائعاً ***** وما المدح في جنب الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً ***** زكاة فدتك النفس ياخير راكــع
فأنزل فيك الله خير ولايــــة ***** وأثبتها إثنا كتاب الشرائـــع(16)
ثمّ قال الآلوسي في تفسير الآيات اللاحقة: هذا، (ومن باب الإشارة في الآيات: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، أي: صلاة الشهود والحضور الذاتي، (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )): أي: زكاة وجودهم، (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، أي: خاضعون في البقاء بالله.
والآية عند معظم المحدّثين نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه))(17).
السابع عشر: ابن الجوزي في تفسيره (زاد المسير)، قال: ((قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ... ))، اختلفوا في من نزلت على أربعة أقوال:
أحدها: أنّ عبد الله بن سلام وأصحابه جاؤوا إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقالوا: إنّ قوماً قد أظهروا لنا العداوة، ولا نستطيع أن نجالس أصحابك، لبعد المنازل. فنزلت هذه الآية، فقالوا: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين، وأذّن بلال بالصلاة، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا مسكين يسأل الناس، فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (هل أعطاك أحد شيئاً؟) قال: نعم. قال: (ماذا؟) قال: خاتم فضّة، قال: (من أعطاكه؟) قال: ذاك القائم. فإذا هو عليّ بن أبي طالب، أعطانيه وهو راكع، فقرأ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عبّاس. وبه قال مقاتل. وقال مجاهد: نزلت في عليّ بن أبي طالب؛ تصدّق وهو راكع.
- ثمّ قال ابن الجوزي -: قوله تعالى: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فيه قولان: أحدهما: أنّهم فعلوا ذلك في ركوعهم، وهو تصدّق عليّ(عليه السلام) بخاتمه في ركوعه. والثاني: إنّ من شأنهم إيتاء الزكاة وفعل الركوع.
وفي المراد بالركوع ثلاثة أقوال: أحدها: إنّه نفس الركوع؛ على ما روى أبو صالح عن ابن عبّاس. وقيل: إنّ الآية نزلت وهم في الركوع، والثاني: إنّه صلاة التطوع... والثالث: إنّه الخضوع والخشوع))(18).
الثامن عشر: الجصّاص في (أحكام القرآن)، قال في باب العمل اليسير في الصلاة: ((قال الله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، روي عن مجاهد والسدّي وأبي جعفر وعتبة بن أبي حكيم: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب حين تصدّق بخاتمه وهو راكع...
إلى أن قال: فإن كان المراد فعل الصدقة في حال الركوع، فإنّه يدلّ على إباحة العمل اليسير في الصلاة، وقد روي عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبار في إباحة العمل اليسير فيها، فمنها: أنّه خلع نعليه في الصلاة. ومنها: أنّه مسّ لحيته، وأنّه أشار بيده. ومنها حديث ابن عبّاس: أنّه قام على يسار النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخذ ذؤابته وأداره إلى يمينه. ومنها: أنّه كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن ربيع، فإذا سجد وضعها وإذا رفع رأسه حملها.
فدلالة الآية ظاهرة في إباحة الصدقة في الصلاة؛ لأنّه إن كان المراد: الركوع، فكان تقديره: ((الذين يتصدّقون في حال الركوع))، فقد دلّت على إباحة الصدقة في هذه الحال.
وإن كان المراد: وهم يصلّون؛ فقد دلّت على إباحتها في سائر أحوال الصلاة، فكيفما تصرفت الحال فالآية دالّة على: إباحة الصدقة في الصلاة))(19).
وهناك المزيد، وفيما نقلناه عنهم كفاية.








(1) تفسير التسهيل لعلوم التنزيل 1: 181 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(2) تفسير الرازي 12: 26 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(3) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2: 293 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(4) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(5) المحرّر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز 2: 208 سورة المائدة: 55 ــ 57.
(6) تفسير أبي السعود 3: 52 قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا... )).
(7) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162 حديث (6549) (6551).
(8) تفسير ابن كثير 2: 73 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(9) تفسير البغوي 2: 47 سورة المائدة: 55.
(10) تفسير البيضاوي 2: 229ــ340 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(11) تفسير السمرقندي 1: 424 سورة المائدة: 55 ــ 56.
(12) تفسير السمعاني 2: 47 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(13) تفسير ابن جرير 6: 388 القول في تأويل قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(14) تفسير القرطبي 6: 221ــ222 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(15) تفسير النسفي 1: 289 سورة المائدة: 55 ــ 59.
(16) تفسير روح المعاني 6: 167 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(17) تفسير روح المعاني 6: 167 سورة المائدة: 59 ــ 66.
(18) زاد المسير 2: 292 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(19) أحكام القرآن 2: 557 باب (العمل اليسير في الصلاة).












يتبع
رد مع اقتباس
11-27-2016, 05:45 PM #2 الشيخ عباس محمد
Member


تاريخ التسجيل
May 2015
المشاركات
389
معدل تقييم المستوى
2
رد: اسئلة واجوبة في اية الولاية
السؤال: مناقشة الطبري في سبب النزول، وابن كثير في معنى (وهم راكعون)




كان تفسير الطبرى مفتوح امامى عندما اطلعت على هذا الموضوع. فرجعت إليه للتأكد فلم اجده مقنع . واننى انقل لكم صفحات التفسير فدلونى عن الدليل من فضلكم.
*************************
القول في تأويل قوله : (( إنَّمَا وَليّكم اللَّه وَرَسوله وَالَّذينَ آَمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلَاةَ وَيؤْتونَ الزَّكَاةَ وَهمْ رَاكعونَ ))
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، ليس لكم، أيها المؤمنون، ناصر إلا الله ورسوله، والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره(1). فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من وَلايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء لا نفصرَاء، بل بعضهم أولياء بعض، ولا تتخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا.
وقيل إن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت، في تبرّفئه من ولاية يهود بني قينقاع وحفلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
12207 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال:
لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان أحد بني عوف بن الخزرج) فخلعهم إلى رسول
الله(2) وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حفلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حفلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نزلت:"إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون { لقول عبادةَ: (( أتولى الله ورسوله والذين آمنوا))، تبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم, إلى قوله: (( فإن حزب الله هم الغالبون ))(3)
12208 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي، عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه.
12209 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، يعني: أنه من أسلم تولى الله ورسوله.
وأما قوله: (( والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّف به. فقال بعضهم: عفنفي به علي بن أبي طالب.
وقال بعضهم: عني به جميع المؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
12210 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه.
12211 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال:
سألته عن هذه الآية: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، قلت4) من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا!(5) قلنا: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا.
12212 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن عبد الملك قال: سألت أبا جعفر عن قول الله: (( إنما وليكم الله ورسوله ))، وذكر نحو حديث هنّاد، عن عبدة.
12213 - حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال، حدثنا أيوب بن سويد قال، حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، قال:
علي بن أبي طالب.(6)
12214 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (( إنما وليكم الله ورسوله ))، الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع.(7)
هذا ، وأرجح أن أبا جعفر الطبري قد أغفل الكلام في قوله تعالى: (( وهم راكعون ))، وفي بيان معناها في هذا الموضع ، مع الشبهة الواردة فيه ، لأنه كان يحب أن يعود إليه فيزيد فيه بيانًا ، ولكنه غفل عنه بعد.
وقد قال ابن كثير في تفسيره 3: 182 : (( وأما قوله: (( وهم راكعون ))، فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله: (( ويؤتون الزكاة ))، أي: في حال ركوعهم. ولو كان هذا كذلك ، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ، لأنه ممدوح. وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ، ممن نعلمه من أئمة الفتوى.
وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرًا عن علي بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه...)) ثم ، ساق الآثار السالفة وما في معناها من طرق مختلفة.
وهذه الآثار جميعًا لا تقوم بها حجة في الدين. وقد تكلم الأئمة في موقع هذه الجملة ، وفي معناها. والصواب من القول في ذلك أن قوله: (( وهم راكعون ))، يعني به: وهم خاضعون لربهم، متذللون له بالطاعة، خاضعون له بالأنقياد لأمره في إقامة الصلاة بحدودها وفروضها من تمام الركوع والسجود ، والصلاة والخشوع ، ومطيعين لما أمرهم به من إيتاء الزكاة وصرفها في وجوهها التي أمرهم بصرفها فيها. فهي بمعنى (الركوع) الذي هو في أصل اللغة ، بمعنى الخضوع = انظر تفسير (ركع) فيما سلف 1: 574.
وإذن فليس قوله: (( وهم راكعون )) حالا من (( ويؤتون الزكاة )).
وهذا هو الصواب المحض إن شاء الله.
*************************
(1) انظر تفسير(ولي) فيما سلف ص: 399 ، تعليق: 1, والمراجع هناك.
(2) في المخطوطة: (فجعلهم إلى رسول الله), والصواب ما في المطبوعة, مطابقًا لما سلف, ولما في سيرة ابن هشام.
(3) الأثر: 12207- سيرة ابن هشام 3: 52, 53, وهو مطول الأثر السالف رقم: 12158, وتابع الأثر رقم: 12167. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: (حدثني والدي إسحق بن يسار, عن عبادة بن الصامت), أسقط ما أثبت من السيرة, ومن إسناد الأثرين المذكورين آنفًا.
(4) في المطبوعة والمخطوطة: (قلنا), والصواب الجيد ما أثبت.
(5) هذا ليس تكرارًا, بل هو تعجب من سؤاله عن شيء لا عن مثله.
(6) الأثر: 12213-إسمعيل بن إسرائيل الرملي, مضى برقم: 10236. وأيوب بن سويد الرملي, مضى برقم: 5494. وعتبة بن أبي حكيم الهمداني, ثم الشعباني, أبو العباس الأردني. ضعفه ابن معين, وكان أحمد يوهنه قليلا, وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب.
(7) الأثر: 12214-غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري, منكر الحديث متروك. مترجم في لسان الميزان, والكبير للبخاري 4/1/101, وابن أبي حاتم 3/2/48.








الجواب:




الاستدلال بآية الولاية (الآية55 من سورة المائدة) على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) وخلافته بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يثبت بعد إثبات أنّها نزلت في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيره، ليتحصّل منها حصر الولاية بالله وبرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبأمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيرهم، وبعدها نقول: أنّ المعنى المتصوّر للولاية هنا هو: ولاية الأمر دون المحبّة، أو النصرة، أو أمثالهما من المعاني، التي لا مجال لتصوّر حصرها بالثلاثة المذكورين في الآية فقط.
وعن الأمر الأوّل نقول: انّه قد ورد من طرق صحيحة أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه في حال الركوع.
فها هو المفسّر الكبير ابن أبي حاتم، الذي عدّه ابن تيمية في (منهاج السُنّة) من المفسّرين الكبار الذين لا يروون الموضوعات(1)، يروي بسند مرسل صحيح في تفسيره: عن أبي سعيد الأشج، عن الفضيل بن دكين، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل - وكلّهم ثقات - أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه على السائل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(2).
وكذا يروي الحاكم الحسكاني، الذي وصفه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) بـ(المحدّث البارع القاضي... الحاكم)(3)، في كتابه (شواهد التنزيل) بسند صحيح أو قريب من الصحيح: أنّ هذه الآية نزلت عندما تصدّق عليّ(عليه السلام) على السائل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو في حال الركوع(4).
وقد تقرّر في علم الحديث أنّ المرسل الصحيح إذا عضده مستند صحّ الاحتجاج به، وارتفع إلى درجة الحسن(5).
وكذا يروي السيوطي في (الدرّ المنثور): عن عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي نعيم، وغيرهم: أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)(6).
وأيضاً يروي السيوطي في (لباب النقول): عن الطبراني، بأنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)، ثمّ يذكر له شواهد، وقال: ((فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً))(7).
وكذا يروي ابن كثير في تفسيره، أنّها نزلت في حقّ عليّ(عليه السلام) بعدّة طرق، ومنها الطريق الصحيح المتقدّم عن ابن أبي حاتم(8).
وكذا يروي القرطبي في تفسيره(9)، والواحدي في (أسباب النزول)(10)، والجصّاص في (أحكام القرآن)(11)، والزمخشري في (الكشّاف)(12)، والرازي في (التفسير الكبير)(13)، وأيضاً الطبري عن طرق متعدّدة كما أسلفتم في تفسيره: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)(14).
وهكذا روى غير هؤلاء المحدثين والمفسّرين أنّ الآية الكريمة نزلت في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في مصادر مختلفة لا تخفى على المتتبع.
فالمتحصّل أنّ الآية الكريمة وبواسطة الطرق الصحيحة المشار إليها في المصادر المتقدّمة، وبمعاضدة الطرق التي يقوّي بعضها بعضاً، نقطع بأنّها نزلت في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه في الصلاة وهو في حال الركوع.
وأمّا دعوى أنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت.
فنقول: إنّ هذه الرواية شاذّة، وأكثر الأُمّة يدفعها، وما ذكر في نزولها في عليّ(عليه السلام) هو المجمع عليه.
وأيضاً أنّه قد وردت في الآية صفات لا تنطبق إلاّ على حاله (عليه السلام)؛ إذ قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), قد بيّن أنّ المعني هو الذي آتي الزكاة في حال الركوع، وأجمعت الأُمّة على أنّه لم يؤت أحد الزكاة في هذه الحال غير أمير المؤمنين(عليه السلام).
وليس لأحد أن يقول: أنّ قوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ ))ليس هو حالاً لإيتاء الزكاة، بل إنّما المراد به أنّ صفتهم إيتاء الزكاة؛ فإنّ ذلك خلاف اللغة، ألا ترى أنّ القائل إذا قال: لقيت فلاناً وهو راكب، لم يفهم منه إلاّ لقاؤه في حال الركوب، ولم يفهم منه أنّ من شأنه الركوب، وإذا قال: رأيته وهو جالس، أو جاءني وهو ماشٍ، لم يفهم من ذلك كلّه إلاّ موافقة رؤيته في حال الجلوس، أو مجيئه ماشياً، وإذا ثبت ذلك، وجب أن يكون حكم الآية أيضاً هذا الحكم.








(1) منهاج السُنّة 7: 13، المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلّة الدالة من القرآن على إمامة عليّ(عليه السلام).
(2) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(3) سير أعلام النبلاء 18: 268 (136) الحسكاني.
(4) شواهد التنزيل 1: 212.
(5) انظر: الباعث الحثيث 1: 157 النوع التاسع: المرسل.
(6) الدرّ المنثور 2: 293، 294 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(7) لباب النقول في أسباب النزول: 81 سورة المائدة.
(8) تفسير ابن كثير 2: 73 قوله: (( َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ... )).
(9) تفسير القرطبي 6: 221.
(10) أسباب النزول: 133 سورة المائدة.
(11) أحكام القرآن 2: 557.
(12) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(13) تفسير الرازي 3: 431 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(14) تفسير الطبري 6: 388.








السؤال: دلالتها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)
هل تدلّ آية الولاية على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)؟
الجواب:




قال تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55).
ذهب المفسّرون والعلماء من الفريقين، إلى أنّها نزلت في حقّ الإمام عليّ(عليه السلام)، حينما تصدّق بخاتمه في أثناء الصلاة(1).
ودلالة الآية الكريمة على ولاية الإمام عليّ(عليه السلام) واضحة، بعد أن قرنها الله تعالى بولايته وولاية الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومعلوم أنّ ولايتيهما عامّة، والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فكذلك ولاية الإمام عليّ(عليه السلام) بحكم المقارنة.








(1) انظر: شواهد التنزيل 1: 219 حديث 227، تاريخ مدينة دمشق 42: 357، أنساب الأشراف:150 حديث 151، تفسير الطبري 6: 388، الصواعق المحرقة 4: 104. (وراجع ما مضى من الأسانيد وتصحيحها).
























تعليق على الجواب (1)
ولكن هناك من يقول: إنّ قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) إنّما هي صفة، أي: أنّهم يصلّون، وأيضاً هم يركعون، أي: أنّها تكرار للجملة، فحين ذكر أنّهم يصلّون ذكر أنّهم يصلّون مرّة أُخرى، بقوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، لأنّه يعبّر عن الصلاة تارة بالركوع، وهذا يدعو للاستغراب، فكيف أردّ عليه بالردّ الشافي؟
ولكم جزيل الشكر.
الجواب:




إنّ آية الولاية من الآيات الصريحة والواضحة الدلالة على إمامة من آتى الزكاة في حال الركوع، وقد ذكرت روايات كثيرة من الفريقين أنّ سبب نزول الآية هو: تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بخاتمه على الفقير، في حال الركوع أثناء صلاته.
إذاً فهي دالّة على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولكن في هذا ما يغيظ نفوساً ضعيفة الإيمان، تحمل في طيّاتها حالة البغض والحقد لعليّ وآله(عليهم السلام)، فأخذوا يبثّون الشبهة تلو الشبهة، بشأن هذه الآية وأمثالها، ومن تلك الشبه هي هذه الشبهة التي ذكرتموها، من فصل إيتاء الزكاة عن حال الركوع.
ولعلّ أوّل من قال بها من القدماء هو أبو علي الجبّائي، كما ذكرها عنه تلميذه القاضي عبد الجبّار في كتاب (المغني)(1).
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة، ومنهم الشريف المرتضى في كتابه (الشافي في الإمامة)، بقوله: ((ليس يجوز حمل الآية على ما تأوّلها شيخك أبو علي، من جعله إيتاء الزكاة منفصلاً من حال الركوع، ولا بدّ على مقتضى اللسان واللغة من أن يكون الركوع حالاً لإيتاء الزكاة، والذي يدلّ على ذلك أنّ المفهوم من قول أحدنا: الكريم المستحقّ للمدح الذي يجود بماله وهو ضاحك، وفلان يغشى إخوانه وهو راكب، معنى الحال دون غيرها، حتّى إنّ قوله هذا يجري مجرى قوله: إنّه يجود بماله في حال ضحكه، ويغشى إخوانه في حال ركوبه.
ويدلّ أيضاً عليه: أنّا متى حملنا قوله تعالى: (( يُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) على خلاف الحال، وجعلنا المراد بها أنّهم يؤتون الزكاة، ومن وصفهم أنّهم راكعون، من غير تعلّق لأحد الأمرين بالآخر، كنّا حاملين الكلام على معنى التكرار؛ لأنّه قد أفاد تعالى بوصفه لهم بأنّهم يقيمون الصلاة، وصفهم بأنّهم راكعون، لأنّ الصلاة مشتملة على الركوع وغيره، وإذا تأوّلناها على الوجه الذي اخترناه، استفدنا بها معنى زائداً، وزيادة الفائدة بكلام الحكيم أولى))(2).




(1) المغني: 20 القسم الأوّل 137.
(2) الشافي في الإمامة 2: 236.
























تعليق على الجواب (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ذكر الطبري عدّة أقوال وردت فيمن نزلت الآية، وكان من بينهم عليّ بن أبي طالب، وذكر أيضاً عبادة بن الصامت، وقال أيضاً: إنّه قد قيل أنّه عني به جميع المؤمنين، ومن صفاتهم أنّهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وكتاب ابن عساكر تاريخي لا يحتجّ به في العقائد، وأيضاً كتاب الأنساب.
وأقول: إنّ الواضح البيّن من الآية أنّ الولاية، تكون في المؤمنين بعد الله ورسوله، وإن كان المعني في (( وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ )): عليّ، فتحديد الولاية جاء في المؤمنين، ومن ثمّ هل كان الأئمّة الاثنا عشر يؤتون الزكاة وهم راكعون أيضاً؟ (دلّل على ذلك إن كان نعم).




الجواب:




1- لا بدّ لك قبل أن تعلّق أن تقرأ كلّ ما كتب في الموضوع من إجابات على الأسئلة المطروحة، حتى يتم لك استيعاب الجواب من جميع جوانبه، وأمّا أن تكتفي بإجابة واحدة جاءت على قدر ما هو مطروح في السؤال، وتعتقد أنّه تمام الدليل في ما يدّعيه الشيعة، وأنّهم لم يجيبوا لحدّ الآن على الاعتراضات الواردة، فهو بعيد عن الإنصاف.
2- لا بدّ في قراءتك للجواب أن تستوعب مقدار ما يراد من الدلالة لكلّ دليل مذكور بالضبط، لا أن تفهم من الدليل دلالة أوسع، أو دلالة أُخرى لا يريدها من ذكر الدليل.
3- لا بدّ أن تعرف منحى ومجرى الدليل، وما هو موضعه الدلالي، ورتبته من بين المقدّمات الأُخرى للدليل، فلعلّ ما اعتبرته دليلاً ليس هو من صلب الاستدلال، أو ليس هو الدليل كاملاً، بل هو دليل على بعض مقدّمات الاستدلال، أو جزء الدليل.
ولتوضيح ذلك، نقول على تعليقك:
إنّ ما ذكر كدليل على نزول آية الولاية في عليّ(عليه السلام) كان تضافر واشتهار النقل من علماء الطرفين بأنّ الآية نزلت في عليّ(عليه السلام)، وليس الدليل هو الاستناد على ما نقله الطبري كأحد الآراء في الآية فقط؛ فلاحظ!
ولذا يكون إيراد قول الطبري لأنّه أحد مفردات هذا التضافر, فقوله وقول غيره هو الذي يتمّم المدّعى من الشهرة والتضافر، حتى يصحّ الادّعاء بأنّ الآية نزلت في عليّ(عليه السلام).
فالاعتراض بأنّ الطبري ذكر عدّة آراء يكون صحيحاً لو كان الدليل يتم بقوله هو وحده فقط، ولم يكن أحد الشواهد على التضافر، كما هو المدّعى.
وأمّا القول في الآراء الأُخرى على التسليم بأنّها ظاهر قول الطبري:
فأولاً: إنّها آراء شاذّة لا يأُخذ بها مقابل المشهور المتضافر، بل المجمع عليه، وفيه روايات صحيحة نقلنا بعضها في الأجوبة الأُخرى؛ فراجع!
فتعداد الأقوال لا ينقض المدّعى، فالشاذّ يطرح ولا يعوّل عليه، وإلاّ لم يسلم لنا قول في آية واحدة من آيات القرآن الكريم.
وثانياً: إنّ الطبري نفسه خبط وخلط (لو سلّمنا أنّه أراد ظاهرَ تعدّد الأقوال)، وحاول الإبهام عامداً؛ فإنّ المجموع من محصّل كلامه يؤدّي إلى التناقض، لو قبلنا بكلّ أقواله ظاهراً.
فهو قد نقل أوّلاً بلفظة (قيل) - وهي لتمريض القول كما هو معروف - الرأي القائل بأنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت، وجاء بروايات (لا تثبت) مفادها التطابق بين قول وفعل عبادة بن الصامت، وبين أوّل الآية وهو معنى الولاية حسب ما فسّره )ملاحظة: أنّا لا نسلّم بأنّ معنى الولاية هو: النصرة)، ولم يأت بأيّ قول بأنّ عبادة هو من تصدّق بالخاتم.
ثمّ إنّه عندما ذكر المعنيّ من قوله تعالى: (( وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلاةَ وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ )) (المائدة:55), أورد رأيين، قدّمهما بقوله: ((فقال بعضهم، وقال بعضهم)) الأوّل: إنّ المعنيّ بها: عليّ(عليه السلام)، والثاني: إنّ المعني بها: جميع المؤمنين، واختفى (القيل) بأنّ الآية نزلت بحقّ عبادة بن الصامت!
ومن الواضح أنّ الآية واحدة، بل أنّ الكلمات في الآية كلّها مترابطة وتؤدّي إلى معنى واحد، لا يمكن معه الفصل بين أوّل الآية والقول أنّها نزلت بسبب نزول غير السبب الذين نزلت به آخر الآية، فأمّا القول بأنّها نزلت كلّها بحقّ عبادة، أو كلّها بحقّ عليّ(عليه السلام)، أو كلّها بحقّ جميع المؤمنين، وهذا ما لم يفعله الطبري؛ فراجع كلامه!
وجعل هذه الآية ذات المعنى المترابط الواحد قسمين: الأوّل نزل في حقّ عبادة, والآخر في حقّ عليّ(عليه السلام)، ما هو إلاّ تناقض؛ فلاحظ!
ولكن هل نقبل من الطبري هذا؟!
أو أنّ هناك مورد نزول واحد، هو في حقّ عليّ(عليه السلام) متحقّق عند الطبري، ولكن أراد إخفاءه وستره لأمر في نفسه! فلم يبرزه واضحاً في كلامه بدون لبس، وإنّما خلطه بغيره، وصاغ عباراته بحيث توهم القارئ المتسرّع بأنّ الأمر فيه أقوال وآراء، ويأخذه ظاهر التقسيم للأقوال، فيظنّ أنّ المراد هو تعدّد موارد النزول.
وفعل الطبري هذا هو الذي يجعلنا نتّهمه!
وذلك أنّ الطبري بالحقيقة لم يقل أنّ الآية نزلت في حقّ عبادة وعليّ(عليه السلام) من منظور واحد؛ إذ أنّ الطبري عندما نسب سبب النزول إلى عبادة بن الصامت كان من جهة أنّ عبادة كان المخاطب بالآية، أو المخبر بها عن حاله، لا أنّه الذي يجب أن يُتولّى، أي: المعنيّ بقوله: (( وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ... ))، بدليل صريح الروايات التي نقلها الطبري نفسه؛ إذ فيها أنّ عبادة تبرّأ من بني القينقاع، وقال: ((أتولّى الله ورسوله والمؤمنين))، أو قال: ((أتولّى الله ورسوله والذين آمنوا))، فعبادة هنا يخبر عن كونه يَتولّى لا أنّه هو المولّى، فنزلت الآية إخباراً عن حاله وبياناً له وللمؤمنين، في من يجب أن يتولوه وهم الله ورسوله والذين آمنوا...(أي: عليّ(عليه السلام)).
فالآية بيان لمورد صاحب الولاية لا للذين يتولّوه.. نعم، هم المخاطبون بذلك، ومنهم: عبادة، وقد يكون أوّلهم، حسب قول الطبري، وإن كانت الرواية شاذّة.
وقد ورد في ذلك غيرها الكثير، منها - كما في بعض رواياتنا -: أنّ قوماً من اليهود سألوا رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه بعد أن أسلموا، فنزلت الآية، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسجد يسأل عمّن تصدّق بخاتم وهو راكع، فأخبره السائل أنّه عليّ(عليه السلام)(1).
وعلى هذا يصحّ أن تقول: إنّ هؤلاء اليهود كانوا سبباً للنزول بسؤالهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه.
ولكن هذه الجهة غير الجهة المدّعاة مورد الاستدلال؛ فإنّ جهة قولنا بأنّ سبب نزولها كان عليّ(عليه السلام)، هو القول بأنّ الآية جاءت لتبيّن أنّ الذي يجب أن يُتولّى بعد الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو: عليّ(عليه السلام)؛ فهو الذي تصدّق بالخاتم وهو راكع، وأنّ المؤمنين جميعاً مأمورون في قول الله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ )) بولايته وطاعته؛ فهو أولى بالأمر بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وليكن من المؤمنين عبادة بن الصامت فلا ضير.
وكأنّ الآية بيان لمورد الولاية الحقيقي الذي يجب على عُبادة وغيره من المؤمنين التمسّك به، أو إخبار للمؤمنين عامّة ولبعضهم خاصّة، وهم: أصحاب السؤال بهذا المورد الحقيقي الذي يجب أن يُتولى؛ فلاحظ!
وبهذا يتّضح قول الطبري، ولا تهافت في البين، وإن كنّا نتّهمه بعدم البيان والبسط بوضوح، لغاية الله يعلمها!!
وأمّا القول بأنّ مورد النزول هو جميع المؤمنين، فهو لا يتم إلاّ على القول بأنّ معنى الولاية هي النصرة، وهذا ما لا نسلمه! ثمّ إنّ تخصيص مورد النزول بعليّ(عليه السلام) يرده، ولا يمكن أن يكون جميع المؤمنين هم ولاة الأمر إذا كان معنى الولاية هو الأولى بالأمر، إذ لا بدّ أن يكون واحداً في كلّ عصر.
وبيان أنّها جاءت بمعنى الأولى بالأمر لا النصرة ذكرناه في محلّه؛ فراجع!
وأمّا بخصوص كتاب ابن عساكر، و(الأنساب) للبلاذري، فإنّ اعتراضك وقع بسبب خطأ ووهم منهجي! فإنّا لم نحتجّ بما ورد عنهما لأجل أنّ كتابيهما معتبران؛ إذ لا توجد عندنا قاعدة بأنّ: كلّ كتاب معتبر فإنّا نأخذ بكلّ ما فيه، وكلّ كتاب غير معتبر فنردّ كلّ ما فيه، وإنّما نأخذ ما موجود في الكتب بالسند، ونحاكم السند كرواية مفردة، ويكون مؤلف الكتاب أحد الرواة لا غير.
وهذا الاشتباه لا يقع فيه إلاّ من ثبت في ذهنه وجود كتب صحيحة غير القرآن الکريم، مثل البخاري ومسلم! فيأخذ بتصنيف الكتب إلى معتبرة وغير معتبرة، أو يستخدم ذلك عن عمد حتى يردّ ما يريد من الروايات التي لا تعجبه بعد أن يصنّف الكتاب الواردة فيه هذه الروايات بأنّه غير معتبر، كما هو منهج السلفية والوهابية المعاصرين، وإلاّ فإنّ مثل هذا المنهج لم يدخل في علم الحديث والدراية، ولم يتكلّم به علماؤهما؛ لأنّ بطلانه من الوضوح بمكان.
وبعد أن ذكرنا لك المقدّمات الثلاث أوّلاً فلا بدّ أن يتوضّح لك مورد الاستدلال بما رويا.
وأمّا ما ذكرته من المراد بالزكاة حالة الركوع فهو موضّح في جواب الأسئلة الأُخرى؛ فراجع!








(1) انظر: تفسير البرهان 3: 423 في هذه الآية.
























تعليق على الجواب (3)
والله العظيم أنا مندهش من هذه الإجابة!
حتى لو سلّمنا بأنّ الآية نزلت في حقّ عليّ(رضي الله عنه)، ولكن هل قرأت الآية التي تسبق هذه الآية، والقرآن كلام الله وهو يفسر بعضه بعضاً، والولاية هنا تعني: محبّتهم وموالاتهم ومؤازرتهم على أساس الدين، بعدما نهانا الله في الآية التي تسبقها من موالاة اليهود والنصارى، والآية هنا حتى وإن نزلت في عليّ فهي تعمّم على كلّ من انتهج نهجه، وأبا بكر وعمر كانا على نهج عليّ، وكلّ الآيات الكريمة تعمم على المؤمنين، وإلاّ لتركنا كلّ الآيات التي نزلت في الرسول ونطبّقها عليه وحده.
فمثلاً الله أمر النبيّ بإقامة الصلاة، فهل نتركها بحجّة أنّها نزلت في النبيّ؟
الجواب:




نزول هذه الآية في حقّ عليّ(عليه السلام) هو ممّا بان واشتهر، ودونك المصادر المذكورة في الأسئلة السابقة لتتأكّد من ذلك.
ودعوى أنّها نزلت في غيره، أو في عامّة المؤمنين، فعلى المدّعي إثباتها، وإلاّ يبقى البيان الشاخص في نزول هذه الآية في عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه هو الفارس في الميدان، وقد نقله ابن أبي حاتم في تفسيره بأسانيد بعضها صحيحه، كما نقل ذلك غيره؛ فراجع واغتنم!
وانحصار الولاية بالثلاثة المذكورين في الآية: (( اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55)، والمراد به، شخص أمير المؤمنين(عليه السلام) بحسب الروايات.. ينفي دخول غيرهم معهم، وإلاّ لا وجه للانحصار، وذلك لأنّ ولاية المحبّة والموالاة الدينية عامّة في جميع الأمّة، وهذا الأمر مجمع عليه، (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ )) (التوبة:71)، فلا وجه للحصر هنا بقيود وأحوال خاصّة إلاّ الإشارة إلى عليّ(عليه السلام).
ثمّ إنّا لا نسلّم أن يصحّ تطبيق الآيات التي ورد فيها خطاب الله تعالى للمؤمنين، بلفظ: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) على جميع المؤمنين، لأنّها لم ترد في القرآن عامّة أو مطلقة دائماً، فمثلاً قد خصّصت في آية الولاية بقرينة: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، وهذه القرينة لا يمكن أن تكون مجرد وصف لجميع المؤمنين، لأنّ الثابت أنّ المؤمنين جميعاً لم يؤتوا الزكاة وهم راكعون، بل الذي فعل ذلك هو رجل واحد، وقد دلتنا الروايات الصحيحة على أنّه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) دون سواه، ممّا يعني أنّ الآية نازلة في حقه وغير شاملة لسائر المؤمنين.
فأمثال هذه الآيات ينبغي الرجوع فيها إلى القرائن الحالية والمقالية المتصلة أو المنفصلة، وعلم ذلك موكل إلى أهل الاختصاص من علماء التفسير والأُصول.
ودعوى أنّ أبا بكر وعمر كانا على نهج عليّ(عليه السلام) يحتاج إلى تحقيق وبحث، والمعلوم المشهور أنّ عليّاً(عليه السلام) رفض البيعة في الشورى، ولم يوافق على الشرط الذي أشترطه عليه عبد الرحمن بن عوف، بسبب رفضه العمل على سيرة الشيخين؛ فراجع وتدبر!




















تعليق على الجواب (4)
لو كان كلامك صحيح، فالمفروض أن تكون العبارة: ((الذي يؤتي الزكاة وهو راكع))، وليس الجمع، لأنّ المقصود واحد وليس المجموع.
الجواب:




من بلاغة العرب أن يأتوا بصيغة الجمع وإن كان المراد واحداً، وقد أجاب الزمخشري - خرّيت صناعة البلاغة - عن هذا الإشكال الذي قلته:
قال: ((فإن قلت: كيف يصحّ أن يكون لعليّ(رضي الله عنه)، واللفظ لفظ الجماعة؟
قلت: جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان، وتفقّد الفقراء، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلى الفراغ منها))(1).
ودمتم في رعاية الله
(1) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
























تعليق على الجواب (5)
جاءت الآية (( اللّهُ وَرَسُولُهُ )) بصيغة المفرد، وجاءت على أساس قولك من التعظيم لعليّ بصيغة الجمع, ولوكانت الآية تُبلِغ عن الإمامة ستكون واضحة بدون رواية تلحقها.
الجواب:




إنّ منهج عدم قبول الاستعانة بالسُنّة على تفسير القرآن منهج خاطئ، فالسُنّة الصحيحة الصادرة من المعصوم تكون مبيّنة وموضّحة للآيات القرآنية، فلا يصحّ رفضها وعدم قبولها.
وإذا أمكن تحديد فهم بعض الآيات القرآنية على أساس الاستعانة بالقرآن فقط، فإنّ هذه الآية لا يمكن معرفة مصداقها بسهولة من خلال القرآن فقط، خصوصاً لعامّة المسلمين؛ لأنّها تحيل إلى قضية خارجية، وهيك التصدّق والزكاة في حال الركوع, وهذه القضية لا يمكن معرفة المراد منها خارجاً إلاّ من خلال الروايات والأخبار.
والأخبار تشير إلى أنّ الذي قام بهذا العمل شخص واحد، وهو عليّ(عليه السلام)، بل إنّ هناك أخباراً أُخرى تشير إلى تصدّق بعض الصحابة عدّة مرّات بمثل الهيئة التي تصدّق بها عليّ(عليه السلام)، ومع ذلك لم تنزل فيه مثل ما نزل بحقّ عليّ(عليه السلام)، ممّا يؤكّد عدم صلاحية أي تصدّق للدخول كمصداق للآية, وكما يعترف بذلك ذلك الصحابي، ففي رواية عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: ((أخرجت من مالي صدقة يتصدّق بها عنّي وأنا راكع أربعاً وعشرين مرّة على أن ينزل في ما نزل في عليّ(عليه السلام) فما نزل))(1).




(1) سعد السعود: 90 ما أورده من كتاب ابن الحجام بخصوص قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
















تعليق على الجواب (6)
سؤالي يدور في خاطري منذ عرفت من هم إخواننا الشيعة ومذهبهم: وهو إذا كان تفسير الآية الكريمة (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )): أنّ الولاية هي لعلي كرّم الله وجهه؛ لأنّه تبرع بخاتمه في الصلاة, فهذا يقودني إلى التساءل بأنّ عليّ كرّم الله وجهه لم يكن تفكيره بالصلاة، بل كان تفكيره كلّه بما يريده من جاء وأخذ الخاتم, وهذا طبعاً لا يرضاه أحد, فما هو الردّ على هذا التساءل؟
أجركم على الله
الجواب:
إنّ المؤثّرات الخارجية الآتية عن طريق السمع والبصر وغيرها من الحواس، إنّما تؤثّر على الخشوع في الأفراد العاديين، أمثالنا نحن, أمّا الذي له درجة كمالية عالية كالإمام؛ فإنّ تلك المؤثّرات لا تؤثّر على خشوعه, بل هو في حال خشوعه يستطيع أن يسمع ويبصر, ويعي ما يسمع ويبصر.
وإن أبيت إلاّ أن تنكر ذلك، فنقول لك: إذا كنت خاشعاً يوماً في صلاتك, وأنت فاتح عينيك أثناء الصلاة, وحصلت حركة معيّنة أثناء الصلاة, ولم تسلب خشوعك، هل تستطيع أن تصف تلك الحركة المعيّنة بعد الصلاة؟
فإن قلت: نعم.
نقول لك: إنّ اجتماع حالة البصر وحالة الخشوع عندك دليل إمكان اجتماع حالتي السمع والخشوع كذلك، سواء عندك أو عند غيرك.
ومع ذلك، فإنّ سؤال السائل كان في بعض وقت الصلاة, ولم يستغرق كلّ وقتها, فالانتباه إلى قوله (خاصّة وإنّه لم يكن الأمر دنيويّاً بل كان في سبيل الله) للحظة دون معارضته للخشوع ممكن, وأمّا الأفعال القليلة بعد الالتفات من الإشارة إليه لأخذ خاتمه, ومدّ يده ليأخذه الفقير, فإنّه كان عبادة في عبادة لا تخدش في كمال الصلاة؛ فإنّ ما ينافي كمالها هو الانشغال عنها بأمر دنيوي سواء بالجوارح أو بالفؤاد, وهو ما لم يحصل عنده (عليه السلام), ومن هنا جاء مدحه في القرآن وعلى لسان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمام الصحابة؛ فلاحظ!
النقطة الأولى: الآية ذكرت الصلاة، والركوع هو من الصلاة، لذلك عندما أتت (راكعون) في هذا الموضع هي صفة هؤلاء الذين يؤتون الزكاة بأنّهم لا يدفعونها بكبر، وإنّما وهم راكعون منصاعين لأوامر الله عزّ وجلّ.
الأمر الآخر: عليّ بن أبي طالب تصدّق بخاتم وهو يصلّي، هل تعتبر هذه بدعة في الدين؛ لأنّ محمّداً عليه الصلاة والسلام لم يرد أنّه تصدّق وهو في صلاته، وهذا أمر جديد، فمن الذي هدى عليّ(عليه السلام) إلى هذا الأمر؟
النقطة الثالثة: الآية جاءت عامّة عن المؤمنين فهل عليّ هو المؤمن الوحيد؟
آخر نقطة: أنت لِمَ تقول: أنّ الفريقين أجمعوا على أنّ هذه الآية نزلت في الإمام عليّ(عليه السلام)، أنا أقول لك: لا يا أخي كلامك غير صحيح، أهل السُنّة لا يقولون هذا القول.
الجواب:




جواب النقطة الأولى:
لا يجوز أن تكون: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) صفة مع وجود (الواو)، فالواو إمّا عاطفة، وإمّا حالية، وكونها عاطفة بعيد؛ لأنّ الركوع من ضمن أفعال وأركان الصلاة، فلا يصحّ تكراره، خصوصاً مع وجود فاصل أجنبي عن الصلاة، وهو الزكاة يفصل بين الجملتين.
ولذلك لا يصحّ إلاّ أن تكون (الواو) هنا حالية، ويكون المعنى أنّهم: (يؤتون الزكاة حال ركوعهم).
ويوجب هذا المعنى ورود النصوص الصريحة التي تؤكّد هذا المعنى، إذ ورد في إحدى روايات تصدّق أمير المؤمنين(عليه السلام) بالخاتم: (تصدَّق عليٌّ بخاتمه وهو راكع)(1)، كما روى الهيثمي في مجمع الزوائد(2)، والطبراني في أوسطه(3)، والسيوطي في تفسيره: ((عن عمّار بن ياسر، قال: وقف على عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) سائل وهو راكع في تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل...))(4)، الرواية.. وأخرج لها السيوطي شواهد في (لباب النقول)، وقال: ((فهذه شواهد يقوي بعضها بعضاً))(5)، ونقل مثله السيوطي عن الخطيب في (المتفق) عن ابن عبّاس، قال: ((تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع...))(6).
وكذلك ورد في سبب نزول الآية عند الواحدي: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للسائل: على أيّ حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع، فكبّر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ تلا هذه الآية...))(7)، وهذا كلّه يؤكد المعنى الذي يلتزمه الشيعة، حيث ثبت سبب النزول، وثبت إرادة ذلك المعنى وهو أداء الزكاة حال الركوع.
أمّا الاعتراض بذكر الصلاة وذكر الركوع بعد ذلك وهو جزء من الصلاة، فمع سبب النزول يندفع الإشكال؛ إذ أنّ للركوع في قصّة التصدّق أهمية ينبغي معها ذكرها، مع أنّ القرآن الكريم كثيراً ما يذكر الخاص بعد العام، مثل: قوله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (البقرة:43).
وقوله عزّ وجلّ: (( وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ )) (الأنبياء:73)؛ قال البيضاوي في تفسيرها ما معناه: وهو من عطف الخاص على العام للتفضيل(8)، وقوله تعالى: (( وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ )) (العصر:3)؛ وقال البيضاوي في تفسيره: ((وهذا من عطف الخاص على العام للمبالغة))(9).
وذكر ابن تيمية في (دقائق التفسير) حديث النزول، وقال: ((فذكر أوّلاً الدعاء، ثمّ ذكر السؤال والاستغفار، والمستغفر سائل، كما أنّ السائل داعٍ، لكنّ ذكر السائل لدفع الشر بعد السائل الطالب للخير، وذكرهما جميعاً بعد ذكر الداعي الذي تناولهما وغيرها، فهو من باب عطف الخاص على العام))(10).
وقال تعالى أيضاً: (( مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلكَافِرِينَ )) (البقرة:98)، قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره: ((قال الماتريدي... وخصّ جبريل وميكال بالذكر تشريفاً لهما وتفضيلاً. وقد ذكرنا عن أُستاذنا أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير(قدس الله سره) أنّه كان يسمّي لنا هذا النوع بـ(التجريد)، وهو أن يكون الشيء مندرجاً تحت عموم، ثمّ تفرده بالذكر، وذلك لمعنى مختص به دون إفراد ذلك العام، فجبريل وميكال جُعلا كأنّهما من جنس آخر، ونُزّل التغاير في الوصف كالتغاير في الجنس فعطف، وهذا النوع من العطف، أعني: عطف الخاص على العام على سبيل التفضيل، هو من الأحكام التي انفردت بها الواو، فلا يجوز ذلك في غيرها من حروف العطف))(11). انتهى.
فهذا الكلام كلّه مع عدم كون الواو حالية، أي أنّه سواء أكانت الواو عاطفة أم حالية تصحّ قصّة التصدّق.
وبهذا يندفع إشكال ذكر الركوع بعد الصلاة وإرادته على معناه الحقيقي، مع الأخذ بنظر الاعتبار كون الحقيقة هي الظاهر والأصل، وكون المجاز هو التأويل والفرع، ولا يصار إلى المجاز إلاّ مع تعذّر الحمل على الحقيقة.
فيصحّ أن يكون المعنى: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة حال ركوعهم، إن فسرنا الواو بأنّها حالية، ويجوز أيضاً كون الواو عاطفة، فيكون من باب عطف الخاص على العام للأهمية أو لبيان الاختصاص؛ إذ لا يمكن أن يخطر على قلب أحد أن يتصدّق حال ركوعه، فكان ذكر الركوع من باب اختصاص أمير المؤمنين(عليه السلام) بالتصدّق حال الصلاة، وفي الركوع بالذات حيث ينقطع الإنسان المصلّي فيه عادة عن كلّ ما حوله، ولكنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) اجتمعت فيه الأضداد كما وصفه ابن الجوزي حين فسرّ خشوعه وفنائه مع الله تعالى وتصدّقه في الوقت نفسه، فتمثّل قائلاً:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ***** عن النديم ولا يلهو عن الناسِ
أطاعه سكره حتّى تمكن من ***** فعل الصحاة فهذا واحد الناسِ
ثمّ إنّه لا مبرر لتعلّق الولاية العامّة (حسب مدّعاكم في معنى الآية) بأمر جانبي قلبي، واشتراط عدمه ليُتّخذ وليّاً وأخاً في الله، وهو: عدم الكبر وعدم الرياء، بل الدليل على خلاف ذلك، إذ أنّ الإسلام يَشتَرط التلفّظ بالشهادتين فقط، كما في حديث أسامة بن زيد، دون النظر إلى الصدق والإخلاص والقبول، ويشهد لذلك عصمة دماء المنافقين حتّى مع معرفتهم واليقين بنفاقهم والقطع به، فالإسلام يتعامل مع الظاهر والحساب على الله تعالى يوم القيامة، يوم تبلى السرائر.
وكون الصلاة والزكاة يتقرّب بها المسلم إلى الله تعالى مطيعاً لأوامره، متذلّلاً في قبولها وتنفيذها إذ أنّ العبادات كلّها يشترط فيها هذا الشرط، فلماذا قُيّد هنا به دون غيره من الموارد مع وضوحه وبداهته في كلّ الأعمال؟
والمشكلة الأكبر في كلّ ذلك هو الإتيان بلفظٍ غامض ومصطلح مستعمل في معنى عبادي آخر (( وَهُم رَاكِعُونَ )) مع إرادة معنى آخر (حسب زعمكم في معنى الآية).
فيحصل بذلك الإبهام والإيهام مع أهميته وبداهته، فكيف يعبّر عنه بمثل هذا الغموض ويسمّيه: ركوعاً، ويقصد التذلّل والتسليم، أي يريد المجاز دون الحقيقة المتشرعية، أو بالأحرى الشرعية المستعملة والمشهورة بين المسلمين في ذلك الوقت؟!
جواب النقطة الثانية:
أمّا الإشكال الثاني فهو أعجب من الأوّل والله؛ إذ أن تعريف البدعة: أنّها إحداث شيء في الدين، وتشريعه والتعبد به من دون وجود أصل له في الشريعة، ولا إقرار عليه من المشرع، وهذان الأمران منفيان عن فعل أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ إذ أنّه (عليه السلام) حينما تصدّق وهو في الصلاة كان بسبب سؤال ذلك الرجل، وعدم إعطاء أحد له، وهذا المحتاج أراد أن يدعو على المسلمين فمدّ له أمير المؤمنين(عليه السلام) إصبعه ونزع الخاتم له وأعطاه إياه، فكان فعله اضطرارياً..
كما هو حال ذلك الصحابي الذي جاء متأخّراً عن الصلاة مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فركع قبل أن يصل إلى الصفوف، وبقي يمشي وهو راكع، وبعد ذلك امتدحه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأقرّه على حرصه مع عدم سبقه بذلك، فهل يستطيع أحد أن يصف فعل ذلك الصحابي بأنّه بدعة؟!
فكذلك فعل أمير المؤمنين(عليه السلام)، بل إن فعل ذلك الصحابي أولى وأقرب لأن يوصف بكونه بدعة؛ إذ أنّه مشى في ركوعه، أمّا أمير المؤمنين(عليه السلام) فلم يفعل أكثر من الإيماء والإشارة بالخاتم لذلك السائل..
ومع وجود روايات وأحاديث كثيرة عند المخالفين في التحرك الكثير في الصلاة دون أن يدعي أحد فيها بالانشغال، أو العبث، أو البطلان. مثل الرواية التي يُدعى فيها أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلّى يوماً بالمسلمين فتذكر أنّه مجنب، فتركهم في الصلاة، وذهب فاغتسل، وعاد وأكمل صلاته، وإمامته للصحابة!!
وكذلك هناك رواية صلاة أبي بكر بالناس حين غياب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي يروونها ويَدّعونها؛ ففيها: رجوع أبي بكر إلى الوراء، ونكوصه والتفاته، ورفع يديه فرحاً ليدعو ويشكر الله على أمر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) له بالبقاء والتقدّم.
وغير ذلك الكثير من الأمثلة والشواهد على الحركة في أثناء الصلاة، وكلّ ذلك لا يقول فيه أحد أنّه حركة وانشغال أثناء الصلاة، أمّا إيماء عليّ(عليه السلام) وإشارته لذلك السائل بخاتمه، ليأخذه بعد أن يئس من إعطاء أحد من الصحابة شيئاً له، والتصدّق عليه لحاجته، فيرد على ذلك عندهم ألف إشكال وإشكال، وألف سؤال وسؤال، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم!
فالبدعة تشريع شيء في الدين، وإدخال ما ليس منه فيه، والحركة البسيطة جدّاً مع كونها طاعة لله تعالى، وفي سبيله، ومع كونها لضرورةٍ؛ لكون السائل أراد أن يرفع يديه، ويشكو إليه تعالى، ودفع الله به ما كان أعظم، أنّه قد دخل مسجد رسوله، وهو محتاج، ولم يعطه أحد شيئاً، فأجابه أمير المؤمنين(عليه السلام) قبل أن يدعو ويشكو إلى الله عزّ وجلّ، فهي ليست في شيء من التشريع أو الإدخال في الدين ما ليس منه!!
أمّا زمن التشريع: فقد حدثت عشرات بل مئات الحوادث التي لم ينزل تشريعها أو إقرارها إلاّ بعد فعل أحد المسلمين لها، وخصوصاً موافقات القرآن لعمر؛ إذ لم نر أحداً منهم قد اعترض عليه بأنّه يبتدع، بل تجعل كلّ اجتهاداته وآرائه ينزل فيها القرآن ليشرّعها ويوافقها، بعد أن يفعلها عمر دون تشريع مسبق.
أمّا أميرُ المؤمنين(عليه السلام) فلا بدّ أن يجعلوا أفعاله تلك بدعة، وغير مشرّعة مع نزول آية تمتدحه على فعله، وليست توافقه فقط، ويقرّه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل يكبّر، ويحمد الله، ويشكره على فعل علي(عليه السلام) ذلك، ومع ذلك يبقى الحاقدون غير راضين عن أيّ فعل لكونه صادراً من أمير المؤمنين(عليه السلام).
جواب النقطة الثالثة:
أمّا مسألة الجمع مع إرادة المفرد، فإنّه أسلوب عربي معروف وبليغ ومستعمل في القرآن الكريم كثيراً، ومنه قوله تعالى: (( إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) (الحجر:9), فهذا كذاك.
فسياق الآية العام لا ينفي ولا يعارض تخصيصها بسبب النزول الخاص، مع عدم فعل أحد من المسلمين لذلك الفعل في زمن أمير المؤمنين سواه (عليه السلام)، وقد ورد أن أئمّتنا(عليهم السلام) كلّهم قد فعلوا ذلك، فيكون العموم نافعاً لهذه النكتة المهمة؛ إذ لولا صيغة الجمع مع وجود أداة الحصر، فإنّ دخول سائر الأئمّة في الآية وشمول ولايتهم على المؤمنين يصبح صعباً ومتنافياً ولو ظاهراً مع الآية الكريمة.
جواب النقطة الأخيرة:
الإجماع المدّعى بين الفريقين في نزول هذه الآية في أمير المؤمنين(عليه السلام) لا يقصد منه الإجماع الاصطلاحي، وإنّما يقصد منه كما هو واضح: الاتّفاق بين الفريقين على رواية نزولها في أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ إذ أنّك لو راجعت ما ذكرناه على صفحتنا تجد في أحد أجوبتنا تسعة عشر مصدراً تفسيرياً وغيره، قد ذكر نزولها في علي(عليه السلام) في قصّة التصدّق بالخاتم؛ فراجع لتعرف أقوال السُنّة ورواياتهم في نزول هذه الآية الكريمة في أمير المؤمنين(عليه السلام).








(1) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162.
(2) مجمع الزوائد 7: 17 سورة المائدة.
(3) المعجم الأوسط 6: 218.
(4) الدرّ المنثور 2: 293.
(5) لباب النقول: 93.
(6) الدرّ المنثور 2: 293.
(7) أسباب نزول: 133 سورة المائدة وغيرها.
(8) تفسير البيضاوي 4: 101.
(9) تفسير البيضاوي 5: 526.
(10) دقائق التفسير2: 359.
(11) البحر المحيط 1: 490.
























تعقيب على الجواب (1)
اللّهمّ صلّ على محمّد وآله الأطهار..




والله إنّي لاعجب أشدّ العجب من قوم يعاندون حتى علماءهم الأعلام! فتلك كتب أعلامكم زاخرة بالأحاديث التي وصلت حدّ التواتر، ولا أعلم لماذا هذا العناد في تفسير هذه الآية بالذات؟!
ولو أنّها نزلت في غير أمير المؤمنين عليّ(سلام الله عليه) لقامت الدنيا ولم تقعد، ولاعتبرت فضيلة لا تدانيها فضيلة، ولكن الحمد لله (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )).
وإذا ما أردنا تفسير هذا العناد، فيتّضح: إمّا لغرض حقد دفين على هذه الشخصية الفذّة التي لم ينقل التاريخ كمثل بطولاتها والتزامها وإيمانها، وإمّا: أنّه عناد مقابل النصّ والقرآن، وفي كلتا الحالتين مصير أصحابها معروف، فسبحان الله عمّا تصفون.
والحمد لله رب العالمين.
























































































السؤال: احتجاج الإمام عليّ(عليه السلام) بالآية
أُودّ أن أحصل على ردّ شافٍ على من يقول: إذا كنتم تحتجّون بآية الولاية (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )) (المائدة:55) على إمامة عليّ(عليه السلام)، فلماذا لم يحتجّ بها الإمام عليّ(عليه السلام) نفسه؟
الجواب:




نود أن نشير إلى بعض المطالب ليتّضح الجواب:
أولاً: إنّ الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) كثيرة، عقلاً ونقلاً، تكاد لا تحصى، وقد أُلّفت كتب مستقلّة في هذا المجال.
ولكنّ الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه، هو أنّ الإمام(عليه السلام) لم يكن مُلزماً - لا عقلاً ولا شرعاً - بالاحتجاج والمناشدة بكافّة هذه الأدلّة، بل بالمقدار الذي يُلقي الحجّة على الناس، وهذا هو الذي حدث بعدما علمنا من احتجاجه (عليه السلام) بحديث الغدير، وعدم رضوخ القوم لهذا الحقّ الصريح، فبعده هل يبقى مجال لاحتمال تأثير أمثال آية الولاية في نفوسهم؟!
ثانياً: لنفرض أنّ الاحتجاج بهذه الآية لم يصل إلينا، فهل هذا دليل على عدم صدوره منه (عليه السلام)؟ مع أنّ المتيقّن هو: عدم وصول أخبار وآثار كثيرة من لدن الصدر الأوّل إلينا، خصوصاً ما كان منها يصطدم مع مصالح الخلفاء، فإنّهم أخفوا الكثير من فضائل ومناقب أهل البيت(عليهم السلام)، وما ظهر منها فهو غيض من فيض.
ثالثاً: ثمّ لنفرض مرّة أُخرى، أنّ الإمام(عليه السلام) لم يحتجّ بها واقعاً، فهل هذا يدلّ بالالتزام على عدم دلالة الآية على إمامته (عليه السلام)؟
كلاّ؛ إذ لا توجد ملازمة بين المسألتين.
رابعاً: هذه الشبهة هي في الأصل من الفخر الرازي (ت606هـ) في تفسيره للآية، (ت606هـ) إذ قال: ((فلو كانت هذه الآية دالّة على إمامته لاحتجّ بها في محفل من المحافل، وليس للقوم أن يقولوا: إنّه تركه للتقية؛ لأنّهم ينقلون عنه أنّه تمسّك يوم الشورى بخبر الغدير...))(1).
فنقول ردّاً عليه:
بأنّ الاحتجاج بالآية ورد في مصادر الشيعة(2)، وقد أشار إلى بعض الحديث بعض من مصادر أهل السُنّة(3).








(1) تفسير الرازي 12: 28 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(2) انظر: الاحتجاج للطبرسي 1: 202 (احتجاج أمير المؤمنين(عليه السلام) على القوم لمّا مات عمر)، أمالي الشيخ الطوسي: 549 (1168) (حديث المناشدة عن أبي ذرّ)، الخصال للصدوق: 580 باب السبعين.
(3) انظر: المناقب للخوارزمي: 313 (314) الفصل التاسع عشر، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 431.




































السؤال: إقتران آية الولاية بحديث الولاية
هل تقترن آية الولاية (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ... )) بحديث الولاية؟
الجواب:




إذا كان المراد بالاقتران: التقارن الزماني, فمن المعلوم أنّ آية الولاية نزلت في زمان يختلف عن زمان صدور حديث: (من كنت مولاه فعليّ مولاه)(1) الذي صدر عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد نزول آية التبليغ في غدير خم بعد انتهاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حجّة الوداع.
وأمّا إذا كان المراد: الاقتران بالمعنى، فهذا شيء صحيح؛ فآية الولاية وحديث الولاية، بل كلّ الأحاديث التي جاءت تذكر ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام), مثل: (يا عليّ أنت وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي)(2) تؤدّي معنى واحد.
ونقول: كلّ هذه الأحاديث تؤكّد حقيقة واحدة لا غير، وهي أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) هو وليّ المؤمنين والمتصرّف بشؤونهم بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).








(1) تم تخريج الحديث في ما تقدّم.
(2) مسند أحمد 1: 84، 118، 119 مسند عليّ بن أبي طالب.




















































السؤال: جواب على ما قاله الآلوسي في تفسيره (روح المعاني)
قال محمود الآلوسي (ت1270هـ) في تفسيره (روح المعاني) في تفسير قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )):
*************************
ثمّ إنّه سبحانه لمّا قال: (( لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ )) (المائدة:51) وعلّله بما علّله، ذكر عقب ذلك من هو حقيق بالموالاة بطريق القصر، فقال عزّ وجلّ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ))، فكأنّه قيل: لا تتّخذوا أولئك أولياء لأنّ بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم، إنّما أولياؤكم الله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم) والمؤمنون، فاختصوهم بالموالاة ولا تتخطّوهم إلى الغير..
وأفرد الوليّ مع تعدّده ليفيد كما قيل: أنّ الولاية لله تعالى بالأصالة وللرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بالتبع؛ فيكون التقدير: إنّما وليّكم الله سبحانه، وكذلك رسوله(صلّى الله عليه وسلّم) والذين آمنوا، فيكون في الكلام أصل وتبع، لا أنّ (وليّكم) مفرد استعمل استعمال الجمع، كما ظنّ صاحب (الفرائد)؛ فاعترض بأنّ ما ذكر بعيد عن قاعدة الكلام لما فيه من جعل ما لا يستوي الواحد والجمع جمعاً، ثمّ قال: ويمكن أن يقال: التقدير: إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا أولياؤكم، فحذف الخبر لدلالة السابق عليه، وفائدة الفصل في الخبر هي: التنبيه على أنّ كونهم أولياء بعد كونه سبحانه وليّاً، ثمّ بجعله إيّاهم أولياء، ففي الحقيقة هو الوليّ. انتهى.
ولا يخفى على المتأمّل أنّ المآل متّحد والمورد واحد، وممّا تقرر يعلم أنّ قول الحلبـي: ويحتمل وجهاً آخر، وهو: أنّ وليّاً زنة فعيل، وقد نصّ أهل اللسان أنّه يقع للواحد والاثنين والجمع تذكيراً وتأنيثاً بلفظ واحد، كـ(صديق)، غير واقع موقعه؛ لأنّ الكلام فيه سرّ بياني، وهو: نكتة العدول من لفظ إلى لفظ..
ولا يرد على ما قدّمنا أنّه: لو كان التقدير كذلك لنافى حصر الولاية في الله تعالى ثمّ إثباتها للرسول(صلّى الله عليه وسلّم) وللمؤمنين؛ لأنّ الحصر باعتبار أنّه سبحانه الوليّ أصالة وحقيقة، وولاية غيره إنّما هي بالإسناد إليه عزّ شأنه.
(( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )) بدل من الموصول الأوّل، أو صفة له باعتبار إجرائه مجرى الأسماء؛ لأنّ الموصول وصلَة إلى وصف المعارف بالجمل، والوصف لا يوصف إلاّ بالتأويل، ويجوز أن يعتبر منصوباً على المدح، ومرفوعاً عليه أيضاً، وفي قراءة عبد الله: (( و - الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ )) بالواو.
(( وَهُم رَاكِعُونَ )): حال من فاعل الفعلين، أي: يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعون لله تعالى.
وقيل: هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة، والركوع ركوع الصلاة، والمراد بيان كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه.
وغالب الأخباريين على أنّها نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه؛ فقد أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متّصل، قال: (( أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فقالوا: يا رسول الله! إنّ منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدّث دون هذا المجلس، وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنا بالله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم) وصدّقناه رفضونا، وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا، ولا يناكحونا، ولا يكلّمونا، فشقّ ذلك علينا.
فقال لهم النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم): إنّما وليّكم الله ورسوله.
ثمّ إنّه (صلّى الله عليه وسلّم) خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فبصر بسائل، فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: نعم، خاتم من فضّة. فقال: من أعطاكه؟ فقال: ذلك القائم. وأومأ إلى عليّ كرّم الله تعالى وجهه، فقال النبـيّ (صلّى الله عليه وسلّم): على أيّ حال أعطاك؟ فقال: وهو راكع. فكبر النبـيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ثمّ تلا هذه الآية ))، فأنشأ حسان رضي الله تعالى عنه يقول:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي ***** وكلّ بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مديحك المحبّر ضائعاً ***** وما المدح في جنب الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً ***** زكاة فدتك النفس يا خير راكــع
فأنزل فيك الله خير ولايــــة ***** وأثبتها أثنا كتاب الشرائـــع
واستدلّ الشيعة بها على إمامته كرّم الله تعالى وجهه، ووجه الاستدلال بها عندهم أنّها بالإجماع أنّها نزلت فيه كرّم الله تعالى وجهه، وكلمة (إِنَّمَا) تفيد الحصر، ولفظ الوليّ بمعنى المتولّي للأمور والمستحقّ للتصرّف فيها، وظاهر أنّ المراد هنا: التصرّف العام المساوي للإمامة، بقرينة ضم ولايته كرّم الله تعالى وجهه بولاية الله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم)، فثبتت إمامته وانتفت إمامة غيره وإلاّ لبطل الحصر، ولا إشكال في التعبير عن الواحد بالجمع؛ فقد جاء في غير ما موضع، وذكر علماء العربية أنّه يكون لفائدتين: تعظيم الفاعل، وأنّ من أتى بذلك الفعل عظيم الشأن بمنزلة جماعة، كقوله تعالى: (( إِنَّ إِبراهِيمَ كَانَ أُمَّةً )) (النحل:12)، ليرغب الناس في الإتيان بمثل فعله، وتعظيم الفعل أيضاً حتى أنّ فعله سجية لكلّ مؤمن، وهذه نكتة سرية (سارية) تعتبر في كلّ مكان بما يليق به.
وقد أجاب أهل السُنّة عن ذلك بوجوه:
الأوّل: النقض، بأنّ هذا الدليل كما يدلّ بزعمهم على نفي إمامة الأئمّة المتقدّمين كذلك يدلّ على سلب الإمامة عن الأئمّة المتأخّرين، كالسبطين رضي الله تعالى عنهما وباقي الاثني عشر رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعين ذلك التقرير، فالدليل يضر الشيعة أكثر ممّا يضر أهل السُنّة كما لا يخفى.
ولا يمكن أن يقال: الحصر إضافي بالنسبة إلى من تقدّمه؛ لأنّا نقول: إنّ حصر ولاية من استجمع تلك الصفات لا يفيد إلاّ إذا كان حقيقياً، بل لا يصحّ لعدم استجماعها فيمن تأخّر عنه كرّم الله تعالى وجهه.
وإن أجابوا عن النقض بأنّ المراد حصر الولاية في الأمير كرّم الله تعالى وجهه في بعض الأوقات، أعني: وقت إِمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهم رضي الله تعالى عنهم، قلنا: فمرحباً بالوفاق؛ إذ مذهبنا أيضاً أنّ الولاية العامّة كانت له وقت كونه إماماً، لا قبله، وهو زمان خلافة الثلاثة، ولا بعده، وهو زمان خلافة من ذكر.
فإن قالوا: إنّ الأمير كرّم الله تعالى وجهه لو لم يكن صاحب ولاية عامّة في عهد الخلفاء يلزمه نقص بخلاف وقت خلافة أشباله الكرام رضي الله تعالى عنهم، فإنّه لمّا لم يكن حيّاً لم تصر إمامة غيره موجبة لنقص شرفه الكامل؛ لأنّ الموت رافع لجميع الأحكام الدنيوية.
يقال: هذا فرار وانتقال إلى استدلال آخر ليس مفهوماً من الآية؛ إذ مبناه على مقدّمتين: الأولى: إنّ كون صاحب الولاية العامّة في ولاية الآخر -. ولو في وقت من الأوقات -. غير مستقلّ بالولاية نقص له، والثانية: إنّ صاحب الولاية العامّة لا يلحقه نقص مّا بأي وجه وأي وقت كان، وكلتاهما لا يفهمان من الآية أصلاً كما لا يخفى على ذي فهم..
على أنّ هذا الاستدلال منقوض بالسبطين زمن ولاية الأمير كرّم الله تعالى وجهه، بل وبالأمير أيضاً في عهد النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم).
والثاني: إنّا لا نسلّم الإجماع على نزولها في الأمير كرّم الله تعالى وجهه؛ فقد اختلف علماء التفسير في ذلك، فروى أبو بكر النقّاش صاحب التفسير المشهور عن محمد الباقر رضي الله تعالى عنه: أنّها نزلت في المهاجرين والأنصار، وقال قائل: نحن سمعنا أنّها نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه، فقال: هو منهم، يعني أنّه كرّم الله تعالى وجهه داخل أيضاً في المهاجرين والأنصار ومن جملتهم.
وأخرج أبو نعيم في (الحلية) عن عبد الملك بن أبـي سليمان وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن الباقر رضي الله تعالى عنه أيضاً نحو ذلك، وهذه الرواية أوفق بصيغ الجمع في الآية.
وروى جمع من المفسّرين عن عكرمة أنّها نزلت في شأن أبـي بكر رضي الله تعالى عنه.
والثالث: أنّا لا نسلّم أنّ المراد بالوليّ: المتولّي للأمور والمستحقّ للتصرّف فيها تصرّفاً عامّاً، بل المراد به: الناصر، لأنّ الكلام في تقوية قلوب المؤمنين وتسليتها وإزالة الخوف عنها من المرتدّين، وهو أقوى قرينة على ما ذكره، ولا يأباه الضم، كما لا يخفى على من فتح الله تعالى عين بصيرته.
ومن أنصف نفسه علم أنّ قوله تعالى في ما بعد: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُم هُزُواً وَلَعِباً مّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَـابَ مِن قَبلِكُم وَالكُفَّارَ أَولِيَاء )) (المائدة:57) آبٍ عن حمل الوليّ على ما يساوي الإمام الأعظم؛ لأنّ أحداً لم يتّخذ اليهود والنصارى والكفّار أئمّة لنفسه، وهم أيضاً لم يتّخذ بعضهم بعضاً إماماً، وإنّما اتّخذوا أنصاراً وأحباباً.
وكلمة (إِنَّمَا) المفيدة للحصر تقتضي ذلك المعنى أيضاً؛ لأنّ الحصر يكون في ما يحتمل اعتقاد الشركة والتردّد والنزاع، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردّد ونزاع في الإمامة وولاية التصرّف، بل كان في النصرة والمحبّة.
والرابع: أنّه لو سلم أنّ المراد ما ذكروه، فلفظ الجمع عام، أو مساوٍ له - كما ذكره المرتضى في (الذريعة)، وابن المطهّر في (النهاية) - والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، كما اتّفق عليه الفريقان، فمفاد الآية حينئذٍ حصر الولاية العامّة لرجال متعدّدين يدخل فيهم الأمير كرّم الله تعالى وجهه، وحمل العام على الخاص خلاف الأصل، لا يصحّ ارتكابه بغير ضرورة ولا ضرورة.
فإن قالوا: الضرورة متحقّقة هاهنا إذ التصدّق على السائل في حال الركوع لم يقع من أحد غير الأمير كرّم الله تعالى وجهه، قلنا: ليست الآية نصّاً في كون التصدّق واقعاً في حال ركوع الصلاة؛ لجواز أن يكون الركوع بمعنى التخشّع والتذلّل لا بالمعنى المعروف في عرف أهل الشرع، كما في قوله:
لا تهين الفقير علّك أن ***** (تركع) يوماً والدهر قد رفعه
وقد استعمل بهذا المعنى في القرآن أيضاً، كما قيل في قوله سبحانه: (( وَاركَعِي مَعَ الراكِعِينَ )) (آل عمران:43)؛ إذ ليس في صلاة من قبلنا من أهل الشرائع ركوع هو أحد الأركان بالإجماع، وكذا في قوله تعالى: (( وَخَرَّ رَاكِعاً )) (ص:24)، وقوله عزّ وجلّ: (( وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركَعُوا لاَ يَركَعُونَ )) (المرسلات:48) على ما بيّنه بعض الفضلاء، وليس حمل الركوع في الآية على غير معناه الشرعي بأبعد من حمل الزكاة المقرونة بالصلاة على مثل ذلك التصدّق، وهو لازم على مدّعى الإمامية قطعاً.
وقال بعض منّا أهل السُنّة: إنّ حمل الركوع على معناه الشرعي وجعل الجملة حالاً من فاعل (( يُؤتُونَ )) يوجب قصوراً بيّناً في مفهوم (( يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ ))؛ إذ المدح والفضيلة في الصلاة كونها خالية عمّا لا يتعلّق بها من الحركات سواءً كانت كثيرة أم قليلة، غاية الأمر أنّ الكثيرة مفسدة للصلاة دون القليلة، ولكن تؤثّر قصوراً في معنى إقامة الصلاة ألبتة، فلا ينبغي حمل كلام الله تعالى الجليل على ذلك، انتهى.
وبلغني أنّه قيل لابن الجوزي رحمه الله تعالى: كيف تَصَدَّقَ عليّ كرّم الله تعالى وجهه بالخاتم وهو في الصلاة، والظنّ فيه -. بل العلم الجازم - أنّ له كرّم الله تعالى وجهه شغلاً شاغلاً فيها عن الالتفات إلى ما لا يتعلّق بها، وقد حكي ممّا يؤيد ذلك كثير؟ فأنشأ يقول:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ***** عن النديم ولا يلهو عن الناس
أطاعه سكره حتى تمكّن من ***** فعل الصحاة فهذا واحد الناس
وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي قدس سره عن أصل الاستدلال، بأنّ: الدليل قائم في غير محلّ النزاع، وهو كون عليّ كرّم الله تعالى وجهه إماماً بعد رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) من غير فصل؛ لأنّ ولاية الذين آمنوا على زعم الإمامية غير مرادة في زمان الخطاب، لأنّ ذلك عهد النبوّة، والإمامة نيابة، فلا تتصوّر إلاّ بعد انتقال النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، وإذا لم يكن زمان الخطاب مراداً، تعيّن أن يكون المراد الزمان المتأخر عن زمن الانتقال ولا حدّ للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلى الأمير كرّم الله تعالى وجهه بعد مضي زمان الأئمّة الثلاثة، فلم يحصل مدّعى الإمامية.
ومن العجائب أنّ صاحب (إظهار الحقّ) قد بلغ سعيه الغاية القصوى في تصحيح الاستدلال بزعمه، ولم يأت بأكثر ممّا يضحك الثكلى، وتفزع من سماعه الموتى؛ فقال: إنّ الأمر بمحبّة الله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم) يكون بطريق الوجوب لا محالة، فالأمر بمحبّة المؤمنين المتّصفين بما ذكر من الصفات وولايتهم أيضاً كذلك، إذ الحكم في كلام واحد يكون موضوعه متّحداً أو متعدّداً أو متعاطفاً، لا يمكن أن يكون بعضه واجباً وبعضه مندوباً، وإلاّ لزم استعمال اللفظ بمعنيين، فإذا كانت محبّة أولئك المؤمنين وولايتهم واجبة وجوب محبّة الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وسلّم) امتنع أن يراد منهم كافة المسلمين وكلّ الأمّة، باعتبار أنّ من شأنّهم الاتّصاف بتلك الصفات؛ لأنّ معرفة كلّ منهم ليحبّ ويوالي ممّا لا يمكن لأحد من المكلفين بوجه من الوجوه، وأيضاً قد تكون معاداة المؤمنين لسبب من الأسباب مباحة بل واجبة، فتعين أن يراد منهم البعض، وهو عليّ المرتضى كرّم الله تعالى وجهه. انتهى.
ويرد عليه: أنّه مع تسليم المقدّمات أين اللزوم بين الدليل والمدّعى؟ وكيف استنتاج المتعين من المطلق؟
وأيضاً لا يخفى على من له أدنى تأمّل أنّ موالاة المؤمنين من جهة الإيمان أمر عام بلا قيد ولا جهة، وترجع إلى موالاة إيمانهم في الحقيقة، والبغض لسبب غير ضار فيها.
وأيضاً ماذا يقول في قوله سبحانه: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَـاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ... )) (التوبة:71) الآية؟
وأيضاً ماذا يجاب عن معاداة الكفّار، وكيف الأمر فيها وهم أضعاف المؤمنين؟ ومتى كفت الملاحظة الإجمالية هناك فلتكف هنا، وأنت تعلم أنّ ملاحظة الكثرة بعنوان الوحدة ممّا لا شك في وقوعها، فضلاً عن إمكانها.
والرجوع إلى علم الوضع يهدي لذلك، والمحذور كون الموالاة الثلاثة في مرتبة واحدة وليس فليس، إذ الأولى: أصل. والثانية: تبع. والثالثة: تبع التبع، فالمحمول مختلف، ومثله الموضوع؛ إذ الموالاة من الأمور العامّة، وكالعوارض المشكّكة، والعطف موجب للتشريك في الحكم لا في جهته، فالموجود في الخارج الواجب والجوهر والعرض مع أنّ نسبة الوجود إلى كلّ غير نسبته إلى الآخر، والجهة مختلفة بلا ريب، وهذا قوله سبحانه: (( قل هَـذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )) (يوسف:108)، مع أنّ الدعوة واجبة على الرسول(صلّى الله عليه وسلّم) مندوبة في غيره، ولهذا قال الأُصوليون: القِران في النظم لا يوجب القِران في الحكم، وعدوا هذا النوع من الاستدلال من المسالك المردودة.
ثمّ إنّه أجاب عن حديث عدم وقوع التردد مع اقتضاء (إِنَّمَا) له بأنّه: يظهر من بعض أحاديث أهل السُنّة أنّ بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم التمسوا من حضرة النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم) الاستخلاف؛ فقد روى الترمذي عن حذيفة (( أنّهم قالوا: يا رسول الله لو استخلفت؟ قال: (لو استخلفت عليكم فعصيتموه عُذّبتم، ولكن ما حدّثكم حذيفة فصدّقوه، وما أقرأكم عبد الله فاقرؤوه ) )).
وأيضاً استفسروا منه عليه الصلاة والسلام عمّن يكون إماماً بعده(صلّى الله عليه وسلّم)؛ فقد أخرج أحمد عن عليّ كرّم الله تعالى وجهه، قال: (( قيل: يا رسول الله من نؤمّر بعدك؟ قال: (إن تؤمروا أبا بكر رضي الله تعالى عنه تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وإن تؤمّروا عمر رضي الله تعالى عنه تجدوه قوياً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمّروا عليّاً -. ولا أراكم فاعلين -. تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الصراط المستقيم ) ))، وهذا الإلتماس والاستفسار يقتضي كلّ منهما وقوع التردد في حضوره(صلّى الله عليه وسلّم) عند نزول الآية، فلم يبطل مدلول (إِنَّمَا). انتهى.
وفيه أنّ محض السؤال والاستفسار لا يقتضي وقوع التردد، نعم لو كانوا شاوروا في هذا الأمر ونازع بعضهم بعضاً بعدما سمعوا من النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم) جواب ما سألوه لتحقّق المدلول، وليس فليس، ومجرد السؤال والاستفسار غير مقتض لـ(إنّما) ولا من مقاماته، بل هو من مقامات (إنّ)، والفرق مثل الصبح ظاهر، وأيضاً لو سلّمنا التردد، ولكن كيف العلم بأنّه بعد الآية أو قبلها، منفصلاً أو متّصلاً، سبباً للنزول أو اتّفاقياً، ولا بدّ من إثبات القبلية والاتّصال والسببية، وأين ذلك؟ والاحتمال غير مسموع ولا كاف في الاستدلال.
وبعد هذا كلّه الحديث الثاني ينافي الحصر صريحاً؛ لأنّه(صلّى الله عليه وسلّم) في مقام السؤال عن المستحقّ للخلافة ذكر الشيخين، فإن كانت الآية متقدّمة لزم مخالفة الرسول(صلّى الله عليه وسلّم) القرآن، أو بالعكس لزم التكذيب، والنسخ لا يعقل في الأخبار على ما قرر، ومع ذا تقدم كلّ على الآخر مجهول فسقط العمل.
فإن قالوا: الحديث خبر الواحد، وهو غير مقبول في باب الإمامة.
قلنا: وكذلك لا يقبل في إثبات التردد والنزاع الموقوف عليه التمسّك بالآية، والحديث الأوّل يفيد أنّ ترك الاستخلاف أصلح فتركه -. كما تفهمه الآية بزعمهم -. تركه، وهم لا يجوّزونه؛ فتأمّل!
وذكر الطبرسي في (مجمع البيان) وجهاً آخر غير ما ذكره صاحب (إظهار الحقّ) في أنّ الولاية مختصّة، وهو: (( أنّه سبحانه قال: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ))، فخاطب جميع المؤمنين، ودخل في الخطاب النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم) وغيره، ثمّ قال تعالى: (( وَرَسُولُهُ )) فأخرج نبيّه عليه الصلاة والسلام من جملتهم؛ لكونهم مضافين إلى ولايته، ثمّ قال جلّ وعلا: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا )) فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية، وإلاّ لزم أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، وأن يكون كلّ واحد من المؤمنين وليّ نفسه وذلك محال )). انتهى.
وأنت تعلم أنّ المراد ولاية بعض المؤمنين بعضاً، لا أن يكون كلّ واحد منهم وليّ نفسه، وكيف يتوهّم من قولك مثلاً: أيّها الناس لا تغتابوا الناس، أنّه نهي لكلّ واحد من الناس أن يغتاب نفسه؟
وفي الخبر أيضاً: (صوموا يوم يصوم الناس)، ولا يختلج في القلب أنّه أمر لكلّ أحد أن يصوم يوم يصوم الناس، ومثل ذلك كثير في كلامهم.
وما قدّمناه في سبب النزول ظاهر في أنّ المخاطب بذلك: ابن سلام وأصحابه.
وعليه لا إشكال إلاّ أنّ ذلك لا يعّد مخصّصاً، كما لا يخفى، فالآية على كلّ حال لا تدلّ على خلافة الأمير كرّم الله تعالى وجهه على الوجه الذي تزعمه الإمامية، وهو ظاهر لمن تولّى الله تعالى حفظ ذهنه عن غبار العصبية.


