العودة   منتديات احباب الحسين عليه السلام > القسم الأدبي > احباب الحسين للقصص والحكايات
احباب الحسين للقصص والحكايات يختص بجميع القصص والحكايات الواقعيه والخياليه
روابط مفيدة مشاركات اليوم البحث


أنتِ حُرةٌ... لَيتَني ما سَمِعتُها!

احباب الحسين للقصص والحكايات


إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-08-2023, 08:14 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

صدى المهدي

مراقـــبة عـــــامة

الصورة الرمزية صدى المهدي


الملف الشخصي









صدى المهدي متواجد حالياً


افتراضي أنتِ حُرةٌ... لَيتَني ما سَمِعتُها!





أتعلمين عندما سمعت عبارة "أنت حرة"، وأنا أخطو أولى خطوات رحيلي تراءى أمامي مشهد من واقعة الطف


كانتْ هناك جارية تجلس في زاوية من زوايا أزقة المدينة، وعلى محياها علامات الندامة والتأسف بادية! سأَلتها إحدى الماراتْ: ما خَطبُكِ يا أمة الله؟ هل لكِ حاجة أقضيها؟
نظرتْ إلى السماء، بعد أن أطرقت برأسها للأرض قليلاً، ثم نظرت لتلك السائلة قائلة: هل ترين هذا الطائر الواقف على حافة سطح تلكم الدار؟ قالت: نعم، ما به؟!
- يبدوا إنه يشبهني كثيراً، لا شك إنه كان يظن إن حريته في أن يُحلق في السماءِ، فهو لم يدرِ أنه أسيرها، كما نحن أسرى هذه الأرض، فالحر من كان متحررًا من الداخل!
- وكيف ذلك؟! (سألت تلك السيدة)
- بأن يتعلق قلبنا بأهل الحق، ويَسير بهديهم ويطيعهم وينقاد إليهم، ولا يفرط بقربهم إن ناله وبلغه يوماً ما.
تعجبت تلك السيدة من منطقها، وازداد فضولها لمعرفة ما هي حكايتها، فاستأذنتها كي تجلس بقربها، قائلة:
إذن احكي لي حكايتكِ، يبدوا أن لي فيها عِبرة ستَنفَعُني؟!
لم تمانع وبنبرةٍ خافتةٍ حزينةٍ أجابت قائلةً: كنتُ في سالف الأيام ممن ضحك بوجهها الحظ، وحلق فوق رأسها طائر السعد، فقد وهبني سيدي الذي يملكني إلى أشرف السادات، وصرت جارية أعمل في بيت من بيوتات قد رُفع ذكرها في الأرضين والسماوات، في بيت تشع الأنوار من كل ساكنيه، بل وحتى من كل الجمادات، كيف لا؟! وهو بيت مَن هو مِن نسل من كانتْ تُزهر بأنوارها لأهل السماوات قبل أهل هذه الأرض! إنه بيت سيدي وسيد الساجدين، وزين عُباد الثقلين.
وهكذا كنتُ أنعم بالأمن والهناءة، لكن جاء ذلك اليوم الذي غادر به طائر السعد بعيدًا عنيّ، بغفوة سرقت مني يقظتي، فبينما كنتُ أسكب لمولاي الماء ليُجدد وضوءه- فقد كان معتادا على التهيؤ للقاء ربه قبل أن يَحين وقت الصلاة- سقط الإبريق من بين يدي على وجهه فشجه!!
وما أن رفع رأسه إليّ، قلتُ وأنا للتو قد تنبهت مما اعتراني من نعاس، على أثر الصوت الذي أحدثه سقوط الإبريق: إن رب سيدي قال: {والكاظمين الغيظ}، فقال لي بصوت المشفق عليَّ: "قد كظمت غيظي"، ثم قلتُ وأنا بين وَجّل وحياء: {والعافين عن الناس}، فقال سيد الحلماء: "عفا الله عنك"، فقلتُ مستبشرة بعد أن دعا لي، ولم ينالني منه السخط لزلتي: {والله يحب المحسنين}، فقال: "أذهبي فأنت حرة لوجه الله" (١).
عندها سررتُ أيما سرور...! ولكن بعد أن خرجت من أسوار ذلك البيت الإلهي شعرت بأنني قد فقدت حريتي، بلى! فقد عدتُ لأعيش في بيوتات لا تحمل أي سمة منه، بيوت تخلو من الأنوار الإلهية الساطعة، من الرحمة والشفقة، فما عادت مسامعي قلبي تتغذى على سماع تمتمات ذكر سيدها زين العابدين، ولا عيني غفت بعدها على تسبيحات كتسبيحاته لربه في الغداة والآصال، وما أصبحت أصحوا على نجواه في الأسحار. آه... آه، كنتُ أتصور أنني في داره أسيرة، جارية، ممتهنة، والآن سأكون حرة، ولكن أدركت بعد فوات الأوان أنني كنتُ بالأصل حرة!
