هذا الكلام هو من أجل تعريفنا بأصل عام ، فالإمام علي عليه السلام يقول : إن السائل من أهل المسكنة والحاجة إذا جاءكم ، فهو رسول الله إليكم ، وان الله أرسله ، غاية الأمر إن الإنسان العادي الذي ليس لديه رؤية توحيدية ، والمحروم والغافل عن الشهود الافعالية للتوحيد ، يظن ان السائل جاء لطلب شيء لكي يرفع حاجته المادية ، غافلاً عن أن هذا السائل جاء من مكان بعيد ، ومعه رسالة الله ، والله تعالى أعطاه مأمورية ، في أن يطلب شيئاً منكم أنتم المتمكنين ، ويأخذ حقهُ المسلم ، ولم يأت حتى تعطوه شيئاً من حقكم .
قال تعالى :
( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) .
للشخص الذي لديه قدرة السؤال ، أو ليس لديه قدرة السؤال ، حق معلوم ومسلم ، وحقه المسلم موجود في مال المستطيعين ، وإذا لم يعط شخص هذا الحق يعيش عيشة غاصبة ( وفي أموالهم حق ) ، هذا الموضوع طرح في قسمين من الآيات ، حيث جاء في أحد الأقسام ( وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ) وجاء في القسم الآخر :
( في أموالهم حق معلوم ) .
من ناحية أخرى قال تعالى لصاحب الحق بأن يذهب ويقول عن الله بأن يعطوه حقه .
لذا على أساس ما جاء في ذلك الحديث ، ان الشخص السائل يعد رسول الله . ويجب ان يتعامل الإنسان مع السائلين بهذه الرؤية التوحيدية ، ويسعى لأن يكون الشيء الذي يعطيه للسائل من أطهر أمواله .
( انفقوا من طيبات ما كسبتم ) .
ويسعى أيضاً أن يعطي ذلك المال باخلاص واحترام ، وليس بالمن والأذى .
( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) .
يعطي بدون من وأذى ، وكذلك بأدب واحترام ، ويكون شاكراً لله لتأديته الحق الإلهي ، ويكون شاكراً لأن جاءه رسول الله ، لذا أمر الأئمة عليهم السلام بإعانة المسكين ، وقاموا أيضاً بهذا العمل ، لذا ورد في الروايات أن الأئمة المعصومين عليهم السلام كانوا يضعون أحياناً أيديهم فوق رؤوسهم بعد إعطاه مال إلى مسكين ، ويمسحون عيونهم بأيديهم أحياناً ، يقبلون أيديهم أحياناً ، ويشمونها أحياناً ويقولون : إن أيديهم هذه لاقت محمد يد رسول الله .
إن الملائكة ليست فقط وحدها « مدبرات أمر » بل الناس أيضاً يقولون الخلافة الإلهية في كل مكان ، غاية الأمر إن الإنسان الأكمل له خلافة ، والإنسان المتوسط نصيبه خلافة وسطى ، والإنسان النازل حصته مرحلة خلافة نازلة .
بناء على هذا فإن الإنسان ما دام يسير في مسير الفضيلة والحق فهو خليفة الله ، وعندما يسير في مسير الضلالة فهو تحت ولاية الشيطان .
( كتب عليه أنه من تولاه فانه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ) ورغم ان الشيطان نفسه هو تحت ولاية الاسم المضل للحق ، ولكن الناس الفاسقين هم تحت ولاية الشيطان ، حيث يذكرهم الله سبحانه بعنوان ( مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير ) أو بعنوان ( اتخذوا ...بشياطين أولياء ) وأمثال ذلك ، وبهذا المعنى يبين أيضاً أن مسألة الخلافة في كل الأقسام الثلاثة العالي والمتوسط والداني منزهة عن الذكورة والأنوثة .
