العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الاسلامي > المنتدى الاسلامي العام > قسم القرآن الكريم
روابط مفيدة مشاركات اليوم البحث


تفسير سورة الفاتحة للعلامة الباحث المحقق الشيخ الحجاري الرميثي من العراق

قسم القرآن الكريم


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 23-10-2010, 09:52 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

الشيخ الحجاري الرميثي


الملف الشخصي









الشيخ الحجاري الرميثي غير متواجد حالياً


تفسير سورة الفاتحة للعلامة الباحث المحقق الشيخ الحجاري الرميثي من العراق



وَاعلَم يا ابنَ, ما عِلمِي وَعلْمُكَ فِي سِّـرِ هذا
القُرآن مِن عِلْمِ اللهِ إلاَّ ما أخَذَ هذا العُصفُورُ
مِن هذا البَحرِ قَطْرَة بِمِنقارِه,,

والحَمدُ لِلهِ الذِي عَلَّمَني حَرفاً وَكُنتُ لا أملِكُ
قَبلَه, فَأنزَلَهُ بِقلَمِي مُبارَكاً لأتَصَدى بـهِ فِي
تَفسِير هـذا القـُرآن,,


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(فَوَجَدَا عَبْـداً مِـنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِـنْ
عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً)(الكهف65)
سُورَة الفاتحَة الجـِزء الأوَل مِن القرآن
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَـوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَـعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)



سُورَة الفاتِحَة مَكِيَة: ويُقال نصفُها نزَلَ بمَكَةَ وَنصفُها نَزَل بالمَدِينَة,, وَلَها ثلاثةَ

أسْماءٍ, فاتِحَة الكِتاب, وَأمُ القرآن, والسَبْعُ المَثانِي,,

ولِكَونِها سُمِيَّت فاتِحَة الكِتاب: لأنَ اللهَ بها افتَتَحَ القُرآن, وَسُمِيَّت أم القُرآن لأنَها

أصْلُ القرآن مِنْها بَدَئَ وَبِها خُتِمَ, وَسُمِيَّت سَبْعُ المَثانِي لأنَها سَبْعُ آياتٍ تـُثَنى فِي

كُلِّ صَلاةٍ فتـُقرَأ وجُوباً في كُلِّ رُكْعَةٍ تَدعُو لِتَوحِيدِ اللهِ وَالثاء عَليهِ,,

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)(1) تَفسِيرُ: مِنْ هُنا قَد اختَلفَ المُفَسِرُونَ فِي البَسْمَلَةِ

عَلى أنها آيَةٌ برَأسِها أمْ بما بَعدَها,,

وَنقول/ إنَها آيَةٌ مِنَ الفاتِحَة وَمِنْ كُلِّ سُُورَةٍ مِنَ القُرآن الكَريم, وَلِذلِكَ وُجِبَ على

كُلِّ مُسْلِمٍ مُوَحِدٍ إظهار اسْم الله بالابتِداءِ, لأنَّ الأهَـمَ مِـنَ الفِعـْل والمُتَعلِق بـهِ هُـوَ

اسْمُ الله المُتَعَلِق بـهِ,, أي جُعِلَ فِعلُ السُورِةَ مَفعُولَةً باسْمِ اللهِ, كَما هُـوَ الحالُ في

عَصرِ الجاهلِيَةِ كانُوا يَبْدَءُونَ بأسْماءِ آلِهَتِهم فيَفتَتِحُونَ أدعِيَّتهُم ومَطالِبَهُم

باسْم الَّلاتِ, أو العزى, أو مَناة,,

لأنَ اسْمَ اللـَّهُ هُـوَ عَلامَةٌ لِمَنْ وُضِعَ لَـهُ فَسُمِيَّ البَسْمَلَة, وَهِيَّ مِـنْ الخصُوصِياتِ

المَفرُوضَةِ تـُقرَأ وتُكْتَب قَبْلَ كُلِّ شَيءٍ: والدَلِيلُ على ذلِك لَّما جاءَ سُهَيل ابن عَمر

رَسُول الله وَأرادَ مَعهُ صُلِح الحُدَيبِيَة كانَ يَكْتِب العَهْد(باسْمِكَ اللَّهُمَ) فَوافَقَهُ النَبيِّ

إلى أنْ أنـْزَلَ اللهُ على لِسانِ نـُوحٍ (وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا)

(هود:41) فأمَرَ النَبيِّ المُسلِمِينَ بكِتابَةِ بسْمِ اللهِ حَتى نزَلَ عَليهِ ثانِيَة (قـُلِ ادْعُوا

اللـَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ)(الاسراء:110) فأمـَرَ النَبيُّ المُسلِمِينَ بكِتابَـةِ ( بسْمِ اللهِ

الرَحمن) ثمَ تأمَلَ الرَسُول الأكْرَم الكَلِمَة الأخِيرَة إلى أنْ نزَلتْ آيَة النَمْل فأمَرَ اللهُ

النَبيّ بكِتابَةِ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فَصارَ لَديْنا مِـنَ الأسْماءِ المَذكُورَةِ ثَلاثَة

(اللهُ, الرَحمنُ, الرَحِيمُ) لأنَ كُلَّ واحِدٌ مِنْ أسْماءِ الجَلالَةِ لَـهُ مَسْألَةٌ شَريفَةٌ عالِيَة

فاسْمُ الله لا يَحصَل إلا إذا كانَ مَسْبُوقاً بالرَحمَةِ بالمُسَّمى وَهُوَ الدَلِيلُ على ثبُوتِها

لأنَ اللهَ جَـلَّ ثناؤَهُ وَتَقدَسَت أسْماؤَهُ هُـوَ الاسْـمُ الأعظََم الذِي حَـوِّيَ الأسْماءَ كُلَّها

على أسْمائِهِ الحُسْنى, وَهُـوَ اسْمُ عَلَـم على ذاتِ الرَبِّ تَبارَكَ وَتَعالى, فلا يَتَصِفُ