ما جواب هذا التفسير؟




الجواب:




أوّلاً: قال: (( ثمّ إنّه سبحانه لمّا قال: (( لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء )) وعلّله بما علّله... إلى قوله: فاختصّوهم بالموالاة ولا تتخطوهم إلى الغير )).. وقد حاول فيه أن يدّعي وحدة السياق وإن لم يصرّح به، ولكن ظاهر عبارته ذلك، من خلال ربطه بين هذه الآية وبين الآيات التي سبقتها، الناهية عن ولاية اليهود والنصارى، وهو هنا لم يفسّر الولاية في هذه الآية وإنّما أورد نفس معناها في الآية السابقة عليها، وقد ذكر هناك أنّ المراد: النهي عن ولاية النصرة لليهود والنصارى، وما فعل ذلك إلاّ لكي لا يلزم بما سوف يرد عليه ممّا سنذكره! محاولاً - بهذه التعمية في العبارة - التخلّص من القصر الظاهر من لفظة (( إِنَّمَا ))، المنافي لولاية النصرة.
ومحاولة الاستدلال بوحدة السياق ذكرها قبله كثير من علماء أهل السُنّة، منهم التفتازاني في (شرح المقاصد)(1)، وابن حجر الهيثمي في (الصواعق المحرقة)(2)، وأشار إليها أكثر من فسّر هذه الآية منهم.
وقد أجاب علماؤنا عن ذلك قديماً، ولكن الآلوسي غضّ الطرف عن أجوبتهم لما يريد من غاية، وإلاّ لو كان من أهل التحقيق لأوردها ثمّ ذكر ما يمكن أن يجيب عنها، لا أن يطرح كلامه - تبعاً وتقليداً لسلفه - كأنّه آخر ما قيل ولا معقّب عليه!
وأمّا ما يرد على إدّعاهم بوحدة السياق، فأُمور:
1- إنّ سبب النزول كما هو الصحيح يردّ وحدة السياق.
2- عدم وجود وحدة السياق بين الآية المقصودة وهذه الآية؛ لبعدها أوّلاً، ولفصلها بآية الارتداد ثانياً. وهذا ظاهر واضح لمن قرأ الآيات من قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )), إلى الآيات الثلاث بعدها؛ فإنّها مترابطة المعنى، مفصولة عمّا بعدها.
3- وجود كثير من الآيات في القرآن أوّلها في شيء ووسطها في شيء وآخرها في شيء، بل مجيء آية لها معنى خاص في وسط آيات متّحدة المعنى لا علاقة لها بهنّ.
فإذا تعارض الدليل مع السياق قُدّم الدليل؛ لاتّفاق الجميع على أنّ الآيات لم تترتّب على ترتيب النزول.
4- إنّ الولاية في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء )), ليست بمعنى: النصرة؛ لأنّ هذا المعنى إن فرض صدقه بالنسبة لليهود في المدينة لا يمكن أن يصدق بالنسبة للنصارى؛ لأنّه لم يكن لهم وجود معتد به فيها..
وكذلك لا يلائم قوله تعالى: (( بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ ))؛ لأنّها تدلّ على ولاية المحبّة والاتّحاد من جهة وحدة القومية والدين عند اليهود والنصارى، ومن دون حاجة إلى وقوع تحالف بينهم على النصرة. بل لم يكن هناك تحالف بين اليهود والنصارى سوى اجتماعهم على معاداة الإسلام.
ولا يلائم قوله: (( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم ))؛ لأنّ موالاة النصرة لآخرين لا تجعله منهم، وإنّما موالاة المحبّة والألفة هي التي تجعله كأنّه منهم، فلا يتم معناهما إلاّ إذا كانت الولاية فيهما بمعنى: المحبّة؛ فإنّ ولاية المحبّة هي التي تجعل اليهود أولياء بعضهم لبعض لا النصرة، وهي التي تجعل من يحبّهم كأنّه منهم وجداناً لا ولاية الحلف والنصرة، وقد قال الله تعالى في كتابه: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاءَ تُلقُونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ )) (الممتحنة:1)، كيف؟! وقد كان بين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين اليهود عهود ومواثيق(3).
5- لا يصحّ جعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وليّاً للمؤمنين كما في الآية بمعنى: النصرة، بل إمّا أن يكون النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين جميعاً ينصرون دين الله، أو أنّ الناس ينصرون رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّه المبلّغ بالدين والرسول عن الله، أو أنّ الله ينصر رسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين..
وأمّا أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يكون ناصراً للمؤمنين فليس يصح، ولم يرد فيه آية من القرآن، ومنه يظهر أنّ الولاية هنا ولاية التصرّف لا ولاية النصرة(4).
6- إنّ القول: بأنّ الولاية في الآية هي ولاية النصرة تبعاً للسياق المفترض من أنّ النهي في الآية الأولى منصبّ على ولاية النصرة لليهود والنصارى، لا يجتمع مع أداة الحصر (إنّما)، ولا مع الضمير (كم) في (( وَلِيُّكُمُ ))؛ لأنّ ولاية النصرة عامّة لا تنحصر بالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وقوله: (( وَلِيُّكُمُ )) يحتاج إلى آخرين مخاطبين غير من ثبتت له الولاية، ولا يمكن أن يخاطب المؤمنون كلّهم بلفظة (( وَلِيُّكُمُ ))، فثبت أنّ من ثبتت له الولاية بعض المؤمنين لا كلّهم.
7- إنّ القول: بأنّ الولاية في الآية تعني: الأولى بالأمر، لا ينافي السياق، ولا يتعارض مع المناسبة المدّعاة بين الآيات؛ لأنّ ولاية الأمر تشمل ولاية النصرة والمحبّة وغيرها، فثبتت المناسبة.
8- إنّ جعل المقصود من قوله: (( الَّذِينَ آمَنُوا )): عموم المسلمين، وبالتالي جعل الحصر المستفاد من (إنّما) خاصّاً بالله ورسوله والمؤمنين جميعاً دون اليهود والنصارى والمنافقين والذين في قلوبهم مرض، ويكون المعنى، كما قال الآلوسي: (( لا تتّخذوا أولئك أولياء؛ لأنّ بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم إنّما أولياؤكم الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنون فاختصوهم بالمولاة ولا تتخطّوهم إلى الغير... ))، منافٍ ومعارَض بالجملة الحالية في قوله تعالى: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), وسيأتي بيانه.
ثانياً: قوله: (( وأفرد الوليّ مع تعدّده ليفيد كما قيل: أنّ الولاية لله تعالى بالأصالة... (إلى قوله? لأنّ الحصر باعتبار أنّه سبحانه الوليّ أصالة وحقيقة، وولاية غيره إنّما هي بالإسناد إليه عزّ شأنه )).
والجواب عليه:
1- انتقل الآلوسي هنا إلى تعليل الإفراد في لفظة (( وَلِيُّكُمُ )) وكأنّه قد فرغ من معناها، في ما حاول الإشارة إليه بأنّها بمعنى الولاية الواردة في آية النهي عن ولاية اليهود، مع أنّه لم يورد لفظاً صريحاً على معناها هنا!
والتحقيق: انّ معنى الولاية في الآية: (الأولى بالأمر)؛ لما ثبت في اللغة من أنّ الوليّ: من كان أولى بالأمر في كلّ شيء، ولا يمكن أن يراد بها هنا: النصرة أو المحبّة؛ لمكان أداة الحصر (إنّما)، فلو كان المراد بها: النصرة والمحبّة لناقض الحصر، لأنّهما ثابتتان لجميع المسلمين، فلا مورد لمجيء (إنّما) هنا، ومن هنا حاولوا تفسير: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) بأنّها تشمل جميع المؤمنين. وسيأتي بيان الخطل في ذلك.
2- إنّ لفظة (( وَلِيُّكُمُ )) جاءت في الآية مفردة، وأثبتها الله لنفسه أوّلاً، ثمّ أثبتها لرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالعطف ثانياً، ثمّ للذين آمنوا الموصوفون بالصفة المذكورة ثالثاً، فدلّ على أنّ ما ثبت للذين آمنوا هو نظير ما ثبت لله ولرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّ المعنى المراد الثابت للجميع واحد، هذا هو الظاهر من اللفظ.
نعم، يثبت من دليلين عقليين: الأوّل: أنّ الولاية لله بالأصالة، والثاني: أنّه لا يجتمع وليّان عرضاً في وقت واحد، أنّ الولاية الثابتة هنا طولية، وأنّها بالأصالة لله، ثمّ لرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ لمن صفته كذا من المؤمنين بالتبع.
3- إنّ إفراد لفظة (( وَلِيُّكُمُ )) فيها إشارة إلى أنّ المراد من (( الَّذِينَ آمَنُوا )) واحد في كلّ عصر، وهذه وسابقتها نكتة بيانية مهمّة يحتاجها بيان المعنى الزائد في الآية.
وأمّا ما نقله من أنّ النكتة في إفراد الولاية هي: لبيان أنّها بالأصالة لله ثمّ للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا بالتبع، ليس على استقامته، إذ أنّ استفادة ذلك، كما قدّمنا، من دليل خارج من الآية، ويتم حتى لو جاءت الولاية بالجمع، مع ما في قوله (( وأفرد الوليّ مع تعدّده )) من مصادرة على المطلوب؛ فإنّ إفراد الوليّ في (( وَلِيُّكُمُ )) يشير إلى أنّه واحد، كما قدمنا، وقوله (( مع تعدّده )) أوّل الكلام! ويحتاج إلى إثبات، كما سيأتي.
ومن هذا يظهر أنّه لا يحتاج إلى تقدير في الكلام، كما نقله عن صاحب (الفرائد)؛ لأنّ المعنى، على ما قدّمنا، تام بدون تقدير، ولكنّهم اضطرّوا إليه لمّا صرفوا المعنى إلى الجميع؛ فلاحظ!
ويظهر أيضاً صحّة المنافاة المدّعاة لو كان التقدير على الجمع - أي: أوليائكم - لأداة الحصر (إنّما)؛ فإنّه لا يظهر من الأداة حصر الولاية في الله أصالة، ثمّ إنّها للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا بالتبع، وإنّما يظهر منها الحصر بالله وبمن عطف عليه، وهو النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا بالتساوي..
نعم، قلنا يظهر من دليل خارج أنّها بالأصالة لله وبالتبع لغيره، فالتقدير اللغوي بأنّ الولاية للجميع ينافي وضع (إنّما) للحصر لغةً؛ فلاحظ!
4- قد تقدّم أنّ الولاية في الآية ثابتة بمعنى واحد للكلّ، وقد ذكر الله في القرآن لنفسه نوعين من الولاية: الولاية التكوينية كما في قوله تعالى: (( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الوَلِيُّ )) (الشورى:9)، وهي عامّة شاملة لولاية النصرة. والولاية التشريعية كما في قوله تعالى: (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَولِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ )) (البقرة:257)..
وأثبت لنبيّه الولاية التشريعية، كما في قوله تعالى: (( النَّبِيُّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم )) (البقرة:257)، وقوله تعالى: (( وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم )) (الأحزاب:6)، وقد مضى عدم صحّة كون الولاية للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمعنى النصرة.
فبالتالي لو كان المراد من (( الَّذِينَ آمَنُوا )) جميع المؤمنين، كان معنى الولاية الثابتة في حقّهم غير معناها بالنسبة لله؛ إذ لا تخرج الولاية بالنسبة إليهم عن معنى النصرة أو المحبّة وهي غير ولاية الله وولاية رسوله، كما قدّمنا، مع أنّا نلاحظ من السياق إشراك الجميع بالعطف على هذا المعنى الواحد من الولاية، الذي جاء على المفرد، فلو كانت الولاية تثبت للجميع وهي بمعنى آخر لاحتاج إلى أن تذكر ولاية أُخرى في المقام؛ رفعاً للإلتباس، كما قال تعالى: (( قُل أُذُنُ خَيرٍ لَّكُم يُؤمِنُ بِاللّهِ وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنِينَ )) (الأحزاب:36)، فكرر الإيمان وفرقه بين الله تعالى بتعديته بالباء، وبين المؤمنين بتعديته باللام(5).
ثالثاً: قوله: (( ((الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )) بدل من الموصول الأوّل... إلى قوله: وهم خاشعون ومتواضعون لله تعالى. وقيل: هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة والركوع ركوع الصلاة، والمراد: بيان كمال رغبتهم في الإحسان، ومسارعتهم إليه )).
والجواب عليه:
1- إنّ إعراب الجملة: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ )) في الآية على أنّها بدل أو صفة لا يؤثّر في الاستدلال، والتعبير عنها في رواياتنا بأنّ الله سبحانه وصفه بكذا(6)، أو قول علمائنا وبعض علماء السُنّة بأنّ الله وصف الذين آمنوا بكذا(7)، قد يراد به النعت المعروف في النحو، وقد يراد به البيان والتفسير، فلا ينافي أن يكون بدلاً(8). وعلى كلّ حال فإنّ المعنى يكون: إنّ الذين آمنوا من صفتهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الركوع.
2- لقد اعترف الآلوسي هنا، منتحلاً كلام الزمخشري(9) أنّ جملة: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) حال، ولكنّه قال:
إنّها حال من فاعل الفعلين، أي: من جملة (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ ))، ليصحّ له ما ادّعاه من أنّ الركوع بمعنى: الخشوع، ولكن قوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) حال للجملة الأقرب، وهي: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ ))، ولا دليل على أنّها حال للجملتين، فيكون المعنى: ويؤتون الزكاة وهم في حال الركوع، لا كما فعل معظم أسلافه(10)، في محاولة لصرفها عن عليّ(عليه السلام)، بجعل الجملة (( وَهُم رَاكِعُونَ )) معطوفة على الجملة السابقة التي هي صلة الموصول؛ فإنّ الواو هنا حاليّة وليس عاطفة، كما هو ظاهر اللغة العربية، فإنّ المفهوم من قول القائل: (( فلان يغشى إخوانه وهو راكب ))، معنى الحال، أي: أنّه يغشى حال ركوبه، وكذلك لو قال: (( لقيت فلاناً وهو يأكل ))، كان معناه: لقائه حال الأكل.
3- ولكنّه حاول صرفها عن عليّ(عليه السلام) بطريق آخر! بأن قال - كما قاله القوشجي(11) وغيره من قبله -: إنّ المراد من الركوع ليس الركوع المعروف، وهو: الانحناء، وإنّما معناه: الخشوع والتواضع، فيكون المعنى على قولهم: أنّهم يأتون الزكاة وهم خاشعون متواضعون. وهذا خلاف ظاهر اللفظ أيضاً؛ لأنّ المعروف في العربية أنّ الركوع هو التطأطؤ المخصوص والانحناء، وهو معناه حقيقة، وإنّما شبّه به الخضوع والخشوع على نحو المجاز، فقد أنشد لبيد:
أخبر أخبار القرون التي مضت ***** أدب كأنّي كلّما قمت راكع(12)
فالحمل على الحقيقة أولى، ولا يحمل على المجاز إلاّ بقرينة، كما قال الشاعر:
لا تهن الكريم علّك أن تركع ***** يوماً والدهر قد رفعه(13)
فإنّه أراد به: علّك أن تخضع يوماً، بقرينة: لا تهن الكريم والدهر قد رفعه(14).
وقد قال صاحب (العين) الفراهيدي: (( كلّ شيء ينكب لوجهه فيمس ركبته الأرض أو لا يمس بعد أن يطأطئ رأسه فهو راكع ))(15)، وغيرها من أقوال أصحاب اللغة(16).
وكذلك يفهم من الركوع في الحقيقة الشرعية التطأطؤ المخصوص في الصلاة دون التواضع والخشوع، فالحمل على الحقيقة الشرعية أولى من حمله على التواضع والخشوع، كما سلف من أنّه جاء لبيان حال إعطاء الزكاة وهو في الركوع، بل قال الآلوسي نفسه: قوله تعالى: (( وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (البقرة:43)، إلا أنّ الأصل في إطلاق الشرع: المعاني الشرعية(17)، فليس هناك داعٍ لحمله على خلافها سوى العصبية.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ جعله معنى الركوع هو الخشوع والتواضع ليس له وجه أصلاً، وتضعيفه القول بأنّ معناه الانحناء والتطأطؤ المخصوص بقوله (( قيل )) ليس له وجه أيضاً، بل إنّ الظاهر والدليل مع هذا المعنى الأخير.
وقد دلّت الروايات على أنّ من أتى الزكاة وهو بحال الركوع هو: عليّ(عليه السلام) ليس غيره، كما سيأتي، فما حاول من تفسير هذا القيل بـ(الجمع) بقوله: (( والمراد: بيان كمال رغبتهم في الإحسان، ومسارعتهم إليه )) ليس في محلّه كذلك، وإنّما هو واحد، وهو: عليّ(عليه السلام).
وسيأتي من كلامه الآتي ما يدحض هذه المحاولة للتعميم بعد أن يعترف بأنّ الآية نزلت عندما تصدّق عليّ(عليه السلام) بخاتمه وهو راكع، فروايات النزول تدحض ما حاول نسبته إلى الجمع، فالسائل واحد والتصدّق واحد؛ فلاحظ!
رابعاً: قوله: (( وغالب الأخباريين على أنّها نزلت في عليّ كرّم الله وجهه، فقد أخرج الحاكم... الخ )).
والجواب عليه:
1- هذا اعتراف منه بنزول الآية بحقّ عليّ(عليه السلام)، وإن حاول التقليل من ذلك بقوله: (( غالب الأخباريين ))، ولم يقرّ، كما قرّ غيره من متكلّميهم بإجماع المفسّرين على نزولها في عليّ(عليه السلام) عندما لم يردّوا على استدلال الشيعة بذلك، كـ:عضد الدين الإيجي (ت 756هـ)، والشريف الجرجاني (ت 812هـ)(18)، وسعد الدين التفتازاني (ت 793هـ)(19)، وعلاء الدين القوشجي (ت 879هـ)(20).
2- إنّه اقتصر على رواية واحدة وهي التي فيها مجيء عبد الله بن سلام إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يذكر الروايات الأُخر الكثيرة، والتي فيها من الصحيح العديد، وكلّها تدلّ على أنّ سبب النزول هو: عليّ(عليه السلام).
ولا نطيل بذكر الأسانيد وتصحيحها، بل إثبات تواترها في أنّ الآية نزلت بحقّ عليّ(عليه السلام)، بل نحيل السائل إلى ما ذكرنا سابقاً في الأجوبة السابقة.
3- ممّا ذكرنا يظهر لك أنّ المعنيّ بـ (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) هو: عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، لا جمع من المؤمنين، ومن عَطفِها على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يثبت له نفس معنى الولاية الثابت له (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو نفس المعنى منها الثابت لله سبحانه وتعالى، ومن الحصر الموجود في الآية بدلالة (إنّما) يثبت أنّها: خاصّة بالله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ(عليه السلام) دون غيرهم، فلا يمكن أن يراد بمعنى الولاية: النصرة أو المحبّة؛ لأنّها عامّة لجميع المؤمنين.
وبالتالي يثبت ما نقله الآلوسي من استدلال الشيعة بهذه الآية على الولاية دون نقاش، إذ قال: (( واستدلّ الشيعة بها على إمامته كرّم الله وجهه... إلى قوله: وهذه نكتة سرية (سارية) تعتبر في كلّ مكان بما يليق به )).
ويسقط كلّ ما حاول الإجابة عليه من طريق أهل السُنّة، كما سيأتي.
خامساً: قوله: (( وقد أجاب أهل السُنّة عن ذلك بوجوه: الأوّل: النقض... الخ )).
والجواب عليه:
1- إنّ هذا الكلام من تقرير استدلال الشيعة إلى آخر ما ذكره منه، والجواب عليه قد أخذه من عبد العزيز الدهلوي في (التحفة الاثني عشرية)(21)، وهو مذكور في (مختصر التحفة الاثني عشرية) لمحمود شكري الآلوسي(22)، ولكن الآلوسي الجد نسبه إلى أهل السُنّة، وأضاف إليه بعض ما يتم الاستدلال من قول الشيعة. وقد أجاب عليه علماؤنا، ومنهم السيّد أمير محمد القزويني في كتابه (الآلوسي والتشيّع)(23).
2- إنّ الدهلوي لم يقرّر دليل الشيعة بصورة تامّة، وهو وإن أخذه ظاهراً من التفتازاني في شرح المقاصد، ولكنّه بتره زيادة على ما بتره التفتازاني! ولك أن تراجع تقرير الشيعة في شرح التجريد للعلامّة الحلّي في (كشف المراد)(24)، أو (الشافي في الإمامة) للسيّد المرتضى(25).
3- إنّ الشيعة يستدلّون على ولاية عليّ(عليه السلام) من هذه الآية بهذا التقرير: إنّ الآية حصرت بظاهر اللفظ الولاية بالله سبحانه وتعالى وعطفت عليه الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا، ولا بدّ من أن يكون (( الَّذِينَ آمَنُوا )) بعض المؤمنين لا كلّهم؛ لوضوح أنّ (( الَّذِينَ آمَنُوا )) غير الذين ذُكروا بضمير (كم) المضاف في (( وَلِيُّكُمُ ))، وإلاّ لأصبح كلّ مؤمن وليّ نفسه، ولبطل الحصر؛ وكان المضاف هو المضاف إليه؛ وهو مستحيل. وإنّ معنى الولاية غير معنى النصرة؛ للحصر المذكور، فإنّ ولاية النصرة شاملة لكلّ المؤمنين، كما في قوله تعالى: (( المُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَـاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )) (التوبة:71).
وبعبارة أُخرى: إنّ الله خاطب المؤمنين بأنّ وليّكم ولا وليّ غيره هو: الله سبحانه وتعالى، فدخل في المخاطبين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ أخرجه بالعطف، فثبتت له الولاية أيضاً، ثمّ عطف الذين آمنوا على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فثبتت لهم الولاية كذلك، ولا يمكن أن يكون الذين آمنوا نفس المخاطبين أوّلاً لما ذكرناه.
ثمّ إنّهم يقولون: أنّه قد ثبت بالإجماع أنّ الصفة المذكورة لـ(( الَّذِينَ آمَنُوا )) وهي (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) قد وقعت بالفعل الخارجي من عليّ(عليه السلام) وحده لا سواه، فثبت أنّ المراد من (( الَّذِينَ آمَنُوا )) هو: عليّ(عليه السلام) لا غيره، بنصّ الروايات وفعل وحال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنقول فيها؛ فإنّه خرج بعد نزول الآية يبحث عن هذا المتصدّق في حال الركوع ولم يكن إلاّ عليّ(عليه السلام).
وإعطاء حكم كلّي والإخبار بمعرف جمعي بلفظ الجمع ولا يكون المصداق الخارجي إلاّ واحد، معروف في اللغة، وهو أبلغ وأتم بياناً للمراد، وهو معروف في آيات القرآن الكريم كذلك، وعليه أكثر من شاهد.
وهم بهذا يستدلّون على أنّ المراد بـ(( الَّذِينَ آمَنُوا )) هو: عليّ(عليه السلام) ممّا وقع في الخارج وليس من ظاهر لفظ الآية، كما هو الظاهر من كلام القاضي عبد الجبّار في (المغني)(26)، ومن تقرير عبد العزيز الدهلوي والآلوسي لدليلهم؛ فلاحظ!
4- أصل هذا النقض كما نقله الأردبيلي ورد عن القوشجي عندما اعترض على اختصاصها بعليّ(عليه السلام)، وقال بأنّها ليست في حقّه؛ للجمع وللحصر، وهم - أي الشيعة - لا يقولون به، أي: لا يقولون بحصر الولاية في عليّ(عليه السلام) فقط دون أولاده(27).
5- إنّ الآية جاءت بالإخبار عن واقع خارجي وليس بالإنشاء لحكم شرعي، فلا يدخل بها كلّ من تصدّق وهو راكع، بعد أن علم بالآية وكان علمه بها دافعه للتصدّق.
وبعبارة أُخرى، كما يقول بعض علمائنا: إنّها جاءت على شكل قضية خارجية محدّدة الموضوع، لا قضية حقيقة مقدّرة الموضوع، كما يذكرون في علم المنطق.


والاختلاف في وقت نزول الآية؛ ففي بعض الروايات: أنّها نزلت قبل القصّة، وأُخرى: بعد دعاء الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
والاختلاف في كيفية التصدّق بالخاتم، بين نزع عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) للخاتم بنفسه، وبين نزع السائل له.
وكذا الاختلاف في وقت تبليغ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لقومه، بين إخبارهم فور نزول الآية، وبين إرجاء ذلك إلى يوم الغدير(61).
والاختلاف في سؤال السائل؛ ففي بعض الروايات: أنّ السائل سأل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) التصدّق عليه أوّلاً، وفي أُخرى: أنّ السائل سأل أوّلاً في مسجد النبيّ، ثمّ مرَّ به (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسؤال النبيّ له: هل تصدّق عليك بشيء؟(62).
والتضارب في الروايات كثير ونجتزئ بما أوردناه. ونذكر الآن بعض الردود على هذا الاستدلال:
1) منها: إن دلّت هذه الآية على نفي إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، كذلك تدلّ على سلب الإمامة عن بقية الأئمّة الاثني عشر بعين ذلك التقرير، فالدليل يضرّ الشيعة أكثر من أهل السُنّة، فهؤلاء لم يؤت أحدهم الزكاة وهو راكع لو كان ذلك شرطاً فيمن يتولّى أمر المسلمين.
2) ومنها: أنّ (صيغة الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون) صيغة جمع، فكيف يصدق على عليّ(عليه السلام) وحده، حتى وإن كان ذلك جائزاً في اللغة، وعلى ذلك شواهد من القرآن، ولكن حمله على المفرد دون دليل هو الخلاف، والأميني الذي يبدو أنّه لم يجد له مخرجاً أمام ضعف أسانيد هذه الروايات وتهافت الاستدلال بها؛ فقد أسهب في بيان أنّ في القرآن آيات عدّة نزلت بصيغة الجمع وكان المراد بها المفرد(63)، ولا شك أنّ ما ذكره صحيح ولكن لا يفيد في ما نحن فيه؛ حيث إنّ الأمثلة التي أوردها إنّما وردت فيها روايات صحيحة خلاف رواياتنا هذه.
3) ومنها: أنّ الله تعالى لا يثني على المرء إلاّ بمحمود، وفعل ذلك في الصلاة ليس بمستحب، ولو كان مستحباً لفعله الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولحضّ عليه، ولكرّر عليّ(عليه السلام) فعله، وإن في الصلاة لشغلاً.
والغريب أنّ القوم يرون بطلان صلاة أهل السُنّة بالتكفير (أي: وضع اليمنى على اليسرى في حال القيام)، ويعدّون ذلك عملاً يستوجب البطلان(64)، ولا يعدّون عمل الأمير(عليه السلام) من انشغاله بالسائل والاستماع إليه والإشارة إليه ونزع الحلّة أو الخاتم من يده وإلقائه إليه.. إلى آخر ما ذكرته الروايات، حركات مبطلة للصلاة، رغم أنّ ذلك أيضاً يتعارض مع ما ذكره القوم في ذلك عنه وعن الأئمّة كما في هذه الأمثلة..
فضلاً عن معارضته لقولـه عزّ وجلّ: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ )) (الأنفال:3)؛ فعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه رأى مصلّياً يعبث بلحيته، فقال: (أمّا هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه)(65).
وذكروا أنّ عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) كان إذا حضر وقت الصلاة تلوّن وتزلزل، فقيل له: ما لك؟ فقال: (جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، وأنا في ضعفي فلا أدري أحسن أداء ما حملت أو لا)(66).
وهو القائل(عليه السلام) كما يروي القوم: (طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشتغل قلبه بما تراه عيناه ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه)(67). وهذا في غير الصلاة، فكيف لو كان في الصلاة، وكأنّ القوم يريدون أنّ يقولوا: إنّه(عليه السلام) من الذين يقولون ما لا يفعلون.
وعن الصادق، قال: (إذا كنت في صلاتك فعليك بالخشوع والإقبال على صلاتك؛ فإنّ الله يقول: (( الَّذِينَ هُم فِي صَلاتِهِم خَاشِعُونَ )) (المؤمنون:2) )(68).
وعنه أيضاً، قال: (إذا استقبلت القبلة فانس الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك عن كلّ شاغل يشغلك عن الله)(69).
وقد أورد القوم عن الإمام زين العابدين رحمه الله روايات كثيرة عن صلاته وخشوعه فيها، نذكر منها:
أنّه كان قائماً يصلّي حتى وقف ابنه الباقر وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر، فسقط فيها، فنظرت إليه أمّه، فصرخت وأقبلت نحو البئر تستغيث، وتقول: يا ابن رسول الله! غرق ولدك محمّد. وهو لا ينثني عن صلاته، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر، فلمّا طال عليها ذلك قالت حزناً على ولدها: ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله! فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلاّ عن كمالها وإتمامها، ثمّ أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلاّ برشاً طويل، فأخرج ابنه محمداً على يديه يناغي ويضحك لم يبتل به ثوب ولا جسد بالماء، فقال: هاك ضعيفة الإيمان بالله. فضحكت لسلامة ولدها، وبكت لقوله: يا ضعيفة اليقين بالله، فقال: لا تثريب عليك اليوم، لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي، أفمن يرى راحم بعده؟(70)
وعن الثمالي، قال: رأيت عليّ بن الحسين يصلّي فسقط رداؤه عن أحد منكبيه، فلم يسوّه حتى فرغ من صلاته، فسألته عن ذلك؟ فقال: (ويحك! بين يدي من كنت؟ إنّ العبد لا يُقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه)(71).
وعن الصادق، قال: (كان أبي يقول: كان عليّ زين العابدين إذا قام إلى الصلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلاّ ما حرّكت الريح منه)(72).
وفي رواية: إنّ إبليس تمثّل لعليّ بن الحسين وهو في صلاته في صورة أفعى لها عشرة رؤوس محدّدة الأنياب، منقلبة الأعين، وطلع عليه من الأرض من موضع سجوده، ثمّ تطاول في قبلته فلم يرعه ذلك، فانخفض إلى الأرض، وقبض على عشر أنامل رجلي عليّ بن الحسين فجعل يكدمها بأنيابه، فكان لا يكسر طرفه إليه، ولا يحوّل قدميه عن مقامه(73).
وعن الجعفي، قال: صلّى أبو جعفر ذات يوم فوقع على رأسه شيء فلم ينزعه من رأسه حتى قام إليه جعفر فنزعه من رأسه(74).
والروايات في الباب كثيرة جداً، وما أوردناه أقل القليل(75).
ولكن انظر كيف توفّق بينها وبين فعل عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) من استماعه إلى السائل وانشغاله به، حتى لفت نظره إليه من دون بقية المصلّين، وفي بعض الروايات أنّه كان يصلّي خلف النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(76)، ولا شكّ أنّه في الصف الأوّل، ونزع الخاتم من إصبعه وألقاه إليه، أو نزع الحلّة كما في (الكافي)، وهذا أشدّ، وطرحها إليه و.. و..
والكاظم لمّا سئل: عن الرجل يكون في الصلاة فيستمع الكلام أو غيره فينصت ليسمعه، ما عليه إن فعل ذلك؟ قال: (هو نقص)(77). فكيف بمن فعل كلّ ما فعل الأمير(عليه السلام)، وهو القائل بزعم القوم: إنّ وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة عمل، وليس في الصلاة عمل(78).
على أي حال، نعود إلى ما كنّا فيه من ذكر الردود:
4) ومنها: أنّه لو قدّر أن هذا مشروع في الصلاة لم يختص بالركوع، بل يكون في القيام والقعود أولى منه في الركوع، فلو تصدّق المتصدّق في حال القيام والقعود أما كان يستحقّ هذه الموالاة؟
5) ومنها: أنّ عليّاً(عليه السلام) لم يكن ممّن تجب عليه الزكاة على عهد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ فإنّه كان فقيراً، والزكاة إنّما تجب على من ملك النصاب حولاً، وهو لم يكن من هؤلاء، وفقر أهل البيت غير خافٍ..
فقد روى القوم: أنّ عليّاً(عليه السلام) قال يوماً لفاطمة رضي الله عنها: يا فاطمة! هل عندك شيء تطعميني؟
قالت: والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصية، ما أصبح عندي شيء يطعمه بشر، وما كان من شيء أطعمك منذ يومين إلاّ شيء أؤثرك به على نفسي وعلى الحسن والحسين، قال: أعلى الصبيين ألا أعلمتني فآتيكم بشيء؟ قالت: يا أبا الحسن! إنّي لأستحيي من إلهي أن أكلّفك ما لا تقدر، فخرج فاستقرض ديناراً... الرواية(79).
وفي رواية أُخرى: دخل(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على فاطمة ووجدها صفراء من الجوع، فقال: ما لي أرى وجهك أصفر؟ قالت: يا رسول الله! الجوع(80).
فلا غرابة إذاً أن يقترض(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من شدّة الفاقة ليؤمن قوت نفسه وعياله، وله في ذلك حكايات رواها القوم، منها:
ما رواه عليّ(عليه السلام) من أنّ يهودياً كان له على رسول الله دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهودي! ما عندي ما أعطيك، قال: فإنّي لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني، فقال: إذاً أجلس معك، فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء الآخرة، والغداة(81).
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما، قال: إنّ رسول الله توفّي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعاً من شعير، أخذها رزقاً لعياله(82).
وعن الصادق: (مات رسول الله وعليه دَين)(83).
كلّ هذا رغم تشدّده في أمر الدَين حتى ثبت عنه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تركه للصلاة على من كان عليه دين حتى لو كان قليلاً؛ فهذا رجل مات على عهده(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليه ديناران، فأخبر بذلك فأبى أن يصلّي عليه(84).
ورجل آخر من الأنصار مات وعليه دَين فلم يصلّ عليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال: لا تصلّوا على صاحبكم حتى يقضي دَينه(85).
ورووا أنّه جعل الدَّين قرين الكفر في الاستعاذة منهما؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: أعوذ بالله من الكفر والدَين، قيل: يا رسول الله! أيعدل الدَين بالكفر؟ فقال: نعم(86).
ورووا عن الصادق: (قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): الدَين راية الله عزّ وجلّ في الأرض، فإذا أراد أن يذل عبداً وضعه في عنقه)(87).
وعن الباقر: (كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل الله، إلاّ الدَين؛ فإنّه لا كفّارة له إلاّ أداؤه)(88). وغيرها.
فما الذي اضطرّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى التديّن وموته وهو عليه، رغم كلّ ما أورده القوم عنه في ذلك؟ فهل من كانت هذه حالهم تجب عليهم الزكاة؟
وكذا كان حال عليّ(عليه السلام) إلى وفاته؛ فيوم أن تزوّج الزهراء رضي الله عنها عيّرتها نساء قريش بفقره، فجاءت أباها(صلّى الله عليه وآله وسلّم) شاكية: إنّك زوّجتني فقيراً لا مال له.
وفي أُخرى: قلن: زوّجك رسول الله من عائل لا مال له(89).
وهكذا عاش (عليه السلام)؛ ففي إحدى خطبه قال: (والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها)(90)؟
حتى اضطر أن يبيع متاعه ليوفّر ثمن قوت يومه؛ فعنه (عليه السلام) أنّه قال: (من يشتري سيفي هذا؟ فوالله لو كان عندي ثمن إزار ما بعته)(91).
وكان لا يزال (عليه السلام) يشكو إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الدين إلى أن مات مديوناً(92).
فعن الباقر، قال: (قبض عليّ وعليه دين ثمانمائة ألف درهم)(93).
وهكذا كان حال أبنائه رضي الله عنهم؛ فعن الصادق، قال: (مات الحسن وعليه دَين، ومات الحسين وعليه دَين)(94)..
بل إنّ الحسين(عليه السلام) أتعب من جاء بعده؛ فقد أصيب وعليه دَين بضعة وسبعون ألف دينار، فاهتم عليّ بن الحسين بدَين أبيه حتى امتنع من الطعام والشراب والنوم في أكثر أيامه ولياليه(95).
ولا نطيل المسألة، ولكن هل ترى على هؤلاء زكاة لمالٍ يبلغ النصاب ويحول عليه الحول، ويفيض عن الحاجة، ويسلم من الدين؟
ونختم هذا برواية وضعها القوم في قصّتنا هذه، تبيّن أنّ فقر عليّ(عليه السلام) من المسلّمات، مختصرها قول البعض: وأيّ مال لعليّ حتى يؤدّي منه الزكاة(96)؟
6) ومنها: أنّ الروايات التي ذكرت أنّ خاتمه(عليه السلام) كان من ذهب(97)، خلاف ما ورد في النهي عن ذلك..
فعن الرضا، قال: (لا تصلّ في خاتم ذهب)(98).
وعن الباقر، قال: (نهى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن سبع: ذكر منها: التختّم بالذهب)(99).
وعن الصادق، قال: (قال النبيّ لعليّ: إيّاك أن تتختّم بالذهب)(100).
وعن عليّ(عليه السلام)، قال: (نهاني رسول الله - ولا أقول: نهاكم - عن التختّم بالذهب)(101)، فكيف توفّق بينها؟
7) ومنها: أنّ إعطاء الخاتم لا يجزئ في الزكاة عند الإمامية، فهم لا يرون زكاة الحليّ، وعلى هذا أيضاً كثير من فقهاء المسلمين(102).
8) ومنها: أنّ الزكاة تؤدّى فور وجوبها ولا ينتظر فيها السؤال.
وعليه لا يمتدح من لم يخرج الزكاة إلاّ بعد أن تطلب منه، وإنّما يمتدح من أخرجها ابتداءً فور وجوبها.
9) ومنها: أنّ هذه الآية بمنزلة قولـه: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (البقرة:43)، وهي تحثّ على صلاة الجماعة؛ لأنّ المصلّي في الجماعة إنّما يكون مدركاً للركعة بإدراك ركوعها، بخلاف الذي لم يدرك إلاّ السجود؛ فإنّه قد فاتته الركعة، أمّا القيام فلا يشترط فيه الإدراك.
10) ومنها: أنّ الركوع يطلق ويراد به: الخضوع، وذلك مثل قوله سبحانه: (( يَا مَريَمُ اقنُتِي لِرَبِّكِ وَاسجُدِي وَاركَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (آل عمران:43) فالمراد بالركوع: الخضوع؛ إذ أنّ المرأة لا يطلب منها صلاة الجماعة، فالمراد بقوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) أي: خاضعون لله، وليس المراد أنّهم يؤتون الزكاة حال الركوع؛ فتأمل!
11) ومنها: أنّ هذه الآيات إنّما نزلت في النهي عن موالاة الكفّار والأمر بموالاة المؤمنين، وأنّ سياق الكلام يدلّ على ذلك لمن تدبّر، وهو قولـه تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللَّهَ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأتِيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ مِن عِندِهِ فَيُصبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِم نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقسَمُوا بِاللَّهِ جَهدَ أَيمَانِهِم إِنَّهُم لَمَعَكُم حَبِطَت أَعمَالُهُم فَأَصبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:51-55).
فالآيات واضحة كلّ الوضوح أنّها في النهي عن موالاة اليهود والنصارى، وقد وصف الله الذين في قلوبهم مرض بأنّهم يوالون الكفّار والمنافقين والمرتدّين، وبيَّن أنّهم لن يضرّوا الله شيئاً، ثمّ وصف المؤمنين بما وصفهم به، فهذا السياق العام يوجب لمن قرأه علماً يقينياً لا يمكنه دفعه عن نفسه، وهو أنّ الآية عامّة في كلّ المؤمنين المتّصفين بهذه الصفات لا تختص بواحد بعينه، وهل هؤلاء يرون - أيضاً - أنّ الولاية عند أهل الكتاب تكون بالمعنى نفسه (الوصاية) فتفسّر بها على ذلك في هذه الآيات؟ أي: أنّ بعضهم وصيّ على بعض؟ كيف يكون ذلك؟
نعوذ بالله من صدأ الأذهان، ورين البهتان، والضلال بعد الإيمان.
12) ومنها: أنّ غاية ما في الآية: أنّ المؤمنين عليهم موالاة الله ورسوله والمؤمنين، فيوالون عليّاً، ولا ريب أنّ موالاة عليّ واجبة على كلّ مؤمن، كما يجب على كلّ مؤمن موالاة أمثاله من المؤمنين..
قال تعالى: (( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَولاهُ وَجِبرِيلُ وَصَالِحُ المُؤمِنِينَ )) (التحريم:4)، فبيَّن الله أنّ كلّ صالح من المؤمنين مولى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما أنّ الله مولاه وجبرئيل مولاه، لا أن يكون صالح المؤمنين متولّياً على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا متصرّفاً فيه.
قال تعالى: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ )) (التوبة:71)(103) فجعل كلّ مؤمن وليّاً لكلّ مؤمن، وذلك لا يوجب أن يكون أميراً عليه معصوماً لا يتولّى عليه إلاّ هو، فكلّ مؤمن تقي فهو وليّ لله والله وليه، كما قال تعالى: (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا )) (البقرة:257)، وقال: (( وَأُولُو الأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ )) (الأحزاب:6).
فهذه النصوص كلّها ثبتت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأنّ هذا وليّ هذا، وهذا وليّ هذا، وأنّهم أولياء الله، وأنّ الله وملائكته والمؤمنين أولياء رسوله، كما أنّ الله ورسوله والملائكة أولياء المؤمنين، وليس في شيء من هذه النصوص أنّ من كان وليّاً للآخر كان أميراً عليه دون غيره، وأنّه يتصرّف فيه دون الناس.
13) ومنها: أنّ الفرق بين الوَلاية (بالفتح)، والوِلاية (بالكسر) معروف، فالوَلاية (بالفتح) ضد العداوة وهي المذكورة في الآية، وليست هي الوِلاية (بالكسر) التي هي الإمارة(104).
فالأمير يسمّى: الوالي، ولا يسمّى: الوليّ.
14) ومنها: أنّه لو أراد الولاية التي هي الإمارة، لقال: إنّما يتولّى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا، ولم يقل: (ومن يتولّ الله ورسوله)؛ فإنّه لا يقال: لمن وليّ عليهم، ولا أنّه يقال: تولّوه، بل يقال: تولّى عليهم.
15) ومنها: أنّ الله سبحانه لا يوصف بأنّه متولّ على عباده، وأنّه أمير عليهم، ولا يقال: إنّ الله أمير المؤمنين، كما يسمّى المتولّي، مثل عليّ(عليه السلام) وغيره: أمير المؤمنين، بل الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً لا يقال: إنّه متولٍ على الناس وأنّه أمير عليهم.
16) ومنها: أنّه ليس كلّ من تولّى عليه إمام عادل يكون من حزب الله ويكون غالباً؛ فإنّ أئمّة العدل يتولّون على المنافقين والكفّار، كما كان في مدينة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تحت حكمه ذمّيون ومنافقون، وكذلك كان تحت ولاية عليّ(عليه السلام) كفّار ومنافقون، والله تعالى يقول: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُم الغَالِبُونَ )) (المائدة:56)، فلو أراد الإمارة لكان المعنى: أنّ كلّ من تأمّر على الذين آمنوا فإنّهم يكونون من حزبه الغالبين، وليس كذلك، وكذلك الكفّار والمنافقون تحت أمر الله الذي هو قضاؤه وقدره مع كونه لا يتولاهم، بل يبغضهم.
17) ومنها: أنّ كلمة (إنّما) تفيد الحصر، والحصر يكون في ما يحتمل اعتقاد الشركة والتردّد والنزاع، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردّد ونزاع في الإمامة وولاية التصرّف، بل كان في النصرة والمحبة.
18) ومنها: أنّ إمامته (عليه السلام) غير مرادة في زمان الخطاب؛ لأنّ ذلك عهد النبوّة، والإمامة نيابة فلا تتصوّر إلاّ بعد انتقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإذا لم يكن زمان الخطاب مراداً تعيّن أن يكون المراد الزمان المتأخّر عن زمن الانتقال ولا حدّ للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلى الأمير(عليه السلام) بعد مضي زمان أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
لذا وضعوا كثير من الروايات بلفظ: (بعدي)، كما مرَّ بك وسيأتي.
19) ومنها: أنّ الأمر في الآية إن كان محمولاً على الإمارة كما يدّعي القوم، فهو دليل على بطلان كلّ النصوص السابقة، خاصّة إذا علمنا أنّ سورة المائدة التي منها هذه الآية من أواخر ما نزل من القرآن؛ حيث لم ينزل بعدها إلاّ سورتا التوبة والنصر، والغريب أنّ قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في رواياتنا هذه يؤكّد هذا، فكلّها تدلّ على عدم علمه بخليفته - بزعم القوم - حتى نزول الآية، وسؤاله عن هذا المتصدّق والهيئة التي تصدّق بها.. إلى آخر ما جاء في الروايات لمن تدبّرها.
والحقّ أنّ الردود على هذا الاستدلال كثيرة، وما أوردنا فيه كفاية لمن طلب الحق، ولا بأس بأن نختم كلامنا ببعض الطرائف التي أوردها القوم ممّا يتّصل بموضوعنا:
أ - منها: أنّ الخاتم الذي تصدّق به عليّ(عليه السلام) على السائل كان خاتم سليمان(عليه السلام)(105).
ب - ومنها: أنّ الخاتم وزنه أربعة مثاقيل، حلقته من فضة، وفصه خمسة مثاقيل وهو من ياقوتة حمراء، وثمنه خراج الشام، وخراج الشام ثلاثمائة حمل من فضة، وأربعة أحمال من ذهب، وكان الخاتم لمران بن طوق، قتله عليّ(عليه السلام) وأخذ الخاتم من إصبعه، وأتى به إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جملة الغنائم، وأمره النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يأخذ الخاتم، فأخذ الخاتم، فأقبل وهو في إصبعه وتصدّق به على السائل في أثناء ركوعه في أثناء صلاته خلف النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(106).
ج - ومنها: أنّ التصدّق بالخاتم كان يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة(107).
د - ومنها: أنّ جميع الأئمّة تصدّقوا وهم راكعون(108).
هـ - ومنها: أنّ السائل الذي سأله كان من الملائكة، والذين يسألون الأئمّة من أولاده يكونون من الملائكة(109).
و - ومنها: أنّ عمر بن الخطّاب تصدّق بأربعين خاتماً - وفي رواية أُخرى: أربعة وعشرين - وهو راكع، لينزل فيه ما نزل في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)(110).
(1) أمالي الصدوق: 107، بحار الأنوار 35: 183، تفسير البرهان 1: 480، تفسير الميزان 6: 16، تأويل الآيات 1: 152، وسائل الشيعة 9: 478، المناقب 2: 209، تفسير الصافي 2: 46، تفسير نور الثقلين 1: 647، إثبات الهداة 2: 54.
(2) معجم رجال الحديث 7: 322، 14: 107، جامع الرواة 2: 27، مجمع الرواة 3: 75، 5: 68.
(3) معجم رجال الحديث 7: 321، كليات في علم الرجال: 314، 407، رجال النجاشي 1: 387، رجال الطوسي: 122، 197، مقياس الهداية 2: 353، رجال الكشي:150، تنقيح المقال 1: 60، 459، بحار الأنوار 37: 32، كمال الدين: 608 (الحاشية)، مجمع الرجال 3: 73، الفهرست: 102، جامع الرواة 1: 339، الخلاصة: 223.
(4) الخصال: 548، نور الثقلين 1: 645، الاحتجاج: 118، تفسير الميزان 6: 18.
(5) الخصال: 548 (الحاشية للمحقّق علي أكبر الغفاري).
(6) الخصال: 580، نور الثقلين 1: 635، تفسير الصافي 2: 45، مستدرك الوسائل 7: 256.
(7) معجم رجال الحديث 15: 20، رجال ابن داود: 269.
(8) انظر تراجمهم في: معجم رجال الحديث 5: 174، 2: 363، 3: 378، 417، 12: 85، 12: 178.
(9) الكافي 1: 288، 427، تفسير البرهان 1: 480، نور الثقلين 1: 643، جامع الأحاديث 8: 441، تأويل الآيات 1: 153، وسائل الشيعة 5: 18، 9: 51، تفسير الصافي 2: 44، بحار الأنوار 24: 63.
(10) معجم رجال الحديث 18: 257، مجمع الرجال 6: 113، رجال النجاشي 2: 365، جامع الرواة 2: 251.
(11) رجال النجاشي 1: 135.
(12) معجم رجال الحديث 18: 87.
(13) معجم رجال الحديث 2: 183.
(14) مجمع البيان 3: 324، تفسير البرهان 1: 481، بحار الأنوار 35: 195، كشف الغمة 1: 166، تفسير الميزان 6: 21، تأويل الآيات 1: 151، إثبات الهداة 2: 120، 3: 511، المناقب 2: 208، التفسير الكاشف 3: 82.
(15) معجم رجال الحديث 9: 253، الطوسي: 69، مجمع الرجال 3: 253.
(16) الطوسي: 133، مجمع الرجال 5: 62، معجم رجال الحديث 14: 92، جامع الرواة 2: 24.
(17) معجم رجال الحديث 20: 59، رجال النجاشي 2: 419، الفهرست: 210، 229، الطوسي: 517، مجمع الرجال 6: 260، رجال ابن داود: 204، جامع الرواة 2: 330.
(18) تفسير القمّي 1: 178، تفسير البرهان 1: 480، 483، نور الثقلين 1: 645، بحار الأنوار 35: 186، 188، تفسير الميزان 6: 17، العيّاشي 1: 356، وسائل الشيعة 9: 478، إثبات الهداة 2: 140، تفسير الصافي 2: 45.
(19) رجال الحلي: 4، معجم رجال الحديث 1: 317.
(20) معجم رجال الحديث 1: 316، مقدمة التفسير القمّي : 6.
(21) تفسير القمّي 2: 362.
(22) تفسير البرهان 4: 358، بحار الأنوار 22: 240.
(23) بحار الأنوار 22: 240 (الحاشية)، كلّيات في علم الرجال: 320.
(24) يشير إلى قول القمّي في المقدمة من روايته للتفسير عن الثقات.
(25) كلّيات في علم الرجال: 309، وما بعده.
(26) الكافي 1: 496، بحار الأنوار 50: 93.
(27) تفسير العيّاشي 1: 355، بحار الأنوار 35: 187، تفسير البرهان 1: 482، إثبات الهداة 2: 135، 3: 514، تفسير الميزان 6: 18، وسائل الشيعة 9: 479.
(28) معجم رجال الحديث 17: 224.
(29) مقدمة تفسير العياشي 1: 7، بحار الأنوار 1: 28، الذريعة 4: 295.
(30) معجم رجال الحديث 4: 335.
(31) تفسير فرات 1: 124، بحار الأنوار 35: 198، مستدرك الوسائل 7: 258.
(32) تفسير فرات 1: 123، بحار الأنوار 37: 171.
(33) تفسير فرات 1: 125، بحار الأنوار 35: 198، إثبات الهداة 2: 165.
(34) تفسير فرات 1: 124، بحار الأنوار 35: 198.
(35) تفسير فرات 1: 125.
(36) تفسير فرات 1: 126.
(37) تفسير فرات 1: 126، إثبات الهداة 2: 165.
(38) تفسير فرات 1: 128، بحار الأنوار 35: 197.
(39) تفسير فرات 1: 128.
(40) معجم رجال الحديث 8: 182، 173، 10: 254.
(41) معجم رجال الحديث 10: 306.
(42) معجم رجال الحديث 11: 75، رجال النجاشي 2: 39.
(43) أمالي الطوسي: 58، بحار الأنوار 22: 103، 35: 184.
(44) معجم رجال الحديث 6: 66.
(45) معجم رجال الحديث 1: 287.
(46) معجم رجال الحديث 9: 309.
(47) أمالي الطوسي: 557، إثبات الهداة 2: 86.
(48) رجال النجاشي: 62، معجم رجال الحديث 1: 176، بحار الأنوار 32: 305.
(49) معجم رجال الحديث 2: 366، 367.
(50) معجم رجال الحديث 3: 131.
(51) مناقب أمير المؤمنين 1: 150.
(52) مناقب أمير المؤمنين 1: 169.
(53) مناقب أمير المؤمين 1: 179.
(54) دلائل الإمامة: 54، مستدرك الوسائل 7: 256، بحار الأنوار 35: 186، اليقين: 223
(55) بحار الأنوار 37: 128.
(56) تفسير الصافي 2: 46.
(57) تفسير البرهان 1: 484، بحار الأنوار 35: 196، 187.
(58) بحار الأنوار 35: 203، سعد السعود: 97.
(59) تفسير فرات 1: 128.
(60) انظر أيضاً: بحار الأنوار 35: 190.
(61) تفسير البرهان 1: 480، 483، 484، 489، بحار الأنوار 35: 188، 37: 156، العيّاشي 1: 360، الكافي 1: 289.
(62) انظر أيضاً: تفسير فرات 1: 125، 126.
(63) الغدير 3: 163.
(64) الخصال 2: 161، دعائم الإسلام 1: 159، قرب الإسناد: 125، بحار الأنوار 10: 277، 396، 84: 203، 325، المسائل المنتخبة للخوئي: 104، زبدة الأحكام للأراكي: 100، المسائل الإسلامية للشيرازي: 310.
(65) بحار الأنوار 84: 261، 239، الخصال 2: 165.
(66) بحار الأنوار 84: 256، المناقب 2: 124.
(67) بحار الأنوار 70: 299، 84: 261، الكافي 2: 16.
(68) بحار الأنوار 84: 260.
(69) بحار الأنوار 84: 230، مصباح الشريعة: 10.
(70) المناقب 4: 135، بحار الأنوار 46: 34، 84: 245، إثبات الهداة 3: 24.
(71) علل الشرايع: 233، بحار الأنوار 46: 61، 66، 84: 237، الخصال: 517.
(72) الكافي 3: 300، بحار الأنوار 46: 64، 84: 229، 248.
(73) إثبات الهداة 3: 25.
(74) بحار الأنوار 84: 252.
(75) للمزيد راجع: بحار الأنوار 84: 226 باب: آداب الصلاة.
(76) تفسير البرهان 1: 485.
(77) قرب الإسناد: 123، بحار الأنوار 84: 296.
(78) بحار الأنوار 10: 277، 84: 325.
(79) أمالي الطوسي: 626، بحار الأنوار 14: 197، 43: 31، 59، 96: 147، تأويل الآيات 1: 108، كشف الغمة 1: 469، تفسير فرات 1: 83.
(80) الكافي 5: 528، بحار الأنوار 43: 62، نور الثقلين 3: 587.
(81) أمالي الصدوق: 376، بحار الأنوار 16: 216.
(82) مكارم الأخلاق: 25، الاحتجاج: 120، قرب الإسناد: 44، بحار الأنوار 16: 239، 17: 297، 103: 144.
(83) الكافي 1: 253، 5: 93، التهذيب 6: 184، بحار الأنوار 16: 275، 43: 321، 81: 345، 103: 142، من لا يحضره الفقيه 3: 111، وسائل الشيعة 18: 317.
(84) علل الشرايع: 528، بحار الأنوار 81: 344،103: 142، من لا يحضره الفقيه 3: 111.
(85) علل الشرايع: 590، المحاسن 2: 318، بحار الأنوار 103: 143، وسائل الشيعة 18: 319.
(86) الخصال: 27، علل الشرايع: 527، بحار الأنوار 103: 141.
(87) علل الشرايع: 529، بحار الأنوار 103: 142.
(88) علل الشرايع: 528، الخصال: 9، بحار الأنوار 103: 141.
(89) سيأتي تخريج هذه الروايات.
(90) نور الثقلين 5: 16، بحار الأنوار 40: 346،41: 160،66: 320،77: 394.
(91) المناقب 2: 97، بحار الأنوار 40: 324،42: 43، كشف المحجّة: 124.
(92) أمالي الطوسي: 443، بحار الأنوار 95: 301،108: 57.
(93) كشف المحجّة: 125، بحار الأنوار 40: 338،103: 142، 145، وسائل الشيعة 18: 322، وانظر أيضاً: من لا يحضره الفقيه 3: 111، علل الشرايع: 590، المحاسن 2: 318، وسائل الشيعة 18: 317.
(94) بحار الأنوار 43: 321،81: 344،103: 143، الكافي 5: 93، التهذيب 6: 184، من لا يحضره الفقيه 3: 111، المحاسن 2: 318، وسائل الشيعة 18: 317.
(95) المناقب 4: 143، بحار الأنوار 46: 52.
(96) تفسير العسكري: 30، بحار الأنوار 41: 20،96: 193.
(97) تفسير البرهان 1: 484، بحار الأنوار 35: 187، 196، المناقب 3: 3.
(98) فقه الرضا: 16، بحار الأنوار 66: 538، وسائل الشيعة 4: 413.
(99) قرب الإسناد: 48، بحار الأنوار 66: 538.
(100) قرب الإسناد: 66، بحار الأنوار 66: 339، وسائل الشيعة 4: 416.
(101) معاني الأخبار 301، بحار الأنوار 66: 539، وسائل الشيعة 4: 414، 6: 308.
(102) الانتصار: 80، المختصر النافع: 81، المسائل المنتخبة: 170، زبدة الأحكام: 116، 169، شرائع الإسلام 1: 150، المسائل الإسلامية: 447، بحار الأنوار 96: 37، 38، 39، 41، 42، قرب الإسناد: 135، دعائم الإسلام: 464، الحدائق الناضرة 12: 97، 98، وسائل الشيعة 9: 156، وما بعدها.
(103) وأورد القوم عن الباقر قوله في نزول هذه الآية: أي: إنّما وليّكم الله، فقال المسلمون: هذا بعضنا أولياء بعض، تفسير البرهان 1: 490، شرح الأخبار: 104، ممّا يدلّ على عدم فهم المسلمين لغير هذه الموالاة التي يريدها القوم.
(104) سنأتي على ذكر دلائل أُخرى عند حديثنا في روايات (من كنت مولاه).
(105) تفسير البرهان 1: 485، شرح الأخبار 1: 226.
(106) المصدران السابقان.
(107) تفسير البرهان 1: 485، مصباح الشريعة: 530، بحار الأنوار 35: 190، شرح الأخبار 1: 226.
(108) الكافي 1: 288، تفسير البرهان 1: 480، نور الثقلين 1: 643، جامع الأحاديث 8: 441، تأويل الآيات 1: 153، وسائل الشيعة 6: 334، تفسير الصافي 2: 44.
(109) المصادر السابقة.
(110) أمالي الصدوق: 107، بحار الأنوار 35: 183، 203، تفسير البرهان 1: 480، تفسير الميزان 6: 16، تأويل الآيات 1: 152، وسائل الشيعة 6: 335، المناقب 3: 4، تفسير الصافي 2: 46، نور الثقلين 1: 647، إثبات الهداة 2: 55، سعد السعود: 97.




الجواب:




أولاً: سنقدّم نقاط تحوي بعض القواعد لكي يتوضّح جوابنا طبقاً لها:
1- إنّ تصنيف الحديث ينقسم إلى: متواتر وآحاد، والمتواتر ما وصلت طرقه إلى حدّ يمتنع تواطؤ رواته على الكذب، والآحاد بخلافه، فإذا وصل الحديث إلى حدّ التواتر وحصل القطع منه، فلا يبحث في السند عندئذ، ولا يلتفت إلى صحّة أو وثاقة أو حسن أو ضعف الأسانيد؛ لأنّها من أقسام الخبر الآحاد وتتدرّج حجّيته حسبها، والمتواتر قد تجاوز ذلك إلى القطع، وهو حجّة بنفسه.
2- إنّ الشيعة لا يستدلّون في العقائد إلاّ بالقطع واليقين، فإذا كان دليلهم نقلياً فيجب أن يثبت بالقطع، كالتواتر مثلاً.
3- هناك قاعدة في علم الحديث موجودة عند الشيعة والسُنّة، وهي أنّ الضعيف ينجبر ضعفه بالضعيف, فكلّما كثرت الطرق الضعيفة فسوف تجبر السند، وأنّ السند الذي يوجد فيه وضّاع أو كذّاب لا ينجبر بسند فيه وضّاع أو كذاب مثله بل يزداد ضعفاً وسقوطاً.
4- إنّ مناقشة أي مذهب أو فرقة يجب أن يكون حسب مبانيها، ومناقشة الشيعة الإمامية في حديثهم يجب أن يكون حسب مبانيهم في علمي الرجال والحديث.
ثانياً: الجواب على ما جاء في السؤال كالآتي:
1- ذكر المستشكل نفسه ثلاثة وعشرين طريقاً مختلفاً، كان في ما أحصيناه منها على عجالة: خمسة عن الإمام الباقر(عليه السلام)، وثلاثةً عن الإمام الصادق(عليه السلام)، واثنين عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، واثنين عن أبي ذرّ(رضي الله عنه)، وواحداً عن عمّار بن ياسر(رضي الله عنه)، وخمسةً عن ابن عبّاس(رضي الله عنه)، ثلاثةً منها ترجع إلى طريق واحد، واثنين عن محمد بن الحنفية(رضي الله عنه) بطريق واحد، واثنين عن أبي رافع(رضي الله عنه) بطريق واحد، وواحداً عن ابن عامر.
وترك العديد من الطرق نقتصر على ذكر مصادر بعضها على نحو العجالة؛ لحصول الغرض منها:
- (الكافي2/513ح1 باب المباهلة).
- (الخصال/479ح36 أبواب الاثني عشر).
- (تحف العقول/458 ماروي عن الإمام الحسن بن علي بن محمد(عليه السلام)).
- (روضة الواعظين/92 مجلس في ذكر الإمامة).
- (شرح الأخبار1/228ح217 ولاية عليّ(عليه السلام)، 2/193ح529 احتجاجه(عليه السلام) في الشورى، 2/346ح697 عليّ في القرآن).
- (الاحتجاج1/66 احتجاج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم الغدير).
- (تفسير العسكري/460 قصّة عبد الله بن سلام).
- (تفسير فرات1/125 حديثان، 1/126 سورة المائدة).
- (فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة/188 الفصل الثاني والعشرون قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )) ).
صارفين النظر عن البحث في أسانيدها على فرض ضعفها المدّعى أو ما قد يدّعى فيها، فإنّها تكفي في إثبات التواتر وحصول القطع بسبب نزول الآية، بخصوص تصدّق أمير المؤمنين(عليه السلام) بخاتمه وهو راكع؛ إذ لو كان كلّ هذا العدد من الطرق المختلفة غير المتّحدة بجميع الطبقات لا يكفي لإثبات التواتر، فلا ندري كيف سيثبت تواتر العديد من الأحاديث التي ادُّعي لها التواتر!!
هذا بالاقتصار على طرق الشيعة الإمامية،أمّا بإضافة طرق أهل السُنّة فإنّه سيصل إلى ما فوق التواتر، ولا خصوصية لرواة مذهب معيّن في ذلك.
هذا فضلاً عن العشرات من الشواهد الداعمة لسبب النزول عن طريق بيان المعنى، نذكر بعض مصادرها على سبيل المثال لا الحصر:
- (الكافي 1/146ح11 باب النوادر، 1/187ح7، 1/189ح16 باب فرض طاعة الأئمّة(عليهم السلام)، 1/289ح4 باب ما نصّ الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمّة(عليهم السلام) واحداً فواحداً، 1/427ح77 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية).
- (دعائم الإسلام1/14 ذكر ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، 12/20 ذكر ولاية الأئمّة).
- (أمالي الصدوق/624ح843 المجلس التاسع والسبعون).
- (كمال الدين/336ح9 الباب الثالث والثلاثون).
- (كتاب سليم/198 أمير المؤمنين يقيم الحجّة على المسلمين في عصر عثمان، و296 رسائل بين أمير المؤمنين(عليه السلام) ومعاوية اثناء حرب صفّين).
- (شرح الأخبار1/104 قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من كنت مولاه فعليّ مولاه)، 219ح199، 238ح245 ولاية عليّ(عليه السلام)).
- (الاختصاص /277).
- (أمالي الطوسي/355ح738).
- (تفسير العيّاشي1/327 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )) ).
وتركنا الأكثر.
فبعد هذا لا يردّ التواتر إلاّ معاند!!
2- وبغضّ النظر عن التواتر الثابت الحاصل ممّا ذكرنا في النقطة السابقة، فإنّ هذا المستشكل ادّعى ضعف جميع الطرق التي ذكرها، ونفترض أنّه سيدّعي ضعف الطرق التي أوردناها ولم يذكرها, فأين هو من قاعدة أنّ الضعيف ينجبر بالضعيف على ما لهذه الطرق المفروض ضعفها من كثرة، فعددها الذي يفوق عدّة عشرات ألا يكفي في جبران الضعف وليس فيها كذّاب أو وضّاع؟! بل حتى لو كان ادُّعي الكذب على بعض الرواة فإنّ الضعف المدّعى في الأغلب سوف يجبر بعضها بعضاً.
3- إنّنا سنغضّ الطرف عن المناقشة في تفاصيل ما ذكره من الجرح والتعديل في رجال أسانيد الروايات التي ذكرها؛ لأنّه لا كثير فائدة في البحث فيهم إذا كان أحدهم غير مؤثّر في الحكم على كلّ السند، مع وجود راو ٍ واحد ضعيف أو مهمل أو مجهول، فيدخل السند كلّه في قسم الضعيف، ولكن سنناقشه في الأسانيد التي يدور الكلام فيها على راوٍ أو راويين، يكون الحكم عليه أو عليهما مؤثّراً في صحّة السند أو وثاقته أو حُسنه.
وسيكون الكلام هنا تنزّلاً مع المستشكل على مبناه من جعل الخبر الواحد حجّة في العقائد، وإلاّ فقد ذكرنا سابقاً أنّ هذا غير معتمد عند الإمامية..
فقد ذكر تحت رقم (الرواية السادسة) رواية علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره، عن أبيه، عن صفوان، عن أبان بن عثمان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)، و رجال السند كلّهم ثقات؛ فأبو حمزة الثمالي: صفي عليّ(عليه السلام)، وأبان بن عثمان: من المجمع على الأخذ عنه، وصفوان بن يحيى: ثقة ثقة، وإبراهيم بن هاشم القمّي المعروف: ناشر حديث الكوفيين بقم، لا يشك أحد بوثاقته، وإن لم ينصّوا عليها، وابنه علي بن إبراهيم: ثقة، صاحب التفسير.
فلمّا لم يجد مطعناً في أحد، تشبّث بالقشّة! وبدأ بمناقشة علمائنا في الرجال في توثيقهم لإبراهيم بن هاشم القمّي، وأنّه لم يُذكر له توثيق، مع أنّ المفروض أن تكون المناقشة في المباني الرجالية لدى الشيعة الإمامية، وإبراهيم بن هاشم متفّق على توثيقه.
بل نصّ علماؤنا على أنّه أعلى شأناً من التوثيق:
قال السيّد ابن طاووس في سند فيه إبراهيم بن هاشم، رواه الصدوق: (ورواة الحديث ثقات بالاتّفاق)(1)؛ فالسيّد أوّلاً وثّق إبراهيم بن هاشم الواقع في السند, ثمّ أنّه نسب ذلك لاتّفاق العلماء؛ فلاحظ!
وذكره ابن داود الحلّي في القسم الأوّل من كتابه الخاص بالممدوحين ومن لم يضعفهم الأصحاب(2).
وقال العلاّمة في حقّه: ((ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، ولا على تعديله بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول قوله))(3).
وقال أبو علي الحائري: ((وإنّما قيّد بالتنصيص - أي العلاّمة في الخلاصة - لأنّ ظاهر الأصحاب تلقّيهم روايته بالقبول، كما ينبه عليه قولهم: أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم)).
وقال أيضاً: ((إنّ العلاّمة (ره) صحّح جملة من طرق الصدوق هو فيها، كطريقه إلى: عامر بن نعيم، وكردويه، وياسر الخادم، وكثيراً ما يعدّ أخباره في الصحاح، كما في (المختلف)، بل قال جدّي: جماعة من أصحابنا يعدّون أخباره من الصحاح.
ونقل المحقّق البحراني عن بعض معاصريه - والظاهر من طريقته أنّه خالي (ره) - توثيقه عن جماعته وقوّاه؛ لأنّ اعتماد جلّ أئمّة الحديث من القمّيين على حديثه لا يتأتّى مع عدم علمهم بثقته، مع أنّهم كانوا يقدحون بأدنى شيء، كما أنّهم غمزوا في أحمد بن محمد بن خالد مع ثقته وجلالته بأنّه يروي عن الضعفاء ويعتمد المجاهيل، مع أنّ ولده الثقة الجليل اعتمد في نقل الأخبار جلّها عنه، واعتمد ثقة الإسلام عليه مع قرب عهده به في أكثر أخباره.
قلت: وكذا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد ين يحيى وغيرهم من الأجلاء، وكذا كونه شيخ الإجازة، وكذا رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه وعدم استثنائه، وعن والد شيخنا البهائي (ره): إنّي لأستحي أن لا أعدّ حديثه صحيحاً))(4). ومثل هذا القول وأوسع منه ما قاله المامقاني في (تنقيح المقال)(5).
ومن ذاك ما نقله عن السيّد الداماد في (الرواشح): ((والصحيح الصريح عندي: أنّ الطريق من جهته صحيح؛ فأمره أجلّ وحاله أعظم من أن يتعدّل ويتوثّق بمعدّل وموثّق غيره، بل غيره يتعدّل ويتوثّق بتعديله وتوثيقه إيّاه، كيف؟! وأعاظم أشياخنا الفخام - كرئيس المحدّثين، والصدوق، والمفيد، وشيخ الطائفة، ونظائرهم ومن في طبقتهم ودرجتهم، ورتبتهم، ومرتبتهم، من الأقدمين والأحدثين - شأنّهم أجلّ وخطبهم أكبر من أن يظنّ بأحد منهم قد حاج إلى تنصيص ناص، وتوثيق موثّق، وهو شيخ الشيوخ، وقطب الأشياخ، ووتد الأوتاد، وسند الأسانيد، فهو أحقّ وأجدر بأن يستغني عن ذلك))(6).
إضافة إلى توثيق السيّد الخوئي إيّاه، الذي اعترف به هذا المستشكل، وغيره من علمائنا الكثير، فبعد ذلك لا فائدة في محاولة الاستماتة في ردّ كلمات علمائنا في توثيقة مع أنّ المفروض أن يكون الكلام حسب مباني الإمامية وأعلامهم في الرجال.
والعجب من هذا المستشكل! أنّه نسي أو تناسى أنّه على رغم ممّا ذكره العلماء في توثيقه، إلاّ أنّه لا اختلاف في مدحه وحسنه، ونصّهم على أنّ رواياته مقبولة معتبرة، فبعد اعتبار روايته وقبولها لا مجال لمحاولة ردّ رواية ابنه في تفسيره عنه, وهل التوثيق إلاّ من أجل هذا؟!
والأعجب من ذلك: أنّه حاول تضعيف الرجل لنقله روايات يعتقد هو بطلانها، حسب مذهبه، بعد أن لم يفهم مدلولها وفقهها الذي بيّنه علماؤنا في كتبهم!! وهذا من أعجب أساليب الجرح والتعديل، أن يعرض روايات الرجل على ما يعتقده من مذهب، فإذا لم توافقه جرح الرجل ورماه بالضعف ورواية المناكير؛ فتأمل!
وأمّا الكلام عن (تفسير القمّي) فسوف يأتي التفصيل فيه ضمن عنوان: (علم الكلام/بحث حول وثاقة رجال تفسير القمّي).
وذكر في (الرواية الحادية عشرة) رواية فرات الكوفي: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا محمد بن الحسين (الحسن) بن أبي الخطّاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن سليمان بن طريف، عن محمد بن مسلم: أنّ سلاماً الجعفي قال لأبي جعفر(عليه السلام)... الرواية.
وحاول تضعيفها كما فعل في كلّ الروايات التي أوردها؛ إذ طعن على فرات الكوفي وتفسيره بما لم نجده في غير مقاله هذا، فقد قال: ((قد أوقفناك على قيمته وحال مؤلّفه))، وحكم على سليمان بن طريف وسلام الجعفي بالجهالة، وإسماعيل بن إبراهيم بعدم وجود ترجمة له.
وستعرف قيمة ما ذكر:
فأمّا (تفسير فرات) فهو من التفاسير الروائية القديمة، أسندت معظم رواياته إلى إلإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)، أورد عنه الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل)، والمجلسي في (البحار)، والحر العاملي في (إثبات الهداة)، وذكر طرقه إليه في (خاتمة الوسائل30/159، الفائدة الرابعة).
وتوجد منه عدّة نسخ، تاريخ إحداها بين أوائل القرن التاسع إلى أوائل القرن الحادي عشر، وهي ملخّصة غير كاملة، ونسخة أُخرى استنسخت على نسخة تاريخها 1083هـ.
والمطبوع الموجود الآن، هو على نسخة في مكتبة أمير المؤمنين(عليه السلام) في النجف الأشرف، كتبت في بداية القرن الرابع عشر، راويها: أبو الخير مقداد بن علي الحجازي المدني، عن أبي قاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العلوي الحسني أو الحسيني عن فرات(7).
وأمّا راوي التفسير فرات الكوفي؛ فقد ورد في أسانيد الصدوق، وتفسير القمّي، وفضل زيارة الحسين(عليه السلام) لابن الشجري، ونقل عنه الحاكم الحسكاني، كما ذكرنا.
ويظهر من مضمون روايته أنّه إمامي المذهب، خلافاً لما ذكره محقّق الكتاب، اعتماداً على استحسانات واهية، من أنّه زيدي المذهب.
قال عنه المجلسي: ((وتفسير فرات؛ وإن لم يتعرّض الأصحاب لمؤلّفه بمدح ولا قدح، ولكن كون أخباره موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة، وحسن الضبط في نقلها، ممّا يعطي الوثوق بمؤلّفه وحسن الظنّ به))(8).
ونقل الخوانساري عن بعض المحقّقين في حواشيه على (منهج المقال)، قوله: له كتاب تفسير القرآن، وهو يروي عن الحسين بن سعيد من مشايخ الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه، وقد روى عنه الصدوق بواسطة، ونقل في تفسيره أحاديث كثيرة في كتبه. وهذا التفسير يتضمّن ما يدلّ على حسن اعتقاده، وجودة انتقائه، ووفور علمه، وحسن حاله، ومضمونه موافق للكتب المعتمدة(9).
وقال المامقاني: إنّ أقلّ ما يفيده كونه من مشايخ علي بن بابويه، وإكثار الصدوق (ره) الرواية عنه، وكذا رواية الشيخ الحر (ره) والفاضل المجلسي (ره) عنه، هو كون الرجل في أعلى درجات الحسن، بعد استفادة كونه إمامياً من الأخبار التي رواها، والعلم عند الله تعالى(10).
وممّا نقلنا يظهر لك اعتماد علمائنا على الكتاب أوّلاً، والتصريح بحسن حال مؤلفه فرات الكوفي ثانياً. وأمّا إسماعيل بن إبراهيم، فهو: إسماعيل (بن إسحاق) بن إبراهيم، فيكفي في حسنه أنّه أحد مشايخ فرات الكوفي؛ لما تقرّر عندهم من تحسين مشايخ المشهورين بالرواية وأصحاب الإجازة.
ومحمد بن الحسن بن أبي الخطّاب ثقة، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ثقة، وثعلبة بن ميمون ثقة, وسليمان بن طريف عدّه الشيخ في أصحاب الصادق(عليه السلام)، وهو كافٍ في حسنه، خاصّة مع رواية الثقات عنه، كثعلبة في هذا السند، ومحمد بن مسلم ثقة، وسلام الجعفي، وهو: سلام بن المستنير الجعفي الكوفي الذي يروي عنه ابن محبوب بالواسطة، وروايته عنه ولو بالواسطة تكشف عن وثاقته، أو لا أقل عن حسنه(11)، فالرواية حسنة على أقل تقدير.
وذكر تحت (الرواية السابعة عشرة) رواية الطوسي في (أماليه) عن المفيد، وهي رواية أبي رافع المشهورة، المروية عند الخاصة والعامّة، ولها طرق عديدة؛ فقد ذكر نفسه في (الرواية التاسعة عشرة) طريقاً آخر إليها برواية النجاشي في رجاله.
فرواية الطوسي بسنده: عن عون بن عبيد الله، عن عبيد الله، عن أبي رافع، ورواية النجاشي: عن عبد الله بن عبيد الله أخو عون، عن أبيه عبيد الله، عن جدّه أبو رافع، والمستشكل لم يتكلّم عن السند إلى هنا في الروايتين وإنّما تكلّم على ما بعدهم من الرجال، ولكنّه نسي طريقاً ثالثاً ذكره ابن طاووس نقلاً عن تفسير ابن الجُحام الثقة(12)، وهذا السند يرجع إلى عون بن عبيد الله، كما في سند الطوسي، والراوي عن عون عند ابن الجُحام هو محمد بن عبيد الله عن أخيه عون، ومن محمد هذا يفترق طريق ابن أبي شيبة الذي رواه الطبراني في الكبير(13) عن طريق ابن جحام، بل مجموع الطرق عن محمد بن عبيد الله هذا أربعة: ثلاثة منها في كتب أهل السُنّة، والأوّل عند الشيعة، وهو طريق ابن الجحام، وإن يحتمل الإتّحاد في بعضها؛ لما وقع من تصحيف في الأسانيد.
وعلى كلّ، فإنّ عبد الرحمن بن الأسود الكندي اليشكري الراوي عن عون في سند الطوسي، تابعه محمد بن عبيد الله عن عون، وافترق الطريق من محمد هذا إلى أربعة طرق: مخول، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن محمد بن عبيد الله، وحصين، عن هارون بن سعيد، عن محمد بن عبيد الله، ويحيى بن الحسن بن الفرات، عن علي بن الهاشم بن البريد، عن محمد بن عبيد الله، وإسماعيل بن إسحاق الراشدي، عن يحيى بن هاشم المغاني، عن محمد بن عبيد الله, وإذا قلنا بإتّحاد الطريق الرابع والثالث لوجود التصحيف، فالطرق عن محمد بن عبيد الله ثلاثة.
وبالنتيجة فإنّ أغلب من تكلّم عليهم في هذه الطرق لهم متابعون، فضلاً عن كفاية تعدّد الطرق في استفاضة الحديث وحسنه.
إلى هنا ظهر أنّ عندنا ثلاث روايات، إحداها صحيحة، وهي: رواية علي بن إبراهيم في تفسيره، واثنتان حسنتان، وهما: رواية فرات الكوفي، والرواية المعروفة المشهورة عن أبي رافع, وهذا يكفي للتمسّك بالحديث تنزّلاً منّا على مبنى القوم، وإلاّ فإنّنا قد أشرنا إلى عدم الحاجة إلى مثل هذا التصحيح في النقطتين السابقتين، وللمستدل أن يعكس الاستدلال ويبدأ من النقطة الثالثة ثمّ ينتهي بالأولى، - أي: يترقّى من تصحيح أحد الطرق إلى إثبات التواتر-.
وممّا قدمنا؛ يظهر ما في قول المستشكل ((وبعد فهذه حال كلّ الروايات المسندة التي وقفنا عليها من كتب القوم، إلى قوله: وقد رأيت أنّه لم يصحّ منها شيء أصلاً من طرق الشيعة فضلاً عن طرق أهل السُنّة)).
فأوّلاً: أنّه لم يذكر كلّ الطرق، وقد أشرنا إلى مصادر العديد منها.
وثانياً: قد رأيت أنّه قد صحّ طريق واحد منها وحسن طريقان على الأقل، مع أنّا قد غضضنا الطرف عن مناقشته عمّا جاء من أخطاء واشتباهات في الجرح والتعديل لبقية الأسانيد؛ روماً للاختصار.
وثالثاً: إنّ الكلام في طرق الشيعة لا في طرق السُنّة، وإلاّ لذكرنا له ما يمكن تصحيحه على مبانيهم، مثل رواية ابن أبي حاتم في تفسيره(14)، والطبري في تفسيره(15)، وغيرها.
وأمّا قوله: ((رغم كلّ التهويلات التي استخدمها القوم، عند الكلام في هذا الاستدلال، من تواتر وصحّة القصّة في طرق أهل السُنّة... الخ)).
فلا ندري؛ هل الكلام في روايات أهل السُنّة وعدم صحّتها وعدم تواترها؟ فهذا ممّا لم يتحدّث عنه، وإلاّ لكان من السهل علينا إثبات تواترها عندهم، فضلاً عن صحّة بعض طرقها!
وإن كان الكلام في روايات الشيعة، فما في هذه العبارة لا علاقة له بها، أو هو من الخلط وسبق القلم.
وعلى كلّ، فقد أثبتنا تواتر الحديث عند الشيعة فقط، فضلاً عن بقية الطرق عند المذاهب الأُخرى، ولو جمعنا كلّ الطرق عند كلّ المذاهب لأصبح الحديث فوق التواتر بمراتب، وكلامنا هنا عن الطرق المستقلّة، لا عن عموم التخريج في الكتب، كما يحاول أن يوهمه هذا المستشكل.
ومن السماجة الادّعاء بأنّ كثير من علماء أهل السُنّة قد ذكروا حادثة التصدّق لبيان ضعفها، أو إيراد كلّ ما له شأن بنزول الآية! ولو كان الكلام في طرقهم لبيّنا له العدد الوفير من علمائه الذين أخرجوها مسندة، بل اعتمدوا على أسانيدها ولم يعلّقوا بشيء عليها، مع أنّ إيراد كلّ ما له شأن بالنزول مع ذكر الأسانيد كافٍ في الباب، ولعلّ ما في جملته الأخير من قوله: ((أو إيرادها بأسانيدها مبرئين الذمّة بذلك)) ما يبيّن لك حال علمائه.
وأمّا قوله: ((لكن لم يصحّ منها شيء)) فهو على عهدته، وقد بيّنا ما فيه.
وأمّا أنّ الأميني لم يناقش في الأسانيد، فلأنّ الأمر مفروغ منه عند العلماء لا يحتمل المناقشة، وإن كان بعض من ينتسب لهم يحاول تكذيب الحادثة، كأمثال ابن تيمية.
وأمّا طلبه السند الصحيح من كتبنا، فقد دللناه عليه, فهل يا ترى سيكتفي أم يبقى يلج في عناده؟!
وأمّا السند الصحيح من كتبهم، فله مكانه الخاص به.
ثالثاً: الكلام على ما استشكله في متون الروايات:
أ‌ - إنّ ما ذكره من اختلاف واضطراب المتون ليس بشيء؛ إذ من الواضح أنّ التواتر الثابت لمجموعة من التفاصيل يغني عن الالتفات إلى الاختلاف في التفاصيل الأُخرى، فقد حصل التواتر بوقوع التصدّق من شخص الإمام عليّ(عليه السلام) في حالة الركوع، لسائل سئل في المسجد، ولم يعطه أحد شيئاً، فنزلت الآية تخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك، وتثبت صفة الولاية لله ولرسوله وللمتصدّق، وهذا يكفي في ردّ كلّ التخرصات، مع أنّ في التفاصيل كلاماً كثيراً مع هذا المستشكل، تركناه كرهاً للتطويل ولعدم الحاجة إليه.
ب - ما ذكره من الإشكالات على استدلال الشيعة بالآية، فهي إشكالات مكرّرة من أسلافه قد أجاب عليها علماؤنا بالتفصيل، وأجبنا عليها كلّها في هذا الباب (آية الولاية)، خاصّة الجواب الخاص بالردّ على الآلوسي؛ فليراجع!








(1) فلاح السائل: 158 الفصل التاسع عشر.
(2) رجال ابن داود: 34 (43) باب الهمزة.
(3) الخلاصة: 49 (9) باب الهمزة باب إبراهيم.
(4) منتهى المقال 1: 214 (92) باب الألف/إبراهيم.
(5) تنقيح المقال 5: 72 (621) باب إبراهيم.
(6) الرواشح السماوية: 83 الراشحة الرابعة.
(7) انظر: مقدمة تفسير فرات.
(8) بحار الأنوار 1: 37 الفصل الثاني توثيق المصادر.
(9) روضات الجنات 5: 354 (542).
(10) تنقيح المقال 2: 3 من أبواب الفاء الطبعة الحجرية.
(11) تنقيح المقال 2: 43 من أبواب السين الطبعة الحجرية.
(12) سعد السعود: 95 فصل في ما يذكره من الجزء الثالث من كتاب ابن الجحام.
(13) المعجم الكبير 1: 320 (955) عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه.
(14) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1161(6549)(6551) قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )).
(15) تفسير الطبري 6: 390 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )).


السؤال: رواية صحيحة عبد أهل السنة تحكي واقعة التصدق
ما هي قصّة تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بالخاتم، هل هي صحيحة؟
الجواب:




إنّ تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بالخاتم، موضع اتّفاق الشيعة وأهل السُنّة، وسنروي لك رواية صحيحة من طرق أهل السُنّة تحكي واقعة التصدّق:
روى الحاكم الحسكاني بسند صحيح عن ابن عبّاس: ((أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلّى يوماً بأصحابه صلاة الظهر، وانصرف هو وأصحابه، فلم يبق في المسجد غير عليّ قائماً، يصلّي بين الظهر والعصر، إذ دخل المسجد فقير من فقراء المسلمين، فلم ير في المسجد أحداً خلا عليّاً، فأقبل نحوه، فقال: يا وليّ الله! بالذي تصلّي له، أن تتصدّق عليَّ بما أمكنك. وله خاتم عقيق يماني أحمر، كان يلبسه في الصلاة في يمينه، فمدّ يده فوضعها على ظهره، وأشار إلى السائل بنزعه، فنزعه ودعا له، ومضى، وهبط جبرائيل، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ: لقد باهى الله بك ملائكته اليوم، اقرأ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... ))(1).
وروى عن ابن مؤمن الشيرازي في الآية التي بعدها، وهي: قوله تعالى: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )) (المائدة:56), وقال: لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)(2).
وسند رواية التصدّق عند الحسكاني هو: وحدّثنا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي بالبصرة, قال: حدّثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدّثنا سفيان الثوري، عن منصور,عن مجاهد، عن ابن عبّاس..
قال سفيان: وحدّثني الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، في قول الله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ))... الرواية(3).
والحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، وثّقه السمعاني؛ قال: نزيل البصرة، عنده أكثر مصنفات أبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، ثقة نبيل(4). قرّب الذهبي وفاته في 320هـ(5).
ويعقوب بن سفيان، هو أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي، المحدّث الحافظ صاحب كتاب (المعرفة والتاريخ)، ترجمه الخطيب في (الرحلة في طلب الحديث)(6)، وترجمه ابن حجر في (تهذيب التهذيب)، وقال: وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: كان ممّن جمع وصنّف، مع الورع والنسك، والصلابة في السُنّة. وقال النسائي: لا بأس به، وقال الحاكم: كان إمام أهل الحديث بفارس - ثمّ قال - : وقال أبو زرعة الدمشقي: قدم علينا رجلان من نبلاء الناس، أحدهما وأرحلهما: يعقوب بن سفيان، يعجز أهل العراق أن يروا مثله رجلاً(7).
والظاهر أنّ هذا الحديث من تفسيره.
والفضل بن دكين معروف مشهور، وثقه الكلّ(8).
وسفيان الثوري، أعلى من التزكية عندهم(9)، وسفيان روى هذا الحديث من طريقين يجتمعان فيه:
الأول: عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عبّاس. والثاني: عن الأعمش عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس. وهؤلاء كلّهم ثقات عند القوم.
وأمّا الراوي عن الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، فهو: أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي، صاحب التفسير الذي أخذه من اثني عشر تفسيراً.
فإنّ الحاكم الحسكاني يروي بواسطة، أبي العبّاس العلوي، عن أبي قيدة، عن محمد بن عبيد الله، عن الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي.
وقد أورد سنده في الرواية السابقة على هذه الرواية؛ قال: أخبرنا عقيل بن الحسين، قال: أخبرنا علي بن الحسين، قال: حدّثنا محمد بن عبيد الله، قال: حدّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقّاق... إلى آخر السند، ثمّ قال: وحدّثني الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، عن ابن عبّاس(10).
ثمّ أورد الرواية محلّ الشاهد، قال: وحدّثنا الحسن بن محمّد بن عثمان الفسوي... إلى آخر ما أوردناه من سند ومتن الرواية.
وهكذا في كلّ ما يروي عن الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي(11).
ومحمد بن عبيد الله الوارد في السند، وفي سند آخر أبو بكر محمد بن عبيد الله(12)، هو: أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي، إذ أشار إليه بـ(ابن مؤمن) في عدّة أسانيد أُخر، فباتّحاد الراوي والمروي عنه ومكان وتاريخ الرواية، يتّضح اتّحادهما.
فقد روى الحسكاني بنفس السند عن أبي بكر بن مؤمن، عن عبدويه بن محمد بشيراز(13)، وروى عنه بنفس السند باسم: محمد بن عبيد الله، عن عبدويه بن محمد بشيراز(14).
كما روى بنفس السند، عن ابن مؤمن، عن المنتصر بن نصر بن تميم الواسطي(15)، وروى بنفس السند باسم محمد بن عبيد الله، عن المنتصر بن نصر بن تميم الواسطي(16).
كما روى عن أبي بكر بن مؤمن، عن عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقّاق ببغداد(17)، وروى عنه باسم محمد بن عبيد الله عن عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقّاق ببغداد(18).
كما روى عن أبي بكر بن مؤمن، عن أبي عمر عبد الملك بن علي بكازرون(19)، وروى عنه باسم محمد بن عبيد الله، عن أبي عمر عبد الملك بن علي بكازرون(20).
بل إنّه ذكره بالاسمين في رواية واحدة؛ قال: أخبرنا أبو العبّاس المحمدي، قال: أخبرنا علي بن الحسين، قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله، قال: حدّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبيد الله الدقّاق المعروف بـ(ابن السماك) ببغداد... إلى آخر ما ذكره من الرواية، ثمّ قال: قال ابن مؤمن: لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)(21).
وقد روى آخرون عن تفسير ابن مؤمن الشيرازي ما رواه الحسكاني عن محمد بن عبيد الله بنفس السند؛ فقد روى الحسكاني عن محمد بن عبيد الله بسنده، عن علقمة، عن ابن مسعود، في أنّ الخلافة وقعت لثلاثة(22)، ورواه ابن طاووس في (الطرائف) عن محمد بن مؤمن الشيرازي من كتابه، عن علقمة، عن ابن مسعود أيضاً(23).
وروى الحسكاني أيضاً عن محمد بن عبيد الله بسنده، عن سفيان، عن السدّي، عن الحارث، عن عليّ(عليه السلام) في تفسير آية (( فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ ))(24)، ورواه بنفس السند ابن طاووس، عن محمد بن مؤمن الشيرازي من كتابه الطرائف(25)، وروى أيضاً عن محمد بن عبيد الله بسنده، عن ابن عبّاس في قوله: (( وَاجعَل لِي مِن لَدُنكَ سُلطَانًا نَصِيرًا )) (الإسراء:80)(26)، ورواه عن أبي بكر الشيرازي ابن شهر آشوب في (المناقب)(27).
وروى أيضاً عن القطّان، عن وكيع، عن سفيان، عن السدّي، عن عبد خير، عن عليّ(عليه السلام)، في قوله تعالى: (( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ )) (النبأ:1)(28).
ورواه ابن طاووس في الطرائف عن محمد بن مؤمن الشيرازي بإسناده عن السدّي(29).
وروى عن محمد بن حرزاد بالأهواز بسنده عن أبي هريرة في قوله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُم وَحُسنُ مَآبٍ )) (الرعد:29)(30)، ورواه عن ابن مؤمن محمد بن الحسن القمّي في العقد النضيد بنفس السند(31).
وروى عن أبي الطيب السامري بسنده إلى ابن عبّاس في قوله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ )) (الأنعام:82)(32)، ورواها الكاشي عن محمد بن مؤمن الشيرازي بنفس السند والمتن(33).
وروى عن أبي بكر محمد بن عبد الرزّاق بالبصرة بسنده، عن أبي هريرة في قوله: (( جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ )) (الإسراء:81)(34)، ورواها عن أبي بكر الشيرازي في إحقاق الحق(35).
ومن هنا ظهر الاتّحاد بين ما يذكره الحسكاني باسم محمد بن عبيد الله في بعض الأسانيد، وبين ما يذكره باسم أبو بكر محمد بن مؤمن في أسانيد اُخر.
وقد ترجم الشيخ منتجب الدين (القرن السادس) في فهرسته لابن مؤمن الشيرازي، بقوله: الشيخ محمد [بن] مؤمن الشيرازي: ثقة، عين، مصنف كتاب (نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين) صلوات الله وسلامه عليه وعلى أولاده الطيبين الطاهرين، أخبرنا أبو البركات المشهدي رحمه الله به(36).
وترجمه ابن شهر آشوب (ت588) في معالم العلماء بقوله: أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي كرامي، له نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين(عليه السلام)(37).
وقال ابن طاووس (ت664هـ) في الطرائف حينما نقل عدّة روايات من كتابه: ومن ذلك ما رواه محمد بن مؤمن الشيرازي ممّا أورده في كتابه واستخرجه من تفاسير الاثني عشر وهو من علماء الأربعة المذاهب وثقاتهم(38).
وقال أيضاً: ومن ذلك ما رواه الحافظ محمد بن مؤمن في كتابه المذكور(39). وأيضاً: ومن ذلك ما رواه الحافظ عندهم محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه، فسمّاه حافظاً في عدّة موارد(40).
وذكر أسماء التفاسير التي استخرج كتابه منها؛ قال: في ذلك ما رواه الشيخ الحافظ محمدبن مؤمن الشيرازي فيما أورده في كتابه الذي استخرجه من التفاسير الاثني عشر: تفسير أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن سفيان، وتفسير ابن جريج، وتفسير مقاتل بن سليمان، وتفسير وكيع ابن جراح، وتفسير يوسف بن موسى القطّان، وتفسير قتادة، وتفسير أبي عبيدة قاسم بن سلام، وتفسير علي بن حرب الطائي، وتفسير السدّي، وتفسير مجاهد، وتفسير مقاتل بن حيان، وتفسير أبي صالح(41). وأيضاً سماه حافظاً في كتابه اليقين(42).
وأورد الحسكاني تعداد هذه التفاسير في (شواهد التنزيل) بنفس الترتيب(43)، وقد أشرنا إلى أنّ الرواية مورد البحث مستخرجة من تفسير يعقوب بن سفيان.
ونقل السيّد المرعشي عن (مناقب الكاشي): أنّ أبا بكر محمد بن المؤمن توفّي في 388هـ(44)، وقال عنه الكاشي: العلاّمة الإمام الفاضل(45).
وأمّا الواسطة بين الحسكاني وابن مؤمن فهما: أبو العبّاس عقيل بن الحسين بن محمد بن علي العلوي، عن أبي الحسن عليّ بن الحسين بن قيدة الفسوي
وأبو الحسن علي بن الحسين، هو علي بن الحسين بن محمد بن مندة، شيخ الخزّاز القمّي، صاحب (كفاية الأثر)، وقد وقع التصحيف في اسمه من مندة إلى (قيدة) عند الحسكاني في الموضعين.
قال الوحيد البهبهاني في التعليقة: علي بن الحسين بن محمد بن مندة، أبو الحسن، قد أكثر من الرواية عنه الثقة الجليل علي بن محمد علي بن الخزّاز وترحّم عليه، والظاهر أنّه من مشايخه، فهو في طبقة الصدوق وكثيراً ما يروي عن الثقة الجليل هارون بن موسى التلعكبري(46).
وهو من شيوخ الكراجكي أيضاً؛ روى عنه في كتاب (تفضيل أمير المؤمنين) حديث الطير عن أبي هدبة مولى أنس(47).
فهو من شيوخ الإجازة، يروي عنه الثقات، ويروي عن الثقات، وقد روى عنه في سند الحسكاني: أبو العبّاس عقيل بن الحسين العلوي؛ ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام؛ قال: عقيل بن الحسين بن محمد بن علي السيّد الفرغاني، أبو العبّاس: محتشم ذو مال، النسوي المولد، فرغاني المنشأ تاريخ الإسلام، وفيات سنة 427 هـ.
وفي منتخب السياق ذيل تاريخ نيسابور: عقيل بن الحسين بن محمد بن علي بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب السيّد أبو العبّاس الفرغاني، ثمّ الفارسي كبير جزيل النعمة، منسوي المولد، فرغاني المنشأ، علوي المحتد، سمع الكثير...الخ(48).
والحديث له شواهد كثيرة جدّاً عن عدد من الصحابة تخرجه إلى حدّ التواتر.








(1) شواهد التنزيل 1: 212 حديث (221).
(2) شواهد التنزيل 1: 246 حديث (241).
(3) شواهد التنزيل 1: 212 حديث (221).
(4) الأنساب 4: 385.
(5) تاريخ الاسلام سنة 340هـ.
(6) الرحلة في طلب الحديث: 206 حديث (106).
(7) تهذيب التهذيب 11: 338 [648].
(8) تهذيب التهذيب 8: 244 [ 505].
(9) تهذيب التهذيب 4: 99 [199].
(10) شواهد التنزيل 1: 211 حديث (220).
(11) انظر: شواهد التنزيل 1: 345 حديث (357)، 1: 455 حديث (481)، 2: 332 حديث (973)، 2: 377 حديث (1027).
(12) شواهد التنزيل 1: 75 حديث (87).
(13) شواهد التنزيل 1: 70 حديث (80).
(14) شواهد التنزيل 1: 432 حديث (459)، 1: 483 حديث (513)، 2: 177حديث (809)، 2: 259 حديث (893).
(15) شواهد التنزيل 1: 147 حديث (161).
(16) شواهد التنزيل 1: 97 حديث (114)، 1: 571 حديث (609)، 2: 266 حديث (882).
(17) شواهد التنزيل 2: 6 حديث (628).
(18) شواهد التنزيل 1: 86 حديث (106)، 1: 211 حديث (220)، 246 حديث (241)، وغيرها.
(19) شواهد التنزيل 2: 268 حديث (901).
(20) شواهد التنزيل 1: 196 حديث (206)، 2: 154 حديث (781).
(21) شواهد التنزيل 1: 246 حديث (241).
(22) شواهد التنزيل 1: 97 حديث (114).
(23) الطرائف: 95 حديث (134).
(24) شواهد التنزيل 1: 432 حديث (459).
(25) الطرائف: 94 حديث (131).
(26) شواهد التنزيل 1: 452 حديث (479).
(27) مناقب ابن شهر اشوب1: 341, فصل (في المسابقة بالجهاد).
(28) شواهد التنزيل 2: 418 حديث (1075).
(29) الطرائف: 95 حديث (133).
(30) شواهد التنزيل 1: 398 حديث (421).
(31) العقد النضيد: 74، الحديث السادس والخمسون.
(32) شواهد التنزيل 1: 262 حديث (255).
(33) إحقاق الحقّ 3: 543.
(34) شواهد التنزيل 1: 453 حديث (480).
(35) إحقاق الحقّ 3: 550.
(36) فهرست منتجب الدين: 29 حديث (393).
(37) معالم العلماء: 153 [784].
(38) الطرائف: 93 حديث (131)، ما نزل من الآيات في شأن عليّ(عليه السلام).
(39) الطرائف: 94 حديث (132).
(40) الطرائف: 96 حديث (135)، 138.
(41) الطرائف: 429.
(42) اليقين: 113, 413.
(43) شواهد التنزيل 2: 484 حديث (1159).
(44) شرح إحقاق الحقّ 4: 73.
(45) شرح إحقاق الحقّ 4: 331.
(46) تعليقة على منهج المقال: 251.
(47) بحار الأنوار 57: 300، التفضيل: 15، فصل في خبر الطائر، باب الاستدلال من الأخبار.
(48) شواهد التنزيل 1: 75، الهامش.
