النساء وبلوغ مقام الخلافة الإلهية
سؤال يطرح في هذا المجال ، وهو أنه إذا كان الإنسان هو خليفة ومقام الإنسانية هذا منزه عن الذكورة والأنوثة فلماذا بلغ رجال كثيرون هذا المقام ، ولكن من بين النساء هناك فقط أربع نساء بلغن هذا المقام ؟ جواب هذا السؤال هو :
أولاً : هناك كثيرون من النساء اللواتي لم تسجل فضائلهن في التاريخ .
وثانياً : إن هذه النساء الاربع لا تدل على الحصر .
ثالثاً : إذا كان لدى المجتمع نضج أكثر فانه يسعى لوضع إمكانات الرقي والسعادة تحت تصرف كلا الصنفين ، وإذا كان المجتمع متأخراً ، فيجب عدم كتابة هذا ( التحجر الفكري للمجتمع ) على الدين ؛ لأن الدين فتح الطريق لكلا الصنفين ، ولم يشترط الذكورة لأي كمال ، يمنعه بالأنوثة ، والاشتراط بالذكورة والأنوثة يتعلق بالأعمال التنفيذية ، والاسئلة المتعلقة بالأقسام التنفيذية ستطرح في البحوث الفقهية ، كما سيطرح كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة ، وتبين إن شاء الله الأجوبة المناسبة لهذا القسم من الأسئلة في فصل ( البحث الفقهي ) .
ولكن حيث نحن الآن في بحث عرفاني مرتبط بـ ( بحث قرآني ) فالمطروح هو مسألة الخلافة وسائر الكمالات الإنسانية ، وأن ليس في أي منها دور للمرأة والرجل .
الذكورة والأنوثة في المعاد :
المسألة الأخرى هي ان القرآن كما بدأ الكلام في محور الخلافة في بدء حدوث الإنسان ، والخلافة ليس فيها امرأة ورجل ، في نهاية الحدوث ، وفي نهاية العالم أيضاً ، حين يطرح مسألة المعاد ، ومسألة مواقف القيامة ، ومسألة البرزخ والحشر ، ومسألة السؤال والجواب والكتاب ووزن الأعمال ، والعبور على الصراط والكوثر وأمثالها لا يفرق أبداً بين المرأة والرجل ، وفي جميع هذه المسائل تستوي المرأة والرجل .
وقد ورد في بعض رواياتنا أن أهل الجنة يقولون :
« يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة عليها السلام بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم » .
غضوا أبصاركم ، لا من أجل أنكم من غير المحارم ، فلا يسمح لكم حين عبور فاطمة عليها السلام برويتها ، الكلام هناك ليس عن التكليف ، أو عن الحرمة والحلية أو الجواز وعدم الجواز ، بل إن هذا هو أمر تكويني ، أي ان هذه المرأة حين تعبر وهي بتلك العظمة فان أهل المحشرلا يستطيعون رؤيتها ، لذا يقال : « يا أهل المحشر غضوا أبصاركم » ، لأن فاطمة الزهراء عليها السلام تريد العبور .
ثم جاء في الرواية ان على رأس فاطمة عباءة تصل إلى أيادي جميع أهل المحشر ويستطيعون الأستفادة من خيوط هذه العباءة العظيمة ، وهذا ليس بمعنى أن العباءة نسجت بخيوط صوف أو قطن وأمثال ذلك ، وتضعها الزهراء عليها السلام على رأسها وتمر بمثل هذا الثوب العريض ، بل إن غطاء الرحمة واسع ومقام الولاية الشامخ واسع . هؤلاء مظهر ( ورحمتي وسعت كل شيء ) ووسعة تلك الرحمة تصل إلى أيدي الجميع ، وإلا فان هذه العباءة ليست من صوف أو قطن أو امثال ذلك ، رغم أنهم تكلموا بلساننا وتكلموا معنا بهذا الكلام ، لكن المقصود من ذلك هو غطاء الرحمة الذي يكون بوسعة جميع أهل المحشر .
بناء على هذا ، هناك نساء كثيرات وصلن إلى هذا المقام وكانت هناك نماذج بارزة بينهن أيضاً .