بـهِ إلا الأزَل, لِيُعرَفَ بـهِ وَهُـوَ اسْـمٌ مُشتَقٌ مِـنَ الوَلـَه لأنَـهُ يَألَـَهَ إليـهِ العِباد فـي

أمُورِهِم الدِينِيَةِ والمُعايَشَةِ الحَياتِيَةِ اليَوْمِيَة,,

وَقِيلَ: بَيْنَ الألِف وَاللام: ما وَرَدَ عَـنْ اسْـمِ اللهِ حَـرفٌ مُكَنى غيْـبٌ مِن غيْـبٍ إلى

غيْـبٍ, وَسِـر مِن سِـرِّ إلى سِـرِّ, وحَقِيقِةٌ مِـنْ حَقيقِةٍ إلى حَقِيقَةٍ, لا يَنال فِهْمهُ إلاَّ

الطاهِر مِـنَ الأدناسِ,, وَعَـن ابنِ عَباس قالَ: مَـن تـَرَكَ البَسْمَلة فقَـد تَـرَكَ مائَـةَ

وأرْبَعَ عَشرَةَ آيَةً مِنْ كِتابِ اللهِ تَعالى,,

كَما أنَهُ يَرى ابنُ تَيْمِيَة السَلفِي أنَ جَمِيعَ ما وَرَدَ في آياتِ الصفاتِ أنْ تـُفهَمَ على

ظاهِرِها وما يُؤدِيَهُ اللَّفظ مِنْ مَعنى بَلا تأوِّيلٍ,,

وَعلى هـذا صَرَحَ ابنُ تَيمِيَة: بأنَ اللـَّهَ تَعالى في جِهَـةٍ واحِـدَةٍ هِـيَّ جِهَـةُ السَماءِ

العُلْيا مُسْتَوِّياً على العَـرشِ, وَقـد امْتَـلأ بـهِ العَـرش فما يَفضَل مِنـهُ أربَعَةَ أصابِعٍ

وإنَهُ تَعالى يَنزِل إلى السَماءِ الدُنيا ثمَ يَعُود إلى عَرشِهِ، وإنَ لهُ أعضاءٌ وَجَوارحٌ

مِـنْ أعيُـنٍ وأيْـدِي وأرْجُلٍ وَغايَةٌ ما فِي الأمْرِ أنَها لا تَشبَه جَوارح البَشَر وَسائِر

المَخلُوقاتِ: كُتِبَ هذا التَعلِقُ المَزعُوم فـي كِـتابِ الحمُويَة الكُبْـرى صَفحَة (15)

التَفسِيرُ الكَبير 2: 249 -250 مِنهاجُ السُنة 1: 250ــ 260 ــ261)

ثمَ افتَرى ابـنُ تَيمِيَة بالكَذِبِ وَقالَ: إنَ اللهَ تَعالى يَجلِسُ على الكُرسِيِّ وَقـد أخْلى

مَكاناً يَقعدُ مَعَـهُ فِيـهِ مُحمَد رَسُول اللـَّهِ عِنـدَ لَيلَةِ المِعراج, ونَقـلَ كَلامَـهُ يُوسُـف

النبَهانِي في شَواهِدِ الحَقِّ 130 عَن كِتابِ النَهر لأبي حَيان، ونقلَهُ أيْضاً صاحِب

كَشْف الظُنُون في كِتابِهِ (كَشْف الظُنُون 2: 1438) وَلكِـن في الطَبعَةِ قـد حُـذِفَ

كَلام ابنُ تَيمِِيَة مِن كِتابِ النَهر المَطبُوع، كَما حُذِفَ غيرَهُ مـِنَ الكَلامِ الذِي تَناوَلَ

فيهِ عقائِدِ هـذا السَلفي المُلَقب بالوَهابِيَة,,

وَكذلِكَ: لَـهُ خِطبَةٌ في تَجسِيم اللـَّه لكِنَهُ لَمْ يَذكِـر التَجسِيم في كُتـُبِهِ, والدَلِيلُ على

ما نقـَلَ كَلامَهُ ابن بَطُوطَة, وَابن حَجَر العُسْقلانِي عَنهُ أنـهُ قالَ وَهُـوَ عَلى المِنبَـر

(إن اللهَ يَنزِلُ إلى سَماءِ الدُنيا كَنزُولِي هذا مِنَ المَنبَرِ) هذا الكَلامُ مُوَثقٌ في كِتابِ

رحلَةِ ابن بَطُوطَة 95 الدُرَر الكامِنَة 1: 154)

وَأقول وَأنـَوِّه: هـذا هُـوَ ابـنُ تَيمِيَة الذِي يَزْعَـم أنـهُ هُـوَ المُوَحَدُ المُؤمِـنُ الوَحِيد

وغيرَهُ مِن المُسْلِمِينَ كُفارٌ مُشْركُونَ،,

أليسَ هُوَ هذا الرَجِلُ الذِي يَعتَقِد: أنَ اللـَّهَ جالسٌ على العَرشِ حِقِيقَة على كُرسِيِّ

وَأنَ لهُ يَداً وَرُجُلاً وَساقاً وَجَنباً وَوَجْهاً فِيهِ سَمْعاً وَِنَظراً وَفَماً وَلِساناً وَنفساً وأنَهُ

إذا تَكَلَمَ يَتكَلَمُ بحَرفٍ وَصَوتٍ, فَتَباً لدِينَكَ يَبْـنُ تَيْميَة ومِـنْ اتبَعكَ إلى يَومِ الدِين,,

وَأبَيِّـنُ: إلى جَمِيعِ المُفسِرينَ والمُحَقِقِين سَلَفاً كانُوا أمْ سُنَةً وَشِيعَة أنَ مَـنْ يَنكُر

ضِرُورَة التأوِّيـل لآياتِ الصافاتِ فـي أمْـثالِ هـذهِ الألـفاظِ المَزعُومَةِ شَـواذاً فقـد

ارتَكَبَ جَهْلاً وَخَطأ ًكَبيراً على اللهِ, وإليكُم هذا التَفسِيرُ البَليغُ وَكَما يَلي نَقول,,

