غالباً ما نستحضر التاريخ الزينبي ونستشهد به وفق مناهج أدبيَّة بسيطة وأساليب بحثيَّة عاديَّة، بالاستناد إلى قراءات تاريخيَّة ترهق العقل المسلم المعاصر في بحثه عن القدوة الحقة، وشأن السيّدة الحوراء(ع)، هو كشأن جلّ الطيّبين الأطهار(ع)، نقرأ سيرهم بعقول غائبة وقلوب حرجة، حيث الفرح يوم ميلادها والحزن يوم وفاتها(ع)، ثم في اليوم التّالي أو الأسبوع الموالي لذكرياتها الجليلة العظيمة، نصبح أو نمسي كبني أميّة وجلاوزتهم الَّذين ظلموا السيّدة زينب(ع)..
زينب(ع) القدوة:
إنَّ أكبر ظلم وأعظمه للمسلمات، أنهن يعشن بعيداً عن ثقافة الحوراء(ع) الرساليَّة الإسلاميَّة
وفي هذا الخصوص، يذكر أستاذنا الفقيه المجدّد، العلامة المرجع السيّد محمَّد حسين فضل الله(ره): "عندما نريد أن نواجه الذكرى الحسينيَّة في المنطق الإسلامي، باعتبار أنَّ الإمام الحسين(ع) وكلماته تمثّل الشرعيَّة الإسلاميَّة، لأنَّه إمام مفترض الطاعة ولأنَّه سيّد شباب أهل الجنّة، لا بد من أن نطلّ على جانب آخر، وهو دور أخت الحسين(ع) ورفيقة جهاده، السيّدة زينب(ع)؛ هذه الإنسانة الَّتي عاشت روح القوّة في الإسلام من الموقع الَّذي عاشه الحسين(ع)، لأنَّها تربَّت في حضن رسول الله(ص)، وفي أحضان فاطمة(ع) وأمير المؤمنين علي(ع)، وعاشت مع أخويها الحسن والحسين(ع)، لهذا أصبحت الإنسانة المملوءة علماً وإسلاماً ووعياً وقوة؛ هذه الإنسانة الَّتي كانت تشد أزر الحسين(ع) وتواكبه في كلّ أوضاع المأساة في كربلاء..." [الجمعة منبر ومحراب: ص 546، دار الملاك].
وينبّه العلامة المرجع فضل الله(ره) في موضعٍ آخر قائلاً: "كان موقف زينب(ع)، الموقف الَّذي يمثل القوة الروحيَّة الَّتي استطاعت من خلالها أن تلقم الطاغيّة حجراً في مجلس حكمه..." [ن.م ص548، دار الملاك].
محنة ثقافيَّة:
ألسنا قوماً نظلم أمهاتنا وأخواتنا وزوجاتنا وبناتنا ونساء مجتمعاتنا ـ العليلة ـ بالتخلّف والجهل!
إنَّ أكبر ظلم وأعظمه لهن، أنَّنا جعلناهن يعشن بعيداً عن ثقافة الحوراء(ع) الرساليَّة الإسلاميَّة، فبتنا نقتلهن كلّ يوم بهذا الظّلم شرّ قتلة، ونظنّ ذلك رجولة منا، حيث إنَّ هذا الظّلم يجعلنا نعيش أغبياء، كأولئك الجبناء الَّذين تفرجوا في بلاط يزيد الفاجر على حرائر النبي(ص)، وهن يذقن ويلات الظّلم والسَّبي وما إلى هنالك من عظائم الأمور.
المسلمات اللَّواتي يعرفن جيداً السيّدة زينب(ع)، هن المؤمنات الرساليات المثقفات
هناك مسائل حرجة في رحاب السيّدة الطاهرة الجليلة الحوراء زينب(ع)؛ مسائل لا تتعلَّق بالمحنة التاريخيَّة الَّتي ألفنا سماعها من الخطباء الأجلاء، ولكنَّها المحنة الثقافيَّة للمرأة المسلمة في العصر الراهن؛ هذه المرأة التي نجدها في الدوحة وأم الدنيا وكلّ عواصم العالم، من باريس إلى واشنطن ولندن وبكين، تجتهد لتستلهم من صاحبة الجلالة وصاحبة الفخامة والفنانة الحسناء، لا لشيء سوى لنيل بعض الفتات لتفعيل مشاريع الخياطة، ومؤتمرات للفقه النسوي والتحرر الموهوم، ولأخذ بعض الصّور التذكاريَّة...