أتعلمين عندما سمعت عبارة "أنت حرة"، وأنا أخطو أولى خطوات رحيلي تراءى أمامي مشهد من واقعة الطف كنتُ قد سمعته يُحكى بوجعِ في ذلك البيت!.
عن تلك الأيام المصيرية لما سمع سيد الشهداء قلوب الكثيرين ممن التحقوا به، ترتجف خوفًا من الغد !! مع إنهم كانوا يتنعمون بالأمنة تحت خيمته، هم كانوا يعلمون أن من بقي معه وفي خدمته غدا شهيدًا، أوليس شائعًا بينهم إنه سيد الشهداء؟ لكن قلوبهم لم تَعِ هذه الحقيقة، إذ أخرج للناس كتابا فقرأ عليهم ما فيه
"بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع: قتل مسلم بن عقيل، وهانئ ابن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف، في غير حرج، ليس عليه ذمام، فتفرق الناس عنه، وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاؤوا معه من المدينة، ونفر يسير ممن انضموا إليه..."(٢)
هم ظنوا أنه أحسن إليهم بإعطائهم المعذرة بالمغادرة، فغادر الكثيرون منهم ليبقوا لوقت أطول في الدنيا، إلا إنهم خسروا حظهم في المسارعة باللحاق إلى الرفيق الأعلى حيث الجزاء الأوفى.
حينها ذبت خجلاً... شعرتُ بأنني واقفة بذلك الموقف، لذا أستطيع أن أعرف جيدًا كيف كان شعورهم آنذاك، إلا إني لا أعلم لما بُحت لكِ بكل هذا، لكن أنتِ حتما تعلمين لماذا؟ ثم نهضتْ لترحل حيث لا عودة.
وبينما كانت تلك السيدة تفكر بما قالته لها، عادت الى نفسها قليلاً، مرددة: بلى أعلم... أعلم! فهي كانتْ من أهل الولاء للإمام السجاد، ومن أهل الود للعترة الأطهار، فها قد تذكرت كل ذلك التشكيك والاضطراب الذي كان يعتريها منذ مدة، على أثر ما يجري من ظلم وتضييق على إمام زمانها، فتنبهت لعظيم ما هي فيه من نعمة الولاء، فشكرت ربها إذ أرسل إليها من كانت لها خير مُذكرًا، وحمدته بأنها لم تخرج من هذه النعمة، فتكون أسيرة إتباع ولاة أهل الدنيا، وتوسلت به أن يَجعلها من أهل اليقين دائما، كي لا تفِل عقدة ولائها لإمامها، مهما رأت من فتن، فتعيش تلك الحسرة التي رأتها في عينيَّ تلك الأَمَة الكسيرة.
______
(١) بحار الأنوار: ج ٤٦، ص ٦٨.
(٢) بحار الأنوار: ج ٤٤، ص ٣٧٤.


من شبكة النبا المعلوماتية


من مواضيع صدى المهدي » أسباب النهي عن الخوض في القضاء والقدر
» إهداء نسخة مصورة من مخطوط قرآني نادر إلى خزانة العتبة العباسية
» الانتظار والصِّراع بين المستضعفين والمستكبرين
» الإستفتاءات … أسئلة بشأن البيع والشراء
» أنَّ الدين هو وسيلة اخترعها الأقوياء والأثرياء لتخدير الفقراء
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
لَيتَني, أنتِ, حُرةٌ..., سَمِعتُها!

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
يا عمة أنتِ سيد فاضل منتدى السيدة زينب (سلام الله عليها) 2 15-01-2022 02:29 PM
أنتِ اللوجين عبد الحق منتدى شعراء أحباب الحسين 10 25-02-2013 12:45 PM
أنتِ الوردة ~ كوثر المحبة احباب الحسين للشعر والخواطر 6 03-07-2010 11:06 PM
أنتِ لؤلؤة محب الصدر احباب الحسين للأسرة المسلمة 8 17-09-2009 11:00 PM
أنتِ ايتها المرأة . ام البنين احباب الحسين للمرأة الزينبية 1 01-07-2009 02:22 PM



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

Loading...

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات احباب الحسين