تأوِّيلُ البَسْمَلة: الباءُ في بسْمِ اللـَّهِ هُـوَ حَـرفُ التَضْمِين وَبِـهِ وُجِـدَت المَخلُوقاتِ

وعُرفَت مَنْ اعتَرَفَ بِها مِنْ عَيْنٍ وَأثـَرٍ لِلهِ تَبارَكَ وَتَعالى,,

أما فَضلُ البَسْمَلة: إنَها فاتِحَةُ الكِتاب, لأنَ القرآنَ الكَريم مَجمُوعٌ في آيَةِ الفاتِحَةِ

فسُمِيَّت سُورَة الفاتِحَة لِبَسْمَلَتِها لأنَ مَعانِي سُورة الفاتِحَة مََجمُوعَةٌ في البَسْمَلة

ومَعانِي البَسْملَة مَجمُوعَةٌ فـي بائِـها, وَمَعانِي الـباء فـي نقطَتِها, وجَمِيعُ ما فِـي

البَسْمَلة في باءِ البَسْمَلة, وَجمِيعُ ما في باءِ البَسْملةِ في النقطـَةِ التي تَحتَ الباءِ

ومِن هذا قالَ الإمامُ عَليِّ عَليهِ السَلام خاطِباً بالناسِ: أنـا النقطَةُ التِي تَحتَ الباءِ

يَعنِي بِها: أنا المُكْشِفُ لَكُم عَنْ سِرِّ عِلُومِ هذا القرآن وإنْ كُنتـُم لا تَعلَمُون,,

والباءُ بَهاءُ اللـَّه الذِي أنزَلَـهُ بأوْلِيائِـهِ الذِيـنَ عَرَفوا قَـدرَه, والسِينُ سَناؤهُ الذِي

جَعلَ مِنهُ سِـرَهُ معَ أصْفِيائِهِ, والمِيمُ مِنَتَهُ على أهْلِ وَلايَتِهِ مِـنْ أنبيائِهِ وَأوْصِيائِهِ

وَعَلِمُوا أنهُم ببِّرهِ عَرَفُوا شَيْئاً مِن سِرِّه, وَبمِنَتِهِ قـد تَوافَقوا بحِفظِ أمْرهِ, ثمَ جَعَلَ

اللهُ تَبارَكَ وتَعالى مِنَ الباءِ مِفتاح أسْمُهُ البَصِيرُ: وهُوَ الذِي يُشاهِدُ الأشْياءَ كلَّها

ظاهرَها وخافيَها بِغيـْرِ جارحَةٍ, والبَصرُ في حَقِهِ عبارةٌ عَـن الصِّفةِ التي يَنكَشِفُ

بها نُعُوت المُبْصَرَاتِ,,

وَجَعلَ اللهُ مِـنَ السِينِ سَناؤهُ, والسَّناءُ ارتفاعُ المَنْـزلةَ والقَدْرُ عنـدهُ, يَقال سَـنِي

يَسْنَي سَـناَءً: أي ارتَفعَ: أو هُـوَ السَمِيعُ الذِي لا يَعـزُبُ عَـن إدْراكِهِ مَسْمُوعٌ وإن

خَفيَّ فهُوَ يَسْمَعُ بغيرِ جارِحةٍ وَفَعِيلٌ مِن أبنيَةِ المُبالغةِ, ولِغايَتِهِ أن يُقال سَمِعَ اللهُ

لِمَن حَمدَهُ: أي أجابَ مَن حَمدَهُ وتَقبَّلهُ, لأنَّ غَـرَضَ السائِلُ الإجابَةُ والقَبُولُ,,

وجَعلَ اللهُ مِنَ المِيم: مِلْكَهُ الذِي يَتصَرَفُ فِيهِ مِنَ الجَزاءِ والحِسابِ على الأعمالِ

بالأمْرِ والنَهِي في الدُنيا والآخِرةِ,,

والألفُ مِـنَ الرَحمن مِفتاح اسْـمُهُ الله،, واللامُ مِنـهُ مِفتاحُ اسمُهُ لَطِيف، والـرَاءُ

مِفتاحُ اسمُهُ رَازق، والحاءُ مِفتاحُ اسمُهُ حَلِيم, والمِيمُ مِفتاح أسمُهُ مَلِك, والنُونُ

مِفتاح اسمُهُ نور, فَجَعُلنَ مِنْ أسمائِهِ الرَحمنُ الرَحيمُ, واللامُ مِنهُما مِفتاحُ اسمُهُ

لَطِيف, واللَطِيفُ هُـوَ الذي اجْتَمعَ لـهُ الرِّفـق في الفِعْـلِ والعِلْـمُ, كَما يُقال: لطِيـفٌ

بِعبادِهِ, والراءُ مِـن رَحمن مِـفتاحُ اسمُهُ رازقٌ: والرَّزاق هُـوَ الذِي خَلَقَ الأرْزَاقَ

وأعْطَى الخَلائِقَ أرْزَاقَها وأوْصَلها إليهِم دُونَ حِساب: والأرْزَاقُ نَزعان: ظاهِرَةٌ

لِلأبْدانِ كالأقواتِ وباطِنَةٌ لِلقُلوبِ والنُّفوسِ كالمَعارفِ والعُلُومِ,,

والحاءُ مِـن رَحمن مِـفتاحُ اسْمُهُ حَلِيـم: والحَلِيمُ هُـوَ الذِي لا يَسْتَخِفَّهُ شَـيءٌ مِـن

عِصْيانِ العِبادِ، ولا يَستفِزُّهُ الغَضَّب عَليهِم، ولِكَونَهُ حَلِيمٌ جَعَـلَ لِكُلِّ شَيءٍ مِقدار

اً فهُوَ مُنْتَهٍ إليهِ بسْلطانِه,,

والِميمُ مِن رَحمن مِفتاح أسمُهُ مَلِك: والْمَلِكُ هُـوَ اللـَّهُ الذِي لا إلـهَ إلا هُوَ: يَعنِـي