تعليق على الجواب (1)
السائل يقول لعليّ(رضي الله عنه): يا وليّ الله! كما جاء في نصّ الحديث، قبل أن تنزل آية الولاية، فكيف هذا؟
الجواب:




نحن لا نقول أنّ ولايته (عليه السلام) لم تكن ثابتة قبل نزول آية الولاية, وإنّما نقول أنّ آية الولاية أحد الأدلّة على ولايته.
نعم, إنّ مَن لم يكن يعرف ولايته سابقاً فإنّه علم بها بعد نزول الآية, كما ورد في أسباب النزول بخصوص بعض اليهود، منهم عبد الله بن سلام؛ فإنّهم سألوا النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه فنزلت الآية(1), ولكنّ هذا لا يعني أنّ كلّ المسلمين لم يكونوا يعلمون بولايته قبل نزول الآية..
كيف؟! وحديث الدار كان في بدايات الدعوة الإسلامية, ولم يحضره إلاّ بني هاشم, وقد أخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بولايته هناك(2).
بل إنّ ولايته كانت معروفة عند كثير من المسلمين من المهاجرين والأنصار، لتكرّر إخبار من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بها في عدّة مواضع, ولكنّ ماذا نفعل لمَن يريد أن يغطي ضوء الشمس بغربال؟ فهو من أجل غايته وغرضه ينكر ضوء النهار, ويقول: إنّه ليل, فأفهم.








(1) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان 1: 307 قوله سبحانه: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... ))، أسباب نزول الآيات للواحدي: 133 سورة المائدة.
(2) انظر: تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 49، تفسير البغوي 3: 400 قوله تعالى: (( وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ )) (الشعراء: 214).
















































السؤال: أسانيد حديث التصدق وتضعيف الألباني لها
قال ناصر الدين الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة)، حديث رقم4921: (نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودخل المسجد؛ والناس يصلّون بين راكع وقائم يصلّي؛ فإذا سائل، قال: يا سائل!! أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا؛ إلاّ هذا الراكع - لعليّ - أعطاني خاتماً).
قال الألباني: منكر، أخرجه الحاكم في (علوم الحديث ص102)، وابن عساكر (12/153/2) من طريق محمد بن يحيى بن الضريس: ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ، قال... فذكره. وقال الحاكم: ((تفرد به ابن الضريس عن عيسى العلوي الكوفي)).
قلت: وهو متّهم؛ قال في (الميزان): ((قال الدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن حبّان: يروي عن آبائه أشياء موضوعة)). ثمّ ساق له أحاديث.
(تنبيه): عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر... إلخ؛ هكذا وقع في هذا الإسناد عند المذكورين. والذي في (الميزان) و(اللسان): عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر!! فسمّى جدّه: محمداً، بدل: عبيد الله؛ ولعلّه الصواب؛ فإنّه كذلك في (الكامل1/295) في الترجمة، وفي بعض الأحاديث التي ساقها تحتها، وأحدها من طريق محمد بن يحيى بن ضريس: حدّثنا عيسى بن عبد الله بن محمد... ثمّ قال: ((وبهذا الإسناد تسعة أحاديث مناكير، وله غير ما ذكرت، وعامّة ما يرويه لا يتابع عليه))(سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: المجلد العاشر، القسم الثاني/580).
الجواب:




إنّ الشيخ الألباني قد اقتصر في تخريجه هذا على بعض الطرق، وغفل، أو تغافل، عن تخريج الطرق الأُخرى في سبب النزول هذا، الذي ورد عن عدّة صحابة، نذكر منهم: ابن عبّاس، وعمّار، وأبو ذرّ، والمقداد بن الأسود، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو رافع، وأنس بن مالك، والتابعي الكبير سلمة بن كهيل، ومحمد بن الحنفية، بالإضافة إلى طريق الإمام عليّ(عليه السلام)(1)، فلا ندري لماذا تخرج فضائل أهل البيت(عليهم السلام) وما يدلّ على إمامتهم بهذا الشكل القاصر المعيب الناقص؟!!
وإليك أيّها الأخ تخريج الحديث الذي ذكره الزيلعي لهذه الرواية في كتابه (تخريج الأحاديث والآثار):
((قوله - أي: الزمخشري في الكشّاف، الآية 55 من المائدة -: روي عن عليّ(رضي الله عنه) أنّ سائلاً سأله وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه، كأنّه كان مزجاً في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كبير عمل يفسد بمثله صلاته، فنزلت.
قلت: رواه الحاكم أبو عبد الله في كتابه (علوم الحديث): ((من حديث عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب، قال: نزلت هذه الآية (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) فدخل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المسجد والناس يصلّون بين قائم وراكع وساجد، وإذا سائل، فقال له رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا سائل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: لا، إلاّ هذا الراكع يعني عليّاً أعطاني خاتماً)). انتهى.
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره: ((ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول، ثنا موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )). انتهى.
نقول: وهذا مرسل صحيح على شرط البخاري ومسلم. والمرسل الصحيح إذا عضده مسند ضعيف فإنّه يرتقي إلى درجة الاحتجاج، فكيف مع هذه الأسانيد المتعدّدة؟!
قال الإمام الشافعي: فقلت له: المنقطع مختلف، فمن شاهد أصحاب رسول الله من التابعين فحدّث حديثاً منقطعاً عن النبيّ اعتبر عليه بأُمور، منها: أن يُنظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه فيه الحفّاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله بمثل معنى ما روى، كانت هذه دلالة على صحّة من قَبِل عنه وحفظه، وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده من قبل ما يفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مرسل غيره يسنده قبل ما يفرد به من ذلك؟ ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مرسل غيره ممّن قُبل العلم عنه من غير رجاله الذين قُبل عنهم؟
فإن وجد ذلك، كانت دلالة يقوّي به مرسله، وهي أضعف من الأولى، وإن لم يوجد ذلك، نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله قولاً له، فإن وجد يوافق ما روي عن رسول الله، كانت هذه دلالة على أنّه لم يأخذ مرسله إلاّ عن أصل يصحّ إن شاء الله(2).
نقول: وقد تحقّق في هذا المرسل الصحيح عن سلمة بن كهيل الشرطان اللذان ذكرهما الشافعي، فقد روي بسند متّصل عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في رواية الحاكم، بل رواه بسند متصل صحيح، أو قريب من الصحّة: الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل) عن شيوخ سلمة بن كهيل الثقات نفسهم(3)، فعلم من أين وصله.
وقد رواه ابن أبي حاتم بسند مرسل آخر عمّن أخذ العلم عن غير رجال سلمة بن كهيل، وهو عتبة بن أبي حكيم، وسنده هذا: الربيع بن سليمان المرادي، ثنا أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم(4).
وقال الرازي في (المحصول): ((قال الشافعي(رضي الله عنه): لا أقبل المرسل إلاّ إذا كان الذي أرسله مرة، أسنده أُخرى قبل مرسله، أو أرسله هو وأسنده غيره، وهذا إذا لم تقم الحجّة بإسناده، أو أرسله راو آخر، ويعلم انّ رجال أحدهما غير رجال الآخر)).
ثمّ قال في الردّ على الحنفية: ((والجواب: أنّ غرض الشافعي(رضي الله عنه) من هذه الأشياء حرف واحد، وهو أنّا إذا جهلنا عدالة راوي الأصل، لم يحصل ظنّ كون ذلك الخبر صدقاً، فإذا انضمت هذه المقويات إليه قوى بعض القوّة، فحينئذ يجب العمل به، إمّا دفعاً للضرر المظنون، وإمّا لقوله عليه الصلاة والسلام: (اقضي بالظاهر) ))(5)، ونقل ذلك ابن كثير في (اختصار علوم الحديث)(6)، والنواوي والسيوطي في (شرح تقريب النواوي)(7).
وأمّا على مختار الآمدي من قبول مراسيل العدل مطلقاً، فالأمر واضح(8).
الزيعلي: وأخرجه ابن مردويه في تفسيره: عن سفيان الثوري، عن أبي سنان، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ بن أبي طالب قائماً يصلّي، فمرّ سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )).. الآية، وفيه انقطاع؛ فإنّ الضحّاك لم يلق ابن عبّاس
نقول: وقع الخلاف في لقاء الضحّاك لابن عبّاس، وإن ثبت عدم لقيا، فهو مختص في الأحكام، وامّا التفسير، فالواسطة بينه وبين ابن عبّاس معلومة وهو سعيد بن جبير.
قال المزّي في تهذيب الكمال: ((قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ثقة، مأمون، وقال أبو بكر بن أبي خثيمة، عن يحيى بن معين وأبو زرعة: ثقة، وقال زيد بن الحباب، عن سفيان الثوري: خذوا التفسير من أربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحّاك، وقال أبو قتيبة مسلم بن قتيبة، عن شعبة، قلت لمشاش: الضحّاك سمع من ابن عبّاس؟ قال: ما رآه قط، وقال أبو داود الطيالسي، عن شعبة: حدّثني عبد الملك بن ميسرة، قال: الضحّاك لم يلق ابن عبّاس، إنّما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير))(9).
ولو سلّمنا الانقطاع، فهو يحقّق شرط الشافعي الثاني، كما بيّنا آنفاً.
الزيعلي: ورواه أيضاً: حدّثنا سليمان بن أحمد هو الطبراني، ثنا محمد بن علي الصائغ، ثنا خالد بن يزيد العمري، ثنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن علي بن حسين بن علي، عن الحسين بن زيد، عن أبيه زيد بن علي بن الحسين، عن جدّه، قال: سمعت عمّار بن ياسر يقول: وقف بعليّ سائل وهو واقف في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأعلمه ذلك، فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) الآية، فقرأها رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أصحابه, ثمّ قال: (من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاده).
ورواه الطبراني في معجمه الوسيط، إلاّ أنّه قال: إسحاق بن عبد الله بن محمد بن علي بن حسين، عن الحسن بن زيد، عن أبيه زيد بن الحسين، عن جده، قال: سمعت عمّاراً... فذكره.
ورواه الثعلبي من حديث أبي ذرّ، قال: صلّيت مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوماً من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئاً، فرفع السائل يده وقال: اللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يعطني أحد شيئاً، وكان عليّ راكعاً، فأومى إليه بخنصره اليمين، وكان يختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم في خنصره، وذلك بعين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)... وذكر فيه قصّة.
وليس في لفظ أحد منهم أنّه خلعه وهو في الصلاة كما في لفظ المصنّف - أي الزمخشري -))(10).
نقول: والعجب من هذا الالبانيّ كيف يخرج هذا الحديث بهذا القصور!
وكيف يخالف ما اعتمده هو؛ قال في إرواء الغليل بخصوص قصّة العبّاس: ((قلت: وهو الذي نجزم به لصحّة سندها مرسلاً، وهذه شواهد لم يشتد ضعفها... فهو يتّقى بها ويرتقي إلى درجة الحسن على أقل الأحوال))(11)! وقد ملأ تخريجه لإرواء الغليل بمثل هذا.
وقال في الردّ على (إباحة التحلّي بالذهب المحلق) للشيخ إسماعيل الأنصاري: ((لكن هذا القدر من الحديث صحيح أيضاً؛ لأنّه مرسل صحيح الإسناد، وقد روي موصولاً، كما علمت له شاهدان موصولان، الأوّل: عن أبي هريرة... والآخر: عن أسماء بنت زيد)). ثمّ قلت مشيراً إلى شواهد أُخرى: ((وفي الباب عن عائشة عند النسائي وغيره، وأسماء أيضاً عند أبي داود))، فهذه الشواهد وإن كان غالب مفرداتها لا تخلو من ضعيف، فممّا لا شك فيه: أنّها بمجموعها صالحة للاحتجاج بها على تحريم ما اجتمعت عليه من تحريم السوار والطوق وكذا الخرص، لما تقرّر من مصطلح الحديث: أنّ كثرة الطرق تقوّي الحديث إذا خلت من متروك، أو متّهم، لا سيّما والمشهود له، وهو الحديث المرسل الصحيح إسناده حجّة وحده عند جمهور الفقهاء، قال الحافظ ابن كثير: ((والاحتجاج به مذهب مالك، وأبي حنيفة وأصحابهما. وهو يحكي عن أحمد في رواية)).
وأمّا مذهب الشافعي، فشرطه في الاحتجاج به معروف، وهو أن يجيء موصلاً من وجه آخر ولو مرسلاً، فهذا قد جاء موصولاً من طرق، وعليه فهذا الحديث المرسل صحيح حجّة عند جميع علماء المذاهب الأربعة، وغيرهم من أئمّة أُصول الحديث والفقه، وبذلك يظهر لكلّ منصف أنّ القول بسقوط الاستدلال بهذا الحديث، لمجرّد وروده مرسلاً هو الساقط، والله تعالى هو الموفق))(12).
ونحن نقول: وبهذا يظهر لكلّ منصف أنّ كلام الألباني في تضعيف حديث التصدّق ساقط؛ إذ هو حسب قوله اتّبع فيه هواه لا غير.








(1) انظر: شواهد التنزيل 1: 209 ــ 247 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(2) الرسالة للشافعي: 461.
(3) شواهد التنزيل 1: 212 حديث (221).
(4) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162 حديث (6546).
(5) المحصول 4: 460 المسألة الثالثة: المراسيل.
(6) الباعث الحثيث: 157 النوع التاسع: المرسل.
(7) تدريب الراوي: 126 النوع التاسع: المرسل.
(8) الأحكام 2: 123 الخلاف في قبول الخبر المرسل.
(9) تهذيب الكمال 13: 291 (2928).
(10) تخريج الأحاديث والأثار للزيلعي 1: 409 حديث (420).
(11) ارواء الغليل 3: 349 حديث (857) تعجيل اخراج الصدقة وأخذها(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من العبّاس قبل سنتين.
(12) انظر: حياة الألباني وآثاره: 1: 134، الفصل الثاني.
السؤال: رد شبهات عن آية الولاية وذكر المصادر المعتبرة في شأن نزولها
من أدلّتنا القوية التي نستدل بها على إخواننا السُنّة بوصاية وولاية الإمام عليّ(عليه السلام) بعد الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هي الآية القرآنية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55). بما ثبت من نزولها في تصدّق عليّ(عليه السلام) وهو راكع عندما أتى سائل يسأل الصدقة في المسجد.
والسؤال:
1- هل كانت صدقة أم زكاة؟ ولماذا نقول: إنّها صدقة، وذكرت في القرآن زكاة؟! وهل يجوز إعطاء الزكاة في هذا الموضع؟
2- ماذا نقول عن دعوى العبث في الصلاة؟ وهل يجوز للمصلّي أن يتصدّق وهو يصلّي؟
3- هل كانت تتوفّر في هذا الخاتم شروط الزكاة:
أ- حول الحول.
ب - وأن تكون بمقدار 2.5%...الخ؟
وأريد الأدلّة من كتب إخواننا السُنّة إن وجدت.




يتبع












عرض البوم صور الشيخ عباس محمد   رد مع اقتباس
قديم 11-02-2017, 04:12 PM   المشاركة رقم: 2
معلومات العضو
الشيخ عباس محمد

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : منتدى رد الشبهات
افتراضي

السؤال: مناقشة الطبري في سبب النزول، وابن كثير في معنى (وهم راكعون)




كان تفسير الطبرى مفتوح امامى عندما اطلعت على هذا الموضوع. فرجعت إليه للتأكد فلم اجده مقنع . واننى انقل لكم صفحات التفسير فدلونى عن الدليل من فضلكم.
*************************
القول في تأويل قوله : (( إنَّمَا وَليّكم اللَّه وَرَسوله وَالَّذينَ آَمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلَاةَ وَيؤْتونَ الزَّكَاةَ وَهمْ رَاكعونَ ))
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، ليس لكم، أيها المؤمنون، ناصر إلا الله ورسوله، والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره(1). فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من وَلايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء لا نفصرَاء، بل بعضهم أولياء بعض، ولا تتخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا.
وقيل إن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت، في تبرّفئه من ولاية يهود بني قينقاع وحفلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
12207 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال:
لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان أحد بني عوف بن الخزرج) فخلعهم إلى رسول
الله(2) وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حفلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حفلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نزلت:"إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون { لقول عبادةَ: (( أتولى الله ورسوله والذين آمنوا))، تبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم, إلى قوله: (( فإن حزب الله هم الغالبون ))(3)
12208 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي، عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه.
12209 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، يعني: أنه من أسلم تولى الله ورسوله.
وأما قوله: (( والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّف به. فقال بعضهم: عفنفي به علي بن أبي طالب.
وقال بعضهم: عني به جميع المؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
12210 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه.
12211 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال:
سألته عن هذه الآية: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، قلت4) من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا!(5) قلنا: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا.
12212 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن عبد الملك قال: سألت أبا جعفر عن قول الله: (( إنما وليكم الله ورسوله ))، وذكر نحو حديث هنّاد، عن عبدة.
12213 - حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال، حدثنا أيوب بن سويد قال، حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، قال:
علي بن أبي طالب.(6)
12214 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (( إنما وليكم الله ورسوله ))، الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع.(7)
هذا ، وأرجح أن أبا جعفر الطبري قد أغفل الكلام في قوله تعالى: (( وهم راكعون ))، وفي بيان معناها في هذا الموضع ، مع الشبهة الواردة فيه ، لأنه كان يحب أن يعود إليه فيزيد فيه بيانًا ، ولكنه غفل عنه بعد.
وقد قال ابن كثير في تفسيره 3: 182 : (( وأما قوله: (( وهم راكعون ))، فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله: (( ويؤتون الزكاة ))، أي: في حال ركوعهم. ولو كان هذا كذلك ، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ، لأنه ممدوح. وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ، ممن نعلمه من أئمة الفتوى.
وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرًا عن علي بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه...)) ثم ، ساق الآثار السالفة وما في معناها من طرق مختلفة.
وهذه الآثار جميعًا لا تقوم بها حجة في الدين. وقد تكلم الأئمة في موقع هذه الجملة ، وفي معناها. والصواب من القول في ذلك أن قوله: (( وهم راكعون ))، يعني به: وهم خاضعون لربهم، متذللون له بالطاعة، خاضعون له بالأنقياد لأمره في إقامة الصلاة بحدودها وفروضها من تمام الركوع والسجود ، والصلاة والخشوع ، ومطيعين لما أمرهم به من إيتاء الزكاة وصرفها في وجوهها التي أمرهم بصرفها فيها. فهي بمعنى (الركوع) الذي هو في أصل اللغة ، بمعنى الخضوع = انظر تفسير (ركع) فيما سلف 1: 574.
وإذن فليس قوله: (( وهم راكعون )) حالا من (( ويؤتون الزكاة )).
وهذا هو الصواب المحض إن شاء الله.
*************************
(1) انظر تفسير(ولي) فيما سلف ص: 399 ، تعليق: 1, والمراجع هناك.
(2) في المخطوطة: (فجعلهم إلى رسول الله), والصواب ما في المطبوعة, مطابقًا لما سلف, ولما في سيرة ابن هشام.
(3) الأثر: 12207- سيرة ابن هشام 3: 52, 53, وهو مطول الأثر السالف رقم: 12158, وتابع الأثر رقم: 12167. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: (حدثني والدي إسحق بن يسار, عن عبادة بن الصامت), أسقط ما أثبت من السيرة, ومن إسناد الأثرين المذكورين آنفًا.
(4) في المطبوعة والمخطوطة: (قلنا), والصواب الجيد ما أثبت.
(5) هذا ليس تكرارًا, بل هو تعجب من سؤاله عن شيء لا عن مثله.
(6) الأثر: 12213-إسمعيل بن إسرائيل الرملي, مضى برقم: 10236. وأيوب بن سويد الرملي, مضى برقم: 5494. وعتبة بن أبي حكيم الهمداني, ثم الشعباني, أبو العباس الأردني. ضعفه ابن معين, وكان أحمد يوهنه قليلا, وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب.
(7) الأثر: 12214-غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري, منكر الحديث متروك. مترجم في لسان الميزان, والكبير للبخاري 4/1/101, وابن أبي حاتم 3/2/48.








الجواب:




الاستدلال بآية الولاية (الآية55 من سورة المائدة) على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) وخلافته بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يثبت بعد إثبات أنّها نزلت في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيره، ليتحصّل منها حصر الولاية بالله وبرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبأمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيرهم، وبعدها نقول: أنّ المعنى المتصوّر للولاية هنا هو: ولاية الأمر دون المحبّة، أو النصرة، أو أمثالهما من المعاني، التي لا مجال لتصوّر حصرها بالثلاثة المذكورين في الآية فقط.
وعن الأمر الأوّل نقول: انّه قد ورد من طرق صحيحة أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه في حال الركوع.
فها هو المفسّر الكبير ابن أبي حاتم، الذي عدّه ابن تيمية في (منهاج السُنّة) من المفسّرين الكبار الذين لا يروون الموضوعات(1)، يروي بسند مرسل صحيح في تفسيره: عن أبي سعيد الأشج، عن الفضيل بن دكين، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل - وكلّهم ثقات - أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه على السائل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(2).
وكذا يروي الحاكم الحسكاني، الذي وصفه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) بـ(المحدّث البارع القاضي... الحاكم)(3)، في كتابه (شواهد التنزيل) بسند صحيح أو قريب من الصحيح: أنّ هذه الآية نزلت عندما تصدّق عليّ(عليه السلام) على السائل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو في حال الركوع(4).
وقد تقرّر في علم الحديث أنّ المرسل الصحيح إذا عضده مستند صحّ الاحتجاج به، وارتفع إلى درجة الحسن(5).
وكذا يروي السيوطي في (الدرّ المنثور): عن عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي نعيم، وغيرهم: أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)(6).
وأيضاً يروي السيوطي في (لباب النقول): عن الطبراني، بأنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)، ثمّ يذكر له شواهد، وقال: ((فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً))(7).
وكذا يروي ابن كثير في تفسيره، أنّها نزلت في حقّ عليّ(عليه السلام) بعدّة طرق، ومنها الطريق الصحيح المتقدّم عن ابن أبي حاتم(8).
وكذا يروي القرطبي في تفسيره(9)، والواحدي في (أسباب النزول)(10)، والجصّاص في (أحكام القرآن)(11)، والزمخشري في (الكشّاف)(12)، والرازي في (التفسير الكبير)(13)، وأيضاً الطبري عن طرق متعدّدة كما أسلفتم في تفسيره: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)(14).
وهكذا روى غير هؤلاء المحدثين والمفسّرين أنّ الآية الكريمة نزلت في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في مصادر مختلفة لا تخفى على المتتبع.
فالمتحصّل أنّ الآية الكريمة وبواسطة الطرق الصحيحة المشار إليها في المصادر المتقدّمة، وبمعاضدة الطرق التي يقوّي بعضها بعضاً، نقطع بأنّها نزلت في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه في الصلاة وهو في حال الركوع.
وأمّا دعوى أنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت.
فنقول: إنّ هذه الرواية شاذّة، وأكثر الأُمّة يدفعها، وما ذكر في نزولها في عليّ(عليه السلام) هو المجمع عليه.
وأيضاً أنّه قد وردت في الآية صفات لا تنطبق إلاّ على حاله (عليه السلام)؛ إذ قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), قد بيّن أنّ المعني هو الذي آتي الزكاة في حال الركوع، وأجمعت الأُمّة على أنّه لم يؤت أحد الزكاة في هذه الحال غير أمير المؤمنين(عليه السلام).
وليس لأحد أن يقول: أنّ قوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ ))ليس هو حالاً لإيتاء الزكاة، بل إنّما المراد به أنّ صفتهم إيتاء الزكاة؛ فإنّ ذلك خلاف اللغة، ألا ترى أنّ القائل إذا قال: لقيت فلاناً وهو راكب، لم يفهم منه إلاّ لقاؤه في حال الركوب، ولم يفهم منه أنّ من شأنه الركوب، وإذا قال: رأيته وهو جالس، أو جاءني وهو ماشٍ، لم يفهم من ذلك كلّه إلاّ موافقة رؤيته في حال الجلوس، أو مجيئه ماشياً، وإذا ثبت ذلك، وجب أن يكون حكم الآية أيضاً هذا الحكم.








(1) منهاج السُنّة 7: 13، المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلّة الدالة من القرآن على إمامة عليّ(عليه السلام).
(2) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(3) سير أعلام النبلاء 18: 268 (136) الحسكاني.
(4) شواهد التنزيل 1: 212.
(5) انظر: الباعث الحثيث 1: 157 النوع التاسع: المرسل.
(6) الدرّ المنثور 2: 293، 294 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(7) لباب النقول في أسباب النزول: 81 سورة المائدة.
(8) تفسير ابن كثير 2: 73 قوله: (( َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ... )).
(9) تفسير القرطبي 6: 221.
(10) أسباب النزول: 133 سورة المائدة.
(11) أحكام القرآن 2: 557.
(12) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(13) تفسير الرازي 3: 431 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(14) تفسير الطبري 6: 388.








السؤال: دلالتها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)
هل تدلّ آية الولاية على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)؟
الجواب:




قال تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55).
ذهب المفسّرون والعلماء من الفريقين، إلى أنّها نزلت في حقّ الإمام عليّ(عليه السلام)، حينما تصدّق بخاتمه في أثناء الصلاة(1).
ودلالة الآية الكريمة على ولاية الإمام عليّ(عليه السلام) واضحة، بعد أن قرنها الله تعالى بولايته وولاية الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومعلوم أنّ ولايتيهما عامّة، والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فكذلك ولاية الإمام عليّ(عليه السلام) بحكم المقارنة.








(1) انظر: شواهد التنزيل 1: 219 حديث 227، تاريخ مدينة دمشق 42: 357، أنساب الأشراف:150 حديث 151، تفسير الطبري 6: 388، الصواعق المحرقة 4: 104. (وراجع ما مضى من الأسانيد وتصحيحها).
























تعليق على الجواب (1)
ولكن هناك من يقول: إنّ قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) إنّما هي صفة، أي: أنّهم يصلّون، وأيضاً هم يركعون، أي: أنّها تكرار للجملة، فحين ذكر أنّهم يصلّون ذكر أنّهم يصلّون مرّة أُخرى، بقوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، لأنّه يعبّر عن الصلاة تارة بالركوع، وهذا يدعو للاستغراب، فكيف أردّ عليه بالردّ الشافي؟
ولكم جزيل الشكر.
الجواب:




إنّ آية الولاية من الآيات الصريحة والواضحة الدلالة على إمامة من آتى الزكاة في حال الركوع، وقد ذكرت روايات كثيرة من الفريقين أنّ سبب نزول الآية هو: تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بخاتمه على الفقير، في حال الركوع أثناء صلاته.
إذاً فهي دالّة على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولكن في هذا ما يغيظ نفوساً ضعيفة الإيمان، تحمل في طيّاتها حالة البغض والحقد لعليّ وآله(عليهم السلام)، فأخذوا يبثّون الشبهة تلو الشبهة، بشأن هذه الآية وأمثالها، ومن تلك الشبه هي هذه الشبهة التي ذكرتموها، من فصل إيتاء الزكاة عن حال الركوع.
ولعلّ أوّل من قال بها من القدماء هو أبو علي الجبّائي، كما ذكرها عنه تلميذه القاضي عبد الجبّار في كتاب (المغني)(1).
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة، ومنهم الشريف المرتضى في كتابه (الشافي في الإمامة)، بقوله: ((ليس يجوز حمل الآية على ما تأوّلها شيخك أبو علي، من جعله إيتاء الزكاة منفصلاً من حال الركوع، ولا بدّ على مقتضى اللسان واللغة من أن يكون الركوع حالاً لإيتاء الزكاة، والذي يدلّ على ذلك أنّ المفهوم من قول أحدنا: الكريم المستحقّ للمدح الذي يجود بماله وهو ضاحك، وفلان يغشى إخوانه وهو راكب، معنى الحال دون غيرها، حتّى إنّ قوله هذا يجري مجرى قوله: إنّه يجود بماله في حال ضحكه، ويغشى إخوانه في حال ركوبه.
ويدلّ أيضاً عليه: أنّا متى حملنا قوله تعالى: (( يُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) على خلاف الحال، وجعلنا المراد بها أنّهم يؤتون الزكاة، ومن وصفهم أنّهم راكعون، من غير تعلّق لأحد الأمرين بالآخر، كنّا حاملين الكلام على معنى التكرار؛ لأنّه قد أفاد تعالى بوصفه لهم بأنّهم يقيمون الصلاة، وصفهم بأنّهم راكعون، لأنّ الصلاة مشتملة على الركوع وغيره، وإذا تأوّلناها على الوجه الذي اخترناه، استفدنا بها معنى زائداً، وزيادة الفائدة بكلام الحكيم أولى))(2).




(1) المغني: 20 القسم الأوّل 137.
(2) الشافي في الإمامة 2: 236.
























تعليق على الجواب (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ذكر الطبري عدّة أقوال وردت فيمن نزلت الآية، وكان من بينهم عليّ بن أبي طالب، وذكر أيضاً عبادة بن الصامت، وقال أيضاً: إنّه قد قيل أنّه عني به جميع المؤمنين، ومن صفاتهم أنّهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وكتاب ابن عساكر تاريخي لا يحتجّ به في العقائد، وأيضاً كتاب الأنساب.
وأقول: إنّ الواضح البيّن من الآية أنّ الولاية، تكون في المؤمنين بعد الله ورسوله، وإن كان المعني في (( وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ )): عليّ، فتحديد الولاية جاء في المؤمنين، ومن ثمّ هل كان الأئمّة الاثنا عشر يؤتون الزكاة وهم راكعون أيضاً؟ (دلّل على ذلك إن كان نعم).




الجواب:




1- لا بدّ لك قبل أن تعلّق أن تقرأ كلّ ما كتب في الموضوع من إجابات على الأسئلة المطروحة، حتى يتم لك استيعاب الجواب من جميع جوانبه، وأمّا أن تكتفي بإجابة واحدة جاءت على قدر ما هو مطروح في السؤال، وتعتقد أنّه تمام الدليل في ما يدّعيه الشيعة، وأنّهم لم يجيبوا لحدّ الآن على الاعتراضات الواردة، فهو بعيد عن الإنصاف.
2- لا بدّ في قراءتك للجواب أن تستوعب مقدار ما يراد من الدلالة لكلّ دليل مذكور بالضبط، لا أن تفهم من الدليل دلالة أوسع، أو دلالة أُخرى لا يريدها من ذكر الدليل.
3- لا بدّ أن تعرف منحى ومجرى الدليل، وما هو موضعه الدلالي، ورتبته من بين المقدّمات الأُخرى للدليل، فلعلّ ما اعتبرته دليلاً ليس هو من صلب الاستدلال، أو ليس هو الدليل كاملاً، بل هو دليل على بعض مقدّمات الاستدلال، أو جزء الدليل.
ولتوضيح ذلك، نقول على تعليقك:
إنّ ما ذكر كدليل على نزول آية الولاية في عليّ(عليه السلام) كان تضافر واشتهار النقل من علماء الطرفين بأنّ الآية نزلت في عليّ(عليه السلام)، وليس الدليل هو الاستناد على ما نقله الطبري كأحد الآراء في الآية فقط؛ فلاحظ!
ولذا يكون إيراد قول الطبري لأنّه أحد مفردات هذا التضافر, فقوله وقول غيره هو الذي يتمّم المدّعى من الشهرة والتضافر، حتى يصحّ الادّعاء بأنّ الآية نزلت في عليّ(عليه السلام).
فالاعتراض بأنّ الطبري ذكر عدّة آراء يكون صحيحاً لو كان الدليل يتم بقوله هو وحده فقط، ولم يكن أحد الشواهد على التضافر، كما هو المدّعى.
وأمّا القول في الآراء الأُخرى على التسليم بأنّها ظاهر قول الطبري:
فأولاً: إنّها آراء شاذّة لا يأُخذ بها مقابل المشهور المتضافر، بل المجمع عليه، وفيه روايات صحيحة نقلنا بعضها في الأجوبة الأُخرى؛ فراجع!
فتعداد الأقوال لا ينقض المدّعى، فالشاذّ يطرح ولا يعوّل عليه، وإلاّ لم يسلم لنا قول في آية واحدة من آيات القرآن الكريم.
وثانياً: إنّ الطبري نفسه خبط وخلط (لو سلّمنا أنّه أراد ظاهرَ تعدّد الأقوال)، وحاول الإبهام عامداً؛ فإنّ المجموع من محصّل كلامه يؤدّي إلى التناقض، لو قبلنا بكلّ أقواله ظاهراً.
فهو قد نقل أوّلاً بلفظة (قيل) - وهي لتمريض القول كما هو معروف - الرأي القائل بأنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت، وجاء بروايات (لا تثبت) مفادها التطابق بين قول وفعل عبادة بن الصامت، وبين أوّل الآية وهو معنى الولاية حسب ما فسّره )ملاحظة: أنّا لا نسلّم بأنّ معنى الولاية هو: النصرة)، ولم يأت بأيّ قول بأنّ عبادة هو من تصدّق بالخاتم.
ثمّ إنّه عندما ذكر المعنيّ من قوله تعالى: (( وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلاةَ وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ )) (المائدة:55), أورد رأيين، قدّمهما بقوله: ((فقال بعضهم، وقال بعضهم)) الأوّل: إنّ المعنيّ بها: عليّ(عليه السلام)، والثاني: إنّ المعني بها: جميع المؤمنين، واختفى (القيل) بأنّ الآية نزلت بحقّ عبادة بن الصامت!
ومن الواضح أنّ الآية واحدة، بل أنّ الكلمات في الآية كلّها مترابطة وتؤدّي إلى معنى واحد، لا يمكن معه الفصل بين أوّل الآية والقول أنّها نزلت بسبب نزول غير السبب الذين نزلت به آخر الآية، فأمّا القول بأنّها نزلت كلّها بحقّ عبادة، أو كلّها بحقّ عليّ(عليه السلام)، أو كلّها بحقّ جميع المؤمنين، وهذا ما لم يفعله الطبري؛ فراجع كلامه!
وجعل هذه الآية ذات المعنى المترابط الواحد قسمين: الأوّل نزل في حقّ عبادة, والآخر في حقّ عليّ(عليه السلام)، ما هو إلاّ تناقض؛ فلاحظ!
ولكن هل نقبل من الطبري هذا؟!
أو أنّ هناك مورد نزول واحد، هو في حقّ عليّ(عليه السلام) متحقّق عند الطبري، ولكن أراد إخفاءه وستره لأمر في نفسه! فلم يبرزه واضحاً في كلامه بدون لبس، وإنّما خلطه بغيره، وصاغ عباراته بحيث توهم القارئ المتسرّع بأنّ الأمر فيه أقوال وآراء، ويأخذه ظاهر التقسيم للأقوال، فيظنّ أنّ المراد هو تعدّد موارد النزول.
وفعل الطبري هذا هو الذي يجعلنا نتّهمه!
وذلك أنّ الطبري بالحقيقة لم يقل أنّ الآية نزلت في حقّ عبادة وعليّ(عليه السلام) من منظور واحد؛ إذ أنّ الطبري عندما نسب سبب النزول إلى عبادة بن الصامت كان من جهة أنّ عبادة كان المخاطب بالآية، أو المخبر بها عن حاله، لا أنّه الذي يجب أن يُتولّى، أي: المعنيّ بقوله: (( وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ... ))، بدليل صريح الروايات التي نقلها الطبري نفسه؛ إذ فيها أنّ عبادة تبرّأ من بني القينقاع، وقال: ((أتولّى الله ورسوله والمؤمنين))، أو قال: ((أتولّى الله ورسوله والذين آمنوا))، فعبادة هنا يخبر عن كونه يَتولّى لا أنّه هو المولّى، فنزلت الآية إخباراً عن حاله وبياناً له وللمؤمنين، في من يجب أن يتولوه وهم الله ورسوله والذين آمنوا...(أي: عليّ(عليه السلام)).
فالآية بيان لمورد صاحب الولاية لا للذين يتولّوه.. نعم، هم المخاطبون بذلك، ومنهم: عبادة، وقد يكون أوّلهم، حسب قول الطبري، وإن كانت الرواية شاذّة.
وقد ورد في ذلك غيرها الكثير، منها - كما في بعض رواياتنا -: أنّ قوماً من اليهود سألوا رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه بعد أن أسلموا، فنزلت الآية، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسجد يسأل عمّن تصدّق بخاتم وهو راكع، فأخبره السائل أنّه عليّ(عليه السلام)(1).
وعلى هذا يصحّ أن تقول: إنّ هؤلاء اليهود كانوا سبباً للنزول بسؤالهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه.
ولكن هذه الجهة غير الجهة المدّعاة مورد الاستدلال؛ فإنّ جهة قولنا بأنّ سبب نزولها كان عليّ(عليه السلام)، هو القول بأنّ الآية جاءت لتبيّن أنّ الذي يجب أن يُتولّى بعد الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو: عليّ(عليه السلام)؛ فهو الذي تصدّق بالخاتم وهو راكع، وأنّ المؤمنين جميعاً مأمورون في قول الله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ )) بولايته وطاعته؛ فهو أولى بالأمر بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وليكن من المؤمنين عبادة بن الصامت فلا ضير.
وكأنّ الآية بيان لمورد الولاية الحقيقي الذي يجب على عُبادة وغيره من المؤمنين التمسّك به، أو إخبار للمؤمنين عامّة ولبعضهم خاصّة، وهم: أصحاب السؤال بهذا المورد الحقيقي الذي يجب أن يُتولى؛ فلاحظ!
وبهذا يتّضح قول الطبري، ولا تهافت في البين، وإن كنّا نتّهمه بعدم البيان والبسط بوضوح، لغاية الله يعلمها!!
وأمّا القول بأنّ مورد النزول هو جميع المؤمنين، فهو لا يتم إلاّ على القول بأنّ معنى الولاية هي النصرة، وهذا ما لا نسلمه! ثمّ إنّ تخصيص مورد النزول بعليّ(عليه السلام) يرده، ولا يمكن أن يكون جميع المؤمنين هم ولاة الأمر إذا كان معنى الولاية هو الأولى بالأمر، إذ لا بدّ أن يكون واحداً في كلّ عصر.
وبيان أنّها جاءت بمعنى الأولى بالأمر لا النصرة ذكرناه في محلّه؛ فراجع!
وأمّا بخصوص كتاب ابن عساكر، و(الأنساب) للبلاذري، فإنّ اعتراضك وقع بسبب خطأ ووهم منهجي! فإنّا لم نحتجّ بما ورد عنهما لأجل أنّ كتابيهما معتبران؛ إذ لا توجد عندنا قاعدة بأنّ: كلّ كتاب معتبر فإنّا نأخذ بكلّ ما فيه، وكلّ كتاب غير معتبر فنردّ كلّ ما فيه، وإنّما نأخذ ما موجود في الكتب بالسند، ونحاكم السند كرواية مفردة، ويكون مؤلف الكتاب أحد الرواة لا غير.
وهذا الاشتباه لا يقع فيه إلاّ من ثبت في ذهنه وجود كتب صحيحة غير القرآن الکريم، مثل البخاري ومسلم! فيأخذ بتصنيف الكتب إلى معتبرة وغير معتبرة، أو يستخدم ذلك عن عمد حتى يردّ ما يريد من الروايات التي لا تعجبه بعد أن يصنّف الكتاب الواردة فيه هذه الروايات بأنّه غير معتبر، كما هو منهج السلفية والوهابية المعاصرين، وإلاّ فإنّ مثل هذا المنهج لم يدخل في علم الحديث والدراية، ولم يتكلّم به علماؤهما؛ لأنّ بطلانه من الوضوح بمكان.
وبعد أن ذكرنا لك المقدّمات الثلاث أوّلاً فلا بدّ أن يتوضّح لك مورد الاستدلال بما رويا.
وأمّا ما ذكرته من المراد بالزكاة حالة الركوع فهو موضّح في جواب الأسئلة الأُخرى؛ فراجع!








(1) انظر: تفسير البرهان 3: 423 في هذه الآية.
























تعليق على الجواب (3)
والله العظيم أنا مندهش من هذه الإجابة!
حتى لو سلّمنا بأنّ الآية نزلت في حقّ عليّ(رضي الله عنه)، ولكن هل قرأت الآية التي تسبق هذه الآية، والقرآن كلام الله وهو يفسر بعضه بعضاً، والولاية هنا تعني: محبّتهم وموالاتهم ومؤازرتهم على أساس الدين، بعدما نهانا الله في الآية التي تسبقها من موالاة اليهود والنصارى، والآية هنا حتى وإن نزلت في عليّ فهي تعمّم على كلّ من انتهج نهجه، وأبا بكر وعمر كانا على نهج عليّ، وكلّ الآيات الكريمة تعمم على المؤمنين، وإلاّ لتركنا كلّ الآيات التي نزلت في الرسول ونطبّقها عليه وحده.
فمثلاً الله أمر النبيّ بإقامة الصلاة، فهل نتركها بحجّة أنّها نزلت في النبيّ؟
الجواب:




نزول هذه الآية في حقّ عليّ(عليه السلام) هو ممّا بان واشتهر، ودونك المصادر المذكورة في الأسئلة السابقة لتتأكّد من ذلك.
ودعوى أنّها نزلت في غيره، أو في عامّة المؤمنين، فعلى المدّعي إثباتها، وإلاّ يبقى البيان الشاخص في نزول هذه الآية في عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه هو الفارس في الميدان، وقد نقله ابن أبي حاتم في تفسيره بأسانيد بعضها صحيحه، كما نقل ذلك غيره؛ فراجع واغتنم!
وانحصار الولاية بالثلاثة المذكورين في الآية: (( اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55)، والمراد به، شخص أمير المؤمنين(عليه السلام) بحسب الروايات.. ينفي دخول غيرهم معهم، وإلاّ لا وجه للانحصار، وذلك لأنّ ولاية المحبّة والموالاة الدينية عامّة في جميع الأمّة، وهذا الأمر مجمع عليه، (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ )) (التوبة:71)، فلا وجه للحصر هنا بقيود وأحوال خاصّة إلاّ الإشارة إلى عليّ(عليه السلام).
ثمّ إنّا لا نسلّم أن يصحّ تطبيق الآيات التي ورد فيها خطاب الله تعالى للمؤمنين، بلفظ: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) على جميع المؤمنين، لأنّها لم ترد في القرآن عامّة أو مطلقة دائماً، فمثلاً قد خصّصت في آية الولاية بقرينة: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، وهذه القرينة لا يمكن أن تكون مجرد وصف لجميع المؤمنين، لأنّ الثابت أنّ المؤمنين جميعاً لم يؤتوا الزكاة وهم راكعون، بل الذي فعل ذلك هو رجل واحد، وقد دلتنا الروايات الصحيحة على أنّه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) دون سواه، ممّا يعني أنّ الآية نازلة في حقه وغير شاملة لسائر المؤمنين.
فأمثال هذه الآيات ينبغي الرجوع فيها إلى القرائن الحالية والمقالية المتصلة أو المنفصلة، وعلم ذلك موكل إلى أهل الاختصاص من علماء التفسير والأُصول.
ودعوى أنّ أبا بكر وعمر كانا على نهج عليّ(عليه السلام) يحتاج إلى تحقيق وبحث، والمعلوم المشهور أنّ عليّاً(عليه السلام) رفض البيعة في الشورى، ولم يوافق على الشرط الذي أشترطه عليه عبد الرحمن بن عوف، بسبب رفضه العمل على سيرة الشيخين؛ فراجع وتدبر!




















تعليق على الجواب (4)
لو كان كلامك صحيح، فالمفروض أن تكون العبارة: ((الذي يؤتي الزكاة وهو راكع))، وليس الجمع، لأنّ المقصود واحد وليس المجموع.
الجواب:




من بلاغة العرب أن يأتوا بصيغة الجمع وإن كان المراد واحداً، وقد أجاب الزمخشري - خرّيت صناعة البلاغة - عن هذا الإشكال الذي قلته:
قال: ((فإن قلت: كيف يصحّ أن يكون لعليّ(رضي الله عنه)، واللفظ لفظ الجماعة؟
قلت: جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان، وتفقّد الفقراء، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلى الفراغ منها))(1).
ودمتم في رعاية الله
(1) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
























تعليق على الجواب (5)
جاءت الآية (( اللّهُ وَرَسُولُهُ )) بصيغة المفرد، وجاءت على أساس قولك من التعظيم لعليّ بصيغة الجمع, ولوكانت الآية تُبلِغ عن الإمامة ستكون واضحة بدون رواية تلحقها.
الجواب:




إنّ منهج عدم قبول الاستعانة بالسُنّة على تفسير القرآن منهج خاطئ، فالسُنّة الصحيحة الصادرة من المعصوم تكون مبيّنة وموضّحة للآيات القرآنية، فلا يصحّ رفضها وعدم قبولها.
وإذا أمكن تحديد فهم بعض الآيات القرآنية على أساس الاستعانة بالقرآن فقط، فإنّ هذه الآية لا يمكن معرفة مصداقها بسهولة من خلال القرآن فقط، خصوصاً لعامّة المسلمين؛ لأنّها تحيل إلى قضية خارجية، وهيك التصدّق والزكاة في حال الركوع, وهذه القضية لا يمكن معرفة المراد منها خارجاً إلاّ من خلال الروايات والأخبار.
والأخبار تشير إلى أنّ الذي قام بهذا العمل شخص واحد، وهو عليّ(عليه السلام)، بل إنّ هناك أخباراً أُخرى تشير إلى تصدّق بعض الصحابة عدّة مرّات بمثل الهيئة التي تصدّق بها عليّ(عليه السلام)، ومع ذلك لم تنزل فيه مثل ما نزل بحقّ عليّ(عليه السلام)، ممّا يؤكّد عدم صلاحية أي تصدّق للدخول كمصداق للآية, وكما يعترف بذلك ذلك الصحابي، ففي رواية عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: ((أخرجت من مالي صدقة يتصدّق بها عنّي وأنا راكع أربعاً وعشرين مرّة على أن ينزل في ما نزل في عليّ(عليه السلام) فما نزل))(1).




(1) سعد السعود: 90 ما أورده من كتاب ابن الحجام بخصوص قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
















تعليق على الجواب (6)
سؤالي يدور في خاطري منذ عرفت من هم إخواننا الشيعة ومذهبهم: وهو إذا كان تفسير الآية الكريمة (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )): أنّ الولاية هي لعلي كرّم الله وجهه؛ لأنّه تبرع بخاتمه في الصلاة, فهذا يقودني إلى التساءل بأنّ عليّ كرّم الله وجهه لم يكن تفكيره بالصلاة، بل كان تفكيره كلّه بما يريده من جاء وأخذ الخاتم, وهذا طبعاً لا يرضاه أحد, فما هو الردّ على هذا التساءل؟
أجركم على الله
الجواب:
إنّ المؤثّرات الخارجية الآتية عن طريق السمع والبصر وغيرها من الحواس، إنّما تؤثّر على الخشوع في الأفراد العاديين، أمثالنا نحن, أمّا الذي له درجة كمالية عالية كالإمام؛ فإنّ تلك المؤثّرات لا تؤثّر على خشوعه, بل هو في حال خشوعه يستطيع أن يسمع ويبصر, ويعي ما يسمع ويبصر.
وإن أبيت إلاّ أن تنكر ذلك، فنقول لك: إذا كنت خاشعاً يوماً في صلاتك, وأنت فاتح عينيك أثناء الصلاة, وحصلت حركة معيّنة أثناء الصلاة, ولم تسلب خشوعك، هل تستطيع أن تصف تلك الحركة المعيّنة بعد الصلاة؟
فإن قلت: نعم.
نقول لك: إنّ اجتماع حالة البصر وحالة الخشوع عندك دليل إمكان اجتماع حالتي السمع والخشوع كذلك، سواء عندك أو عند غيرك.
ومع ذلك، فإنّ سؤال السائل كان في بعض وقت الصلاة, ولم يستغرق كلّ وقتها, فالانتباه إلى قوله (خاصّة وإنّه لم يكن الأمر دنيويّاً بل كان في سبيل الله) للحظة دون معارضته للخشوع ممكن, وأمّا الأفعال القليلة بعد الالتفات من الإشارة إليه لأخذ خاتمه, ومدّ يده ليأخذه الفقير, فإنّه كان عبادة في عبادة لا تخدش في كمال الصلاة؛ فإنّ ما ينافي كمالها هو الانشغال عنها بأمر دنيوي سواء بالجوارح أو بالفؤاد, وهو ما لم يحصل عنده (عليه السلام), ومن هنا جاء مدحه في القرآن وعلى لسان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمام الصحابة؛ فلاحظ!
النقطة الأولى: الآية ذكرت الصلاة، والركوع هو من الصلاة، لذلك عندما أتت (راكعون) في هذا الموضع هي صفة هؤلاء الذين يؤتون الزكاة بأنّهم لا يدفعونها بكبر، وإنّما وهم راكعون منصاعين لأوامر الله عزّ وجلّ.
الأمر الآخر: عليّ بن أبي طالب تصدّق بخاتم وهو يصلّي، هل تعتبر هذه بدعة في الدين؛ لأنّ محمّداً عليه الصلاة والسلام لم يرد أنّه تصدّق وهو في صلاته، وهذا أمر جديد، فمن الذي هدى عليّ(عليه السلام) إلى هذا الأمر؟
النقطة الثالثة: الآية جاءت عامّة عن المؤمنين فهل عليّ هو المؤمن الوحيد؟
آخر نقطة: أنت لِمَ تقول: أنّ الفريقين أجمعوا على أنّ هذه الآية نزلت في الإمام عليّ(عليه السلام)، أنا أقول لك: لا يا أخي كلامك غير صحيح، أهل السُنّة لا يقولون هذا القول.
الجواب:




جواب النقطة الأولى:
لا يجوز أن تكون: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) صفة مع وجود (الواو)، فالواو إمّا عاطفة، وإمّا حالية، وكونها عاطفة بعيد؛ لأنّ الركوع من ضمن أفعال وأركان الصلاة، فلا يصحّ تكراره، خصوصاً مع وجود فاصل أجنبي عن الصلاة، وهو الزكاة يفصل بين الجملتين.
ولذلك لا يصحّ إلاّ أن تكون (الواو) هنا حالية، ويكون المعنى أنّهم: (يؤتون الزكاة حال ركوعهم).
ويوجب هذا المعنى ورود النصوص الصريحة التي تؤكّد هذا المعنى، إذ ورد في إحدى روايات تصدّق أمير المؤمنين(عليه السلام) بالخاتم: (تصدَّق عليٌّ بخاتمه وهو راكع)(1)، كما روى الهيثمي في مجمع الزوائد(2)، والطبراني في أوسطه(3)، والسيوطي في تفسيره: ((عن عمّار بن ياسر، قال: وقف على عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) سائل وهو راكع في تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل...))(4)، الرواية.. وأخرج لها السيوطي شواهد في (لباب النقول)، وقال: ((فهذه شواهد يقوي بعضها بعضاً))(5)، ونقل مثله السيوطي عن الخطيب في (المتفق) عن ابن عبّاس، قال: ((تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع...))(6).
وكذلك ورد في سبب نزول الآية عند الواحدي: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للسائل: على أيّ حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع، فكبّر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ تلا هذه الآية...))(7)، وهذا كلّه يؤكد المعنى الذي يلتزمه الشيعة، حيث ثبت سبب النزول، وثبت إرادة ذلك المعنى وهو أداء الزكاة حال الركوع.
أمّا الاعتراض بذكر الصلاة وذكر الركوع بعد ذلك وهو جزء من الصلاة، فمع سبب النزول يندفع الإشكال؛ إذ أنّ للركوع في قصّة التصدّق أهمية ينبغي معها ذكرها، مع أنّ القرآن الكريم كثيراً ما يذكر الخاص بعد العام، مثل: قوله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (البقرة:43).
وقوله عزّ وجلّ: (( وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ )) (الأنبياء:73)؛ قال البيضاوي في تفسيرها ما معناه: وهو من عطف الخاص على العام للتفضيل(8)، وقوله تعالى: (( وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ )) (العصر:3)؛ وقال البيضاوي في تفسيره: ((وهذا من عطف الخاص على العام للمبالغة))(9).
وذكر ابن تيمية في (دقائق التفسير) حديث النزول، وقال: ((فذكر أوّلاً الدعاء، ثمّ ذكر السؤال والاستغفار، والمستغفر سائل، كما أنّ السائل داعٍ، لكنّ ذكر السائل لدفع الشر بعد السائل الطالب للخير، وذكرهما جميعاً بعد ذكر الداعي الذي تناولهما وغيرها، فهو من باب عطف الخاص على العام))(10).
وقال تعالى أيضاً: (( مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلكَافِرِينَ )) (البقرة:98)، قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره: ((قال الماتريدي... وخصّ جبريل وميكال بالذكر تشريفاً لهما وتفضيلاً. وقد ذكرنا عن أُستاذنا أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير(قدس الله سره) أنّه كان يسمّي لنا هذا النوع بـ(التجريد)، وهو أن يكون الشيء مندرجاً تحت عموم، ثمّ تفرده بالذكر، وذلك لمعنى مختص به دون إفراد ذلك العام، فجبريل وميكال جُعلا كأنّهما من جنس آخر، ونُزّل التغاير في الوصف كالتغاير في الجنس فعطف، وهذا النوع من العطف، أعني: عطف الخاص على العام على سبيل التفضيل، هو من الأحكام التي انفردت بها الواو، فلا يجوز ذلك في غيرها من حروف العطف))(11). انتهى.
فهذا الكلام كلّه مع عدم كون الواو حالية، أي أنّه سواء أكانت الواو عاطفة أم حالية تصحّ قصّة التصدّق.
وبهذا يندفع إشكال ذكر الركوع بعد الصلاة وإرادته على معناه الحقيقي، مع الأخذ بنظر الاعتبار كون الحقيقة هي الظاهر والأصل، وكون المجاز هو التأويل والفرع، ولا يصار إلى المجاز إلاّ مع تعذّر الحمل على الحقيقة.
فيصحّ أن يكون المعنى: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة حال ركوعهم، إن فسرنا الواو بأنّها حالية، ويجوز أيضاً كون الواو عاطفة، فيكون من باب عطف الخاص على العام للأهمية أو لبيان الاختصاص؛ إذ لا يمكن أن يخطر على قلب أحد أن يتصدّق حال ركوعه، فكان ذكر الركوع من باب اختصاص أمير المؤمنين(عليه السلام) بالتصدّق حال الصلاة، وفي الركوع بالذات حيث ينقطع الإنسان المصلّي فيه عادة عن كلّ ما حوله، ولكنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) اجتمعت فيه الأضداد كما وصفه ابن الجوزي حين فسرّ خشوعه وفنائه مع الله تعالى وتصدّقه في الوقت نفسه، فتمثّل قائلاً:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ***** عن النديم ولا يلهو عن الناسِ
أطاعه سكره حتّى تمكن من ***** فعل الصحاة فهذا واحد الناسِ
ثمّ إنّه لا مبرر لتعلّق الولاية العامّة (حسب مدّعاكم في معنى الآية) بأمر جانبي قلبي، واشتراط عدمه ليُتّخذ وليّاً وأخاً في الله، وهو: عدم الكبر وعدم الرياء، بل الدليل على خلاف ذلك، إذ أنّ الإسلام يَشتَرط التلفّظ بالشهادتين فقط، كما في حديث أسامة بن زيد، دون النظر إلى الصدق والإخلاص والقبول، ويشهد لذلك عصمة دماء المنافقين حتّى مع معرفتهم واليقين بنفاقهم والقطع به، فالإسلام يتعامل مع الظاهر والحساب على الله تعالى يوم القيامة، يوم تبلى السرائر.
وكون الصلاة والزكاة يتقرّب بها المسلم إلى الله تعالى مطيعاً لأوامره، متذلّلاً في قبولها وتنفيذها إذ أنّ العبادات كلّها يشترط فيها هذا الشرط، فلماذا قُيّد هنا به دون غيره من الموارد مع وضوحه وبداهته في كلّ الأعمال؟
والمشكلة الأكبر في كلّ ذلك هو الإتيان بلفظٍ غامض ومصطلح مستعمل في معنى عبادي آخر (( وَهُم رَاكِعُونَ )) مع إرادة معنى آخر (حسب زعمكم في معنى الآية).
فيحصل بذلك الإبهام والإيهام مع أهميته وبداهته، فكيف يعبّر عنه بمثل هذا الغموض ويسمّيه: ركوعاً، ويقصد التذلّل والتسليم، أي يريد المجاز دون الحقيقة المتشرعية، أو بالأحرى الشرعية المستعملة والمشهورة بين المسلمين في ذلك الوقت؟!
جواب النقطة الثانية:
أمّا الإشكال الثاني فهو أعجب من الأوّل والله؛ إذ أن تعريف البدعة: أنّها إحداث شيء في الدين، وتشريعه والتعبد به من دون وجود أصل له في الشريعة، ولا إقرار عليه من المشرع، وهذان الأمران منفيان عن فعل أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ إذ أنّه (عليه السلام) حينما تصدّق وهو في الصلاة كان بسبب سؤال ذلك الرجل، وعدم إعطاء أحد له، وهذا المحتاج أراد أن يدعو على المسلمين فمدّ له أمير المؤمنين(عليه السلام) إصبعه ونزع الخاتم له وأعطاه إياه، فكان فعله اضطرارياً..
كما هو حال ذلك الصحابي الذي جاء متأخّراً عن الصلاة مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فركع قبل أن يصل إلى الصفوف، وبقي يمشي وهو راكع، وبعد ذلك امتدحه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأقرّه على حرصه مع عدم سبقه بذلك، فهل يستطيع أحد أن يصف فعل ذلك الصحابي بأنّه بدعة؟!
فكذلك فعل أمير المؤمنين(عليه السلام)، بل إن فعل ذلك الصحابي أولى وأقرب لأن يوصف بكونه بدعة؛ إذ أنّه مشى في ركوعه، أمّا أمير المؤمنين(عليه السلام) فلم يفعل أكثر من الإيماء والإشارة بالخاتم لذلك السائل..
ومع وجود روايات وأحاديث كثيرة عند المخالفين في التحرك الكثير في الصلاة دون أن يدعي أحد فيها بالانشغال، أو العبث، أو البطلان. مثل الرواية التي يُدعى فيها أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلّى يوماً بالمسلمين فتذكر أنّه مجنب، فتركهم في الصلاة، وذهب فاغتسل، وعاد وأكمل صلاته، وإمامته للصحابة!!
وكذلك هناك رواية صلاة أبي بكر بالناس حين غياب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي يروونها ويَدّعونها؛ ففيها: رجوع أبي بكر إلى الوراء، ونكوصه والتفاته، ورفع يديه فرحاً ليدعو ويشكر الله على أمر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) له بالبقاء والتقدّم.
وغير ذلك الكثير من الأمثلة والشواهد على الحركة في أثناء الصلاة، وكلّ ذلك لا يقول فيه أحد أنّه حركة وانشغال أثناء الصلاة، أمّا إيماء عليّ(عليه السلام) وإشارته لذلك السائل بخاتمه، ليأخذه بعد أن يئس من إعطاء أحد من الصحابة شيئاً له، والتصدّق عليه لحاجته، فيرد على ذلك عندهم ألف إشكال وإشكال، وألف سؤال وسؤال، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم!
فالبدعة تشريع شيء في الدين، وإدخال ما ليس منه فيه، والحركة البسيطة جدّاً مع كونها طاعة لله تعالى، وفي سبيله، ومع كونها لضرورةٍ؛ لكون السائل أراد أن يرفع يديه، ويشكو إليه تعالى، ودفع الله به ما كان أعظم، أنّه قد دخل مسجد رسوله، وهو محتاج، ولم يعطه أحد شيئاً، فأجابه أمير المؤمنين(عليه السلام) قبل أن يدعو ويشكو إلى الله عزّ وجلّ، فهي ليست في شيء من التشريع أو الإدخال في الدين ما ليس منه!!
أمّا زمن التشريع: فقد حدثت عشرات بل مئات الحوادث التي لم ينزل تشريعها أو إقرارها إلاّ بعد فعل أحد المسلمين لها، وخصوصاً موافقات القرآن لعمر؛ إذ لم نر أحداً منهم قد اعترض عليه بأنّه يبتدع، بل تجعل كلّ اجتهاداته وآرائه ينزل فيها القرآن ليشرّعها ويوافقها، بعد أن يفعلها عمر دون تشريع مسبق.
أمّا أميرُ المؤمنين(عليه السلام) فلا بدّ أن يجعلوا أفعاله تلك بدعة، وغير مشرّعة مع نزول آية تمتدحه على فعله، وليست توافقه فقط، ويقرّه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل يكبّر، ويحمد الله، ويشكره على فعل علي(عليه السلام) ذلك، ومع ذلك يبقى الحاقدون غير راضين عن أيّ فعل لكونه صادراً من أمير المؤمنين(عليه السلام).
جواب النقطة الثالثة:
أمّا مسألة الجمع مع إرادة المفرد، فإنّه أسلوب عربي معروف وبليغ ومستعمل في القرآن الكريم كثيراً، ومنه قوله تعالى: (( إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) (الحجر:9), فهذا كذاك.
فسياق الآية العام لا ينفي ولا يعارض تخصيصها بسبب النزول الخاص، مع عدم فعل أحد من المسلمين لذلك الفعل في زمن أمير المؤمنين سواه (عليه السلام)، وقد ورد أن أئمّتنا(عليهم السلام) كلّهم قد فعلوا ذلك، فيكون العموم نافعاً لهذه النكتة المهمة؛ إذ لولا صيغة الجمع مع وجود أداة الحصر، فإنّ دخول سائر الأئمّة في الآية وشمول ولايتهم على المؤمنين يصبح صعباً ومتنافياً ولو ظاهراً مع الآية الكريمة.
جواب النقطة الأخيرة:
الإجماع المدّعى بين الفريقين في نزول هذه الآية في أمير المؤمنين(عليه السلام) لا يقصد منه الإجماع الاصطلاحي، وإنّما يقصد منه كما هو واضح: الاتّفاق بين الفريقين على رواية نزولها في أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ إذ أنّك لو راجعت ما ذكرناه على صفحتنا تجد في أحد أجوبتنا تسعة عشر مصدراً تفسيرياً وغيره، قد ذكر نزولها في علي(عليه السلام) في قصّة التصدّق بالخاتم؛ فراجع لتعرف أقوال السُنّة ورواياتهم في نزول هذه الآية الكريمة في أمير المؤمنين(عليه السلام).








(1) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162.
(2) مجمع الزوائد 7: 17 سورة المائدة.
(3) المعجم الأوسط 6: 218.
(4) الدرّ المنثور 2: 293.
(5) لباب النقول: 93.
(6) الدرّ المنثور 2: 293.
(7) أسباب نزول: 133 سورة المائدة وغيرها.
(8) تفسير البيضاوي 4: 101.
(9) تفسير البيضاوي 5: 526.
(10) دقائق التفسير2: 359.
(11) البحر المحيط 1: 490.
























تعقيب على الجواب (1)
اللّهمّ صلّ على محمّد وآله الأطهار..




والله إنّي لاعجب أشدّ العجب من قوم يعاندون حتى علماءهم الأعلام! فتلك كتب أعلامكم زاخرة بالأحاديث التي وصلت حدّ التواتر، ولا أعلم لماذا هذا العناد في تفسير هذه الآية بالذات؟!
ولو أنّها نزلت في غير أمير المؤمنين عليّ(سلام الله عليه) لقامت الدنيا ولم تقعد، ولاعتبرت فضيلة لا تدانيها فضيلة، ولكن الحمد لله (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )).
وإذا ما أردنا تفسير هذا العناد، فيتّضح: إمّا لغرض حقد دفين على هذه الشخصية الفذّة التي لم ينقل التاريخ كمثل بطولاتها والتزامها وإيمانها، وإمّا: أنّه عناد مقابل النصّ والقرآن، وفي كلتا الحالتين مصير أصحابها معروف، فسبحان الله عمّا تصفون.
والحمد لله رب العالمين.
























































































السؤال: احتجاج الإمام عليّ(عليه السلام) بالآية
أُودّ أن أحصل على ردّ شافٍ على من يقول: إذا كنتم تحتجّون بآية الولاية (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )) (المائدة:55) على إمامة عليّ(عليه السلام)، فلماذا لم يحتجّ بها الإمام عليّ(عليه السلام) نفسه؟
الجواب:




نود أن نشير إلى بعض المطالب ليتّضح الجواب:
أولاً: إنّ الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) كثيرة، عقلاً ونقلاً، تكاد لا تحصى، وقد أُلّفت كتب مستقلّة في هذا المجال.
ولكنّ الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه، هو أنّ الإمام(عليه السلام) لم يكن مُلزماً - لا عقلاً ولا شرعاً - بالاحتجاج والمناشدة بكافّة هذه الأدلّة، بل بالمقدار الذي يُلقي الحجّة على الناس، وهذا هو الذي حدث بعدما علمنا من احتجاجه (عليه السلام) بحديث الغدير، وعدم رضوخ القوم لهذا الحقّ الصريح، فبعده هل يبقى مجال لاحتمال تأثير أمثال آية الولاية في نفوسهم؟!
ثانياً: لنفرض أنّ الاحتجاج بهذه الآية لم يصل إلينا، فهل هذا دليل على عدم صدوره منه (عليه السلام)؟ مع أنّ المتيقّن هو: عدم وصول أخبار وآثار كثيرة من لدن الصدر الأوّل إلينا، خصوصاً ما كان منها يصطدم مع مصالح الخلفاء، فإنّهم أخفوا الكثير من فضائل ومناقب أهل البيت(عليهم السلام)، وما ظهر منها فهو غيض من فيض.
ثالثاً: ثمّ لنفرض مرّة أُخرى، أنّ الإمام(عليه السلام) لم يحتجّ بها واقعاً، فهل هذا يدلّ بالالتزام على عدم دلالة الآية على إمامته (عليه السلام)؟
كلاّ؛ إذ لا توجد ملازمة بين المسألتين.
رابعاً: هذه الشبهة هي في الأصل من الفخر الرازي (ت606هـ) في تفسيره للآية، (ت606هـ) إذ قال: ((فلو كانت هذه الآية دالّة على إمامته لاحتجّ بها في محفل من المحافل، وليس للقوم أن يقولوا: إنّه تركه للتقية؛ لأنّهم ينقلون عنه أنّه تمسّك يوم الشورى بخبر الغدير...))(1).
فنقول ردّاً عليه:
بأنّ الاحتجاج بالآية ورد في مصادر الشيعة(2)، وقد أشار إلى بعض الحديث بعض من مصادر أهل السُنّة(3).








(1) تفسير الرازي 12: 28 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(2) انظر: الاحتجاج للطبرسي 1: 202 (احتجاج أمير المؤمنين(عليه السلام) على القوم لمّا مات عمر)، أمالي الشيخ الطوسي: 549 (1168) (حديث المناشدة عن أبي ذرّ)، الخصال للصدوق: 580 باب السبعين.
(3) انظر: المناقب للخوارزمي: 313 (314) الفصل التاسع عشر، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 431.




































السؤال: إقتران آية الولاية بحديث الولاية
هل تقترن آية الولاية (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ... )) بحديث الولاية؟
الجواب:




إذا كان المراد بالاقتران: التقارن الزماني, فمن المعلوم أنّ آية الولاية نزلت في زمان يختلف عن زمان صدور حديث: (من كنت مولاه فعليّ مولاه)(1) الذي صدر عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد نزول آية التبليغ في غدير خم بعد انتهاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حجّة الوداع.
وأمّا إذا كان المراد: الاقتران بالمعنى، فهذا شيء صحيح؛ فآية الولاية وحديث الولاية، بل كلّ الأحاديث التي جاءت تذكر ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام), مثل: (يا عليّ أنت وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي)(2) تؤدّي معنى واحد.
ونقول: كلّ هذه الأحاديث تؤكّد حقيقة واحدة لا غير، وهي أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) هو وليّ المؤمنين والمتصرّف بشؤونهم بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).








(1) تم تخريج الحديث في ما تقدّم.
(2) مسند أحمد 1: 84، 118، 119 مسند عليّ بن أبي طالب.




















































السؤال: جواب على ما قاله الآلوسي في تفسيره (روح المعاني)
قال محمود الآلوسي (ت1270هـ) في تفسيره (روح المعاني) في تفسير قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )):
*************************
ثمّ إنّه سبحانه لمّا قال: (( لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ )) (المائدة:51) وعلّله بما علّله، ذكر عقب ذلك من هو حقيق بالموالاة بطريق القصر، فقال عزّ وجلّ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ))، فكأنّه قيل: لا تتّخذوا أولئك أولياء لأنّ بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم، إنّما أولياؤكم الله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم) والمؤمنون، فاختصوهم بالموالاة ولا تتخطّوهم إلى الغير..
وأفرد الوليّ مع تعدّده ليفيد كما قيل: أنّ الولاية لله تعالى بالأصالة وللرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بالتبع؛ فيكون التقدير: إنّما وليّكم الله سبحانه، وكذلك رسوله(صلّى الله عليه وسلّم) والذين آمنوا، فيكون في الكلام أصل وتبع، لا أنّ (وليّكم) مفرد استعمل استعمال الجمع، كما ظنّ صاحب (الفرائد)؛ فاعترض بأنّ ما ذكر بعيد عن قاعدة الكلام لما فيه من جعل ما لا يستوي الواحد والجمع جمعاً، ثمّ قال: ويمكن أن يقال: التقدير: إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا أولياؤكم، فحذف الخبر لدلالة السابق عليه، وفائدة الفصل في الخبر هي: التنبيه على أنّ كونهم أولياء بعد كونه سبحانه وليّاً، ثمّ بجعله إيّاهم أولياء، ففي الحقيقة هو الوليّ. انتهى.
ولا يخفى على المتأمّل أنّ المآل متّحد والمورد واحد، وممّا تقرر يعلم أنّ قول الحلبـي: ويحتمل وجهاً آخر، وهو: أنّ وليّاً زنة فعيل، وقد نصّ أهل اللسان أنّه يقع للواحد والاثنين والجمع تذكيراً وتأنيثاً بلفظ واحد، كـ(صديق)، غير واقع موقعه؛ لأنّ الكلام فيه سرّ بياني، وهو: نكتة العدول من لفظ إلى لفظ..
ولا يرد على ما قدّمنا أنّه: لو كان التقدير كذلك لنافى حصر الولاية في الله تعالى ثمّ إثباتها للرسول(صلّى الله عليه وسلّم) وللمؤمنين؛ لأنّ الحصر باعتبار أنّه سبحانه الوليّ أصالة وحقيقة، وولاية غيره إنّما هي بالإسناد إليه عزّ شأنه.
(( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )) بدل من الموصول الأوّل، أو صفة له باعتبار إجرائه مجرى الأسماء؛ لأنّ الموصول وصلَة إلى وصف المعارف بالجمل، والوصف لا يوصف إلاّ بالتأويل، ويجوز أن يعتبر منصوباً على المدح، ومرفوعاً عليه أيضاً، وفي قراءة عبد الله: (( و - الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ )) بالواو.
(( وَهُم رَاكِعُونَ )): حال من فاعل الفعلين، أي: يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعون لله تعالى.
وقيل: هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة، والركوع ركوع الصلاة، والمراد بيان كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه.
وغالب الأخباريين على أنّها نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه؛ فقد أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متّصل، قال: (( أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فقالوا: يا رسول الله! إنّ منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدّث دون هذا المجلس، وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنا بالله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم) وصدّقناه رفضونا، وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا، ولا يناكحونا، ولا يكلّمونا، فشقّ ذلك علينا.
فقال لهم النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم): إنّما وليّكم الله ورسوله.
ثمّ إنّه (صلّى الله عليه وسلّم) خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فبصر بسائل، فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: نعم، خاتم من فضّة. فقال: من أعطاكه؟ فقال: ذلك القائم. وأومأ إلى عليّ كرّم الله تعالى وجهه، فقال النبـيّ (صلّى الله عليه وسلّم): على أيّ حال أعطاك؟ فقال: وهو راكع. فكبر النبـيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ثمّ تلا هذه الآية ))، فأنشأ حسان رضي الله تعالى عنه يقول:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي ***** وكلّ بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مديحك المحبّر ضائعاً ***** وما المدح في جنب الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً ***** زكاة فدتك النفس يا خير راكــع
فأنزل فيك الله خير ولايــــة ***** وأثبتها أثنا كتاب الشرائـــع
واستدلّ الشيعة بها على إمامته كرّم الله تعالى وجهه، ووجه الاستدلال بها عندهم أنّها بالإجماع أنّها نزلت فيه كرّم الله تعالى وجهه، وكلمة (إِنَّمَا) تفيد الحصر، ولفظ الوليّ بمعنى المتولّي للأمور والمستحقّ للتصرّف فيها، وظاهر أنّ المراد هنا: التصرّف العام المساوي للإمامة، بقرينة ضم ولايته كرّم الله تعالى وجهه بولاية الله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم)، فثبتت إمامته وانتفت إمامة غيره وإلاّ لبطل الحصر، ولا إشكال في التعبير عن الواحد بالجمع؛ فقد جاء في غير ما موضع، وذكر علماء العربية أنّه يكون لفائدتين: تعظيم الفاعل، وأنّ من أتى بذلك الفعل عظيم الشأن بمنزلة جماعة، كقوله تعالى: (( إِنَّ إِبراهِيمَ كَانَ أُمَّةً )) (النحل:12)، ليرغب الناس في الإتيان بمثل فعله، وتعظيم الفعل أيضاً حتى أنّ فعله سجية لكلّ مؤمن، وهذه نكتة سرية (سارية) تعتبر في كلّ مكان بما يليق به.
وقد أجاب أهل السُنّة عن ذلك بوجوه:
الأوّل: النقض، بأنّ هذا الدليل كما يدلّ بزعمهم على نفي إمامة الأئمّة المتقدّمين كذلك يدلّ على سلب الإمامة عن الأئمّة المتأخّرين، كالسبطين رضي الله تعالى عنهما وباقي الاثني عشر رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعين ذلك التقرير، فالدليل يضر الشيعة أكثر ممّا يضر أهل السُنّة كما لا يخفى.
ولا يمكن أن يقال: الحصر إضافي بالنسبة إلى من تقدّمه؛ لأنّا نقول: إنّ حصر ولاية من استجمع تلك الصفات لا يفيد إلاّ إذا كان حقيقياً، بل لا يصحّ لعدم استجماعها فيمن تأخّر عنه كرّم الله تعالى وجهه.
وإن أجابوا عن النقض بأنّ المراد حصر الولاية في الأمير كرّم الله تعالى وجهه في بعض الأوقات، أعني: وقت إِمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهم رضي الله تعالى عنهم، قلنا: فمرحباً بالوفاق؛ إذ مذهبنا أيضاً أنّ الولاية العامّة كانت له وقت كونه إماماً، لا قبله، وهو زمان خلافة الثلاثة، ولا بعده، وهو زمان خلافة من ذكر.
فإن قالوا: إنّ الأمير كرّم الله تعالى وجهه لو لم يكن صاحب ولاية عامّة في عهد الخلفاء يلزمه نقص بخلاف وقت خلافة أشباله الكرام رضي الله تعالى عنهم، فإنّه لمّا لم يكن حيّاً لم تصر إمامة غيره موجبة لنقص شرفه الكامل؛ لأنّ الموت رافع لجميع الأحكام الدنيوية.
يقال: هذا فرار وانتقال إلى استدلال آخر ليس مفهوماً من الآية؛ إذ مبناه على مقدّمتين: الأولى: إنّ كون صاحب الولاية العامّة في ولاية الآخر -. ولو في وقت من الأوقات -. غير مستقلّ بالولاية نقص له، والثانية: إنّ صاحب الولاية العامّة لا يلحقه نقص مّا بأي وجه وأي وقت كان، وكلتاهما لا يفهمان من الآية أصلاً كما لا يخفى على ذي فهم..
على أنّ هذا الاستدلال منقوض بالسبطين زمن ولاية الأمير كرّم الله تعالى وجهه، بل وبالأمير أيضاً في عهد النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم).
والثاني: إنّا لا نسلّم الإجماع على نزولها في الأمير كرّم الله تعالى وجهه؛ فقد اختلف علماء التفسير في ذلك، فروى أبو بكر النقّاش صاحب التفسير المشهور عن محمد الباقر رضي الله تعالى عنه: أنّها نزلت في المهاجرين والأنصار، وقال قائل: نحن سمعنا أنّها نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه، فقال: هو منهم، يعني أنّه كرّم الله تعالى وجهه داخل أيضاً في المهاجرين والأنصار ومن جملتهم.
وأخرج أبو نعيم في (الحلية) عن عبد الملك بن أبـي سليمان وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن الباقر رضي الله تعالى عنه أيضاً نحو ذلك، وهذه الرواية أوفق بصيغ الجمع في الآية.
وروى جمع من المفسّرين عن عكرمة أنّها نزلت في شأن أبـي بكر رضي الله تعالى عنه.
والثالث: أنّا لا نسلّم أنّ المراد بالوليّ: المتولّي للأمور والمستحقّ للتصرّف فيها تصرّفاً عامّاً، بل المراد به: الناصر، لأنّ الكلام في تقوية قلوب المؤمنين وتسليتها وإزالة الخوف عنها من المرتدّين، وهو أقوى قرينة على ما ذكره، ولا يأباه الضم، كما لا يخفى على من فتح الله تعالى عين بصيرته.
ومن أنصف نفسه علم أنّ قوله تعالى في ما بعد: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُم هُزُواً وَلَعِباً مّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَـابَ مِن قَبلِكُم وَالكُفَّارَ أَولِيَاء )) (المائدة:57) آبٍ عن حمل الوليّ على ما يساوي الإمام الأعظم؛ لأنّ أحداً لم يتّخذ اليهود والنصارى والكفّار أئمّة لنفسه، وهم أيضاً لم يتّخذ بعضهم بعضاً إماماً، وإنّما اتّخذوا أنصاراً وأحباباً.
وكلمة (إِنَّمَا) المفيدة للحصر تقتضي ذلك المعنى أيضاً؛ لأنّ الحصر يكون في ما يحتمل اعتقاد الشركة والتردّد والنزاع، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردّد ونزاع في الإمامة وولاية التصرّف، بل كان في النصرة والمحبّة.
والرابع: أنّه لو سلم أنّ المراد ما ذكروه، فلفظ الجمع عام، أو مساوٍ له - كما ذكره المرتضى في (الذريعة)، وابن المطهّر في (النهاية) - والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، كما اتّفق عليه الفريقان، فمفاد الآية حينئذٍ حصر الولاية العامّة لرجال متعدّدين يدخل فيهم الأمير كرّم الله تعالى وجهه، وحمل العام على الخاص خلاف الأصل، لا يصحّ ارتكابه بغير ضرورة ولا ضرورة.
فإن قالوا: الضرورة متحقّقة هاهنا إذ التصدّق على السائل في حال الركوع لم يقع من أحد غير الأمير كرّم الله تعالى وجهه، قلنا: ليست الآية نصّاً في كون التصدّق واقعاً في حال ركوع الصلاة؛ لجواز أن يكون الركوع بمعنى التخشّع والتذلّل لا بالمعنى المعروف في عرف أهل الشرع، كما في قوله:
لا تهين الفقير علّك أن ***** (تركع) يوماً والدهر قد رفعه
وقد استعمل بهذا المعنى في القرآن أيضاً، كما قيل في قوله سبحانه: (( وَاركَعِي مَعَ الراكِعِينَ )) (آل عمران:43)؛ إذ ليس في صلاة من قبلنا من أهل الشرائع ركوع هو أحد الأركان بالإجماع، وكذا في قوله تعالى: (( وَخَرَّ رَاكِعاً )) (ص:24)، وقوله عزّ وجلّ: (( وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركَعُوا لاَ يَركَعُونَ )) (المرسلات:48) على ما بيّنه بعض الفضلاء، وليس حمل الركوع في الآية على غير معناه الشرعي بأبعد من حمل الزكاة المقرونة بالصلاة على مثل ذلك التصدّق، وهو لازم على مدّعى الإمامية قطعاً.
وقال بعض منّا أهل السُنّة: إنّ حمل الركوع على معناه الشرعي وجعل الجملة حالاً من فاعل (( يُؤتُونَ )) يوجب قصوراً بيّناً في مفهوم (( يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ ))؛ إذ المدح والفضيلة في الصلاة كونها خالية عمّا لا يتعلّق بها من الحركات سواءً كانت كثيرة أم قليلة، غاية الأمر أنّ الكثيرة مفسدة للصلاة دون القليلة، ولكن تؤثّر قصوراً في معنى إقامة الصلاة ألبتة، فلا ينبغي حمل كلام الله تعالى الجليل على ذلك، انتهى.
وبلغني أنّه قيل لابن الجوزي رحمه الله تعالى: كيف تَصَدَّقَ عليّ كرّم الله تعالى وجهه بالخاتم وهو في الصلاة، والظنّ فيه -. بل العلم الجازم - أنّ له كرّم الله تعالى وجهه شغلاً شاغلاً فيها عن الالتفات إلى ما لا يتعلّق بها، وقد حكي ممّا يؤيد ذلك كثير؟ فأنشأ يقول:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ***** عن النديم ولا يلهو عن الناس
أطاعه سكره حتى تمكّن من ***** فعل الصحاة فهذا واحد الناس
وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي قدس سره عن أصل الاستدلال، بأنّ: الدليل قائم في غير محلّ النزاع، وهو كون عليّ كرّم الله تعالى وجهه إماماً بعد رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) من غير فصل؛ لأنّ ولاية الذين آمنوا على زعم الإمامية غير مرادة في زمان الخطاب، لأنّ ذلك عهد النبوّة، والإمامة نيابة، فلا تتصوّر إلاّ بعد انتقال النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، وإذا لم يكن زمان الخطاب مراداً، تعيّن أن يكون المراد الزمان المتأخر عن زمن الانتقال ولا حدّ للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلى الأمير كرّم الله تعالى وجهه بعد مضي زمان الأئمّة الثلاثة، فلم يحصل مدّعى الإمامية.
ومن العجائب أنّ صاحب (إظهار الحقّ) قد بلغ سعيه الغاية القصوى في تصحيح الاستدلال بزعمه، ولم يأت بأكثر ممّا يضحك الثكلى، وتفزع من سماعه الموتى؛ فقال: إنّ الأمر بمحبّة الله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم) يكون بطريق الوجوب لا محالة، فالأمر بمحبّة المؤمنين المتّصفين بما ذكر من الصفات وولايتهم أيضاً كذلك، إذ الحكم في كلام واحد يكون موضوعه متّحداً أو متعدّداً أو متعاطفاً، لا يمكن أن يكون بعضه واجباً وبعضه مندوباً، وإلاّ لزم استعمال اللفظ بمعنيين، فإذا كانت محبّة أولئك المؤمنين وولايتهم واجبة وجوب محبّة الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وسلّم) امتنع أن يراد منهم كافة المسلمين وكلّ الأمّة، باعتبار أنّ من شأنّهم الاتّصاف بتلك الصفات؛ لأنّ معرفة كلّ منهم ليحبّ ويوالي ممّا لا يمكن لأحد من المكلفين بوجه من الوجوه، وأيضاً قد تكون معاداة المؤمنين لسبب من الأسباب مباحة بل واجبة، فتعين أن يراد منهم البعض، وهو عليّ المرتضى كرّم الله تعالى وجهه. انتهى.
ويرد عليه: أنّه مع تسليم المقدّمات أين اللزوم بين الدليل والمدّعى؟ وكيف استنتاج المتعين من المطلق؟
وأيضاً لا يخفى على من له أدنى تأمّل أنّ موالاة المؤمنين من جهة الإيمان أمر عام بلا قيد ولا جهة، وترجع إلى موالاة إيمانهم في الحقيقة، والبغض لسبب غير ضار فيها.
وأيضاً ماذا يقول في قوله سبحانه: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَـاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ... )) (التوبة:71) الآية؟
وأيضاً ماذا يجاب عن معاداة الكفّار، وكيف الأمر فيها وهم أضعاف المؤمنين؟ ومتى كفت الملاحظة الإجمالية هناك فلتكف هنا، وأنت تعلم أنّ ملاحظة الكثرة بعنوان الوحدة ممّا لا شك في وقوعها، فضلاً عن إمكانها.
والرجوع إلى علم الوضع يهدي لذلك، والمحذور كون الموالاة الثلاثة في مرتبة واحدة وليس فليس، إذ الأولى: أصل. والثانية: تبع. والثالثة: تبع التبع، فالمحمول مختلف، ومثله الموضوع؛ إذ الموالاة من الأمور العامّة، وكالعوارض المشكّكة، والعطف موجب للتشريك في الحكم لا في جهته، فالموجود في الخارج الواجب والجوهر والعرض مع أنّ نسبة الوجود إلى كلّ غير نسبته إلى الآخر، والجهة مختلفة بلا ريب، وهذا قوله سبحانه: (( قل هَـذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )) (يوسف:108)، مع أنّ الدعوة واجبة على الرسول(صلّى الله عليه وسلّم) مندوبة في غيره، ولهذا قال الأُصوليون: القِران في النظم لا يوجب القِران في الحكم، وعدوا هذا النوع من الاستدلال من المسالك المردودة.
ثمّ إنّه أجاب عن حديث عدم وقوع التردد مع اقتضاء (إِنَّمَا) له بأنّه: يظهر من بعض أحاديث أهل السُنّة أنّ بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم التمسوا من حضرة النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم) الاستخلاف؛ فقد روى الترمذي عن حذيفة (( أنّهم قالوا: يا رسول الله لو استخلفت؟ قال: (لو استخلفت عليكم فعصيتموه عُذّبتم، ولكن ما حدّثكم حذيفة فصدّقوه، وما أقرأكم عبد الله فاقرؤوه ) )).
وأيضاً استفسروا منه عليه الصلاة والسلام عمّن يكون إماماً بعده(صلّى الله عليه وسلّم)؛ فقد أخرج أحمد عن عليّ كرّم الله تعالى وجهه، قال: (( قيل: يا رسول الله من نؤمّر بعدك؟ قال: (إن تؤمروا أبا بكر رضي الله تعالى عنه تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وإن تؤمّروا عمر رضي الله تعالى عنه تجدوه قوياً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمّروا عليّاً -. ولا أراكم فاعلين -. تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الصراط المستقيم ) ))، وهذا الإلتماس والاستفسار يقتضي كلّ منهما وقوع التردد في حضوره(صلّى الله عليه وسلّم) عند نزول الآية، فلم يبطل مدلول (إِنَّمَا). انتهى.
وفيه أنّ محض السؤال والاستفسار لا يقتضي وقوع التردد، نعم لو كانوا شاوروا في هذا الأمر ونازع بعضهم بعضاً بعدما سمعوا من النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم) جواب ما سألوه لتحقّق المدلول، وليس فليس، ومجرد السؤال والاستفسار غير مقتض لـ(إنّما) ولا من مقاماته، بل هو من مقامات (إنّ)، والفرق مثل الصبح ظاهر، وأيضاً لو سلّمنا التردد، ولكن كيف العلم بأنّه بعد الآية أو قبلها، منفصلاً أو متّصلاً، سبباً للنزول أو اتّفاقياً، ولا بدّ من إثبات القبلية والاتّصال والسببية، وأين ذلك؟ والاحتمال غير مسموع ولا كاف في الاستدلال.
وبعد هذا كلّه الحديث الثاني ينافي الحصر صريحاً؛ لأنّه(صلّى الله عليه وسلّم) في مقام السؤال عن المستحقّ للخلافة ذكر الشيخين، فإن كانت الآية متقدّمة لزم مخالفة الرسول(صلّى الله عليه وسلّم) القرآن، أو بالعكس لزم التكذيب، والنسخ لا يعقل في الأخبار على ما قرر، ومع ذا تقدم كلّ على الآخر مجهول فسقط العمل.
فإن قالوا: الحديث خبر الواحد، وهو غير مقبول في باب الإمامة.
قلنا: وكذلك لا يقبل في إثبات التردد والنزاع الموقوف عليه التمسّك بالآية، والحديث الأوّل يفيد أنّ ترك الاستخلاف أصلح فتركه -. كما تفهمه الآية بزعمهم -. تركه، وهم لا يجوّزونه؛ فتأمّل!
وذكر الطبرسي في (مجمع البيان) وجهاً آخر غير ما ذكره صاحب (إظهار الحقّ) في أنّ الولاية مختصّة، وهو: (( أنّه سبحانه قال: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ))، فخاطب جميع المؤمنين، ودخل في الخطاب النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم) وغيره، ثمّ قال تعالى: (( وَرَسُولُهُ )) فأخرج نبيّه عليه الصلاة والسلام من جملتهم؛ لكونهم مضافين إلى ولايته، ثمّ قال جلّ وعلا: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا )) فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية، وإلاّ لزم أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، وأن يكون كلّ واحد من المؤمنين وليّ نفسه وذلك محال )). انتهى.
وأنت تعلم أنّ المراد ولاية بعض المؤمنين بعضاً، لا أن يكون كلّ واحد منهم وليّ نفسه، وكيف يتوهّم من قولك مثلاً: أيّها الناس لا تغتابوا الناس، أنّه نهي لكلّ واحد من الناس أن يغتاب نفسه؟
وفي الخبر أيضاً: (صوموا يوم يصوم الناس)، ولا يختلج في القلب أنّه أمر لكلّ أحد أن يصوم يوم يصوم الناس، ومثل ذلك كثير في كلامهم.
وما قدّمناه في سبب النزول ظاهر في أنّ المخاطب بذلك: ابن سلام وأصحابه.
وعليه لا إشكال إلاّ أنّ ذلك لا يعّد مخصّصاً، كما لا يخفى، فالآية على كلّ حال لا تدلّ على خلافة الأمير كرّم الله تعالى وجهه على الوجه الذي تزعمه الإمامية، وهو ظاهر لمن تولّى الله تعالى حفظ ذهنه عن غبار العصبية.


