إطلالة على "زبور آل محمد(ص)" في ذكرى مولد الإمام زين العابدين (ع)
أهل البيت-الكوثر: ان رسالة الدعاء التي اضطلع بها الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، لا تقل اهمية عن رسالة الدم التي اضطلع بها والده سيد الشهداء الامام الحسين السبط عليه السلام، اذ لولا تحمل السجاد عليه السلام لرسالة الدعاء لنجح الحكم الاموي في طمس معالم النهضة الحسينية، ولمحى اي اثر لها في المجتمع الاسلامي بل والانساني بشكل عام، ولما بقي من الاسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه.
لقد تميز الامام السجاد (ع) بسفر ليس له مثيل، الا وهو "الصحيفة السجادية" التي تعرف بـ"زبور آل محمد (صلى الله عليه وآله)" والتي هي عبارة عن المجموعة الكاملة للادعية العظيمة التي دعا فيها الامام زين العابدين ربه عز وجل، والتي سعى من خلالها الى اعادة صياغة الشخصية (الاسلامية) التي دمرتها سلوكيات الحكام وحاشيتهم وفتاوى المفترين على رسول الله (ص).
الصحيفة السجادية كتاب يشمتل على 54 دعاء ومناجاة للإمام السجاد (ع) رابع أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ويحظى بمكانة عظيمة عند اتباع آل البيت (ع)، ويأتي بالمرتبة الثلاثة بعد القرآن الكريم ونهج البلاغة، ويُعرف باسم "زبور آل محمد (صلى الله عليه وآله)".
لقد بيّن الإمام السجاد في طيات أدعيته كثيراً من المعارف، منها: معرفة الله، ومعرفة الكون، ومعرفة الإنسان، وعالم الغيب، والملائكة، ورسالة الأنبياء، ومكانة الأنبياء وأهل البيت (ع)، والإمامة، والفضائل الأخلاقية، والأمور الاجتماعية والاقتصادية، وإشارات تأريخية، ونعم الله، وآداب الدعاء، وتلاوة القرآن الكريم، والصلاة، وغيرها من المعارف الدينية والاجتماعية والاخلاقية.
وقد تُرجمت الصحيفة السجادية للغات عدة، منها الفارسية، والإنجليزية والفرنسية، والتركية، والإسبانية، والأردو وغيرها من اللغات.
سند الصحيفة السجادية:
يأتي سند الصحيفة السجادية عن المتوكل بن هارون البلخي، وهو من أصحاب ورواة الإمام جعفر الصادق (ع) ، حيث استلم نسخة من الصحيفة السجادية لدى اجتماعه بيحيى بن زيد الشهيد (رضوان الله عليهما) ثم قابلها مع نسخة للإمام محمد الباقر (عليه السلام)، وذلك عند لقائه بالإمام، فروى نص الصحيفة، ومن ثم ابنه عمر او عمير علّمها للرواة من بعده.
نسخة قديمة للصحيفة السجادية بخط الشيخ عبد الصمد الحارثي البجعي جد الشيخ البهائي (رضوان الله عليه)
بلغت "الصحيفة السجادية" حد التواتر من حيث السند، يقول الشيخ أغا بزرك الطهراني (رض): هي الصحيفة الاولى التي يرجع سندها إلى الامام زين العابدين (ع)... والتي خصها الأصحاب بالذكر في إجازاتهم واهتموا بروايتها منذ القديم، وتوارث ذلك الخلف عن السلف وطبقة عن طبقة، وتنتهي روايتها الى الإمام الباقر وزيد الشهيد إبني الإمام زين العابدين.
والجدير بالذكر ، ان السيد المرعشي النجفي أرسل نسخة من "الصحيفة السجادية" مع رسالة إلى العلامة (الشيخ الطنطاوي) وفاة 1358 هـ) صاحب التفسير المعروف، فكتب في جواب رسالته: (ومن الشقاوة إنّا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيّم الخالد في مواريث النبوة، وأهل البيت، وإنّي كلّما تأملتها رأيتها فوق كلام المخلوق، ودون كلام الخالق.
صورة أخري عن النسخة القديمة للصحيفة السجادية بخط البجعي جد الشيخ البهائي .
لقد ركز الإمام علي السجاد (ع) على (الصلاة على محمد وآل محمد) إذ ما من دعاء الا وورد فيه تلك الصلاة المباركة.
ففي الوقت الذي كان الحاكم الأموي يستقبح تسمية الأبناء باسم علي (ع) ويهدد من يقوم بذلك ويتوعدهم بأشد العذاب، وفي الوقت الذي يرى الامويون أن دعامة حكمهم لا تقوم إلا بسبّ أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) والنيل منه، تظهر لنا في تلك الأجواء القاتمة قيمة وعظمة التأكيد على تلك الصلاة ونشر مفهوم (محمد وآله الطيبين الطاهرين الأخيار الأنجبين) في المجتمع الاسلامي.
إن تأكيد الامام السجاد (ع) على الآصرة القوية بين النبي محمد (ص) وآله (ع) نابعة من أمر الله تعالى بالصلوات على رسوله (صلّوا عليه وسلموا تسليما)، ومن هنا نرى زين العابدين (ع) يروي عن أبيه عن جده، أنه قال: (إن الله فرض على العالم الصلاة على رسول الله (ص) وقرننا به، فمن صلى على رسول الله (ص) ولم يصل علينا لقي الله تعالى وقد بتر الصلاة عليه وترك أوامره.
سلام الله عليك يا زين العابدين، يا علي بن الحسين، يابن رسول الله، يا حجة الله على خلقة، يا سيدنا ومولانا إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك الى الله وقدمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيها عند الله اشفع لنا عند الله... اللهم آمين.