السَـيدُ المالِكُ لِجَميـعِ الأشـياءِ التِي خَلقَها فَلَـهُ التََصِرف فِيها حَيثُ ما يَشاءُ على

وَجهِ الاسْتِدلال ليْسَ لأَحَدٍ يَمنَعَهُ لِكَونَهُ سُبْحانَهُ تَعالى الواسِعُ القِدرَة كَما وَردَ في

القرآن نِظِيرِ قولِهِ تَعالى (وَللـَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللـَّهِ الْمَصِيرُ) وَقـدْ

تكَرَرَ في الحَديثِ ذِكْر المَلَكُوتِ, وَهُوَ اسْـمٌ مَبنيٌّ مِنَ المُلْكِ كَالجَبَرُوتِ والرَّهَبُوتِ
مِن الجَبْر والرَّهْبَةِ,,

والنونُ مِن رَحمن مِفتاح اسمُهُ نور والنُّورُ هُوَ اللهُ الذي يَبْصِرُ بنُورهِ ذو العِمايَة

ويَرْشُدُ بهُداه ذُو الغـُوَايةِ, وَهُـوَ الظاهرُ الذِي بـهِ كُـلُّ ظُهُورٍ, فالظاهِرُ فِـي نفـسِهِ

المُظْهِرُ لِغيرهِ يُسَمَّى نُوراً, والنُّورُ بِحَقِهِ ليْسَ جسْمٌ وعَرَضٌ, والبَارِي جَلَّ وَعَـزَّ

ليْـسَ بجسْمِ وَلا عَرضٍ، وإنما المُرادُ أنَ حِجابَهُ الـنـُورُ: كَذلكَ (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ

مَنْ يَشَاءٌُ)(النور:35)

فَجُمِعَت هذِهِ الحِرُوف المُبارَكَة بـ (الرَحمنِ الرَحِيمِ) فَذهَبَ الكَثيرُ مِـنَ المُفسِرينَ

وَأكَدُوا في تَفاسِيرَهِم الواهِيَة: بـأنَ (الرَحمن الرَحِيم) هُما صِفتانُ مُشتَقتانُ مِـنْ

الرَحمَةِ: والرَحمَةُ في أصْل اللُغةِ هِيَّ رِقةٌ في القلْبِ تَقتَضِى الإِحسان,,

وفَسَّرُها عُلماء مَذهَـب السَلف بِما يُقال:: هِيَّ صِفـَةٌ قائِمَة بذاتِـهِ تَعالى لا نَعرِف

حَقِيقتُها وإنَما نَعرف أثرُها الذِي هُـوَ الإِحسانُ,, وقـد كَثرَت أقوال المُفسِرينَ في

بَيانِ هاتَيْنِ الصِفتين: فبعضَهُم يَـرى أنَ (الرَحمن) هُـوَ المُنعِمُ على جَمِيعِ الخَلق

وأنَ (الرَحِيم) هُوَ المُنعِمُ على المُؤمِنِينَ خاصَةً, كذلِكَ يَرى آخَرُونَ أنَ (الرَحمن)

هُُوَ المُنعِمُ بجَلائِلِ النِعَمِ، وَأنَ (الرَحِيم) هُـوَ المُنعِمُ بدَقائِقِها, وفَسَرَها فريقٌ ثالِث

أنَ (الرَحمن الرَحيم) هُما وَصفـَيْنِ بمَعنى واحِـدٍ, وأنَ الثانِـيَّ مِنهُما تأكِيـدٌ لِلأوَل

وَأكَـدَ المُحقِقونَ مِـن العُلماءِ شِيعَة وَسُـنَةً, أنَ الصِفتَينِ لَيْسَتا بمَعنى واحِـدٍ، بَـلْ

رَوْعى في كُلِّ مِنهُما مَعنى لمْ يُراع في الآخَر,،

وَهـذا المَعنى بِظاهِر التَفسِير لا يَلِيقُ أنْ يَكُونَ وَصْفًا للهِ عَـزَّ وَجَل: وَنَقول أليْسَ

(الرَحمنُ الرَحِيم) ومَعنى (الرَحمنُ) عَظِيمُ الرَحمَةِ في كُثرَةِ الشَيءِ وَعظمَتِهِ عَما

يُنْعِم دُونَ حِسابٍ بِما لا يَتَحَقَق صِدُور تِلكَ النِعمَةِ مِنَ العِبادِ إنْ شَكَرُوا وَإن أبُـوا

وَلكِن نَفى اللهُ تَعالى بهِما القنُوط المُؤمِنينَ مِن عِبادِهِ المُخلَصِينَ لِكَونَهُما اسْمانِ

رَقِيقانِ مُشْتَقانِ مِن الرَّحْمَةِ وَهُما مِن أبْنِيَةِ المُبالَغةِ,,

وَاسْمُ: الرَحْمَنُ أبْلَغُ مِـن رَحِيمٍ لأنَـهُ اسْـمٌ فِيهِ خاصِيَة مِـنَ الحَرفِ المُكَنى لأسْـم

الجَلالَة بَيْنَ الألِف وَاللام وَهُـوَ خاصٌّ لِلَّهِ تَعالى جَّـلَ اسْمَهُ لا يُسمَّى وَلا يُوصَف

بـهِ غَيرَهُ,, والرَّحيمُ يُوصَفُ بـهِ غيرُ اللهِ مِـنْ خَلقِهِ: فيُقال رَجُـلٌ رَحِيمٌ، وَلا يُقال

رَحْمنُ: لأنَ اللهَ رَحمنٌ في الدُنيا والآخِرَةِ وَهُوَ أصْلُ الرَحمَةَ لِسابقِ عِلْمِهِ القدِيم

وَلِهذا قالَ المُشْركُونَ مِنَ قُرَيش: يا مُحَمد أما اللهُ الذِي تَدعُنا إليهِ فنَعرفَهُ، وَأما