ما جواب هذا التفسير؟




الجواب:




أوّلاً: قال: (( ثمّ إنّه سبحانه لمّا قال: (( لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء )) وعلّله بما علّله... إلى قوله: فاختصّوهم بالموالاة ولا تتخطوهم إلى الغير )).. وقد حاول فيه أن يدّعي وحدة السياق وإن لم يصرّح به، ولكن ظاهر عبارته ذلك، من خلال ربطه بين هذه الآية وبين الآيات التي سبقتها، الناهية عن ولاية اليهود والنصارى، وهو هنا لم يفسّر الولاية في هذه الآية وإنّما أورد نفس معناها في الآية السابقة عليها، وقد ذكر هناك أنّ المراد: النهي عن ولاية النصرة لليهود والنصارى، وما فعل ذلك إلاّ لكي لا يلزم بما سوف يرد عليه ممّا سنذكره! محاولاً - بهذه التعمية في العبارة - التخلّص من القصر الظاهر من لفظة (( إِنَّمَا ))، المنافي لولاية النصرة.
ومحاولة الاستدلال بوحدة السياق ذكرها قبله كثير من علماء أهل السُنّة، منهم التفتازاني في (شرح المقاصد)(1)، وابن حجر الهيثمي في (الصواعق المحرقة)(2)، وأشار إليها أكثر من فسّر هذه الآية منهم.
وقد أجاب علماؤنا عن ذلك قديماً، ولكن الآلوسي غضّ الطرف عن أجوبتهم لما يريد من غاية، وإلاّ لو كان من أهل التحقيق لأوردها ثمّ ذكر ما يمكن أن يجيب عنها، لا أن يطرح كلامه - تبعاً وتقليداً لسلفه - كأنّه آخر ما قيل ولا معقّب عليه!
وأمّا ما يرد على إدّعاهم بوحدة السياق، فأُمور:
1- إنّ سبب النزول كما هو الصحيح يردّ وحدة السياق.
2- عدم وجود وحدة السياق بين الآية المقصودة وهذه الآية؛ لبعدها أوّلاً، ولفصلها بآية الارتداد ثانياً. وهذا ظاهر واضح لمن قرأ الآيات من قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )), إلى الآيات الثلاث بعدها؛ فإنّها مترابطة المعنى، مفصولة عمّا بعدها.
3- وجود كثير من الآيات في القرآن أوّلها في شيء ووسطها في شيء وآخرها في شيء، بل مجيء آية لها معنى خاص في وسط آيات متّحدة المعنى لا علاقة لها بهنّ.
فإذا تعارض الدليل مع السياق قُدّم الدليل؛ لاتّفاق الجميع على أنّ الآيات لم تترتّب على ترتيب النزول.
4- إنّ الولاية في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء )), ليست بمعنى: النصرة؛ لأنّ هذا المعنى إن فرض صدقه بالنسبة لليهود في المدينة لا يمكن أن يصدق بالنسبة للنصارى؛ لأنّه لم يكن لهم وجود معتد به فيها..
وكذلك لا يلائم قوله تعالى: (( بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ ))؛ لأنّها تدلّ على ولاية المحبّة والاتّحاد من جهة وحدة القومية والدين عند اليهود والنصارى، ومن دون حاجة إلى وقوع تحالف بينهم على النصرة. بل لم يكن هناك تحالف بين اليهود والنصارى سوى اجتماعهم على معاداة الإسلام.
ولا يلائم قوله: (( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم ))؛ لأنّ موالاة النصرة لآخرين لا تجعله منهم، وإنّما موالاة المحبّة والألفة هي التي تجعله كأنّه منهم، فلا يتم معناهما إلاّ إذا كانت الولاية فيهما بمعنى: المحبّة؛ فإنّ ولاية المحبّة هي التي تجعل اليهود أولياء بعضهم لبعض لا النصرة، وهي التي تجعل من يحبّهم كأنّه منهم وجداناً لا ولاية الحلف والنصرة، وقد قال الله تعالى في كتابه: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاءَ تُلقُونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ )) (الممتحنة:1)، كيف؟! وقد كان بين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين اليهود عهود ومواثيق(3).
5- لا يصحّ جعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وليّاً للمؤمنين كما في الآية بمعنى: النصرة، بل إمّا أن يكون النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين جميعاً ينصرون دين الله، أو أنّ الناس ينصرون رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّه المبلّغ بالدين والرسول عن الله، أو أنّ الله ينصر رسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين..
وأمّا أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يكون ناصراً للمؤمنين فليس يصح، ولم يرد فيه آية من القرآن، ومنه يظهر أنّ الولاية هنا ولاية التصرّف لا ولاية النصرة(4).
6- إنّ القول: بأنّ الولاية في الآية هي ولاية النصرة تبعاً للسياق المفترض من أنّ النهي في الآية الأولى منصبّ على ولاية النصرة لليهود والنصارى، لا يجتمع مع أداة الحصر (إنّما)، ولا مع الضمير (كم) في (( وَلِيُّكُمُ ))؛ لأنّ ولاية النصرة عامّة لا تنحصر بالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وقوله: (( وَلِيُّكُمُ )) يحتاج إلى آخرين مخاطبين غير من ثبتت له الولاية، ولا يمكن أن يخاطب المؤمنون كلّهم بلفظة (( وَلِيُّكُمُ ))، فثبت أنّ من ثبتت له الولاية بعض المؤمنين لا كلّهم.
7- إنّ القول: بأنّ الولاية في الآية تعني: الأولى بالأمر، لا ينافي السياق، ولا يتعارض مع المناسبة المدّعاة بين الآيات؛ لأنّ ولاية الأمر تشمل ولاية النصرة والمحبّة وغيرها، فثبتت المناسبة.
8- إنّ جعل المقصود من قوله: (( الَّذِينَ آمَنُوا )): عموم المسلمين، وبالتالي جعل الحصر المستفاد من (إنّما) خاصّاً بالله ورسوله والمؤمنين جميعاً دون اليهود والنصارى والمنافقين والذين في قلوبهم مرض، ويكون المعنى، كما قال الآلوسي: (( لا تتّخذوا أولئك أولياء؛ لأنّ بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم إنّما أولياؤكم الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنون فاختصوهم بالمولاة ولا تتخطّوهم إلى الغير... ))، منافٍ ومعارَض بالجملة الحالية في قوله تعالى: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), وسيأتي بيانه.
ثانياً: قوله: (( وأفرد الوليّ مع تعدّده ليفيد كما قيل: أنّ الولاية لله تعالى بالأصالة... (إلى قوله? لأنّ الحصر باعتبار أنّه سبحانه الوليّ أصالة وحقيقة، وولاية غيره إنّما هي بالإسناد إليه عزّ شأنه )).
والجواب عليه:
1- انتقل الآلوسي هنا إلى تعليل الإفراد في لفظة (( وَلِيُّكُمُ )) وكأنّه قد فرغ من معناها، في ما حاول الإشارة إليه بأنّها بمعنى الولاية الواردة في آية النهي عن ولاية اليهود، مع أنّه لم يورد لفظاً صريحاً على معناها هنا!
والتحقيق: انّ معنى الولاية في الآية: (الأولى بالأمر)؛ لما ثبت في اللغة من أنّ الوليّ: من كان أولى بالأمر في كلّ شيء، ولا يمكن أن يراد بها هنا: النصرة أو المحبّة؛ لمكان أداة الحصر (إنّما)، فلو كان المراد بها: النصرة والمحبّة لناقض الحصر، لأنّهما ثابتتان لجميع المسلمين، فلا مورد لمجيء (إنّما) هنا، ومن هنا حاولوا تفسير: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) بأنّها تشمل جميع المؤمنين. وسيأتي بيان الخطل في ذلك.
2- إنّ لفظة (( وَلِيُّكُمُ )) جاءت في الآية مفردة، وأثبتها الله لنفسه أوّلاً، ثمّ أثبتها لرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالعطف ثانياً، ثمّ للذين آمنوا الموصوفون بالصفة المذكورة ثالثاً، فدلّ على أنّ ما ثبت للذين آمنوا هو نظير ما ثبت لله ولرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّ المعنى المراد الثابت للجميع واحد، هذا هو الظاهر من اللفظ.
نعم، يثبت من دليلين عقليين: الأوّل: أنّ الولاية لله بالأصالة، والثاني: أنّه لا يجتمع وليّان عرضاً في وقت واحد، أنّ الولاية الثابتة هنا طولية، وأنّها بالأصالة لله، ثمّ لرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ لمن صفته كذا من المؤمنين بالتبع.
3- إنّ إفراد لفظة (( وَلِيُّكُمُ )) فيها إشارة إلى أنّ المراد من (( الَّذِينَ آمَنُوا )) واحد في كلّ عصر، وهذه وسابقتها نكتة بيانية مهمّة يحتاجها بيان المعنى الزائد في الآية.
وأمّا ما نقله من أنّ النكتة في إفراد الولاية هي: لبيان أنّها بالأصالة لله ثمّ للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا بالتبع، ليس على استقامته، إذ أنّ استفادة ذلك، كما قدّمنا، من دليل خارج من الآية، ويتم حتى لو جاءت الولاية بالجمع، مع ما في قوله (( وأفرد الوليّ مع تعدّده )) من مصادرة على المطلوب؛ فإنّ إفراد الوليّ في (( وَلِيُّكُمُ )) يشير إلى أنّه واحد، كما قدمنا، وقوله (( مع تعدّده )) أوّل الكلام! ويحتاج إلى إثبات، كما سيأتي.
ومن هذا يظهر أنّه لا يحتاج إلى تقدير في الكلام، كما نقله عن صاحب (الفرائد)؛ لأنّ المعنى، على ما قدّمنا، تام بدون تقدير، ولكنّهم اضطرّوا إليه لمّا صرفوا المعنى إلى الجميع؛ فلاحظ!
ويظهر أيضاً صحّة المنافاة المدّعاة لو كان التقدير على الجمع - أي: أوليائكم - لأداة الحصر (إنّما)؛ فإنّه لا يظهر من الأداة حصر الولاية في الله أصالة، ثمّ إنّها للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا بالتبع، وإنّما يظهر منها الحصر بالله وبمن عطف عليه، وهو النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا بالتساوي..
نعم، قلنا يظهر من دليل خارج أنّها بالأصالة لله وبالتبع لغيره، فالتقدير اللغوي بأنّ الولاية للجميع ينافي وضع (إنّما) للحصر لغةً؛ فلاحظ!
4- قد تقدّم أنّ الولاية في الآية ثابتة بمعنى واحد للكلّ، وقد ذكر الله في القرآن لنفسه نوعين من الولاية: الولاية التكوينية كما في قوله تعالى: (( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الوَلِيُّ )) (الشورى:9)، وهي عامّة شاملة لولاية النصرة. والولاية التشريعية كما في قوله تعالى: (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَولِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ )) (البقرة:257)..
وأثبت لنبيّه الولاية التشريعية، كما في قوله تعالى: (( النَّبِيُّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم )) (البقرة:257)، وقوله تعالى: (( وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم )) (الأحزاب:6)، وقد مضى عدم صحّة كون الولاية للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمعنى النصرة.
فبالتالي لو كان المراد من (( الَّذِينَ آمَنُوا )) جميع المؤمنين، كان معنى الولاية الثابتة في حقّهم غير معناها بالنسبة لله؛ إذ لا تخرج الولاية بالنسبة إليهم عن معنى النصرة أو المحبّة وهي غير ولاية الله وولاية رسوله، كما قدّمنا، مع أنّا نلاحظ من السياق إشراك الجميع بالعطف على هذا المعنى الواحد من الولاية، الذي جاء على المفرد، فلو كانت الولاية تثبت للجميع وهي بمعنى آخر لاحتاج إلى أن تذكر ولاية أُخرى في المقام؛ رفعاً للإلتباس، كما قال تعالى: (( قُل أُذُنُ خَيرٍ لَّكُم يُؤمِنُ بِاللّهِ وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنِينَ )) (الأحزاب:36)، فكرر الإيمان وفرقه بين الله تعالى بتعديته بالباء، وبين المؤمنين بتعديته باللام(5).
ثالثاً: قوله: (( ((الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )) بدل من الموصول الأوّل... إلى قوله: وهم خاشعون ومتواضعون لله تعالى. وقيل: هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة والركوع ركوع الصلاة، والمراد: بيان كمال رغبتهم في الإحسان، ومسارعتهم إليه )).
والجواب عليه:
1- إنّ إعراب الجملة: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ )) في الآية على أنّها بدل أو صفة لا يؤثّر في الاستدلال، والتعبير عنها في رواياتنا بأنّ الله سبحانه وصفه بكذا(6)، أو قول علمائنا وبعض علماء السُنّة بأنّ الله وصف الذين آمنوا بكذا(7)، قد يراد به النعت المعروف في النحو، وقد يراد به البيان والتفسير، فلا ينافي أن يكون بدلاً(8). وعلى كلّ حال فإنّ المعنى يكون: إنّ الذين آمنوا من صفتهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الركوع.
2- لقد اعترف الآلوسي هنا، منتحلاً كلام الزمخشري(9) أنّ جملة: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) حال، ولكنّه قال:
إنّها حال من فاعل الفعلين، أي: من جملة (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ ))، ليصحّ له ما ادّعاه من أنّ الركوع بمعنى: الخشوع، ولكن قوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) حال للجملة الأقرب، وهي: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ ))، ولا دليل على أنّها حال للجملتين، فيكون المعنى: ويؤتون الزكاة وهم في حال الركوع، لا كما فعل معظم أسلافه(10)، في محاولة لصرفها عن عليّ(عليه السلام)، بجعل الجملة (( وَهُم رَاكِعُونَ )) معطوفة على الجملة السابقة التي هي صلة الموصول؛ فإنّ الواو هنا حاليّة وليس عاطفة، كما هو ظاهر اللغة العربية، فإنّ المفهوم من قول القائل: (( فلان يغشى إخوانه وهو راكب ))، معنى الحال، أي: أنّه يغشى حال ركوبه، وكذلك لو قال: (( لقيت فلاناً وهو يأكل ))، كان معناه: لقائه حال الأكل.
3- ولكنّه حاول صرفها عن عليّ(عليه السلام) بطريق آخر! بأن قال - كما قاله القوشجي(11) وغيره من قبله -: إنّ المراد من الركوع ليس الركوع المعروف، وهو: الانحناء، وإنّما معناه: الخشوع والتواضع، فيكون المعنى على قولهم: أنّهم يأتون الزكاة وهم خاشعون متواضعون. وهذا خلاف ظاهر اللفظ أيضاً؛ لأنّ المعروف في العربية أنّ الركوع هو التطأطؤ المخصوص والانحناء، وهو معناه حقيقة، وإنّما شبّه به الخضوع والخشوع على نحو المجاز، فقد أنشد لبيد:
أخبر أخبار القرون التي مضت ***** أدب كأنّي كلّما قمت راكع(12)
فالحمل على الحقيقة أولى، ولا يحمل على المجاز إلاّ بقرينة، كما قال الشاعر:
لا تهن الكريم علّك أن تركع ***** يوماً والدهر قد رفعه(13)
فإنّه أراد به: علّك أن تخضع يوماً، بقرينة: لا تهن الكريم والدهر قد رفعه(14).
وقد قال صاحب (العين) الفراهيدي: (( كلّ شيء ينكب لوجهه فيمس ركبته الأرض أو لا يمس بعد أن يطأطئ رأسه فهو راكع ))(15)، وغيرها من أقوال أصحاب اللغة(16).
وكذلك يفهم من الركوع في الحقيقة الشرعية التطأطؤ المخصوص في الصلاة دون التواضع والخشوع، فالحمل على الحقيقة الشرعية أولى من حمله على التواضع والخشوع، كما سلف من أنّه جاء لبيان حال إعطاء الزكاة وهو في الركوع، بل قال الآلوسي نفسه: قوله تعالى: (( وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (البقرة:43)، إلا أنّ الأصل في إطلاق الشرع: المعاني الشرعية(17)، فليس هناك داعٍ لحمله على خلافها سوى العصبية.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ جعله معنى الركوع هو الخشوع والتواضع ليس له وجه أصلاً، وتضعيفه القول بأنّ معناه الانحناء والتطأطؤ المخصوص بقوله (( قيل )) ليس له وجه أيضاً، بل إنّ الظاهر والدليل مع هذا المعنى الأخير.
وقد دلّت الروايات على أنّ من أتى الزكاة وهو بحال الركوع هو: عليّ(عليه السلام) ليس غيره، كما سيأتي، فما حاول من تفسير هذا القيل بـ(الجمع) بقوله: (( والمراد: بيان كمال رغبتهم في الإحسان، ومسارعتهم إليه )) ليس في محلّه كذلك، وإنّما هو واحد، وهو: عليّ(عليه السلام).
وسيأتي من كلامه الآتي ما يدحض هذه المحاولة للتعميم بعد أن يعترف بأنّ الآية نزلت عندما تصدّق عليّ(عليه السلام) بخاتمه وهو راكع، فروايات النزول تدحض ما حاول نسبته إلى الجمع، فالسائل واحد والتصدّق واحد؛ فلاحظ!
رابعاً: قوله: (( وغالب الأخباريين على أنّها نزلت في عليّ كرّم الله وجهه، فقد أخرج الحاكم... الخ )).
والجواب عليه:
1- هذا اعتراف منه بنزول الآية بحقّ عليّ(عليه السلام)، وإن حاول التقليل من ذلك بقوله: (( غالب الأخباريين ))، ولم يقرّ، كما قرّ غيره من متكلّميهم بإجماع المفسّرين على نزولها في عليّ(عليه السلام) عندما لم يردّوا على استدلال الشيعة بذلك، كـ:عضد الدين الإيجي (ت 756هـ)، والشريف الجرجاني (ت 812هـ)(18)، وسعد الدين التفتازاني (ت 793هـ)(19)، وعلاء الدين القوشجي (ت 879هـ)(20).
2- إنّه اقتصر على رواية واحدة وهي التي فيها مجيء عبد الله بن سلام إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يذكر الروايات الأُخر الكثيرة، والتي فيها من الصحيح العديد، وكلّها تدلّ على أنّ سبب النزول هو: عليّ(عليه السلام).
ولا نطيل بذكر الأسانيد وتصحيحها، بل إثبات تواترها في أنّ الآية نزلت بحقّ عليّ(عليه السلام)، بل نحيل السائل إلى ما ذكرنا سابقاً في الأجوبة السابقة.
3- ممّا ذكرنا يظهر لك أنّ المعنيّ بـ (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) هو: عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، لا جمع من المؤمنين، ومن عَطفِها على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يثبت له نفس معنى الولاية الثابت له (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو نفس المعنى منها الثابت لله سبحانه وتعالى، ومن الحصر الموجود في الآية بدلالة (إنّما) يثبت أنّها: خاصّة بالله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ(عليه السلام) دون غيرهم، فلا يمكن أن يراد بمعنى الولاية: النصرة أو المحبّة؛ لأنّها عامّة لجميع المؤمنين.
وبالتالي يثبت ما نقله الآلوسي من استدلال الشيعة بهذه الآية على الولاية دون نقاش، إذ قال: (( واستدلّ الشيعة بها على إمامته كرّم الله وجهه... إلى قوله: وهذه نكتة سرية (سارية) تعتبر في كلّ مكان بما يليق به )).
ويسقط كلّ ما حاول الإجابة عليه من طريق أهل السُنّة، كما سيأتي.
خامساً: قوله: (( وقد أجاب أهل السُنّة عن ذلك بوجوه: الأوّل: النقض... الخ )).
والجواب عليه:
1- إنّ هذا الكلام من تقرير استدلال الشيعة إلى آخر ما ذكره منه، والجواب عليه قد أخذه من عبد العزيز الدهلوي في (التحفة الاثني عشرية)(21)، وهو مذكور في (مختصر التحفة الاثني عشرية) لمحمود شكري الآلوسي(22)، ولكن الآلوسي الجد نسبه إلى أهل السُنّة، وأضاف إليه بعض ما يتم الاستدلال من قول الشيعة. وقد أجاب عليه علماؤنا، ومنهم السيّد أمير محمد القزويني في كتابه (الآلوسي والتشيّع)(23).
2- إنّ الدهلوي لم يقرّر دليل الشيعة بصورة تامّة، وهو وإن أخذه ظاهراً من التفتازاني في شرح المقاصد، ولكنّه بتره زيادة على ما بتره التفتازاني! ولك أن تراجع تقرير الشيعة في شرح التجريد للعلامّة الحلّي في (كشف المراد)(24)، أو (الشافي في الإمامة) للسيّد المرتضى(25).
3- إنّ الشيعة يستدلّون على ولاية عليّ(عليه السلام) من هذه الآية بهذا التقرير: إنّ الآية حصرت بظاهر اللفظ الولاية بالله سبحانه وتعالى وعطفت عليه الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا، ولا بدّ من أن يكون (( الَّذِينَ آمَنُوا )) بعض المؤمنين لا كلّهم؛ لوضوح أنّ (( الَّذِينَ آمَنُوا )) غير الذين ذُكروا بضمير (كم) المضاف في (( وَلِيُّكُمُ ))، وإلاّ لأصبح كلّ مؤمن وليّ نفسه، ولبطل الحصر؛ وكان المضاف هو المضاف إليه؛ وهو مستحيل. وإنّ معنى الولاية غير معنى النصرة؛ للحصر المذكور، فإنّ ولاية النصرة شاملة لكلّ المؤمنين، كما في قوله تعالى: (( المُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَـاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )) (التوبة:71).
وبعبارة أُخرى: إنّ الله خاطب المؤمنين بأنّ وليّكم ولا وليّ غيره هو: الله سبحانه وتعالى، فدخل في المخاطبين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ أخرجه بالعطف، فثبتت له الولاية أيضاً، ثمّ عطف الذين آمنوا على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فثبتت لهم الولاية كذلك، ولا يمكن أن يكون الذين آمنوا نفس المخاطبين أوّلاً لما ذكرناه.
ثمّ إنّهم يقولون: أنّه قد ثبت بالإجماع أنّ الصفة المذكورة لـ(( الَّذِينَ آمَنُوا )) وهي (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) قد وقعت بالفعل الخارجي من عليّ(عليه السلام) وحده لا سواه، فثبت أنّ المراد من (( الَّذِينَ آمَنُوا )) هو: عليّ(عليه السلام) لا غيره، بنصّ الروايات وفعل وحال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنقول فيها؛ فإنّه خرج بعد نزول الآية يبحث عن هذا المتصدّق في حال الركوع ولم يكن إلاّ عليّ(عليه السلام).
وإعطاء حكم كلّي والإخبار بمعرف جمعي بلفظ الجمع ولا يكون المصداق الخارجي إلاّ واحد، معروف في اللغة، وهو أبلغ وأتم بياناً للمراد، وهو معروف في آيات القرآن الكريم كذلك، وعليه أكثر من شاهد.
وهم بهذا يستدلّون على أنّ المراد بـ(( الَّذِينَ آمَنُوا )) هو: عليّ(عليه السلام) ممّا وقع في الخارج وليس من ظاهر لفظ الآية، كما هو الظاهر من كلام القاضي عبد الجبّار في (المغني)(26)، ومن تقرير عبد العزيز الدهلوي والآلوسي لدليلهم؛ فلاحظ!
4- أصل هذا النقض كما نقله الأردبيلي ورد عن القوشجي عندما اعترض على اختصاصها بعليّ(عليه السلام)، وقال بأنّها ليست في حقّه؛ للجمع وللحصر، وهم - أي الشيعة - لا يقولون به، أي: لا يقولون بحصر الولاية في عليّ(عليه السلام) فقط دون أولاده(27).
5- إنّ الآية جاءت بالإخبار عن واقع خارجي وليس بالإنشاء لحكم شرعي، فلا يدخل بها كلّ من تصدّق وهو راكع، بعد أن علم بالآية وكان علمه بها دافعه للتصدّق.
وبعبارة أُخرى، كما يقول بعض علمائنا: إنّها جاءت على شكل قضية خارجية محدّدة الموضوع، لا قضية حقيقة مقدّرة الموضوع، كما يذكرون في علم المنطق.


والاختلاف في وقت نزول الآية؛ ففي بعض الروايات: أنّها نزلت قبل القصّة، وأُخرى: بعد دعاء الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
والاختلاف في كيفية التصدّق بالخاتم، بين نزع عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) للخاتم بنفسه، وبين نزع السائل له.
وكذا الاختلاف في وقت تبليغ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لقومه، بين إخبارهم فور نزول الآية، وبين إرجاء ذلك إلى يوم الغدير(61).
والاختلاف في سؤال السائل؛ ففي بعض الروايات: أنّ السائل سأل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) التصدّق عليه أوّلاً، وفي أُخرى: أنّ السائل سأل أوّلاً في مسجد النبيّ، ثمّ مرَّ به (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وسؤال النبيّ له: هل تصدّق عليك بشيء؟(62).
والتضارب في الروايات كثير ونجتزئ بما أوردناه. ونذكر الآن بعض الردود على هذا الاستدلال:
1) منها: إن دلّت هذه الآية على نفي إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، كذلك تدلّ على سلب الإمامة عن بقية الأئمّة الاثني عشر بعين ذلك التقرير، فالدليل يضرّ الشيعة أكثر من أهل السُنّة، فهؤلاء لم يؤت أحدهم الزكاة وهو راكع لو كان ذلك شرطاً فيمن يتولّى أمر المسلمين.
2) ومنها: أنّ (صيغة الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون) صيغة جمع، فكيف يصدق على عليّ(عليه السلام) وحده، حتى وإن كان ذلك جائزاً في اللغة، وعلى ذلك شواهد من القرآن، ولكن حمله على المفرد دون دليل هو الخلاف، والأميني الذي يبدو أنّه لم يجد له مخرجاً أمام ضعف أسانيد هذه الروايات وتهافت الاستدلال بها؛ فقد أسهب في بيان أنّ في القرآن آيات عدّة نزلت بصيغة الجمع وكان المراد بها المفرد(63)، ولا شك أنّ ما ذكره صحيح ولكن لا يفيد في ما نحن فيه؛ حيث إنّ الأمثلة التي أوردها إنّما وردت فيها روايات صحيحة خلاف رواياتنا هذه.
3) ومنها: أنّ الله تعالى لا يثني على المرء إلاّ بمحمود، وفعل ذلك في الصلاة ليس بمستحب، ولو كان مستحباً لفعله الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولحضّ عليه، ولكرّر عليّ(عليه السلام) فعله، وإن في الصلاة لشغلاً.
والغريب أنّ القوم يرون بطلان صلاة أهل السُنّة بالتكفير (أي: وضع اليمنى على اليسرى في حال القيام)، ويعدّون ذلك عملاً يستوجب البطلان(64)، ولا يعدّون عمل الأمير(عليه السلام) من انشغاله بالسائل والاستماع إليه والإشارة إليه ونزع الحلّة أو الخاتم من يده وإلقائه إليه.. إلى آخر ما ذكرته الروايات، حركات مبطلة للصلاة، رغم أنّ ذلك أيضاً يتعارض مع ما ذكره القوم في ذلك عنه وعن الأئمّة كما في هذه الأمثلة..
فضلاً عن معارضته لقولـه عزّ وجلّ: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ )) (الأنفال:3)؛ فعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه رأى مصلّياً يعبث بلحيته، فقال: (أمّا هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه)(65).
وذكروا أنّ عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) كان إذا حضر وقت الصلاة تلوّن وتزلزل، فقيل له: ما لك؟ فقال: (جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، وأنا في ضعفي فلا أدري أحسن أداء ما حملت أو لا)(66).
وهو القائل(عليه السلام) كما يروي القوم: (طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشتغل قلبه بما تراه عيناه ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه)(67). وهذا في غير الصلاة، فكيف لو كان في الصلاة، وكأنّ القوم يريدون أنّ يقولوا: إنّه(عليه السلام) من الذين يقولون ما لا يفعلون.
وعن الصادق، قال: (إذا كنت في صلاتك فعليك بالخشوع والإقبال على صلاتك؛ فإنّ الله يقول: (( الَّذِينَ هُم فِي صَلاتِهِم خَاشِعُونَ )) (المؤمنون:2) )(68).
وعنه أيضاً، قال: (إذا استقبلت القبلة فانس الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك عن كلّ شاغل يشغلك عن الله)(69).
وقد أورد القوم عن الإمام زين العابدين رحمه الله روايات كثيرة عن صلاته وخشوعه فيها، نذكر منها:
أنّه كان قائماً يصلّي حتى وقف ابنه الباقر وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر، فسقط فيها، فنظرت إليه أمّه، فصرخت وأقبلت نحو البئر تستغيث، وتقول: يا ابن رسول الله! غرق ولدك محمّد. وهو لا ينثني عن صلاته، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر، فلمّا طال عليها ذلك قالت حزناً على ولدها: ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله! فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلاّ عن كمالها وإتمامها، ثمّ أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلاّ برشاً طويل، فأخرج ابنه محمداً على يديه يناغي ويضحك لم يبتل به ثوب ولا جسد بالماء، فقال: هاك ضعيفة الإيمان بالله. فضحكت لسلامة ولدها، وبكت لقوله: يا ضعيفة اليقين بالله، فقال: لا تثريب عليك اليوم، لو علمت أنّي كنت بين يدي جبّار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عنّي، أفمن يرى راحم بعده؟(70)
وعن الثمالي، قال: رأيت عليّ بن الحسين يصلّي فسقط رداؤه عن أحد منكبيه، فلم يسوّه حتى فرغ من صلاته، فسألته عن ذلك؟ فقال: (ويحك! بين يدي من كنت؟ إنّ العبد لا يُقبل من صلاته إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه)(71).
وعن الصادق، قال: (كان أبي يقول: كان عليّ زين العابدين إذا قام إلى الصلاة كأنّه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء إلاّ ما حرّكت الريح منه)(72).
وفي رواية: إنّ إبليس تمثّل لعليّ بن الحسين وهو في صلاته في صورة أفعى لها عشرة رؤوس محدّدة الأنياب، منقلبة الأعين، وطلع عليه من الأرض من موضع سجوده، ثمّ تطاول في قبلته فلم يرعه ذلك، فانخفض إلى الأرض، وقبض على عشر أنامل رجلي عليّ بن الحسين فجعل يكدمها بأنيابه، فكان لا يكسر طرفه إليه، ولا يحوّل قدميه عن مقامه(73).
وعن الجعفي، قال: صلّى أبو جعفر ذات يوم فوقع على رأسه شيء فلم ينزعه من رأسه حتى قام إليه جعفر فنزعه من رأسه(74).
والروايات في الباب كثيرة جداً، وما أوردناه أقل القليل(75).
ولكن انظر كيف توفّق بينها وبين فعل عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) من استماعه إلى السائل وانشغاله به، حتى لفت نظره إليه من دون بقية المصلّين، وفي بعض الروايات أنّه كان يصلّي خلف النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(76)، ولا شكّ أنّه في الصف الأوّل، ونزع الخاتم من إصبعه وألقاه إليه، أو نزع الحلّة كما في (الكافي)، وهذا أشدّ، وطرحها إليه و.. و..
والكاظم لمّا سئل: عن الرجل يكون في الصلاة فيستمع الكلام أو غيره فينصت ليسمعه، ما عليه إن فعل ذلك؟ قال: (هو نقص)(77). فكيف بمن فعل كلّ ما فعل الأمير(عليه السلام)، وهو القائل بزعم القوم: إنّ وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة عمل، وليس في الصلاة عمل(78).
على أي حال، نعود إلى ما كنّا فيه من ذكر الردود:
4) ومنها: أنّه لو قدّر أن هذا مشروع في الصلاة لم يختص بالركوع، بل يكون في القيام والقعود أولى منه في الركوع، فلو تصدّق المتصدّق في حال القيام والقعود أما كان يستحقّ هذه الموالاة؟
5) ومنها: أنّ عليّاً(عليه السلام) لم يكن ممّن تجب عليه الزكاة على عهد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ فإنّه كان فقيراً، والزكاة إنّما تجب على من ملك النصاب حولاً، وهو لم يكن من هؤلاء، وفقر أهل البيت غير خافٍ..
فقد روى القوم: أنّ عليّاً(عليه السلام) قال يوماً لفاطمة رضي الله عنها: يا فاطمة! هل عندك شيء تطعميني؟
قالت: والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصية، ما أصبح عندي شيء يطعمه بشر، وما كان من شيء أطعمك منذ يومين إلاّ شيء أؤثرك به على نفسي وعلى الحسن والحسين، قال: أعلى الصبيين ألا أعلمتني فآتيكم بشيء؟ قالت: يا أبا الحسن! إنّي لأستحيي من إلهي أن أكلّفك ما لا تقدر، فخرج فاستقرض ديناراً... الرواية(79).
وفي رواية أُخرى: دخل(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على فاطمة ووجدها صفراء من الجوع، فقال: ما لي أرى وجهك أصفر؟ قالت: يا رسول الله! الجوع(80).
فلا غرابة إذاً أن يقترض(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من شدّة الفاقة ليؤمن قوت نفسه وعياله، وله في ذلك حكايات رواها القوم، منها:
ما رواه عليّ(عليه السلام) من أنّ يهودياً كان له على رسول الله دنانير فتقاضاه، فقال له: يا يهودي! ما عندي ما أعطيك، قال: فإنّي لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني، فقال: إذاً أجلس معك، فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع: الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء الآخرة، والغداة(81).
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما، قال: إنّ رسول الله توفّي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعاً من شعير، أخذها رزقاً لعياله(82).
وعن الصادق: (مات رسول الله وعليه دَين)(83).
كلّ هذا رغم تشدّده في أمر الدَين حتى ثبت عنه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تركه للصلاة على من كان عليه دين حتى لو كان قليلاً؛ فهذا رجل مات على عهده(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليه ديناران، فأخبر بذلك فأبى أن يصلّي عليه(84).
ورجل آخر من الأنصار مات وعليه دَين فلم يصلّ عليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال: لا تصلّوا على صاحبكم حتى يقضي دَينه(85).
ورووا أنّه جعل الدَّين قرين الكفر في الاستعاذة منهما؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: أعوذ بالله من الكفر والدَين، قيل: يا رسول الله! أيعدل الدَين بالكفر؟ فقال: نعم(86).
ورووا عن الصادق: (قال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): الدَين راية الله عزّ وجلّ في الأرض، فإذا أراد أن يذل عبداً وضعه في عنقه)(87).
وعن الباقر: (كلّ ذنب يكفّره القتل في سبيل الله، إلاّ الدَين؛ فإنّه لا كفّارة له إلاّ أداؤه)(88). وغيرها.
فما الذي اضطرّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى التديّن وموته وهو عليه، رغم كلّ ما أورده القوم عنه في ذلك؟ فهل من كانت هذه حالهم تجب عليهم الزكاة؟
وكذا كان حال عليّ(عليه السلام) إلى وفاته؛ فيوم أن تزوّج الزهراء رضي الله عنها عيّرتها نساء قريش بفقره، فجاءت أباها(صلّى الله عليه وآله وسلّم) شاكية: إنّك زوّجتني فقيراً لا مال له.
وفي أُخرى: قلن: زوّجك رسول الله من عائل لا مال له(89).
وهكذا عاش (عليه السلام)؛ ففي إحدى خطبه قال: (والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها)(90)؟
حتى اضطر أن يبيع متاعه ليوفّر ثمن قوت يومه؛ فعنه (عليه السلام) أنّه قال: (من يشتري سيفي هذا؟ فوالله لو كان عندي ثمن إزار ما بعته)(91).
وكان لا يزال (عليه السلام) يشكو إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الدين إلى أن مات مديوناً(92).
فعن الباقر، قال: (قبض عليّ وعليه دين ثمانمائة ألف درهم)(93).
وهكذا كان حال أبنائه رضي الله عنهم؛ فعن الصادق، قال: (مات الحسن وعليه دَين، ومات الحسين وعليه دَين)(94)..
بل إنّ الحسين(عليه السلام) أتعب من جاء بعده؛ فقد أصيب وعليه دَين بضعة وسبعون ألف دينار، فاهتم عليّ بن الحسين بدَين أبيه حتى امتنع من الطعام والشراب والنوم في أكثر أيامه ولياليه(95).
ولا نطيل المسألة، ولكن هل ترى على هؤلاء زكاة لمالٍ يبلغ النصاب ويحول عليه الحول، ويفيض عن الحاجة، ويسلم من الدين؟
ونختم هذا برواية وضعها القوم في قصّتنا هذه، تبيّن أنّ فقر عليّ(عليه السلام) من المسلّمات، مختصرها قول البعض: وأيّ مال لعليّ حتى يؤدّي منه الزكاة(96)؟
6) ومنها: أنّ الروايات التي ذكرت أنّ خاتمه(عليه السلام) كان من ذهب(97)، خلاف ما ورد في النهي عن ذلك..
فعن الرضا، قال: (لا تصلّ في خاتم ذهب)(98).
وعن الباقر، قال: (نهى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن سبع: ذكر منها: التختّم بالذهب)(99).
وعن الصادق، قال: (قال النبيّ لعليّ: إيّاك أن تتختّم بالذهب)(100).
وعن عليّ(عليه السلام)، قال: (نهاني رسول الله - ولا أقول: نهاكم - عن التختّم بالذهب)(101)، فكيف توفّق بينها؟
7) ومنها: أنّ إعطاء الخاتم لا يجزئ في الزكاة عند الإمامية، فهم لا يرون زكاة الحليّ، وعلى هذا أيضاً كثير من فقهاء المسلمين(102).
8) ومنها: أنّ الزكاة تؤدّى فور وجوبها ولا ينتظر فيها السؤال.
وعليه لا يمتدح من لم يخرج الزكاة إلاّ بعد أن تطلب منه، وإنّما يمتدح من أخرجها ابتداءً فور وجوبها.
9) ومنها: أنّ هذه الآية بمنزلة قولـه: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (البقرة:43)، وهي تحثّ على صلاة الجماعة؛ لأنّ المصلّي في الجماعة إنّما يكون مدركاً للركعة بإدراك ركوعها، بخلاف الذي لم يدرك إلاّ السجود؛ فإنّه قد فاتته الركعة، أمّا القيام فلا يشترط فيه الإدراك.
10) ومنها: أنّ الركوع يطلق ويراد به: الخضوع، وذلك مثل قوله سبحانه: (( يَا مَريَمُ اقنُتِي لِرَبِّكِ وَاسجُدِي وَاركَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (آل عمران:43) فالمراد بالركوع: الخضوع؛ إذ أنّ المرأة لا يطلب منها صلاة الجماعة، فالمراد بقوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) أي: خاضعون لله، وليس المراد أنّهم يؤتون الزكاة حال الركوع؛ فتأمل!
11) ومنها: أنّ هذه الآيات إنّما نزلت في النهي عن موالاة الكفّار والأمر بموالاة المؤمنين، وأنّ سياق الكلام يدلّ على ذلك لمن تدبّر، وهو قولـه تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللَّهَ لا يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ * فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَن يَأتِيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ مِن عِندِهِ فَيُصبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِم نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقسَمُوا بِاللَّهِ جَهدَ أَيمَانِهِم إِنَّهُم لَمَعَكُم حَبِطَت أَعمَالُهُم فَأَصبَحُوا خَاسِرِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللَّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَومَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللَّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُم اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:51-55).
فالآيات واضحة كلّ الوضوح أنّها في النهي عن موالاة اليهود والنصارى، وقد وصف الله الذين في قلوبهم مرض بأنّهم يوالون الكفّار والمنافقين والمرتدّين، وبيَّن أنّهم لن يضرّوا الله شيئاً، ثمّ وصف المؤمنين بما وصفهم به، فهذا السياق العام يوجب لمن قرأه علماً يقينياً لا يمكنه دفعه عن نفسه، وهو أنّ الآية عامّة في كلّ المؤمنين المتّصفين بهذه الصفات لا تختص بواحد بعينه، وهل هؤلاء يرون - أيضاً - أنّ الولاية عند أهل الكتاب تكون بالمعنى نفسه (الوصاية) فتفسّر بها على ذلك في هذه الآيات؟ أي: أنّ بعضهم وصيّ على بعض؟ كيف يكون ذلك؟
نعوذ بالله من صدأ الأذهان، ورين البهتان، والضلال بعد الإيمان.
12) ومنها: أنّ غاية ما في الآية: أنّ المؤمنين عليهم موالاة الله ورسوله والمؤمنين، فيوالون عليّاً، ولا ريب أنّ موالاة عليّ واجبة على كلّ مؤمن، كما يجب على كلّ مؤمن موالاة أمثاله من المؤمنين..
قال تعالى: (( إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَد صَغَت قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَولاهُ وَجِبرِيلُ وَصَالِحُ المُؤمِنِينَ )) (التحريم:4)، فبيَّن الله أنّ كلّ صالح من المؤمنين مولى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كما أنّ الله مولاه وجبرئيل مولاه، لا أن يكون صالح المؤمنين متولّياً على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا متصرّفاً فيه.
قال تعالى: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ )) (التوبة:71)(103) فجعل كلّ مؤمن وليّاً لكلّ مؤمن، وذلك لا يوجب أن يكون أميراً عليه معصوماً لا يتولّى عليه إلاّ هو، فكلّ مؤمن تقي فهو وليّ لله والله وليه، كما قال تعالى: (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا )) (البقرة:257)، وقال: (( وَأُولُو الأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَى بِبَعضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ )) (الأحزاب:6).
فهذه النصوص كلّها ثبتت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأنّ هذا وليّ هذا، وهذا وليّ هذا، وأنّهم أولياء الله، وأنّ الله وملائكته والمؤمنين أولياء رسوله، كما أنّ الله ورسوله والملائكة أولياء المؤمنين، وليس في شيء من هذه النصوص أنّ من كان وليّاً للآخر كان أميراً عليه دون غيره، وأنّه يتصرّف فيه دون الناس.
13) ومنها: أنّ الفرق بين الوَلاية (بالفتح)، والوِلاية (بالكسر) معروف، فالوَلاية (بالفتح) ضد العداوة وهي المذكورة في الآية، وليست هي الوِلاية (بالكسر) التي هي الإمارة(104).
فالأمير يسمّى: الوالي، ولا يسمّى: الوليّ.
14) ومنها: أنّه لو أراد الولاية التي هي الإمارة، لقال: إنّما يتولّى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا، ولم يقل: (ومن يتولّ الله ورسوله)؛ فإنّه لا يقال: لمن وليّ عليهم، ولا أنّه يقال: تولّوه، بل يقال: تولّى عليهم.
15) ومنها: أنّ الله سبحانه لا يوصف بأنّه متولّ على عباده، وأنّه أمير عليهم، ولا يقال: إنّ الله أمير المؤمنين، كما يسمّى المتولّي، مثل عليّ(عليه السلام) وغيره: أمير المؤمنين، بل الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً لا يقال: إنّه متولٍ على الناس وأنّه أمير عليهم.
16) ومنها: أنّه ليس كلّ من تولّى عليه إمام عادل يكون من حزب الله ويكون غالباً؛ فإنّ أئمّة العدل يتولّون على المنافقين والكفّار، كما كان في مدينة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تحت حكمه ذمّيون ومنافقون، وكذلك كان تحت ولاية عليّ(عليه السلام) كفّار ومنافقون، والله تعالى يقول: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُم الغَالِبُونَ )) (المائدة:56)، فلو أراد الإمارة لكان المعنى: أنّ كلّ من تأمّر على الذين آمنوا فإنّهم يكونون من حزبه الغالبين، وليس كذلك، وكذلك الكفّار والمنافقون تحت أمر الله الذي هو قضاؤه وقدره مع كونه لا يتولاهم، بل يبغضهم.
17) ومنها: أنّ كلمة (إنّما) تفيد الحصر، والحصر يكون في ما يحتمل اعتقاد الشركة والتردّد والنزاع، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردّد ونزاع في الإمامة وولاية التصرّف، بل كان في النصرة والمحبة.
18) ومنها: أنّ إمامته (عليه السلام) غير مرادة في زمان الخطاب؛ لأنّ ذلك عهد النبوّة، والإمامة نيابة فلا تتصوّر إلاّ بعد انتقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإذا لم يكن زمان الخطاب مراداً تعيّن أن يكون المراد الزمان المتأخّر عن زمن الانتقال ولا حدّ للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلى الأمير(عليه السلام) بعد مضي زمان أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
لذا وضعوا كثير من الروايات بلفظ: (بعدي)، كما مرَّ بك وسيأتي.
19) ومنها: أنّ الأمر في الآية إن كان محمولاً على الإمارة كما يدّعي القوم، فهو دليل على بطلان كلّ النصوص السابقة، خاصّة إذا علمنا أنّ سورة المائدة التي منها هذه الآية من أواخر ما نزل من القرآن؛ حيث لم ينزل بعدها إلاّ سورتا التوبة والنصر، والغريب أنّ قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في رواياتنا هذه يؤكّد هذا، فكلّها تدلّ على عدم علمه بخليفته - بزعم القوم - حتى نزول الآية، وسؤاله عن هذا المتصدّق والهيئة التي تصدّق بها.. إلى آخر ما جاء في الروايات لمن تدبّرها.
والحقّ أنّ الردود على هذا الاستدلال كثيرة، وما أوردنا فيه كفاية لمن طلب الحق، ولا بأس بأن نختم كلامنا ببعض الطرائف التي أوردها القوم ممّا يتّصل بموضوعنا:
أ - منها: أنّ الخاتم الذي تصدّق به عليّ(عليه السلام) على السائل كان خاتم سليمان(عليه السلام)(105).
ب - ومنها: أنّ الخاتم وزنه أربعة مثاقيل، حلقته من فضة، وفصه خمسة مثاقيل وهو من ياقوتة حمراء، وثمنه خراج الشام، وخراج الشام ثلاثمائة حمل من فضة، وأربعة أحمال من ذهب، وكان الخاتم لمران بن طوق، قتله عليّ(عليه السلام) وأخذ الخاتم من إصبعه، وأتى به إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من جملة الغنائم، وأمره النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يأخذ الخاتم، فأخذ الخاتم، فأقبل وهو في إصبعه وتصدّق به على السائل في أثناء ركوعه في أثناء صلاته خلف النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(106).
ج - ومنها: أنّ التصدّق بالخاتم كان يوم الرابع والعشرين من ذي الحجة(107).
د - ومنها: أنّ جميع الأئمّة تصدّقوا وهم راكعون(108).
هـ - ومنها: أنّ السائل الذي سأله كان من الملائكة، والذين يسألون الأئمّة من أولاده يكونون من الملائكة(109).
و - ومنها: أنّ عمر بن الخطّاب تصدّق بأربعين خاتماً - وفي رواية أُخرى: أربعة وعشرين - وهو راكع، لينزل فيه ما نزل في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)(110).
(1) أمالي الصدوق: 107، بحار الأنوار 35: 183، تفسير البرهان 1: 480، تفسير الميزان 6: 16، تأويل الآيات 1: 152، وسائل الشيعة 9: 478، المناقب 2: 209، تفسير الصافي 2: 46، تفسير نور الثقلين 1: 647، إثبات الهداة 2: 54.
(2) معجم رجال الحديث 7: 322، 14: 107، جامع الرواة 2: 27، مجمع الرواة 3: 75، 5: 68.
(3) معجم رجال الحديث 7: 321، كليات في علم الرجال: 314، 407، رجال النجاشي 1: 387، رجال الطوسي: 122، 197، مقياس الهداية 2: 353، رجال الكشي:150، تنقيح المقال 1: 60، 459، بحار الأنوار 37: 32، كمال الدين: 608 (الحاشية)، مجمع الرجال 3: 73، الفهرست: 102، جامع الرواة 1: 339، الخلاصة: 223.
(4) الخصال: 548، نور الثقلين 1: 645، الاحتجاج: 118، تفسير الميزان 6: 18.
(5) الخصال: 548 (الحاشية للمحقّق علي أكبر الغفاري).
(6) الخصال: 580، نور الثقلين 1: 635، تفسير الصافي 2: 45، مستدرك الوسائل 7: 256.
(7) معجم رجال الحديث 15: 20، رجال ابن داود: 269.
(8) انظر تراجمهم في: معجم رجال الحديث 5: 174، 2: 363، 3: 378، 417، 12: 85، 12: 178.
(9) الكافي 1: 288، 427، تفسير البرهان 1: 480، نور الثقلين 1: 643، جامع الأحاديث 8: 441، تأويل الآيات 1: 153، وسائل الشيعة 5: 18، 9: 51، تفسير الصافي 2: 44، بحار الأنوار 24: 63.
(10) معجم رجال الحديث 18: 257، مجمع الرجال 6: 113، رجال النجاشي 2: 365، جامع الرواة 2: 251.
(11) رجال النجاشي 1: 135.
(12) معجم رجال الحديث 18: 87.
(13) معجم رجال الحديث 2: 183.
(14) مجمع البيان 3: 324، تفسير البرهان 1: 481، بحار الأنوار 35: 195، كشف الغمة 1: 166، تفسير الميزان 6: 21، تأويل الآيات 1: 151، إثبات الهداة 2: 120، 3: 511، المناقب 2: 208، التفسير الكاشف 3: 82.
(15) معجم رجال الحديث 9: 253، الطوسي: 69، مجمع الرجال 3: 253.
(16) الطوسي: 133، مجمع الرجال 5: 62، معجم رجال الحديث 14: 92، جامع الرواة 2: 24.
(17) معجم رجال الحديث 20: 59، رجال النجاشي 2: 419، الفهرست: 210، 229، الطوسي: 517، مجمع الرجال 6: 260، رجال ابن داود: 204، جامع الرواة 2: 330.
(18) تفسير القمّي 1: 178، تفسير البرهان 1: 480، 483، نور الثقلين 1: 645، بحار الأنوار 35: 186، 188، تفسير الميزان 6: 17، العيّاشي 1: 356، وسائل الشيعة 9: 478، إثبات الهداة 2: 140، تفسير الصافي 2: 45.
(19) رجال الحلي: 4، معجم رجال الحديث 1: 317.
(20) معجم رجال الحديث 1: 316، مقدمة التفسير القمّي : 6.
(21) تفسير القمّي 2: 362.
(22) تفسير البرهان 4: 358، بحار الأنوار 22: 240.
(23) بحار الأنوار 22: 240 (الحاشية)، كلّيات في علم الرجال: 320.
(24) يشير إلى قول القمّي في المقدمة من روايته للتفسير عن الثقات.
(25) كلّيات في علم الرجال: 309، وما بعده.
(26) الكافي 1: 496، بحار الأنوار 50: 93.
(27) تفسير العيّاشي 1: 355، بحار الأنوار 35: 187، تفسير البرهان 1: 482، إثبات الهداة 2: 135، 3: 514، تفسير الميزان 6: 18، وسائل الشيعة 9: 479.
(28) معجم رجال الحديث 17: 224.
(29) مقدمة تفسير العياشي 1: 7، بحار الأنوار 1: 28، الذريعة 4: 295.
(30) معجم رجال الحديث 4: 335.
(31) تفسير فرات 1: 124، بحار الأنوار 35: 198، مستدرك الوسائل 7: 258.
(32) تفسير فرات 1: 123، بحار الأنوار 37: 171.
(33) تفسير فرات 1: 125، بحار الأنوار 35: 198، إثبات الهداة 2: 165.
(34) تفسير فرات 1: 124، بحار الأنوار 35: 198.
(35) تفسير فرات 1: 125.
(36) تفسير فرات 1: 126.
(37) تفسير فرات 1: 126، إثبات الهداة 2: 165.
(38) تفسير فرات 1: 128، بحار الأنوار 35: 197.
(39) تفسير فرات 1: 128.
(40) معجم رجال الحديث 8: 182، 173، 10: 254.
(41) معجم رجال الحديث 10: 306.
(42) معجم رجال الحديث 11: 75، رجال النجاشي 2: 39.
(43) أمالي الطوسي: 58، بحار الأنوار 22: 103، 35: 184.
(44) معجم رجال الحديث 6: 66.
(45) معجم رجال الحديث 1: 287.
(46) معجم رجال الحديث 9: 309.
(47) أمالي الطوسي: 557، إثبات الهداة 2: 86.
(48) رجال النجاشي: 62، معجم رجال الحديث 1: 176، بحار الأنوار 32: 305.
(49) معجم رجال الحديث 2: 366، 367.
(50) معجم رجال الحديث 3: 131.
(51) مناقب أمير المؤمنين 1: 150.
(52) مناقب أمير المؤمنين 1: 169.
(53) مناقب أمير المؤمين 1: 179.
(54) دلائل الإمامة: 54، مستدرك الوسائل 7: 256، بحار الأنوار 35: 186، اليقين: 223
(55) بحار الأنوار 37: 128.
(56) تفسير الصافي 2: 46.
(57) تفسير البرهان 1: 484، بحار الأنوار 35: 196، 187.
(58) بحار الأنوار 35: 203، سعد السعود: 97.
(59) تفسير فرات 1: 128.
(60) انظر أيضاً: بحار الأنوار 35: 190.
(61) تفسير البرهان 1: 480، 483، 484، 489، بحار الأنوار 35: 188، 37: 156، العيّاشي 1: 360، الكافي 1: 289.
(62) انظر أيضاً: تفسير فرات 1: 125، 126.
(63) الغدير 3: 163.
(64) الخصال 2: 161، دعائم الإسلام 1: 159، قرب الإسناد: 125، بحار الأنوار 10: 277، 396، 84: 203، 325، المسائل المنتخبة للخوئي: 104، زبدة الأحكام للأراكي: 100، المسائل الإسلامية للشيرازي: 310.
(65) بحار الأنوار 84: 261، 239، الخصال 2: 165.
(66) بحار الأنوار 84: 256، المناقب 2: 124.
(67) بحار الأنوار 70: 299، 84: 261، الكافي 2: 16.
(68) بحار الأنوار 84: 260.
(69) بحار الأنوار 84: 230، مصباح الشريعة: 10.
(70) المناقب 4: 135، بحار الأنوار 46: 34، 84: 245، إثبات الهداة 3: 24.
(71) علل الشرايع: 233، بحار الأنوار 46: 61، 66، 84: 237، الخصال: 517.
(72) الكافي 3: 300، بحار الأنوار 46: 64، 84: 229، 248.
(73) إثبات الهداة 3: 25.
(74) بحار الأنوار 84: 252.
(75) للمزيد راجع: بحار الأنوار 84: 226 باب: آداب الصلاة.
(76) تفسير البرهان 1: 485.
(77) قرب الإسناد: 123، بحار الأنوار 84: 296.
(78) بحار الأنوار 10: 277، 84: 325.
(79) أمالي الطوسي: 626، بحار الأنوار 14: 197، 43: 31، 59، 96: 147، تأويل الآيات 1: 108، كشف الغمة 1: 469، تفسير فرات 1: 83.
(80) الكافي 5: 528، بحار الأنوار 43: 62، نور الثقلين 3: 587.
(81) أمالي الصدوق: 376، بحار الأنوار 16: 216.
(82) مكارم الأخلاق: 25، الاحتجاج: 120، قرب الإسناد: 44، بحار الأنوار 16: 239، 17: 297، 103: 144.
(83) الكافي 1: 253، 5: 93، التهذيب 6: 184، بحار الأنوار 16: 275، 43: 321، 81: 345، 103: 142، من لا يحضره الفقيه 3: 111، وسائل الشيعة 18: 317.
(84) علل الشرايع: 528، بحار الأنوار 81: 344،103: 142، من لا يحضره الفقيه 3: 111.
(85) علل الشرايع: 590، المحاسن 2: 318، بحار الأنوار 103: 143، وسائل الشيعة 18: 319.
(86) الخصال: 27، علل الشرايع: 527، بحار الأنوار 103: 141.
(87) علل الشرايع: 529، بحار الأنوار 103: 142.
(88) علل الشرايع: 528، الخصال: 9، بحار الأنوار 103: 141.
(89) سيأتي تخريج هذه الروايات.
(90) نور الثقلين 5: 16، بحار الأنوار 40: 346،41: 160،66: 320،77: 394.
(91) المناقب 2: 97، بحار الأنوار 40: 324،42: 43، كشف المحجّة: 124.
(92) أمالي الطوسي: 443، بحار الأنوار 95: 301،108: 57.
(93) كشف المحجّة: 125، بحار الأنوار 40: 338،103: 142، 145، وسائل الشيعة 18: 322، وانظر أيضاً: من لا يحضره الفقيه 3: 111، علل الشرايع: 590، المحاسن 2: 318، وسائل الشيعة 18: 317.
(94) بحار الأنوار 43: 321،81: 344،103: 143، الكافي 5: 93، التهذيب 6: 184، من لا يحضره الفقيه 3: 111، المحاسن 2: 318، وسائل الشيعة 18: 317.
(95) المناقب 4: 143، بحار الأنوار 46: 52.
(96) تفسير العسكري: 30، بحار الأنوار 41: 20،96: 193.
(97) تفسير البرهان 1: 484، بحار الأنوار 35: 187، 196، المناقب 3: 3.
(98) فقه الرضا: 16، بحار الأنوار 66: 538، وسائل الشيعة 4: 413.
(99) قرب الإسناد: 48، بحار الأنوار 66: 538.
(100) قرب الإسناد: 66، بحار الأنوار 66: 339، وسائل الشيعة 4: 416.
(101) معاني الأخبار 301، بحار الأنوار 66: 539، وسائل الشيعة 4: 414، 6: 308.
(102) الانتصار: 80، المختصر النافع: 81، المسائل المنتخبة: 170، زبدة الأحكام: 116، 169، شرائع الإسلام 1: 150، المسائل الإسلامية: 447، بحار الأنوار 96: 37، 38، 39، 41، 42، قرب الإسناد: 135، دعائم الإسلام: 464، الحدائق الناضرة 12: 97، 98، وسائل الشيعة 9: 156، وما بعدها.
(103) وأورد القوم عن الباقر قوله في نزول هذه الآية: أي: إنّما وليّكم الله، فقال المسلمون: هذا بعضنا أولياء بعض، تفسير البرهان 1: 490، شرح الأخبار: 104، ممّا يدلّ على عدم فهم المسلمين لغير هذه الموالاة التي يريدها القوم.
(104) سنأتي على ذكر دلائل أُخرى عند حديثنا في روايات (من كنت مولاه).
(105) تفسير البرهان 1: 485، شرح الأخبار 1: 226.
(106) المصدران السابقان.
(107) تفسير البرهان 1: 485، مصباح الشريعة: 530، بحار الأنوار 35: 190، شرح الأخبار 1: 226.
(108) الكافي 1: 288، تفسير البرهان 1: 480، نور الثقلين 1: 643، جامع الأحاديث 8: 441، تأويل الآيات 1: 153، وسائل الشيعة 6: 334، تفسير الصافي 2: 44.
(109) المصادر السابقة.
(110) أمالي الصدوق: 107، بحار الأنوار 35: 183، 203، تفسير البرهان 1: 480، تفسير الميزان 6: 16، تأويل الآيات 1: 152، وسائل الشيعة 6: 335، المناقب 3: 4، تفسير الصافي 2: 46، نور الثقلين 1: 647، إثبات الهداة 2: 55، سعد السعود: 97.




الجواب:




أولاً: سنقدّم نقاط تحوي بعض القواعد لكي يتوضّح جوابنا طبقاً لها:
1- إنّ تصنيف الحديث ينقسم إلى: متواتر وآحاد، والمتواتر ما وصلت طرقه إلى حدّ يمتنع تواطؤ رواته على الكذب، والآحاد بخلافه، فإذا وصل الحديث إلى حدّ التواتر وحصل القطع منه، فلا يبحث في السند عندئذ، ولا يلتفت إلى صحّة أو وثاقة أو حسن أو ضعف الأسانيد؛ لأنّها من أقسام الخبر الآحاد وتتدرّج حجّيته حسبها، والمتواتر قد تجاوز ذلك إلى القطع، وهو حجّة بنفسه.
2- إنّ الشيعة لا يستدلّون في العقائد إلاّ بالقطع واليقين، فإذا كان دليلهم نقلياً فيجب أن يثبت بالقطع، كالتواتر مثلاً.
3- هناك قاعدة في علم الحديث موجودة عند الشيعة والسُنّة، وهي أنّ الضعيف ينجبر ضعفه بالضعيف, فكلّما كثرت الطرق الضعيفة فسوف تجبر السند، وأنّ السند الذي يوجد فيه وضّاع أو كذّاب لا ينجبر بسند فيه وضّاع أو كذاب مثله بل يزداد ضعفاً وسقوطاً.
4- إنّ مناقشة أي مذهب أو فرقة يجب أن يكون حسب مبانيها، ومناقشة الشيعة الإمامية في حديثهم يجب أن يكون حسب مبانيهم في علمي الرجال والحديث.
ثانياً: الجواب على ما جاء في السؤال كالآتي:
1- ذكر المستشكل نفسه ثلاثة وعشرين طريقاً مختلفاً، كان في ما أحصيناه منها على عجالة: خمسة عن الإمام الباقر(عليه السلام)، وثلاثةً عن الإمام الصادق(عليه السلام)، واثنين عن أمير المؤمنين(عليه السلام)، واثنين عن أبي ذرّ(رضي الله عنه)، وواحداً عن عمّار بن ياسر(رضي الله عنه)، وخمسةً عن ابن عبّاس(رضي الله عنه)، ثلاثةً منها ترجع إلى طريق واحد، واثنين عن محمد بن الحنفية(رضي الله عنه) بطريق واحد، واثنين عن أبي رافع(رضي الله عنه) بطريق واحد، وواحداً عن ابن عامر.
وترك العديد من الطرق نقتصر على ذكر مصادر بعضها على نحو العجالة؛ لحصول الغرض منها:
- (الكافي2/513ح1 باب المباهلة).
- (الخصال/479ح36 أبواب الاثني عشر).
- (تحف العقول/458 ماروي عن الإمام الحسن بن علي بن محمد(عليه السلام)).
- (روضة الواعظين/92 مجلس في ذكر الإمامة).
- (شرح الأخبار1/228ح217 ولاية عليّ(عليه السلام)، 2/193ح529 احتجاجه(عليه السلام) في الشورى، 2/346ح697 عليّ في القرآن).
- (الاحتجاج1/66 احتجاج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوم الغدير).
- (تفسير العسكري/460 قصّة عبد الله بن سلام).
- (تفسير فرات1/125 حديثان، 1/126 سورة المائدة).
- (فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة/188 الفصل الثاني والعشرون قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )) ).
صارفين النظر عن البحث في أسانيدها على فرض ضعفها المدّعى أو ما قد يدّعى فيها، فإنّها تكفي في إثبات التواتر وحصول القطع بسبب نزول الآية، بخصوص تصدّق أمير المؤمنين(عليه السلام) بخاتمه وهو راكع؛ إذ لو كان كلّ هذا العدد من الطرق المختلفة غير المتّحدة بجميع الطبقات لا يكفي لإثبات التواتر، فلا ندري كيف سيثبت تواتر العديد من الأحاديث التي ادُّعي لها التواتر!!
هذا بالاقتصار على طرق الشيعة الإمامية،أمّا بإضافة طرق أهل السُنّة فإنّه سيصل إلى ما فوق التواتر، ولا خصوصية لرواة مذهب معيّن في ذلك.
هذا فضلاً عن العشرات من الشواهد الداعمة لسبب النزول عن طريق بيان المعنى، نذكر بعض مصادرها على سبيل المثال لا الحصر:
- (الكافي 1/146ح11 باب النوادر، 1/187ح7، 1/189ح16 باب فرض طاعة الأئمّة(عليهم السلام)، 1/289ح4 باب ما نصّ الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمّة(عليهم السلام) واحداً فواحداً، 1/427ح77 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية).
- (دعائم الإسلام1/14 ذكر ولاية أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، 12/20 ذكر ولاية الأئمّة).
- (أمالي الصدوق/624ح843 المجلس التاسع والسبعون).
- (كمال الدين/336ح9 الباب الثالث والثلاثون).
- (كتاب سليم/198 أمير المؤمنين يقيم الحجّة على المسلمين في عصر عثمان، و296 رسائل بين أمير المؤمنين(عليه السلام) ومعاوية اثناء حرب صفّين).
- (شرح الأخبار1/104 قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من كنت مولاه فعليّ مولاه)، 219ح199، 238ح245 ولاية عليّ(عليه السلام)).
- (الاختصاص /277).
- (أمالي الطوسي/355ح738).
- (تفسير العيّاشي1/327 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )) ).
وتركنا الأكثر.
فبعد هذا لا يردّ التواتر إلاّ معاند!!
2- وبغضّ النظر عن التواتر الثابت الحاصل ممّا ذكرنا في النقطة السابقة، فإنّ هذا المستشكل ادّعى ضعف جميع الطرق التي ذكرها، ونفترض أنّه سيدّعي ضعف الطرق التي أوردناها ولم يذكرها, فأين هو من قاعدة أنّ الضعيف ينجبر بالضعيف على ما لهذه الطرق المفروض ضعفها من كثرة، فعددها الذي يفوق عدّة عشرات ألا يكفي في جبران الضعف وليس فيها كذّاب أو وضّاع؟! بل حتى لو كان ادُّعي الكذب على بعض الرواة فإنّ الضعف المدّعى في الأغلب سوف يجبر بعضها بعضاً.
3- إنّنا سنغضّ الطرف عن المناقشة في تفاصيل ما ذكره من الجرح والتعديل في رجال أسانيد الروايات التي ذكرها؛ لأنّه لا كثير فائدة في البحث فيهم إذا كان أحدهم غير مؤثّر في الحكم على كلّ السند، مع وجود راو ٍ واحد ضعيف أو مهمل أو مجهول، فيدخل السند كلّه في قسم الضعيف، ولكن سنناقشه في الأسانيد التي يدور الكلام فيها على راوٍ أو راويين، يكون الحكم عليه أو عليهما مؤثّراً في صحّة السند أو وثاقته أو حُسنه.
وسيكون الكلام هنا تنزّلاً مع المستشكل على مبناه من جعل الخبر الواحد حجّة في العقائد، وإلاّ فقد ذكرنا سابقاً أنّ هذا غير معتمد عند الإمامية..
فقد ذكر تحت رقم (الرواية السادسة) رواية علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره، عن أبيه، عن صفوان، عن أبان بن عثمان، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)، و رجال السند كلّهم ثقات؛ فأبو حمزة الثمالي: صفي عليّ(عليه السلام)، وأبان بن عثمان: من المجمع على الأخذ عنه، وصفوان بن يحيى: ثقة ثقة، وإبراهيم بن هاشم القمّي المعروف: ناشر حديث الكوفيين بقم، لا يشك أحد بوثاقته، وإن لم ينصّوا عليها، وابنه علي بن إبراهيم: ثقة، صاحب التفسير.
فلمّا لم يجد مطعناً في أحد، تشبّث بالقشّة! وبدأ بمناقشة علمائنا في الرجال في توثيقهم لإبراهيم بن هاشم القمّي، وأنّه لم يُذكر له توثيق، مع أنّ المفروض أن تكون المناقشة في المباني الرجالية لدى الشيعة الإمامية، وإبراهيم بن هاشم متفّق على توثيقه.
بل نصّ علماؤنا على أنّه أعلى شأناً من التوثيق:
قال السيّد ابن طاووس في سند فيه إبراهيم بن هاشم، رواه الصدوق: (ورواة الحديث ثقات بالاتّفاق)(1)؛ فالسيّد أوّلاً وثّق إبراهيم بن هاشم الواقع في السند, ثمّ أنّه نسب ذلك لاتّفاق العلماء؛ فلاحظ!
وذكره ابن داود الحلّي في القسم الأوّل من كتابه الخاص بالممدوحين ومن لم يضعفهم الأصحاب(2).
وقال العلاّمة في حقّه: ((ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه، ولا على تعديله بالتنصيص، والروايات عنه كثيرة، والأرجح قبول قوله))(3).
وقال أبو علي الحائري: ((وإنّما قيّد بالتنصيص - أي العلاّمة في الخلاصة - لأنّ ظاهر الأصحاب تلقّيهم روايته بالقبول، كما ينبه عليه قولهم: أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقم)).
وقال أيضاً: ((إنّ العلاّمة (ره) صحّح جملة من طرق الصدوق هو فيها، كطريقه إلى: عامر بن نعيم، وكردويه، وياسر الخادم، وكثيراً ما يعدّ أخباره في الصحاح، كما في (المختلف)، بل قال جدّي: جماعة من أصحابنا يعدّون أخباره من الصحاح.
ونقل المحقّق البحراني عن بعض معاصريه - والظاهر من طريقته أنّه خالي (ره) - توثيقه عن جماعته وقوّاه؛ لأنّ اعتماد جلّ أئمّة الحديث من القمّيين على حديثه لا يتأتّى مع عدم علمهم بثقته، مع أنّهم كانوا يقدحون بأدنى شيء، كما أنّهم غمزوا في أحمد بن محمد بن خالد مع ثقته وجلالته بأنّه يروي عن الضعفاء ويعتمد المجاهيل، مع أنّ ولده الثقة الجليل اعتمد في نقل الأخبار جلّها عنه، واعتمد ثقة الإسلام عليه مع قرب عهده به في أكثر أخباره.
قلت: وكذا سعد بن عبد الله وعبد الله بن جعفر الحميري ومحمد ين يحيى وغيرهم من الأجلاء، وكذا كونه شيخ الإجازة، وكذا رواية محمد بن أحمد بن يحيى عنه وعدم استثنائه، وعن والد شيخنا البهائي (ره): إنّي لأستحي أن لا أعدّ حديثه صحيحاً))(4). ومثل هذا القول وأوسع منه ما قاله المامقاني في (تنقيح المقال)(5).
ومن ذاك ما نقله عن السيّد الداماد في (الرواشح): ((والصحيح الصريح عندي: أنّ الطريق من جهته صحيح؛ فأمره أجلّ وحاله أعظم من أن يتعدّل ويتوثّق بمعدّل وموثّق غيره، بل غيره يتعدّل ويتوثّق بتعديله وتوثيقه إيّاه، كيف؟! وأعاظم أشياخنا الفخام - كرئيس المحدّثين، والصدوق، والمفيد، وشيخ الطائفة، ونظائرهم ومن في طبقتهم ودرجتهم، ورتبتهم، ومرتبتهم، من الأقدمين والأحدثين - شأنّهم أجلّ وخطبهم أكبر من أن يظنّ بأحد منهم قد حاج إلى تنصيص ناص، وتوثيق موثّق، وهو شيخ الشيوخ، وقطب الأشياخ، ووتد الأوتاد، وسند الأسانيد، فهو أحقّ وأجدر بأن يستغني عن ذلك))(6).
إضافة إلى توثيق السيّد الخوئي إيّاه، الذي اعترف به هذا المستشكل، وغيره من علمائنا الكثير، فبعد ذلك لا فائدة في محاولة الاستماتة في ردّ كلمات علمائنا في توثيقة مع أنّ المفروض أن يكون الكلام حسب مباني الإمامية وأعلامهم في الرجال.
والعجب من هذا المستشكل! أنّه نسي أو تناسى أنّه على رغم ممّا ذكره العلماء في توثيقه، إلاّ أنّه لا اختلاف في مدحه وحسنه، ونصّهم على أنّ رواياته مقبولة معتبرة، فبعد اعتبار روايته وقبولها لا مجال لمحاولة ردّ رواية ابنه في تفسيره عنه, وهل التوثيق إلاّ من أجل هذا؟!
والأعجب من ذلك: أنّه حاول تضعيف الرجل لنقله روايات يعتقد هو بطلانها، حسب مذهبه، بعد أن لم يفهم مدلولها وفقهها الذي بيّنه علماؤنا في كتبهم!! وهذا من أعجب أساليب الجرح والتعديل، أن يعرض روايات الرجل على ما يعتقده من مذهب، فإذا لم توافقه جرح الرجل ورماه بالضعف ورواية المناكير؛ فتأمل!
وأمّا الكلام عن (تفسير القمّي) فسوف يأتي التفصيل فيه ضمن عنوان: (علم الكلام/بحث حول وثاقة رجال تفسير القمّي).
وذكر في (الرواية الحادية عشرة) رواية فرات الكوفي: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدّثنا محمد بن الحسين (الحسن) بن أبي الخطّاب، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن ثعلبة بن ميمون، عن سليمان بن طريف، عن محمد بن مسلم: أنّ سلاماً الجعفي قال لأبي جعفر(عليه السلام)... الرواية.
وحاول تضعيفها كما فعل في كلّ الروايات التي أوردها؛ إذ طعن على فرات الكوفي وتفسيره بما لم نجده في غير مقاله هذا، فقد قال: ((قد أوقفناك على قيمته وحال مؤلّفه))، وحكم على سليمان بن طريف وسلام الجعفي بالجهالة، وإسماعيل بن إبراهيم بعدم وجود ترجمة له.
وستعرف قيمة ما ذكر:
فأمّا (تفسير فرات) فهو من التفاسير الروائية القديمة، أسندت معظم رواياته إلى إلإمامين الباقر والصادق(عليهما السلام)، أورد عنه الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل)، والمجلسي في (البحار)، والحر العاملي في (إثبات الهداة)، وذكر طرقه إليه في (خاتمة الوسائل30/159، الفائدة الرابعة).
وتوجد منه عدّة نسخ، تاريخ إحداها بين أوائل القرن التاسع إلى أوائل القرن الحادي عشر، وهي ملخّصة غير كاملة، ونسخة أُخرى استنسخت على نسخة تاريخها 1083هـ.
والمطبوع الموجود الآن، هو على نسخة في مكتبة أمير المؤمنين(عليه السلام) في النجف الأشرف، كتبت في بداية القرن الرابع عشر، راويها: أبو الخير مقداد بن علي الحجازي المدني، عن أبي قاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العلوي الحسني أو الحسيني عن فرات(7).
وأمّا راوي التفسير فرات الكوفي؛ فقد ورد في أسانيد الصدوق، وتفسير القمّي، وفضل زيارة الحسين(عليه السلام) لابن الشجري، ونقل عنه الحاكم الحسكاني، كما ذكرنا.
ويظهر من مضمون روايته أنّه إمامي المذهب، خلافاً لما ذكره محقّق الكتاب، اعتماداً على استحسانات واهية، من أنّه زيدي المذهب.
قال عنه المجلسي: ((وتفسير فرات؛ وإن لم يتعرّض الأصحاب لمؤلّفه بمدح ولا قدح، ولكن كون أخباره موافقة لما وصل إلينا من الأحاديث المعتبرة، وحسن الضبط في نقلها، ممّا يعطي الوثوق بمؤلّفه وحسن الظنّ به))(8).
ونقل الخوانساري عن بعض المحقّقين في حواشيه على (منهج المقال)، قوله: له كتاب تفسير القرآن، وهو يروي عن الحسين بن سعيد من مشايخ الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه، وقد روى عنه الصدوق بواسطة، ونقل في تفسيره أحاديث كثيرة في كتبه. وهذا التفسير يتضمّن ما يدلّ على حسن اعتقاده، وجودة انتقائه، ووفور علمه، وحسن حاله، ومضمونه موافق للكتب المعتمدة(9).
وقال المامقاني: إنّ أقلّ ما يفيده كونه من مشايخ علي بن بابويه، وإكثار الصدوق (ره) الرواية عنه، وكذا رواية الشيخ الحر (ره) والفاضل المجلسي (ره) عنه، هو كون الرجل في أعلى درجات الحسن، بعد استفادة كونه إمامياً من الأخبار التي رواها، والعلم عند الله تعالى(10).
وممّا نقلنا يظهر لك اعتماد علمائنا على الكتاب أوّلاً، والتصريح بحسن حال مؤلفه فرات الكوفي ثانياً. وأمّا إسماعيل بن إبراهيم، فهو: إسماعيل (بن إسحاق) بن إبراهيم، فيكفي في حسنه أنّه أحد مشايخ فرات الكوفي؛ لما تقرّر عندهم من تحسين مشايخ المشهورين بالرواية وأصحاب الإجازة.
ومحمد بن الحسن بن أبي الخطّاب ثقة، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ثقة، وثعلبة بن ميمون ثقة, وسليمان بن طريف عدّه الشيخ في أصحاب الصادق(عليه السلام)، وهو كافٍ في حسنه، خاصّة مع رواية الثقات عنه، كثعلبة في هذا السند، ومحمد بن مسلم ثقة، وسلام الجعفي، وهو: سلام بن المستنير الجعفي الكوفي الذي يروي عنه ابن محبوب بالواسطة، وروايته عنه ولو بالواسطة تكشف عن وثاقته، أو لا أقل عن حسنه(11)، فالرواية حسنة على أقل تقدير.
وذكر تحت (الرواية السابعة عشرة) رواية الطوسي في (أماليه) عن المفيد، وهي رواية أبي رافع المشهورة، المروية عند الخاصة والعامّة، ولها طرق عديدة؛ فقد ذكر نفسه في (الرواية التاسعة عشرة) طريقاً آخر إليها برواية النجاشي في رجاله.
فرواية الطوسي بسنده: عن عون بن عبيد الله، عن عبيد الله، عن أبي رافع، ورواية النجاشي: عن عبد الله بن عبيد الله أخو عون، عن أبيه عبيد الله، عن جدّه أبو رافع، والمستشكل لم يتكلّم عن السند إلى هنا في الروايتين وإنّما تكلّم على ما بعدهم من الرجال، ولكنّه نسي طريقاً ثالثاً ذكره ابن طاووس نقلاً عن تفسير ابن الجُحام الثقة(12)، وهذا السند يرجع إلى عون بن عبيد الله، كما في سند الطوسي، والراوي عن عون عند ابن الجُحام هو محمد بن عبيد الله عن أخيه عون، ومن محمد هذا يفترق طريق ابن أبي شيبة الذي رواه الطبراني في الكبير(13) عن طريق ابن جحام، بل مجموع الطرق عن محمد بن عبيد الله هذا أربعة: ثلاثة منها في كتب أهل السُنّة، والأوّل عند الشيعة، وهو طريق ابن الجحام، وإن يحتمل الإتّحاد في بعضها؛ لما وقع من تصحيف في الأسانيد.
وعلى كلّ، فإنّ عبد الرحمن بن الأسود الكندي اليشكري الراوي عن عون في سند الطوسي، تابعه محمد بن عبيد الله عن عون، وافترق الطريق من محمد هذا إلى أربعة طرق: مخول، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن محمد بن عبيد الله، وحصين، عن هارون بن سعيد، عن محمد بن عبيد الله، ويحيى بن الحسن بن الفرات، عن علي بن الهاشم بن البريد، عن محمد بن عبيد الله، وإسماعيل بن إسحاق الراشدي، عن يحيى بن هاشم المغاني، عن محمد بن عبيد الله, وإذا قلنا بإتّحاد الطريق الرابع والثالث لوجود التصحيف، فالطرق عن محمد بن عبيد الله ثلاثة.
وبالنتيجة فإنّ أغلب من تكلّم عليهم في هذه الطرق لهم متابعون، فضلاً عن كفاية تعدّد الطرق في استفاضة الحديث وحسنه.
إلى هنا ظهر أنّ عندنا ثلاث روايات، إحداها صحيحة، وهي: رواية علي بن إبراهيم في تفسيره، واثنتان حسنتان، وهما: رواية فرات الكوفي، والرواية المعروفة المشهورة عن أبي رافع, وهذا يكفي للتمسّك بالحديث تنزّلاً منّا على مبنى القوم، وإلاّ فإنّنا قد أشرنا إلى عدم الحاجة إلى مثل هذا التصحيح في النقطتين السابقتين، وللمستدل أن يعكس الاستدلال ويبدأ من النقطة الثالثة ثمّ ينتهي بالأولى، - أي: يترقّى من تصحيح أحد الطرق إلى إثبات التواتر-.
وممّا قدمنا؛ يظهر ما في قول المستشكل ((وبعد فهذه حال كلّ الروايات المسندة التي وقفنا عليها من كتب القوم، إلى قوله: وقد رأيت أنّه لم يصحّ منها شيء أصلاً من طرق الشيعة فضلاً عن طرق أهل السُنّة)).
فأوّلاً: أنّه لم يذكر كلّ الطرق، وقد أشرنا إلى مصادر العديد منها.
وثانياً: قد رأيت أنّه قد صحّ طريق واحد منها وحسن طريقان على الأقل، مع أنّا قد غضضنا الطرف عن مناقشته عمّا جاء من أخطاء واشتباهات في الجرح والتعديل لبقية الأسانيد؛ روماً للاختصار.
وثالثاً: إنّ الكلام في طرق الشيعة لا في طرق السُنّة، وإلاّ لذكرنا له ما يمكن تصحيحه على مبانيهم، مثل رواية ابن أبي حاتم في تفسيره(14)، والطبري في تفسيره(15)، وغيرها.
وأمّا قوله: ((رغم كلّ التهويلات التي استخدمها القوم، عند الكلام في هذا الاستدلال، من تواتر وصحّة القصّة في طرق أهل السُنّة... الخ)).
فلا ندري؛ هل الكلام في روايات أهل السُنّة وعدم صحّتها وعدم تواترها؟ فهذا ممّا لم يتحدّث عنه، وإلاّ لكان من السهل علينا إثبات تواترها عندهم، فضلاً عن صحّة بعض طرقها!
وإن كان الكلام في روايات الشيعة، فما في هذه العبارة لا علاقة له بها، أو هو من الخلط وسبق القلم.
وعلى كلّ، فقد أثبتنا تواتر الحديث عند الشيعة فقط، فضلاً عن بقية الطرق عند المذاهب الأُخرى، ولو جمعنا كلّ الطرق عند كلّ المذاهب لأصبح الحديث فوق التواتر بمراتب، وكلامنا هنا عن الطرق المستقلّة، لا عن عموم التخريج في الكتب، كما يحاول أن يوهمه هذا المستشكل.
ومن السماجة الادّعاء بأنّ كثير من علماء أهل السُنّة قد ذكروا حادثة التصدّق لبيان ضعفها، أو إيراد كلّ ما له شأن بنزول الآية! ولو كان الكلام في طرقهم لبيّنا له العدد الوفير من علمائه الذين أخرجوها مسندة، بل اعتمدوا على أسانيدها ولم يعلّقوا بشيء عليها، مع أنّ إيراد كلّ ما له شأن بالنزول مع ذكر الأسانيد كافٍ في الباب، ولعلّ ما في جملته الأخير من قوله: ((أو إيرادها بأسانيدها مبرئين الذمّة بذلك)) ما يبيّن لك حال علمائه.
وأمّا قوله: ((لكن لم يصحّ منها شيء)) فهو على عهدته، وقد بيّنا ما فيه.
وأمّا أنّ الأميني لم يناقش في الأسانيد، فلأنّ الأمر مفروغ منه عند العلماء لا يحتمل المناقشة، وإن كان بعض من ينتسب لهم يحاول تكذيب الحادثة، كأمثال ابن تيمية.
وأمّا طلبه السند الصحيح من كتبنا، فقد دللناه عليه, فهل يا ترى سيكتفي أم يبقى يلج في عناده؟!
وأمّا السند الصحيح من كتبهم، فله مكانه الخاص به.
ثالثاً: الكلام على ما استشكله في متون الروايات:
أ‌ - إنّ ما ذكره من اختلاف واضطراب المتون ليس بشيء؛ إذ من الواضح أنّ التواتر الثابت لمجموعة من التفاصيل يغني عن الالتفات إلى الاختلاف في التفاصيل الأُخرى، فقد حصل التواتر بوقوع التصدّق من شخص الإمام عليّ(عليه السلام) في حالة الركوع، لسائل سئل في المسجد، ولم يعطه أحد شيئاً، فنزلت الآية تخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك، وتثبت صفة الولاية لله ولرسوله وللمتصدّق، وهذا يكفي في ردّ كلّ التخرصات، مع أنّ في التفاصيل كلاماً كثيراً مع هذا المستشكل، تركناه كرهاً للتطويل ولعدم الحاجة إليه.
ب - ما ذكره من الإشكالات على استدلال الشيعة بالآية، فهي إشكالات مكرّرة من أسلافه قد أجاب عليها علماؤنا بالتفصيل، وأجبنا عليها كلّها في هذا الباب (آية الولاية)، خاصّة الجواب الخاص بالردّ على الآلوسي؛ فليراجع!








(1) فلاح السائل: 158 الفصل التاسع عشر.
(2) رجال ابن داود: 34 (43) باب الهمزة.
(3) الخلاصة: 49 (9) باب الهمزة باب إبراهيم.
(4) منتهى المقال 1: 214 (92) باب الألف/إبراهيم.
(5) تنقيح المقال 5: 72 (621) باب إبراهيم.
(6) الرواشح السماوية: 83 الراشحة الرابعة.
(7) انظر: مقدمة تفسير فرات.
(8) بحار الأنوار 1: 37 الفصل الثاني توثيق المصادر.
(9) روضات الجنات 5: 354 (542).
(10) تنقيح المقال 2: 3 من أبواب الفاء الطبعة الحجرية.
(11) تنقيح المقال 2: 43 من أبواب السين الطبعة الحجرية.
(12) سعد السعود: 95 فصل في ما يذكره من الجزء الثالث من كتاب ابن الجحام.
(13) المعجم الكبير 1: 320 (955) عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه.
(14) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1161(6549)(6551) قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )).
(15) تفسير الطبري 6: 390 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )).