إنَّ المرأة المسلمة عموماً، لا تعرف شيئاً عن السيّدة زينب(ع)، وما هنالك من لافتات تحدَّث عنها الفقيه المجدّد سماحة السيّد محمَّد حسين فضل الله(ره) في كتبه الهادفة: "دنيا المرأة"، "وتأملات إسلامية حول المرأة"، و"الزهراء القدوة"، وخطبه ومحاضراته الرساليَّة الخلاقة للوعي الإسلامي الرصين...
ومن نساء المسلمين من تحمل اسم زينب أو فاطمة أو خديجة أو مريم، أو اسم إحدى أمهات المؤمنين، لكنَّها لا تعرف عن هذا الوسام حتى النزر اليسير، والأدهى والأمرّ، أنها قد تشوّهه بسوء خلقها وجهلها، أو ببلادتها أو عجبها...
ولعلَّ النساء المسلمات اللَّواتي يعرفن جيداً السيّدة زينب(ع)، هن النساء المؤمنات الرساليات بنشاطاتهن التثقيفيَّة ووجاهتهن العلميَّة وعفَّتهن الإسلاميَّة. أما الباقيات، فقليل منهن العارفات حق المعرفة بمولاتي السيّدة الحوراء زينب(ع)، والمضحك المبكي في هذا كلّه، أن تجد مسيحيات عربيات وأجنبيات يعرفن عن السيدة زينب(ع) الكثير الكثير، حتى منهنَّ من استفدن من سيرتها أعظم استفادة، فيما يعرف بالإنسانيَّة وحقوق المرأة وبناء الشخصيَّة القويَّة، بينما المسلمة المقهورة على جميع الصّعد، يخشى مجتمعها المتخلّف المستبدّ، أن تقترب من أمها وقدوتها الرائعة العظيمة السيدة زينب(ع).
دور المرأة في الإسلام:
لأنَّ السيّدة زينب(ع) بالنّسبة إلى نساء الدنيا، مثلها كمثل الإمام الحسين(ع) للإنسانيَّة جمعاء، فإنَّ الاستكبار كلّه، سواء الداخلي أو الخارجي، يعمل جاهداً لإبقاء سيرة الحوراء(ع) قيد الكتمان، وثقافتها رهن التعذيب والتشويه، لأنَّ شروق عنوان التاريخ الزينبي في حياة المرأة على الخصوص، يعني بداية زوال الطغاة...
لقد استمرت السيّدة الحوراء(ع) في رسم معالم شخصيَّة المرأة المسلمة القويَّة عبر مواقفها الخالدة أمام الاستبداد كلّه، حيث نختم بإحدى روائع حديث أستاذنا الإمام الفقيه المجدد المرجع السيد فضل الله(ره) عن مولاتنا السيّدة زينب(ع): "هذه هي زينب الإنسانة المسلمة القويَّة الَّتي لم تستطع كلّ الضّغوط وكل الآلام وكل الفجائع وكل المآسي، أن تسقط موقفها، وأن تجعلها تنسحب من الساحة.. وعندما نقدّم زينب(ع) إلى جانب الحسين(ع)، نستذكر أنَّ أمها فاطمة(ع) كانت إلى جانب علي(ع)، وأنَّ جدتها خديجة كانت إلى جانب رسول الله(ص)، ونفهم من هذا، أن الله يريد للمرأة المسلمة أن تقف وقفة الحق، وأن تواجه الظالمين وأن تواجه الطغاة، وأن تملك القوّة في المواقع الّتي تفرض عليها أن تقول كلمة الحقّ، فالله لم يكلّف الرجل فقط في ما هي مسألة جهاد المواقف، بل كلَّف المرأة والرجل... والخطّ الإسلامي الَّذي يجب أن يتعاون فيه الرجل والمرأة من أجل بلوغ الغاية في نصرة الله ونصرة دينه ونصرة رسول الله..." [ ن.م ص 549، دار الملاك].
السّلام على مولاتنا زينب الحوراء وجدها وأبيها وأمها وأخويها،
السيّدة زينب(ع) أنموذج المرأة الرساليَّة
العرض العادي