الرَحمنُ فلا نَعرفَهُ، فأنزَلَ اللـَّهُ بِهِم قـُرآناً (وَهُـمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قـُلْ) يا مُحَمَد

لِقرَيْش (هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ)(الرَعد:30)

وَفي الحَديثِ الشَريف: عَن رَسُـول اللهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِـهِ يَقول: قالَ (اللهُ أنا

الرَحمنُ شَقَقتُ الرَحمَ مِنْ اسْمِي فمَنْ وَصَلها وَصَلتَهُ، وَمَن قطعَها قطَعتَهُ)

وَعَـن سَلمان المُحَمَدِي أنـهُ قالَ: سَمِعتُ رَسُول اللـَّهِ صَلى اللهُ عَليهِ وَآلِـهِ: يَقول

(إن اللهَ خَلقَ يَـوْم خَلـقَ السَماوات وَالأرَض مائَـةُ رَحـمَة كُـلُّ رَحمَةٍ مِنْها طِباقها

السَماواتِ وَالأرضِ فأنزَلَ اللهُ تَعالى مِنها رَحمَة واحِدَة فبِها تَتَراحَمُ الخَلِيقَة حَتى

تَرحَمَ البَهِيمَةُ بهيمَتَها، وَالوالدَة وَلدَها, فإذا كانَ يَومُ القِيامَةِ جاءَ اللهُ بتِلكَ التِسِعِ

والتسْعِينَ رَحمَة، وَنزَعَ تِلكَ الرَحمَة مِـنْ قلـُوبِ الخَلِيقَةِ فأكْمَلَها مائَةَ رَحمَةٍ, ثـُمَ

يَضَعُها بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ, فالخائِبُ مَن خُيِّب مِنْ تِلكَ المائَةِ رَحمَة)

وَكَرامَة: هذِهِ السُّورة المُبارَكَة بِمَنزلَتِها عِندَ الأنبياءِ وَالعِبادِ لَها فضْلاً كَبيراً مِما

ذّكِرَ فِيها خَمْسَةً مِنْ أسْمائِهِ الحُسْنى: اللهُ, وَالرَّبَّ, والرَحمنُ, والرَّحِيمُ, والمالِكُ

فَدَلَ اسمُ الله هُـوَ الأعظَم مُتضَمِّنٌ لِصِفاتِ الإلُوهِيَّة, واسْمُ الرَّبِّ مُتَضَمِّنٌ لِصِفاتِ

الرُّبوبيَّة, وَاسمُ الرَّحمن: مُتضَمِّنٌ لِصفاتِ الجُودِ والكَرَمِ والبِرِّ والإحسانِ, وَاسْمُ

الرَحِيم: مُتضَمِّنٌ لِصفاتِ المَغفرَةِ والمُعافاةِ عِندَ وَقعِ عاقِبَةِ الأمُور, واسْمُ المالِك

مُتضَمِّنٌ لِصِفاتِ يَـومِ الدِينِ وَهُـوَ اليَـومُ الذِي لا تـُغادرُ فِيـهِ صَغيرَةً وَلا كَبيرَةً إلا

وَأحْصاها اللهُ المالِكُ جَلَّ ثناؤَهُ وَتَقدَسَت أسْماؤَهُ,,

فَسْتُعيرَ مِن أجْلِ هذهِ المَعانِي قدراً هُوَ الدُعاءُ عِنـدَ افتِتاحِ كُـلِّ شَيءٍٍ حَتى أقرَرْتَ

بِلِسانِكَ وَقلت (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الحَّمْدُ مِفتاح الثناءُ عَلى المَحمُودِ بأفضالِهِ

وإنْعامِهِ, لأنَ القُرآنَ انَزَلَهُ اللهَ هُدىً لِلناسِ وَتبْياناً لِلشَرائِعِ التِي بها الإصْلاحُ في

مَعاشِهِم وَعاجِلِهِم وَآجِلِهِم ومَعادِهِم,,

والشِكْرُ: هُـوَ الثناءُ على المَمْدُوحِ بصِفاتِ الجَّلال والكَمالِ بأرزاقِهِ, فإنَـهُ الحَمِيدُ

أي المَحمُودُ على كُـلِّ حالٍ فَعِيلٌ بِمَعنى مَفعُولٌ, والحَمْدُ والشِكْرُ مُتَقاربان, وَلكِن

الحَمدُ أعَمُّها، لأنَكَ تَحْمِـدَ الإنْسانُ على صِفاتِهِ الذَاتِيَّة وَعلى عَطائِـهِ وَلا تَشْكرُهُ

على صِفاتِهِ لأنَ الصِفةََ لِلَّهِ عَزَّ وَجَّل, والحَمْدُ رَأس الشُّكْر، وَما شَكَرَ اللهَ عبْدٌ إلا

ويَحْمِدَهُ, كَما أنَّ كَلِمَةَ الإخْلاصُ رَأسُ الإيمان,,

كَذلِكَ رَأس الحَمْدُ: هُوَ الشُّكرُ, لأنَّ فِيهِ إظهارُ النِّعْمَةَ والإشادَةُ بها لِرَّبِ العالمِينَ

فَجَعَلَ اللهُ الحَمْدَ حَمْداً على النِعمَةِ التِي لا يُمْكِنُ لأحَدٍ بِشُكْرِها إلا بَعـدَ مَعرفةِ تَلْكَ

النِعمَةِ التِي لا يَحصُها عَـنْ التَحدِيدِ كَما أشارَ اللهُ تَعالى عَنها: وَقال (وَإِنْ تَعُـدُّوا

نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)(إبراهيم:34) يَعني: أنَ نِسْبِةََ نِعْمَتَ اللَّهِ مَقرُونَةَ بالقَـْدرِ

المَعلُوم إلى ما لَمْ يَعلَمَ الإنسانُ وَيَتذكَر: كَـمْ هُناكَ مِـن قطرَةٍ في البَحرِ المُحِيط,,

وَالعالَمِينَ: في مَعنى الآيَة: هُمُ المُكَلفُونَ بالخِطابِ مِن المَلائِكَةِ والجـِنِ وَالإنـْسِ