السؤال: رواية صحيحة عبد أهل السنة تحكي واقعة التصدق
ما هي قصّة تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بالخاتم، هل هي صحيحة؟
الجواب:




إنّ تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بالخاتم، موضع اتّفاق الشيعة وأهل السُنّة، وسنروي لك رواية صحيحة من طرق أهل السُنّة تحكي واقعة التصدّق:
روى الحاكم الحسكاني بسند صحيح عن ابن عبّاس: ((أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلّى يوماً بأصحابه صلاة الظهر، وانصرف هو وأصحابه، فلم يبق في المسجد غير عليّ قائماً، يصلّي بين الظهر والعصر، إذ دخل المسجد فقير من فقراء المسلمين، فلم ير في المسجد أحداً خلا عليّاً، فأقبل نحوه، فقال: يا وليّ الله! بالذي تصلّي له، أن تتصدّق عليَّ بما أمكنك. وله خاتم عقيق يماني أحمر، كان يلبسه في الصلاة في يمينه، فمدّ يده فوضعها على ظهره، وأشار إلى السائل بنزعه، فنزعه ودعا له، ومضى، وهبط جبرائيل، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ: لقد باهى الله بك ملائكته اليوم، اقرأ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... ))(1).
وروى عن ابن مؤمن الشيرازي في الآية التي بعدها، وهي: قوله تعالى: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللَّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )) (المائدة:56), وقال: لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)(2).
وسند رواية التصدّق عند الحسكاني هو: وحدّثنا الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي بالبصرة, قال: حدّثنا يعقوب بن سفيان، قال: حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، قال: حدّثنا سفيان الثوري، عن منصور,عن مجاهد، عن ابن عبّاس..
قال سفيان: وحدّثني الأعمش، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، في قول الله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ))... الرواية(3).
والحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، وثّقه السمعاني؛ قال: نزيل البصرة، عنده أكثر مصنفات أبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، ثقة نبيل(4). قرّب الذهبي وفاته في 320هـ(5).
ويعقوب بن سفيان، هو أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوان الفسوي، المحدّث الحافظ صاحب كتاب (المعرفة والتاريخ)، ترجمه الخطيب في (الرحلة في طلب الحديث)(6)، وترجمه ابن حجر في (تهذيب التهذيب)، وقال: وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال: كان ممّن جمع وصنّف، مع الورع والنسك، والصلابة في السُنّة. وقال النسائي: لا بأس به، وقال الحاكم: كان إمام أهل الحديث بفارس - ثمّ قال - : وقال أبو زرعة الدمشقي: قدم علينا رجلان من نبلاء الناس، أحدهما وأرحلهما: يعقوب بن سفيان، يعجز أهل العراق أن يروا مثله رجلاً(7).
والظاهر أنّ هذا الحديث من تفسيره.
والفضل بن دكين معروف مشهور، وثقه الكلّ(8).
وسفيان الثوري، أعلى من التزكية عندهم(9)، وسفيان روى هذا الحديث من طريقين يجتمعان فيه:
الأول: عن منصور، عن مجاهد، عن ابن عبّاس. والثاني: عن الأعمش عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس. وهؤلاء كلّهم ثقات عند القوم.
وأمّا الراوي عن الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، فهو: أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي، صاحب التفسير الذي أخذه من اثني عشر تفسيراً.
فإنّ الحاكم الحسكاني يروي بواسطة، أبي العبّاس العلوي، عن أبي قيدة، عن محمد بن عبيد الله، عن الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي.
وقد أورد سنده في الرواية السابقة على هذه الرواية؛ قال: أخبرنا عقيل بن الحسين، قال: أخبرنا علي بن الحسين، قال: حدّثنا محمد بن عبيد الله، قال: حدّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقّاق... إلى آخر السند، ثمّ قال: وحدّثني الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، عن ابن عبّاس(10).
ثمّ أورد الرواية محلّ الشاهد، قال: وحدّثنا الحسن بن محمّد بن عثمان الفسوي... إلى آخر ما أوردناه من سند ومتن الرواية.
وهكذا في كلّ ما يروي عن الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي(11).
ومحمد بن عبيد الله الوارد في السند، وفي سند آخر أبو بكر محمد بن عبيد الله(12)، هو: أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي، إذ أشار إليه بـ(ابن مؤمن) في عدّة أسانيد أُخر، فباتّحاد الراوي والمروي عنه ومكان وتاريخ الرواية، يتّضح اتّحادهما.
فقد روى الحسكاني بنفس السند عن أبي بكر بن مؤمن، عن عبدويه بن محمد بشيراز(13)، وروى عنه بنفس السند باسم: محمد بن عبيد الله، عن عبدويه بن محمد بشيراز(14).
كما روى بنفس السند، عن ابن مؤمن، عن المنتصر بن نصر بن تميم الواسطي(15)، وروى بنفس السند باسم محمد بن عبيد الله، عن المنتصر بن نصر بن تميم الواسطي(16).
كما روى عن أبي بكر بن مؤمن، عن عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقّاق ببغداد(17)، وروى عنه باسم محمد بن عبيد الله عن عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقّاق ببغداد(18).
كما روى عن أبي بكر بن مؤمن، عن أبي عمر عبد الملك بن علي بكازرون(19)، وروى عنه باسم محمد بن عبيد الله، عن أبي عمر عبد الملك بن علي بكازرون(20).
بل إنّه ذكره بالاسمين في رواية واحدة؛ قال: أخبرنا أبو العبّاس المحمدي، قال: أخبرنا علي بن الحسين، قال: أخبرنا محمد بن عبيد الله، قال: حدّثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبيد الله الدقّاق المعروف بـ(ابن السماك) ببغداد... إلى آخر ما ذكره من الرواية، ثمّ قال: قال ابن مؤمن: لا خلاف بين المفسّرين أنّ هذه الآية نزلت في أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام)(21).
وقد روى آخرون عن تفسير ابن مؤمن الشيرازي ما رواه الحسكاني عن محمد بن عبيد الله بنفس السند؛ فقد روى الحسكاني عن محمد بن عبيد الله بسنده، عن علقمة، عن ابن مسعود، في أنّ الخلافة وقعت لثلاثة(22)، ورواه ابن طاووس في (الطرائف) عن محمد بن مؤمن الشيرازي من كتابه، عن علقمة، عن ابن مسعود أيضاً(23).
وروى الحسكاني أيضاً عن محمد بن عبيد الله بسنده، عن سفيان، عن السدّي، عن الحارث، عن عليّ(عليه السلام) في تفسير آية (( فَاسأَلُوا أَهلَ الذِّكرِ ))(24)، ورواه بنفس السند ابن طاووس، عن محمد بن مؤمن الشيرازي من كتابه الطرائف(25)، وروى أيضاً عن محمد بن عبيد الله بسنده، عن ابن عبّاس في قوله: (( وَاجعَل لِي مِن لَدُنكَ سُلطَانًا نَصِيرًا )) (الإسراء:80)(26)، ورواه عن أبي بكر الشيرازي ابن شهر آشوب في (المناقب)(27).
وروى أيضاً عن القطّان، عن وكيع، عن سفيان، عن السدّي، عن عبد خير، عن عليّ(عليه السلام)، في قوله تعالى: (( عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ )) (النبأ:1)(28).
ورواه ابن طاووس في الطرائف عن محمد بن مؤمن الشيرازي بإسناده عن السدّي(29).
وروى عن محمد بن حرزاد بالأهواز بسنده عن أبي هريرة في قوله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُم وَحُسنُ مَآبٍ )) (الرعد:29)(30)، ورواه عن ابن مؤمن محمد بن الحسن القمّي في العقد النضيد بنفس السند(31).
وروى عن أبي الطيب السامري بسنده إلى ابن عبّاس في قوله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يَلبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلمٍ )) (الأنعام:82)(32)، ورواها الكاشي عن محمد بن مؤمن الشيرازي بنفس السند والمتن(33).
وروى عن أبي بكر محمد بن عبد الرزّاق بالبصرة بسنده، عن أبي هريرة في قوله: (( جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ )) (الإسراء:81)(34)، ورواها عن أبي بكر الشيرازي في إحقاق الحق(35).
ومن هنا ظهر الاتّحاد بين ما يذكره الحسكاني باسم محمد بن عبيد الله في بعض الأسانيد، وبين ما يذكره باسم أبو بكر محمد بن مؤمن في أسانيد اُخر.
وقد ترجم الشيخ منتجب الدين (القرن السادس) في فهرسته لابن مؤمن الشيرازي، بقوله: الشيخ محمد [بن] مؤمن الشيرازي: ثقة، عين، مصنف كتاب (نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين) صلوات الله وسلامه عليه وعلى أولاده الطيبين الطاهرين، أخبرنا أبو البركات المشهدي رحمه الله به(36).
وترجمه ابن شهر آشوب (ت588) في معالم العلماء بقوله: أبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي كرامي، له نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين(عليه السلام)(37).
وقال ابن طاووس (ت664هـ) في الطرائف حينما نقل عدّة روايات من كتابه: ومن ذلك ما رواه محمد بن مؤمن الشيرازي ممّا أورده في كتابه واستخرجه من تفاسير الاثني عشر وهو من علماء الأربعة المذاهب وثقاتهم(38).
وقال أيضاً: ومن ذلك ما رواه الحافظ محمد بن مؤمن في كتابه المذكور(39). وأيضاً: ومن ذلك ما رواه الحافظ عندهم محمد بن مؤمن الشيرازي في كتابه، فسمّاه حافظاً في عدّة موارد(40).
وذكر أسماء التفاسير التي استخرج كتابه منها؛ قال: في ذلك ما رواه الشيخ الحافظ محمدبن مؤمن الشيرازي فيما أورده في كتابه الذي استخرجه من التفاسير الاثني عشر: تفسير أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن سفيان، وتفسير ابن جريج، وتفسير مقاتل بن سليمان، وتفسير وكيع ابن جراح، وتفسير يوسف بن موسى القطّان، وتفسير قتادة، وتفسير أبي عبيدة قاسم بن سلام، وتفسير علي بن حرب الطائي، وتفسير السدّي، وتفسير مجاهد، وتفسير مقاتل بن حيان، وتفسير أبي صالح(41). وأيضاً سماه حافظاً في كتابه اليقين(42).
وأورد الحسكاني تعداد هذه التفاسير في (شواهد التنزيل) بنفس الترتيب(43)، وقد أشرنا إلى أنّ الرواية مورد البحث مستخرجة من تفسير يعقوب بن سفيان.
ونقل السيّد المرعشي عن (مناقب الكاشي): أنّ أبا بكر محمد بن المؤمن توفّي في 388هـ(44)، وقال عنه الكاشي: العلاّمة الإمام الفاضل(45).
وأمّا الواسطة بين الحسكاني وابن مؤمن فهما: أبو العبّاس عقيل بن الحسين بن محمد بن علي العلوي، عن أبي الحسن عليّ بن الحسين بن قيدة الفسوي
وأبو الحسن علي بن الحسين، هو علي بن الحسين بن محمد بن مندة، شيخ الخزّاز القمّي، صاحب (كفاية الأثر)، وقد وقع التصحيف في اسمه من مندة إلى (قيدة) عند الحسكاني في الموضعين.
قال الوحيد البهبهاني في التعليقة: علي بن الحسين بن محمد بن مندة، أبو الحسن، قد أكثر من الرواية عنه الثقة الجليل علي بن محمد علي بن الخزّاز وترحّم عليه، والظاهر أنّه من مشايخه، فهو في طبقة الصدوق وكثيراً ما يروي عن الثقة الجليل هارون بن موسى التلعكبري(46).
وهو من شيوخ الكراجكي أيضاً؛ روى عنه في كتاب (تفضيل أمير المؤمنين) حديث الطير عن أبي هدبة مولى أنس(47).
فهو من شيوخ الإجازة، يروي عنه الثقات، ويروي عن الثقات، وقد روى عنه في سند الحسكاني: أبو العبّاس عقيل بن الحسين العلوي؛ ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام؛ قال: عقيل بن الحسين بن محمد بن علي السيّد الفرغاني، أبو العبّاس: محتشم ذو مال، النسوي المولد، فرغاني المنشأ تاريخ الإسلام، وفيات سنة 427 هـ.
وفي منتخب السياق ذيل تاريخ نيسابور: عقيل بن الحسين بن محمد بن علي بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن جعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب السيّد أبو العبّاس الفرغاني، ثمّ الفارسي كبير جزيل النعمة، منسوي المولد، فرغاني المنشأ، علوي المحتد، سمع الكثير...الخ(48).
والحديث له شواهد كثيرة جدّاً عن عدد من الصحابة تخرجه إلى حدّ التواتر.








(1) شواهد التنزيل 1: 212 حديث (221).
(2) شواهد التنزيل 1: 246 حديث (241).
(3) شواهد التنزيل 1: 212 حديث (221).
(4) الأنساب 4: 385.
(5) تاريخ الاسلام سنة 340هـ.
(6) الرحلة في طلب الحديث: 206 حديث (106).
(7) تهذيب التهذيب 11: 338 [648].
(8) تهذيب التهذيب 8: 244 [ 505].
(9) تهذيب التهذيب 4: 99 [199].
(10) شواهد التنزيل 1: 211 حديث (220).
(11) انظر: شواهد التنزيل 1: 345 حديث (357)، 1: 455 حديث (481)، 2: 332 حديث (973)، 2: 377 حديث (1027).
(12) شواهد التنزيل 1: 75 حديث (87).
(13) شواهد التنزيل 1: 70 حديث (80).
(14) شواهد التنزيل 1: 432 حديث (459)، 1: 483 حديث (513)، 2: 177حديث (809)، 2: 259 حديث (893).
(15) شواهد التنزيل 1: 147 حديث (161).
(16) شواهد التنزيل 1: 97 حديث (114)، 1: 571 حديث (609)، 2: 266 حديث (882).
(17) شواهد التنزيل 2: 6 حديث (628).
(18) شواهد التنزيل 1: 86 حديث (106)، 1: 211 حديث (220)، 246 حديث (241)، وغيرها.
(19) شواهد التنزيل 2: 268 حديث (901).
(20) شواهد التنزيل 1: 196 حديث (206)، 2: 154 حديث (781).
(21) شواهد التنزيل 1: 246 حديث (241).
(22) شواهد التنزيل 1: 97 حديث (114).
(23) الطرائف: 95 حديث (134).
(24) شواهد التنزيل 1: 432 حديث (459).
(25) الطرائف: 94 حديث (131).
(26) شواهد التنزيل 1: 452 حديث (479).
(27) مناقب ابن شهر اشوب1: 341, فصل (في المسابقة بالجهاد).
(28) شواهد التنزيل 2: 418 حديث (1075).
(29) الطرائف: 95 حديث (133).
(30) شواهد التنزيل 1: 398 حديث (421).
(31) العقد النضيد: 74، الحديث السادس والخمسون.
(32) شواهد التنزيل 1: 262 حديث (255).
(33) إحقاق الحقّ 3: 543.
(34) شواهد التنزيل 1: 453 حديث (480).
(35) إحقاق الحقّ 3: 550.
(36) فهرست منتجب الدين: 29 حديث (393).
(37) معالم العلماء: 153 [784].
(38) الطرائف: 93 حديث (131)، ما نزل من الآيات في شأن عليّ(عليه السلام).
(39) الطرائف: 94 حديث (132).
(40) الطرائف: 96 حديث (135)، 138.
(41) الطرائف: 429.
(42) اليقين: 113, 413.
(43) شواهد التنزيل 2: 484 حديث (1159).
(44) شرح إحقاق الحقّ 4: 73.
(45) شرح إحقاق الحقّ 4: 331.
(46) تعليقة على منهج المقال: 251.
(47) بحار الأنوار 57: 300، التفضيل: 15، فصل في خبر الطائر، باب الاستدلال من الأخبار.
(48) شواهد التنزيل 1: 75، الهامش.
























تعليق على الجواب (1)
السائل يقول لعليّ(رضي الله عنه): يا وليّ الله! كما جاء في نصّ الحديث، قبل أن تنزل آية الولاية، فكيف هذا؟
الجواب:




نحن لا نقول أنّ ولايته (عليه السلام) لم تكن ثابتة قبل نزول آية الولاية, وإنّما نقول أنّ آية الولاية أحد الأدلّة على ولايته.
نعم, إنّ مَن لم يكن يعرف ولايته سابقاً فإنّه علم بها بعد نزول الآية, كما ورد في أسباب النزول بخصوص بعض اليهود، منهم عبد الله بن سلام؛ فإنّهم سألوا النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه فنزلت الآية(1), ولكنّ هذا لا يعني أنّ كلّ المسلمين لم يكونوا يعلمون بولايته قبل نزول الآية..
كيف؟! وحديث الدار كان في بدايات الدعوة الإسلامية, ولم يحضره إلاّ بني هاشم, وقد أخبر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بولايته هناك(2).
بل إنّ ولايته كانت معروفة عند كثير من المسلمين من المهاجرين والأنصار، لتكرّر إخبار من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بها في عدّة مواضع, ولكنّ ماذا نفعل لمَن يريد أن يغطي ضوء الشمس بغربال؟ فهو من أجل غايته وغرضه ينكر ضوء النهار, ويقول: إنّه ليل, فأفهم.








(1) انظر: تفسير مقاتل بن سليمان 1: 307 قوله سبحانه: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... ))، أسباب نزول الآيات للواحدي: 133 سورة المائدة.
(2) انظر: تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 49، تفسير البغوي 3: 400 قوله تعالى: (( وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ )) (الشعراء: 214).
















































السؤال: أسانيد حديث التصدق وتضعيف الألباني لها
قال ناصر الدين الألباني في (سلسلة الأحاديث الضعيفة)، حديث رقم4921: (نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ودخل المسجد؛ والناس يصلّون بين راكع وقائم يصلّي؛ فإذا سائل، قال: يا سائل!! أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا؛ إلاّ هذا الراكع - لعليّ - أعطاني خاتماً).
قال الألباني: منكر، أخرجه الحاكم في (علوم الحديث ص102)، وابن عساكر (12/153/2) من طريق محمد بن يحيى بن الضريس: ثنا عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ، قال... فذكره. وقال الحاكم: ((تفرد به ابن الضريس عن عيسى العلوي الكوفي)).
قلت: وهو متّهم؛ قال في (الميزان): ((قال الدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن حبّان: يروي عن آبائه أشياء موضوعة)). ثمّ ساق له أحاديث.
(تنبيه): عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر... إلخ؛ هكذا وقع في هذا الإسناد عند المذكورين. والذي في (الميزان) و(اللسان): عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر!! فسمّى جدّه: محمداً، بدل: عبيد الله؛ ولعلّه الصواب؛ فإنّه كذلك في (الكامل1/295) في الترجمة، وفي بعض الأحاديث التي ساقها تحتها، وأحدها من طريق محمد بن يحيى بن ضريس: حدّثنا عيسى بن عبد الله بن محمد... ثمّ قال: ((وبهذا الإسناد تسعة أحاديث مناكير، وله غير ما ذكرت، وعامّة ما يرويه لا يتابع عليه))(سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: المجلد العاشر، القسم الثاني/580).
الجواب:




إنّ الشيخ الألباني قد اقتصر في تخريجه هذا على بعض الطرق، وغفل، أو تغافل، عن تخريج الطرق الأُخرى في سبب النزول هذا، الذي ورد عن عدّة صحابة، نذكر منهم: ابن عبّاس، وعمّار، وأبو ذرّ، والمقداد بن الأسود، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبو رافع، وأنس بن مالك، والتابعي الكبير سلمة بن كهيل، ومحمد بن الحنفية، بالإضافة إلى طريق الإمام عليّ(عليه السلام)(1)، فلا ندري لماذا تخرج فضائل أهل البيت(عليهم السلام) وما يدلّ على إمامتهم بهذا الشكل القاصر المعيب الناقص؟!!
وإليك أيّها الأخ تخريج الحديث الذي ذكره الزيلعي لهذه الرواية في كتابه (تخريج الأحاديث والآثار):
((قوله - أي: الزمخشري في الكشّاف، الآية 55 من المائدة -: روي عن عليّ(رضي الله عنه) أنّ سائلاً سأله وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه، كأنّه كان مزجاً في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كبير عمل يفسد بمثله صلاته، فنزلت.
قلت: رواه الحاكم أبو عبد الله في كتابه (علوم الحديث): ((من حديث عيسى بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن عليّ بن أبي طالب، ثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ بن أبي طالب، قال: نزلت هذه الآية (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) فدخل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المسجد والناس يصلّون بين قائم وراكع وساجد، وإذا سائل، فقال له رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): يا سائل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: لا، إلاّ هذا الراكع يعني عليّاً أعطاني خاتماً)). انتهى.
ورواه ابن أبي حاتم في تفسيره: ((ثنا أبو سعيد الأشج، ثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول، ثنا موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )). انتهى.
نقول: وهذا مرسل صحيح على شرط البخاري ومسلم. والمرسل الصحيح إذا عضده مسند ضعيف فإنّه يرتقي إلى درجة الاحتجاج، فكيف مع هذه الأسانيد المتعدّدة؟!
قال الإمام الشافعي: فقلت له: المنقطع مختلف، فمن شاهد أصحاب رسول الله من التابعين فحدّث حديثاً منقطعاً عن النبيّ اعتبر عليه بأُمور، منها: أن يُنظر إلى ما أرسل من الحديث، فإن شركه فيه الحفّاظ المأمونون فأسندوه إلى رسول الله بمثل معنى ما روى، كانت هذه دلالة على صحّة من قَبِل عنه وحفظه، وإن انفرد بإرسال حديث لم يشركه فيه من يسنده من قبل ما يفرد به من ذلك، ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مرسل غيره يسنده قبل ما يفرد به من ذلك؟ ويعتبر عليه بأن ينظر: هل يوافقه مرسل غيره ممّن قُبل العلم عنه من غير رجاله الذين قُبل عنهم؟
فإن وجد ذلك، كانت دلالة يقوّي به مرسله، وهي أضعف من الأولى، وإن لم يوجد ذلك، نظر إلى بعض ما يروى عن بعض أصحاب رسول الله قولاً له، فإن وجد يوافق ما روي عن رسول الله، كانت هذه دلالة على أنّه لم يأخذ مرسله إلاّ عن أصل يصحّ إن شاء الله(2).
نقول: وقد تحقّق في هذا المرسل الصحيح عن سلمة بن كهيل الشرطان اللذان ذكرهما الشافعي، فقد روي بسند متّصل عن عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في رواية الحاكم، بل رواه بسند متصل صحيح، أو قريب من الصحّة: الحاكم الحسكاني في (شواهد التنزيل) عن شيوخ سلمة بن كهيل الثقات نفسهم(3)، فعلم من أين وصله.
وقد رواه ابن أبي حاتم بسند مرسل آخر عمّن أخذ العلم عن غير رجال سلمة بن كهيل، وهو عتبة بن أبي حكيم، وسنده هذا: الربيع بن سليمان المرادي، ثنا أيوب بن سويد، عن عتبة بن أبي حكيم(4).
وقال الرازي في (المحصول): ((قال الشافعي(رضي الله عنه): لا أقبل المرسل إلاّ إذا كان الذي أرسله مرة، أسنده أُخرى قبل مرسله، أو أرسله هو وأسنده غيره، وهذا إذا لم تقم الحجّة بإسناده، أو أرسله راو آخر، ويعلم انّ رجال أحدهما غير رجال الآخر)).
ثمّ قال في الردّ على الحنفية: ((والجواب: أنّ غرض الشافعي(رضي الله عنه) من هذه الأشياء حرف واحد، وهو أنّا إذا جهلنا عدالة راوي الأصل، لم يحصل ظنّ كون ذلك الخبر صدقاً، فإذا انضمت هذه المقويات إليه قوى بعض القوّة، فحينئذ يجب العمل به، إمّا دفعاً للضرر المظنون، وإمّا لقوله عليه الصلاة والسلام: (اقضي بالظاهر) ))(5)، ونقل ذلك ابن كثير في (اختصار علوم الحديث)(6)، والنواوي والسيوطي في (شرح تقريب النواوي)(7).
وأمّا على مختار الآمدي من قبول مراسيل العدل مطلقاً، فالأمر واضح(8).
الزيعلي: وأخرجه ابن مردويه في تفسيره: عن سفيان الثوري، عن أبي سنان، عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ بن أبي طالب قائماً يصلّي، فمرّ سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )).. الآية، وفيه انقطاع؛ فإنّ الضحّاك لم يلق ابن عبّاس
نقول: وقع الخلاف في لقاء الضحّاك لابن عبّاس، وإن ثبت عدم لقيا، فهو مختص في الأحكام، وامّا التفسير، فالواسطة بينه وبين ابن عبّاس معلومة وهو سعيد بن جبير.
قال المزّي في تهذيب الكمال: ((قال عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه: ثقة، مأمون، وقال أبو بكر بن أبي خثيمة، عن يحيى بن معين وأبو زرعة: ثقة، وقال زيد بن الحباب، عن سفيان الثوري: خذوا التفسير من أربعة: سعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، والضحّاك، وقال أبو قتيبة مسلم بن قتيبة، عن شعبة، قلت لمشاش: الضحّاك سمع من ابن عبّاس؟ قال: ما رآه قط، وقال أبو داود الطيالسي، عن شعبة: حدّثني عبد الملك بن ميسرة، قال: الضحّاك لم يلق ابن عبّاس، إنّما لقي سعيد بن جبير بالري، فأخذ عنه التفسير))(9).
ولو سلّمنا الانقطاع، فهو يحقّق شرط الشافعي الثاني، كما بيّنا آنفاً.
الزيعلي: ورواه أيضاً: حدّثنا سليمان بن أحمد هو الطبراني، ثنا محمد بن علي الصائغ، ثنا خالد بن يزيد العمري، ثنا إسحاق بن عبد الله بن محمد بن علي بن حسين بن علي، عن الحسين بن زيد، عن أبيه زيد بن علي بن الحسين، عن جدّه، قال: سمعت عمّار بن ياسر يقول: وقف بعليّ سائل وهو واقف في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأعلمه ذلك، فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )) الآية، فقرأها رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أصحابه, ثمّ قال: (من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاده).
ورواه الطبراني في معجمه الوسيط، إلاّ أنّه قال: إسحاق بن عبد الله بن محمد بن علي بن حسين، عن الحسن بن زيد، عن أبيه زيد بن الحسين، عن جده، قال: سمعت عمّاراً... فذكره.
ورواه الثعلبي من حديث أبي ذرّ، قال: صلّيت مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يوماً من الأيام صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئاً، فرفع السائل يده وقال: اللّهمّ اشهد أنّي سألت في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يعطني أحد شيئاً، وكان عليّ راكعاً، فأومى إليه بخنصره اليمين، وكان يختم فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم في خنصره، وذلك بعين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)... وذكر فيه قصّة.
وليس في لفظ أحد منهم أنّه خلعه وهو في الصلاة كما في لفظ المصنّف - أي الزمخشري -))(10).
نقول: والعجب من هذا الالبانيّ كيف يخرج هذا الحديث بهذا القصور!
وكيف يخالف ما اعتمده هو؛ قال في إرواء الغليل بخصوص قصّة العبّاس: ((قلت: وهو الذي نجزم به لصحّة سندها مرسلاً، وهذه شواهد لم يشتد ضعفها... فهو يتّقى بها ويرتقي إلى درجة الحسن على أقل الأحوال))(11)! وقد ملأ تخريجه لإرواء الغليل بمثل هذا.
وقال في الردّ على (إباحة التحلّي بالذهب المحلق) للشيخ إسماعيل الأنصاري: ((لكن هذا القدر من الحديث صحيح أيضاً؛ لأنّه مرسل صحيح الإسناد، وقد روي موصولاً، كما علمت له شاهدان موصولان، الأوّل: عن أبي هريرة... والآخر: عن أسماء بنت زيد)). ثمّ قلت مشيراً إلى شواهد أُخرى: ((وفي الباب عن عائشة عند النسائي وغيره، وأسماء أيضاً عند أبي داود))، فهذه الشواهد وإن كان غالب مفرداتها لا تخلو من ضعيف، فممّا لا شك فيه: أنّها بمجموعها صالحة للاحتجاج بها على تحريم ما اجتمعت عليه من تحريم السوار والطوق وكذا الخرص، لما تقرّر من مصطلح الحديث: أنّ كثرة الطرق تقوّي الحديث إذا خلت من متروك، أو متّهم، لا سيّما والمشهود له، وهو الحديث المرسل الصحيح إسناده حجّة وحده عند جمهور الفقهاء، قال الحافظ ابن كثير: ((والاحتجاج به مذهب مالك، وأبي حنيفة وأصحابهما. وهو يحكي عن أحمد في رواية)).
وأمّا مذهب الشافعي، فشرطه في الاحتجاج به معروف، وهو أن يجيء موصلاً من وجه آخر ولو مرسلاً، فهذا قد جاء موصولاً من طرق، وعليه فهذا الحديث المرسل صحيح حجّة عند جميع علماء المذاهب الأربعة، وغيرهم من أئمّة أُصول الحديث والفقه، وبذلك يظهر لكلّ منصف أنّ القول بسقوط الاستدلال بهذا الحديث، لمجرّد وروده مرسلاً هو الساقط، والله تعالى هو الموفق))(12).
ونحن نقول: وبهذا يظهر لكلّ منصف أنّ كلام الألباني في تضعيف حديث التصدّق ساقط؛ إذ هو حسب قوله اتّبع فيه هواه لا غير.








(1) انظر: شواهد التنزيل 1: 209 ــ 247 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(2) الرسالة للشافعي: 461.
(3) شواهد التنزيل 1: 212 حديث (221).
(4) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162 حديث (6546).
(5) المحصول 4: 460 المسألة الثالثة: المراسيل.
(6) الباعث الحثيث: 157 النوع التاسع: المرسل.
(7) تدريب الراوي: 126 النوع التاسع: المرسل.
(8) الأحكام 2: 123 الخلاف في قبول الخبر المرسل.
(9) تهذيب الكمال 13: 291 (2928).
(10) تخريج الأحاديث والأثار للزيلعي 1: 409 حديث (420).
(11) ارواء الغليل 3: 349 حديث (857) تعجيل اخراج الصدقة وأخذها(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من العبّاس قبل سنتين.
(12) انظر: حياة الألباني وآثاره: 1: 134، الفصل الثاني.
السؤال: رد شبهات عن آية الولاية وذكر المصادر المعتبرة في شأن نزولها
من أدلّتنا القوية التي نستدل بها على إخواننا السُنّة بوصاية وولاية الإمام عليّ(عليه السلام) بعد الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، هي الآية القرآنية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55). بما ثبت من نزولها في تصدّق عليّ(عليه السلام) وهو راكع عندما أتى سائل يسأل الصدقة في المسجد.
والسؤال:
1- هل كانت صدقة أم زكاة؟ ولماذا نقول: إنّها صدقة، وذكرت في القرآن زكاة؟! وهل يجوز إعطاء الزكاة في هذا الموضع؟
2- ماذا نقول عن دعوى العبث في الصلاة؟ وهل يجوز للمصلّي أن يتصدّق وهو يصلّي؟
3- هل كانت تتوفّر في هذا الخاتم شروط الزكاة:
أ- حول الحول.
ب - وأن تكون بمقدار 2.5%...الخ؟
وأريد الأدلّة من كتب إخواننا السُنّة إن وجدت.




يتبع












عرض البوم صور الشيخ عباس محمد   رد مع اقتباس
قديم 11-02-2017, 04:13 PM   المشاركة رقم: 3
معلومات العضو
الشيخ عباس محمد

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : منتدى رد الشبهات
افتراضي

الجواب:




يجب أن يعلم الجميع بأنّه (إذا ورد الأثر بطل النظر)، فلا يجوز التقديم بين يدي الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا اجتهاد في معرض النصّ.
ومع ذلك نقول: إنّ كلّ الروايات تذكر بأنّها كانت: صدقة؛ فإنّ سائلاً سأل المسلمين فلم يعطه أحد، فأشار إليه أمير المؤمنين(عليه السلام) أن خذ الخاتم، فأخذه، فنزلت الآية الكريمة في حقّه. فلا علاقة للزكاة الواجبة هنا، ولم يدّع أحد ورود سبب نزول الآية في الزكاة، فلا مجال للخوض في شروطها وتوفّرها أو عدمها هنا، خصوصاً أنّ أكثر الروايات تذكر بأنّ الصلاة أيضاً كانت صلاة نافلة وتطوّع قبل الظهر.
وقد أطلق الله تعالى في كتابه: الزكاة، والصلاة، والحجّ، والصيام، والصدقة، على الواجبة والمستحبّة، فلا ضير في إطلاق الزكاة وإرادة الصدقة المستحبّة، أو خصوص الزكاة الواجبة، أو الأعمّ منهما، مثل قوله تعالى: (( وَمَا آتَيتم من رباً ليَربوَ في أَموَال النَّاس فَلا يَربو عندَ اللَّه وَمَا آتَيتم من زَكَاة تريدونَ وَجهَ اللَّه فأولَئكَ هم المضعفونَ )) (الروم:39)، وقوله تعالى: (( وَأَوصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمتُ حَيّاً )) (مريم:31).
وسنذكر من قال بنزول الآية الكريمة في حقّ عليّ(عليه السلام) من مصادر أهل السُنّة المعتبرة باختصار:
أولاً: ابن جزي الكلبي في تفسيره (التسهيل لعلوم التنزيل)، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، قيل: نزلت في عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)؛ فإنّه سأله سائل وهو راكع في الصلاة فأعطاه خاتمه))(1).
ثانياً: الرازي في تفسيره، قال: ((القول الثاني: إنّ المراد من هذه الآية شخص معيّن. وعلى هذا ففيه أقوال: روى عكرمة (الخارجي الناصبي كعادته) أنّ هذه الآية نزلت في أبي بكر، والثاني: روى عطاء، عن ابن عبّاس: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) )).
ثمّ ذكر روايتين في تصدّق عليّ(عليه السلام) على الفقير عن عبد الله بن سلام، وأبي ذرّ(2).
ثالثاً: السيوطي في (الدرّ المنثور)، قال: ((أخرج الخطيب في (المتفق) عن ابن عبّاس، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للسائل: (من أعطاك هذا الخاتم؟) قال: ذاك الراكع، فأنزل الله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55).
وأخرج عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن ابن عبّاس في قوله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب.
وأخرج الطبراني في (الأوسط)، وابن مردويه، عن عمّار بن ياسر، قال: وقف بعليّ سائل وهو راكع في صلاة تطوّع (نقول: وهذا يدلّ على أنّ الصلاة والزكاة كانت تطوّعاً لا واجباً)، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأعلمه ذلك، فنزلت على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فقرأها رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على أصحابه، ثمّ قال: (من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه).
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن عليّ بن أبي طالب، قال: (نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بيته (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ))إلى آخر الآية، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فدخل المسجد وجاء الناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي، فإذا سائل، فقال: (يا سائل! هل أعطاك أحد شيئاً؟) قال: لا، إلاّ ذاك الراكع - لعليّ بن أبي طالب ـ. أعطاني خاتمه.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن عساكر، عن سلمة بن كهيل، قال: تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع فنزلت: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ )).. الآية.
وأخرج ابن جرير، عن مجاهد في قوله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )).. الآية، نزلت في عليّ بن أبي طالب؛ تصدّق وهو راكع.
وأخرج ابن جرير، عن السدّي وعتبة بن حكيم مثله.
(نقول: ولم يقل أحد: أدّى الزكاة فكلّ الروايات تقول.. تصدّق عليّ(عليه السلام) ).
وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عبّاس، قال: أتى عبد الله بن سلام ورهط معه من أهل الكتاب نبيّ الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند الظهر، فقالوا: يا رسول الله! أنّ بيوتنا قاصية لا نجد من يجالسنا ويخاطبنا دون هذا المسجد، وإنّ قومنا لمّا رأونا قد صدّقنا الله ورسوله، وتركنا دينهم، أظهروا العداوة، وأقسموا أن لا يخالطونا ولا يؤاكلونا، فشقّ ذلك علينا، فبينا هم يشكون ذلك إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ نزلت هذه الآية على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، ونودي بالصلاة، صلاة الظهر، وخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فقال: (أعطاك أحد شيئاً؟) قال: نعم. قال: (من؟) قال: ذلك الرجل القائم. قال: على أي حال أعطاكه؟ قال: وهو راكع. قال: وذاك عليّ بن أبي طالب، فكبّر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند ذلك، وهو يقول: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )) (المائدة:56).
وأخرج الطبراني، وابن مردويه، وأبو نعيم، عن أبي رافع، قال: دخلت على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو نائم يوحى إليه، فإذا حيّة في جانب البيت، فكرهت أن أبيت عليها فأوقظ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وخفت أنّه يوحى إليه، فاضطجعت بين الحيّة وبين النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لئن كان منها سوء كان فيّ دونه، فمكثت ساعة، فاستيقظ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يقول: ( (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، الحمد لله الذي أتم لعليّ نعمه، وهيأ لعليّ بفضل الله إياه).
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عبّاس، قال: كان عليّ بن أبي طالب قائماً يصلّي، فمرّ سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ )).. الآية، قال: نزلت في الذين آمنوا وعليّ بن أبي طالب أوّلهم))(3).
رابعاً: الزمخشري في كشافه، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، الواو فيه للحال؛ أي: يعملون ذلك في حال الركوع، وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله إذا صلّوا وإذا زكّوا.
وقيل: هو حال من يؤتون الزكاة، بمعنى: يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة، وأنّها نزلت في عليّ(كرم الله وجهه) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه، كأنّه كان مَرجاً في خنصره (أي سهل الحركة)، فلم يتكلّف لخلعه كثيرَ عمل تفسد بمثله صلاته)).
(ودافع الرجل عن مجيء الآية بالجمع ونزولها في عليّ(عليه السلام) )(4).
خامساً: ابن عطية الأندلسي في (المحرّر الوجيز): ((ولكن اتّفقَ أنَّ عليّاً بن أبي طالب أعطى صدقة وهو راكع))، ونقل ذلك عن السدّي ومجاهد، وذكر رواية في نزولها في عليّ(عليه السلام)، ثمّ ردّ هذا القول على عادتهم، ورجّح غيره كغيره!!(5)
سادساً: أبو السعود في تفسيره، قال: ((وروي أنّها نزلت في عليّ(رضي الله عنه) حين سأله سائل وهو راكع، فطرح عليه خاتمه، كأنّه كان مَرجاً في خنصره، غير محتاج في إخراجه إلى كثير عمل يؤدّي إلى فساد الصلاة، ولفظ الجمع حينئذ لترغيب الناس في مثل فعله(رضي الله عنه)، وفيه دلالة على أنّ صدقة التطوّع تسمّى: زكاة))(6).
سابعاً: ابن أبي حاتم في تفسيره: نقل بسنده عن عقبة بن أبي حكيم، وسلمة بن كهيل، في سبب نزول الآية الكريمة في عليّ(عليه السلام)(7).
ثامناً: ابن كثير في تفسيره، قال: ((حتى أنّ بعضهم ذكر في هذا أثراً عن عليّ بن أبي طالب أنّ هذه الآية نزلت فيه، وذلك أنّه مرّ به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه)).
ثمّ نقل عن ابن أبي حاتم روايتيه في أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)، ولم يعلق على إسنادها مع أنّهما صحيحتان.
ثمّ نقل قول ابن جرير عن مجاهد.
ونقل عن عبد الرزّاق بسنده عن ابن عبّاس، أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)، ولكنّه ضعّف سندها.. وعن ابن مردويه بسنده عن الضحّاك، عن ابن عبّاس، وضعّفه بعدم إدراك الضحّاك لابن عبّاس، ثمّ ذكر طريقاً ثالثاً عن أبي صالح، عن ابن عبّاس به، وعلّق بقوله: ((وهذا إسناد لا يفرح به)).
ثمّ قال: ((ثمّ رواه ابن مردويه من حديث عليّ بن أبي طالب نفسه، وعمّار بن ياسر، وأبي رافع، وليس يصحّ شيء منها بالكلّية، لضعف أسانيدها، وجهالة رجالها)).
ثمّ قال: ((ثمّ روى بإسناده (ابن مردويه) عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس، في قوله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ))، نزلت في المؤمنين، وعليّ بن أبي طالب أوّلهم)).
ثمّ ذكر عن ابن جرير، بسنده عن أبي جعفر(عليه السلام)، أنّه سأله عبد الملك عن هذه الآية، قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا. قلنا: بلغنا أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب، قال: (عليّ من الذين آمنوا).
وقال أسباط عن السدّي: نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين ولكن عليّ بن أبي طالب مَرَّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه(8).
تاسعاً: البغوي في تفسيره، نقل عن ابن عبّاس والسدّي: أنّ قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) أراد به عليّاً بن أبي طالب(رضي الله عنه)؛ مرّ به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه(9).
عاشراً: البيضاوي في تفسيره، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ )): متخشعون في صلاتهم وزكاتهم، وقيل: هو حال مخصوصة بـ(يؤتون)، أو يؤتون الزكاة في حال ركوعهم في الصلاة حرصاً على الإحسان ومسارعة إليه، وإنّها نزلت في عليّ(رضي الله عنه) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه، واستدلّ بها الشيعة على إمامته زاعمين أنّ المراد بالوليّ المتولّي للأمور، والمستحق للتصرّف فيها، والظاهر ما ذكرناه، مع أنّ حمل الجمع على الواحد أيضاً خلاف الظاهر.
(نقول: ولكن سبب النزول يغنينا عن الظاهر).
ثمّ قال: وإن صحّ أنّه نزل فيه، فلعلّه جيء بلفظ الجمع لترغيب الناس في مثل فعله فيندرجوا فيه، وعلى هذا، يكون دليلاً على أنّ الفعل القليل في الصلاة لا يبطلها، وأنّ صدقة التطوع تسمّى: زكاة))(10).
(وهذه الجملة الأخيرة فيها ردّ على أسئلتكم ومن علمائهم).
الحادي عشر: السمرقندي في تفسيره نصّ على ذلك ورجّحه، فقال: ((ثمّ قال تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، قال ابن عبّاس: وذلك أنّ بلالاً لمّا أذّن وخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والناس في المسجد يصلّون بين قائم وراكع وساجد، فإذا هو بمسكين يسأل الناس، فدعاه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: نعم، قال: ماذا؟ قال: خاتم فضة، قال: ومن أعطاك؟ قال: ذلك المصلّي، قال: في أي حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع.. فنظر، فإذا هو عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)، فقرأ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على عبد الله بن سلام: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، يعني: يتصدّقون في حال ركوعهم؛ حيث أشار عليّ بخاتمه إلى المسكين حتى نزع من أصبعه وهو في ركوعه، ويقال: يراد به جميع المسلمين أنّهم يصلّون ويؤدّون الزكاة))(11).
الثاني عشر: السمعاني في تفسيره، قال: (( (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) يعني مصلّون، إلاّ أنّه خصّ الركوع تشريفاً، وقيل: معناه خاضعون، وقال السدّي ـ. وهو رواية عن مجاهد -: إنّ هذا أنزل في عليّ بن أبي طالب، كان في الركوع ومسكين يطوف في المسجد، فنزع خاتمه ودفع إليه، فهذا معنى قوله: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) ))(12).
الثالث عشر: ابن جرير الطبري - شيخ المفسّرين - في تفسيره، ذكر ذلك في أوّل آرائه في تأويل الآية، ومن عادته تقديم الرأي الراجح، فقال: ((وأمّا قوله: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فإنّ أهل التأويل اختلفوا في المعنى به، فقال بعضهم: عُني به عليّ بن أبي طالب، وقال بعضهم: عُني به جميع المؤمنين. ذكر من قال ذلك:
(ثمّ نقل بأسانيده) عن السدّي، وعن عتبة بن أبي حكيم، وعن مجاهد: أنّها نزلت في عليّ))(13).
الرابع عشر: القرطبي - خاتمة المفسّرين - في تفسيره، قال: ((وقال ابن عبّاس: نزلت في أبي بكر!! وقال في رواية أُخرى: نزلت في عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)، وقاله مجاهد والسدّي، وحملهم على ذلك قوله تعالى: (( الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))..
وهي المسألة الثانية: وذلك أنّ سائلاً سأل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلم يعطه أحد شيئاً، وكان عليّ في الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم، فأشار إلى السائل بيده حتى أخذه، قال الكيا الطبري: وهذا يدلّ على أنّ العمل القليل لا يبطل الصلاة؛ فإنّ التصدّق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ولم تبطل به الصلاة.
وقوله: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى: زكاة، فإنّ عليّاً تصدّق بخاتمه في الركوع، وهو نظير قوله تعالى: (( وَمَا آتَيتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ )) (الروم:39)، وقد انتظم الفرض والنفل فصار اسم الزكاة شاملاً للفرض والنفل، كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين)).
ثمّ قال القرطبي بعد استبعاده لقول الطبري: ((وقال ابن خويز منداد: قوله تعالى: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) تضمّنت جواز العمل اليسير في الصلاة، وذلك أنّ هذا خرج مخرج المدح، وأقل ما في باب المدح أن يكون مباحاً، وقد روي أنّ عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) أعطى السائل شيئاً وهو في الصلاة، وقد يجوز أن يكون هذه صلاة تطوّع، وذلك أنّه مكروه في الفرض))(14).
الخامس عشر: النسفي في تفسيره، قال: ((والواو في (( وَهُم رَاكِعُونَ )) للحال، أي: يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة. قيل: أنّها نزلت في عليّ(رضي الله عنه) حين سأله سائل وهو راكع في صلاته، فطرح له خاتمه، كأنّه كان مرجاً في خنصره فلم يتكلّف لخلعه كثير عمل يفسد صلاته، وورد بلفظ الجمع، وإن كان السبب فيه واحداً؛ ترغيباً للناس في مثل فعله لينالوا مثل ثوابه، والآية تدلّ على: جواز الصدقة في الصلاة، وعلى أنّ الفعل القليل لا يفسد الصلاة))(15).
ولم يذكر النسفي غير ذلك في تفسيره للآية الكريمة.
السادس عشر: الآلوسي في تفسيره (روح المعاني)، قال: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ )): حال من فاعل الفعلين، أي: يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون متواضعون لله تعالى. (نقول: أليس هذا خلافاً للظاهر؟!!)
وقيل: هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة والركوع ركوع الصلاة، والمراد: بيان كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه.
وغالب الأخباريّين على أنّها نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه؛ فقد أخرج الحاكم، وابن مردويه، وغيرهما، عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متّصل، قال...(إلى أن قال): فقال لهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ))، ثمّ إنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فبصر بسائل فقال: (هل أعطاك أحد شيئاً؟) فقال: نعم خاتم من فضة. فقال: (من أعطاكه؟) فقال: ذلك القائم. وأومأ إلى عليّ كرّم الله تعالى وجهه، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (على أيّ حال أعطاك؟). فقال: وهو راكع. فكبّر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ تلا هذه الآية.
فأنشأ حسان(رضي الله عنه) يقول:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي ***** وكل بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مديحك المحبر ضائعاً ***** وما المدح في جنب الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً ***** زكاة فدتك النفس ياخير راكــع
فأنزل فيك الله خير ولايــــة ***** وأثبتها إثنا كتاب الشرائـــع(16)
ثمّ قال الآلوسي في تفسير الآيات اللاحقة: هذا، (ومن باب الإشارة في الآيات: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، أي: صلاة الشهود والحضور الذاتي، (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )): أي: زكاة وجودهم، (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، أي: خاضعون في البقاء بالله.
والآية عند معظم المحدّثين نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه))(17).
السابع عشر: ابن الجوزي في تفسيره (زاد المسير)، قال: ((قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ... ))، اختلفوا في من نزلت على أربعة أقوال:
أحدها: أنّ عبد الله بن سلام وأصحابه جاؤوا إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقالوا: إنّ قوماً قد أظهروا لنا العداوة، ولا نستطيع أن نجالس أصحابك، لبعد المنازل. فنزلت هذه الآية، فقالوا: رضينا بالله وبرسوله وبالمؤمنين، وأذّن بلال بالصلاة، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا مسكين يسأل الناس، فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (هل أعطاك أحد شيئاً؟) قال: نعم. قال: (ماذا؟) قال: خاتم فضّة، قال: (من أعطاكه؟) قال: ذاك القائم. فإذا هو عليّ بن أبي طالب، أعطانيه وهو راكع، فقرأ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هذه الآية، رواه أبو صالح عن ابن عبّاس. وبه قال مقاتل. وقال مجاهد: نزلت في عليّ بن أبي طالب؛ تصدّق وهو راكع.
- ثمّ قال ابن الجوزي -: قوله تعالى: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فيه قولان: أحدهما: أنّهم فعلوا ذلك في ركوعهم، وهو تصدّق عليّ(عليه السلام) بخاتمه في ركوعه. والثاني: إنّ من شأنهم إيتاء الزكاة وفعل الركوع.
وفي المراد بالركوع ثلاثة أقوال: أحدها: إنّه نفس الركوع؛ على ما روى أبو صالح عن ابن عبّاس. وقيل: إنّ الآية نزلت وهم في الركوع، والثاني: إنّه صلاة التطوع... والثالث: إنّه الخضوع والخشوع))(18).
الثامن عشر: الجصّاص في (أحكام القرآن)، قال في باب العمل اليسير في الصلاة: ((قال الله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، روي عن مجاهد والسدّي وأبي جعفر وعتبة بن أبي حكيم: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب حين تصدّق بخاتمه وهو راكع...
إلى أن قال: فإن كان المراد فعل الصدقة في حال الركوع، فإنّه يدلّ على إباحة العمل اليسير في الصلاة، وقد روي عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبار في إباحة العمل اليسير فيها، فمنها: أنّه خلع نعليه في الصلاة. ومنها: أنّه مسّ لحيته، وأنّه أشار بيده. ومنها حديث ابن عبّاس: أنّه قام على يسار النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخذ ذؤابته وأداره إلى يمينه. ومنها: أنّه كان يصلّي وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن ربيع، فإذا سجد وضعها وإذا رفع رأسه حملها.
فدلالة الآية ظاهرة في إباحة الصدقة في الصلاة؛ لأنّه إن كان المراد: الركوع، فكان تقديره: ((الذين يتصدّقون في حال الركوع))، فقد دلّت على إباحة الصدقة في هذه الحال.
وإن كان المراد: وهم يصلّون؛ فقد دلّت على إباحتها في سائر أحوال الصلاة، فكيفما تصرفت الحال فالآية دالّة على: إباحة الصدقة في الصلاة))(19).
وهناك المزيد، وفيما نقلناه عنهم كفاية.








(1) تفسير التسهيل لعلوم التنزيل 1: 181 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(2) تفسير الرازي 12: 26 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(3) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2: 293 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(4) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(5) المحرّر الوجيز في تفسير كتاب الله العزيز 2: 208 سورة المائدة: 55 ــ 57.
(6) تفسير أبي السعود 3: 52 قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا... )).
(7) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162 حديث (6549) (6551).
(8) تفسير ابن كثير 2: 73 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(9) تفسير البغوي 2: 47 سورة المائدة: 55.
(10) تفسير البيضاوي 2: 229ــ340 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(11) تفسير السمرقندي 1: 424 سورة المائدة: 55 ــ 56.
(12) تفسير السمعاني 2: 47 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(13) تفسير ابن جرير 6: 388 القول في تأويل قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(14) تفسير القرطبي 6: 221ــ222 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(15) تفسير النسفي 1: 289 سورة المائدة: 55 ــ 59.
(16) تفسير روح المعاني 6: 167 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(17) تفسير روح المعاني 6: 167 سورة المائدة: 59 ــ 66.
(18) زاد المسير 2: 292 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(19) أحكام القرآن 2: 557 باب (العمل اليسير في الصلاة).
















































































السؤال: مناقشة الطبري في سبب النزول، وابن كثير في معنى (وهم راكعون)




كان تفسير الطبرى مفتوح امامى عندما اطلعت على هذا الموضوع. فرجعت إليه للتأكد فلم اجده مقنع . واننى انقل لكم صفحات التفسير فدلونى عن الدليل من فضلكم.
*************************
القول في تأويل قوله : (( إنَّمَا وَليّكم اللَّه وَرَسوله وَالَّذينَ آَمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلَاةَ وَيؤْتونَ الزَّكَاةَ وَهمْ رَاكعونَ ))
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، ليس لكم، أيها المؤمنون، ناصر إلا الله ورسوله، والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره(1). فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرأوا من وَلايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء لا نفصرَاء، بل بعضهم أولياء بعض، ولا تتخذوا منهم وليًّا ولا نصيرًا.
وقيل إن هذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت، في تبرّفئه من ولاية يهود بني قينقاع وحفلفهم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
12207 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا ابن إسحاق قال، حدثني والدي إسحاق بن يسار، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال:
لما حاربت بنو قينقاع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، مشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (وكان أحد بني عوف بن الخزرج) فخلعهم إلى رسول
الله(2) وتبرأ إلى الله وإلى رسوله من حفلفهم، وقال: أتولى الله ورسوله والمؤمنين، وأبرأ من حفلف الكفار ووَلايتهم! ففيه نزلت:"إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون { لقول عبادةَ: (( أتولى الله ورسوله والذين آمنوا))، تبرئه من بني قينقاع ووَلايتهم, إلى قوله: (( فإن حزب الله هم الغالبون ))(3)
12208 - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن إدريس قال، سمعت أبي، عن عطية بن سعد قال: جاء عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر نحوه.
12209 - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، يعني: أنه من أسلم تولى الله ورسوله.
وأما قوله: (( والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، فإن أهل التأويل اختلفوا في المعنيّف به. فقال بعضهم: عفنفي به علي بن أبي طالب.
وقال بعضهم: عني به جميع المؤمنين.
ذكر من قال ذلك:
12210 - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه.
12211 - حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا عبدة، عن عبد الملك، عن أبي جعفر قال:
سألته عن هذه الآية: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، قلت4) من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا!(5) قلنا: بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب! قال: عليٌّ من الذين آمنوا.
12212 - حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن عبد الملك قال: سألت أبا جعفر عن قول الله: (( إنما وليكم الله ورسوله ))، وذكر نحو حديث هنّاد، عن عبدة.
12213 - حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال، حدثنا أيوب بن سويد قال، حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ))، قال:
علي بن أبي طالب.(6)
12214 - حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: (( إنما وليكم الله ورسوله ))، الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع.(7)
هذا ، وأرجح أن أبا جعفر الطبري قد أغفل الكلام في قوله تعالى: (( وهم راكعون ))، وفي بيان معناها في هذا الموضع ، مع الشبهة الواردة فيه ، لأنه كان يحب أن يعود إليه فيزيد فيه بيانًا ، ولكنه غفل عنه بعد.
وقد قال ابن كثير في تفسيره 3: 182 : (( وأما قوله: (( وهم راكعون ))، فقد توهم بعض الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله: (( ويؤتون الزكاة ))، أي: في حال ركوعهم. ولو كان هذا كذلك ، لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره ، لأنه ممدوح. وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ، ممن نعلمه من أئمة الفتوى.
وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرًا عن علي بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه...)) ثم ، ساق الآثار السالفة وما في معناها من طرق مختلفة.
وهذه الآثار جميعًا لا تقوم بها حجة في الدين. وقد تكلم الأئمة في موقع هذه الجملة ، وفي معناها. والصواب من القول في ذلك أن قوله: (( وهم راكعون ))، يعني به: وهم خاضعون لربهم، متذللون له بالطاعة، خاضعون له بالأنقياد لأمره في إقامة الصلاة بحدودها وفروضها من تمام الركوع والسجود ، والصلاة والخشوع ، ومطيعين لما أمرهم به من إيتاء الزكاة وصرفها في وجوهها التي أمرهم بصرفها فيها. فهي بمعنى (الركوع) الذي هو في أصل اللغة ، بمعنى الخضوع = انظر تفسير (ركع) فيما سلف 1: 574.
وإذن فليس قوله: (( وهم راكعون )) حالا من (( ويؤتون الزكاة )).
وهذا هو الصواب المحض إن شاء الله.
*************************
(1) انظر تفسير(ولي) فيما سلف ص: 399 ، تعليق: 1, والمراجع هناك.
(2) في المخطوطة: (فجعلهم إلى رسول الله), والصواب ما في المطبوعة, مطابقًا لما سلف, ولما في سيرة ابن هشام.
(3) الأثر: 12207- سيرة ابن هشام 3: 52, 53, وهو مطول الأثر السالف رقم: 12158, وتابع الأثر رقم: 12167. وكان في المطبوعة والمخطوطة هنا: (حدثني والدي إسحق بن يسار, عن عبادة بن الصامت), أسقط ما أثبت من السيرة, ومن إسناد الأثرين المذكورين آنفًا.
(4) في المطبوعة والمخطوطة: (قلنا), والصواب الجيد ما أثبت.
(5) هذا ليس تكرارًا, بل هو تعجب من سؤاله عن شيء لا عن مثله.
(6) الأثر: 12213-إسمعيل بن إسرائيل الرملي, مضى برقم: 10236. وأيوب بن سويد الرملي, مضى برقم: 5494. وعتبة بن أبي حكيم الهمداني, ثم الشعباني, أبو العباس الأردني. ضعفه ابن معين, وكان أحمد يوهنه قليلا, وذكره ابن حبان في الثقات. مترجم في التهذيب.
(7) الأثر: 12214-غالب بن عبيد الله العقيلي الجزري, منكر الحديث متروك. مترجم في لسان الميزان, والكبير للبخاري 4/1/101, وابن أبي حاتم 3/2/48.


الجواب:




الاستدلال بآية الولاية (الآية55 من سورة المائدة) على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) وخلافته بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يثبت بعد إثبات أنّها نزلت في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيره، ليتحصّل منها حصر الولاية بالله وبرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبأمير المؤمنين(عليه السلام) دون غيرهم، وبعدها نقول: أنّ المعنى المتصوّر للولاية هنا هو: ولاية الأمر دون المحبّة، أو النصرة، أو أمثالهما من المعاني، التي لا مجال لتصوّر حصرها بالثلاثة المذكورين في الآية فقط.
وعن الأمر الأوّل نقول: انّه قد ورد من طرق صحيحة أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه في حال الركوع.
فها هو المفسّر الكبير ابن أبي حاتم، الذي عدّه ابن تيمية في (منهاج السُنّة) من المفسّرين الكبار الذين لا يروون الموضوعات(1)، يروي بسند مرسل صحيح في تفسيره: عن أبي سعيد الأشج، عن الفضيل بن دكين، عن موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كهيل - وكلّهم ثقات - أنّ الآية نزلت في حقّ أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه على السائل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)(2).
وكذا يروي الحاكم الحسكاني، الذي وصفه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) بـ(المحدّث البارع القاضي... الحاكم)(3)، في كتابه (شواهد التنزيل) بسند صحيح أو قريب من الصحيح: أنّ هذه الآية نزلت عندما تصدّق عليّ(عليه السلام) على السائل في مسجد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو في حال الركوع(4).
وقد تقرّر في علم الحديث أنّ المرسل الصحيح إذا عضده مستند صحّ الاحتجاج به، وارتفع إلى درجة الحسن(5).
وكذا يروي السيوطي في (الدرّ المنثور): عن عبد الرزّاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبي الشيخ، وابن مردويه، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبي نعيم، وغيرهم: أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)(6).
وأيضاً يروي السيوطي في (لباب النقول): عن الطبراني، بأنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)، ثمّ يذكر له شواهد، وقال: ((فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً))(7).
وكذا يروي ابن كثير في تفسيره، أنّها نزلت في حقّ عليّ(عليه السلام) بعدّة طرق، ومنها الطريق الصحيح المتقدّم عن ابن أبي حاتم(8).
وكذا يروي القرطبي في تفسيره(9)، والواحدي في (أسباب النزول)(10)، والجصّاص في (أحكام القرآن)(11)، والزمخشري في (الكشّاف)(12)، والرازي في (التفسير الكبير)(13)، وأيضاً الطبري عن طرق متعدّدة كما أسلفتم في تفسيره: أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)(14).
وهكذا روى غير هؤلاء المحدثين والمفسّرين أنّ الآية الكريمة نزلت في أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) في مصادر مختلفة لا تخفى على المتتبع.
فالمتحصّل أنّ الآية الكريمة وبواسطة الطرق الصحيحة المشار إليها في المصادر المتقدّمة، وبمعاضدة الطرق التي يقوّي بعضها بعضاً، نقطع بأنّها نزلت في حقّ أمير المؤمنين(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه في الصلاة وهو في حال الركوع.
وأمّا دعوى أنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت.
فنقول: إنّ هذه الرواية شاذّة، وأكثر الأُمّة يدفعها، وما ذكر في نزولها في عليّ(عليه السلام) هو المجمع عليه.
وأيضاً أنّه قد وردت في الآية صفات لا تنطبق إلاّ على حاله (عليه السلام)؛ إذ قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), قد بيّن أنّ المعني هو الذي آتي الزكاة في حال الركوع، وأجمعت الأُمّة على أنّه لم يؤت أحد الزكاة في هذه الحال غير أمير المؤمنين(عليه السلام).
وليس لأحد أن يقول: أنّ قوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ ))ليس هو حالاً لإيتاء الزكاة، بل إنّما المراد به أنّ صفتهم إيتاء الزكاة؛ فإنّ ذلك خلاف اللغة، ألا ترى أنّ القائل إذا قال: لقيت فلاناً وهو راكب، لم يفهم منه إلاّ لقاؤه في حال الركوب، ولم يفهم منه أنّ من شأنه الركوب، وإذا قال: رأيته وهو جالس، أو جاءني وهو ماشٍ، لم يفهم من ذلك كلّه إلاّ موافقة رؤيته في حال الجلوس، أو مجيئه ماشياً، وإذا ثبت ذلك، وجب أن يكون حكم الآية أيضاً هذا الحكم.








(1) منهاج السُنّة 7: 13، المنهج الثاني عند الرافضي في الأدلّة الدالة من القرآن على إمامة عليّ(عليه السلام).
(2) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(3) سير أعلام النبلاء 18: 268 (136) الحسكاني.
(4) شواهد التنزيل 1: 212.
(5) انظر: الباعث الحثيث 1: 157 النوع التاسع: المرسل.
(6) الدرّ المنثور 2: 293، 294 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(7) لباب النقول في أسباب النزول: 81 سورة المائدة.
(8) تفسير ابن كثير 2: 73 قوله: (( َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ... )).
(9) تفسير القرطبي 6: 221.
(10) أسباب النزول: 133 سورة المائدة.
(11) أحكام القرآن 2: 557.
(12) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
(13) تفسير الرازي 3: 431 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(14) تفسير الطبري 6: 388.








السؤال: دلالتها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)
هل تدلّ آية الولاية على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)؟
الجواب:




قال تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55).
ذهب المفسّرون والعلماء من الفريقين، إلى أنّها نزلت في حقّ الإمام عليّ(عليه السلام)، حينما تصدّق بخاتمه في أثناء الصلاة(1).
ودلالة الآية الكريمة على ولاية الإمام عليّ(عليه السلام) واضحة، بعد أن قرنها الله تعالى بولايته وولاية الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومعلوم أنّ ولايتيهما عامّة، والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فكذلك ولاية الإمام عليّ(عليه السلام) بحكم المقارنة.








(1) انظر: شواهد التنزيل 1: 219 حديث 227، تاريخ مدينة دمشق 42: 357، أنساب الأشراف:150 حديث 151، تفسير الطبري 6: 388، الصواعق المحرقة 4: 104. (وراجع ما مضى من الأسانيد وتصحيحها).
























تعليق على الجواب (1)
ولكن هناك من يقول: إنّ قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) إنّما هي صفة، أي: أنّهم يصلّون، وأيضاً هم يركعون، أي: أنّها تكرار للجملة، فحين ذكر أنّهم يصلّون ذكر أنّهم يصلّون مرّة أُخرى، بقوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، لأنّه يعبّر عن الصلاة تارة بالركوع، وهذا يدعو للاستغراب، فكيف أردّ عليه بالردّ الشافي؟
ولكم جزيل الشكر.
الجواب:




إنّ آية الولاية من الآيات الصريحة والواضحة الدلالة على إمامة من آتى الزكاة في حال الركوع، وقد ذكرت روايات كثيرة من الفريقين أنّ سبب نزول الآية هو: تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بخاتمه على الفقير، في حال الركوع أثناء صلاته.
إذاً فهي دالّة على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام)، ولكن في هذا ما يغيظ نفوساً ضعيفة الإيمان، تحمل في طيّاتها حالة البغض والحقد لعليّ وآله(عليهم السلام)، فأخذوا يبثّون الشبهة تلو الشبهة، بشأن هذه الآية وأمثالها، ومن تلك الشبه هي هذه الشبهة التي ذكرتموها، من فصل إيتاء الزكاة عن حال الركوع.
ولعلّ أوّل من قال بها من القدماء هو أبو علي الجبّائي، كما ذكرها عنه تلميذه القاضي عبد الجبّار في كتاب (المغني)(1).
وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة، ومنهم الشريف المرتضى في كتابه (الشافي في الإمامة)، بقوله: ((ليس يجوز حمل الآية على ما تأوّلها شيخك أبو علي، من جعله إيتاء الزكاة منفصلاً من حال الركوع، ولا بدّ على مقتضى اللسان واللغة من أن يكون الركوع حالاً لإيتاء الزكاة، والذي يدلّ على ذلك أنّ المفهوم من قول أحدنا: الكريم المستحقّ للمدح الذي يجود بماله وهو ضاحك، وفلان يغشى إخوانه وهو راكب، معنى الحال دون غيرها، حتّى إنّ قوله هذا يجري مجرى قوله: إنّه يجود بماله في حال ضحكه، ويغشى إخوانه في حال ركوبه.
ويدلّ أيضاً عليه: أنّا متى حملنا قوله تعالى: (( يُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) على خلاف الحال، وجعلنا المراد بها أنّهم يؤتون الزكاة، ومن وصفهم أنّهم راكعون، من غير تعلّق لأحد الأمرين بالآخر، كنّا حاملين الكلام على معنى التكرار؛ لأنّه قد أفاد تعالى بوصفه لهم بأنّهم يقيمون الصلاة، وصفهم بأنّهم راكعون، لأنّ الصلاة مشتملة على الركوع وغيره، وإذا تأوّلناها على الوجه الذي اخترناه، استفدنا بها معنى زائداً، وزيادة الفائدة بكلام الحكيم أولى))(2).




(1) المغني: 20 القسم الأوّل 137.
(2) الشافي في الإمامة 2: 236.
























تعليق على الجواب (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
ذكر الطبري عدّة أقوال وردت فيمن نزلت الآية، وكان من بينهم عليّ بن أبي طالب، وذكر أيضاً عبادة بن الصامت، وقال أيضاً: إنّه قد قيل أنّه عني به جميع المؤمنين، ومن صفاتهم أنّهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وكتاب ابن عساكر تاريخي لا يحتجّ به في العقائد، وأيضاً كتاب الأنساب.
وأقول: إنّ الواضح البيّن من الآية أنّ الولاية، تكون في المؤمنين بعد الله ورسوله، وإن كان المعني في (( وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ )): عليّ، فتحديد الولاية جاء في المؤمنين، ومن ثمّ هل كان الأئمّة الاثنا عشر يؤتون الزكاة وهم راكعون أيضاً؟ (دلّل على ذلك إن كان نعم).




الجواب:




1- لا بدّ لك قبل أن تعلّق أن تقرأ كلّ ما كتب في الموضوع من إجابات على الأسئلة المطروحة، حتى يتم لك استيعاب الجواب من جميع جوانبه، وأمّا أن تكتفي بإجابة واحدة جاءت على قدر ما هو مطروح في السؤال، وتعتقد أنّه تمام الدليل في ما يدّعيه الشيعة، وأنّهم لم يجيبوا لحدّ الآن على الاعتراضات الواردة، فهو بعيد عن الإنصاف.
2- لا بدّ في قراءتك للجواب أن تستوعب مقدار ما يراد من الدلالة لكلّ دليل مذكور بالضبط، لا أن تفهم من الدليل دلالة أوسع، أو دلالة أُخرى لا يريدها من ذكر الدليل.
3- لا بدّ أن تعرف منحى ومجرى الدليل، وما هو موضعه الدلالي، ورتبته من بين المقدّمات الأُخرى للدليل، فلعلّ ما اعتبرته دليلاً ليس هو من صلب الاستدلال، أو ليس هو الدليل كاملاً، بل هو دليل على بعض مقدّمات الاستدلال، أو جزء الدليل.
ولتوضيح ذلك، نقول على تعليقك:
إنّ ما ذكر كدليل على نزول آية الولاية في عليّ(عليه السلام) كان تضافر واشتهار النقل من علماء الطرفين بأنّ الآية نزلت في عليّ(عليه السلام)، وليس الدليل هو الاستناد على ما نقله الطبري كأحد الآراء في الآية فقط؛ فلاحظ!
ولذا يكون إيراد قول الطبري لأنّه أحد مفردات هذا التضافر, فقوله وقول غيره هو الذي يتمّم المدّعى من الشهرة والتضافر، حتى يصحّ الادّعاء بأنّ الآية نزلت في عليّ(عليه السلام).
فالاعتراض بأنّ الطبري ذكر عدّة آراء يكون صحيحاً لو كان الدليل يتم بقوله هو وحده فقط، ولم يكن أحد الشواهد على التضافر، كما هو المدّعى.
وأمّا القول في الآراء الأُخرى على التسليم بأنّها ظاهر قول الطبري:
فأولاً: إنّها آراء شاذّة لا يأُخذ بها مقابل المشهور المتضافر، بل المجمع عليه، وفيه روايات صحيحة نقلنا بعضها في الأجوبة الأُخرى؛ فراجع!
فتعداد الأقوال لا ينقض المدّعى، فالشاذّ يطرح ولا يعوّل عليه، وإلاّ لم يسلم لنا قول في آية واحدة من آيات القرآن الكريم.
وثانياً: إنّ الطبري نفسه خبط وخلط (لو سلّمنا أنّه أراد ظاهرَ تعدّد الأقوال)، وحاول الإبهام عامداً؛ فإنّ المجموع من محصّل كلامه يؤدّي إلى التناقض، لو قبلنا بكلّ أقواله ظاهراً.
فهو قد نقل أوّلاً بلفظة (قيل) - وهي لتمريض القول كما هو معروف - الرأي القائل بأنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت، وجاء بروايات (لا تثبت) مفادها التطابق بين قول وفعل عبادة بن الصامت، وبين أوّل الآية وهو معنى الولاية حسب ما فسّره )ملاحظة: أنّا لا نسلّم بأنّ معنى الولاية هو: النصرة)، ولم يأت بأيّ قول بأنّ عبادة هو من تصدّق بالخاتم.
ثمّ إنّه عندما ذكر المعنيّ من قوله تعالى: (( وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلاةَ وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ )) (المائدة:55), أورد رأيين، قدّمهما بقوله: ((فقال بعضهم، وقال بعضهم)) الأوّل: إنّ المعنيّ بها: عليّ(عليه السلام)، والثاني: إنّ المعني بها: جميع المؤمنين، واختفى (القيل) بأنّ الآية نزلت بحقّ عبادة بن الصامت!
ومن الواضح أنّ الآية واحدة، بل أنّ الكلمات في الآية كلّها مترابطة وتؤدّي إلى معنى واحد، لا يمكن معه الفصل بين أوّل الآية والقول أنّها نزلت بسبب نزول غير السبب الذين نزلت به آخر الآية، فأمّا القول بأنّها نزلت كلّها بحقّ عبادة، أو كلّها بحقّ عليّ(عليه السلام)، أو كلّها بحقّ جميع المؤمنين، وهذا ما لم يفعله الطبري؛ فراجع كلامه!
وجعل هذه الآية ذات المعنى المترابط الواحد قسمين: الأوّل نزل في حقّ عبادة, والآخر في حقّ عليّ(عليه السلام)، ما هو إلاّ تناقض؛ فلاحظ!
ولكن هل نقبل من الطبري هذا؟!
أو أنّ هناك مورد نزول واحد، هو في حقّ عليّ(عليه السلام) متحقّق عند الطبري، ولكن أراد إخفاءه وستره لأمر في نفسه! فلم يبرزه واضحاً في كلامه بدون لبس، وإنّما خلطه بغيره، وصاغ عباراته بحيث توهم القارئ المتسرّع بأنّ الأمر فيه أقوال وآراء، ويأخذه ظاهر التقسيم للأقوال، فيظنّ أنّ المراد هو تعدّد موارد النزول.
وفعل الطبري هذا هو الذي يجعلنا نتّهمه!
وذلك أنّ الطبري بالحقيقة لم يقل أنّ الآية نزلت في حقّ عبادة وعليّ(عليه السلام) من منظور واحد؛ إذ أنّ الطبري عندما نسب سبب النزول إلى عبادة بن الصامت كان من جهة أنّ عبادة كان المخاطب بالآية، أو المخبر بها عن حاله، لا أنّه الذي يجب أن يُتولّى، أي: المعنيّ بقوله: (( وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ... ))، بدليل صريح الروايات التي نقلها الطبري نفسه؛ إذ فيها أنّ عبادة تبرّأ من بني القينقاع، وقال: ((أتولّى الله ورسوله والمؤمنين))، أو قال: ((أتولّى الله ورسوله والذين آمنوا))، فعبادة هنا يخبر عن كونه يَتولّى لا أنّه هو المولّى، فنزلت الآية إخباراً عن حاله وبياناً له وللمؤمنين، في من يجب أن يتولوه وهم الله ورسوله والذين آمنوا...(أي: عليّ(عليه السلام)).
فالآية بيان لمورد صاحب الولاية لا للذين يتولّوه.. نعم، هم المخاطبون بذلك، ومنهم: عبادة، وقد يكون أوّلهم، حسب قول الطبري، وإن كانت الرواية شاذّة.
وقد ورد في ذلك غيرها الكثير، منها - كما في بعض رواياتنا -: أنّ قوماً من اليهود سألوا رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه بعد أن أسلموا، فنزلت الآية، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسجد يسأل عمّن تصدّق بخاتم وهو راكع، فأخبره السائل أنّه عليّ(عليه السلام)(1).
وعلى هذا يصحّ أن تقول: إنّ هؤلاء اليهود كانوا سبباً للنزول بسؤالهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه.
ولكن هذه الجهة غير الجهة المدّعاة مورد الاستدلال؛ فإنّ جهة قولنا بأنّ سبب نزولها كان عليّ(عليه السلام)، هو القول بأنّ الآية جاءت لتبيّن أنّ الذي يجب أن يُتولّى بعد الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو: عليّ(عليه السلام)؛ فهو الذي تصدّق بالخاتم وهو راكع، وأنّ المؤمنين جميعاً مأمورون في قول الله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ )) بولايته وطاعته؛ فهو أولى بالأمر بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وليكن من المؤمنين عبادة بن الصامت فلا ضير.
وكأنّ الآية بيان لمورد الولاية الحقيقي الذي يجب على عُبادة وغيره من المؤمنين التمسّك به، أو إخبار للمؤمنين عامّة ولبعضهم خاصّة، وهم: أصحاب السؤال بهذا المورد الحقيقي الذي يجب أن يُتولى؛ فلاحظ!
وبهذا يتّضح قول الطبري، ولا تهافت في البين، وإن كنّا نتّهمه بعدم البيان والبسط بوضوح، لغاية الله يعلمها!!
وأمّا القول بأنّ مورد النزول هو جميع المؤمنين، فهو لا يتم إلاّ على القول بأنّ معنى الولاية هي النصرة، وهذا ما لا نسلمه! ثمّ إنّ تخصيص مورد النزول بعليّ(عليه السلام) يرده، ولا يمكن أن يكون جميع المؤمنين هم ولاة الأمر إذا كان معنى الولاية هو الأولى بالأمر، إذ لا بدّ أن يكون واحداً في كلّ عصر.
وبيان أنّها جاءت بمعنى الأولى بالأمر لا النصرة ذكرناه في محلّه؛ فراجع!
وأمّا بخصوص كتاب ابن عساكر، و(الأنساب) للبلاذري، فإنّ اعتراضك وقع بسبب خطأ ووهم منهجي! فإنّا لم نحتجّ بما ورد عنهما لأجل أنّ كتابيهما معتبران؛ إذ لا توجد عندنا قاعدة بأنّ: كلّ كتاب معتبر فإنّا نأخذ بكلّ ما فيه، وكلّ كتاب غير معتبر فنردّ كلّ ما فيه، وإنّما نأخذ ما موجود في الكتب بالسند، ونحاكم السند كرواية مفردة، ويكون مؤلف الكتاب أحد الرواة لا غير.
وهذا الاشتباه لا يقع فيه إلاّ من ثبت في ذهنه وجود كتب صحيحة غير القرآن الکريم، مثل البخاري ومسلم! فيأخذ بتصنيف الكتب إلى معتبرة وغير معتبرة، أو يستخدم ذلك عن عمد حتى يردّ ما يريد من الروايات التي لا تعجبه بعد أن يصنّف الكتاب الواردة فيه هذه الروايات بأنّه غير معتبر، كما هو منهج السلفية والوهابية المعاصرين، وإلاّ فإنّ مثل هذا المنهج لم يدخل في علم الحديث والدراية، ولم يتكلّم به علماؤهما؛ لأنّ بطلانه من الوضوح بمكان.
وبعد أن ذكرنا لك المقدّمات الثلاث أوّلاً فلا بدّ أن يتوضّح لك مورد الاستدلال بما رويا.
وأمّا ما ذكرته من المراد بالزكاة حالة الركوع فهو موضّح في جواب الأسئلة الأُخرى؛ فراجع!








(1) انظر: تفسير البرهان 3: 423 في هذه الآية.
























تعليق على الجواب (3)
والله العظيم أنا مندهش من هذه الإجابة!
حتى لو سلّمنا بأنّ الآية نزلت في حقّ عليّ(رضي الله عنه)، ولكن هل قرأت الآية التي تسبق هذه الآية، والقرآن كلام الله وهو يفسر بعضه بعضاً، والولاية هنا تعني: محبّتهم وموالاتهم ومؤازرتهم على أساس الدين، بعدما نهانا الله في الآية التي تسبقها من موالاة اليهود والنصارى، والآية هنا حتى وإن نزلت في عليّ فهي تعمّم على كلّ من انتهج نهجه، وأبا بكر وعمر كانا على نهج عليّ، وكلّ الآيات الكريمة تعمم على المؤمنين، وإلاّ لتركنا كلّ الآيات التي نزلت في الرسول ونطبّقها عليه وحده.
فمثلاً الله أمر النبيّ بإقامة الصلاة، فهل نتركها بحجّة أنّها نزلت في النبيّ؟
الجواب:




نزول هذه الآية في حقّ عليّ(عليه السلام) هو ممّا بان واشتهر، ودونك المصادر المذكورة في الأسئلة السابقة لتتأكّد من ذلك.
ودعوى أنّها نزلت في غيره، أو في عامّة المؤمنين، فعلى المدّعي إثباتها، وإلاّ يبقى البيان الشاخص في نزول هذه الآية في عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه هو الفارس في الميدان، وقد نقله ابن أبي حاتم في تفسيره بأسانيد بعضها صحيحه، كما نقل ذلك غيره؛ فراجع واغتنم!
وانحصار الولاية بالثلاثة المذكورين في الآية: (( اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55)، والمراد به، شخص أمير المؤمنين(عليه السلام) بحسب الروايات.. ينفي دخول غيرهم معهم، وإلاّ لا وجه للانحصار، وذلك لأنّ ولاية المحبّة والموالاة الدينية عامّة في جميع الأمّة، وهذا الأمر مجمع عليه، (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ )) (التوبة:71)، فلا وجه للحصر هنا بقيود وأحوال خاصّة إلاّ الإشارة إلى عليّ(عليه السلام).
ثمّ إنّا لا نسلّم أن يصحّ تطبيق الآيات التي ورد فيها خطاب الله تعالى للمؤمنين، بلفظ: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) على جميع المؤمنين، لأنّها لم ترد في القرآن عامّة أو مطلقة دائماً، فمثلاً قد خصّصت في آية الولاية بقرينة: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، وهذه القرينة لا يمكن أن تكون مجرد وصف لجميع المؤمنين، لأنّ الثابت أنّ المؤمنين جميعاً لم يؤتوا الزكاة وهم راكعون، بل الذي فعل ذلك هو رجل واحد، وقد دلتنا الروايات الصحيحة على أنّه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) دون سواه، ممّا يعني أنّ الآية نازلة في حقه وغير شاملة لسائر المؤمنين.
فأمثال هذه الآيات ينبغي الرجوع فيها إلى القرائن الحالية والمقالية المتصلة أو المنفصلة، وعلم ذلك موكل إلى أهل الاختصاص من علماء التفسير والأُصول.
ودعوى أنّ أبا بكر وعمر كانا على نهج عليّ(عليه السلام) يحتاج إلى تحقيق وبحث، والمعلوم المشهور أنّ عليّاً(عليه السلام) رفض البيعة في الشورى، ولم يوافق على الشرط الذي أشترطه عليه عبد الرحمن بن عوف، بسبب رفضه العمل على سيرة الشيخين؛ فراجع وتدبر!




















تعليق على الجواب (4)
لو كان كلامك صحيح، فالمفروض أن تكون العبارة: ((الذي يؤتي الزكاة وهو راكع))، وليس الجمع، لأنّ المقصود واحد وليس المجموع.
الجواب:




من بلاغة العرب أن يأتوا بصيغة الجمع وإن كان المراد واحداً، وقد أجاب الزمخشري - خرّيت صناعة البلاغة - عن هذا الإشكال الذي قلته:
قال: ((فإن قلت: كيف يصحّ أن يكون لعليّ(رضي الله عنه)، واللفظ لفظ الجماعة؟
قلت: جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان، وتفقّد الفقراء، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلى الفراغ منها))(1).
ودمتم في رعاية الله
(1) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: (( وَهُم رَاكِعُونَ )).
























تعليق على الجواب (5)
جاءت الآية (( اللّهُ وَرَسُولُهُ )) بصيغة المفرد، وجاءت على أساس قولك من التعظيم لعليّ بصيغة الجمع, ولوكانت الآية تُبلِغ عن الإمامة ستكون واضحة بدون رواية تلحقها.
الجواب:




إنّ منهج عدم قبول الاستعانة بالسُنّة على تفسير القرآن منهج خاطئ، فالسُنّة الصحيحة الصادرة من المعصوم تكون مبيّنة وموضّحة للآيات القرآنية، فلا يصحّ رفضها وعدم قبولها.
وإذا أمكن تحديد فهم بعض الآيات القرآنية على أساس الاستعانة بالقرآن فقط، فإنّ هذه الآية لا يمكن معرفة مصداقها بسهولة من خلال القرآن فقط، خصوصاً لعامّة المسلمين؛ لأنّها تحيل إلى قضية خارجية، وهيك التصدّق والزكاة في حال الركوع, وهذه القضية لا يمكن معرفة المراد منها خارجاً إلاّ من خلال الروايات والأخبار.
والأخبار تشير إلى أنّ الذي قام بهذا العمل شخص واحد، وهو عليّ(عليه السلام)، بل إنّ هناك أخباراً أُخرى تشير إلى تصدّق بعض الصحابة عدّة مرّات بمثل الهيئة التي تصدّق بها عليّ(عليه السلام)، ومع ذلك لم تنزل فيه مثل ما نزل بحقّ عليّ(عليه السلام)، ممّا يؤكّد عدم صلاحية أي تصدّق للدخول كمصداق للآية, وكما يعترف بذلك ذلك الصحابي، ففي رواية عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: ((أخرجت من مالي صدقة يتصدّق بها عنّي وأنا راكع أربعاً وعشرين مرّة على أن ينزل في ما نزل في عليّ(عليه السلام) فما نزل))(1).




(1) سعد السعود: 90 ما أورده من كتاب ابن الحجام بخصوص قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
















تعليق على الجواب (6)
سؤالي يدور في خاطري منذ عرفت من هم إخواننا الشيعة ومذهبهم: وهو إذا كان تفسير الآية الكريمة (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )): أنّ الولاية هي لعلي كرّم الله وجهه؛ لأنّه تبرع بخاتمه في الصلاة, فهذا يقودني إلى التساءل بأنّ عليّ كرّم الله وجهه لم يكن تفكيره بالصلاة، بل كان تفكيره كلّه بما يريده من جاء وأخذ الخاتم, وهذا طبعاً لا يرضاه أحد, فما هو الردّ على هذا التساءل؟
أجركم على الله
الجواب:
إنّ المؤثّرات الخارجية الآتية عن طريق السمع والبصر وغيرها من الحواس، إنّما تؤثّر على الخشوع في الأفراد العاديين، أمثالنا نحن, أمّا الذي له درجة كمالية عالية كالإمام؛ فإنّ تلك المؤثّرات لا تؤثّر على خشوعه, بل هو في حال خشوعه يستطيع أن يسمع ويبصر, ويعي ما يسمع ويبصر.
وإن أبيت إلاّ أن تنكر ذلك، فنقول لك: إذا كنت خاشعاً يوماً في صلاتك, وأنت فاتح عينيك أثناء الصلاة, وحصلت حركة معيّنة أثناء الصلاة, ولم تسلب خشوعك، هل تستطيع أن تصف تلك الحركة المعيّنة بعد الصلاة؟
فإن قلت: نعم.
نقول لك: إنّ اجتماع حالة البصر وحالة الخشوع عندك دليل إمكان اجتماع حالتي السمع والخشوع كذلك، سواء عندك أو عند غيرك.
ومع ذلك، فإنّ سؤال السائل كان في بعض وقت الصلاة, ولم يستغرق كلّ وقتها, فالانتباه إلى قوله (خاصّة وإنّه لم يكن الأمر دنيويّاً بل كان في سبيل الله) للحظة دون معارضته للخشوع ممكن, وأمّا الأفعال القليلة بعد الالتفات من الإشارة إليه لأخذ خاتمه, ومدّ يده ليأخذه الفقير, فإنّه كان عبادة في عبادة لا تخدش في كمال الصلاة؛ فإنّ ما ينافي كمالها هو الانشغال عنها بأمر دنيوي سواء بالجوارح أو بالفؤاد, وهو ما لم يحصل عنده (عليه السلام), ومن هنا جاء مدحه في القرآن وعلى لسان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أمام الصحابة؛ فلاحظ!
























تعليق على الجواب (7)




النقطة الأولى: الآية ذكرت الصلاة، والركوع هو من الصلاة، لذلك عندما أتت (راكعون) في هذا الموضع هي صفة هؤلاء الذين يؤتون الزكاة بأنّهم لا يدفعونها بكبر، وإنّما وهم راكعون منصاعين لأوامر الله عزّ وجلّ.
الأمر الآخر: عليّ بن أبي طالب تصدّق بخاتم وهو يصلّي، هل تعتبر هذه بدعة في الدين؛ لأنّ محمّداً عليه الصلاة والسلام لم يرد أنّه تصدّق وهو في صلاته، وهذا أمر جديد، فمن الذي هدى عليّ(عليه السلام) إلى هذا الأمر؟
النقطة الثالثة: الآية جاءت عامّة عن المؤمنين فهل عليّ هو المؤمن الوحيد؟
آخر نقطة: أنت لِمَ تقول: أنّ الفريقين أجمعوا على أنّ هذه الآية نزلت في الإمام عليّ(عليه السلام)، أنا أقول لك: لا يا أخي كلامك غير صحيح، أهل السُنّة لا يقولون هذا القول.
الجواب:




جواب النقطة الأولى:
لا يجوز أن تكون: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) صفة مع وجود (الواو)، فالواو إمّا عاطفة، وإمّا حالية، وكونها عاطفة بعيد؛ لأنّ الركوع من ضمن أفعال وأركان الصلاة، فلا يصحّ تكراره، خصوصاً مع وجود فاصل أجنبي عن الصلاة، وهو الزكاة يفصل بين الجملتين.
ولذلك لا يصحّ إلاّ أن تكون (الواو) هنا حالية، ويكون المعنى أنّهم: (يؤتون الزكاة حال ركوعهم).
ويوجب هذا المعنى ورود النصوص الصريحة التي تؤكّد هذا المعنى، إذ ورد في إحدى روايات تصدّق أمير المؤمنين(عليه السلام) بالخاتم: (تصدَّق عليٌّ بخاتمه وهو راكع)(1)، كما روى الهيثمي في مجمع الزوائد(2)، والطبراني في أوسطه(3)، والسيوطي في تفسيره: ((عن عمّار بن ياسر، قال: وقف على عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) سائل وهو راكع في تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل...))(4)، الرواية.. وأخرج لها السيوطي شواهد في (لباب النقول)، وقال: ((فهذه شواهد يقوي بعضها بعضاً))(5)، ونقل مثله السيوطي عن الخطيب في (المتفق) عن ابن عبّاس، قال: ((تصدّق عليّ بخاتمه وهو راكع...))(6).
وكذلك ورد في سبب نزول الآية عند الواحدي: (( (( وَهُم رَاكِعُونَ ))، قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للسائل: على أيّ حال أعطاك؟ قال: أعطاني وهو راكع، فكبّر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ تلا هذه الآية...))(7)، وهذا كلّه يؤكد المعنى الذي يلتزمه الشيعة، حيث ثبت سبب النزول، وثبت إرادة ذلك المعنى وهو أداء الزكاة حال الركوع.
أمّا الاعتراض بذكر الصلاة وذكر الركوع بعد ذلك وهو جزء من الصلاة، فمع سبب النزول يندفع الإشكال؛ إذ أنّ للركوع في قصّة التصدّق أهمية ينبغي معها ذكرها، مع أنّ القرآن الكريم كثيراً ما يذكر الخاص بعد العام، مثل: قوله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (البقرة:43).
وقوله عزّ وجلّ: (( وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ )) (الأنبياء:73)؛ قال البيضاوي في تفسيرها ما معناه: وهو من عطف الخاص على العام للتفضيل(8)، وقوله تعالى: (( وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بِالصَّبرِ )) (العصر:3)؛ وقال البيضاوي في تفسيره: ((وهذا من عطف الخاص على العام للمبالغة))(9).
وذكر ابن تيمية في (دقائق التفسير) حديث النزول، وقال: ((فذكر أوّلاً الدعاء، ثمّ ذكر السؤال والاستغفار، والمستغفر سائل، كما أنّ السائل داعٍ، لكنّ ذكر السائل لدفع الشر بعد السائل الطالب للخير، وذكرهما جميعاً بعد ذكر الداعي الذي تناولهما وغيرها، فهو من باب عطف الخاص على العام))(10).
وقال تعالى أيضاً: (( مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلكَافِرِينَ )) (البقرة:98)، قال أبو حيان الأندلسي في تفسيره: ((قال الماتريدي... وخصّ جبريل وميكال بالذكر تشريفاً لهما وتفضيلاً. وقد ذكرنا عن أُستاذنا أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير(قدس الله سره) أنّه كان يسمّي لنا هذا النوع بـ(التجريد)، وهو أن يكون الشيء مندرجاً تحت عموم، ثمّ تفرده بالذكر، وذلك لمعنى مختص به دون إفراد ذلك العام، فجبريل وميكال جُعلا كأنّهما من جنس آخر، ونُزّل التغاير في الوصف كالتغاير في الجنس فعطف، وهذا النوع من العطف، أعني: عطف الخاص على العام على سبيل التفضيل، هو من الأحكام التي انفردت بها الواو، فلا يجوز ذلك في غيرها من حروف العطف))(11). انتهى.
فهذا الكلام كلّه مع عدم كون الواو حالية، أي أنّه سواء أكانت الواو عاطفة أم حالية تصحّ قصّة التصدّق.
وبهذا يندفع إشكال ذكر الركوع بعد الصلاة وإرادته على معناه الحقيقي، مع الأخذ بنظر الاعتبار كون الحقيقة هي الظاهر والأصل، وكون المجاز هو التأويل والفرع، ولا يصار إلى المجاز إلاّ مع تعذّر الحمل على الحقيقة.
فيصحّ أن يكون المعنى: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة حال ركوعهم، إن فسرنا الواو بأنّها حالية، ويجوز أيضاً كون الواو عاطفة، فيكون من باب عطف الخاص على العام للأهمية أو لبيان الاختصاص؛ إذ لا يمكن أن يخطر على قلب أحد أن يتصدّق حال ركوعه، فكان ذكر الركوع من باب اختصاص أمير المؤمنين(عليه السلام) بالتصدّق حال الصلاة، وفي الركوع بالذات حيث ينقطع الإنسان المصلّي فيه عادة عن كلّ ما حوله، ولكنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) اجتمعت فيه الأضداد كما وصفه ابن الجوزي حين فسرّ خشوعه وفنائه مع الله تعالى وتصدّقه في الوقت نفسه، فتمثّل قائلاً:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ***** عن النديم ولا يلهو عن الناسِ
أطاعه سكره حتّى تمكن من ***** فعل الصحاة فهذا واحد الناسِ
ثمّ إنّه لا مبرر لتعلّق الولاية العامّة (حسب مدّعاكم في معنى الآية) بأمر جانبي قلبي، واشتراط عدمه ليُتّخذ وليّاً وأخاً في الله، وهو: عدم الكبر وعدم الرياء، بل الدليل على خلاف ذلك، إذ أنّ الإسلام يَشتَرط التلفّظ بالشهادتين فقط، كما في حديث أسامة بن زيد، دون النظر إلى الصدق والإخلاص والقبول، ويشهد لذلك عصمة دماء المنافقين حتّى مع معرفتهم واليقين بنفاقهم والقطع به، فالإسلام يتعامل مع الظاهر والحساب على الله تعالى يوم القيامة، يوم تبلى السرائر.
وكون الصلاة والزكاة يتقرّب بها المسلم إلى الله تعالى مطيعاً لأوامره، متذلّلاً في قبولها وتنفيذها إذ أنّ العبادات كلّها يشترط فيها هذا الشرط، فلماذا قُيّد هنا به دون غيره من الموارد مع وضوحه وبداهته في كلّ الأعمال؟
والمشكلة الأكبر في كلّ ذلك هو الإتيان بلفظٍ غامض ومصطلح مستعمل في معنى عبادي آخر (( وَهُم رَاكِعُونَ )) مع إرادة معنى آخر (حسب زعمكم في معنى الآية).
فيحصل بذلك الإبهام والإيهام مع أهميته وبداهته، فكيف يعبّر عنه بمثل هذا الغموض ويسمّيه: ركوعاً، ويقصد التذلّل والتسليم، أي يريد المجاز دون الحقيقة المتشرعية، أو بالأحرى الشرعية المستعملة والمشهورة بين المسلمين في ذلك الوقت؟!
جواب النقطة الثانية:
أمّا الإشكال الثاني فهو أعجب من الأوّل والله؛ إذ أن تعريف البدعة: أنّها إحداث شيء في الدين، وتشريعه والتعبد به من دون وجود أصل له في الشريعة، ولا إقرار عليه من المشرع، وهذان الأمران منفيان عن فعل أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ إذ أنّه (عليه السلام) حينما تصدّق وهو في الصلاة كان بسبب سؤال ذلك الرجل، وعدم إعطاء أحد له، وهذا المحتاج أراد أن يدعو على المسلمين فمدّ له أمير المؤمنين(عليه السلام) إصبعه ونزع الخاتم له وأعطاه إياه، فكان فعله اضطرارياً..
كما هو حال ذلك الصحابي الذي جاء متأخّراً عن الصلاة مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فركع قبل أن يصل إلى الصفوف، وبقي يمشي وهو راكع، وبعد ذلك امتدحه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأقرّه على حرصه مع عدم سبقه بذلك، فهل يستطيع أحد أن يصف فعل ذلك الصحابي بأنّه بدعة؟!
فكذلك فعل أمير المؤمنين(عليه السلام)، بل إن فعل ذلك الصحابي أولى وأقرب لأن يوصف بكونه بدعة؛ إذ أنّه مشى في ركوعه، أمّا أمير المؤمنين(عليه السلام) فلم يفعل أكثر من الإيماء والإشارة بالخاتم لذلك السائل..
ومع وجود روايات وأحاديث كثيرة عند المخالفين في التحرك الكثير في الصلاة دون أن يدعي أحد فيها بالانشغال، أو العبث، أو البطلان. مثل الرواية التي يُدعى فيها أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلّى يوماً بالمسلمين فتذكر أنّه مجنب، فتركهم في الصلاة، وذهب فاغتسل، وعاد وأكمل صلاته، وإمامته للصحابة!!
وكذلك هناك رواية صلاة أبي بكر بالناس حين غياب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) التي يروونها ويَدّعونها؛ ففيها: رجوع أبي بكر إلى الوراء، ونكوصه والتفاته، ورفع يديه فرحاً ليدعو ويشكر الله على أمر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) له بالبقاء والتقدّم.
وغير ذلك الكثير من الأمثلة والشواهد على الحركة في أثناء الصلاة، وكلّ ذلك لا يقول فيه أحد أنّه حركة وانشغال أثناء الصلاة، أمّا إيماء عليّ(عليه السلام) وإشارته لذلك السائل بخاتمه، ليأخذه بعد أن يئس من إعطاء أحد من الصحابة شيئاً له، والتصدّق عليه لحاجته، فيرد على ذلك عندهم ألف إشكال وإشكال، وألف سؤال وسؤال، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم!
فالبدعة تشريع شيء في الدين، وإدخال ما ليس منه فيه، والحركة البسيطة جدّاً مع كونها طاعة لله تعالى، وفي سبيله، ومع كونها لضرورةٍ؛ لكون السائل أراد أن يرفع يديه، ويشكو إليه تعالى، ودفع الله به ما كان أعظم، أنّه قد دخل مسجد رسوله، وهو محتاج، ولم يعطه أحد شيئاً، فأجابه أمير المؤمنين(عليه السلام) قبل أن يدعو ويشكو إلى الله عزّ وجلّ، فهي ليست في شيء من التشريع أو الإدخال في الدين ما ليس منه!!
أمّا زمن التشريع: فقد حدثت عشرات بل مئات الحوادث التي لم ينزل تشريعها أو إقرارها إلاّ بعد فعل أحد المسلمين لها، وخصوصاً موافقات القرآن لعمر؛ إذ لم نر أحداً منهم قد اعترض عليه بأنّه يبتدع، بل تجعل كلّ اجتهاداته وآرائه ينزل فيها القرآن ليشرّعها ويوافقها، بعد أن يفعلها عمر دون تشريع مسبق.
أمّا أميرُ المؤمنين(عليه السلام) فلا بدّ أن يجعلوا أفعاله تلك بدعة، وغير مشرّعة مع نزول آية تمتدحه على فعله، وليست توافقه فقط، ويقرّه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل يكبّر، ويحمد الله، ويشكره على فعل علي(عليه السلام) ذلك، ومع ذلك يبقى الحاقدون غير راضين عن أيّ فعل لكونه صادراً من أمير المؤمنين(عليه السلام).
جواب النقطة الثالثة:
أمّا مسألة الجمع مع إرادة المفرد، فإنّه أسلوب عربي معروف وبليغ ومستعمل في القرآن الكريم كثيراً، ومنه قوله تعالى: (( إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) (الحجر:9), فهذا كذاك.
فسياق الآية العام لا ينفي ولا يعارض تخصيصها بسبب النزول الخاص، مع عدم فعل أحد من المسلمين لذلك الفعل في زمن أمير المؤمنين سواه (عليه السلام)، وقد ورد أن أئمّتنا(عليهم السلام) كلّهم قد فعلوا ذلك، فيكون العموم نافعاً لهذه النكتة المهمة؛ إذ لولا صيغة الجمع مع وجود أداة الحصر، فإنّ دخول سائر الأئمّة في الآية وشمول ولايتهم على المؤمنين يصبح صعباً ومتنافياً ولو ظاهراً مع الآية الكريمة.
جواب النقطة الأخيرة:
الإجماع المدّعى بين الفريقين في نزول هذه الآية في أمير المؤمنين(عليه السلام) لا يقصد منه الإجماع الاصطلاحي، وإنّما يقصد منه كما هو واضح: الاتّفاق بين الفريقين على رواية نزولها في أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ إذ أنّك لو راجعت ما ذكرناه على صفحتنا تجد في أحد أجوبتنا تسعة عشر مصدراً تفسيرياً وغيره، قد ذكر نزولها في علي(عليه السلام) في قصّة التصدّق بالخاتم؛ فراجع لتعرف أقوال السُنّة ورواياتهم في نزول هذه الآية الكريمة في أمير المؤمنين(عليه السلام).


(1) تفسير ابن أبي حاتم 4: 1162.
(2) مجمع الزوائد 7: 17 سورة المائدة.
(3) المعجم الأوسط 6: 218.
(4) الدرّ المنثور 2: 293.
(5) لباب النقول: 93.
(6) الدرّ المنثور 2: 293.
(7) أسباب نزول: 133 سورة المائدة وغيرها.
(8) تفسير البيضاوي 4: 101.
(9) تفسير البيضاوي 5: 526.
(10) دقائق التفسير2: 359.
(11) البحر المحيط 1: 490.
























تعقيب على الجواب (1)
اللّهمّ صلّ على محمّد وآله الأطهار..




والله إنّي لاعجب أشدّ العجب من قوم يعاندون حتى علماءهم الأعلام! فتلك كتب أعلامكم زاخرة بالأحاديث التي وصلت حدّ التواتر، ولا أعلم لماذا هذا العناد في تفسير هذه الآية بالذات؟!
ولو أنّها نزلت في غير أمير المؤمنين عليّ(سلام الله عليه) لقامت الدنيا ولم تقعد، ولاعتبرت فضيلة لا تدانيها فضيلة، ولكن الحمد لله (( الله أعلم حيث يجعل رسالته )).
وإذا ما أردنا تفسير هذا العناد، فيتّضح: إمّا لغرض حقد دفين على هذه الشخصية الفذّة التي لم ينقل التاريخ كمثل بطولاتها والتزامها وإيمانها، وإمّا: أنّه عناد مقابل النصّ والقرآن، وفي كلتا الحالتين مصير أصحابها معروف، فسبحان الله عمّا تصفون.
والحمد لله رب العالمين.
























































































السؤال: احتجاج الإمام عليّ(عليه السلام) بالآية
أُودّ أن أحصل على ردّ شافٍ على من يقول: إذا كنتم تحتجّون بآية الولاية (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )) (المائدة:55) على إمامة عليّ(عليه السلام)، فلماذا لم يحتجّ بها الإمام عليّ(عليه السلام) نفسه؟
الجواب:




نود أن نشير إلى بعض المطالب ليتّضح الجواب:
أولاً: إنّ الأدلّة على إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) كثيرة، عقلاً ونقلاً، تكاد لا تحصى، وقد أُلّفت كتب مستقلّة في هذا المجال.
ولكنّ الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه، هو أنّ الإمام(عليه السلام) لم يكن مُلزماً - لا عقلاً ولا شرعاً - بالاحتجاج والمناشدة بكافّة هذه الأدلّة، بل بالمقدار الذي يُلقي الحجّة على الناس، وهذا هو الذي حدث بعدما علمنا من احتجاجه (عليه السلام) بحديث الغدير، وعدم رضوخ القوم لهذا الحقّ الصريح، فبعده هل يبقى مجال لاحتمال تأثير أمثال آية الولاية في نفوسهم؟!
ثانياً: لنفرض أنّ الاحتجاج بهذه الآية لم يصل إلينا، فهل هذا دليل على عدم صدوره منه (عليه السلام)؟ مع أنّ المتيقّن هو: عدم وصول أخبار وآثار كثيرة من لدن الصدر الأوّل إلينا، خصوصاً ما كان منها يصطدم مع مصالح الخلفاء، فإنّهم أخفوا الكثير من فضائل ومناقب أهل البيت(عليهم السلام)، وما ظهر منها فهو غيض من فيض.
ثالثاً: ثمّ لنفرض مرّة أُخرى، أنّ الإمام(عليه السلام) لم يحتجّ بها واقعاً، فهل هذا يدلّ بالالتزام على عدم دلالة الآية على إمامته (عليه السلام)؟
كلاّ؛ إذ لا توجد ملازمة بين المسألتين.
رابعاً: هذه الشبهة هي في الأصل من الفخر الرازي (ت606هـ) في تفسيره للآية، (ت606هـ) إذ قال: ((فلو كانت هذه الآية دالّة على إمامته لاحتجّ بها في محفل من المحافل، وليس للقوم أن يقولوا: إنّه تركه للتقية؛ لأنّهم ينقلون عنه أنّه تمسّك يوم الشورى بخبر الغدير...))(1).
فنقول ردّاً عليه:
بأنّ الاحتجاج بالآية ورد في مصادر الشيعة(2)، وقد أشار إلى بعض الحديث بعض من مصادر أهل السُنّة(3).








(1) تفسير الرازي 12: 28 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(2) انظر: الاحتجاج للطبرسي 1: 202 (احتجاج أمير المؤمنين(عليه السلام) على القوم لمّا مات عمر)، أمالي الشيخ الطوسي: 549 (1168) (حديث المناشدة عن أبي ذرّ)، الخصال للصدوق: 580 باب السبعين.
(3) انظر: المناقب للخوارزمي: 313 (314) الفصل التاسع عشر، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 431.




































السؤال: إقتران آية الولاية بحديث الولاية
هل تقترن آية الولاية (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ... )) بحديث الولاية؟
الجواب:




إذا كان المراد بالاقتران: التقارن الزماني, فمن المعلوم أنّ آية الولاية نزلت في زمان يختلف عن زمان صدور حديث: (من كنت مولاه فعليّ مولاه)(1) الذي صدر عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد نزول آية التبليغ في غدير خم بعد انتهاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من حجّة الوداع.
وأمّا إذا كان المراد: الاقتران بالمعنى، فهذا شيء صحيح؛ فآية الولاية وحديث الولاية، بل كلّ الأحاديث التي جاءت تذكر ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام), مثل: (يا عليّ أنت وليّ كلّ مؤمن ومؤمنة بعدي)(2) تؤدّي معنى واحد.
ونقول: كلّ هذه الأحاديث تؤكّد حقيقة واحدة لا غير، وهي أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) هو وليّ المؤمنين والمتصرّف بشؤونهم بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).








(1) تم تخريج الحديث في ما تقدّم.
(2) مسند أحمد 1: 84، 118، 119 مسند عليّ بن أبي طالب.




















































السؤال: جواب على ما قاله الآلوسي في تفسيره (روح المعاني)
قال محمود الآلوسي (ت1270هـ) في تفسيره (روح المعاني) في تفسير قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )):
*************************
ثمّ إنّه سبحانه لمّا قال: (( لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاءَ )) (المائدة:51) وعلّله بما علّله، ذكر عقب ذلك من هو حقيق بالموالاة بطريق القصر، فقال عزّ وجلّ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ))، فكأنّه قيل: لا تتّخذوا أولئك أولياء لأنّ بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم، إنّما أولياؤكم الله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم) والمؤمنون، فاختصوهم بالموالاة ولا تتخطّوهم إلى الغير..
وأفرد الوليّ مع تعدّده ليفيد كما قيل: أنّ الولاية لله تعالى بالأصالة وللرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بالتبع؛ فيكون التقدير: إنّما وليّكم الله سبحانه، وكذلك رسوله(صلّى الله عليه وسلّم) والذين آمنوا، فيكون في الكلام أصل وتبع، لا أنّ (وليّكم) مفرد استعمل استعمال الجمع، كما ظنّ صاحب (الفرائد)؛ فاعترض بأنّ ما ذكر بعيد عن قاعدة الكلام لما فيه من جعل ما لا يستوي الواحد والجمع جمعاً، ثمّ قال: ويمكن أن يقال: التقدير: إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا أولياؤكم، فحذف الخبر لدلالة السابق عليه، وفائدة الفصل في الخبر هي: التنبيه على أنّ كونهم أولياء بعد كونه سبحانه وليّاً، ثمّ بجعله إيّاهم أولياء، ففي الحقيقة هو الوليّ. انتهى.
ولا يخفى على المتأمّل أنّ المآل متّحد والمورد واحد، وممّا تقرر يعلم أنّ قول الحلبـي: ويحتمل وجهاً آخر، وهو: أنّ وليّاً زنة فعيل، وقد نصّ أهل اللسان أنّه يقع للواحد والاثنين والجمع تذكيراً وتأنيثاً بلفظ واحد، كـ(صديق)، غير واقع موقعه؛ لأنّ الكلام فيه سرّ بياني، وهو: نكتة العدول من لفظ إلى لفظ..
ولا يرد على ما قدّمنا أنّه: لو كان التقدير كذلك لنافى حصر الولاية في الله تعالى ثمّ إثباتها للرسول(صلّى الله عليه وسلّم) وللمؤمنين؛ لأنّ الحصر باعتبار أنّه سبحانه الوليّ أصالة وحقيقة، وولاية غيره إنّما هي بالإسناد إليه عزّ شأنه.
(( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )) بدل من الموصول الأوّل، أو صفة له باعتبار إجرائه مجرى الأسماء؛ لأنّ الموصول وصلَة إلى وصف المعارف بالجمل، والوصف لا يوصف إلاّ بالتأويل، ويجوز أن يعتبر منصوباً على المدح، ومرفوعاً عليه أيضاً، وفي قراءة عبد الله: (( و - الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ )) بالواو.
(( وَهُم رَاكِعُونَ )): حال من فاعل الفعلين، أي: يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعون لله تعالى.
وقيل: هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة، والركوع ركوع الصلاة، والمراد بيان كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه.
وغالب الأخباريين على أنّها نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه؛ فقد أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متّصل، قال: (( أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) فقالوا: يا رسول الله! إنّ منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدّث دون هذا المجلس، وإنّ قومنا لمّا رأونا آمنا بالله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم) وصدّقناه رفضونا، وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا، ولا يناكحونا، ولا يكلّمونا، فشقّ ذلك علينا.
فقال لهم النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم): إنّما وليّكم الله ورسوله.
ثمّ إنّه (صلّى الله عليه وسلّم) خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع، فبصر بسائل، فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: نعم، خاتم من فضّة. فقال: من أعطاكه؟ فقال: ذلك القائم. وأومأ إلى عليّ كرّم الله تعالى وجهه، فقال النبـيّ (صلّى الله عليه وسلّم): على أيّ حال أعطاك؟ فقال: وهو راكع. فكبر النبـيّ (صلّى الله عليه وسلّم) ثمّ تلا هذه الآية ))، فأنشأ حسان رضي الله تعالى عنه يقول:
أبا حسن تفديك نفسي ومهجتي ***** وكلّ بطيء في الهدى ومسارع
أيذهب مديحك المحبّر ضائعاً ***** وما المدح في جنب الإله بضائع
فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً ***** زكاة فدتك النفس يا خير راكــع
فأنزل فيك الله خير ولايــــة ***** وأثبتها أثنا كتاب الشرائـــع
واستدلّ الشيعة بها على إمامته كرّم الله تعالى وجهه، ووجه الاستدلال بها عندهم أنّها بالإجماع أنّها نزلت فيه كرّم الله تعالى وجهه، وكلمة (إِنَّمَا) تفيد الحصر، ولفظ الوليّ بمعنى المتولّي للأمور والمستحقّ للتصرّف فيها، وظاهر أنّ المراد هنا: التصرّف العام المساوي للإمامة، بقرينة ضم ولايته كرّم الله تعالى وجهه بولاية الله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم)، فثبتت إمامته وانتفت إمامة غيره وإلاّ لبطل الحصر، ولا إشكال في التعبير عن الواحد بالجمع؛ فقد جاء في غير ما موضع، وذكر علماء العربية أنّه يكون لفائدتين: تعظيم الفاعل، وأنّ من أتى بذلك الفعل عظيم الشأن بمنزلة جماعة، كقوله تعالى: (( إِنَّ إِبراهِيمَ كَانَ أُمَّةً )) (النحل:12)، ليرغب الناس في الإتيان بمثل فعله، وتعظيم الفعل أيضاً حتى أنّ فعله سجية لكلّ مؤمن، وهذه نكتة سرية (سارية) تعتبر في كلّ مكان بما يليق به.
وقد أجاب أهل السُنّة عن ذلك بوجوه:
الأوّل: النقض، بأنّ هذا الدليل كما يدلّ بزعمهم على نفي إمامة الأئمّة المتقدّمين كذلك يدلّ على سلب الإمامة عن الأئمّة المتأخّرين، كالسبطين رضي الله تعالى عنهما وباقي الاثني عشر رضي الله تعالى عنهم أجمعين بعين ذلك التقرير، فالدليل يضر الشيعة أكثر ممّا يضر أهل السُنّة كما لا يخفى.
ولا يمكن أن يقال: الحصر إضافي بالنسبة إلى من تقدّمه؛ لأنّا نقول: إنّ حصر ولاية من استجمع تلك الصفات لا يفيد إلاّ إذا كان حقيقياً، بل لا يصحّ لعدم استجماعها فيمن تأخّر عنه كرّم الله تعالى وجهه.
وإن أجابوا عن النقض بأنّ المراد حصر الولاية في الأمير كرّم الله تعالى وجهه في بعض الأوقات، أعني: وقت إِمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهم رضي الله تعالى عنهم، قلنا: فمرحباً بالوفاق؛ إذ مذهبنا أيضاً أنّ الولاية العامّة كانت له وقت كونه إماماً، لا قبله، وهو زمان خلافة الثلاثة، ولا بعده، وهو زمان خلافة من ذكر.
فإن قالوا: إنّ الأمير كرّم الله تعالى وجهه لو لم يكن صاحب ولاية عامّة في عهد الخلفاء يلزمه نقص بخلاف وقت خلافة أشباله الكرام رضي الله تعالى عنهم، فإنّه لمّا لم يكن حيّاً لم تصر إمامة غيره موجبة لنقص شرفه الكامل؛ لأنّ الموت رافع لجميع الأحكام الدنيوية.
يقال: هذا فرار وانتقال إلى استدلال آخر ليس مفهوماً من الآية؛ إذ مبناه على مقدّمتين: الأولى: إنّ كون صاحب الولاية العامّة في ولاية الآخر -. ولو في وقت من الأوقات -. غير مستقلّ بالولاية نقص له، والثانية: إنّ صاحب الولاية العامّة لا يلحقه نقص مّا بأي وجه وأي وقت كان، وكلتاهما لا يفهمان من الآية أصلاً كما لا يخفى على ذي فهم..
على أنّ هذا الاستدلال منقوض بالسبطين زمن ولاية الأمير كرّم الله تعالى وجهه، بل وبالأمير أيضاً في عهد النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم).
والثاني: إنّا لا نسلّم الإجماع على نزولها في الأمير كرّم الله تعالى وجهه؛ فقد اختلف علماء التفسير في ذلك، فروى أبو بكر النقّاش صاحب التفسير المشهور عن محمد الباقر رضي الله تعالى عنه: أنّها نزلت في المهاجرين والأنصار، وقال قائل: نحن سمعنا أنّها نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه، فقال: هو منهم، يعني أنّه كرّم الله تعالى وجهه داخل أيضاً في المهاجرين والأنصار ومن جملتهم.
وأخرج أبو نعيم في (الحلية) عن عبد الملك بن أبـي سليمان وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبـي حاتم عن الباقر رضي الله تعالى عنه أيضاً نحو ذلك، وهذه الرواية أوفق بصيغ الجمع في الآية.
وروى جمع من المفسّرين عن عكرمة أنّها نزلت في شأن أبـي بكر رضي الله تعالى عنه.
والثالث: أنّا لا نسلّم أنّ المراد بالوليّ: المتولّي للأمور والمستحقّ للتصرّف فيها تصرّفاً عامّاً، بل المراد به: الناصر، لأنّ الكلام في تقوية قلوب المؤمنين وتسليتها وإزالة الخوف عنها من المرتدّين، وهو أقوى قرينة على ما ذكره، ولا يأباه الضم، كما لا يخفى على من فتح الله تعالى عين بصيرته.
ومن أنصف نفسه علم أنّ قوله تعالى في ما بعد: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُم هُزُواً وَلَعِباً مّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَـابَ مِن قَبلِكُم وَالكُفَّارَ أَولِيَاء )) (المائدة:57) آبٍ عن حمل الوليّ على ما يساوي الإمام الأعظم؛ لأنّ أحداً لم يتّخذ اليهود والنصارى والكفّار أئمّة لنفسه، وهم أيضاً لم يتّخذ بعضهم بعضاً إماماً، وإنّما اتّخذوا أنصاراً وأحباباً.
وكلمة (إِنَّمَا) المفيدة للحصر تقتضي ذلك المعنى أيضاً؛ لأنّ الحصر يكون في ما يحتمل اعتقاد الشركة والتردّد والنزاع، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردّد ونزاع في الإمامة وولاية التصرّف، بل كان في النصرة والمحبّة.
والرابع: أنّه لو سلم أنّ المراد ما ذكروه، فلفظ الجمع عام، أو مساوٍ له - كما ذكره المرتضى في (الذريعة)، وابن المطهّر في (النهاية) - والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، كما اتّفق عليه الفريقان، فمفاد الآية حينئذٍ حصر الولاية العامّة لرجال متعدّدين يدخل فيهم الأمير كرّم الله تعالى وجهه، وحمل العام على الخاص خلاف الأصل، لا يصحّ ارتكابه بغير ضرورة ولا ضرورة.
فإن قالوا: الضرورة متحقّقة هاهنا إذ التصدّق على السائل في حال الركوع لم يقع من أحد غير الأمير كرّم الله تعالى وجهه، قلنا: ليست الآية نصّاً في كون التصدّق واقعاً في حال ركوع الصلاة؛ لجواز أن يكون الركوع بمعنى التخشّع والتذلّل لا بالمعنى المعروف في عرف أهل الشرع، كما في قوله:
لا تهين الفقير علّك أن ***** (تركع) يوماً والدهر قد رفعه
وقد استعمل بهذا المعنى في القرآن أيضاً، كما قيل في قوله سبحانه: (( وَاركَعِي مَعَ الراكِعِينَ )) (آل عمران:43)؛ إذ ليس في صلاة من قبلنا من أهل الشرائع ركوع هو أحد الأركان بالإجماع، وكذا في قوله تعالى: (( وَخَرَّ رَاكِعاً )) (ص:24)، وقوله عزّ وجلّ: (( وَإذَا قِيلَ لَهُمُ اركَعُوا لاَ يَركَعُونَ )) (المرسلات:48) على ما بيّنه بعض الفضلاء، وليس حمل الركوع في الآية على غير معناه الشرعي بأبعد من حمل الزكاة المقرونة بالصلاة على مثل ذلك التصدّق، وهو لازم على مدّعى الإمامية قطعاً.
وقال بعض منّا أهل السُنّة: إنّ حمل الركوع على معناه الشرعي وجعل الجملة حالاً من فاعل (( يُؤتُونَ )) يوجب قصوراً بيّناً في مفهوم (( يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ ))؛ إذ المدح والفضيلة في الصلاة كونها خالية عمّا لا يتعلّق بها من الحركات سواءً كانت كثيرة أم قليلة، غاية الأمر أنّ الكثيرة مفسدة للصلاة دون القليلة، ولكن تؤثّر قصوراً في معنى إقامة الصلاة ألبتة، فلا ينبغي حمل كلام الله تعالى الجليل على ذلك، انتهى.
وبلغني أنّه قيل لابن الجوزي رحمه الله تعالى: كيف تَصَدَّقَ عليّ كرّم الله تعالى وجهه بالخاتم وهو في الصلاة، والظنّ فيه -. بل العلم الجازم - أنّ له كرّم الله تعالى وجهه شغلاً شاغلاً فيها عن الالتفات إلى ما لا يتعلّق بها، وقد حكي ممّا يؤيد ذلك كثير؟ فأنشأ يقول:
يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ***** عن النديم ولا يلهو عن الناس
أطاعه سكره حتى تمكّن من ***** فعل الصحاة فهذا واحد الناس
وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي قدس سره عن أصل الاستدلال، بأنّ: الدليل قائم في غير محلّ النزاع، وهو كون عليّ كرّم الله تعالى وجهه إماماً بعد رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) من غير فصل؛ لأنّ ولاية الذين آمنوا على زعم الإمامية غير مرادة في زمان الخطاب، لأنّ ذلك عهد النبوّة، والإمامة نيابة، فلا تتصوّر إلاّ بعد انتقال النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، وإذا لم يكن زمان الخطاب مراداً، تعيّن أن يكون المراد الزمان المتأخر عن زمن الانتقال ولا حدّ للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلى الأمير كرّم الله تعالى وجهه بعد مضي زمان الأئمّة الثلاثة، فلم يحصل مدّعى الإمامية.
ومن العجائب أنّ صاحب (إظهار الحقّ) قد بلغ سعيه الغاية القصوى في تصحيح الاستدلال بزعمه، ولم يأت بأكثر ممّا يضحك الثكلى، وتفزع من سماعه الموتى؛ فقال: إنّ الأمر بمحبّة الله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وسلّم) يكون بطريق الوجوب لا محالة، فالأمر بمحبّة المؤمنين المتّصفين بما ذكر من الصفات وولايتهم أيضاً كذلك، إذ الحكم في كلام واحد يكون موضوعه متّحداً أو متعدّداً أو متعاطفاً، لا يمكن أن يكون بعضه واجباً وبعضه مندوباً، وإلاّ لزم استعمال اللفظ بمعنيين، فإذا كانت محبّة أولئك المؤمنين وولايتهم واجبة وجوب محبّة الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وسلّم) امتنع أن يراد منهم كافة المسلمين وكلّ الأمّة، باعتبار أنّ من شأنّهم الاتّصاف بتلك الصفات؛ لأنّ معرفة كلّ منهم ليحبّ ويوالي ممّا لا يمكن لأحد من المكلفين بوجه من الوجوه، وأيضاً قد تكون معاداة المؤمنين لسبب من الأسباب مباحة بل واجبة، فتعين أن يراد منهم البعض، وهو عليّ المرتضى كرّم الله تعالى وجهه. انتهى.
ويرد عليه: أنّه مع تسليم المقدّمات أين اللزوم بين الدليل والمدّعى؟ وكيف استنتاج المتعين من المطلق؟
وأيضاً لا يخفى على من له أدنى تأمّل أنّ موالاة المؤمنين من جهة الإيمان أمر عام بلا قيد ولا جهة، وترجع إلى موالاة إيمانهم في الحقيقة، والبغض لسبب غير ضار فيها.
وأيضاً ماذا يقول في قوله سبحانه: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَـاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ... )) (التوبة:71) الآية؟
وأيضاً ماذا يجاب عن معاداة الكفّار، وكيف الأمر فيها وهم أضعاف المؤمنين؟ ومتى كفت الملاحظة الإجمالية هناك فلتكف هنا، وأنت تعلم أنّ ملاحظة الكثرة بعنوان الوحدة ممّا لا شك في وقوعها، فضلاً عن إمكانها.
والرجوع إلى علم الوضع يهدي لذلك، والمحذور كون الموالاة الثلاثة في مرتبة واحدة وليس فليس، إذ الأولى: أصل. والثانية: تبع. والثالثة: تبع التبع، فالمحمول مختلف، ومثله الموضوع؛ إذ الموالاة من الأمور العامّة، وكالعوارض المشكّكة، والعطف موجب للتشريك في الحكم لا في جهته، فالموجود في الخارج الواجب والجوهر والعرض مع أنّ نسبة الوجود إلى كلّ غير نسبته إلى الآخر، والجهة مختلفة بلا ريب، وهذا قوله سبحانه: (( قل هَـذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي )) (يوسف:108)، مع أنّ الدعوة واجبة على الرسول(صلّى الله عليه وسلّم) مندوبة في غيره، ولهذا قال الأُصوليون: القِران في النظم لا يوجب القِران في الحكم، وعدوا هذا النوع من الاستدلال من المسالك المردودة.
ثمّ إنّه أجاب عن حديث عدم وقوع التردد مع اقتضاء (إِنَّمَا) له بأنّه: يظهر من بعض أحاديث أهل السُنّة أنّ بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم التمسوا من حضرة النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم) الاستخلاف؛ فقد روى الترمذي عن حذيفة (( أنّهم قالوا: يا رسول الله لو استخلفت؟ قال: (لو استخلفت عليكم فعصيتموه عُذّبتم، ولكن ما حدّثكم حذيفة فصدّقوه، وما أقرأكم عبد الله فاقرؤوه ) )).
وأيضاً استفسروا منه عليه الصلاة والسلام عمّن يكون إماماً بعده(صلّى الله عليه وسلّم)؛ فقد أخرج أحمد عن عليّ كرّم الله تعالى وجهه، قال: (( قيل: يا رسول الله من نؤمّر بعدك؟ قال: (إن تؤمروا أبا بكر رضي الله تعالى عنه تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة، وإن تؤمّروا عمر رضي الله تعالى عنه تجدوه قوياً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تؤمّروا عليّاً -. ولا أراكم فاعلين -. تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الصراط المستقيم ) ))، وهذا الإلتماس والاستفسار يقتضي كلّ منهما وقوع التردد في حضوره(صلّى الله عليه وسلّم) عند نزول الآية، فلم يبطل مدلول (إِنَّمَا). انتهى.
وفيه أنّ محض السؤال والاستفسار لا يقتضي وقوع التردد، نعم لو كانوا شاوروا في هذا الأمر ونازع بعضهم بعضاً بعدما سمعوا من النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم) جواب ما سألوه لتحقّق المدلول، وليس فليس، ومجرد السؤال والاستفسار غير مقتض لـ(إنّما) ولا من مقاماته، بل هو من مقامات (إنّ)، والفرق مثل الصبح ظاهر، وأيضاً لو سلّمنا التردد، ولكن كيف العلم بأنّه بعد الآية أو قبلها، منفصلاً أو متّصلاً، سبباً للنزول أو اتّفاقياً، ولا بدّ من إثبات القبلية والاتّصال والسببية، وأين ذلك؟ والاحتمال غير مسموع ولا كاف في الاستدلال.
وبعد هذا كلّه الحديث الثاني ينافي الحصر صريحاً؛ لأنّه(صلّى الله عليه وسلّم) في مقام السؤال عن المستحقّ للخلافة ذكر الشيخين، فإن كانت الآية متقدّمة لزم مخالفة الرسول(صلّى الله عليه وسلّم) القرآن، أو بالعكس لزم التكذيب، والنسخ لا يعقل في الأخبار على ما قرر، ومع ذا تقدم كلّ على الآخر مجهول فسقط العمل.
فإن قالوا: الحديث خبر الواحد، وهو غير مقبول في باب الإمامة.
قلنا: وكذلك لا يقبل في إثبات التردد والنزاع الموقوف عليه التمسّك بالآية، والحديث الأوّل يفيد أنّ ترك الاستخلاف أصلح فتركه -. كما تفهمه الآية بزعمهم -. تركه، وهم لا يجوّزونه؛ فتأمّل!
وذكر الطبرسي في (مجمع البيان) وجهاً آخر غير ما ذكره صاحب (إظهار الحقّ) في أنّ الولاية مختصّة، وهو: (( أنّه سبحانه قال: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ))، فخاطب جميع المؤمنين، ودخل في الخطاب النبـيّ(صلّى الله عليه وسلّم) وغيره، ثمّ قال تعالى: (( وَرَسُولُهُ )) فأخرج نبيّه عليه الصلاة والسلام من جملتهم؛ لكونهم مضافين إلى ولايته، ثمّ قال جلّ وعلا: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا )) فوجب أن يكون الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية، وإلاّ لزم أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه، وأن يكون كلّ واحد من المؤمنين وليّ نفسه وذلك محال )). انتهى.
وأنت تعلم أنّ المراد ولاية بعض المؤمنين بعضاً، لا أن يكون كلّ واحد منهم وليّ نفسه، وكيف يتوهّم من قولك مثلاً: أيّها الناس لا تغتابوا الناس، أنّه نهي لكلّ واحد من الناس أن يغتاب نفسه؟
وفي الخبر أيضاً: (صوموا يوم يصوم الناس)، ولا يختلج في القلب أنّه أمر لكلّ أحد أن يصوم يوم يصوم الناس، ومثل ذلك كثير في كلامهم.
وما قدّمناه في سبب النزول ظاهر في أنّ المخاطب بذلك: ابن سلام وأصحابه.
وعليه لا إشكال إلاّ أنّ ذلك لا يعّد مخصّصاً، كما لا يخفى، فالآية على كلّ حال لا تدلّ على خلافة الأمير كرّم الله تعالى وجهه على الوجه الذي تزعمه الإمامية، وهو ظاهر لمن تولّى الله تعالى حفظ ذهنه عن غبار العصبية.
*************************
ما جواب هذا التفسير؟




الجواب:




أوّلاً: قال: (( ثمّ إنّه سبحانه لمّا قال: (( لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء )) وعلّله بما علّله... إلى قوله: فاختصّوهم بالموالاة ولا تتخطوهم إلى الغير )).. وقد حاول فيه أن يدّعي وحدة السياق وإن لم يصرّح به، ولكن ظاهر عبارته ذلك، من خلال ربطه بين هذه الآية وبين الآيات التي سبقتها، الناهية عن ولاية اليهود والنصارى، وهو هنا لم يفسّر الولاية في هذه الآية وإنّما أورد نفس معناها في الآية السابقة عليها، وقد ذكر هناك أنّ المراد: النهي عن ولاية النصرة لليهود والنصارى، وما فعل ذلك إلاّ لكي لا يلزم بما سوف يرد عليه ممّا سنذكره! محاولاً - بهذه التعمية في العبارة - التخلّص من القصر الظاهر من لفظة (( إِنَّمَا ))، المنافي لولاية النصرة.
ومحاولة الاستدلال بوحدة السياق ذكرها قبله كثير من علماء أهل السُنّة، منهم التفتازاني في (شرح المقاصد)(1)، وابن حجر الهيثمي في (الصواعق المحرقة)(2)، وأشار إليها أكثر من فسّر هذه الآية منهم.
وقد أجاب علماؤنا عن ذلك قديماً، ولكن الآلوسي غضّ الطرف عن أجوبتهم لما يريد من غاية، وإلاّ لو كان من أهل التحقيق لأوردها ثمّ ذكر ما يمكن أن يجيب عنها، لا أن يطرح كلامه - تبعاً وتقليداً لسلفه - كأنّه آخر ما قيل ولا معقّب عليه!
وأمّا ما يرد على إدّعاهم بوحدة السياق، فأُمور:
1- إنّ سبب النزول كما هو الصحيح يردّ وحدة السياق.
2- عدم وجود وحدة السياق بين الآية المقصودة وهذه الآية؛ لبعدها أوّلاً، ولفصلها بآية الارتداد ثانياً. وهذا ظاهر واضح لمن قرأ الآيات من قوله: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )), إلى الآيات الثلاث بعدها؛ فإنّها مترابطة المعنى، مفصولة عمّا بعدها.
3- وجود كثير من الآيات في القرآن أوّلها في شيء ووسطها في شيء وآخرها في شيء، بل مجيء آية لها معنى خاص في وسط آيات متّحدة المعنى لا علاقة لها بهنّ.
فإذا تعارض الدليل مع السياق قُدّم الدليل؛ لاتّفاق الجميع على أنّ الآيات لم تترتّب على ترتيب النزول.
4- إنّ الولاية في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء )), ليست بمعنى: النصرة؛ لأنّ هذا المعنى إن فرض صدقه بالنسبة لليهود في المدينة لا يمكن أن يصدق بالنسبة للنصارى؛ لأنّه لم يكن لهم وجود معتد به فيها..
وكذلك لا يلائم قوله تعالى: (( بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ ))؛ لأنّها تدلّ على ولاية المحبّة والاتّحاد من جهة وحدة القومية والدين عند اليهود والنصارى، ومن دون حاجة إلى وقوع تحالف بينهم على النصرة. بل لم يكن هناك تحالف بين اليهود والنصارى سوى اجتماعهم على معاداة الإسلام.
ولا يلائم قوله: (( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم ))؛ لأنّ موالاة النصرة لآخرين لا تجعله منهم، وإنّما موالاة المحبّة والألفة هي التي تجعله كأنّه منهم، فلا يتم معناهما إلاّ إذا كانت الولاية فيهما بمعنى: المحبّة؛ فإنّ ولاية المحبّة هي التي تجعل اليهود أولياء بعضهم لبعض لا النصرة، وهي التي تجعل من يحبّهم كأنّه منهم وجداناً لا ولاية الحلف والنصرة، وقد قال الله تعالى في كتابه: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاءَ تُلقُونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ )) (الممتحنة:1)، كيف؟! وقد كان بين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين اليهود عهود ومواثيق(3).
5- لا يصحّ جعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وليّاً للمؤمنين كما في الآية بمعنى: النصرة، بل إمّا أن يكون النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين جميعاً ينصرون دين الله، أو أنّ الناس ينصرون رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّه المبلّغ بالدين والرسول عن الله، أو أنّ الله ينصر رسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين..
وأمّا أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يكون ناصراً للمؤمنين فليس يصح، ولم يرد فيه آية من القرآن، ومنه يظهر أنّ الولاية هنا ولاية التصرّف لا ولاية النصرة(4).
6- إنّ القول: بأنّ الولاية في الآية هي ولاية النصرة تبعاً للسياق المفترض من أنّ النهي في الآية الأولى منصبّ على ولاية النصرة لليهود والنصارى، لا يجتمع مع أداة الحصر (إنّما)، ولا مع الضمير (كم) في (( وَلِيُّكُمُ ))؛ لأنّ ولاية النصرة عامّة لا تنحصر بالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وقوله: (( وَلِيُّكُمُ )) يحتاج إلى آخرين مخاطبين غير من ثبتت له الولاية، ولا يمكن أن يخاطب المؤمنون كلّهم بلفظة (( وَلِيُّكُمُ ))، فثبت أنّ من ثبتت له الولاية بعض المؤمنين لا كلّهم.
7- إنّ القول: بأنّ الولاية في الآية تعني: الأولى بالأمر، لا ينافي السياق، ولا يتعارض مع المناسبة المدّعاة بين الآيات؛ لأنّ ولاية الأمر تشمل ولاية النصرة والمحبّة وغيرها، فثبتت المناسبة.
8- إنّ جعل المقصود من قوله: (( الَّذِينَ آمَنُوا )): عموم المسلمين، وبالتالي جعل الحصر المستفاد من (إنّما) خاصّاً بالله ورسوله والمؤمنين جميعاً دون اليهود والنصارى والمنافقين والذين في قلوبهم مرض، ويكون المعنى، كما قال الآلوسي: (( لا تتّخذوا أولئك أولياء؛ لأنّ بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم إنّما أولياؤكم الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنون فاختصوهم بالمولاة ولا تتخطّوهم إلى الغير... ))، منافٍ ومعارَض بالجملة الحالية في قوله تعالى: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), وسيأتي بيانه.
ثانياً: قوله: (( وأفرد الوليّ مع تعدّده ليفيد كما قيل: أنّ الولاية لله تعالى بالأصالة... (إلى قوله? لأنّ الحصر باعتبار أنّه سبحانه الوليّ أصالة وحقيقة، وولاية غيره إنّما هي بالإسناد إليه عزّ شأنه )).
والجواب عليه:
1- انتقل الآلوسي هنا إلى تعليل الإفراد في لفظة (( وَلِيُّكُمُ )) وكأنّه قد فرغ من معناها، في ما حاول الإشارة إليه بأنّها بمعنى الولاية الواردة في آية النهي عن ولاية اليهود، مع أنّه لم يورد لفظاً صريحاً على معناها هنا!
والتحقيق: انّ معنى الولاية في الآية: (الأولى بالأمر)؛ لما ثبت في اللغة من أنّ الوليّ: من كان أولى بالأمر في كلّ شيء، ولا يمكن أن يراد بها هنا: النصرة أو المحبّة؛ لمكان أداة الحصر (إنّما)، فلو كان المراد بها: النصرة والمحبّة لناقض الحصر، لأنّهما ثابتتان لجميع المسلمين، فلا مورد لمجيء (إنّما) هنا، ومن هنا حاولوا تفسير: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) بأنّها تشمل جميع المؤمنين. وسيأتي بيان الخطل في ذلك.
2- إنّ لفظة (( وَلِيُّكُمُ )) جاءت في الآية مفردة، وأثبتها الله لنفسه أوّلاً، ثمّ أثبتها لرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالعطف ثانياً، ثمّ للذين آمنوا الموصوفون بالصفة المذكورة ثالثاً، فدلّ على أنّ ما ثبت للذين آمنوا هو نظير ما ثبت لله ولرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّ المعنى المراد الثابت للجميع واحد، هذا هو الظاهر من اللفظ.
نعم، يثبت من دليلين عقليين: الأوّل: أنّ الولاية لله بالأصالة، والثاني: أنّه لا يجتمع وليّان عرضاً في وقت واحد، أنّ الولاية الثابتة هنا طولية، وأنّها بالأصالة لله، ثمّ لرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ لمن صفته كذا من المؤمنين بالتبع.
3- إنّ إفراد لفظة (( وَلِيُّكُمُ )) فيها إشارة إلى أنّ المراد من (( الَّذِينَ آمَنُوا )) واحد في كلّ عصر، وهذه وسابقتها نكتة بيانية مهمّة يحتاجها بيان المعنى الزائد في الآية.
وأمّا ما نقله من أنّ النكتة في إفراد الولاية هي: لبيان أنّها بالأصالة لله ثمّ للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا بالتبع، ليس على استقامته، إذ أنّ استفادة ذلك، كما قدّمنا، من دليل خارج من الآية، ويتم حتى لو جاءت الولاية بالجمع، مع ما في قوله (( وأفرد الوليّ مع تعدّده )) من مصادرة على المطلوب؛ فإنّ إفراد الوليّ في (( وَلِيُّكُمُ )) يشير إلى أنّه واحد، كما قدمنا، وقوله (( مع تعدّده )) أوّل الكلام! ويحتاج إلى إثبات، كما سيأتي.
ومن هذا يظهر أنّه لا يحتاج إلى تقدير في الكلام، كما نقله عن صاحب (الفرائد)؛ لأنّ المعنى، على ما قدّمنا، تام بدون تقدير، ولكنّهم اضطرّوا إليه لمّا صرفوا المعنى إلى الجميع؛ فلاحظ!
ويظهر أيضاً صحّة المنافاة المدّعاة لو كان التقدير على الجمع - أي: أوليائكم - لأداة الحصر (إنّما)؛ فإنّه لا يظهر من الأداة حصر الولاية في الله أصالة، ثمّ إنّها للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا بالتبع، وإنّما يظهر منها الحصر بالله وبمن عطف عليه، وهو النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا بالتساوي..
نعم، قلنا يظهر من دليل خارج أنّها بالأصالة لله وبالتبع لغيره، فالتقدير اللغوي بأنّ الولاية للجميع ينافي وضع (إنّما) للحصر لغةً؛ فلاحظ!
4- قد تقدّم أنّ الولاية في الآية ثابتة بمعنى واحد للكلّ، وقد ذكر الله في القرآن لنفسه نوعين من الولاية: الولاية التكوينية كما في قوله تعالى: (( أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الوَلِيُّ )) (الشورى:9)، وهي عامّة شاملة لولاية النصرة. والولاية التشريعية كما في قوله تعالى: (( اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخرِجُهُم مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَولِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخرِجُونَهُم مِنَ النُّورِ )) (البقرة:257)..
وأثبت لنبيّه الولاية التشريعية، كما في قوله تعالى: (( النَّبِيُّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم )) (البقرة:257)، وقوله تعالى: (( وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم )) (الأحزاب:6)، وقد مضى عدم صحّة كون الولاية للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمعنى النصرة.
فبالتالي لو كان المراد من (( الَّذِينَ آمَنُوا )) جميع المؤمنين، كان معنى الولاية الثابتة في حقّهم غير معناها بالنسبة لله؛ إذ لا تخرج الولاية بالنسبة إليهم عن معنى النصرة أو المحبّة وهي غير ولاية الله وولاية رسوله، كما قدّمنا، مع أنّا نلاحظ من السياق إشراك الجميع بالعطف على هذا المعنى الواحد من الولاية، الذي جاء على المفرد، فلو كانت الولاية تثبت للجميع وهي بمعنى آخر لاحتاج إلى أن تذكر ولاية أُخرى في المقام؛ رفعاً للإلتباس، كما قال تعالى: (( قُل أُذُنُ خَيرٍ لَّكُم يُؤمِنُ بِاللّهِ وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنِينَ )) (الأحزاب:36)، فكرر الإيمان وفرقه بين الله تعالى بتعديته بالباء، وبين المؤمنين بتعديته باللام(5).
ثالثاً: قوله: (( ((الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ )) بدل من الموصول الأوّل... إلى قوله: وهم خاشعون ومتواضعون لله تعالى. وقيل: هو حال مخصوصة بإيتاء الزكاة والركوع ركوع الصلاة، والمراد: بيان كمال رغبتهم في الإحسان، ومسارعتهم إليه )).
والجواب عليه:
1- إنّ إعراب الجملة: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ )) في الآية على أنّها بدل أو صفة لا يؤثّر في الاستدلال، والتعبير عنها في رواياتنا بأنّ الله سبحانه وصفه بكذا(6)، أو قول علمائنا وبعض علماء السُنّة بأنّ الله وصف الذين آمنوا بكذا(7)، قد يراد به النعت المعروف في النحو، وقد يراد به البيان والتفسير، فلا ينافي أن يكون بدلاً(8). وعلى كلّ حال فإنّ المعنى يكون: إنّ الذين آمنوا من صفتهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الركوع.
2- لقد اعترف الآلوسي هنا، منتحلاً كلام الزمخشري(9) أنّ جملة: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) حال، ولكنّه قال:
إنّها حال من فاعل الفعلين، أي: من جملة (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ ))، ليصحّ له ما ادّعاه من أنّ الركوع بمعنى: الخشوع، ولكن قوله: (( وَهُم رَاكِعُونَ )) حال للجملة الأقرب، وهي: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ ))، ولا دليل على أنّها حال للجملتين، فيكون المعنى: ويؤتون الزكاة وهم في حال الركوع، لا كما فعل معظم أسلافه(10)، في محاولة لصرفها عن عليّ(عليه السلام)، بجعل الجملة (( وَهُم رَاكِعُونَ )) معطوفة على الجملة السابقة التي هي صلة الموصول؛ فإنّ الواو هنا حاليّة وليس عاطفة، كما هو ظاهر اللغة العربية، فإنّ المفهوم من قول القائل: (( فلان يغشى إخوانه وهو راكب ))، معنى الحال، أي: أنّه يغشى حال ركوبه، وكذلك لو قال: (( لقيت فلاناً وهو يأكل ))، كان معناه: لقائه حال الأكل.
3- ولكنّه حاول صرفها عن عليّ(عليه السلام) بطريق آخر! بأن قال - كما قاله القوشجي(11) وغيره من قبله -: إنّ المراد من الركوع ليس الركوع المعروف، وهو: الانحناء، وإنّما معناه: الخشوع والتواضع، فيكون المعنى على قولهم: أنّهم يأتون الزكاة وهم خاشعون متواضعون. وهذا خلاف ظاهر اللفظ أيضاً؛ لأنّ المعروف في العربية أنّ الركوع هو التطأطؤ المخصوص والانحناء، وهو معناه حقيقة، وإنّما شبّه به الخضوع والخشوع على نحو المجاز، فقد أنشد لبيد:
أخبر أخبار القرون التي مضت ***** أدب كأنّي كلّما قمت راكع(12)
فالحمل على الحقيقة أولى، ولا يحمل على المجاز إلاّ بقرينة، كما قال الشاعر:
لا تهن الكريم علّك أن تركع ***** يوماً والدهر قد رفعه(13)
فإنّه أراد به: علّك أن تخضع يوماً، بقرينة: لا تهن الكريم والدهر قد رفعه(14).
وقد قال صاحب (العين) الفراهيدي: (( كلّ شيء ينكب لوجهه فيمس ركبته الأرض أو لا يمس بعد أن يطأطئ رأسه فهو راكع ))(15)، وغيرها من أقوال أصحاب اللغة(16).
وكذلك يفهم من الركوع في الحقيقة الشرعية التطأطؤ المخصوص في الصلاة دون التواضع والخشوع، فالحمل على الحقيقة الشرعية أولى من حمله على التواضع والخشوع، كما سلف من أنّه جاء لبيان حال إعطاء الزكاة وهو في الركوع، بل قال الآلوسي نفسه: قوله تعالى: (( وَاركَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ )) (البقرة:43)، إلا أنّ الأصل في إطلاق الشرع: المعاني الشرعية(17)، فليس هناك داعٍ لحمله على خلافها سوى العصبية.
فظهر ممّا ذكرنا أنّ جعله معنى الركوع هو الخشوع والتواضع ليس له وجه أصلاً، وتضعيفه القول بأنّ معناه الانحناء والتطأطؤ المخصوص بقوله (( قيل )) ليس له وجه أيضاً، بل إنّ الظاهر والدليل مع هذا المعنى الأخير.
وقد دلّت الروايات على أنّ من أتى الزكاة وهو بحال الركوع هو: عليّ(عليه السلام) ليس غيره، كما سيأتي، فما حاول من تفسير هذا القيل بـ(الجمع) بقوله: (( والمراد: بيان كمال رغبتهم في الإحسان، ومسارعتهم إليه )) ليس في محلّه كذلك، وإنّما هو واحد، وهو: عليّ(عليه السلام).
وسيأتي من كلامه الآتي ما يدحض هذه المحاولة للتعميم بعد أن يعترف بأنّ الآية نزلت عندما تصدّق عليّ(عليه السلام) بخاتمه وهو راكع، فروايات النزول تدحض ما حاول نسبته إلى الجمع، فالسائل واحد والتصدّق واحد؛ فلاحظ!
رابعاً: قوله: (( وغالب الأخباريين على أنّها نزلت في عليّ كرّم الله وجهه، فقد أخرج الحاكم... الخ )).
والجواب عليه:
1- هذا اعتراف منه بنزول الآية بحقّ عليّ(عليه السلام)، وإن حاول التقليل من ذلك بقوله: (( غالب الأخباريين ))، ولم يقرّ، كما قرّ غيره من متكلّميهم بإجماع المفسّرين على نزولها في عليّ(عليه السلام) عندما لم يردّوا على استدلال الشيعة بذلك، كـ:عضد الدين الإيجي (ت 756هـ)، والشريف الجرجاني (ت 812هـ)(18)، وسعد الدين التفتازاني (ت 793هـ)(19)، وعلاء الدين القوشجي (ت 879هـ)(20).
2- إنّه اقتصر على رواية واحدة وهي التي فيها مجيء عبد الله بن سلام إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يذكر الروايات الأُخر الكثيرة، والتي فيها من الصحيح العديد، وكلّها تدلّ على أنّ سبب النزول هو: عليّ(عليه السلام).
ولا نطيل بذكر الأسانيد وتصحيحها، بل إثبات تواترها في أنّ الآية نزلت بحقّ عليّ(عليه السلام)، بل نحيل السائل إلى ما ذكرنا سابقاً في الأجوبة السابقة.
3- ممّا ذكرنا يظهر لك أنّ المعنيّ بـ (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) هو: عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، لا جمع من المؤمنين، ومن عَطفِها على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يثبت له نفس معنى الولاية الثابت له (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهو نفس المعنى منها الثابت لله سبحانه وتعالى، ومن الحصر الموجود في الآية بدلالة (إنّما) يثبت أنّها: خاصّة بالله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ(عليه السلام) دون غيرهم، فلا يمكن أن يراد بمعنى الولاية: النصرة أو المحبّة؛ لأنّها عامّة لجميع المؤمنين.
وبالتالي يثبت ما نقله الآلوسي من استدلال الشيعة بهذه الآية على الولاية دون نقاش، إذ قال: (( واستدلّ الشيعة بها على إمامته كرّم الله وجهه... إلى قوله: وهذه نكتة سرية (سارية) تعتبر في كلّ مكان بما يليق به )).
ويسقط كلّ ما حاول الإجابة عليه من طريق أهل السُنّة، كما سيأتي.
خامساً:قوله: (( وقد أجاب أهل السُنّة عن ذلك بوجوه: الأوّل: النقض... الخ )).
والجواب عليه:
1- إنّ هذا الكلام من تقرير استدلال الشيعة إلى آخر ما ذكره منه، والجواب عليه قد أخذه من عبد العزيز الدهلوي في (التحفة الاثني عشرية)(21)، وهو مذكور في (مختصر التحفة الاثني عشرية) لمحمود شكري الآلوسي(22)، ولكن الآلوسي الجد نسبه إلى أهل السُنّة، وأضاف إليه بعض ما يتم الاستدلال من قول الشيعة. وقد أجاب عليه علماؤنا، ومنهم السيّد أمير محمد القزويني في كتابه (الآلوسي والتشيّع)(23).
2- إنّ الدهلوي لم يقرّر دليل الشيعة بصورة تامّة، وهو وإن أخذه ظاهراً من التفتازاني في شرح المقاصد، ولكنّه بتره زيادة على ما بتره التفتازاني! ولك أن تراجع تقرير الشيعة في شرح التجريد للعلامّة الحلّي في (كشف المراد)(24)، أو (الشافي في الإمامة) للسيّد المرتضى(25).
3- إنّ الشيعة يستدلّون على ولاية عليّ(عليه السلام) من هذه الآية بهذا التقرير: إنّ الآية حصرت بظاهر اللفظ الولاية بالله سبحانه وتعالى وعطفت عليه الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا، ولا بدّ من أن يكون (( الَّذِينَ آمَنُوا ))بعض المؤمنين لا كلّهم؛ لوضوح أنّ (( الَّذِينَ آمَنُوا ))غير الذين ذُكروا بضمير (كم) المضاف في (( وَلِيُّكُمُ ))، وإلاّ لأصبح كلّ مؤمن وليّ نفسه، ولبطل الحصر؛ وكان المضاف هو المضاف إليه؛ وهو مستحيل. وإنّ معنى الولاية غير معنى النصرة؛ للحصر المذكور، فإنّ ولاية النصرة شاملة لكلّ المؤمنين، كما في قوله تعالى: (( المُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَـاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )) (التوبة:71).
وبعبارة أُخرى: إنّ الله خاطب المؤمنين بأنّ وليّكم ولا وليّ غيره هو: الله سبحانه وتعالى، فدخل في المخاطبين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ثمّ أخرجه بالعطف، فثبتت له الولاية أيضاً، ثمّ عطف الذين آمنوا على رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فثبتت لهم الولاية كذلك، ولا يمكن أن يكون الذين آمنوا نفس المخاطبين أوّلاً لما ذكرناه.
ثمّ إنّهم يقولون: أنّه قد ثبت بالإجماع أنّ الصفة المذكورة لـ(( الَّذِينَ آمَنُوا ))وهي (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))قد وقعت بالفعل الخارجي من عليّ(عليه السلام) وحده لا سواه، فثبت أنّ المراد من (( الَّذِينَ آمَنُوا ))هو: عليّ(عليه السلام) لا غيره، بنصّ الروايات وفعل وحال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) المنقول فيها؛ فإنّه خرج بعد نزول الآية يبحث عن هذا المتصدّق في حال الركوع ولم يكن إلاّ عليّ(عليه السلام).
وإعطاء حكم كلّي والإخبار بمعرف جمعي بلفظ الجمع ولا يكون المصداق الخارجي إلاّ واحد، معروف في اللغة، وهو أبلغ وأتم بياناً للمراد، وهو معروف في آيات القرآن الكريم كذلك، وعليه أكثر من شاهد.
وهم بهذا يستدلّون على أنّ المراد بـ(( الَّذِينَ آمَنُوا ))هو: عليّ(عليه السلام) ممّا وقع في الخارج وليس من ظاهر لفظ الآية، كما هو الظاهر من كلام القاضي عبد الجبّار في (المغني)(26)، ومن تقرير عبد العزيز الدهلوي والآلوسي لدليلهم؛ فلاحظ!
4- أصل هذا النقض كما نقله الأردبيلي ورد عن القوشجي عندما اعترض على اختصاصها بعليّ(عليه السلام)، وقال بأنّها ليست في حقّه؛ للجمع وللحصر، وهم - أي الشيعة - لا يقولون به، أي: لا يقولون بحصر الولاية في عليّ(عليه السلام) فقط دون أولاده(27).
5- إنّ الآية جاءت بالإخبار عن واقع خارجي وليس بالإنشاء لحكم شرعي، فلا يدخل بها كلّ من تصدّق وهو راكع، بعد أن علم بالآية وكان علمه بها دافعه للتصدّق.
وبعبارة أُخرى، كما يقول بعض علمائنا: إنّها جاءت على شكل قضية خارجية محدّدة الموضوع، لا قضية حقيقة مقدّرة الموضوع، كما يذكرون في علم المنطق.
ومن هنا كان فعل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عندما خرج يبحث عن المتصدّق حال الركوع ليبيّنه للمسلمين، وكما هو ظاهر أيضاً من الفعل المضارع (( يُؤتُونَ ))الدال على الوقوع في الحال، فتكون الآية دالّة على ولاية عليّ(عليه السلام) وأولاده(عليهم السلام) بنحو الاختصاص لا التخصيص؛ فلاحظ!
6- إنّ الولاية الحقيقة هي لله سبحانه وتعالى فقط؛ لأنّه الحاكم والمالك الحقّ، وهذا واضح، ولكن ولاية رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تكون بالطول والتبع والنيابة، فكذلك ولاية الذين آمنوا؛ فإنّ ولايتهم طولية لا عرضية، فولاية عليّ(عليه السلام) ثابتة في زمن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالطول، أي: إنّ له(عليه السلام) حقّ الطاعة من قبل المؤمنين، ولكن لوجود رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو الأولى بالطاعة، وإن كانت طاعة عليّ(عليه السلام) ثابتة أيضاً، ويدلّ على ذلك قصّة اصطفاء عليّ(عليه السلام) لجارية من سبي اليمن وشكاية بعضهم ذلك للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وجوابه بأنّه له من الحقّ أكثر من ذلك.
ومن هنا نقول: إذا كانت ولاية الأئمّة(عليهم السلام) من أولاد عليّ(عليه السلام) ثابتة بالطول وبالنيابة عن ولايته(عليه السلام) ومترتبة عليها في ذاتها وتأتي بعدها في الزمن، فلا يضرّ الحصر فيها، وإنّما يضر الحصر إذا كانت الولاية بالعرض وفي نفس وقت وزمن حياة الوليّ، أو كانت على نحو الشركة أو المعارضة أو سابقة بالزمن، كما يدّعيه أهل السُنّة لخلفائهم..
فإنّ حصر الولاية إذا ثبت لأشخاص بالطول لا يمكن أن يدخل معهم غيرهم بالعرض وفي زمنهم بما هو ثابت من معنى الإمامة، وما يثبته العقل الفطري لها من عدم جواز الشركة وتعدّد الأئمّة في وقت واحد.
فحصر الولاية بالله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ(عليه السلام) يدفع أيّ احتمال لوجود إمام آخر يتخلّل وقته بين رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ(عليه السلام)؛ لأنّه منفي بالحصر، وهو - أي: الحصر - يثبت ولاية عليّ(عليه السلام) بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلا فصل، كما يثبت عدم ولاية غيره معه.
7- من هنا يتّضح: أنّ الحصر لو كان حقيقياً فهو لا يضرّ بإمامة الأئمّة(عليهم السلام)؛ لوجوه:
أ - ما ذكرناه من أنّ ولايتهم (عليهم السلام) مترتّبة طولاً.
ب - لوجود أدلّة أُخرى على إمامتهم (عليهم السلام) بعد أبيهم (عليه السلام) بالترتيب زمناً.
ج - لما تبيّن من أنّ الآية سيقت مساق الإخبار لا التشريع، فهي تدلّ على ولايتهم (عليهم السلام) بالاختصاص لا بالتخصيص.
د - إنّ لفظ الجمع عند ذلك يشملهم ولا يعارضه اختصاص أمير المؤمنين(عليه السلام) بالتصدّق حال الركوع في وقته، وثبوت ذلك الفعل الخارجي منه بالروايات؛ لأنّ حصر واختصاص الولاية به(عليه السلام) عند ذلك يكون بما وقع خارجاً وما أشار إليه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، لا بما دلّ عليه اللفظ.
و -. وجود الروايات عندنا بأنّ الأئمّة(عليهم السلام) كلّهم يتصدّقون حال الركوع عندما يصلون إلى حدّ الإمامة.
وكذلك لا يضرّ لو كان الحصر إضافياً؛ لوجوه:
أ - إنّه حصر إضافي لما يحتمل أن يقع فيه الترديد بالإضافة إلى الثلاثة الذين تقدّموا عليه.
ب - يصحّ الحصر عند ذلك في زمن حياة عليّ(عليه السلام) فقط، كما ثبت من معنى الولاية عرفاً وعقلاً، واستحالة عدم وجودها وتعدّدها على طول الزمان إلى يوم القيامة.
ج - كذلك يصحّ الحصر في تلك الصفات (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))في الحال والآن أو في زمن حياته؛ لموقع الفعل المضارع (يؤتون) الدال على الحال.
د - بل لعلّ الحصر لا بدّ أن يكون إضافياً، إمّا لقصر الأفراد، أو القلب، أو التعيين، لما هو مركوز في العقول من عدم خلو الأرض من إمام إلى يوم القيامة، وكذلك وجود أئمّة سبقوا نبوة محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من زمن آدم(عليه السلام) لم يتصدّقوا حال الركوع.
ولكن الحصر سواءً كان إضافياً أم حقيقياً فهو ينفي إمامة الثلاثة المتقدّمين، وهذا كاف في الاستدلال.
8- إنّ بعض علمائنا عندما يقولون: أنّ الحصر إضافي، يريدون به أنّه حصر إضافي لمن كان في زمن حياة عليّ(عليه السلام)، ولمن يدّعي أنّ له الولاية والإمامة مقابله بالعرض، مقابل قول العامّة: أنّه حصر إضافة لولايته في وقت من الأوقات لا على التعيين، حتى يصدق على الوقت الذي تولّى فيه خلافة المسلمين بعد عثمان، ولكن هذا القول ينافي حصر الولاية في الآية بالله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن تصدّق وهو راكع، وهو: عليّ(عليه السلام)، وترتّب هذه الولاية بالطول، وهو واضح؛ إذ سوف يدخل بالولاية من هو خارج الحصر؛ فلاحظ!
كما أنّ ولاية السبطين(عليهما السلام) في حياته لا تعارض ولايته؛ لما قلنا من أنّ الولاية طولية، كما أنّ ولايته(عليه السلام) لا تعارض ولاية رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بل إنّ ولاية رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا تعارض ولاية الله تعالى.
9- أمّا أنّه(عليه السلام) سوف يلزمه النقص حال ولاية الثلاثة، فهو واضح؛ لأنّ ولايتهم ستكون عرضية ومعارضة لولايته، وأمّا أنّه(عليه السلام) لا يلزمه النقص بولاية سبطيه(عليهما السلام)؛ فلأنّ ولايتهما(عليهما السلام) طولية نابعة من ولايته(عليه السلام).
ثمّ إنّ هذا المعنى غير خارج من الآية بل هو داخل في معنى الولاية وطوليتها؛ لأنّ حصر الولاية بالثلاثة (الله ورسوله والذين آمنوا) يفهم منه معارضة ولاية غيرهم معهم بالعرض، ولا يعارض ولاية من يتبعهم بالطول والنيابة. ثمّ إنّ ولاية أولاده نابعة من ولايته(عليه السلام)، فكيف يكون فيها نقص عليه؟!
وهل ولاية وليّ العهد لأيّ ملك في زمن حياة الملك نقص عليه؟! ما هذا إلاّ توهم جاهل!!
سادساً:قوله: (( الثاني: إنّا لا نسلّم الإجماع على نزولها في الأمير... )).
والجواب عليه:
1- إنّ نفي الإجماع على نزولها في عليّ(عليه السلام) دفعاً بالصدور، وهو من الجحود والتعصّب الأعمى بدون دليل، كيف وقد أقرّ متكلّميكم بذلك، كما مرّ آنفاً، ولم يردوه على الشيعة!!
ثمّ كيف يكون الإجماع إذاً؟! بعد ذكر المفسّرين والمحدّثين والمتكلّمين له، ووصول العديد من الروايات الصحيحة في ذلك، إضافة للضعيفة المرسلة, هذا عندهم، فضلاً عن إجماع الشيعة من أوّلهم إلى آخرهم على ذلك.
وقد مرّ تفصيل ذلك في الإجابة على الأسئلة السابقة؛ فليراجع!
2- أمّا لجوءهم إلى الرواية عن أئمّتنا(عليهم السلام) بطرقهم بما يناقض ما قلناه متواتراً عنهم(عليهم السلام)، فهذا ممّا يضحك الثكلى، ويقتضي العجب! وهماً منهم أنّهم سوف يسكتوننا بذلك!
كيف وقد روينا عن الباقر(عليه السلام) بعدّة طرق أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام)؟!
ففي (الكافي): عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: (أمر الله عزّ وجلّ رسوله بولاية عليّ وأنزل عليه: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))... الرواية(28).
وروى الصدوق في (الأمالي) عن أبي جعفر(عليه السلام) أنّها نزلت في عليّ(عليه السلام).
والفتّال النيسابوري في رواية حجّة الوداع، والعيّاشي في تفسيره، والقمّي في تفسيره، وفرات في تفسيره، وغيرهم كثير، كلّهم عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام)(29).
بل روينا عن الباقر(عليه السلام) أنّها نزلت فيهم(عليهم السلام)، وأنّهم المؤمنون المعنيون في الآية؛ ففي (الكافي): عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: فسألته عن قول الله عزّ وجلّ: (( وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ )) (الأعراف:160)؟
قال: (إنّ الله تعالى أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن يظلم، ولكنّه خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته؛ حيث يقول: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )), يعني الأئمّة منّا)(30)..
ومثلها العديد من الروايات.
ومنها يتوضّح المراد في الرواية التي رواها عبد الملك عنه(عليه السلام) - لو صحّت - ونقلها الطبري في تفسيره: (( قال: سألته عن هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), قلنا: من الذين آمنوا؟ قال: الذين آمنوا. قلنا: بلغنا أنّها نزلت في عليّ بن أبي طالب. قال: عليّ من الذين آمنوا ))(31)؛ فإنّ الإمام(عليه السلام) هنا يريد: الذين آمنوا حقّاً، وهم الأئمّة(عليهم السلام)، والإمام عليّ(عليه السلام) أوّلهم، فيطابق ما نقله الشيعة في ذلك.
بل نقل القاضي النعمان في (شرح الأخبار): عن أبي جعفر(عليه السلام)، أنّه سئل عن قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))؟ فقال: (إيّانا عنى بالذين آمنوا ها هنا، وعليّ(عليه السلام) أوّلنا وأفضلنا)(32)، وهذا هو الصحيح من الرواية.
ولكن انظر كم اختلفوا في نقل نصّ هذه الرواية نفسها عن عبد الملك!! فمرّة المؤمنون، وأُخرى المسلمون، وأُخرى المهاجرون والأنصار، مع أنّ السند واحد!!
3- وأعجب من ذلك ما نقلوه عن عكرمة الكذّاب الخارجي أنّها نزلت في أبي بكر(33)!!! بل العجب ممن يصدّق ذلك ويذكرها في كتابه!! بل يقول: (( وروى جمع من المفسّرين ))(34)، حتى يغطّي على انفراد عكرمة بالوضع فينسبها إلى جمع من المفسّرين!
وهناك من ذكر نزولها في حقّ عبادة بن الصامت(35)، وهذا خبر واحد لا يعارض المجمع عليه، فلا يلتفت إليه، ومع ذلك فالرواية غير معارضة لنزولها في عليّ(عليه السلام)؛ لأنّ عبادة في الرواية تبرّأ من موالاة اليهود، فأخبر الله بأنّ الولاية المرضية عند الله هي المحصورة بالله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا، فأخبر عبادة بأوليائه بدل اليهود.
سابعاً:قوله: (( الثالث: انّا لا نسلّم أنّ المراد بالوليّ: المتولي للأمور... الخ )).
والجواب عليه:
1- الظاهر منه أنّه يسلّم أنّ لفظة (الوليّ) تأتي بمعنى: الأولى بالأمر، ومستحقّ الطاعة، والمتصرّف بالأمور، ولكنّه ينكر إرادة هذا المعنى في الآية، ولذا قال: أنّ المراد بالوليّ: الناصر، وإن كان ينكر هذا المعنى من أصل، فبيننا وبينه أهل اللغة، حكى الأخطل عن أبي العبّاس المبرّد أنّه قال: (( الوليّ هو: الأحقّ والأولى، ومثله: المولى ))(36)، فجعل الألفاظ الثلاثة بمعنى واحد. ولا نطيل أكثر من هذا.
وأمّا أنّ المراد بالآية معنى: الأحقّ والأولى؛ وذلك لمقام الحصر بـ(إنّما)؛ فإنّها حصرت هذه الولاية بالمذكورين ونفتها عن غيرهم، وقد مرّ استدلالنا على أنّ المراد من (( الَّذِينَ آمَنُوا ))هو: عليّ(عليه السلام)؛ لمقام الحال من التصدّق أثناء الركوع، ولم يثبت لغيره، ولأنّ ولاية النصرة عامّة لجميع المؤمنين.
كذلك أنّها نسبت الولاية لله وهو مالك الكلّ، وللرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو الحاكم غير المنازع، فكذلك من عُطف عليه، وهذا هو قضية الظاهر من قولهم: (( فلان وليّ المرأة ))، أي: الأحقّ بالتصرّف، (( وفلان وليّ عهد الملك )) أي واجب الطاعة بعده، فإنّ الوليّ بما أنّه نسب إلى المرأة أو إلى وليّ العهد فهم منه معنى الأحقّ بالتصرّف، فكذلك عندما ينسب إلى الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ فإنّ الولاية لهما ولاية مخصوصة ونصرة خاصّة، لا كمثل نصرة المؤمنين بعضهم لبعض.
2- قال الشهيد نور الله التستري في (الصوارم المهرقة) في الردّ على ابن حجر الهيثمي في (الصواعق المحرقة): (( والحاصل: أنّه إن أريد بالوليّ: الناصر، وبالذين آمنوا: جماعة من المؤمنين الذين يمكن اتّصافهم بالنصرة، فيستقيم الحصر حينئذٍ، لكن لا يستقيم الوصف بإيتاء الزكاة حال الركوع. وإن أريد به: الناصر، وبالذين آمنوا: عليّ(عليه السلام)، يبطل الحصر. وإن أريد به: الأولى بالتصرّف، وبهم: عليّ(عليه السلام)، يستقيم الحصر والوصف معاً ))(37).
3- أمّا قوله: (( لأنّ الكلام في تقوية قلوب المؤمنين ))، فهو رجوع إلى الاستدلال بقرينية السياق، وقد أجبناه سابقاً وسيأتي.
ولكن نقول: إنّ الإحتياج إلى القرينة يأتي في ما لو احتمل الظاهر معنيين يحدّد أحدهما بالقرينة، لا بأن يكون المعنى مع القرينة خطأ ومنافٍ للاستعمال اللغوي، كما هو مراده لمنافاته للحصر بـ(إنّما) في الآية.
وأمّا قرينية السياق المدّعاة، فإنّه لم يستدلّ بالآية الأولى، وهي: (( لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ )) (المائدة:57)، إذ لعلّه تنبّه إلى بعدها عن الآية مورد الاستدلال - كما ذكرنا سابقاً - ولكنّه استدلّ بقرينية آية الارتداد، وهي قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَومَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) (المائدة:51)..
وظاهرها أنّها تتحدّث عن أمر سيقع في المستقبل بقرينة قوله: (فسوف يأتي الله)، وفيها من التهديد والإنذار ما لا يخفى! وليس لتقوية قلوب المؤمنين، فإنّها تتحدث عن ملحمة ستأتي لاحقاً، وإنّ الارتداد سيقع في هذه الأمّة، وإنّ من يقوّمه وينصر دين الله موصوف بأوصاف ذكرها الله في الآية، كلّها تنطبق على عليّ(عليه السلام)، ومن الروايات ما يؤيّد ذلك، فهي أولى في قرينيتها على أنّ المراد بالولاية في الآية اللاحقة لها: ولاية الإمامة، لا ولاية المحبّة والنصرة.
وقد روي عن عليّ(عليه السلام) أنّها نازلة فيه ومن معه عندما قاتل الناكثين(38).
وهل هناك دليل أدلّ على الارتداد من إنكار ولاية الله المفروضة على المؤمنين لعليّ(عليه السلام)؟
أمّا الآية التي بعدها، وهي قوله تعالى: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )) (المائدة:56)، فهي أوضح على ما قلناه؛ لأنّ فيها ذكر الحزب والجماعة، وذلك يستدعي وجود القيادة والإمامة، ولعلّ هذا الأمر هو الذي أدّى بالآلوسي إلى إغفالها!
4- وأمّا الآية اللاحقة، وهي قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُم هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَالكُفَّارَ أَولِيَاء وَاتَّقُوا اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤمِنِينَ )) (المائدة:57)، فهي كلام مستأنف لا علاقة له بما قبله من الآيتين، فيها نهي عن ولاية ومحبّة المستهزئين بالدين؛ لأنّ المستهزئين كأن لا دين لهم، وهي منسجمة في السياق مع ما بعدها من آيات لا مع ما قبلها.
كما لا علاقة لها بالآيات السابقة، وهي قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء... ))إلى آخر الآيات؛ لأنّها تخاطب المؤمنين وتنهاهم عن موالاة اليهود والنصارى، أمّا هذه الآية وما بعدها فهي تنهى عن ولايتهم، وتتعرّض لحالهم وأفعالهم وسلوكهم مع المؤمنين، حتى أنّ الله عزّ وجلّ أضاف الكفّار هنا بخلاف الآيات السابقة.
ولك أن تلاحظ وجود الحصر في الآية مورد الاستدلال دون ما ادّعي من اتّحادها مع الآيات التي قبلها والآيات التي بعدها، وهذا يدلّ على أنّ معنى الولاية المحصور هنا غير معنى الولاية المطلق هناك.
وعليه فلم يدّع أحد أنّ الولاية في الآية المذكورة اللاحقة هي ولاية الإمامة، حتى يقول الآلوسي أنّها آبية عن حملها على الوليّ لمن أنصف نفسه، مع أنّ استدلاله لا يتم إلاّ بالقول باتّحاد السياق في الكلّ حتى تكون الولاية بمعنى واحد، وهذه دعوى لا دليل عليها، وهي مصادرة على المطلوب.
ثامناً:قوله: (( وكلمة (إنّما) المفيدة للحصر تقتضي ذلك المعنى أيضاً لأنّ الحصر يكون في ما يحتمل اعتقاد الشركة... )) الخ.
والجواب عليه:
1- إنّ هذه الشبهة ذكرها التفتازاني في (جامع المقاصد)(39)، والقوشجي في (شرح التجريد)(40) وتبعهما غيرهما عليها، منهم هذا الآلوسي، وقد أجاب القاضي نور الله التستري في (إحقاق الحقّ)(41) على ما أورده التفتازاني، ولكن أين المنصف؟
2- إنّ هذه الآية المذكورة نزلت أواخر حياة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وفي بعض الروايات نزلت قبل حجّة الوداع، ومن ثمّ يتّضح وجود النزاع والتطلّع إلى الإمامة في ذلك الوقت من قبل المعنيين، والأخبار في ذلك كثيرة، وهي دالّة على اتّفاق المنافقين على صرفها عن عليّ(عليه السلام) لمّا أشار إليه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كثيراً من أوّل البعثة إلى آخرها.
3- إنّ وجوب وقوع التردد في الحصر هو في الحصر الإضافي لا الحقيقي، وقد قدمنا صحّة حمل الحصر في الآية على الحقيقي والإضافي.
ومن هنا يظهر تحقّق حمل الولاية على الإمامة، لا النصرة والمحبّة، ويدلّ عليه مجيء الحصر في هذه الآية لا في الآيات التي قبلها، ولا يصحّ إلاّ لإفادة معنىً جديداً لم يذكر سابقاً، وإلاّ أدّى إلى التكرار، وقد نهي عن ولاية اليهود والنصارى سابقاً.
4- إنّ علم الله تعالى بوقوع الخلاف يكفي في ورود الحصر وصحّته، وقد ذكرنا سابقاً بأنّه يمكن حمل الحصر على الحصر الإضافي بأقسامه من حصر الأفراد والقلب أو التعيين.
تاسعاً:قوله: (( الرابع: أنّه لو سلّم أنّ المراد ما ذكروه، فلفظ الجمع عام... )) الخ.
والجواب عليه:
1- هذه أيضاً ذكرها القاضي عبد الجبّار في (المغني)(42) وتبعه عليه أكثرهم، وأجاب عليها علماؤنا بالتفصيل.
2- بعد وقوع الإجماع على أنّها نزلت بحقّ عليّ(عليه السلام)، وأنّه المراد من (( الَّذِينَ آمَنُوا ))؛ لأنّه المتصدّق حال الركوع لا غير، لا مجال للاستدلال بظهور اللفظ في العموم؛ فأين الإرادة من الدلالة؟ وقد ذكرنا سابقاً أنّ الآية جاءت للإخبار لا للإنشاء، فهي ليست قضية حقيقية، بل خارجية شخصية.
3- إنّ صحّة ورود الحكم العام، أو المعرّف الجمعي الذي لا يكون له إلاّ مصداق واحد في الخارج، معروف في الاستعمال القرآني، وله شواهد كثيرة، منها: قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاء )) (الممتحنة:1)، والمراد منها: واحد، وهو: حاطب بن أبي بلتعة(43).
ومنها: قوله تعالى في نفس الآيات مورد البحث: (( يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ )) (المائدة:52)؛ فإنّهم قالوا: أنّ المراد منها: عبد الله بن أُبيّ(44).
على أنّ مجيء لفظ الجمع وإرادة الواحد منه كثير في الاستعمال، بل قال المرتضى(رضي الله عنه): أنّه أصبح حقيقة شرعية في الواحد المعظّم، كقوله تعالى: (( أَنَّا أَرسَلنَا )) (مريم:83)، و (( لَقَد أَرسَلنَا )) (الأعراف:59)، وغيرها من الآيات(45).
4- وقوله: (( والعبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب )) صحيح، ولكن في حال الإنشاء لحكم لا الإخبار عن واقع خارجي، كما قدّمنا سابقاً، مع ما قلنا من أنّ الإجماع وقع بأنّ المراد هو: عليّ(عليه السلام) في وقته، مع صحّة حمل الجمع على إرادة أئمّتنا(عليهم السلام)؛ لورود الروايات بتحقّق التصدّق منهم(عليهم السلام)، ولم ترد بوقوعه من غيرهم المدّعى لهم الإمامة، وإنّ الحصر ينفي ولاية من تقدّمه لا من لحقه من أولاده، كما مرّ.
5- إنّ الضرورة قاضية بحمل العام هنا على الخاص؛ وذلك لورود الحصر والصفة الخاصّة بالتصدّق أثناء الركوع، ولم يكن غيره (عليه السلام) في زمنه، وحمل الركوع على غير معناه المتبادر المعروف تمحّل، سوف يأتي الجواب عنه.
6- قد ذكروا وجود النكتة لورود لفظ الجمع مع أنّ المراد واحد، وهي، كما قال الزمخشري: لترغيب الناس على الفعل(46)، وكما قال الطبرسي في (مجمع البيان): للتعظيم(47)، وكما قال شرف الدين في (المراجعات): بأنّ الناس لم يكونوا يتحمّلون التصريح باسم عليّ(عليه السلام) في ذلك الوقت(48).
ثمّ إنّا نلتزم بثبوت الولاية لبعض المؤمنين، وهم المعنيّون بالعموم من ألفاظ الجمع، ولكنّهم موصوفون بوصف خاص، وهو: التصدّق حال الركوع، وهو لم يثبت إلاّ لعليّ(عليه السلام)، فاختصّت الآية به (عليه السلام) في وقته، واختصّت بكلّ إمام في وقته؛ لما ورد عندنا أنّهم (عليهم السلام) يتصدّقون حال الركوع عند بلوغهم حدّ الإمامة، وهذا غير حمل الآية على عموم المسلمين؛ فإنّ ظاهر الحصر واختلاف المضاف والمضاف إليه في (( وَلِيُّكُمُ ))يمنعه.
عاشراً:قوله: (( فإن قالوا: الضرورة متحقّقة هاهنا إذ التصدّق على السائل... )) الخ.
والجواب عليه:
1- كيف يجوز أن يكون المراد من الركوع: التخشع والتذلّل، بعد ورود الروايات والإجماع على تصدّق عليّ(عليه السلام) حال كونه راكعاً؟
وإنّ الآية نزلت فيه (عليه السلام)، ونصّ الروايات بأنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) خرج يبحث عن المتصدّق، وسأل السائل عن حاله حال إعطاءه الخاتم، فهل بعد فهم الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه يلتفت إلى ما يحتمله هؤلاء المتشدّقين؟!
وهل هذا إلاّ تنطّع وصقاعة؟!
الوقوع أدلّ دليل على المراد.
والعجب من هذا الآلوسي بعد أن نقل عن ابن عبّاس رواية ابن سلام، وفيها نصّ على التصدّق حال الركوع، يأتي ويقول أنّ المراد من الركوع: هو الخشوع والتذلّل، فهل رأيت تهافت ودفع للحقّ أكثر من هذا؟!!
2- لقد أجبنا على هذا القول من أنّ المراد بالركوع الخشوع: في ما مضى تحت (ثالثاً)؛ فراجع!
ومجمله: أنّ الركوع معناه: الانحناء والتطأطؤ، كما نصّ أهل اللغة، وحمله على الخشوع والخضوع مجاز، ولا يحمل على المجاز إلاّ بقرينة، كما في الأمثلة التي أوردها هو رغم عدم صحّتها، ولكن المناقشة في الأمثلة ليس من دأب المحصلين.
وعليه فإنّ معنى الركوع في اللغة والشرع معاً هو: الانحناء والتطأطؤ المعروف في الصلاة، فما يوحي به الآلوسي في عبارته من أنّه معنى شرعي لا لغوي غلط ووهم متعمد منه!
وفهم العرف والشيعة منه على أنّه الانحناء، مطابق لمعناه اللغوي والشرعي، لا أخذاً بالمعنى الشرعي مقابل اللغوي كما يريد أن يوهم القارئ؛ فلاحظ!
3- إنّا نحمل الزكاة على معناها اللغوي أيضاً؛ إذ الزكاة هي: إعطاء المال لوجه الله من أجل نيل الثواب، ثمّ انتقل معناها إلى المعنى الشرعي الشامل للواجب والمستحب، فأصبحت مشتركة في المعنيين، فهي قبل الشرع تشمل الصدقة لغة، كما قال تعالى: (( وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ )) (الأنبياء:73). فإنّه لم يكن هناك زكاة قبل الإسلام، وقوله تعالى: (( قَد أَفلَحَ مَن تَزَكَّى )) (الأعلى:14), وغيرها من الآيات.
ثمّ إن قلنا: أنّ المعنى الشرعي هو المراد، وأنّه مشترك بين الواجب والمندوب فهو، وإلاّ حُمل على المندوب بقرينة الروايات المجمع عليها التي تنصّ على أنّه (عليه السلام) أعطى الصدقة.
قال الجصّاص في (أحكام القرآن): (( نظير قوله تعالى: (( وَمَا آتَيتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُضعِفُونَ )) (الروم:39)، قد انتظم صدقة الفرض والنفل فصار اسم الزكاة يتناول الفرض والنفل، كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين ))(49).
4- أمّا ما قاله من الأبعدية، فإن كان المراد منه استبعاد تصدّق عليّ(عليه السلام) أثناء الركوع، فهذا تكذّبه الروايات، وإن كان الاستبعاد من جهة أنّ هذا الفعل من الصدقة في الركوع لا يسمّى زكاة، فقد أجبنا عليه آنفاً. ومن هنا لم نفهم من هذه الأبعدية شيئاً سوى أنّها موجودة في رأس الآلوسي.
5- أمّا ما نقله عن بعض أهل السُنّة، وهو الدهلوي في (التحفة الاثني عشرية)(50)، من أنّ: حمل الركوع على معناه الشرعي يوجب قصوراً بيّناً في مفهوم (( يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ))، إن كان يريد منه قصوراً في مفهوم الصلاة المركبة من أجزاء وشرائط، فقد نصّ الفقهاء على عدم الخدشة في ذلك بالفعل القليل، وإن كان يريد قصوراً في مفهوم الصلاة الكاملة والمنقطعة التوجّه إلى الله، فإنّ نصّ القرآن على مدح ذلك ونصّ الروايات وفقه أمير المؤمنين(عليه السلام) المعروف عنه يردّ ذلك، كما أنّ فعل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بحمل أُمامة، وحكّه للنخامة من على جدار المسجد في صلاته يردّ ذلك.
هذا كلّه لو سلّمنا أصل المدّعى، ولا نسلّم! وهو كون دخول عبادة في ضمن عبادة على هذا الشكل قصوراً، بل هو منتهى الانقطاع والكمال، ومصداق للأمر بالمسارعة للخيارات الواردة في القرآن. مع أنّ الآلوسي نفسه نقل الجواب عليه عن ابن الجوزي!
الحادي عشر:قوله: (( وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي عن أصل الاستدلال بأنّ الدليل قائم في غير محلّ النزاع... )) الخ.
والجواب عليه:
1- الحمد لله لاعتراف الشيخ الكردي بدلالة الآية على الولاية العامّة، بعد أن كانوا يصرّون على أنّها بمعنى النصرة!
2- إنّ هذه الشبهة ذكرها القاضي عبد الجبّار في (المغني)(51)، ثمّ أخذها من جاء بعده كالفخر الرازي(52)، وبعضهم اقتصر على إيراد المقدّمة الأولى؛ لظهور ضعف الثانية، كالإيجي في (شرح المواقف)(53)، والتفتازاني في (شرح المقاصد)(54)، وقد أجاب عليها علماؤنا بالتفصيل.
3- ثمّ كيف أنّ الآية ليست في محلّ النزاع؟! وقضية الحصر أن لا وليّ غير الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة وهم راكعون، وهو عليّ(عليه السلام) في زمنه، فلا مشاركة لأحد في الولاية لغير المذكورين في الآية، ولو كان أحد غيره وليّاً بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لانتقض الحصر وأصبح واضحاً كونه لغواً في الآية.
4- لقد ذكرنا سابقاً أنّ ولايته (عليه السلام) ولاية بالطول لا بالعرض، كما كانت ولاية هارون مع موسى(عليهما السلام)، فإذا غاب من له حقّ التصرّف الفعلي، انتقل مباشرة لمن ثبت له التصرّف بعده مباشرة، ولا يدخل أحد بينهما في البين.
وربما مُثّل لذلك بالوصي حال حياة الموصي، وبوليّ العهد حال حياة القائم بالأمر والملك.
5- قد ذكرنا سابقاً أنّ معنى الولاية هي: ثبوت حقّ الطاعة وحقّ التصرّف، وهي ثابتة له (عليه السلام) في زمن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، بدليل قصّة الجارية التي اصطفاها من سبي اليمن، وإنّما كان يمنع من استقلاله (عليه السلام) بها حياة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا مات انتقلت له (عليه السلام) بالمباشرة.
مع أنّ الآية صريحة في ثبوت الولاية في الحال، ولكن انعقد الإجماع أنّها معلقة له (عليه السلام) حال حياة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإذا ذهب(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا إجماع وتثبت له (عليه السلام) مباشرة.
وهذا أقلّ ما يثبت بالآية، وإلاّ فقصّة الجارية تثبت له (عليه السلام) حقّ التصرّف والطاعة مع حياة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا لم يكن حاضراً، ومتأخّراً عنه إذا كان حاضراً، بل لعلّه لمكانة العصمة منه(عليه السلام) كان لا يصدر منه خلاف لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإن ثبت له حقّ الطاعة والتصرّف معه.
ودلالة حديث المنزلة يثبت له(عليه السلام) ما ثبت لهارون من موسى(عليه السلام)، وقد قال الله تعالى: (( وَاجعَل لِي وَزِيراً مِن أَهلِي * هَارُونَ أَخِي * اشدُد بِهِ أَزرِي * وَأَشرِكهُ فِي أَمرِي )) (طه:29-32)، وهي واضحة في الشراكة.
ومن هنا تعرف أنّ ما نسبه إلى الإمامية من أنّهم لا يقولون أنّها مرادة زمن الخطاب؛ لأنّ ذلك عهد النبوّة، هو زعم في زعم، وعدم فهم لقولهم بالطولية والنيابة! فإنّ حقّ الولاية والتصرّف والطاعة يثبت، ولكنّه على أقلّ الأحوال موقوف إلى زمن الانفراد، واستقلاله في زمن حياته، نعم، ربّما نقول تنزلاً أنّ فعليتها لا تتم إلاّ بعد انتقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من الحياة الدنيا، ولكنّا نعتقد ثبوت الولاية الطولية حتى في البرزخ.
6- لو سلّمنا من أنّ زمن الخطاب غير مراد بخصوصه(عليه السلام)، ولكنّه يثبت له(عليه السلام) في أوّل آن بعد وفاة رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمقتضى ظاهر الآية والحصر الذي فيها، فكيف دخل الأغيار في البين، ومن أين لهم ذلك النقض على الآية؟
7- إنّ قضية العطف في الآية تثبت للمعطوف النفس ما للمعطوف عليه، وولاية الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثابتة في كلّ الأحوال، فكذلك ولايته(عليه السلام)، وبما أنّ الدليل قام على عدم ثبوتها له(عليه السلام) بالعرض مع رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بل الطول، ثبتت له بعده(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مباشرة.
بل إنّ ولايته(عليه السلام) ثابتة على الدوام؛ لأسمية الجملة، إنّ كلمة الوليّ صفة مشبهة، وهما دالّتان على الدوام والثبات؛ فيثبت كونه وليّاً للمسلمين دائماً وإن تسلّط غيره على رقابهم.
الثاني عشر:قوله: (( ومن العجائب أنّ صاحب أظهار الحقّ... )) الخ.
)).
والجواب عليه:
1- ليس غاية صاحب (إظهار الحقّ) تصحيح الاستدلال؛ فإنّ الاستدلال، كما مضى آنفاً، تام لا خدشة فيه، وإنّما غرضه إلزام المخالفين، حتى على قولهم بأنّ المراد من الولاية في الآية: المحبّة.
2- إنّ ما نقله الآلوسي مترجماً من (التحفة الاثني عشرية) لم ينقله بالكامل، بل لم ينقله بالدقّة والضبط! ولذا فإنّ فيه اختصاراً وبعض الأخطاء، ونحن سنحاول أن نجيب على ما نعتقد أنّه مراده بالمقارنة بين (تفسير روح المعاني) و(التحفة الاثني عشرية).
3- على التسليم بأنّ المراد بالولاية في الآية هي: المحبّة، فهي قطعاً ليست المحبّة الواقعة بين كلّ المؤمنين، كما في الآية: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ )) (التوبة:71), وذلك لوجهين:
أ - مقام الحصر، والتعاطف بين الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والذين آمنوا، فإنّ الحصر لا يصحّ إلاّ بالتغاير بين هذه المحبّة وتلك، كما أنّ محبّة الله مطلقة غير مقيّدة فالمعطوف عليها كذلك؛ إذ لم يذكر القيد، ولا توجد قرينة على ذلك، ومحبّة المؤمنين لبعضهم ليست مطلقة.
ب - لو أخذنا بمعنى المحبّة في الآيتين وجمعنا بينهما، نجد كأنّ آية (ولاية الله ورسوله والذين آمنوا) ناظرة إلى آية (ولاية المؤمنين)، فكما في الآية الأولى ادّعاء وتنزيل بأنّ ولاية المؤمنين، أي: محبّتهم العامّة، في الآية الثانية كـ(لا محبّة) أو ليست محبّة كاملة حقيقية، بل هي ظاهرية، وذلك لمقام (إنّما) في الآية الأولى، ويكون التقدير كقولنا: (( إنّ المؤمنين والمؤمنات يحبّون بعضهم بعضاً، إنّما (ولكنّ) المحبّة لله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ))، ولا بدّ لهذا الادّعاء والتنزيل من نكتة أو إضافة معنى في هذه المحبّة فوق معنى تلك المحبّة العامّة، وهي ليست إلاّ هذه المحبّة محبّة مطلقة غير مقيّدة بقيد ولا شرط. وهذا هو قولنا.
4- والمحبّة المطلقة دون قيد وشرط وجهة، أي: من جميع الجهات الثابتة في الآية على فرض لا يمكن أن تتحقّق إلاّ بمعرفة مصاديقها فرداً فرداً ومن جميع الجهات، حتى لا يمكن معاداتهم من أي جهة، على عكس المحبّة العامّة من جهة الإيمان، لأنّها منصبّة على العنوان وترجع إلى محبّة إيمانهم؛ وبالتالي يصحّ معاداة بعض أفراد المؤمنين من جهة أُخرى، كالخصومة مثلاً.
إذاً المحبّة المطلقة لا يمكن أن يراد بها جميع المؤمنين؛ لاستحالة معرفتهم كلّهم من جميع جهاتهم، ولا بدّ أن يكون المعني بها البعض الموصوف بالصفات المذكورة في الآية، وهذه الصفات لم يتصف بها كلّ المؤمنين قطعاً، فضلاً من عدم إمكان معرفة تحقّقها فيهم، وهي لم تثبت لأحد سوى لعليّ(عليه السلام)، فكان هو المراد.
5- وإذا ثبت وجوب المحبّة المطلقة، ثبت وجوب الطاعة والاتّباع، لقوله تعالى: (( قُل إِن كُنتُم تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللّهُ )) (آل عمران:31)، وهي كبرى القياس في القضية، وصغرى القياس ما ثبت في النقطة السابقة من الآية مورد البحث من ثبوت المحبّة المطلقة لعليّ(عليه السلام)، كما هي ثابتة لله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وإذا ثبتت له(عليه السلام) الطاعة مطلقاً، ثبتت له(عليه السلام) الإمامة والعصمة. وهذا الاستدلال شبيه باستدلال الإمامية بآية المودّة.
6- إنّ ما قاله صاحب (إظهار الحقّ) يرجع إلى هذا الدليل، وإن لم يفهمه صاحب (التحفة الاثني عشرية)، ولا صاحب (مختصر التحفة)، ولا صاحب (روح المعاني)..
إذ مراد صاحب (إظهار الحقّ) من قوله: (( إنّ الأمر بمحبّة الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يكون بطريق الوجوب لا محالة ))، هو ما ذكرناه من وجوب المحبّة مطلقاً لا مقيّدة بجهة من الجهات، وهي التي تستلزم وجوب الطاعة والعصمة، ومعنى أنّها واجبة مطلقاً، أي: واجبة دائماً، وفي كلّ الأوقات، وليست بسبب جهة من الجهات، فهي محبّة مساوية لمحبّة ذواتهم، بل هي محبّة لذواتهم؛ لما ثبت من أنّ ذواتهم طاهرة.
ودليله على كونها واجبة: عدم صحّة إرادة معنيين في كلام ذو سياق واحد؛ اذ لا يمكن الحكم بأنّ محبّة الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) واجبة، وحكم محبّة الذين يتصدّقون حال الركوع مندوبة، وقد وردت كلّها في جملة واحدة.
ودليله على أنّها مطلقة، هو: عدم وجود القيد في ولاية الذين آمنوا، وعطفها على ولاية الله ورسوله المطلقة.
ومعنى قوله: (( إذ الحكم في كلام واحد يكون موضوعه متّحداً ومحموله متّحداً أو متعدّداً ومتعاطفاً ))، هو: أنّ ظاهر الكلام الواحد من المسند والمسند إليه لا بدّ أن يكون له معنىً واحداً، وفي موردنا لا بدّ أن يكون حكم الولاية (أي المحبّة) واحداً؛ لأنّ المحمول عليها متعاطف، وحكم التعاطف الاتّحاد، فلا يمكن أن تكون الولاية بمعنى المحبّة لله ولرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) واجبة، وتكون لما عطف عليهما مندوبة؛ إذ يلزم من ذلك إرادة معنيين من لفظ واحد، وهو باطل، كما حقّق في علم الأُصول..
فلا بدّ من أن يكون حكم المحبّة إمّا واجبة في الكلّ أو مندوبة في الكلّ، وبما أنّه لا يمكن أن تكون المحبّة مندوبة بالنسبة لله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فكذلك لا يمكن أن تكون مندوبة للذين آمنوا، بل هي واجبة في الكلّ، فثبت المطلوب.
وسيأتي مزيد بيان في الجواب على إشكالاته.
ثمّ إنّ كلّ كلامه في الموضوع والمحمول على مصطلح الأُصوليين، لا على مصطلح المناطقة كما فهمه صاحب (التحفة) خطأ، ومن ثمّ أخطأ في الجواب عليه!
كما أنّ مراده من الحكم: الحكم الشرعي، لا الحكم في القضية المنطقية، والفرق واضح بينهما وإن خفي على المجيب.
والكلام على بناء الجملة من وجهة نظر أُصولية يختلف عليها من وجهة نظر منطقية، والخلط بينهما يؤدّي إلى الهفوات التي وقع بها صاحب (التحفة).
ومعنى قوله: (( فإذا كانت محبّة أولئك المؤمنين وولايتهم واجبة وجوب محبّة الله تعالى ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، امتنع أن يراد منهم كافّة المسلمين وكلّ الأمّة، باعتبار أنّ من شأنهم الاتّصاف بتلك الصفات؛ لأنّ معرفة كلّ منهم ليُحبّ ويوالى ممّا لا يمكن لأحد من المكلّفين بوجه من الوجوه ))، هو: أنّه إذا كانت محبّة المؤمنين الموصوفين في الآية واجبة مطلقاً، كما هي محبّة الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الواجبة المطلقة، استحال أن يراد منهم جميع المسلمين وكلّ الأمّة؛ لأنّ المحبّة المطلقة من جميع الجهات متفرّعة على المعرفة لكلّ منهم من جميع الجهات، حتى لا يُعادى من أيّ جهة، وهذا مستحيل لأي أحد من المكلّفين، على عكس المحبّة من جهة الإيمان المنصبّة على عموم المؤمنين؛ إذ يمكن معاداة بعضهم من جهة أُخرى غير الإيمان، كـ(الفسق) مثلاً.
الثالث عشر:قوله: (( ويرد عليه أنّه مع تسليم المقدّمات أين اللزوم بين الدليل والمدّعى؟ وكيف استنتاج المتعيّن من المطلق؟ )).
والجواب عليه:
1- لقد بيّنا اللزوم بين الدليل والمدّعى في النقطة السابقة, فالدليل: ما ذكر من الكبرى والصغرى، والمدّعى أو النتيجة: وجوب إطاعته (عليه السلام) مطلقاً، وهو معنى الإمامة وقد بيّناه.
2- وإذا امتنع إرادة وجوب المحبّة المطلقة لعموم المؤمنين، ثبت إرادة البعض منهم، والاستدلال على التعيين وأنّ البعض المراد هو: عليّ(عليه السلام)، وقد اتّضح سابقاً بما لا مزيد عليه من خلال الآية والأوصاف المذكورة فيها المنحصرة في عليّ(عليه السلام) بشهادة الروايات وما وقع في الخارج.
3- وأمّا قوله: (( وأيضاً لا يخفى على من له أدنى تأمّل أنّ مولاة المؤمنين من جهة الإيمان أمر عام بلا قيد ولا جهة... )) الخ. فلقد ذكرنا على التنزّل بأنّ معنى الولاية: المحبّة، وأنّ المحبّة الواجبة في الآية هي المحبّة المطلقة غير المقيّدة بقيد ولا شرط ولا جهة؛ لأنّها جاءت مطلقة في الآية، وهي غير المحبّة المشروطة بقيد الإيمان الشاملة لجميع المؤمنين.
وعندما نقول أنّها واجبة مطلقاً، أي: واجبة دائماً، وعلى طول الزمان، ولا تكون مندوبة في وقت من الأوقات، ومعنى مطلقاً أي: غير مقيّدة بأيّ قيد وشرط، فلا تجب محبّتهم بسبب فعل، أو صفة ما، أو في وقت دون وقت، بل تجب محبّتهم دائماً سواء وجد هذا الفعل أو الصفة أو لا.
وعندما نقول: من دون جهة، أي: تجب محبّتهم من جميع جهاتهم لا حصرها بجهة معيّنة، بحيث يمكن معاداتهم من جهة أُخرى، كـ(الفسق) مثلاً؛ فإنّ وجوب محبّتهم من جميع الجهات يعني أنّه لا يمكن معاداتهم بحال من الأحوال، كما هي محبّة الله ورسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) واجبة دائماً، وعلى طول الأزمان، وعلى كلّ حال، ومن جميع الجهات، ولكلّ أفعالهم وأقوالهم، وأوامرهم ونواهيهم، وإقدامهم أو توقّفهم، وغير ذلك.
وبالتالي فلا وجه للنقض بالآية: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ )) (التوبة:71)؛ لأنّا لو سلّمنا بأنّ المحبّة فيها واجبة وليست مندوبة، ولكنّها غير مطلقة بل مقيّدة من جهة الإيمان، فيمكن معاداتهم من جهة أُخرى كـ(الفسق) أو الخصومة مثلاً، بل الآية قيّدت تلك المحبّة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإطاعة الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), وأين هذا من الوجوب المطلق في آية الولاية؟! فلاحظ!
ولا يمكن القول بأنّ محبّة البعض في الآية، وهو: عليّ(عليه السلام)، مقيّدة بالإيمان أيضاً؛ وذلك لأنّها جاءت مطلقة ومعطوفة على محبّة الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهما مطلقتان، أي: لا يمكن معاداتهما بحال من الأحوال، فكذا المعطوف عليهما, فتكون الأوصاف المذكورة في الآية لأجل تعيّن الشخص المراد، كما بيّنا سابقاً، وإن كانت ربّما تشعر بنوع من العلّية ولكن ليست على سبيل العلّة التامّة بل جزء العلّة.
والعجب من هذا المستشكل! فهو بعد أن يقول: أنّ مولاة المؤمنين(عليه السلام) من جهة الإيمان وأنّها ترجع إلى مولاة إيمانهم لا ذواتهم، وهي جهة صريحة، يرجع ويقول: بأنّها أمر عام بلا قيد ولا جهة؛ فلاحظ وتعجّب!!
وكذا القياس على معاداة الكفّار من جهة كونهم كفّاراً؛ فإنّها مقيّدة من جهة الكفر.
وصفة الإيمان في المؤمنين والكفر في الكافرين، اللتان أخذتا كعنوان، ثابتة للطائفتين على العموم؛ فصحّ الحكم بالشمول لهما، أو ما يسمّيه هو بالإجمال.
ولكن كلام صاحب (إظهار الحقّ) ليس في المحبّة المقيّدة بل في المحبّة المطلقة، وهي لا تثبت في الآية إلاّ لمن انطبقت عليه الصفات من المؤمنين، وهي: التصدّق وهو راكع، فكيف يجعلها شاملة لكلّ المؤمنين؟ّ
ولا يستطيع أحد أن يحقّق هذه الصفة للكلّ، بل من المستحيل ذلك، فضلاً عن أنّه لم تقع لأحد غير عليّ(عليه السلام) في وقته.
ثمّ إنّ كلامه هذا في حمل الولاية في الآية على العموم والإجمال إعادة لما سبق من استدلالهم على أنّها تفيد النصرة للمؤمنين، المنفية عن اليهود والنصارى، والتي أجبنا عنها بأنّها تنافي الحصر، (وإن كان بين معنى الإجمال هنا ومعنى العموم الذي طرحوه هناك اختلاف سنبيّنه في النقطة اللاحقة)، فإنّ إرادة العموم من الآية ينافي الحصر المستفاد من (إنّما) بأيّ معنىً أخذت الولاية فيها،وبأيّ معنىً أخذ العموم؛ فلاحظ وتأمّل!
4- أمّا قوله: (( متى كفت الملاحظة الإجمالية هناك فلتكف هنا، وأنت تعلم أنّ ملاحظة الكثرة بعنوان الوحدة ممّا لا شك في وقوعها، فضلاً عن إمكانها، والرجوع إلى علم الوضع يهدي لذلك )). فالظاهر وقوع قصور من الآلوسي في فهم المعنى المراد من الآية، بل وقوع الخلط بين المعاني عنده، وعدم تدقيق في بعض المفاهيم الأُصولية..
فإنّ العموم، بلحاظ تعلّق الحكم بالموضوع، منه ما هو (عموم مجموعي)، ومنه ما هو (عموم استغراقي)، والعموم المجموعي يكون لحاظ الموضوع فية: المجموع بما هو مجموع، أي: ملاحظة الكثرة بعنوان الوحدة، وهي التي سمّاها الآلوسي الملاحظة الإجمالية، ويكون المجموع بما هو مجموع كالمصداق الواحد للحكم، وأمّا في العموم الاستغراقي فيكون لحاظ الموضوع فيه الأفراد بما هي أفراد، أي كلّ واحد واحد، ويكون المجموع كعنوان لها، فينصبّ الحكم على كلّ فرد فرد.
والعموم المجموعي غير مراد في آية: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ ))، بل العموم الاستغراقي؛ بقرينة قوله تعالى: (( بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ ))، فخلط الآلوسي هنا وجعله من العموم المجموعي.
وأمّا في قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، فلا يراد منه العموم مطلقاً، لا المجموعي ولا الاستغراقي؛ لما ذكرنا سابقاً من أنّ إرادة العموم مطلقاً تنافي الحصر في الآية وتعارض الجملة الحالية في الآية.
إضافة إلى أنّ العموم المجموعي غير مراد من قوله: (( والَّذِينَ آمَنُوا ))في الآية؛ لأنّ علماء الأُصول قد نصّوا على أنّ الأصل في العموم المراد من الأسماء الموصولة والجمع المُعرّف هو: العموم الاستغراقي، ولا ينصرف إلى المجموعي إلاّ بقرينة؛ لأنّ فيه مؤنة زائدة ولا قرينة، بل القرينة على خلافه لو سلّمنا بإرادة العموم في الآية، والقرينة هي عطفه على المفرد (الله ورسوله)، واتّباعه بالجملة الحالية: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )).
كما لا يراد العموم الاستغراقي؛ لعدم مناسبة الحكم، وهو: المحبّة المطلقة من جميع الجهات للموضوع، لما نبّه عليه صاحب (إظهار الحقّ) من أنّ المحبّة المطلقة تستلزم معرفة كلّ المؤمنين فرداً فرداً من جميع الجهات، وهذا مستحيل.
فلم يبق إلاّ إرادة الانطباق على بعض المصاديق، ولا مانع من الإتيان بعرف جمعي وإرادة مصداق واحد، وهو حاصل في القرآن، كما بيّنا سابقاً.
وهذا الكلام لا ربط له بـ(علم الوضع)، وإنّما هو تابع لكيفية لحاظ الموضوع وتعلّق الحكم به من قبل الشارع، وهو ما يُفصل في علوم الأُصول.
ولكن الآلوسي قال بإرادة العموم من آية الولاية ثمّ جعل العموم المجموعي بالملاحظة الإجمالية، ثمّ شبّهه بالعموم في آية ولاية المؤمنين، وهو استغراقي، ثمّ أرجع إلى علم الوضع، فأخطأ في أربعة مواضع.
هذا كلّه لو كانت القضية في الآية مأخوذة على نحو القضية الحقيقية، كما في الأحكام التشريعية، مع أنّا ذكرنا سابقاً أنّ القضية في الآية مأخوذة على نحو القضية الخارجية، التي يكون الحكم فيها منصباً على الأفراد المتحقّقة الوقوع خارجاً لا الأفراد المقدّرة الوقوع.
5- لقد وقع صاحب (التحفة) - الذي هو الأصل في هذا الكلام - في الخطأ في جوابه نتيجة الخلط بين ما بُيّن في علم أُصول الفقه وما ذكر في علم المنطق، وسبب ذلك: تطوّر علم الأُصول عند الإمامية وتقدّمه بمراحل على علم الأُصول عند أهل السُنّة.
فإنّ صاحب (إظهار الحقّ) كان يتكلّم حسب ميزان علم الأُصول، ولمّا لم يفهمه صاحب (التحفة) ظنّ نتيجة لتشابه بعض الاصطلاحات أنّه يتكلّم حسب ميزان علم المنطق، فجاء جوابه خاطئاً وليس له علاقة بالاستدلال؛ فإنّ علم أُصول الفقه مبني على قواعد اعتبارية، وعلمي المنطق والفلسفة مبنيان على قواعد حقيقية واقعية, ولا ينطبق ما ثبت اعتباراً على ما ثبت واقعاً.
فقوله: (( والمحذور كون الموالاة الثلاثة في مرتبة واحدة وليس فليس؛ إذ الأولى أصل والثانية تبع والثالثة تبع التبع ))، ليس له أيّ تأثير على صحّة استدلال صاحب (إظهار الحقّ)!
فإنّ المفهوم المشكّك المتحقّق في الخارج على مراتب يبقى واحداً وإن تعدّدت مراتبه، ولا يكون لكلّ مرتبة معنى غير معنى المرتبة الأُخرى، ثمّ إنّ الترتّب الطولي من الأصل والتبع وتبع التبع لا يؤثّر في الحكم وكونه متّحداً لو جاء في سياق واحد ومنصبّاً على متعلّق واحد؛ فيبقى الموضوع واحداً (وهو المتعلّق حسب اصطلاح علم الأُصول) والمحمول متعدّداً (وهو الموضوع حسب اصطلاح علم الأُصول) والحكم واحداً، فإذا كان الحكم واحداً والمعنى واحداً مشككاً كفى في صحّة الاستدلال، ولا يؤثّر فيه اختلاف مادة القضية المنطقية في الواقع، مع أنّ اعتبارها في مرتبة واحدة جاء باعتبار الشارع، وهو ظاهر من كلامه، وكونها على مراتب ثلاث واقعاً جاء من دليل خارج.
ثمّ إنّ (مادة القضية) تختلف عن (جهة القضية)، فإنّ الجهة موطنها الذهن، وقد تذكر في الكلام حسب ادّعاء المتكلّم وما يريده، وأمّا مادة القضية فإنّ موطنها الواقع وظرف التحقّق، وقد تتّحد المادة مع الجهة وقد تختلف..
فما مثل به من (الموجود في الخارج الواجب والجوهر...) متّحد الجهة، وهي: الإمكان العام، وهو مراد المتكلّم من إثبات حكم الوجود للكلّ، والوجود له معنى واحد لا غير وإن اختلفت مادة القضية بالنسبة للواجب والجوهر والعرض في الواقع، فالتشكيك يقع في المصداق الخارجي، مع أنّا قد ذكرنا بأنّ هذا خارج عن الموضوع من البداية.
6- أمّا ما استشهد به من الآية: (( قُل هَـذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إلى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي... )) (يوسف:108). فإنّه من أوّل الكلام، أنّ الدعوة واجبة على الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقط، ومندوبة على غيره ممّن اتبّعوه، فإنّ ما ذكره يحتاج إلى دليل، بل صياغة الجملة الخبرية في الآية، إذا قلنا أنّها تصبّ مصبّ الإنشاء، يكون حكم الدعوة فيها واحداً بين الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن تبعه حسب ظاهر الآية.
ولو ادّعى من دليل خارج بأنّ الدعوة واجبة على الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، مندوبة على غيره؛ فإنّها تكون دعوى خارجة عن مدلول ظاهر الآية, فإنّ ظاهرها اتّحاد الحكم بين الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين من تبعه.
7- قوله: (( القِران في النظم لا يوجب القِران في الحكم )). لو سلّمنا به فإنّ ما نحن فيه ليس من مورده؛ إذ أنّ صاحب (إظهار الحقّ) استدلّ بالعطف والإطلاق لا بالقِران، فإنّ القِران يكون في الجمل؛ قال السرخسي: فإنّ كلاً من الجمل معلوم بنفسه وليس في واو النظم دليل المشاركة بينهما في الحكم إنّما ذلك في واو العطف، وفرق ما بينهما أنّ واو النظم تدخل بين جملتين كلّ واحدة منها تامّة بنفسها مستغنية عن خبر الآخر، كقول الرجل: جاء زيد وتكلّم عمرو، فذكر الواو بينهما أحسن النظم به لا للعطف.
- ثمّ قال -: وأمّا واو العطف فانّه يدخل بين جملتين، أحدهما ناقص والآخر تام، بأن لا يكون خبر الناقص مذكوراً، فلا يكون مفيداً بنفسه، ولا بدّ من جعل الخبر المذكور للأوّل خبراً للثانية حتى يصير مفيداً، كقول الرجل: جاءني زيد وعمرو، فهذا الواو للعطف... الخ(55).
ومع ذلك فإنّ الفخر الرازي استدلّ بالقِران في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ )) (التوبة:119) لاثبات شمول قوله: (( كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ))لكلّ الأزمان..
قال: (( الرابع: وهو قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ))، أمر لهم بالتقوى، وهذا الأمر إنّما يتناول من يصحّ منه أن لا يكون متّقياً، وإنّما يكون كذلك لو كان جائز الخطأ، فكانت الآية دالّة على أنّ من كان جائز الخطأ وجب كونه مقتدياً بمن كان واجب العصمة، وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين، فهذا يدلّ على أنّه واجب على جائز الخطأ كونه مع المعصوم عن الخطأ حتى يكون المعصوم عن الخطأ مانعاً لجائز الخطأ عن الخطأ.
وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان، فوجب حصوله في كلّ الأزمان ))(56).
فاستدلّ الرازي به هنا لإثبات الإطلاق، وكان استدلال صاحب (إظهار الحقّ) بالإطلاق أيضاً.
الرابع عشر:قوله: (( ثمّ إنّه أجاب عن عدم وقوع التردّد مع اقتضاء (إنّما) له... )) إلخ.
والجواب عليه:
1- لقد ذكرنا سابقاً أنّ الحصر الإضافي يقتضي التردّد لا الحصر الحقيقي، وقد بيّنا صحّة الاستدلال على القول بكلا الحصرين.
2- إنّ إيراده لهذه الروايات إنّما هو من باب الإلزام لأهل السُنّة وليس معناه الإيمان بما جاء فيها.
3- إنّ محض السؤال يقتضي التردّد في الذهن؛ إذ لولا الجهل المحتاج إلى تعيين، وهو أحد مداليل (إنّما)، أو التردّد في تعيين أحد الأطراف، وهو مدلول آخر لـ(إنّما)، لما ورد السؤال من السائل، فإنّ السؤال يكشف أنّ وراءه نوع من الترديد أو الجهل، وإذا كان هذا هو منشأ السؤال صحّت الإجابة بـ(إنّما) لا بـ(أنّ)؛ لقطع العذر.
4- أمّا إنّه وقع قبل نزول الآية أو بعدها، فإنّه واضح من تصفّح السيرة ومشاهدة كثرة تنافسهم للإمارة تحقّق القبلية، والشاهد الأوضح: ما وقع في خيبر وتصريح عمر بأنّه تساور إليها، وهو قبل نزول الآية؛ فإنّها نزلت على الأصحّ قبل حجّة الوداع، حسب ما في بعض الروايات.
5- ذكرنا سابقاً بأنّ علم الله بأنّه سيقع النزاع في المستقبل كافٍ في تحقيق معنى (إنّما) وتصدّر الآية بها.
6- إنّ الاستدلال سيكون هكذا بالإلزام: بأنّه كيف تقولون بأنّه لم يقع التردّد والسؤال عن من هو الخليفة وعندكم روايات تدلّ على ذلك؟
فإمّا أن تسلّموا بوقوع التردّد ومن ثمّ صحّة ورود (إنّما) بالحصر الإضافي، أو إسقاط هذه الروايات.
وأمّا نحن فلا تلزمنا هذه الروايات من البداية.
الخامس عشر:قوله: (( وذكر الطبرسي في مجمع البيان... )) الخ.
والجواب عليه:
لا يجوز حمل (( الَّذِينَ آمَنُوا ))في الآية على الاستغراق حقيقة - أي: جميع المؤمنين - لوجوب التغاير بين من خوطب بالآية بـ(( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ))، وهم المؤمنون، وبين المشار إليه في الخطاب، وهم: (( الَّذِينَ آمَنُوا ))؛ إذ لو كان المراد في الاثنين الجميع لأصبح المعنى هكذا: (إنّما أنتم أولياء أنفسكم)، أو: (إنّما وليّكم أنتم)، وهو بمعنى أنّ كلّ واحد وليّ نفسه، فالمضاف، وهو: الضمير (كم)، سيكون بعينه المضاف إليه، وهو: (الولي), ولا بدّ من تغاير المضاف والمضاف إليه..
هذا إضافة إلى ما يدلّ عليه إفراد لفظة (الوليّ) وعدم جمعها من أنّها متعلّقة بأفراد مخصوصين؛ إذ لو قال: (إنّما أولياؤكم) لكان في الكلام مجال.
وقول الآلوسي: (( وأنت تعلم أنّ المراد: بعض المؤمنين بعضاً )) خطأ واضح! كيف؟! وقد عيّنت الآية صفات من يجب تولّيه، وهو: الذي يؤتي الزكاة وهو راكع، فكلامه إن كان له مجال فهو عند عدم تعيين البعض المولى ولا البعض المولى عليه، فيصبح الكلام مجملاً، وهو خلاف نصّ الآية، ومعارض بروايات أسباب النزول.
ولو سلّمنا إمكان حمل الآية على ما يريده من معنى مجازاً، فتكون بمعنى قوله تعالى: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ... )). ولكن لاحظ كيف عبر هنا بلفظة (بعض) ولم يعبرّ بها هناك، فحمل (( الَّذِينَ آمَنُوا ))في الآية على الاستغراق حقيقة يؤدّي إلى كون المعنى: أنّ كلّ واحد وليّ نفسه, وحملها على المجاز: أنّ بعضهم أولياء بعض، يحتاج إلى قرينة أوّلاً, وثانياً لا يؤخذ به إلاّ إذا تعذّر الحمل على الحقيقة أو مجاز أقرب منه.
وحمل (( الَّذِينَ آمَنُوا ))في الآية على الخصوص، وأنّ المراد به: البعض دون الجميع، مجاز أيضاً، ولكنّه كثير الاستعمال في القرآن إذا لم نقل أنّه أصبح حقيقة عرفية، فهو أقرب من ذلك المجاز المدّعى. إضافة لوجود النص عليه من الروايات والقرينة الحالية من الخارج.
فقول المستشكل: (( وأنت تعلم أنّ المراد: ولاية بعض المؤمنين بعضاً ))، لو سلّمنا به معنى مجازي للآية لا معنى حقيقي، وما قلناه من خصوص (( الَّذِينَ آمَنُوا ))مجاز أقرب من هذا المدّعى قامت عليه القرينة، فتعيّن الأخذ به.
وكذلك ما مثّل به من المثالين؛ فإنّها تحمل على المعنى مجازاً، لتعذّر الحقيقة، ولعدم وجود مجاز أقرب وأكثر استعمالاً، بل المعنى المقصود في المثالين هو المجاز الأقرب، فتعيّن.
فظهر بذلك ثبوت دلالة الآية على ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) لكلّ من هداه الله وأنار نفسه وترك ما ران على قلبه من العناد وحجب العصبية.








(1) شرح المقاصد في علم الكلام 2: 289 الفصل الرابع، المبحث الخامس.
(2) الصواعق المحرقة 1: 104 الباب الأوّل، الفصل الخامس، الشبهة العاشرة.
(3) انظر: تفسير الميزان 5: 371.
(4) انظر: تفسير الميزان 6: 7.
(5) انظر: تفسير الميزان 6: 12.
(6) انظر: الكافي 1: 288 حديث (3) باب (ما نصّ الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمة واحداً فواحداً، الخصال للصدوق: 478 حديث (46).
(7) انظر: الرسائل العشر للطوسي: 131، التبيان للطوسي 3: 561، مجمع البيان للطبرسي 3: 363، أحكام القرآن للجصاص 2: 557، المحرّر الوجيز لابن عطية 2: 208، تفسير الرازي 12: 25، تفسير البيضاوي 2: 339، شرح المواقف للجرجاني 8: 359.
(8) انظر: شرح الكافي 6: 117.
(9) الكشّاف 1: 624.
(10) انظر: المحرر الوجيز لابن عطية 2: 208، دقائق التفسير لابن تيمية 2: 206، التسهيل لعلوم التنزيل للغرناطي 1: 181، تفسير البحر المحيط 3: 525، تفسير ابن كثير 2: 73، شرح المواقف للجرجاني 8: 360.
(11) شرح تجريد العقائد: 369.
(12) كتاب العين 1: 200 باب (العين والكاف والراء معها).
(13) الوافي بالوفيات 9: 170 الاضبط بن قريع الشاعر.
(14) تاج العروس 11: 177 مادة (ركع).
(15) كتاب العين 1: 200 باب (العين والكاف والراء معها).
(16) انظر: الصحاح للجوهري 3: 1222 مادة (ركع).
(17) تفسير الآلوسي 1: 247.
(18) شرح المواقف 8: 356 المرصد الرابع، المقصد الرابع.
(19) شرح المقاصد 2: 288 الفصل الرابع، المبحث الخامس.
(20) شرح تجريد العقائد: 368 المقصد الخامس في الإمامة.
(21) التحفة الاثنا عشرية: 395 باب (هفتم).
(22) المنحة الإلهية تلخيص ترجمة التحفة الاثنا عشرية: 240 باب (ما استدلّ به الرافضة على مذهبهم).
(23) الآلوسي والتشيّع: 392 الفصل الرابع عشر.
(24) كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: 499، تح الأملي، المسألة الخامسة،.
(25) الشافي في الإمامة 2: 217.
(26) المغني 2 القسم الأوّل: 133.
(27) عن زبدة البيان للأردبيلي: 108.
(28) الكافي 1: 289 حديث (4) باب (ما نصّ الله ورسوله على الأئمّة واحداً فواحداً.
(29) الأمالي للصدوق: 186 حديث (193) سبب نزول قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... ))، روضة الواعظين: 102 مجلس في ذكر الإمامة، تفسير العيّاشي 1: 328 حديث (139) قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ... ))، تفسير القمّي 1: 170 سورة المائدة، تفسير فرات: 124 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )).
(30) الكافي 1: 146 حديث (11) باب النوادر.
(31) جامع البيان 6: 389 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(32) شرح الأخبار 1: 219 حديث (199).
(33) انظر: تفسير البحر المحيط لأبي حيّان الأندلسي 3: 525 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... ))، تفسير القرطبي 6: 221.
(34) راجع كلام الآلوسي في ما نقله عن الدهلوي.
(35) انظر: تفسير الطبري 6: 388، تفسير الرازي 4: 1163.
(36) العمدة: 113 الفصل الرابع عشر، تفسير مجمع البيان 3: 359 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... ))، وقريب منه ما قاله المبرّد، في: الكامل في اللغة والأدب 1: 312 رثاء ليلى الأفيلية.
(37) الصوارم المهرقة: 172 في ردّه على كلام ابن حجر في آية الولاية.
(38) انظر: مجمع البيان للطبرسي 3: 359 قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم... )).
(39) شرح المقاصد 2: 289.
(40) شرح تجريد الاعتقاد: 368.
(41) إحقاق الحقّ 2: 412.
(42) المغني: 20 (القسم الثاني): 134.
(43) انظر: تفسير الطبري 28: 74 سورة الممتحنة.
(44) انظر: تفسير الطبري 6: 376 قوله تعالى: (( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ... )).
(45) انظر: الشافي في الإمامة 2: 224.
(46) الكشّاف 1: 624.
(47) مجمع البيان 3: 364.
(48) المراجعات: 253 المراجعة (42).
(49) أحكام القرآن 2: 558 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(50) التحفة الاثنى عشرية: 399، المنحة الإلهية تلخيص ترجمة التحفة الاثنى عشرية: 246.
(51) المغني 20 (القسم الأوّل): 136.
(52) تفسير الرازي 12: 29.
(53) شرح المواقف 8: 360.
(54) شرح المقاصد 2: 289.
(55) أُصول السرخسي 1: 273 فصل في الوجوه الفاسدة.
(56) تفسير الرازي 16: 221 قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ


السؤال: الدليل على كون الولاية بمعنى الإمامة
ما الدليل على أن الولاية المذكورة في آية الولاية بمعنى الإمامة وليست بمعنى النصرة؟
الجواب:




لو كانت الولاية بمعنى النصرة لما صح حصرها بأداة الحصر (إنما) بعد الله ورسوله بالذين آمنو المتصفين بكونهم: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55).
أي طائفة خاصة من المؤمنين، إذ الولاية بهذا المعنى تشمل جميع المؤمنين كما قال الله تعالى: (( وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )) فعلمنا من قرينة حصر الولاية (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) بمعنى آخر غير النصرة، وإلا لم تكن فائدة م الحصر..
فظهر أن المقصود من الولاية في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) من يكون أولى بالمؤمنين من أنفسهم كما قال تعالى بحق النبي (صلى لله عليه وآله ): (( النَّبِيُّ أَولَى بِالمُؤمِنِينَ مِن أَنفُسِهِم )) (الأحزاب:6).
أي أحق بتدبيرهم وتصريفهم وأن طاعته عليهم واجبة ، فإذا ثبت ذلك لغير النبي كعلي (عليه السلام) وهو الذي أتى بالزكاة راكعاً باتفاق جميع المسلمين، فلابد أن يكون هو الولي الأولى بالمؤمنين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله ) . وليست ولايته سوى الإمامة، لأن الإمامة هي الرئاسة العامة في أمور الدين والدينا، وذلك هو مفاد كون الولي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فتأمل .












السؤال: الإيمان بولاية الإمام علي(عليه السلام) يتحصّل من التواتر لا من ظاهر الآية فقط1- إنّنا نستدلّ على خلافة أمير المؤمنين(عليه السلام) بآية الولاية، بأنّ (إنّما) ظاهرة في الحصر، وأنّ باقي المعاني للمولى لا تستقيم مع الحصر.
ولکن السؤال في أنّ هذا الاستدلال متوقّف على حجّية الظواهر في العقائد، وکيف يجتمع هذا مع أنّا نقول: لا يکفي الظنّ في العقائد، بل اللازم العلم.
2- ما الوجه في استعمال الجمع في المفرد في هذه الآية؟
أُريد جواباً واضحاً، مع ذکر المصدر من الکتب البلاغية، أو العلماء البلاغيين.
الجواب:




بالنسبة للسؤال الأوّل: فإنّ تمسّكنا بدلالة (إنّما) على الحصر، وأنّه لا يتناسب مع معاني المولى غير الأولى بالأمر (أي الولاية)، ليس من الظهور فحسب، بل من دلالة الروايات المتواترة في شأن نزول الآية، فتواتر الروايات قطعي باختصاص الآية بعليّ(عليه السلام).
كما أنّ العلم بولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) لا يختص بالآية المشار إليها، وهي آية (55 من سورة المائدة)، فقد تعدّدت الآيات اضافة إليها، وتضافرت الروايات وتواترت بهذا المعنى، ونصّ على تواتر جملة منها علماء أهل السُنّة قبل الشيعة، كما هو الحال في قوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه)، الذي نصّ على تواتره السيوطي في (قطف الأزهار المتناثرة)(1)، والذهبي في (سير أعلام النبلاء)(2)، والكتاني في (نظم المتناثر)(3)، وهكذا غيرهم.
فالطرق المتعدّدة لهذا المعنى - أي ولاية عليّ(عليه السلام) -. وإن كانت بمفردها يفيد كلّ منها ظهوراً هو حجّة في بابه، أي: في باب الأخبار، فهي بمجموعها تفيد تواتراً يكون حجّة في باب العقائد، فحجّية الإيمان بولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) تتحصّل من مجموع هذه الظواهر الواردة في الكتاب والسُنّة وليس بمفردة واحدة دون أُخرى.
وأمّا عن السؤال الثاني، فنقول:
الجمع الوارد في الآية الكريمة (55 من سورة المائدة) والذي يراد به المفرد وهو أمير المؤمنين(عليه السلام) إنّما ورد بهذه الصيغة للتعظيم، كما وقع في كثير من الآيات والأخبار.
وعن الشيخ الطريحي في (مجمع البحرين) في بيان معنى مفردات الآية المذكورة أعلاه قال: ((المعنى: الذي يتولّى تدبيركم، ويلي أموركم الله ورسوله والذين آمنوا، هذه صفاتهم: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
قال الشيخ أبو علي: قال جار الله: إنّما جيء به على لفظ الجمع، وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً، ليرغب الناس في مثل فعله، ولينبّه أنّ سجيّة المؤمن يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان.
ثمّ قال الشيخ أبو علي: وأقول: قد اشتهر في اللغة العبارة عن الواحد بلفظ الجمع للتعظيم فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه، فهذه الآية من أوضح الدلائل على صحّة إمامة عليّ(عليه السلام) بعد النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بلا فصل))(4).
فهذا النصّ الوارد عن هذا اللغوي المعروف الذي يستشهد بكلام اثنين من كبار المفسّرين من الفريقين، وهما الزمخشري والطبرسي، المعروفين بتفسير القرآن وبيان النكات اللغوية والأدبية والبلاغية الواردة فيه، يفيد أنّ المجيء بهذه الصيغة - أي: صيغة الجمع في المفرد - إنّما كان لغرض التعظيم والترغيب في الفعل، على حدّ قول الزمخشري. ولهذا الاستعمال شواهد كثيرة في القرآن والسُنّة وكلام العرب لا تخفى على المتتبّع.








(1) قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة: 277 حديث(102).
(2) سير أعلام النبلاء 8: 335 ترجمة المطلب بن زياد (86).
(3) نظم المتناثر من الحديث المتواتر: 194 حديث (232) من كنت مولاه فعليّ مولاه).
(4) مجمع البحرين 4: 555، باب (و)، مادة (و ل ي).
















السؤال: الوجه في مجيء (والذين آمنوا) بصيغة الجمعفي آية الولاية, قلنا: أنّ (( الَّذِينَ آمَنُوا )) نزلت في عليّ(عليه السلام)، وقلنا أيضاً: جاء الجمع للتعظيم، فإذا كان لتعظيم العمل، فكلّ من يعمل هذا العمل يدخل في مصداق الآية، وإذا قلنا: لتعظيم الذات، أي: شخص عليّ(عليه السلام)، نقول: لماذا لم يعظّم الله نفسه ولا رسوله وعظّم فقط عليّ(عليه السلام)؟
الجواب:




مجيء (( وَالَّذِينَ آمَنُوا )) بهذه الصيغة، أي صيغة الجمع في حقّ عليّ(عليه السلام) عندما تصدّق بخاتمه فيها إشارة إلى أمرين مهمين سوى التعظيم:
الأوّل: إنّ الذي يستحقّ منصب الولاية العظمى هو من صدّق إيمانه بالعمل الصالح ولم يتخلّف عن الخير والصلاح في كلّ مجالاته المتاحة, فهو الذي يصدق في حقه ما جاء في قوله تعالى في مورد آخر من القرآن: (( إِنَّهُم كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيرَاتِ )) (الأنبياء:90).
الثاني: الحثّ والترغيب للمسلمين على الاقتداء بهذا العمل، كما نصّ على هذا الأمر الزمخشري في تفسيره (الكشّاف)؛ قال: ((إن قلت: كيف صحّ أن يكون لعليّ(رض) واللفظ لفظ الجماعة؟!
قلت: جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً؛ ليرغّب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه)) انتهى(1).








(1) الكشّاف 1: 624 قوله تعالى: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ... )).




















السؤال: لماذا جيء بلفظ الجمع والمراد شخص واحد‎:
يحتجّ بعض من أهل السُنّة على أنّ لفظ الجمع في آية الولاية لايدلّ على التعظيم، وأنّه لم يرد في الإمام عليّ(عليه السلام) لتعظيمه، وإلاّ لكان الأحقّ منه بصيغة الجمع لفظ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأشاروا إلى أنّه لم يرد في الآيات الشريفة لفظ الجمع للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولا في أحد بخصوصه.
فما الردّ على هذه الشبهة؟
أفيدونا يرحمكم الله..




الجواب:




نقول: لقد أجاب المفسّر الزمخشري، الذي كتب تفسيره لبيان النكات البلاغية في القرآن الكريم على ذلك، فقال بخصوص هذا الموضوع: ((فإن قلت: كيف صحّ أن يكون لعليّ(عليه السلام) واللفظ لفظ الجماعة؟
قلت: جيء به على لفظ الجمع، وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً؛ ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه، ولينبّه على أنّ سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء، إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلى الفراغ منها))(1).
أمّا الاعتراض بأنّ هذا اللفظ لا يدلّ على التعظيم وإلاّ لكان الأحقّ منه بصيغة الجمع لفظ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهذا غريب! فالكلام إنّما هو في أصل الجواز لا في كيفيته، وإذا كان هناك اعتراض فينبغي أن يكون في أصل جواز استعمال الجمع في المفرد، فإذا ثبت جوازه لا يحقّ لنا أن نقول أنّه ينبغي أن يأتي الكلام على هذه الكيفية دون هذه، فهذا من ضيق الخناق في المجادلة، وتجاوز الأدب مع المولى سبحانه، فالمولى سبحانه أدرى بكيفية البيان، وعلينا نحن بذل الجهد في معرفة النكتة التي بسببها ورد النزول بهذا الشكل بعد ثبوت جواز ذلك عقلاً واستعمالاً، لا أن نعترض ونتجاوز الأدب.
وأمّا دعوى أنّ لفظ الجمع لم يرد بخصوص الفرد، فهذا أمر مردود، فهناك جملة من الآيات التي جاءت بلفظ الجمع والمراد منها شخص واحد؛ فراجع على سبيل المثال تفاسير المسلمين عند قوله تعالى: (( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم )) (آل عمران:173)، وانظر من القائل الذي جاء ذكره بلفظ الناس!
















السؤال: مجيء التعظيم بصيغة الجمع متسالم بلاغياً(الذين) في آية الولاية جاءت بالجمع للتعظيم، فهل ذكر الله نفسه في القرآن الكريم بـ (اسم الموصول): الذين، ودلّ على التعظيم؟
الجواب:




استعمال (الذين) في المفرد للتعظيم من المتسالم عليه بلاغياً سواء ورد في القرآن هذا الأمر أم لا؛ إذ اللغة وبلاغة العرب هي أمر سماعي, وقد ثبت هذا المعنى في الكتب المختصّة بهذا الشأن، فلا حاجة لإطالة البحث في أمر مسلّم.
وأمّا لماذا لم يعظّم الله نفسه بلفظة (الذين) في القرآن، فلأنّه لا يصحّ بحسب اللغة العربية أن يعبّر الله عن نفسه بلفظة (الذين)؛ إذ القرآن كلام الله، ولكن جاء في آيات كثيرة تعبير الله نفسه بلفظة (نحن)، كما في قوله تعالى: (( إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )) (الحجر:9)، وقوله تعالى: (( نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ )) (يوسف:3)، وقوله تعالى: (( وَمِن أَهلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعلَمُهُم نَحنُ نَعلَمُهُم سَنُعَذِّبُهُم مَرَّتَينِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىظ° عَذَابٍ عَظِيمٍ )) (التوبة:101)، وغيرها كثير في القرآن.












السؤال: الزكاة من أفراد الصدقةأشکل بعض على دلالة آية الولاية وقضية التصدّق بالخاتم، بأنّ الزکاة في القرآن تستعمل في الزکاة الواجبة، والحال أنّا نعلم أنّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام لم يكن عليه زکاة واجبة، ولو کان كذلك لم يكن من حقه تأخيرها ويبدأ بالصلاة.
الجواب:




لقد ردّ صاحب (الميزان) عن الاشكال: وهو أنّ كون التصدّق بالخاتم لا يسمّى زكاة بقوله:
((وأمّا قولهم: أنّ الصدقة بالخاتم لا تسمّى زكاة، فيدفعه: أنّ تعيّن لفظ الزكاة في معناها المصطلح إنّما تحقّق في عرف المتشرّعة بعد نزول القرآن بوجوبها وتشريعها في الدين، وأمّا الذي تعطيه اللغة، فهو أعمّ من الزكاة المصطلحة في عرف المتشرّعة، ويساوق عند الاطلاق أو عند مقابلة الصلاة انفاق المال لوجه الله.
كما يظهر ممّا وقع في ما حكاه الله عن الأنبياء السابقين، كقوله تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب: (( وَأَوحَينَا إلَيهم فعلَ الخَيرَات وَإقَامَ الصَّلاة وَإيتَاءَ الزَّكَاة )) (الأنبياء:73).
وقوله تعالى في إسماعيل: (( وَكَانَ يَأمر أَهلَه بالصَّلاة وَالزَّكَاة وَكَانَ عندَ رَبّه مَرضيّاً )) (مريم:55).
وقوله تعالى حكاية عن عيسى(عليه السلام) في المهد: (( وَأَوصَاني بالصَّلاة وَالزَّكَاة مَا دمت حَيّاً )) (مريم:31).
ومن المعلوم أن ليس في شرايعهم الزكاة المالية بالمعنى الذي اصطلح عليه في الإسلام.
وكذا قوله تعالى: (( الَّذي يؤتي مَالَه يَتَزَكَّى )) (الليل:18), وقوله تعالى: (( الَّذينَ لا يؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم بالآخرَة هم كَافرونَ )) (فصلت:7), وقوله تعالى: (( وَالَّذينَ هم للزَّكَاة فاعلونَ )) (المؤمنون:4), وغير ذلك من الآيات الواقعة في السور المكّية وخاصّة السور النازلة في أوائل البعثة، كـ(سورة حم) وغيرها، ولم تكن شُرّعت الزكاة المصطلحة بعد, فليت شعري ماذا كان يفهم المسلمون من هذه الآيات في لفظ الزكاة؟!
بل آية الزكاة، أعني قوله تعالى: (( خذ من أَموَالهم صَدَقَةً تطَهّرهم وَتزَكّيهم بهَا وَصَلّ عَلَيهم إنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهم )) (التوبة:103), تدلّ على أنّ الزكاة من أفراد الصدقة، وإنّما سمّيت: زكاة؛ لكون الصدقة مطهّرة مزكّية مطلقاً، وقد غلب استعمالها في الصدقة المصطلحة..
فتبيّن من جميع ما ذكرنا أنّه لا مانع من تسمية مطلق الصدقة والإنفاق في سبيل الله: زكاة ))(1).








(1) تفسير الميزان: 6: 10 قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).


السؤال: تصدّق علي(عليه السلام) بالخاتم أثناء الصلاة عبادةسؤالي حول تصدّق الإمام عليّ(عليه السلام) بالخاتم، وهو يصلّي، والمعروف أنّ الإمام إذا صلّى لا تتعلّق روحه في عالم الدنيا، ولكن تسبّح في ملكوت الله، فكيف إذاً كانت حالة الإمام يوم أجاب دعوة الفقير؟
لا بدّ أنّ هناك يداً خفية في ذلك الوقت، يوم كان الإمام يصلّي من حيث إجابة السائل.
وبودّي أنّ توضّحوا لي ماذا حدث؟ هل توجد اجتهادات في حقيقة المسألة؟ لأنّ ما يقال: إنّه كان في وقت عبادة، والتصدّق عبادة هو كلام صحيح لا خلاف عليه، لكن هذا الجواب لا يغنيني.
شاكرين لكم.
الجواب:




للجواب على سؤالك نشير إلى عدّة نقاط:
1- لو كان لهذا الإشكال أدنى مجال، لما عدّت هذه القضية عند الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسائر المؤمنين من مناقب عليّ(عليه السلام).
2- هذا الالتفات من أمير المؤمنين(عليه السلام) لم يكن إلى أمر دنيوي، وإنّما كان عبادة في ضمن عبادة.
3- المعروف عن أمير المؤمنين(عليه السلام) أنّه جمع في صفاته بين الأضداد، حتّى أنّه لما سئل ابن الجوزي الحنبلي المتعصّب - الذي ردّ الكثير من فضائل أمير المؤمنين(عليه السلام) - عن هذا الإشكال نفسه الذي ذكرتموه أجاب ببيتين:




يسقي ويشرب لا تلهيه سكرته ***** عن النديم ولا يلهو عن الناس
أطاعَهُ ســكرُهُ حتّى تمكّن من ***** فعل الصُحاةِ فهذا واحد الناس
كما نقله عنه الآلوسي في (روح المعاني)(1).








(1) تفسير روح المعاني 6: 169.












السؤال: تصدّقه (عليه السلام) بالخاتم لا يخل بعبادته
كيف يمكن أن نوفّق بين التفات الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) للسائل أثناء صلاته مع العلم بأنّه يكون في قمّة الخشوع إلى درجة تنتزع السهام من رجله دون أن يشعر؟
الجواب:




إنّ حالات العبادة تختلف بحسب الأوضاع والظروف, فرُبّ عبادة يكون التفكّر والتدبّر بالخالق سبحانه وآلائه والحرص على طاعته هو الشغل الشاغل للعابد , وهذا الأمر لا يخلّ بالعبادة، بل يزيدها بهاءً على بهاء، كما ورد في الحديث عن الأئمّة(عليهم السلام): (ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة, وإنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله)(1).
ورُبّ عبادة يكون الخشوع فيها والانبهار بجمال الله وجلاله هو الحالة السائدة للعابد, وهذه الحالات المذكورة يمر بها الأنبياء وكذلك الأئمّة(عليهم السلام).
ومن هنا نوفّق بين حالتي أمير المؤمنين(عليه السلام) حين تصدّق بخاتمه وسمع كلام السائل في المسجد، وقد كان فعله (عليه السلام) في هذا المورد طاعة في طاعة, وبين حالته الأخرى من الخشوع والانقطاع إلى الله سبحانه حتى تأخذه الغشية في الدعاء.








(1) تحف العقول: 442 من قصار كلمات الإمام الرضا(عليه السلام).
















السؤال: لا تعارض بين تصدّق الإمام ورواية وردت عن الصادق(عليه السلام)
ما هو الردّ على هذه الشبهة التي كتبها أحد الوهّابيين:- الإمام الباقر يضعّف حديث تصدّق أمير المؤمنين بخاتمه:
((علي بن إبراهيم, عن أبيه, ومحمّد بن إسماعيل, عن الفضل بن شاذان جميعاً, عن حمّاد بن عيسى, عن حريز, عن زرارة، قال: قال أبو جعفر(عليه السلام): إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك, فإنّما يحسب لك منها ما أقبلت عليه, ولا تعبث فيها بيدك, ولا برأسك, ولا بلحيتك, ولا تحدّث نفسك... )).
والحديث صحيح، كلّهم ثقاة. (الكافى 3 صفحة 300 باب الخشوع فى الصلاة).
الجواب:




أولاً: الرواية المذكورة ليست في صدد بيان صحّة أو بطلان الصلاة، وإنّما تنهى عن العبث في أثناء الصلاة؛ تنـزيهاً واعتناءً بشأن الصلاة.
وعلى كلّ حال، فالحركة اليسيرة لا تضر بصحّة الصلاة، ولذا أفتى الفقهاء من الفريقين بصحّة الصلاة مع الحركة اليسيرة، ورووا في ذلك روايات تدلّ على إباحة العمل اليسير.
ثانياً: إنّ الحركة اليسيرة غير المقصود بها العبث، فضلاً عن كونها قد تكون عبادة، كما في المورد، لا تضرّ بكمال الصلاة..
ففي (أحكام القرآن) للجصّاص قال: (( وقد روي عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبار في إباحة العمل اليسير فيها, فمنها: أنّه خلع نعليه في الصلاة.
ومنها: أنّه مسّ لحيته, وأنّه أشار بيده. ومنها: حديث ابن عبّاس أنّه قام على يسار النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأخذ بذؤابته وأداره إلى يمينه. ومنها: أنّه كان يصلّي وهو حامل أمامه بنت أبي العاص بن الربيع, فإذا سجد وضعها, وإذا رفع رأسه حملها.
ثمّ قال: فدلالة الآية ظاهرة في إباحة الصدقة في الصلاة؛ لأنّه إن كان المراد: الركوع، كان تقديره: (الذين يتصدّقون في حال الركوع), فقد دلّت على إباحة الصدقة في الحال, وإن كان المراد: وهم يصلّون, فقد دلّت على إباحتها في سائر أحوال الصلاة, فكيفما تصرفت الحال فالآية دالّة على إباحة الصدقة في الصلاة ))(1).
ومنه يظهر: عدم صحّة النقض على رواية الصادق(عليه السلام) بتصدّق أمير المؤمنين(عليه السلام) في صلاته؛ لأنّه ينقض بفعل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) سواء كان مراده من النقض بطلان الصلاة, أو معارضة الفعل القليل للتوجّه في الصلاة والانقطاع إلى الله, أو معارضته لكمال الصلاة كما تدلّ عليه رواية الصادق(عليه السلام).
ومنه يعلم أيضاً: أنّ فعل عليّ(عليه السلام) لم يكن من العبث, بل كان عبادة في عبادة, وبالتالي فلا تعارض بين رواية الصادق(عليه السلام) وبين روايات تصدّق عليّ(عليه السلام) في صلاته.
كما يظهر أيضاً: عدم إمكان جعل فعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) اليسير في الصلاة من العبث أيضاً, أو منافٍ لكمال الصلاة؛ لأنّه بعيد عن ساحتهما معاً، رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ(عليه السلام).








(1) أحكام القرآن 2: 507.




























يتبع












عرض البوم صور الشيخ عباس محمد   رد مع اقتباس
قديم 11-02-2017, 04:16 PM   المشاركة رقم: 4
معلومات العضو
الشيخ عباس محمد

إحصائية العضو







 
 


التوقيت

التواجد والإتصالات
الشيخ عباس محمد غير متواجد حالياً

كاتب الموضوع : الشيخ عباس محمد المنتدى : منتدى رد الشبهات
افتراضي

السؤال: الآية عامّة والعام يتحقق بوجود مصداقه في الخارج فكيف تخصص؟
إنّنا نستدلّ على ولاية أمير المؤمنين(عليه السلام) بآية الولاية، ولکن هناك إشكال يقول: إنّ الآية عامّة والعام يتحقّق بوجود مصداقه، فإذا فعل فرد تلك الأعمال المذکورة في الآية فهو الإمام، والظاهر أنّه أوّل من فعل تلك الأعمال عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، ولکن الظاهر أيضاً أنّه تصدّق بعد ذلك عمر وهو راکع، فلعلّه أُنزلت فيه آية فتحقّق أيضاً بفعل عمر مصداقاً للآية، کيف نجيب عن هذا السؤال؟
وإن قلت: إنّ الملاك يتحقّق في أوّل من فعل.
قلت: ما الدليل على ذلك؟
وإن قلت: الدليل عليه أنّه إن لم يكن کذلك، لفعل ذلك العمل کلّ مكلف وأصبح إماماً، وهذا لا يناسب حکمة الله تعالى.
قلت: فکيف نستدلّ بحديث يوم الدار وفيه أيضاً هذه المنافاة؟
وإن قلت: إنّ علم الله تعالى السابق بالمصداق يدفع الإشکال.
قلت: فکذلك نقول في آية الولاية؟
الجواب:




نجمع الجواب على شكل نقاط:
الأول: إنّ الآية جاءت بصيغة الجملة الخبرية لا الإنشائية، وما يقرّب ذلك: إثبات الولاية لله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثمّ للذين آمنوا، ولا يصحّ إنشاء الولاية لله؛ فإنّها ثابتة وإنّما يُخبر عنها، بل إثباتها لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أيضاً؛ لأنّه من المفروض أنّ ولايته قد ثبتت قبل هذه الآية بثبوت الرسالة، فليكن إثباتها للذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون كذلك.
وبعبارة أُخرى: إنّ الآية إرشادية بالنسبة لولاية الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإرشاد إلى علامة يعرف ويُميز بها الوليّ من الذين آمنوا، وهي: التصدّق أثناء الركوع، وهذه الميزة والعلامة فارقة للوليّ عن غيره من الذين ثبت لهم الإيمان المنصوص عليه في الآية. فتكون الآية على نحو القضية الخارجية المحقّقة الموضوع، لا القضية الحقيقية المقدّرة الموضوع الغالبة في الأحكام الشرعية.
فليس كلّ المؤمنين أولياء، وإنّما الوليّ يكون من المؤمنين حصراً، وبالتالي فلا وجود لإنشاء حكم شرعي يثبت الولاية لكلّ من يتصدّق وهو راكع في الآية، فضلاً عن كونه غير معقول؛ فلاحظ!
الثاني: إنّ الآية أخبرت بثبوت الولاية لمن هو متأخّر في المرتبة عن الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) طولاً، عن طريق ذكر صفات على شكل قيود بصيغة الجمع، فإنّ (( الَّذِينَ آمَنُوا )) جمع، ولكنّه يخرج غير المؤمن عن الولاية، و((الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) قيد آخر يخرج من ليس فيه هذه الصفة، ولكنّه بصيغة الجمع أيضاً.
وبعبارة أُخرى: إنّ صيغ الجمع في الآية الدالّة على العموم غير مخصّصة، ولكنّها من جهة كونها قيود يترتّب أحدها على الآخر مقيّدة لإطلاق الموضوع، أو لنقل: إنّ إطلاق جمل القيود الواردة بصيغة الجمع مقيّد، فكلّ جملة يقيّد إطلاقها بالجملة التي تأتي بعدها وإن كانت بصيغة الجمع. وهو يرجع بالحقيقة إلى التخصّص في الموضوع لا التخصيص حتى يلزم على القول به تخصيص الأكثر، وهو قبيح.
إذ قبح تخصيص الأكثر مسلّم عندما يكون مصبّ التخصيص، الأفراد الخارجية الداخلة تحت العموم فرداً فرداً، كما لو قال: كُل جميع الرمّان، وكان هناك مئة رمانة، ثم استثنى منها رمانة رمانة حتى تبقى واحدة، لا فيما إذا كانت القيود واقعة على المفهوم الكلّي حتى تضيّق نطاقه بمصداق خارجي واحد، كما لو قال: أكرم العالم العادل الفقير الزاهد الورع حتى لا يبقى إلاّ واحد.
وقد قرّر العلاّمة المظفّر الإشكال بما يأتي: إنّ (( الَّذِينَ آمَنُوا )) صيغة جمع فلا تصرف إلى الواحد إلاّ بدليل، وقول المفسّرين: (( نزلت في عليّ )) لا يقتضي الاختصاص، ودعوى انحصار الأوصاف فيه مبنية على جعل (( وَهُم رَاكِعُونَ )) حالاً من ضمير (( وَيُؤتُونَ ))، وليس بلازم، بل يحتمل العطف؛ بمعنى: أنّهم يركعون في صلاتهم لا كصلاة اليهود خالية من الركوع، أو بمعنى: أنّهم خاضعون(1).
وأجاب: وفيه أنّ (الحالية) متعينة لوجهين:
الوجه الأوّل: بُعد الاحتمالين المذكورين؛ لاستلزام أوّلهما التأكيد المخالف للأصل، لأنّ لفظ (( الصَّلاةَ )) مغن عن بيان أنّهم يركعون في صلاتهم؛ لتبادر ذات الركوع منها، كما يتبادر من الركوع ما هو المعروف، فيبطل الاحتمال الثاني أيضاً.
الوجه الثاني: إنّ روايات النزول صريحة بـ(الحالية)، وإرادة الركوع المعروف... ثمّ ذكر عدّة روايات، إلى أنّ قال: إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى، الصريحة في الحالية وإرادة الركوع المعروف الدالّة على أنّ المراد تعيين أمير المؤمنين(عليه السلام) لهذه الأوصاف، كما لا ريب بإرادة المفسّرين اختصاص الآية بأمير المؤمنين(عليه السلام)؛ لأنّ تفسيرهم مأخوذ من هذه الروايات ونحوها(2).
وأنت تلاحظ تصريحه بالاختصاص دون التخصيص.
الثالث: وبملاحظة أنّ المراد من الولاية في الآية هي: ولاية الأمر، بمعنى منصب الحكومة (وإثبات ذلك في محلّه)، وأنّ العقل لا يجوّز ثبوتها لأكثر من واحد في وقت واحد عرضاً، مع تجويزه لذلك طولاً (وهو مفاد آخر للآية)، وملاحظة ورود الآية بصيغة الخبر، وذكر عدّة قيود متراتبة تضيّق الموضوع، خاصّة مع ورود لفظة (( وَلِيُّكُمُ )) مفردة في الآية، ودخولها على لفظين مفردين (الله ورسوله)، ثمّ العطف بالجمع (( الَّذِينَ آمَنُوا )) وما فيه من المقابلة بين الإفراد والجمع، يؤدّي إلى أن يفهم المخاطبين اختصاص الآية بواحد متعيّن، وأنّه لا بدّ من وجود قيد أو قيود تشخّصه في الخارج ولم تذكر اسمه لحكمة، وهو ما فهمه الصحابة على ما ورد في بعض الروايات وطلبوا من النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذكر هذه القيود المشخّصة، وذلك بأن سألوه تعيين هذا الشخص الذي تثبت له الولاية من الآية في الخارج، وهو ما فعله النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فقد نقل صاحب (تفسير البرهان) عن الصدوق بإسناده: (( عن أبي الجارود، عن أبي جعفر(عليه السلام) في قول الله عزّ وجلّ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا )), قال: إنّ رهطاً من اليهود أسلموا منهم عبد الله بن سلام وأسد وثعلبة وابن ياسين وابن صوريا، فأتوا النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا: يا نبيّ الله! إنّ موسى أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيّك يا رسول الله؟ ومن وليّنا بعدك؟ (لاحظ سؤالهم عن شخص معيّن).
فنزلت هذه الآية: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )), قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (قوموا). فقاموا وأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا سائل! هل أعطاك أحد شيئاً؟) (لاحظ فهم أهل اللغة من إرادة واحد معيّن في الآية).
قال: نعم، هذا الخاتم.
قال: (من أعطاكه؟).
قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلّي.
قال: (على أيّ حال أعطاك؟) (لاحظ السؤال عن الحال المفهم من أنّ الواو في (ويؤتون) حالية).
قال: كان راكعاً. فكبّر النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكبّر أهل المسجد، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (عليّ وليّكم بعدي). (وهذا تصريح بالاختصاص).
قالوا: رضينا بالله ربّاً وبمحمد نبيّاً وبعليّ بن أبي طالب وليّاً.
فأنزل الله عزّ وجلّ: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )) (المائدة:56) ))(3).
ومن الواضح فهم الصحابة للاختصاص من هذه الآية بعد معايشتهم الحال وسماع اللفظ، حتى أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) احتجّ عليهم بهذا في حديث المناشدة المشهور عن أبي ذرّ في يوم الشورى، كما أورده الشيخ في المجالس(4)؛ فراجع!
ومع أنّا لا نحصر بيان هذا القيد المشخّص للمعنيّ في الخارج عن طريق النقل؛ إذ لا يمنع معرفته عن طريق العقل، وذلك بعد إدراك أنّ الولاية لا تثبت إلاّ للمعصوم، فلا بدّ أن يكون هو المعنيّ بالآية، ولكن ذلك قد يكون لازم غير بيّن من الآية، ومن البعيد أن يتعبد الشارع جمهور المكلفين به وحده؛ فإنّ إدراك ذلك قد يقصتر على القليل منهم ويخفى على جمهور المكلّفين، فتمسّ الحاجة إلى البيان النقلي الصريح وعدم الاكتفاء بدلالة العقل، وهو ما فعله النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالتصريح باسم عليّ(عليه السلام)، وتشخيصه في الخارج وأمام الناس في المسجد، حسب ما ورد في الروايات، بحيث لم يبق مجال للمنكر إلاّ الجحود والمكابرة.
الرابع: ونستطيع أن نقول: أنّه لو كان كلامنا في الآية بلحاظ عالم الثبوت، فإنّ العقل، بل حكم العقلاء، لا يجوّز ثبوتها لأكثر من واحد في وقت واحد عرضاً، وإن جوّزه طولاً، إنّ هذا الواحد لا بدّ أن يتّصف بالعصمة مع أنّ العصمة ملكة باطنية لا تُعلم إلاّ بالإخبار، فإدراك هذا المعنى من قبل بعض ذوي الفطنة أو عن طريق الفطرة يؤدّي بهؤلاء إلى البحث عنه والمطالبة بالدلالة والنص عليه، ويكفيهم في هذا انطباق الصفة والعلامة الواردة على شكل معرف جمعي في الآية، أي: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )).
وأمّا لو كان كلامنا بلحاظ عالم الإثبات، الذي هو الطريق الأقرب إلى أكثر الناس، فإنّ النصّ من رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) على انطباق الآية على عليّ(عليه السلام) يكون القيد الأخير المشخّص والمعيّن من سلسلة القيود المذكورة في الآية، والتي تعالج ناحية الإطلاق وإن بقي العموم على عمومه في هذه القيود لنكتة سوف نشير إليها، فيكون الدليل مقيّداً بقيدين: قيد من نصّ القرآن، وقيد من السُنّة، وهو ما ورد من أحاديث اختصاص عليّ(عليه السلام) بهذه الآية.
وورود أخبار أو إنشاء (تشريع) في آيات القرآن على شكل معرّف جمعي، أو قيد جمعي، ولا يكون له إلاّ مصداق واحد في الخارج ليس بعزيز في الكتاب الكريم.
وقد ذكر بعضهم أنّ النكتة في ورود اللفظ بصيغة الجمع، هي: لبيان أنّ مثل هذه المقامات العالية لا يمكن الحصول عليها إلاّ بالمجاهدة والإخلاص في العمل، أو: للترغيب في مثل هذا العمل.
ولعلّنا نستقرب نكتة أُخرى، وهي: إدخال بقية الأئمّة(عليهم السلام) في الآية، كما ورد في بعض الروايات من أنّهم كلّهم تصدّقوا في أثناء الصلاة، ويكون النصّ عليهم هنا أيضاً مقيّداً للإطلاق في الآية بهم(عليهم السلام)، فالإطلاق الشامل للبعض، وهو: المؤمنين المتصدّقين ورد في القرآن، وتقييده لبيان الأشخاص المستحقّين للولاية يكون من السُنّة؛ فتأمّل!
والكلام نفس الكلام في حديث الدار من ورود قيود عديدة ثمّ ذكر القيد الأخير لها على لسان النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد أن قام عليّ(عليه السلام) وقبل النصرة له، مع وضوح الأمر أكثر فيه؛ لأنّه لم يرد المعرّف فيه على صفة الجمع، إذ قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (من يؤازرني...) الحديث..
ومع ملاحظة معقولية كون القيود المذكورة فيه علّة تامّة لتسنّم منصب الإمامة، بخلافه في الآية: إذ أقصى ما يمكن تعقّله كون التصدّق في أثناء الركوع جزء العلّة؛ فتأمّل!








(1) شرح المقاصد 2: 289، شرح تجريد العقائد: 369.
(2) دلائل الصدق 4: 308 تعيين إمامة عليّ(عليه السلام) بالقرآن.
(3) تفسير البرهان 3: 423 سورة المائدة، قوله تعالى: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )).
(4) أمالي الطوسي: 545 حديث (1168) مجلس يوم الجمعة السادس والعشرين من محرّم سنة سبع وخمسين وأربعمئة.




















السؤال: (إِنّما) فيها أداة حصر
الإخوة المسؤولين عن الموقع المحترمين..
لدي سؤال أرجو مساعدتي في الإجابة عليه، وجزاكم الله خير الجزاء:
إنّ آية الولاية التي جاءت في القرآن الكريم، جاءت مقيّدة بأداة (إِنَّمَا)، والسؤال هو: هل أداة (إنّما) تستخدم أحياناً لأغراض أُخرى عدا الحصر؟ وما هي هذه الأغراض؟
الجواب:




(إِنَّمَا) أداة حصر على ما يظهر من تصريح أهل اللغة، بل عن بعضهم أنّه لم يظهر مخالف فيه، وعن آخر دعوى إجماع النحاة عليه، وهو المنقول عن أئمّة التفسير، ويقتضيه التبادر؛ إذ لا إشكال في ظهورها في انحصار المتقدّم بالمتأخّر.
قال العلاّمة الطباطبائي(قدس سره): (( إنّ القصر في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ... )) لقصر الإفراد، كأنّ المخاطبين يظنّون أنّ الولاية عامّة للمذكورَين في الآية وغيرهم، فأفرد المذكورين للقصر، ويمكن بوجه أن يُحمل على قصر القلب(1).
وعلى كلّ حال فالأداة (إِنَّمَا) أداة حصر هنا بل دائماً - كما ذكرنا آنفاً - عندما تكون متكوّنة من (إنَّ) المشبّهة بالفعل و(ما) الكافّة، وهي تفيد قصر صفة على الموصوف أو العكس.








(1) الميزان في تفسير القرآن 6: 14.




















السؤال: الحصر الموجود في الآية وكيفية استفادة الولاية لباقي الأئمّة(عليهم السلام)




قال لي أحد المخالفين: إنّ معنى (إنّما) في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا... )) (المائدة:55) تفيد الحصر, وهذا يعني إنّ مَن تجب ولايته في هذه الآية، أي: يقصد آية الولاية، هم: الله والرسول والذين يؤتون الزكاة وهم راكعون, فكيف نثبت الولاية لباقي الأئمّة الأطهار؟
الجواب:




لقد فُسّرت الآية الكريمة بالأئمّة الاثني عشر من آل البيت(عليهم السلام)، كما يروي ذلك الشيخ الصدوق بسند صحيح عن سليم بن قيس الهلالي، عمّا رآه وسمعه من عليّ(عليه السلام) من حديث المناشدة، وفيه:
(إنّ الناس سألوا النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن هذه الآية لمّا نزلت: أهي خاصّة في بعض المؤمنين أم عامّة لجميعهم؟ فأمر الله عزّ وجلّ نبيّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يعلمهم ولاة أمرهم, وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم, وزكاتهم, وصومهم, وحجّهم... إلى أن يقول: فقالا: يا رسول الله: هذه الآيات خاصّة بعليّ؟ قال: بلى فيه وفي أوصيائه إلى يوم القيامة)(1).
وروى الكليني: عن بعض أصحابنا، عن محمد بن عبد الله، عن عبد الوهّاب بن بشر، عن موسى بن قادم، عن سليمان، عن زرارة، عن أبي جعفر(عليه السلام)، قال: سألته عن قول الله عزّ وجلّ: (( وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ )) (البقرة:57)؟
قال: (إنّ الله تعالى أعظم وأعزّ وأجلّ وأمنع من أن يظلم، ولكنّه خلطنا بنفسه، فجعل ظلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته، حيث يقول: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا... )) يعني الأئمّة منّا).. ثمّ قال في موضع آخر: (( وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ ))، ثمّ ذكر مثله(2).
وروى أيضاً: عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء، قال: ذكرت لأبي عبد الله(عليه السلام) قولنا في الأوصياء: أنّ طاعتهم مفترضة، قال: فقال: (نعم، هم الذين قال الله تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) (النساء:59)، وهم الذين قال الله عزّ وجلّ: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا... )) )(3).
وغيرها من الروايات الكثيرة.
فإذا سلّمنا بهذا وأخذنا بتفسير النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للآية بالأئمّة(عليهم السلام) جميعاً، عرفنا أنّها تعني النصّ على إمامة عليّ(عليه السلام) والأئمّة من ولده..
وعرفنا أيضاً معنى الروايات التي وردت بحصول هذا الفعل - التصدّق عند الركوع - من بقية الأئمّة(عليهم السلام)(4).








(1) كمال الدين وتمام النعمة: 276 الباب الرابع والعشرون.
(2) الكافي 1: 146ح11 باب النوادر.
(3) الكافي 1: 187ح7 باب فرض طاعة الأئمة.
(4) الكافي 1: 288ح3 باب ما نصّ الله عزّ وجلّ ورسوله على الأئمة واحداً فواحد.
























تعليق على الجواب (1)
عظيم جدّاً ما ذكرتم ..
لكن المشكلة أن الخصم لا يعتبر هذه المصادر حجّة عليه..فهل أفدتمونا بمصادر من المخالفين حتى نلزمهم بها، فانهم يحتجون بنفس الحجة.. وهذا قولهم: ((ان سلمنا جدلاً أن الآية في عليّ فما وجه إثبات إمامة الحسن والحسين والتسعة من أولاد الحسين)).
الجواب:




لو سلّم المخالف جدلاً بنزول الآيه في عليّ(عليه السلام)، فهذا يعني ثبوت ولايته بنص القرآن الكريم، فصارت الإمامه أو الولاية منصباً إلهياً مشاراً إليه في القرآن، ولا يحق لغيره ممن لم ينزل فيهم النص الإلهي ان يتصدّا للخلافه أو الإمامه، فتسقط خلافة الثلاثه السابقين وخلافة اللاحقين الذين لم ينص عليهم الخليفه الشرعي وهو عليّ(عليه السلام)، فتثبت الخلافه لمن نص عليه الخليفه الشرعي، وقد نصّ عليّ(عليه السلام) بإجماع المسلمين للإمام الحسن(عليه السلام)، ونصّ الحسن للحسين(عليهما السلام) في بنود الهدنه مع معاويه.. ومن خلال حديث الاثني عشر خليفه يثبت أنّ الولايه هي للاثني عشر خليفه الذين أشار إليهم الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فارجع الى الموقع/ الاسئلة العقائدية / حديث اثني عشر خليفه/النصوص المعرفه بهم في كتب السنة.




















السؤال: بيان المراد من آية الولاية والآيات المكتنفة بها ردّاً على دعوى وحدة السياق




تفاسير الشيعة وتأويلاتهم للقرآن الكريم التي يوظّفونها لتأييد مذهبهم كلّها مغالطات عجيبة تلوي النصوص ليّاً وتصادم اللغة العربية والعقل مصادمة واضحة.
وإليكم بيان هذا القول مفصّلاً نقطة نقطة حول ما سُمّي: آية الولاية:
1- موضوع الولاية أو الولاء أو الموالاة لم تكن بداية الكلام عنه في هذه الآية، وإنّما هذه الآية، وهي برقم (55) من سورة المائدة، وردت وسط سياق موحّد الموضوع، واضح الاتّصال، وجاءت ما قبل الآيتين الخاتمتين للموضوع، أي: الآيتين (56 و57).
هذه واحدة.
2- ما هي الآية التي بدأت السياق المتعلّق بهذا الموضوع؟
سياق الموضوع ابتدأ في الآية (51)، التي تقول بصراحة ووضوح لا يحتاجان إلى تفسير، فضلاً عن التأويل: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء بَعضُهُم أَولِيَاء بَعض وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم إِنَّ اللّهَ لاَ يَهدِي القَومَ الظَّالِمِينَ )).
إذاً الآية ذكرت كلمة (( أَولِيَاء )) مرّتين، وهي جَمع مفردها: (وليّ)، وهما متبوعتان بالفعل المضارع (يتولّى).
وكلمة (وليّ) هي نفس الكلمة التي ستذكر في ختام السياق، أي: في الآيات (55 و56 و57).
3- ماذا أفادت الآية (51)؟
الآية كما هو واضح تنهى المؤمنين عن أمر ما.
فهل هذا الأمر المنهي عنه هو: اتّخاذ اليهود والنصارى أولياء، بمعنى تنهى المؤمنين أن يجعلوا بينهم وبين اليهود والنصارى مودّة ونصرة وإخلاصاً وغيرها من المظاهر التي تدلّ على الولاء، أم تنهاهم أن يتّخذوا ويُنصّبوا اليهود والنصارى أئمّة عليهم؟
الجواب طبعاً أوضح من أن يبيّن.
4- ثمّ ما الذي تبع الآية (51)؟
الآيتان (52 و53): وتتحدثان عن المنافقين الذين يبررون مسارعتهم ومبادرتهم للارتماء في أحضان اليهود والنصارى وموالاتهم، بأنّهم يرجون العون والمساعدة من هؤلاء الكفّار خشية نازل ينزل بهم من حرب أو فقر أو جائحة، أو غير ذلك من النوازل والمصائب، وتفضحانهم وتبينان حبوط عملهم وخسرانهم عقب تلك الموالاة:
(( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأتِيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ مِّن عِندِهِ فَيُصبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِم نَادِمِينَ * وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقسَمُوا بِاللّهِ جَهدَ أَيمَانِهِم إِنَّهُم لَمَعَكُم حَبِطَت أَعمَالُهُم فَأَصبَحُوا خَاسِرِينَ )).
5- ثمّ تأتي الآية (54) لتبيّن للمؤمنين خطر موالاة اليهود والنصارى على الدين، وأنّ من يقترفونها فقد ارتدّوا عن دينهم، وأنّ الله سيخلفهم بقوم آخرين خير منهم.
في ماذا يختلف هؤلاء القوم الذين يأتي بهم الله عن المرتدّين الذين والوا الكفّار؟
إنّهم يختلفون عنهم بالتحديد في مسألة (الموالاة)، التي عبّرت عنها الآية بكلّ وضوح بـ:محبتهم لله (أي: تولّيهم له)، ومحبّة الله لهم (أي: توليه لهم)، ومحبّتهم لإخوانهم المؤمنين وتذلّلهم لهم (أي: تولّيهم لهم)، وعزّتهم على الكفّار (إظهار عكس الولاء لهم، أي: البراءة منهم)، أي: يتّصفون بخلاف ما اتّصف به هؤلاء الذين بادروا بموالاة الكفّار: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرتَدَّ مِنكُم عَن دِينِهِ فَسَوفَ يَأتِي اللّهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَومَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضلُ اللّهِ يُؤتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم )).


6- الآية (55)، وهي بيت القصيد في نهاية السياق - قبل ختامه بالآيتين (56 و57) - وهو السياق الذي استهلّ بالنهي عن موالاة اليهود والنصارى، جاءت لتحدّد حصراً: من هم الذين تجب موالاتهم؟ وبنفس اللفظ المعبر به للنهي عن موالاة اليهود والنصارى، وهو هنا في الآية (55) لفظ: (وليّ) وهو مفرد جمعه: (أولياء)، الذي ورد في بداية السياق في الآية (51).
إذاً هل يفهم أنّه بعد النهي عن اتّخاذ اليهود والنصارى أولياء، الذي اتّضح معناه في بداية السياق، يتغيّر من دون سبب مدلول لفظ (وليّ) في هذه الآية ليصير دالاً على الإمارة أو الإمامة؟
وهل يصحّ تقدير الآية بناء على هذا المعنى كالآتي: إنّما (إمامكم أو أميركم) الله ورسوله والذين آمنوا...
طبعاً هذا من جهة لا يصحّ عند أي عاقل، ومن جهة أُخرى لا يتوافق مع السياق الموحّد الذي يتحدّث عن الوَلاية (بفتح الواو)، وليس عن الوِلاية (بكسر الواو)، التي تعني: الإمارة.
7- ثمّ تأتي بعدها مباشرة الآية (56) مواصلة السياق لتزيد الوضوح وضوحاً وتأكيداً، وقد ورد فيها الولاء بصيغة الفعل المضارع (يتولّى): (( وَمَن يَتَوَلَّ )) مبيّنة أنّ من يتولّون الذين حدّد الله وجوب وَلايتهم حصراً، وهم: الله ورسوله والذين آمنوا، هم حزب الله، وهم أهل الغلبة، فلا داعي ولامبرّر لتولّي غيرهم: (( وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزبَ اللّهِ هُمُ الغَالِبُونَ )).
8- ثمّ تأتي الآية (57) الخاتمة لسياق الوَلاية (بفتح الواو طبعاً) لربط آخر السياق ببدايته، فتعود إلى نفس النهي الذي ابتُدئ به السياق، ولكن ليس للتكرار، ولكن لتضيف تعليلاً وجيهاً تذكر به المؤمنين لعدم اتّخاذهم اليهود والنصارى وعموم الكفّار أولياء، مع التنويه إلى أنّ الآية عمّمت النهي على موالاة عموم الكفّار؛ لاشتراكهم في استهزائهم بدين الإسلام.
9- إذاً الآية (55) حدّدت وحصرت من يجب ولاء المؤمنين لهم، وهم: الله ورسوله وعموم الذين آمنوا، ثمّ اتّبعت الذين آمنوا بوصف يميّزهم ويظهر إخلاصهم بنعتهم أنّهم: الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون.
سؤال وجيه:
قد ذُكرت إقامة الصلاة كصفة للمؤمنين فلماذا يعاد وصفهم في نفس الجزء من الآية بـ (( وَهُم رَاكِعُونَ ))؟
(وهي حال) مع أنّ الركوع جزء من الصلاة المذكورة؟
هل هذا تكرار أم أنّ في الأمر شيء آخر؟
طبعاً بلاغة القرآن الكريم التي فاقت كلّ بلاغة تنزّهه عن تكرار بدون فائدة ولا مبرر.
إذاً هل (راكعون) هي تعبير عن هيئة الركوع في الصلاة؟
إذاً كان الأمر كذلك فإنّ المعنى سيصير وصف الذين آمنوا بأنّهم هم أولئك الذين يقيمون الصلاة ويؤدّون زكاتهم حال ركوعهم في الصلاة.
وهذه في الحقيقة هيئة في منتهى الغرابة لأداء الزكاة.
وإذا علمنا أنّ المنسوبة له هذه الهيئة هو عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) فإنّ الغرابة والعجب يزدادان! لأنّه (رضي الله عنه) أجدر وأولى أن يحوّل استغراقه في الخشوع في صلاته وهو راكع، واضع كفّيه على ركبتيه دون الالتفات إلى أي شيء آخر، والاشتغال به عن الصلاة.
أضف إلى ذلك: أنّ التصدّق سواء أكان على سبيل النفل أو الفرض يمكن إرجاؤه إلى حين الفراغ من الصلاة، وليس هناك داعٍ للاستعجال على حساب الخشوع في الصلاة.
ثمّ إنّه من المعروف المشهور أنّ عليّاً(رضي الله عنه) لم تكن تجب عليه زكاة؛ لفقره، ولأنّ المذكورة في الآية هي الزكاة وليست صدقة النفل، حيث أنّ الزكاة يصحّ تسميتها بالصدقة، كما ورد ذلك في القرآن، أمّا صدقة التطوّع فلم ترد تسميتها بالزكاة التي تعني حصراً الزكاة كركن.
فما المقصود بالركوع إذاً؟
إذا عرفنا أنّ معنى الركوع مثله مثل السجود لغة، هو: الخضوع والانقياد، أدركنا أنّ اللفظ في الآية مستعمل بمعناه اللغوي لا بالمعنى الذي اشتهر به، وهو هيئة الركوع في الصلاة، وبهذا ينجلي أمامنا معنى هذا الجزء من الآية بوضوح فيكون تقديرها:
...والذين آمنواالذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راضون خاضعون خاشعة قلوبهم منقادون لأمر الله.
أي يؤتون الزكاة عن حب وإيمان وطيب خاطر وخشوع.
وهذا ما تؤيده الآية: (( وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلَى رَبِّهِم رَاجِعُونَ )) (المؤمنون:60).
10- (الذين يقيمون الصلاة) (و يؤتون الزكاة) (وهم راكعون) جمل وردت في صيغة جمع الغائب وعليّ(رضي الله عنه) مفرد.
وأمّا من قال أنّ الجمع جاء على سبيل التعظيم، فهذه مغالطة لا يمكن لها أن تصمد لحظة واحدة.
نعم، يمكن استعمال الجمع ولكن لمخاطبة المفرد على سبيل التعظيم، أمّا استعمال جمع الغائب للكلام عن المفرد الغائب فليس في ما عرف من كلام العرب الفصيح ما يثبت ذلك، إلاّ أن يأوّل كلام في صيغة الجمع الغائب على أنّه يشير إلى من اشتهر بقول أو فعل، ولكنّه لم ينفرد بذلك، بل يشاركه غيره في ذلك القول أو الفعل.
وهذا كاف لينهدم أي احتجاج بهذه الآية كنصّ من القرآن على خلافة عليّ(رضي الله عنه) ممّا يغنينا عن الدخول في أي جدال حول ما قيل عن سبب نزول الآية سواء أكان بحقّ أو بغير حقّ.
أنا في انتظار نشر التعليق وردّكم.




الجواب:




لا يوجد في تفسير الشيعة لهذه الآية تأويلات، وإنّما هو استدلال بالظاهر وبالروايات مقابل شبهات يثيرها المخالفون. فراجع معنى التأويل وفرقه عن التفسير لتعرف ما نقول. ولقد أجبنا عمّا ذكرت وأكثر منه في ردّنا على ما قاله الآلوسي في السؤال السابق، اقرأه بتمعّن وتركيز حتى تفهم ما كتبنا، ولا ترجع وتكرّر ما أرسلته لنا.
ومع ذلك سنعيد الجواب على ما ذكرته من نقاط باختصار:
1- إنّ معظم ما ذكرته يدورحول نقطة واحدة وهي الاستدلال بالسياق، ولكنّك لم تذكر منه سوى الدعوى من دون دليل؛ فانظر إلى قولك: (( وردت وسط سياق موحّد الموضوع واضح الاتّصال )) فهو لا يخرج عن مجرد الدعوى، بل دعوى الوضوح لهذه الدعوى.
نعم، إذا كنت تريد أنّها جاءت بترتيب واحد في القرآن فقولك صحيح، ولكن هذا لا يعني وحدة السياق؛ فإنّ السياق المراد هو النزول، وإثبات ذلك دونه خرط القتاد.
بل حتى في هذا الترتيب الموجود في القرآن لا توجد وحدة للموضوع بين الآيات؛ فإنّ موضوع النهي عن موالاة اليهود والنصارى يبدأ من الآية (51)، وينتهي بنهاية الآية (53)، ثمّ يبدأ موضوع جديد في الآية (54) متعلّق بالارتداد، ويبدأ بـ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) وينتهي بنهاية الآية (56)، وآية الولاية، وهي الآية (55) من ضمن هذه الآيات، ثمّ يأتي موضوع آخر في الآية (57) ويبدأ أيضاً بـ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ))، فأين وحدة السياق فضلاً عن وحدة الموضوع واتصاله؟
وإن تنزّلنا عن ذلك فإنّ السياق ليس بحجّة إذا قام الدليل على خلافه عند الكلّ، وخاصّة إذا كان من أسباب النزول.
2- قبل الكلام عن مجيء لفظة (الولي) بمعنى واحد في جميع الآيات، يجب الكلام عن معناها في اللغة، ومن ثمّ النظر في أنّها هل جاءت بمعنى واحد في الآيات أو لا.
إنّ معنى (الوليّ) هو: الأولى والأحقّ، وهو متّحد مع (المولى)، قال الفرّاء: (( إنّ الوليّ؛ والمولى في لغة العرب واحد، وقال أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري: إنّ المولى: الوليّ، والمولى: الأولى بالشيء، وحكى الأخطل عن أبي العبّاس المبرّد أنّه قال: الوليّ: الذي هو الأحقّ والأولى، ومثله: المولى ))(1).
و(الأولى) هو أصل المعنى الذي ترجع إليه باقي المعاني، فكلّها متضمّنه لمعنى: الأولى؛ لأنّ المعنى لو كان مالك الرق فهو أولى بتدبيرعبده، ولو كان هو المعتق كان أولى بالميراث، وبالعكس كان أولى بتحمّل جريرته، ولو كان ابن العم لكان أولى بالنصرة، ولو كان الناصر فقد اختص بالنصرة فهو أولى بها، ولو كان الحليف والجار كانا أولى بالنصرة والمعونة، ولوكان بمعنى الإمام كان الأولى بالرعية.
وكانت هذه المعاني ترجع إلى الأولى لما تضمّنت من القرب وعدم الفصل، توسعةً للقرب من حيث المكان.
قال الراغب في (المفردات): (( الولاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعداً، حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد ))(2).
ومن هنا يعلم أنّ معنى المولى والوليّ يتحدّد بحسب متعلّقه، وقد جاءت في قوله تعالى: (( لاَ تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَولِيَاء )) (المائدة:51) مطلقة، ولكن قوله تعالى بعده: (( بَعضُهُم أَولِيَاء بَعضٍ )) (المائدة:51) يحدّد أنّ المراد منها ولاية المحبّة والمودّة؛ لأنّها هي التي تجعل اليهود والنصارى بعضهم من بعض، وذلك من جهة المحبّة القومية والدينية لا التحالف والنصرة.
وكذلك قوله تعالى: (( وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُم فَإِنَّهُ مِنهُم )) (المائدة:51)؛ لأنّ ولاية النصرة لا تجعله منهم، بل ولاية المحبّة والمودّة تجعله كأنّه منهم، وقد قال الله سبحانه وتعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاءَ تُلقُونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ وَقَد كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِنَ الحَقِّ )) (الممتحنة:1)، مع ما في معنى النصرة من مناقضة لذكر النصارى في الآية؛ فإنّه لم يكن للنصارى وجود في المدينة.
3- ومن هنا يظهر أنّ ما جَمعته من المعنيين (المودّة والنصرة) وأنّهما المرادان من الولاية في الآية (51) غير صحيح، كما بيّناه آنفاً، وأنّ المعنى المراد والمنهي عنه هو: ولاية المحبّة، والذي هو أحد مصاديق معنى الأولى.
وأنت تلاحظ أنّنا لم نستعمل التأويل لبيان معنى الآية هنا! وإنّما اعتمدنا على أقوال أهل اللغة في بيان المعنى المراد من الولي، وهو ما يسمّى بالتفسير.
4- وأمّا قولك بأنّ الآية (52) والآية (53) تتحدّثان عن المنافقين، فغير صحيح؛ لأنّ القرآن جاء فيه: (( الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ )) وهم غير المنافقين، كيف وقد قال الله تعالى: (( وَإِذ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا )) (الأحزاب:12)؟ فجمع بينهما وهو دلالة المغايرة، وجاء ذلك في آيات أُخر أيضاً.
ومرض القلب يتناسب مع المحبّة كما لا يخفى؛ لأنّ المحبّة شيء جوانحي موضعه القلب.
5- وأمّا الآية (54) فهي تتكلّم عن موضوع جديد كما بيّنا: وهو: الارتداد، ولا يكون الارتداد إلاّ بنوع ردّ ورفض لأمر من أوامر الله ورسوله، وهو ما تبيّنه الآية التي بعدها وهو الولاية لله ورسوله والذين آمنوا.
فجعلك هذه الآية (54) مرتبطة سياقاً بما قبلها لا يخرج عن الدعوى، ولم تأت بدليل عليه سوى الرغبة بردّ كلام الشيعة.
كيف وفي الآية نصّ على محبّة الله لهم؟ وهي محبّة مطلقة لم تقيّد في الآية بجهة من الجهات، وهذهِ المحبّة المطلقة لا تكون بسبب عدم محبّة اليهود والنصارى فقط ومن دون أدنى ريب، وإنّما تكون لمن له المكانة السامية والمنزلة العظيمة، ومنهم الأئمّة(عليهم السلام)، وهل يشكّ أحد في أنّ محبّة الله لا تكون لمن كره اليهود والنصارى وإن كان عاصياً من جهة أُخرى ؟!!
وقد وردت الروايات الكثيرة عندنا بأنّ المراد من هذه الآية: عليّ(عليه السلام) وأولاده الأئمّة(عليهم السلام) ومن تبعهم.
ولا نعرف كيف غاب عنك معنى النصرة هنا واقتصرت على معنى المحبّة! إذ قلت: بمحبّتهم لله (أي: تولّيهم له)، ومحبّة الله لهم (أي: تولّيه لهم)، ومحبّتهم لإخوانهم المؤمنين وتذلّلهم (أي: تولّيهم لهم)، أليس كان من الأجدى لك أن تقتصر على معنى المحبّة فقط من البداية؟!
6- وأمّا بخصوص الآية (55)، أي: آية الولاية مورد البحث، فقد ذكرنا سابقاً أن لا سياق يجمعها مع الآيات السابقة، وما هو إلاّ مجرّد دعوى، بل هناك دعوى مقابلها على أنّها منفردة خارج السياق المفترض، ومع هذه الدعوى الثانية دليل، ألا وهو الروايات المتواترة بشأن نزولها في عليّ(عليه السلام)..
وقد بيّنا أيضاً أنّ معنى الوليّ هو: الأولى بالأمر والأحق، وأنّ معناها يتحدّد حسب المتعلّق بها، وهنا جاء لفظها مفرداً (وليّكم)، ومتعلّقها مفرداً (الله ورسوله)، وولاية (الله ورسوله) مطلقة فلا يناسبها من مصاديق معنى الولاية إلاّ: الأولى بالأمر والأحقّ، ثمّ عطف عليها (الذين آمنوا)، الموصوفون بالصفة المذكورة، (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، وهم بعض المؤمنين قطعاً لا كلّهم، وإلاّ لانتفت فائدة الوصف، فأثبتت الآية الولاية لهؤلاء البعض بعد الله ورسوله، وهو ما لا يتوافق مع الحصر لو كان المراد من الولاية: الولاية العامّة، أي: المحبّة؛ فولاية المحبّة عامّة لكلّ المؤمنين لا للبعض، فلا يصحّ ما لوّحت به من معنى الآية بأنّها جاءت لتحدّد حصراً من هم الذين تجب ولايتهم، أي: ما عدا اليهود والنصارى حسب السياق المدّعى، الذي تحاول التمسّك به جاهداً!
ومعنى الولاية في الآية ليس الإمامة والإمارة كما ظننت، وإنّما: الأولى به والأحقّ به، وهو ينطبق على الله ورسوله وعلى الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، ويتحدّد معنى الوليّ حسب متعلّقه، فيكون أحد مصاديق معناه: الإمامة والإمارة للموصوفين في الآية.
وأمّا ادّعاءك أنّ المراد في الآية (الوَلاية) بالفتح دون (الوِلاية) بالكسر فهو دعوى مثل دعاويك السابقة؛ لأنّهما مشتقّان من أصل واحد، وهو (وليّ) أي: الولاء، وقد جاءت في القرآن بلفظة (وليّكم) ولم تأت بـ (الوَلاية) ولا (الوِلاية)؛ قال الراغب الأصفهاني: (( ولي: الولاء والتوالي أن يحصل شيئان فصاعداًَ، حصولاً ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان، ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد.
والولاية: النصرة، والولاية: تولّي الأمر، وقيل: الوِلاية والوَلاية، نحو: الدِلالة والدَلالة، وحقيقته: تولّي الأمر، والوليّ والمولى يستعملان في ذلك، كلّ واحد منهما يقال في معنى الفاعل، أي: الموالي، وفي معنى المفعول، أي: الموالى ))(3).
7- أمّا الآية اللاحقة وهي الآية رقم (56)، فهي مرتبطة بما قبلها، وتبيّن أنّ النصر والغلبة ستكون للذين تولّوا مَن أمر الله بولايتهم خاصّة؛ إذ فيها إشارة للحزب، ولا بدّ للحزب من إمام، فضلاً عن ورود الروايات بأنّ المعني بها: عليّ(عليه السلام) وشيعته.
8- وأمّا الآية (57) فقد شرعت بخطاب جديد للذين آمنوا، فهي مرتبطة بالآية التي بعدها رقم (58) لا بالتي قبلها، إذ فيها إدخال للكفّار مع اليهود والنصارى، ولم يذكروا في تلك الآيات، وفيها إشارة إلى حقيقة أهل الكتاب والكفّار بأنّهم: (( اتَّخَذُوا دِينَكُم هُزُوًا )) (المائدة:57)، ولم ترد إشارة من ذلك في الآيات السابقة، ثمّ تتبعها آيات تُعدّد مساوئ ومثالب أهل الكتاب والكفّار؛ فهي نازلة في غرض آخر جديد غير غرض الآيات التي سبقتها.
9- إذاً الآية (55) حصرت الولاية بمعنى: (الأولى بالأمر)، بالله ورسوله والذين آمنوا، ثمّ بيّنت المراد من (الذين آمنوا)، بذكر وصف خاص لهم، وهو: اقامتهم للصلاة وإعطاءهم الزكاة حال الركوع، وهذا الوصف يكون قيداً اضافيّاً يضيّق المعنى المراد، ويحدّد المصداق؛ فليس المراد كلّ المؤمنين قطعاً، وإنّما من يتّصف بهذه الصفة، والمراد من الركوع في الآية: ركوع الصلاة، بما ينطبق على المعنى اللغوي والشرعي، وقد بيّناه في السؤال السابق بما لافائدة من التكرار هنا.
وهو وإن كان فيه هيئة غير معتادة لاعطاء الزكاة، لكنّ الغرض منه في الآية هو: لتمييز وتحديد من هذا فعله ليوالى، وليدلّ على شدّة مسارعتهم لفعل الخيرات حتى في حال ركوع الصلاة، ولم يُذكر الركوع وحده ليكون تكراراً، وإنّما ذُكر كحال لإعطاء الزكاة، فلا تكرار.
وأمّا إشكال الجهّال بأنّ إعطاء الزكاة على هذه الحال منافٍٍ لخشوع عليّ(عليه السلام) في الصلاة، فكان الأجدر بمن يورده أن يراجع سيرة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في صلاته، كما بيّناه مكرّراً في عدّة أسئلة سابقة، ولكن أعماه غرضه من الردّ على الشيعة عن ذلك.
والإشكال بأنّه كان بإمكان عليّ(عليه السلام) أن يرجئ إعطاء زكاة النفل حتى الفراغ من الصلاة، فيه غفلة عمّا ورد من أسباب النزول في الآية، من أنّ السائل رفع يده للدعاء وطلب الشهادة من الله بأنّه لم يعطه أحد في مسجد المسلمين، كما فيه غفلة عمّا ورد من الحثّ على المسارعة في الخيرات..
والغفلة نفسها تأتي في الإشكال بعدم وجوب الزكاة على عليّ(عليه السلام) في ذلك الوقت؛ لأنّ كلّ الروايات أجمعت على أنّ عليّ(عليه السلام) أعطى صدقة، أي: زكاة نافلة.
وأمّا الادّعاء بأنّ الصدقة لم تسمّ زكاة في القرآن، فهو من العجب العجاب!!
فأين ذهب قوله تعالى في إبراهيم وإسحاق ويعقوب: (( وَأَوحَينَا إِلَيهِم فِعلَ الخَيرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ )) (الأنبياء:73)، وقوله تعالى في إسماعيل: (( وَكَانَ يَأمُرُ أَهلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرضِيًّا )) (مريم:55)، وقوله تعالى حكاية عن عيسى: (( وَأَوصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمتُ حَيًّا )) (مريم:31)؟! ولم تكن زكاة ركنية في شرائعهم كما هي موجودة في شريعة الإسلام.
وأمّا دعواك أنّ معنى الركوع لغة هو: الخضوع، فليتك ذكرت أنّه معنىً مجازي، والحمل على المعنى الحقيقي المطابق للشرعي أولى وأظهر وأصحّ.
10- وأمّا الإتيان بلفظ الجمع والمراد: واحد، فقد بيّنا في الأسئلة السابقة صحّة إعطاء حكم كلّي، أو الإخبار بمعرّف جمعي بلفظ الجمع ولا يكون المصداق إلاّ واحد في الخارج، وإلاّ ماذا تقول في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُم أَولِيَاءَ تُلقُونَ إِلَيهِم بِالمَوَدَّةِ )) (الممتحنة:1)، وقد أجمع المفسّرون أنّ المراد به: واحد، وهو: حاطب بن أبي بلتعة؟!
وقوله تعالى: (( يَقُولُونَ لَئِن رَجَعنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنهَا الأَذَلَّ )) (المنافقون:8)، والقائل هو: عبد الله بن أبّي بن سلول؟!
وغيرها من الآيات بصيغة الجمع للغائب، ولا يوجد أصدق من القرآن شاهد !
والقول كما قلت بأنّه: يؤوّل (( على أنّه يشير إلى من اشتهر بقول أو فعل، ولكنّه لم ينفرد بذلك، بل يشاركه غيره في ذلك القول والفعل )) لا يفيد؛ لأنّه:
أوّلاً: يدلّ على جواز استعمال الجمع للغائب لنكتة ما مجوّزة، فلتكن في قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) نكتة مجوّزة، وهي: الإشارة إلى أنّ الولاية الثابتة في الآية لم تُعط جزافاً لبعض دون بعض، وإنّما تتبع الإخلاص والمسارعة والسبق في العمل، وأنّ هناك آخرين مشاركين في هذه النكتة، وهم الأئمّة الاثني عشر من أهل البيت(عليهم السلام).
وثانياً: تأويل باطل، خاصّة بالنسبة للآيات المتقدّمة، فإنّه وإن احتملنا رضا الآخرين بفعل حاطب وعبد الله بن أبيّ بن سلول، ولكن من كتب الكتاب ومن قال القول واحد لا غير، وهما: حاطب، وابن أُبيّ بن سلول.
وأمّا قولك في النهاية: (( وهذا كاف لينهدم أي احتجاج بهذه الآية كنصّ من القرآن على خلافة عليّ(رضي الله عنه ) )) غير كاف، بل خطأ واضح، وعناد سافر؛ إذ حتى لو سلّمنا بكلّ ما قلت من أوّله إلى آخره، ثمّ جاء الدليل من الروايات القطعية على سبب النزول، لكان الواجب حسب القواعد تقديم مدلولها على كلّ ما حاولت ليّه من معاني الآيات القرآنية.
وقد أجبنا على مضمون هذا الإشكال بصورة أكثر علمية وصناعة تحت عنوان: (آية الولاية/الآية عامّة والعام يتحقّق بوجود مصداقه في الخارج فكيف تخصّص؟!)، فليراجع!








(1) العمدة: 113، الفصل الرابع عشر.
(2) مفردات غريب القرآن: 533 مادة (ولي).
(3) مفردات غريب القرآن: 533 مادة (ولي).












تعليق على الجواب (1) عطفاً على ما سبق..
نكتة لطيفة جدّ هامّة..
لو كانت الآية نزلت في عليّ وحده بسبب أنّه آتى الزكاة وهو راكع، فهل (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ )) هم جميع المؤمنين، أم فقط عليّ(رضي الله عنه)؟
لو كان عليّ هو وحده المعني بهذا الوصف: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) والذي هو الوصف المزعوم لحال خاصّة به، ألم يكن أولى وأجدر أن تقتصر الآية على هذه الميزة الاستثنائية الخاصّة به والكافية لتعريفه، من أن يوصف أيضاً بـما يشترك فيه بداهة جميعُ المؤمنين: (إقامة الصلاة)، وهي أصلاً ركن من أركان الإسلام؟
حيث - لو تنّزلنا وقلنا بجواز الكلام عن المفرد الغائب بصيغة جمع الغائب، وغضضنا أيضاً الطرف عن كون الفعل المضارع يفيد الحاضر والاستمرار، أي: بما يعني في الآية أنّ فعل إيتاء الزكاة يتكرر ويتعدّد - كان يكفي ويلزم أن تأتي الآية على التقدير الآتي: (إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون).
لأنّ إقامة الصلاة هي من الصفات المعروفة لجميع المؤمنين، الملازمة على الأقل لجميع المخلصين منهم، فما الداعي لذكرها والمقام - جدلاً - ليس مقام ذكر صفات، أو واحدة من الصفات المشتركة بين جميع المؤمنين، وإنّما مقام نعت وتمييز من تعيّن أن يكون أميراً للمؤمنين بصفة وميزة خاصّة به لم يشترك فيها معه أحد منهم؟
فهل كان ذكر إقامة الصلاة ضرورياً لتمييز عليّ(رضي الله عنه)؟ أي: ألم يكن ذكر ما تميّز به من صفة استثنائية كافياً لنعته وأولى لتعيينه؟
إذاً ألا تكفي هذه النكتة لكلّ غافل أو مستغفَل عاقل كي ينتبه أنّ المعنيّين بالآية هم: جميع المؤمنين، وأنّها وصفت المؤمنين بأنّهم: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))، كإرشاد إلى الصفات الظاهرة لتمييز المؤمنين الصادقين المخلصين المستحقّين حصراً للولاء بجميع مظاهره، من مودّة، ونصرة، ونصيحة (أي: إخلاص)، وما إلى ذلك، من المنافقين الذين هم أيضاً (يُصلون) ولكنّهم لا يقيمون الصلاة، وإنّما: (( ... إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً )) (النساء:142)، و (( لاَ يَأتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُم كُسَالَى )) (التوبة:54)، وهم أيضاً ينفقون أموالهم ولكنّهم: (( ... لاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُم كَارِهُونَ )) (التوبة:54)، عكس المؤمنين الصادقين الذين ينفقون ويؤتون زكاتهم كما وصفهم الله تعالى في آية أُخرى: (( وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلَى رَبِّهِم رَاجِعُونَ )) (المؤمنون:60)، أي: يؤتون الزكاة في حال من الخضوع والانقياد لله تعالى والخشوع والإيمان واليقين.
وهذا ما يتّفق مع صفة إيتاء المؤمنين الصادقين للزكاة الواردة في الآية (55) من سورة المائدة.
هذا، والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل.








الجواب:




أوّلاً: إنّك تجاهلت جوابنا على ما ذكره الآلوسي، والذي كان جواباً لك في الوقت نفسه، ولم تعلّق عليه بشيء، ولم تعلّق على جوابنا لك بالخصوص أيضاً، وبدلاً عن ذلك أرسلت لنا الآن ما تعدّه دليلاً آخر, وهذا ليس من أسلوب البحث العلمي، ولا من أدب الحوار.
ثانياً: في تعليقك السابق استدللت بالسياق لتشخيص معنى الولاية الواردة في الآية، وقد أرشدناك إلى جوابه بما أجبنا الآلوسي وبما أجبناك.
وهنا في هذا التعليق تريد أن تستدلّ - زعماً منك - بظاهر اللغة، وبالقرائن الداخلية في الكلام، على أنّ المراد والمصداق الذي تنطبق عليه الآية هم: جميع المؤمنين، وقد أجبنا عن ذلك أيضاً في جوابنا على الآلوسي، من أنّ ظاهر اللغة العربية لا يمنع صحّة استعمال لفظة الجمع وإرادة المفرد.
فإنّ للفظة الجمع استعمالان في اللغة العربية: أحدهما: حقيقي، وهو: إرادة الجمع، والآخر: مجازي، للتعظيم أو لنكتة أُخرى، وهو: إرادة المفرد، ولو كنّا نحن وظاهر الآية فقط لكان الأولى الأخذ بالظاهر الحقيقي، وهو: إرادة الجمع، لا لأنّ الاستعمال في المفرد خطأ، ولكن لأنّه مجازي يحتاج إلى قرينة للعدول عن الحقيقي, فإذا جاءت القرينة من الخارج، وهي: الروايات المشخّصة للمصداق، وأنّه: عليّ(عليه السلام) وحده، قدّمت على الظاهر اللغوي وعلى السياق أيضاً؛ لأنّهما دلالتان ظنّيتان.
فتأمّل هنا جدّاً، ولا يختلط عليك مرتبة ومصب حجّية كلّ دليل؛ فإنّ سبب النزول مقدّم في جميع الموارد على السياق، وعلى الظاهر؛ لأنّ سبب النزول نصّ, وإذا كان قطعي الصدور فأحرى, ومن ذلك أمثلة كثيرة في القرآن.
ثالثاً: إنّ جواب ما ذكرته من نكتة يتّضح من الإجابة على هذا السؤال, وهو: هل أعطى عليّ(عليه السلام) الزكاة وهو راكع، أي: منحني الظهر، بدون صلاة؟
فإنّ لهذا المعنى وجه ظاهر لو كانت الآية مقتصرة على (( يُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))؛ لظهور (راكعون) بإنحناء الظهر لغة, ولكان هناك وجه في قولكم: أنّ معنى (راكعون) أي: خاشعون، وإن خالف الظهور اللفظي.
ولكن بما أنّ القرآن يريد أن يبيّن أنّ اعطاء الزكاة كان في ركوع الصلاة لا أي ركوع لزم الإتيان بقوله: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ ))، ومن بعده: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))؛ لأنّها قيود (صفات) متعدّدة كلّما كثرت ضيّقت المصداق حتى اختص بواحدٍ، وهو: عليّ(عليه السلام).
فلاحظ: أنّ قوله تعالى: (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ )) يمكن أن ينطبق على جميع المؤمنين، وكذلك (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ ))، ولكن (( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) لا ينطبق إلاّ على واحد، وهو: عليّ(عليه السلام)..
وكان لكلّ لفظة هنا فائدة ومعنى زائد مفيد للسامع، ولا يكفي أن يقتصر على قوله: (( وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ ))؛ لما أشرنا إليه أوّلاً من احتماله لمعانٍ غير مرادة.
وأمّا ادّعاءك أنّه جاء للتمييز بين المؤمنين الذين يقيمون الصلاة بإخلاص وبين المنافقين الذين يقيمونها من دون إخلاص، فغير صحيح؛ لأنّ المنافقين قد خرجوا سابقاً بقوله تعالى: (( وَالَّذِينَ آمَنُوا ))، فالمنافقين ليسوا مؤمنين وإنّما مظهرين للإيمان.
ولا يشتبه عليك الحال وتظنّ أنّنا لا نلتزم بحجّية الظاهر في هذه الآية، الدالّ على أنّ إعطاء الزكاة كان حال وقوع ركوع الصلاة, ولكنّنا نقدّم سبب النزول على ظهور الجمع ما دام استعماله في المفرد ممكن وصحيح، أي: نقدّم سبب النزول؛ لتشخيص المصداق الخارجي, وأمّا ادّعاءكم ظهورات أُخرى من كون الركوع بمعنى الخشوع أو غيره، فلا قرينة عليه.




















السؤال: آية محكمةما الدليل على أن آية الولاية آية محكمة ؟؟
برجاء أن يكون الجواب من كتب علماء السنة ...
هذا مع ملاحظة أن آية الله العظمى السيد عبدالحسين شرف الدين قده قال في كتابه المراجعات :
(( نعم أتلوها عليك آية محكمة من آيات اللّه عزّوجلّ في فرقانه العظيم، ألا وهي قوله تعالى في سورة المائدة: (( إنما وليّكم اللّه ورسوله والّذين آمنوا الّذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ..... )) ))
فما الدليل على أنها آية محكمة من كتب السنة وكذلك كتبنا نحن الشيعة الإمامية ...
مع العلم أن العلامة الطوسي يقول عن المحكم : (( المحكم هو ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن إليه ولا دلالة تدل على المراد به لوضوحه، نحو قوله: (( إن الله لا يظلم الناس شيئا )) وقوله: (( لا يظلم مثقال ذرة )) لانه لا يحتاج في معرفة المراد به إلى دليل . ))
أجيبونا في القريب العاجل للحاجة الملحة لأهمية المسألة
الجواب:




اختلف علماء الاسلام في معنى المحكم والمتشابه اختلافات كثيرة ربما تبلغ الأقوال في ذلك إلى عشرين قولا . والذي جرى عليه عملهم من العصر الاسلامي الأول حتى العصر الحاضر وعليه الاعتماد هو :
1- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها .
2- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه ب‍ التأويل لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها . هذا قول مشهور عند إخواننا علماء السنة وهو المشهور أيضا عند الشيعة (القران في الاسلام للطباطبائي ص33)
ومن خلال هذا يتضح ان آية الولاية لا تحتاج الى تأويل بل المقصود واضح من ظاهرها فهي بذلك محكمة .














شبهات وردود واسئلة واجوبة في اية ولاية الامر
السؤال: صحّة أسانيد الروايات المفسرة للآيةلدي استفسار عن بعض الأسانيد، ومنها: هذا السند في الكافي1/172-173ح1)؛ فعندما يُذكر في السند: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللَّه(عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) (البقرة:282). فقال: (نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين(عليهم السلام )).
فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يُسَمِّ عليّاً وأهل بيته(عليهم السلام) في كتاب الله عزّ وجلّ؟
قال: فقال: (قولوا لهم إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نزلت عليه الصلاة ولم يُسَمِّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً درهم، حتى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزل الحجّ فلم يقل لهم: طوفوا أُسبوعاً حتى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) ونزلت في عليّ والحسن والحسين، فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عليّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه...) إلى آخر الحديث المذكور.
1- هل يعني هذا أنّ السند المذكور هو سندٌ واحد أم سندين؟
2- إذا كانا سندين فهل هما يشتركان في روايتهما عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير، كما يُفهم من قراءة سند الرواة للحديث؟
وبمعنى آخر: هل يكون السند الأوّل في الرواية هكذا: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير؟
والسند الثاني في الرواية هكذا: علي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير.
3- وهل يكون هذان السندان صحيحين، أم أنّ أحدهما هو الصحيح فقط؟
وأمّا ما يخصّ التوثيقات لرواة الحديث:
ففي بحثنا عن توثيقات هؤلاء الرواة توضّح بأنّ جميعهم من الثقات، إلاّ سهل بن زياد أبي سعيد، ضعّفه النجاشي وشيخ الطائفة، ونقل عنهم العلاّمة أبي منصور الحلّي ذلك واختلاف الشيخ الطوسي في توثيقه، ونقل ما قاله النجاشي والغضائري عنه في القسم الثاني فيمن لا يعتمد على روايتهم من كتابه (خلاصة الأقوال)، وأيضًا نقل تضعيفه الشيخ الحسن بن علي بن داود الحلّي، ولم يعتنِ بتوثيق الشيخ الطوسي له في كتابه (رجال ابن داود). وكذلك السيّد الخوئي استبعد توثيقه أيضاً.
ورغم ذلك فقد وثّقه السيّد بحر العلوم في (الفوائد الرجالية)، والشيخ النوري الطبرسي في (خاتمة المستدرك).
4- فهل نأخذ بتوثيق السيّد بحر العلوم والشيخ النوري رحمهم الله (للراوي سهل بن زياد أبي سعيد)؟
وكما أشرنا سابقًا، فهل يمكننا أن نحكم على السند الذي فيه (سهل) أنّه صحيح، نظراً لثبوت التعارض مع ما ذكرناه ممّن ضعّفوه في حال القبول بالأخذ بتوثيق السيّد والشيخ؟
وإذا كان الجواب بـ(لا)، هل يرتفع السند الذي فيه سهل إلى (الموثوق) أو (الحسن) نظراً لوجود سند آخر صحيح لنفس الحديث؟
وذكر الكليني (رحمه الله) بعد الحديث المذكور مباشرة: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب بن الحر وعمران بن علي الحلبي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، مثل ذلك.
وبحسب اطّلاعي على توثيقات كتب الرجال لم أجد في هذا السند راوٍ واحد ضعيف.
ونحن هنا نسألكم، فأنتم أصحاب الخبرة في هذا المجال، فأفيدونا في ذلك: هل قول الكليني عندما ذكر سند الحديث بقوله: (( مثل ذلك ))، فهل قصد بأنّه نفس الحديث السابق؟
وماذا عن السند لهذا الحديث هل هو صحيح بهذا السند؟
وهل هنالك أحد من كبار علمائنا الإمامية علّق على هذا الحديث وحدّد أي درجة من درجات الحديث: صحيح أم حسن أم ضعيف؟
الجواب:




1- الرواية قد ذكرت بثلاثة أسانيد عند الكليني:
السند الأوّل: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام).
السند الثاني: علي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام).
السند الثالث: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب بن الحر وعمران بن علي الحلبي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام).
وقد قال المجلسي في (مرآة العقول): صحيح بسنديه(1)، والظاهر أنّه يريد السند الأوّل والسند الثالث إذ عدّ الأوّل والثاني كسند واحد، ويحتمل أنّه يريد السند الأوّل والثاني على بعد، وذلك لأنّه قال في رجاله المعروف بـ(الوجيز)، بخصوص سهل بن زياد: (( ضعيف، وعندي لا يفيد ضعفه لكونه من مشايخ الإجازة ))(2)..
وأيضاً نصَّ على صحّة هذه الرواية السيّد الخوئي(قدس) في تفسيره (البيان)(3).
2- أمّا بشأن عن توثيق سهل بن زياد، فنقول: هناك بحث ظريف للعلاّمة الفاني في كتابه (بحوث في فقه الرجال)(4) بشأن حول وثاقة سهل يمكنكم الاطّلاع عليه، ولكن على أية حال قد ضعّف السيّد الخوئي (قدس) سهلاً(5)، الأمر الذي يستفاد منه أنّه لم يعتمد في تصحيحه للرواية المتقدّمة على السند الذي فيه سهل.
وأمّا ارتفاع السند الذي فيه سهل إلى الموثّق أو الحسن بلحاظ صحّة بعض المتون الأُخرى التي يتّحد سهل في رواياتها مع الثقاة، فهذا ليس من اصطلاح علم الحديث، بل المبنى السليم - والذي يقول به البعض - هو: توثيق الرواية لا الراوي.
3- أمّا سؤالكم عن قول الكليني(ره): (( مثل ذلك ))، فيريد به أي: نفس المتن، والسند المذكور سند صحيح.








(1) مرآة العقول 3: 213.
(2) رجال المجلسي: 224 (870).
(3) البيان في تفسير القرآن: 213 الشبهة الثالثة.
(4) بحوث في فقه الرجال: 171 الخاتمة، البحث الأوّل.
(5) انظر: معجم رجال الحديث 9: 356 (5639).




























السؤال: لا يعقل الأمر بالطاعة المطلقة من دون العصمة والاصطفاء
في آية ولاية الأمر، هل من المعقول نقلياً وقرآنياً وعقلياً أن يأمر الله جلّ وعلا بطاعة إنسان من دون أن يصطفيه بعلمه وحكمته؟
أرجو التعليق على هذا الأمر وبيانه للمؤمنين.
الجواب:




إنّ هذا الذي ذكرتموه بعينه قد استفاد منه الفخر الرازي عند تفسيره لقوله تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) عصمة (ولاة الأمر)؛ لأنّ الطاعة المطلقة لفرد هي فرع عصمته عن الخطأ، وإلاّ كان الأمر بالطاعة المطلقة مع فرض حصول الخطأ أمر باتّباع الباطل، وهو محال على المولى سبحانه... فإذاً لا بدّ من العصمة والاصطفاء ثمّ الأمر بالطاعة.
قال الفخر الرازي: (( والدليل على ذلك أنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ؛ إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأً منهيّ عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنّه محال، فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كلّ من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً ))(1).
ثمّ تمحّل بأنّ المراد من (أُولي الأمر) أهل الحلّ والعقد من الأمّة، وأنّ ذلك يوجب القطع بأنّ اجتماع الأُمّة حجّة، مع أنّه واضح البطلان بنصّ الآية؛ فإنّها تنصّ على أنّ (أُولي الأمر) بعض الأمّة، فقد قال تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )).








(1) تفسير الرازي 10: 144 قوله تعالى: ((أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ... )).
























السؤال: بيان معنى الولاة في الآية
يتمسّك مخالفوا الشيعة بالآية (83) من سورة النساء وهي قوله تعالى: (( وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىظ° أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم... )) بأنّ المراد: خصوص حالة الخوف - كما في صدر الآية - وذلك يكشف أنّ المراد من (( أُولي الأَمر )) هم: أُمراء السرايا والغزوات الذين كان الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ينصّبهم ويعيّنهم، وليس المراد بهم الأئمّة، وهذا من الآية واضح..
وتُفسّر هذه الآية، أي قوله تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَظ°لِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً )) (النساء:59) بالآية السابقة, وإذا أردنا أن نستعين في تفسير هذه الآية بالروايات على أنّها نصّ في الخلافة، فذلك خلاف (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)؛ ففي هذه الآية عيّن موارد لزوم الرجوع إلى الله وإلى الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
الجواب:




للإجابة عمّا تمسّك به المخالفون في هذه الآية نقول:
أولاً: إنّ الأُمّة قد اختلفت في تعيين وليّ الأمر، وهذا ممّا لا شكّ فيه, ولكنّهم مهما اختلفوا فقد إتّفقوا وأجمعوا، من حيث يريدون أو لا يريدون، على ما يوجب كون الآية تنطبق على الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) دون من سبقه أو من لحقه ممّن تولّى أمر الخلافة، وذلك أنّ الأقوال في تفسير أُولي الأمر ستّة:
1- أُمراء السرايا والغزوات(1)، وهو ما أُشير إليه في السؤال.
2- العلماء، كما عن بعض المفسّرين(2).
3- الأُمراء والولاة(3).
4- أهل الرأي من الصحابة(4).
5- هم: القوّام على الناس والآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر(5).
6- هم: عليّ وأبناءه الأئمّة المعصومون(عليهم السلام)، كما هو قول الشيعة(6).
ولا شك أنّ عليّاً(عليه السلام) كان من أُمراء السرايا، كما كان من العلماء ومن القوّام على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان من الأُمراء والولاة، ومن أهل الرأي من الصحابة، فهو مرادٌ بالآية على أيّ تقدير بالإجماع، كما بيّناه, أمّا غيره مهما كان ومَن كان فليس عليه مثل هذا الاتّفاق.
فإذا ثبت ذلك له(عليه السلام) وكان هو وليّ الأمر، فهو الذي يعيّن الذي بعده بحكم ولايته, وإذا قلنا بأنّه(عليه السلام) ليس له ذلك، فهو خلاف القول بالولاية.
ثانياً: إنّ الاستعانة في تفسير الآية بالروايات خلاف (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)، فليس كذلك صغرى وكبرى، أمّا الكبرى وهي (القرآن يفسّر بعضه بعضاً) فهي ليست آية، وهذا كتاب الله خال منها, ولا رواية عنه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإن زُعم أنّها رواية فلماذا لم يلتزم بها الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسه؟
ولنضرب مثلاً واحداً في فريضة واحدة هي من أهم فرائض الإسلام، وهي الصلاة المفروضة خمس مرّات يومياً, ولنأخذ منها فعلاً واحداً من واجباتها كشاهد على ما نقول، وذلك هو: التشهّد، ونختار من أذكاره كيفية الصلاة على النبيّ وآله(عليهم السلام) فيه.
ولا يفوتنا التنبيه على أنّه قد ذهب إلى وجوبها من غير الشيعة الشافعي، وقال ابن حجر في (الصواعق): (( ...الذي ذهب إليه الشافعي هو الحقّ الموافق لصريح السُنّة ولقواعد الأُصوليين، ويدلّ له أيضاًً أحاديث صحيحة كثيرة استوعبتها في شرحي الإرشاد والعباب، مع بيان الردّ الواضح على من شنّع على الشافعي، وبيان أنّ الشافعي لم يشذ، بل قال به قبله جماعة من الصحابة، كـابن مسعود وابن عمر وجابر وأبي مسعود البدري وغيرهم، والتابعين، كـالشعبي والباقر وغيرهم، كإسحاق بن راهويه وأحمد، بل لمالك قول موافق للشافعي رجّحه جماعة من أصحابه, بل قال شيخ الإسلام خاتمة الحفّاظ ابن حجر - العسقلاني -ـ: لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلاّ ما نقل عن إبراهيم النخعي مع إشعاره بأنّ غيره كان قائلاً بالوجوب ))(7).
نقول: فإنّ كيفية هذه الصلاة في التشهد لم يکن يعرفها الصحابة، فسألوه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن كيفيّتها لمّا نزلت الآية: (( إنَّ اللَّهَ وَمَلَائكَتَه يُصَلّونَ عَلَى النَّبيّ يَا أَيّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيه وَسَلّموا تَسليمًا )) (الاحزاب:56)، فقد صحّ عن كعب بن عجرة، قال: (( لمّا نزلت هذه الآية قلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلّم عليك فكيف نصلّي عليك؟ فقال: (قولوا اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد... إلخ ) ))(8).
فهذه الآية أمرت المؤمنين بالصلاة على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أمّا كيف؟ ومتى؟ فذلك ما تكفّلت السُنّة ببيانه, ولم يُذكر في شيء من مصادر التفسير أو الحديث أنّ أحداًَ من الصحابة اعترض على الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال له: كيف فسّرت القرآن من نفسك، وإنّما (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)؟ أو قال له: إنّ الآية أمرتنا بالصلاة عليك وحدك ولم تذكر الآل معك، فمن أين أوجبت الصلاة عليهم ولم يرد ذلك في آية أُخرى تفسّر هذه الآية؟
وهذا الذي ذكرناه هو ما يأتي به المصلّي كلّ يوم في فرائض الصلوات الخمس، فكيف بباقي الأحكام؟ إذاً ليس (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)، وقد تبيّن حال الصغرى ممّا سبق أيضاً.
ثالثاً: لو التزمنا جدلاً بأنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً، فإنّ في آي الذكر الحكيم ما يدلّ على تعيين (وليّ الأمر) كما في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55)، وحيث ثبت أنّ الولاية - في هذه الآية - هي لله ولرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون لا لغيرهم بقرينة (إنّما)، وهي أداة حصر، فهذه فسّرت من هو المراد بـ(أُولي الأمر) في الآية المشار إليها في السؤال.
بقي تعيين مَن تنطبق عليه تلك الأوصاف الثلاثة مجتمعة: (الإيمان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وهو راكع)، وهو ما ثبت لأمير المؤمنين(عليه السلام)، كما في تفسير ابن جرير، وكشّاف الزمخشري، والفخر الرازي، والقرطبي، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، والدرّ المنثور للسيوطي، وغيرهم(9).
وبهذه الآية التي تكفّلت معنى الولاية في المقام وأنّها من سنخ ولاية الله وولاية الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسّر الآية المشار إليها آنفاً في السؤال؛ فلاحظ!
وتعقيباً على ما تقدّم من أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً، نقول: إنّ آية المباهلة التي هي قوله تعالى: (( ...فقل تَعَالَوا نَدع أَبنَاءنَا وَأَبنَاءكم وَنسَاءنَا وَنسَاءكم وَأَنفسنَا وأَنفسكم... )) (آل عمران:61) قد نصّت على أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) هو نفس النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ حيث أخرج مسلم والترمذي وأحمد والبيهقي والحاكم والرازي والزمخشري وابن جرير والواحدي وابن حجر وغيرهم: أنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، وقال: (اللّهمّ هؤلاء أهلي...)(10)، فإذا كان عليّ(عليه السلام) نفس الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنصّ الآية المذكورة، فلماذا تخلّف المسلمون عنه وقد أمرهم الله تعالى بأن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، كما في قوله تعالى: (( مَا كَانَ لأَهل المَدينَة وَمَن حَولَهم مّنَ الأَعرَاب أَن يَتخلّفوا عَن رَّسول اللّه وَلاَ يَرغَبوا بأَنفسهم عَن نفسه... )) (التوبة:120)؟
ولو لم يكن عليّ(عليه السلام) هو المراد لمّا عبّر تعالى عنه بقوله: (( عَن نفسه ))، ولقال: (ولا يرغبوا بأنفسهم عنه)؛ فلاحظ!
وأمّا أنّ المراد من (أولوا الأمر) في قوله تعالى: (( وَلَو رَدّوه إلى الرَّسول وَإلَى أولي الأَمر منهم لَعَلمَه الَّذينَ يَستَنبطونَه منهم... )) (النساء:83)، هم: أُمراء السرايا أوّل الكلام.
كيف وقد عممت الآية في أوّلها الأمر على حالتي الأمن والخوف لا خصوص حالة الخوف، كما يدّعي هذا المستشكل، قال تعالى: (( وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدّوه... )).
والآية نازلة لبيان حالة إشاعة الأراجيف بين المسلمين من قبل ضعاف النفوس، وأنّهم لو ردّوا الأمر إلى الرسول وإلى أُولي الأمر لأعلموهم حقيقة الحال وواقع هذه الأراجيف.
فهذه الآية ناظرة إلى ما يمس أمن الدولة واستقرارها، واتّخاذ القرار في هذا الشأن أنسب بمنصب الإمام ورئيس الدولة لا بأُمراء السرايا الذين هم قادة عسكريون. مع أنّ الآية ساوت في الردّ إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأُولي الأمر، وأخبرت بأنّ ما يستنبطونه يحصل به العلم، ولا يصحّ ذلك إلا إذا ثبتت لهم العصمة كرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّ من قوله يحصل العلم لمحلّ العصمة، وأُمراء السرايا لا يصيبون دائماً؛ لأنّهم غير معصومين.
ومن هنا وردت الروايات الكثيرة عندنا بأنّ المراد من (أُولوا الأمر) في الآية هم: الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام)(11).
فظهر من هذا أنّ (أُولي الأمر) في آية الولاية هم المعنيون نفسهم في قوله تعالى: (( وَلَو رَدّوه إلى الرَّسول وَإلَى أولي الأَمر منهم لَعَلمَه الَّذينَ يَستَنبطونَه منهم... )).








(1) تفسير ابن أبي حاتم 3: 988 قوله تعالى: ((يَا أَيّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ... )).
(2) معاني القرآن للنحاس 2: 121(134)، تفسير الواحدي 1: 271.
(3) تفسير البيضاوي 2: 205، جامع البيان 5: 202.
(4) معاني القرآن للنحاس 2: 121، تفسير الثعلبي 3: 334.
(5) الفصول المختارة: 118.
(6) الفصول المختارة: 118، شواهد التنزيل 1: 189 قوله تعالى: ((أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ... )).
(7) الصواعق المحرقة 2: 433 الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي، الفصل الأوّل، الآية الثانية.
(8) صحيح البخاري 7: 156 باب (الصلاة على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم))، سنن الدارمي 1: 309 باب (الصلاة على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
(9) جامع البيان 6: 389 - 390، الكشّاف 1: 624، تفسير الرازي 12: 26، تفسير القرطبي 6: 221 - 222، شواهد التنزيل 1: 209 - 239 ح216 - 240، الدرّ المنثور 2: 293، 294.
(10) صحيح مسلم 7: 120 كتاب فضائل الصحابة باب(فضائل علي عليه السلام)، سنن الترمذي 4: 293 أبواب تفسير القرآن عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن تفسير آل عمران ح4085، ومناقب علي بن أبي طالب ح3808، مسند أحمد 1: 185 مسند سعد بن أبي وقّاص، السنن الكبرى للبيهقي 7: 63 باب (اليه ينسب أولاد بناته)، المستدرك على الصحيحين 3: 150 مناقب أهل البيت، تفسير الرازي 8: 85، الكشّاف 1: 434، جامع البيان 3: 407 - 410، أسباب نزول الآيات: 67 سورة آل عمران، فتح الباري 7: 60 مناقب علي بن ابي طالب.
(11) تفسير العيّاشي 1: 260 قال تعالى: ((وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ... ))، تفسير القمّي: 145، التبيان 3: 273، بشارة المصطفى: 170، خطبة الحسن بن علي(عليه السلام)، المحاسن 1: 268ح356.
























السؤال: عدم عمومها لكل من يدعي الولاية




أشكركم على الإجابات السابقة الوافية المفحمة (كلمة حقّ) يجب قولها؛ لأنّي باحث عن الحقّ، ومجرّد نفسي عن الطائفية، وجزاكم الله ألف خير. لكن لديّ سؤال على بالي من تأمّل الآية التالية، قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) وكلمة (( مِنكُم )) ضمير راجع للذين آمنوا، أي: من الذين آمنوا، أي: الناس، وهي عامّة، أي: من ولي أميراً يجب الطاعة له من الذين آمنوا منكم للمؤمنين (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ))، وكلمة (( مِنكُم )) أي: من الذين آمنوا، عامّة للمؤمنين من وليّ أميراً منهم وجبت له الطاعة.
فكيف قلتم أنتم الشيعة: إنّ الآية خاصّة في الأئمّة؟
أرجو توضيح دلالتكم بشكل واضح؛ لأنّها بحث مصيري بالنسبة لي، وأرجو التوفيق والحقّ للجميع.
الجواب:




إنّ الذي يخصّص العموم المستفاد من جمع (أُولي الأمر) في الآية هو دلالة الآية على عصمة (أُولي الأمر)، فالآية قرنت طاعة (أُولي الأمر) بطاعة الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بشكل مطلق؛ فلا يصحّ أن يكون أُولي الأمر غير معصومين، وإلاّ كيف يأمر الله بطاعة أهل المعاصي والذنوب؟!
لذا ثبت أنّ المراد بـ(أُولي الأمر) ليس كلّ من تسلّط على رقاب المسلمين حتى لو بويع بذلك مع ارتكابه للمعاصي والذنوب، بل المراد: مجموعة من المؤمنين الذين ثبتت لهم العصمة، وبالرجوع إلى ما ذكرناه في الأجوبة السابقة يتّضح لك الأمر بشكل كامل.
وأمّا لفظة (( مِنكُم )) ففيه دلالة على أنّ المتولي لأمر الحكومة، أي: الإمام هو من بينكم لا من غيركم، ولا تدلّ على عموم (أُولي الأمر) من قريب أو بعيد، وقد جاء مثل هذا التعبير كثيراً في القرآن الكريم؛ قال تعالى: (( كَمَا أَرسَلنَا فِيكُم رَسُولًا مِنكُم يَتلُو عَلَيكُم آيَاتِنَا... )) (البقرة:151)، ويتّضح المعنى أكثر من قوله تعالى: (( لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولًا مِن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ... )) (آل عمران:164).
وأنت تعلم بوضوح أنّ الآيتان لا تعنيان جواز اختيار الرسل من قبل الناس لورود لفظة (( مِنكُم ))، أو (( مِن أَنفُسِكُم ))، ولا صحّة رسالة كلّ من ادّعى الرسالة، وإنّما تعيين الرسل واختيارهم من قبل الله، ولكن من بينكم لا من غيركم، فكذا (أُولي الأمر)؛ فلاحظ!




















السؤال: بيان الملازمة في آية ولاة الأمر
أكثر المخالفين لمذهب الشيعة يسألون عن الآية (59) من سورة النساء، وهي قوله تعالى: (( أَطيعوا اللّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ وَأولي الأَمر منكم ))، فيقولون: إذا كانت إطاعة (أُولي الأمر) - كما يقول الشيعة - ملازمة لطاعة الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم), فيلزم أن يذكر (أُولوا الأمر) أيضاً في قوله تعالى: (( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ))، ومن عدم ذكرهم يكشف أنّ الإمامة ليست نصّاً، وأنّ إطاعة الإمام ليست كطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
الجواب:




يجاب السؤال بما يلي:
أولاً: نفي دعوة الملازمة بين ذكر طاعة (أُولي الأمر) في بداية الآية وبين ذكرهم في الردّ إلى الله وإلى الرسول في المقطع الثاني من الآية؛ فقد وردت آيات كثيرة تضمّنت وجوب طاعة الله وطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم), وقرنت بينهما في الطاعة كما في آيات (14،80) من سورة النساء، و(20، 46) من سورة الأنفال، و(52) من سورة النور، و(71) من سورة الأحزاب، وغيرها..
فإذا وردت آيات بطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وحده، كما في قوله تعالى: (( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ )) (النور:56)، فهل يحتمل إنسان عدم وجوب طاعة الله لخلو الآية المذكورة عن ذلك؟
أو الآية التي وردت في ردّ الحكم إلى الله عند الاختلاف، وهي قوله تعالى: (( وَمَا اختَلَفتُم فِيهِ مِن شَيءٍ فَحُكمُهُ إِلَى اللَّهِ )) (الشورى:10)، فهل يعني ذلك عدم وجوب الرجوع إلى الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند وقوع الاختلاف؟!
مع أنّه تعالى قرن بين ذكره جلّ وعلا، وذكر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند التنازع، كما في قوله تعالى: (( فإن تَنَازَعتم في شَيء فردّوه إلى اللّه وَالرَّسول )) (النساء:59)، فعدم ذكر الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الآية الأولى التي أرجعت الحكم إلى الله وحده في ما اختلف فيه هل يعني ذلك عدم الرجوع إليه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّه لم يذكر في الآية؟! وهذا ممّا لا يخفى على أحد.
ثانياً: إنّ عدم ذكر (أُولي الأمر) في قوله تعالى: (( فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ )) لا يدلّ على عدم إرادتهم، بعد أن ذكرهم تعالى في صدر الآية، وساواهم في وجوب الإطاعة لهم على حدّ إطاعته وإطاعة رسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), واكتفى عن ذكرهم ثانياً بما ذكرهم أوّلاً.
ولذا أجاب السيّد محمد تقي الحكيم على هذا الاشكال في كلام الفخر الرازي بقوله: (( يبقى الاشكال الثالث، وهو عدم ذكره لأُولي الأمر في وجوب الردّ إليهم عند التنازع، بل اقتصر في الذكر على خصوص الله والرسول، وهذا الإشكال أمره سهل؛ لجواز الحذف اعتماداً على قرينة ذكره سابقاً، وقد سبق في صدر الآية أن ساوى بينهم وبين الله والرسول في لزوم الطاعة، ويؤيّد هذا المعنى: ما ورد في الآية الثانية: (( وَلَو رَدّوه إلى الرَّسول وَإلَى أولي الأَمر منهم لَعَلمَه الَّذينَ يَستَنبطونَه منهم )) (النساء:83) ))(1).
ثالثاً: إنّ هذه الآية المشار إليها في السؤال تدلّ على عصمة (أُولي الأمر) من حيث المقارنة في الذكر والمساواة في وحدة السياق في وجوب طاعتهم كوجوب طاعة الله وطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم), ومن البديهي أنّ من تجب طاعته من (أُولي الأمر) لا بدّ أن يكون معصوماً عن ارتكاب الزلل والخطأ وسائر ما يشينه وينقصه؛ إذ لو لم يكن كذلك وجاز عليه ارتكاب المعصية فكيف يأمر الله بطاعته وهو غير مأمون في نفسه من الذنوب, والله سبحانه ينهى عن طاعة العصاة في كثير من الآيات؟ أليس في ذلك ما فيه من التضاد والتناقض؟!
وحاشا ربّنا تعالى أن يأمرنا بطاعة من يرتكب ما نهى عنه جلّ وعلا.
قال الفخر الرازي في تفسيره: (( إنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية - يعني (( أَطيعوا الرَّسولَ وَأولي الأَمر منكم )) - ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بدّ أن يكون معصوماً عن الخطأ؛ إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته, فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأً منهيّ عنه, فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنّه محال.
فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم, وثبت أنّ كلّ من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ, فثبت قطعاً أنّ أُولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بدّ وأن يكون معصوماً ))(2).
نقول: وإذا دلّت الآية على عصمة (أُولي الأمر), والعصمة من الأمور الخفية التي لا يمكن أن يطّلع عليها كلّ أحد, وإلاّ لزم تصديق كلّ من يدّعيها, فلا بدّ أن يكون جلّ وعلا المطّلع على السرائر هو الذي يبيّن للناس من هو ذلك المعصوم الذي تجب طاعته وولايته باطّلاع نبيّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم), والنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بدوره يكشف ذلك للناس، وهذا ما أشار إليه سبحانه بقوله: (( وَرَبّكَ يَخلق مَا يَشَاء وَيَختَار مَا كَانَ لَهم الخيَرَة )) (القصص:68).
فمن هنا كانت الآية من أدلّة إثبات النصّ على الأئمّة الهداة(عليهم السلام) كما دلّت على عصمتهم؛ فلاحظ!








(1) الأُصول العامة للفقه المقارن: 159 (الثالثة: بيان المراد من أهل البيت الآية الثانية).
(2) تفسير الرازي 10: 144 قوله تعالى: ((أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ... )).




السؤال: اللفظ في آخر الآية لا ينفي عصمة أُولي الأمرالآية (59) من سورة النساء: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ))، أليست فيها دلالة واضحة تامّة وقاطعة على نفي العصمة؟
الجواب:




إنّ آية أُولي الأمر علّقت الإطاعة لـ(أُولي الأمر) بصورة مطلقة، ولا يكون الأمر بوجوب الإطاعة المطلقة إلاّ لمعصوم؛ إذ لو لم يكن معصوماً جاز عليه الخطأ, فلا يمكن أن يوجب الله علينا إطاعة الخاطئ, ومن هنا كانت دلالة الآية على العصمة واضحة وصريحة حتى تنبّه إلى ذلك الفخر الرازي(1).
ولكن الوهابية يغضّون النظر عن أوّل الآية ويتمسّكون بآخرها، بأنّه لا يدلّ على العصمة، وإلاّ لما أرجع الله المتنازعين إلى الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وترك أُولي الأمر!
ولكن هذا فهم غير صحيح للآية؛ فإنّ التنازع المفروض في الآية تنازع كلّي شامل للنزاع حتى مع أُولي الأمر، فإنّ لفظة (شيء) يصدق على كلّ أمر متنازع فيه، أي: فإن تنازعتم أيّها المؤمنون في شيء مع أُولي الأمر بعد أن أُمرتم بطاعتهم فارجعوا إلى الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لتعرفوا حكمه.
فإذا كان التنازع مع أُولي الأمر أنفسهم فكيف يصحّ الإرجاع إليهم؟!
وهل من نازعهم سوف يؤمن بقولهم وصوابهم وأحقّيتهم؟
كيف؟! وإلاّ لم ينازعهم من البداية, بل الذي ينازعهم لا يعترف بوجوب طاعتهم، فضلاً عن عصمتهم.
فلا بدّ من إيجاد جامع مشترك بين أُولي الأمر وبين الذين ينازعونهم، يعودون إليه ليصبح الميزان في فصل الدعوى والتنازع, ولا يوجد بينهم إلاّ القرآن والسُنّة، وهما القانون الكلّي والدستور الإسلامي، وهذا واضح من فعل عليّ(عليه السلام) مع طلحة والزبير عندما دعاهم للقرآن قبل القتال, وكذلك فعله(عليه السلام) مع أهل الشام قبل القتال, ولكنّهم أصرّوا على القتال لعلمهم بكونهم محجوجين, ولكنّهم عند الهزيمة رفعوا المصاحف خدعة.
فلا دلالة في الآية على نفي العصمة، وإنّما فيها دلالة على أنّ مرجع الكلّ في الشريعة الإسلامية والذي لا يخرج عنه حتى أُولي الأمر هو: حكم الله وحكم الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أي: القرآن والسُنّة، فحكم أُولي الأمر لا يخرج عن حكم الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهم معصومون تابعون لشريعة محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
فارجع إلى الآية واقرأها بتمعّن تجد ما قلناه واضحاً؛ إذ كيف يصحّ التنازع في شيء وهم مسلّمون بطاعة أُولي الأمر؟! فإنّ أُولي الأمر سيقولون لهم عليكم بطاعتنا بنصّ القرآن ولا مجال للنزاع, وهل سيكون هذا إلاّ تناقض! فإنّهم مأمورون بإطاعتهم ثمّ يجوّز القرآن لهم عدم اتّباعهم وتركهم والرجوع إلى الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)!! ولذا فإنّ المخاطبين بالردّ لا يدخل فيهم أولو الأمر، وإنّما هم من خوطبوا في أوّل الآية بوجوب طاعة الله والرسول وأُولي الأمر أوّلاً.
وبهذا يتّضح أنّ فرض التنازع المذكور في الآية لا يصحّ ولا يقع إلاّ من الذين ينكرون وجوب إطاعة أُولي الأمر, إمّا بالكلّية، أي: لكلّ وليّ أمر، وإمّا بالتعيين، أي: وليّ الأمر المعيّن والمشخّص، كعليّ(عليه السلام)، ويقولون: أنّه ليس وليّ الأمر مثلاً، فعند ذلك لا بدّ من إرجاعهم إلى القرآن والسُنّة لفض النزاع؛ فتأمّل!
فالآية تطرح معالجة واقعية لحلّ ما يعتري طريق المسلمين من مشاكل في مستقبلهم، ففيها نوع استشراف من الغيب لما سيحدث في واقع الأُمّة الإسلامية.








(1) تفسير الرازي 10: 144.
























تعليق على الجواب (1)
لي ملاحظات على هذه الإجابة التي لا تخلو من مغالطات, وهي كما يلي:
1- من قال: إنّ الآية تدلّ على الطاعة المطلقة لأُولي الأمر؟
فالمتأمّل في الآية يجد أنّها كررت لفظ الطاعة مع الرسول كون طاعته مطلقة؛ لأنّه المعصوم, ولم تفعل ذلك مع أُولي الأمر، أي: لم تفردهم بطاعة مستقلّة فتقول: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أُولي الأمر)، ولو كانت الآية كذلك لقلنا بطاعتهم المطلقة - أي: الطاعة المستقلّة - فدلّت الآية على أنّ أُولي الأمر ليس لهم طاعة مستقلة وإنّما هي طاعة في إطار طاعة الله والرسول، كما في الحديث: (إنّما الطاعة في المعروف)، وكما في الحديث: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق), ولذا لم تفردهم الآية بلفظ الطاعة، كما جاء في حقّ الله والرسول، وهذا يدلّ على عدم العصمة، وإلاّ لو كان أُولو الأمر معصومين لشمل النزاع أُولي الأمر والرسول معاً، وعندئذ لا يصحّ الإحالة في آخر الآية إلى الرسول؛ لكونه طرفاً في النزاع، كما قلتم ذلك في أُولي الأمر حينما لم يحل الأمر إليهم في النزاع.
2- قولكم: إنّ الآية في حقّ مَن لم يؤمن بطاعتهم وعصمتهم، فهذا غير صحيح، بل هي في حقّ المؤمنين، كما نصّت الآية في أوّلها: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ))، وكيف يصحّ لفظ الإيمان في حقّ مَن لم يقل بعصمة أُولي الأمر وطاعتهم؟
يبدو يا سيدي أنّنا بحاجة إلى مراجعة موقفنا من بعض الأمور، وعلى رأسها: الأمر بالعصمة.




الجواب:




أولاً:هناك فرق بين إفراد أُولي الأمر بطاعة مستقلة، وبين القول بأنّ طاعة أُولي الأمر طاعة مطلقة، ويبدو من كلامك أنّك تخلط بينهما!
فنحن لا نقول أنّ طاعة أُولي الأمر مستقلّة، بل هي في طول طاعة الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن على الرغم من ذلك تبقى طاعة أُولي الأمر مطلقة, فكما أنّ الآية تأمر بطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كذلك تأمر بطاعة أُولي الأمر بحرف العطف, ولم تقيّد الآية الطاعة في حدود معيّنة، فمن أين استفدت التقييد؟!
ولو كانت طاعة أُولي الأمر تتعارض مع طاعة الله وطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لما جاز الأمر بها!
وبعبارة أُخرى: إنّ دلالة حرف العطف هي وحدة نوع الطاعة اللازمة للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولأُولي الأمر، فهذا مقتضى التشريك بالعطف، وأمّا ما يمكن استفادته من إفراد طاعة لله ثمّ إفراد أُخرى للرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأُولي الأمر، فهو أنّ طاعة الله طاعة بالاستقلال والأولوية؛ لأنّه الحاكم الحق, وأمّا طاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن عطف عليه فقد ثبتت بالنيابة والطولية, ولا دلالة في البين للتقييد والإطلاق - أي لسعة وضيق الطاعة - وإنّما لنوعها أو رتبتها الوجودية بالإصالة أو التبع.
فافهم إن كنت طالب حقّ! فالقول بأنّ الطاعة هنا مطلقة هو ظاهر المنطوق من الآية والواضح عند أهل اللغة العربية دون لبس.
ثانياً: وأمّا قولك: (( وإلاّ لو كان أولو الأمر معصومين لشمل النزاع أُولي الأمر والرسول معاً ))، فإنّ لفظ الشيء في الآية وإن كان عامّاً فيشمل كلّ نزاع حتى مع الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ولكن قوله تعالى في أوّل الآية: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) يخرج هكذا نزاع بين الناس والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّ مثل هذا النزاع يخرجهم عن الإسلام، والمخاطب في الآية هم الذين آمنوا لله ولرسوله بكلّ ما جاء به.
ولا ملازمة في البين، بين الردّ إلى الله والرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وبين عدم عصمة أُولي الأمر، بل بالعكس، فلو دلّت الآية على عدم عصمة أُولي الأمر لدلّت على عدم عصمة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّ الله شركها في طاعة واحدة، وهذا لا يقوله مسلم.
ثالثاً: إنّ لفظ (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا )) في آيات كثيرة يشمل من آمن بالتوحيد والنبوّة، ولذا تجد بعض الآيات القرآنية التي ذكرت هذه الكلمات لا يمكن حصرها بالمؤمنين بالإمامة فقط، فمثلاً قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِّيَامُ )) (البقرة:183) لا تستطيع القول أنّه كتب على من يعتقد بالإمامة فقط، وكذلك قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَينٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكتُبُوهُ )) (البقرة:282). فأنت أيضاً لا تستطيع أن تقول أنّ هذا الحكم خاص بالمؤمنين بالمعنى الأخص، ومن هنا يظهر أنّ الأسلوب القرآني استخدم لفظة (المؤمنون) في معنى يشمل كلّ المسلمين في بعض الآيات، واستخدمها للإيمان الحقيقي دون الإسلام الظاهري في آيات أُخرى، ونميّز ذلك بالقرائن.
































السؤال: الرجوع إلى أُولي الأمر حال النزاع.
ورد رأي بأنّ عدم ذكر أُولي الأمر بعد التنازع هو لعلّ التنازع قد يكون في تعيّن أُولي الأمر وتحديدهم, فيجب الرجوع آنذاك إلى الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّهم قد بيّنوا من هم أولو الأمر بالكتاب والسُنّة.
فما مدى صحّة هذا الرأي؟
الجواب:




إنّ فرض عدم جواز الرجوع إلى أولى الأمر؛ لأنّ التنازع قد يحصل فيهم لا يعني عدم صحّة الرجوع إليهم, بل يجب الرجوع إليهم؛ لأنّ الآية في صدرها فرضت طاعتهم, والمفروض طاعته لا بدّ من الأخذ بقوله حتّى لو كان هناك نزاع بشأنه.
نعم, يمكن صياغة الكلام هكذا, وهو: أنّ ولاة الأمر وإن كان المؤمنون مأمورين بطاعتهم, إلاّ أنّ تشخيصهم وتحديد مصداقهم الصحيح مختلف فيه, فهناك أكثر من واحد يدّعي أنّه هو وليّ الأمر, فالإرجاع إلى أُولي الأمر مع اختلافهم مصداقاً لا يحلّ النزاع, فلا معنى للإرجاع إليهم مع هذا الاختلاف.
نعم, يبقى الرجوع إلى أُولي الأمر الحقيقيين صحيح ومطلوب لحلّ النزاع, ولذا قال تعالى في آية أُخرى: (( وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم )) (النساء:83).
















السؤال: حذف ولاة الأمر في المقطع الثاني لا يفيد عدم وجوب إطاعتهم
قال تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً ))، قال لي أحد المخالفين: إنّ أُولي الأمر قد حذف من شطر الآية الثاني وهذا يدلّ على عدم إطاعتهم في كلّ شيء؟
الجواب:




للجواب عن هذا الإشكال نقول:
أوّلاً: إنّ واو العطف - كما هو مقرّر في محلّه من علمي النحو والأُصول - موضوعة للجمع المطلق, وعليه تكون الإطاعة المطلقة ثابتة في حقّ ولاة الأمر - بحسب الآية الكريمة - كما هي ثابتة لله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), وذلك لمحلّ العطف بالواو في قوله تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )).
وعدم تكرار الفعل (( أطيعوا )) لا يدلّ على عدم عموم الطاعة، وإلاّ لدلّ هذا المعنى في حقّ الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غير هذا المورد؛ فقد قال تعالى في مورد آخر من كتابه الكريم: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَه )) (الأنفال:20)، ولم يستفد منه أحد بأنّه لا تجب إطاعة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في كلّ شيء ومطلقاً لعدم تكرار الفعل في الجملة.
بل القول به باطل بالإجماع، والمستفاد منه هو على العكس من ذلك تماماً، وهو المعنى الصحيح المتّفق عليه ولا نزاع فيه بين المسلمين.
ثانياً: إنّ توجيه الخطاب إلى المؤمنين في قوله تعالى: (( فَإِن تَنَازَعتُم )) كاشف عن أنّ المراد بالتنازع هو: تنازع بينهم، لا تنازع مفروض بينهم وبين أُولي الأمر, وكذا لا تنازع مفروض بين أُولي الأمر أنفسهم, فإنّ الأوّل - أي: التنازع بينهم وبين أُولي الأمر - لا يلائمه افتراض طاعة أُولي الأمر عليهم (نعم يمكن في فرض عصيانهم على أُولي الأمر). والثاني - أي: التنازع بين أُولي الأمر - لا يلائمه افتراض طاعتهم والتنازع الذي أحد طرفيه على الباطل.
ومن هنا قال السيّد الطباطبائي في (الميزان) عند تفسيره للآية الكريمة: (( ولفظ (الشيء) - (( فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ )) - في وإن كان يعمّ كلّ حكم وأمر من الله ورسوله وأُولي الأمر كائناً ما كان, لكن قوله بعد ذلك: (( فردّوه إلَى اللَّه وَالرَّسول )) يدلّ على أنّ المفروض هو النزاع في شيء ليس لأُولي الأمر الاستقلال والاستبداد فيه من أوامرهم في دائرة ولايتهم، كأمرهم بنفر أو حرب أو صلح أو غير ذلك؛ إذ لا معنى لإيجاب الردّ إلى الله والرسول في هذه الموارد مع فرض طاعتهم فيها. فالآية تدلّ على وجوب الردّ في نفس الأحكام الدينية التي ليس لأحد أن يحكم فيها بإنفاذ أو نسخ إلاّ الله ورسوله ))(1).








(1) الميزان في تفسير القرآن 4: 401.












السؤال: لِمَ لم يذكر وليّ الأمر في آخر الآية؟((يَا أَيّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعوا اللّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ وَأولي الأَمر منكم فَإن تَنَازَعتم في شَيء فَردّوه إلَى اللّه وَالرَّسول إن كنتم تؤمنونَ باللّه وَاليَوم الآخر ذَلكَ خَيرٌ وَأَحسَن تَأويلاً... )) (النساء:59)
في الآية الكريمة أمر الزامي بإطاعة أُولي الأمر, وطبعاً المراد بـ(أُولي الأمر) هم: الأئمّة صلوات الله تعالى عليهم, إلاّ أنّه في منتصف الآية (( فإن تَنَازَعتم في شَيء فردّوه إلَى اللّه وَالرَّسول إن كنتم تؤمنونَ باللّه وَاليَوم الآخر ذَلكَ خَيرٌ وَأَحسَن تَأويلاً )), لا نجد إلحاق أُولي الأمر في التنازع. فما تفسير ذلك؟
الجواب:




يقول صاحب (الميزان في ج 4 / ص 387) :
يقول صاحب (تفسير الميزان):
((قوله تعالى: (( ياأَيّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )), لمّا فرغ من الندب إلى عبادة الله وحده لا شريك له وبثّ الإحسان بين طبقات المؤمنين، وذمّ من يعيب هذا الطريق المحمود، أو صدّ عنه صدوداً، عاد إلى أصل المقصود بلسان آخر يتفرّع عليه فروع أُخر، بها يستحكم أساس المجتمع الإسلامي وهو التحضيض والترغيب في أخذهم بالائتلاف والاتّفاق، ورفع كلّ تنازع واقع بالردّ إلى الله ورسوله.
ولا ينبغي أن يُرتاب في أنّ قوله: (( أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ )) جملة سيقت تمهيداً وتوطئة للأمر بردّ الأمر إلى الله ورسوله عند ظهور التنازع، وإن كان مضمون الجملة أساس جميع الشرائع والأحكام الإلهية.
فإن ذلك ظاهر تفريع قوله: (( فَإن تَنَازَعتم في شَيء فَردّوه إلَى اللّه وَالرَّسول ))، ثمّ العود بعد العود إلى هذا المعنى بقوله: (( أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزعُمُونَ... )) (النساء:60)، وقوله: (( وَمَا أَرسَلنَا من رَسول إلَّا ليطَاعَ بإذن اللَّه... )) (النساء:64)، وقوله: (( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤمِنُونَ حَتَّىظ° يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم )) (النساء:65).
ولا ينبغي أن يُرتاب في أنّ الله سبحانه لا يريد بإطاعته إلاّ إطاعته في ما يوحيه إلينا من طريق رسوله من المعارف والشرائع، وأمّا رسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) فله حيثيّتان:
إحداهما: حيثية التشريع بما يوحيه إليه ربّه من غير كتاب، وهو ما يبيّنه للناس من تفاصيل ما يشتمل على إجماله الكتاب وما يتعلّق ويرتبط بها، كما قال تعالى: (( وَأَنزَلنَا إلَيكَ الذّكرَ لتبَيّنَ للنَّاس مَا نزّلَ إلَيهم )) (النحل:44).
والثانية: ما يراه من صواب الرأي، وهو الذي يرتبط بولايته الحكومة والقضاء، قال تعالى: (( لتحكم بَينَ النَّاس بمَا أَرَاكَ اللَّه )) (النساء:105), وهذا هو الرأي الذي كان يحكم به على ظواهر قوانين القضاء بين الناس، وهو الذي كان(صلّى الله عليه وآله وسلّم) يحكم به في عزائم الأمور، وكان الله سبحانه أمره في اتّخاذ الرأي بالمشاورة فقال: (( وَشَاورهم في الأَمر فإذَا عَزَمتَ فتوَكَّل عَلَى اللَّه )) (آل عمران:159), فأشركهم به في المشاورة ووحّده في العزم.
إذا عرفت هذا علمت أنّ لإطاعة الرسول معنى ولإطاعة الله سبحانه معنى آخر، وإن كان إطاعة الرسول إطاعة لله بالحقيقة؛ لأنّ الله هو المشرّع لوجوب إطاعته، كما قال: (( وَمَا أَرسَلنَا من رَسول إلَّا ليطَاعَ بإذن اللَّه )) (النساء:64), فعلى الناس أن يطيعوا الرسول في ما يبيّنه بالوحي، وفيما يراه من الرأي.
وهذا المعنى - والله أعلم - هو الموجب لتكرار الأمر بالطاعة في قوله: (( أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ ))، لا ما ذكره المفسّرون: أنّ التكرار للتأكيد؛ فإنّ القصد لو كان متعلّقاً بالتأكيد كان ترك التكرار، كما لو قيل: (وأطيعوا الله والرسول)، أدلّ عليه وأقرب منه؛ فإنّه كان يفيد: أنّ إطاعة الرسول عين إطاعة الله سبحانه وأنّ الإطاعتين واحدة، وما كلّ تكرار يفيد التأكيد.
وأمّا أولوا الأمر فهم - كائنين من كانوا - لا نصيب لهم من الوحي، وإنّما شأنهم الرأي الذي يستصوبونه، فلهم افتراض الطاعة نظير ما للرسول في رأيهم وقولهم، ولذلك لمّا ذكر وجوب الردّ والتسليم عند المشاجرة لم يذكرهم، بل خصّ الله والرسول، فقال: (( فَإن تَنَازَعتم في شَيء فَردّوه إلَى اللّه وَالرَّسول إن كنتم تؤمنونَ باللّه وَاليَوم الآخر ))، وذلك أنّ المخاطبين بهذا الردّ هم المؤمنين المخاطبون بقوله في صدر الآية: (( يَا أَيّهَا الَّذينَ آمَنوا ))، والتنازع تنازعهم بلا ريب، ولا يجوز أن يفرض تنازعهم مع أُولي الأمر مع افتراض طاعتهم، بل هذا التنازع هو ما يقع بين المؤمنين أنفسهم، وليس في أمر الرأي، بل من حيث حكم الله في القضية المتنازع فيها، بقرينة الآيات التالية الذامّة لمن يرجع إلى حكم الطاغوت دون حكم الله ورسوله، وهذا الحكم يجب الرجوع فيه إلى أحكام الدين المبيّنة المقرّرة في الكتاب والسُنّة، والكتاب والسُنّة حجّتان قاطعتان في الأمر لمن يسعه فهم الحكم منهما، وقول أُولي الأمر في أنّ الكتاب والسُنّة يحكمان بكذا أيضاً حجّة قاطعة؛ فإنّ الآية تقرّر افتراض الطاعة من غير أيّ قيد أو شرط، والجميع راجع بالأخرة إلى الكتاب والسُنّة.
ومن هنا يظهر أنّ ليس لأُولي الأمر هؤلاء - كائنين من كانوا - أن يضعوا حكماً جديداً، ولا أن ينسخوا حكماً ثابتاً في الكتاب والسُنّة، وإلاّ لم يكن لوجوب إرجاع موارد التنازع إلى الكتاب والسُنّة، والردّ إلى الله والرسول معنى على ما يدلّ عليه قوله: (( وَمَا كَانَ لِمُؤمِنٍ وَلَا مُؤمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أَمرِهِم وَمَن يَعصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً )) (الأحزاب:36)، فقضاء الله هو: التشريع، وقضاء رسوله: إمّا ذلك، وإمّا الأعم، وإنّما الذي لهم أن يروا رأيهم في موارد نفوذ الولاية، وأن يكشفوا عن حكم الله ورسوله في القضايا والموضوعات العامّة.
وبالجملة لمّا لم يكن لأُولي الأمر هؤلاء خيرة في الشرائع، ولا عندهم إلاّ ما لله ورسوله من الحكم أعني الكتاب والسُنّة، لم يذكرهم الله سبحانه ثانياً عند ذكر الردّ بقوله: (( فَإن تَنَازَعتم في شَيء فَردّوه إلَى اللّه وَالرَّسول ))، فلله تعالى إطاعة واحدة، وللرسول وأُولي الأمر إطاعة واحدة، ولذلك قال: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )).
ولا ينبغي أن يُرتاب في أنّ هذه الإطاعة المأمور بها في قوله: (( أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ )) إطاعة مطلقة غير مشروطة بشرط، ولا مقيّدة بقيد، وهو الدليل على أنّ الرسول لا يأمر بشيء ولا ينهى عن شيء يخالف حكم الله في الواقعة، وإلاّ كان فرض طاعته تناقضاً منه تعالى وتقدّس، ولا يتم ذلك إلاّ بعصمة فيه (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
وهذا الكلام بعينه جارٍ في أُولي الأمر، غير أنّ وجود قوّة العصمة في الرسول، لمّا قامت عليه الحجج من جهة العقل والنقل في حدّ نفسه من غير جهة هذه الآية، دون أُولي الأمر ظاهراً، أمكن أن يتوهّم متوهّم أنّ أُولي الأمر هؤلاء لا يجب فيهم العصمة، ولا يتوقّف عليها الآية في استقامة معناها.
بيان ذلك: إنّ الذي تقرّره الآية: حكم مجعول لمصلحة الأُمّة يحفظ به مجتمع المسلمين من تسرّب الخلاف، والتشتت فيهم، وشق عصاهم، فلا يزيد على الولاية المعهودة بين الأمّم والمجتمعات، تعطي للواحد من الإنسان افتراض الطاعة ونفوذ الكلمة، وهم يعلمون أنّه ربّما يعصي، وربّما يغلط في حكمه، لكن إذا علم بمخالفته القانون في حكمه لا يطاع فيه، وينبّه في ما أخطأ، وفيما يحتمل خطأه ينفذ حكمه، وإن كان مخطئاً في الواقع، ولا يبالي بخطأه؛ فإنّ مصلحة حفظ وحدة المجتمع، والتحرّز من تشتّت الكلمة مصلحة يتدارك بها أمثال هذه الأغلاط والاشتباهات.
وهذا حال أُولي الأمر الواقع في الآية في افتراض طاعتهم؛ فرض الله طاعتهم على المؤمنين، فإن أمروا بما يخالف الكتاب والسُنّة، فلا يجوز ذلك منهم، ولا ينفذ حكمهم؛ لقول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وقد روى هذا المعنى الفريقان، وبه يقيّد إطلاق الآية.
وأمّا الخطأ والغلط، فإن علم به ردّ إلى الحق، وهو حكم الكتاب والسُنّة، وإن احتمل خطأه نفذ فيه حكمه، كما في ما علم عدم خطأه، ولا بأس بوجوب القبول وافتراض الطاعة في ما يخالف الواقع هذا النوع؛ لأنّ مصلحة حفظ الوحدة في الأُمّة وبقاء السؤدد والأبّهة تتدارك بها هذه المخالفة، ويعود إلى مثل ما تقرّر في أُصول الفقه من حجّية الطرق الظاهرية مع بقاء الأحكام الواقعية على حالها، وعند مخالفة مؤدّاها للواقع تتدارك المفسدة اللازمة بمصلحة الطريق.
وبالجملة، طاعة أُولي الأمر مفترضة وإن كانوا غير معصومين يجوز عليهم الفسق والخطأ، فإن فسقوا فلا طاعة لهم، وإن أخطأوا رُدّوا إلى الكتاب والسُنّة إن علم منهم ذلك، ونفذ حكمهم في ما لم يعلم ذلك، ولا بأس بإنفاذ ما يخالف حكم الله في الواقع دون الظاهر؛ رعاية لمصلحة الإسلام والمسلمين، وحفظاً لوحدة الكلمة.
وأنت بالتأمّل في ما قدّمناه في البيان تعرف سقوط هذه الشبهة من أصله، وذلك أنّ هذا التقريب من الممكن أن نساعده في تقييد إطلاق الآية في صورة الفسق بما ذكر من قول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وما يؤدّي هذا المعنى من الآيات القرآنية، كقوله: (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَأمُرُ بِالفَحشَاءِ )) (الأعراف:28)، وما في هذا المعنى من الآيات.
وكذا من الممكن بل الواقع أن يجعل شرعاً نظير هذه الحجّية الظاهرية المذكورة، كفرض طاعة أُمراء السرايا الذين كان ينصّبهم عليهم رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكذا الحكّام الذين كان يولّيهم على البلاد كمكّة واليمن، أو يخلّفهم بالمدينة إذا خرج إلى غزاة، وكحجّية قول المجتهد على مقلّده، وهكذا، لكنّه لا يوجب تقيّد الآية، فكون مسألة من المسائل صحيحة في نفسها أمر، وكونها مدلولاً عليها بظاهر آية قرآنية أمر آخر.
فالآية تدلّ على افتراض طاعة أُولي الأمر هؤلاء، ولم تقيّده بقيد ولا شرط، وليس في الآية القرآنية ما يقيّد الآية في مدلولها حتّى يعود معنى قوله: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم ))، إلى مثل قولنا: وأطيعوا أُولي الأمر منكم في ما لم يأمروا بمعصية أو لم تعلموا بخطأهم، فإن أمروكم بمعصية فلا طاعة عليكم، وإن علمتم خطأهم فقوّموهم بالردّ إلى الكتاب والسُنّة، فما هذا معنى قوله: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )).
مع أنّ الله سبحانه أبان ما هو أوضح من هذا القيّد في ما هو دون هذه الطاعة المفترضة، كقوله في الوالدين: (( وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ حُسنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلَا تُطِعهُمَا... )) (العنكبوت:8)، فما باله لم يظهر شيئاً من هذه القيود في آية تشتمل على أسّ أساس الدين، وإليها تنتهي عامّة أعراق السعادة الإنسانية.
على أنّ الآية جمع فيها بين الرسول وأُولي الأمر، وذكرها لهما معاً طاعة واحدة فقال: (( وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )), ولا يجوز على الرسول أن يأمر بمعصية أو يغلط في حكم، فلو جاز شيء من ذلك على أُولي الأمر لم يسع إلاّ أن يذكر القيد الوارد عليهم، فلا مناص من أخذ الآية مطلقة من غير أيّ تقييد، ولازمه اعتبار العصمة في جانب أُولي الأمر، كما اعتبر في جانب رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من غير فرق ))(1).
ثمّ يقول في تقرير اشكال من بعضهم وجوابه: (( إنّ القائلين بالإمام المعصوم يقولون: إنّ فائدة اتّباعه إنقاذ الأُمّة من ظلمة الخلاف، وضرر التنازع والتفرّق، وظاهر الآية يبيّن حكم التنازع مع وجود أُولي الأمر، وطاعة الأُمّة لهم كأن يختلف أولو الأمر في حكم بعض النوازل والوقائع، والخلاف والتنازع مع وجود الإمام المعصوم غير جائز عند القائلين به؛ لأنّه عندهم مثل الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فلا يكون لهذه الزيادة فائدة على رأيهم.
وفيه: أنّ جوابه ظاهر ممّا تقدّم أيضاً؛ فإنّ التنازع المذكور في الآية إنّما هو تنازع المؤمنين في أحكام الكتاب والسُنّة دون أحكام الولاية الصادرة عن الإمام في الوقائع والحوادث، وقد تقدّم أن لا حكم إلاّ لله ورسوله، فإن تمكّن المتنازعون من فهم الحكم من الكتاب والسُنّة كان لهم أن يستنبطوه منهما، أو يسألوا الإمام عنه، وهو معصوم في فهمه، وإن لم يتمكّنوا من ذلك كان عليهم أن يسألوا عنه الإمام، وذلك نظير ما كان لمن يعاصر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، كانوا يتفقّهون في ما يتمكنون منه أو يسألون عنه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويسألونه في ما لا يتمكّنون من فهمه بالاستنباط.
فحكم أُولي الأمر في الطاعة حكم الرسول على ما يدلّ عليه الآية، وحكم التنازع هو الذي ذكره في الآية سواء في ذلك حضور الرسول، كما يدلّ عليه الآيات التالية، وغيبته كما يدلّ عليه الأمر في الآية بإطلاقه؛ فالردّ إلى الله والرسول المذكور في الآية مختصّ بصورة تنازع المؤمنين كما يدلّ عليه قوله: (( تَنَازَعتم ))، ولم يقل: فإن تنازع أولو الأمر، ولا قال: فإن تنازعوا، والردّ إلى الله والرسول عند حضور الرسول هو سؤال الرسول عن حكم المسألة أو استنباطه من الكتاب والسُنّة للمتمكّن منه، وعند غيبته أن يسأل الإمام عنه أو الاستنباط، كما تقدّم بيانه، فلا يكون قوله: (( فَإن تَنَازَعتم في شَيء... )) (الخ) زائداً من الكلام مستغنى عنه كما ادّعاه المستشكل.
فقد تبيّن من جميع ما تقدّم: أنّ المراد بأُولي الأمر في الآية رجال من الأُمّة حكم الواحد منهم في العصمة وافتراض الطاعة حكم الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وهذا مع ذلك لا ينافي عموم مفهوم لفظ أُولي الأمر بحسب اللغة، وإرادته من اللفظ؛ فإن قصد مفهوم من المفاهيم اللفظ شيء وإرادة المصداق الذي ينطبق عليه المفهوم شيء آخر، وذلك كما أنّ مفهوم الرسول معنى عامّ كلّي، وهو المراد من اللفظ في الآية لكن المصداق المقصود هو الرسول محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم).
قوله تعالى: (( فإن تَنَازَعتم في شَيء فردّوه إلَى اللَّه وَالرَّسول )), إلى آخر الآية، تفريع على الحصر المستفاد من المورد؛ فإنّ قوله: (( أَطِيعُوا اللَّهَ... )) حيث أوجب طاعة الله ورسوله، وهذه الطاعة إنّما هي في المواد الدينية التي تتكفّل رفع كلّ اختلاف مفروض، وكلّ حاجة ممكنة لم يبق مورد تمسّ الحاجة الرجوع إلى غير الله ورسوله، وكان معنى الكلام: أطيعوا الله، ولا تطيعوا الطاغوت، وهو ما ذكرناه من الحصر.
وتوجّه الخطاب إلى المؤمنين كاشف عن أنّ المراد بالتنازع هو تنازعهم بينهم، لا تنازع مفروض بينهم وبين أُولي الأمر، ولا تنازع مفروض بين أُولي الأمر؛ فإنّ الأوّل - أعني: التنازع بينهم وبين أُولي الأمر - لا يلائم افتراض طاعة أُولي الأمر عليهم, وكذا الثاني - أعني: بين أُولي الأمر - فإنّ افتراض الطاعة لا يلائم التنازع الذي أحد طرفيه على الباطل، على أنّه لا يناسب كون الخطاب متوجهاً إلى المؤمنين في قوله: (( فإن تَنَازَعتم في شَيء فردّوه )).
ولفظ (الشيء) وإن كان يعمّ كلّ حكم وأمر من الله ورسوله وأُولي الأمر كائناً ما كان، لكنّ قوله بعد ذلك: (( فردّوه إلَى اللَّه وَالرَّسول )) يدلّ على أنّ المفروض هو النزاع في شيء ليس لأُولي الأمر الاستقلال والأستبداد فيه من أوامرهم في دائرة ولايتهم، كأمرهم بنفر أو حرب أو صلح أو غير ذلك؛ إذ لا معنى لإيجاب الردّ إلى الله والرسول في هذه الموارد مع فرض طاعتهم فيها.
فالآية تدلّ على وجوب الردّ في نفس الأحكام الدينية التي ليس لأحد أن يحكم فيها بإنفاذ أو نسخ إلاّ الله ورسوله، والآية كالصريح في أنّه ليس لأحد أن يتصرّف في حكم ديني شرعه الله ورسوله، وأولوا الأمر ومن دونهم في ذلك سواء ))(2).








(1) الميزان في تفسير القرآن 4: 387 - 391.
(2) الميزان في تفسير القرآن 4: 400 - 402.












عرض البوم صور الشيخ عباس محمد   رد مع اقتباس
إضافة رد


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شبهات وردود واسئلة واجوبة في اية التطهير الشيخ عباس محمد منتدى رد الشبهات 0 11-02-2017 04:07 PM
شبهات وردود واسئلة واجوبة في اية المودة الشيخ عباس محمد منتدى رد الشبهات 0 11-02-2017 04:07 PM
شبهات وردود واسئلة واجوبة في اية المباهلة الشيخ عباس محمد منتدى رد الشبهات 0 11-02-2017 04:03 PM
شبهات وردود محـب الحسين منتدى رد الشبهات 4 02-03-2012 10:47 AM
سلسله فقهيات،مناقب،شبهات وردود محـب الحسين منتدى رد الشبهات 5 27-02-2009 02:18 PM


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين