كثيرون هم الصحابة والتابعون والمشايخ من أعلام الفقه الذين تزخر بهم أرض العراق, حتى باتت الأرض الرحبة تتسع بأضرحتهم ودلالات على وجود شواهد عنهم لتكون مقاماتهم وقبورهم نبراسا مضيئا تستدل العقول الانسانية من خلال أصحابها على النهج الصحيح, والصحابي الجليل بشر بن الحارث بن عبد الرحمن الملقب بـ( بشر الحافي ) له قصة لم يختلف فيها الرواة وهي تترجم زهده وورعه وتواضعه الذي أصبح فيما بعد قصة تحمل عمق المغزى .
في الجزء المحاذي للنهر من جهة الرصافة في منطقة الأعظمية ترقد كتلة صخرية من حجر (الآجر ) القديم بمياه النهر وهي تشكل علامة بارزة بالنسبة للرائي من بعيد وللساكنين في المنطقة القريبة منها , الحاج الشيخ زاهد قادر النعيمي 89 عاما قال : هذه المنطقة وهي مربع السفينة ولدت بها وترعرعت وسمعت الحكايات من أبي وجدي عن أهمية الآثار المحيطة بها فهنا المقبرة الخاصة بقريش وفيها مدفونة شخصيات ذات أثر في تأريخنا، وكان والدي كثيرا ما يتحدث عن رجل كان يسكن قصرا فخما بالقرب من النهر وله جوار وخدم ويهوى الطرب والأنس والسهر واسمه (بشر بن الحارث ) كما يسميه وكيف تحولت حياته الى درس وموعظة للآخرين بعد أن مر بالقرب من قصره رجل صالح ويقال أن ذلك الرجل هو الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) حينما سأل جارية تخرج من القصر لكب النفايات : هذا الطبل والزمر الذي يصدر من هذا القصر هو لمولاك أهو عبد أم حر ؟ فتعجبت الجارية من سؤاله فقالت : بل حر , فرد عليها صدقت لوكان عبدا لكان عرف الله وعبده في مثل هذه الساعات من ليل العابدين واستحى من خالقه , ثم مضى في سيره , فعادت الجارية تخبر سيدها بشر فقال : صفيه لي فقالت : بملامحه وبساطة هيئته , فهرول راكضا حافيا وهو يقول: أنه موسى بن جعفر , ليترك حياة المجون واللهو وينصرف مابقي من عمره لعبادة الله وزهد عن الدنيا , هكذا تروى حكاية الصحابي الجليل وقبره المحاذي للنهر هو دلالة على أن أرضنا تزخر بالأضرحة المقدسة ومنطقتنا لها شرف احتواء رفات ( بشر الحافي رضي الله عنه وأرضاه).
وتحدث الشيخ محمد علوان خطيب جامع الرحمن في منطقة السفينة عن هذه الشخصية قائلا : بداية الأرض التي نمشي عليها في كل جزء منها حرمة أجساد طاهرة وشخصيات تركت أثرا طيبا في ذاكرة تأريخنا العريض ومن فضائل الله ونعمائه علينا اننا ننهل من السلف الصالح من أئمة وأولياء ومريدين وتابعين ما نتزود به ونتقوت على مواجهة حياتنا اللاهية بمتاهات البعد عن سلوك دروب الرجاء والتقرب الى الله بما ورثناه من تلك الأسماء ففي كتاب البداية والنهاية الجزء العاشر يتحدث عن الزاهد بشر الحافي المعروف للمتصوفين والمتقربين للانصراف عن الدنيا وشواغلها بالعبادة انه خير من تاب وثاب وسهر الليل متعبدا مناجيا ربه يكفر عما فاته , فقد كان الرجل يعشق حياة الملذات وانغمس بها حتى هداه الله الى دروب رجائه , ويبقى مكان مرقده موضع اختلاف عن حقيقته وان كان الأقرب هو هذا المكان القريب من زاوية النهر قرب ( المسناية ) التي هي باقية وثابتة لم تزحزحها عوامل التغيير الجغرافي ومسار نهر دجلة ومياهه برغم مرور قرون كثيرة .
وتقول الدكتورة فوزية مهدي مدير دائرة التراث : تهتم دائرتنا بمتابعة كل معلم أثري في بغداد وتتابع حقيقته التأريخية من خلال خبراء متخصصين في ذلك يعتقد ان المكان المعروف ( بالمسناية ) قرب منطقة الأعظمية هو مدفنه وأن القصر الذي كان يسكنه قد دفن بجانبه بعدما ترك حياة الرخاء والرفاهية التي كان يعيش وهو المولود في سنة 152 هجرية والمتوفى في سنة 227 في العاشر من محرم في بغداد, ومن خلال لجان المتابعة والحفاظ على آثار ومراقد الصحابة والتابعين تسعى دائرتنا لاعادة التجديد لتلك الأبنية التأريخية بما ينسجم ومكانتها في النفوس وما لها من قيمة انسانية كبيرة, لذا فالضريح الذي يضم رفات ( بشر الحافي) والأقرب للحقيقة هو تلك الكتلة الصخرية الكبيرة المغمور أكثرها في نهر دجلة تكون عائدة لتلك الشخصية الاسلامية وهي تعود للقرن الثالث الهجري .
وكما يتحدث الأستاذ المؤرخ سالم الآلوسي عن هذا الموضوع قائلا : لو أجرينا احصائيات بعدد الأضرحة القديمة التي تمثل زمنا يحمل مدلولات المكان والتأريخ الثري سنحتاج لكثير من السرد لايمكن حصره في أسطر قليلة فالعراق عموما يتميز عن غيره من بلاد الدنيا أنه كان محط الأنظار وقبلة الباحثين عن العلم والمعرفة كونه يحتوي بين جنباته خيرة أعلام الفقه من شخصيات علمية ودينية ومعرفية تعطي من فيضها العلم والمعرفة لمن يريد دون مقابل.
ومدينة بغداد كما هو معروف عنها كانت تسيطر على المدن الأخرى بمكانتها ورجالاتها ولقرون عديدة وبالتالي نستشف من هذا ان كثيرا من الصحابة والتابعين لهم قبورهم وأضرحتهم ومقاماتهم في كل جزء من العراق ومن أقصى شماله حتى أقصى جنوبه , وشخصية المتصوف ( بشر الحافي ) ربما تختلف الروايات عن وجود ضريحه بتحديد المكان ولكن الأقرب لصحة المدفن هو في منطقة الأعظمية قرب جامع قديم مغمور في ( جرف ) نهر دجلة المقابل لمنطقة الكاظمية , وهذا المكان يعتقد أنه كان محاذيا لقصره الفخم الذي كان يطل على نهر دجلة في تلك الفترة من القرن الثالث الهجري.
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