وغَيرُها مِنَ صِفَةِ العالَمِينَ مَنْ لا يُكَلَف بالعِبادَةِ ألُوفاً في باطِنِ ألُوفٍ, فَجَعَلَ اللهُ

العالَمِينَ مُضافٌ إليهِ: أي أضافَ الشَيءَ إلى الشَيءِ الذِي لا يَمْنَع مَعرفتَهُ, فمِنَ

المُحال حصُول العِلْم بكَوْنِهِ تَعالى رَباً لِلعالَمِينَ إلا بِمِفتاحِ الحَمْـد الذي يَفتَتِحُ بـهِ

بابَ مَعرفتِهِ دُونَ العالَمِين الذِينَ لا يَنْحَصِرُ أعدادَهُم وَأشْكالَهُم كَماً رَوِّيَّ احتِمالاً

بأنَ للـَّهِ ثمانُونَ ألف عالَم, أربَعُونَ ألفاً في البَّـرِ وَمثلَهُم في البَحر,,

وتَعريفُ الرَّب: وَهُوَ اسْـمٌ لِكُلِّ مَوجُودٍ فيَدخِلُ فِيهِ جَمِيع الخَلْق على انفرادِهِ بهِم

في التَدبيرِ والإصْلاحِ، والنِعَمِ, وَكَمال غِناه، وَتَمام الضَعف وَفِقر جَمِيعُ العالَمِينَ

إلَيهِ في السَماواتِ والأرض, والرَّبُ يُطْلقُ في اللُّغةِ عَلى المالِكِ, والسَيدِ والمُدَبِّرِ

والمُرَبِّي, والقَيِّـم, والمُنْعِمِ, وَلا يُطلَقُ غيـرَ مُضافٍ إلاَّ عَلَى اللهِ: وإذا أُطلِقَ على

غَيرهِ أُضِيفَ فيُقال فلانٌ رَّبُ البَيت,,

وَقَسَّمَ: اللهُ السُورةَ نِصْفها دُعاءٌ والآخَـرُ ثناءٌ,, فَمِـنَ المُسْتَحَبُ المُؤكَد أنْ تَقولَ

الحَمْدُ للهِ الذِي تَعالى عَن الأندادِ، وتَقدَّسَ عَن الأضدادِ، وَتنزَّهَ عَـن الأولادِ, رَفعَ

بيَّدِهِ السَبعُ الشِدادِ عالِيَةً بغيرِ عِمادِ مُزيَّّّنةً بِكُلِ كوكَبٍ مُنيرٍ وَقادِ, وَوضَعَ بقدرَتِهِ

الأرضَ لِلمِهادِ،, مُثبتَـةً بالراسِياتِ الأطوادِ، وَخلَقَ فِيها المائِعِ والجَمادِ,, وَاطلَعَ

على سِـرِّ القلـبِ وَضَمِيرَ الفـُؤادِ, وَقـدَّرَ ما كانَ وَما يَكُـونَ مِـن الضَّـلالِ والرَّشادِ

والصَلاحِ والفَسادِ, والغيِّ والإرشادِ والبُغضِ والودادِ، وَعلِمَ مافي داخِلِ الصُدُورِ

وَباطنِ الاعتِقادِ (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أي: هُوَ اللهُ الذِي يَتصَرفُ بمُلْكِهِ في ذلِكَ اليَوم

الـذي يَكُون فيـهِ الحِساب علـى الأعمالِ فـي شَـرها وخَيْرِها, فَسُميَّ بيَـومِ الدِيـنِ

تَركِيزاً لِتُدان فِيهِ العِباد بأنفسِهِم في مَقامِ المَمْلُوكِيَةِ أمامَ رَبِهِم الذِي هُوَ الدَّيانُ,,

الـرَّبُ يُطْلِـقُ لِلمالِكِيَةِ, والعَبـْدُ يُطلـقُ لِلعِبُودِيَةِ, لِذلكَ قـُدِّمَ الـرَّبُ عَلـى المَفعُولِيةِ

وخُصَت العِبادَةُ بقولِ العَبد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) أي: جَعَلَ المُؤمِنِينَ تَعَبِدَهُم على قدرَةِ اللهِ

الكامِلَة بتدريجِ إفهامِهِم العَقلِي عَلى وَجْهِ الغيْبَةِِ حَتى قوى بُرهانُ الغائِب شاهِداً

في قلُوبِهِم بِتَكَلُمِ مَعَهُ بصِّيَغِ الخطابِ بِما قالـُوا إقـراراً (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) لا نَخْضَعُ

وَنَذلُ إلا لَكَ, وَما نَعبُدُ سِواكَ, فقدَمَ اللـَّهُ العِبادَةَ لِبرهانِ التَوَسِلُ بها إليهِ إلى ِدَفعِ

المَكْرُوهِ، وَجَلْب المَحبُوب غايَةً لِتَوحِيدِه, فَخُصَّتْ العِبادَةُ بِأقصى غايَـةِ الخضُوعِ

أي: لا نستَعِينُ بِغيْرِكَ في أمُورِ عبادَتِنا, فيَدَّعِيهُ اللهُ تَعالى لَـهُ عَبْداً ويَتَملَّكَهُ, أي

صَيَّرهُ كالعَبْدٍ لَـهُ, لأنَ الاسْتِعانَة وَسِيلَةُ الإجابةِ وَتقدِيمُ الوَسِيلَةَ قبْلَ طَلَبِ الحاجَةِ

أقرَبُ إلى الإجابةِ في خُضُوعِ العَبدِ إلى اللهِ وَهيَّ الإخلاصُ فِي العبُودِيَةِ,,

(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الهَادِي: هُـوَ اللـَّهُ الـذِي بَصَّـرَ عِبَادَهُ وعَرَّفـَهُم طَريـقَ

مَعْرِفَتِهِ حتَّى أقرُّوا بِرُبُوبيَّتِهِ, وهَـدَى كُـلَّ مَخْلـُوقٍ إلى ما لابُـدَّ لـهُ مِنهُ في بقائِـهِ

وَدَوامِ وجُودِهِ,, وَقُلْ اللّهُمَ رَبيِّ أهْـدِني وَسََدِّدْني, وَاذكُر بالهُدى هِدايَتِكََ الطريقَ

المُسْتقِيم: والهُدَى هُوَ الرَّشادُ والدَّلالةُ ويُؤَنث ويُذَكَر: يُقال هَداهُ اللَّه لِلدِّينِ هُدىً

وَهَدَيْتـُهُ الطّريقَ وإلى الطَريق هِدايَـةً: أي عَرَفتـُهُ, والمَعنى فِيـه: إذا سَألتَ اللَّهَ

الهُدى فأخْطِرْ بِقَلْبِِكَ هِدايَةَ الطَريق, وَسأل اللهَ الاسْتِقامَةَ في الطريقِ الآخَرِ وَهُوَ

(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَليهِم) مِنَ أنبيائِكَ وَهُوَ كَقوْلِهِ تَعالى أشارَ فِيهِم قرآناً وَقال

(أُولَئِكَ الَّذِيـنَ أَنْعَـمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِـنَ النَّبِيِّينَ مِـنْ ذُرِّيَّـةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَـعَ نـُوحٍ

وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ) إلى آخِرِ الآيَة (وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا)(مريم:58)

فِـي الإِسْلامِ يَجْمَعَهُم جَمِيْعاً مِـنَ الرُسُلِ والأنبياءِ وَأهْـلِ بَيْتِ النَبـيّ صَلَواتُ اللـَّهِ

وَسَلامُهُ عَليهِم أجمَعين: فإنَهُم مِصباحُ الهُدى في الصِراطِ المُسْتقيمِ,, يَعنِي كَما

تَرَكَ النبيِّ مُحَمدٍ طَرفَ الصِراط عِندَ أهْلِ بَيتِهِ وَطرَفَهُ الأخَر فِي الجَنَةِ,,

(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) وَهُـم اليَهُود: وَالغَضَبُ عَليْهِم هُـوَ إنْكارُ الله جَلَّ وَتَعالى

عَلى مَـن عَصاهُ مِنهُم وَغَيرِهِم وسَخَطُهُ عَليهِم, وإعْراضُهُ عَنهُم, ومُعاقَبَتُهُ لَهُـم

فَهُم المُخالِفِينَ لِمُوسى وَعِيسى والنَبيِّ مُحَمدٍ صَلواتُ اللهِ عَليهِم أجمَعِين,,

لأنَ اليَهُودَ قَدْ عَرفُوا الحَّق وانْحَرفوا عَنهَ فَأنزَلَ اللهُ بهِم قـُرآناً بِقولِهِم بِما كَفَرُوا

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْـرٌ ابْـنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْـنُ اللَّهِ) (التوبـة:30)

فَغضَّبَ اللهُ عليْهِم هِيَّ اللَّعنَةُ إلى يَـومِ الدِينِ, واللَّعنةُ صِفةٌ أثبتَها اللهُُ لِنفسِهِ على

وَجْـهِ الاسْتِدلالِ بالانتِقامِ مِنهُـم بجَّلالِ ذاتِـهِ: وَقـالَ (وَلا الضَّالِّينَ) وَهُـم النَصارى

لأنَّ اللَّهَ تَعالى لا يُحِبُ ضَلاَلةَ العَمَلِ: والضَلالَةُ هيَّ الضَّائِعَة مِن كُلِّ ما يُقتَنى مِنْ

الحَيَوان وَغيرِه: يُقال ضلَّ الشيءُ إذا ضَاعَ وضَلََّ عن الطَّريق إذا حارَ, وَهِيَّ في

الأصْلِ فاعِلَةٌ،ثمَ اتُّسِعَ فِيها فصَارَت منْ الصِِّفاتِ الغَالِبَةِ وَتقَعُ على الذكَرِ والأنثَى

وَالاثنَيْن والجَمْع: وتُجمَع على ضَوَالٍِّ, والمُرادُ إنَ الضَّالةَ مِن الإبـِلِِ والبَقـرِِ مِما

يَحْمِي نفْسَه وَقدرَ على الإبْعَادِ في طلَبِ المَرْعَى والماءِِ بخَلافِ الغَنَم, وَقد تُطْلق

الضَّالَّـةُ على المعَانِي, وَمِـنْ هـذا قالَ اللـَّه تَبارَكَ وَتَعالى (أَمْ تَحْسَـبُ أَنَّ أَكْثَـرَهُمْ

يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً)(الفرقان:44)

وتَعريفُ الضَلالة: يُقال ضَلَلتُ الشَيءَ وَضَلِلْتُهُ إذا جَعَلتَهُ في مَكانٍ وَلمْ أدْرِي أيْنَ

هُوَ وَأضْلَلْتُهُ إذا ضَيَّعتَهُ وَضَلََّ الناسِي إذا غَابَ عنهُ حِفظُ الشيءِ كَما يُقال أضْلَلتُ

الشَيءَ إذا وَجَدتَهُ ضالاًّ, كَما تَقولُ أحْمَدْتُهُ وأبْخَلُتهُ إذا وَجَدْتَـهُ مَحْمُوداً وبَخِيلاً,,

ومِنْ هذا وَرَدَ في نظِيرِ قولِهِ تَعالى بِحَقِ اليَهُودِ وَالنَصارى (قـُلْ هَـلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَـرٍّ

مِنْ ذَلِكَ مَثـُوبَةً عِنْدَ اللهِ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ

وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَـرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَـنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)(المائِدَة60)

**********************************
وكانَ رأي آيَة الله مَحَمد حسين الطَباطبائي في تَفسِيرهِ لِسُورةِ الفاتِحَة وكَما يَلي

قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: الناس ربما يعملون عملاً أو يبتدئون في
عمل ويقرنونه باسم عزيز من أعزتهم أو كبير من كبرائهم، ليكون عملهم ذاك
مباركا بذلك متشرفا، أو ليكون ذكرى يذكرهم به، ومثل ذلك موجود أيضا في
باب التسمية فربما يسمون المولود الجديد مـن الإنسان، أو شيئا مِما صنعوه أو
عملوه كدار بنـُوها, أو مؤسسة أسسوها باسـم مـَن يحبـُونه, أو يعظمونه ليبقى
الاسم ببقاء المسمى الجديد، ويبقى المسمى الأول نوع بقاء ببقاء الاسم كمن
يسمي ولده باسم والده ليحيي بذلك ذكره فلا يزول ولا ينسى,,
وقـد جـرى كلامـه تعالى هـذا المجرى،, فابتـَدأ الكلام باسمه عـزَ اسمه ليكون
ما يتضمنه من المعنى معلما باسمه مرتبطا به، وليكون أدباً يؤدب به العِباد في
الأعمال والأفعال والأقوال، فيبتدءوا باسمه ويعملوا به، فيكون ما يعملونه
معلماً باسمه منعوتاً بنعتِهِ تعالى مقصوداً لأجله سبحانه فلا يكون العمل هالكاً
باطلا مُبتراً، لأنه باسم الله الذي لا سبيل للهلاك والبطلان إليه,,
وذلك أن الله سبحانه يُبين في مواضع من كلامه: أن ما ليس لوجهه الكريم
هالك باطل، وأنه: سيقـدم إلى كـل عمـل عملوه مما ليـس لوجهه الكريم، فيجعله
هباء منثورا، ويحبط ما صنعوا ويبطل ما كانوا يعملون، وأنـه لا بـقاء لشيء إلا
وجهه الكريم فما عمل لوجهه الكريم و صنع باسمه هو الذي يبقى ولا يفنى
وكل أمر من الأمور إنما نصيبه من البقاء بقدر ما لله فيه نصيب، وهذا هو الذي
يفيده ما رواه الفريقان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال كل أمر
ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر الحديث,,
والأبتر هـوَ المنقطع الآخـر، فالأنسب أن متعلق الباء في البسملة أبتدئ بالمعنى
الذي ذكرناه فقد ابتدأ بها الكلام بما أنه فعل من الأفعال، فلا محالة له وحدة
ووحدة الكلام بوحدة مدلوله ومعناه، فلا محالة له معنى ذا وحدة وهو المعنى
المقصود إفهامه من إلقاء الكلام، والغرض المحصل منه,,
ثمَ قالَ السَيد الطَبطبائي/ فالبسملة في سورة الحمد راجعة إلى غرض السورة
والمعنى المحصل منه، والغرض الذي يدل عليه سرد الكلام في هذه السورة هو
حمد الله بإظهار العبودية لـه سبحانه بالإفصاح عـن العبادة والاستعانـة وسـؤال
الهداية فهو كلام يتكلم به الله سبحانه نيابة عن العبد ليكون متأدبا في مقام
إظهار العبودية بما أدبه الله به,,
وَرَوى قريبا منه الصدوق في العِلل عن الرِّضا عليه السلام: والرواية كما ترى
تفسير سورة الفاتحة في الصلاة فهيَ تؤيد ما مر مِراراً أن السُورة كلامٌ لهُ
سُبحانه بالنيابة عن عبدهِ في ما يذكرُهُ في مقام العبادةِ وإظهار العبودية من
الثناء لربهِ و إظهار عبادته، فهي سورة موضوعة للعبادةِ، وليس في القرآن
سورة تناظرها في شأنِها, وأعني بذلك أولاً: أن السورةَ بتمامها كلامٌ تكَلمَ بهِ
الله سُبحانه في مقام النيابةِ عن عبده فيما يقوله إذا وجه وجهه إلى مقام
الربوبية ونصب نفسه في مقام العبودية,, انتهى تفسير الطَباطبائي
**********************


من مواضيع الشيخ الحجاري الرميثي » قامَت إذاعة إيران الإسلامية بإعلان القرآن الكريم الذي رسمهُ العلامَة الشيخ الحجاري
» إلى أصحاب المنتديات علقَ العلامة الشيخ الحجاري إن الشيخ العرعور إخترقَ موقع الشاعر
» السيرة الذاتية بحياة المفسِر للقرآن العلامَة الشيخ الحجاري الرميثي من العراق مع إيميل
» ينشر العلامَة الشيخ الحجاري الرميثي جزءاً من تفاسيرِه القرآنية المذكورة (1028) موضوع
» آية السِحر: وما أُنزِل على الْمَلَكين ببابِل هارُوتَ ومارُوتَ: تفسير الشيخ الحجاري
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للعلامة, من, المحقق, التايب, الحجاري, الرميثي, السيد, العراق, الفاتحة, تفسير, تفسير سورة الفاتحة, سورة

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قصة النبي عُزير أماتهُ الله مائة عامٍ ثمَ بعثهُ حياً: من تفسير الشيخ الحجاري الرميثي الشيخ الحجاري الرميثي قسم القرآن الكريم 5 23-09-2011 01:43 PM
قصة النبي عُزير أماتهُ الله مائة عامٍ ثمَ بعثهُ حياً: من تفسير الشيخ الحجاري الرميثي الشيخ الحجاري الرميثي قسم القرآن الكريم 3 23-09-2011 01:42 PM
من الواجبات كيف تصلي على الجنازة من فتاوى العلامَة المحقق الشيخ الحجاري الرميثي الشيخ الحجاري الرميثي قسم القرآن الكريم 6 13-01-2011 04:14 PM
ألَم ترَ كيفَ فعل ربك بأصحاب الفيل من تفاسير العلامَة الشيخ الحجاري الرميثي:العراق الشيخ الحجاري الرميثي قسم القرآن الكريم 1 23-10-2010 10:24 AM
تفسير القرآن للعلامة المحقق الجليل السيد عبدالله شبر اريج الجنه احباب الحسين للكتب الإسلاميه 2 24-07-2010 09:51 AM



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين