في الصبر وما يلحق به
الصبر في اللغة : حبس النفس من الفزع من المكروه والجزع عنه ، وإنما يكون ذلك بمنع باطنه من الاضطراب ، وأعضائه من الحركات غير المعتادة ، وهو ثلاثة أنواع :
الأول : صبر العوام ، وهو حبس النفس على وجه التجلد ، وإظهار الثبات في النائبات ، ليكون حاله عند العقلاء وعامة الناس مرضية يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون .
الثاني : صبر الزهاد ، والعباد ، وأهل التقوى ، وأرباب الحلم ، لتوقع ثواب الآخرة ، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .
الثالث : صبر العارفين ، فإن لبعضهم التذاذاً بالمكروه ، لتصورهم أن معبودهم خصهم به من دون الناس ، وصاروا ملحوظين ( بشرف نظرته ) وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة ، قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون .
وهذا النوع يختص باسم الرضا ، وسيأتي في باب خاص .
والأول لا ثواب عليه ، لأنه لم يفعله لله ، وإنما فعله لأجل الناس ، بل هو في الحقيقة رياء محض ، فكلما ورد في الرياءات فيه ، ولكن الجزع شر منه ، لأن النفوس البشرية تميل إلى التخلق بأخلاق النظراء والمعاشرين والخلطاء ، فيفشوا الجزع فيهم ، وإذا رأوا أحوال الصابرين مالت نفوسهم إلى التخلق بأخلاقهم ، فربما صار ذلك سبباً لكمالهم ، فيحصل منه فائدة في نظام النوع ، وإن لم يعد على هذا الصابر .
والصبر عند الإطلاق يحمل على القسم الثاني .
واعلم أن الله ـ سبحانه ـ قد وصف الصابرين بأوصاف ، وذكر الصابرين في القرآن في نيف وسبعين موضعاً ، وأضاف أكثر الخيرات والدرجات إلى الصبر وجعلها
ثمرة له ، فقال عز من قائل : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ اَئِمّةً يَهْدُونَ بِاَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا ) وقال : ( وتَمَتْ كَلَمَتُ رَبِكَ الْحُسْنى عَلَى بَني اِسْرَآئيلَ بِمَا صَبَرُوا) وقال تعالى : ( وَلَنَجْزينَّ الذينَ صَبَروا اجْرَهُم بِاحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ) وقال : ( اُلئِكَ يُؤْتَوْنَ اَجْرَهُمْ مَرَّتَيْن بِمَا صَبَرُوا ) وقال : ( انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) .
فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر ، ولأجل كون الصوم من الصبر ، وأنه نصف الصبر كان لا يتولى أجره إلا الله ـ تبارك وتعالى ـ كما ورد في الأثر .
قال الله تعالى : « الصوم لي ، وأنا اجزي به » فأضافه إلى نفسه من بين سائر العبادات ، ووعد الصابرين بأنه معهم ، فقال : ( واصبروا ان الله مع الصابرين ) وعلق النصرة على الصبر ، فقال : ( بلى إن تصبروا وتتّقوا ويا توكم من فورهم هذا يمددكم ربُكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) . وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم ، فقال : ( اولئك عليه صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون ) فالهدى والصلوات والرحمة مجموعة للصابرين ، واستقصاء جميع الآيات في مقام الصبر يطول .
وأما الأخبار
فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « الصبر نصف الإيمان » .
وقال صلى الله عليه وآله : « من أقل ما اوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ، ومن اعطي حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار ، ولئن تصبروا على مثل ما أنتم عليه ، أحب إلي من أن يوافيني كل امرئ منكم بمثل عمل جميعكم ، لكني أخاف ان تفتح عليكم الدنيا بعدي ، فينكر بعضكم بعضاً ، وينكركم أهل السماء عند ذلك ، فمن صبر واحتسب ظفر بكمال ثوابه ، ثم قرأ : ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا ) الآية » .
وروى جابر : أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الإيمان ، فقال : « الصبر كنز من كنوز الجنة » ، وسئل مرة ؟ ما الايمان ، فقال : « الصبر » وهذا نظير قوله عليه السلام : « الحج عرفة » .
وقال صلى الله عليه وآله : « أفضل الاعمال ما اكرهت عليه النفوس » .
وقيل : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : « تخلق باخلاقي ، وإن من أخلاقي الصبر » .
وعن ابن عباس رضي الله عنه لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الأنصار ، فقال : « أمؤمنون أنتم ؟ » فسكتوا ، فقال رجل : نعم ، يا رسول الله . فقال : « وما علامة إيمانكم ؟ » قالوا : نشكر على الرخاء ، ونصبر على البلاء ، ونرضى بالقضاء ، فقال : « مؤمنون ورب الكعبة » .
وقال صلى الله عليه وآله : « في الصبر على ما يكره خير كثير » .
وقال المسيح عليه السلام : « إنكم لا تدركون ما تحبون ، إلا بصبركم على ما تكرهون » .
وقال صلى الله عليه وآله : « لو كان الصبر رجلا لكان كريماً » .
وقال علي عليه السلام : « بني الإيمان على أربع دعائم : اليقين ، والصبر ، والجهاد ، والعدل ».
وقال أيضاً : « الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا جسد لمن لا رأس له ، ولا ايمان لمن لا صبر له » .
وقال علي عليه السلام : « عليكم بالصبر ، فإنه به يأخذ الحازم ، وإليه يعود الجازع » .
وقال علي عليه السلام : « إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور ، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور » .
وعن الحسن بن علي عليهما السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : « إن في الجنة شجرة يقال لها : شجرة البلوى ، يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة ، فلا يرفع لهم ديوان ، ولا ينصب لهم ميزان ، يصب عليهم الأجر صباً ، وقرأ عليه السلام : ( انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) » .
عنه عليه السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها رجل ، أو جرعة صبر على مصيبة ، وما من قطرة أحب إلى الله تعالى من قطرة دمع من خشية الله ، أو قطرة دم أهرقت في سبيل الله » .
وعنه عليه السلام : « المصائب مفاتيح الأجر » .
وعن زين العابدين عليه السلام : « إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي منادٍ : أين الصابرون ؟ ليدخلوا الجنة بغير حساب ، قال : فيقوم عنق من الناس ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : إلى أين ، يا بني آدم ؟ ! فيقولون : إلى الجنة ، فيقولون : وقبل الحساب ؟ ! فقالوا : نعم ، قالوا : ومن أنتم ؟ قالوا : الصابرون . قالوا وما كان صبركم ؟ قالوا : صبرنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معصية الله ، حتى توفانا الله عزوجل ، قالوا، أنتم كما قلتم ، أدخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين » .
وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « قال الله عزوجل : إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ، ثم أستقبل ذلك بصبر جميل ، استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً ، أو أنشر له ديواناً » .
وعن أبن مسعود ، عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : « ثلاث من رزقهن فقد رزق خير الدارين : الرضا بالقضاء ، والصبر على البلاء ، والدعاء في الرخاء » .
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : « يا غلام ـ أو ياغليم ـ ألا اعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ فقلت : بلى ، فقال : إحفظ الله يحفظك ، إحفظ الله تجده أمامك ، تعرف ( إلى الله ) في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وأنّ النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً » .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « يؤتى الرجل في قبره بالعذاب ، فإذا أُتي من قبل رأسه دفعه تلاوة القرآن ، وإذا أُتي من قبل يديه دفعته الصدقة ، وإذا أتي من قبل رجليه دفعه مشيه إلى المسجد ، والصبر حجزه ، يقول : أما لو رأيت خللاً لكنت صاحبه » .
وفي لفظ آخر : « إذا دخل الرجل القبر قامت الصلاة عن يمينه ، والزكاة عن شماله ، والبر يظل عليه ، والصبر بناحية يقول : دونكم صاحبي ، فإني من ورائه ، يعني : إن استطعتم أن تدفعوا عنه العذاب ، وإلا فأنا أكفيكم ذلك ، وأدفع عنه العذاب » .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له » .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « ألا أجبكم إن المؤمن إذا أصاب خيراً حمد الله وشكر ، وإذا اصابته مصيبة حمد الله وصبر ، فالمؤمن ، يؤجر في كل شيء حتى اللقمة يرفعها إلى فيه».
وفي حديث آخر : « حتى اللقمة يرفعها إلى فم امرأته » .
وعنه صلى الله عليه وآله : « الصبر خير مركب ، ما رزق الله عبداً خيراً له ولا أوسع من الصبر » .
وسئل صلى الله عليه وآله : هل من رجل يدخل الجنة بغير حساب ؟ قال : « نعم ، كل رحيم صبور » .
وعن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « إن الحر حر على جميع أحواله ، إن نابته نائبة صبر لها ، وإن تراكمت عليه المصائب لم تكسره ، وإن أُسر وقهر واستبدل باليسر عسراً ، كما كان يوسف الصديق الأمين عليه السلام ، لم يضرر حريته أن استعبد وأُسر وقهر ، ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته ، وما ناله أن من الله عليه ، فجعل الجبار العاتي له عبداً بعد أن كان ملكاً ، فأرسله ورحم به أمة ، وكذلك الصبر يعقب خيراً ، فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر تؤجروا » .
وعن الباقر عليه السلام : « الجنة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة ، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات ، فمن اعطى نفسه لذّاتها وشهوتها دخل النار».
وعن عليّ عليه السلام ، قال : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الصبر ثلاثة : صبر عند المصيبة ، وصبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية ، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاث مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ست مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسع مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش » .
وعن أبي حمزة الثمالي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه ، كان له مثل أجر ألف شهيد » .
وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله عزوجل : إني جعلت الدنيا بين عبادي قرضاً ، فمن أقرضني منها قرضاً أعطيته بكل واحدة عشراً إلى سبعة مئة ضعف وما شئت من ذلك ، ومن لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه شيئاً قسراً ، أعطيته ثلاث خصال ، لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني .
ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام قول الله عزوجل : ( الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ) فهذه واحدة من ثلاث خصال ( ورحمة ) إثنان ( واولئك هم المهتدون ) ثلاث .
ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : « هذا لمن أُخذ منه شيئاً قسراً » .
نسألكم الدعاء
الصبر في اللغة : حبس النفس من الفزع من المكروه والجزع عنه ، وإنما يكون ذلك بمنع باطنه من الاضطراب ، وأعضائه من الحركات غير المعتادة ، وهو ثلاثة أنواع :
الأول : صبر العوام ، وهو حبس النفس على وجه التجلد ، وإظهار الثبات في النائبات ، ليكون حاله عند العقلاء وعامة الناس مرضية يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون .
الثاني : صبر الزهاد ، والعباد ، وأهل التقوى ، وأرباب الحلم ، لتوقع ثواب الآخرة ، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب .
الثالث : صبر العارفين ، فإن لبعضهم التذاذاً بالمكروه ، لتصورهم أن معبودهم خصهم به من دون الناس ، وصاروا ملحوظين ( بشرف نظرته ) وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة ، قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون .
وهذا النوع يختص باسم الرضا ، وسيأتي في باب خاص .
والأول لا ثواب عليه ، لأنه لم يفعله لله ، وإنما فعله لأجل الناس ، بل هو في الحقيقة رياء محض ، فكلما ورد في الرياءات فيه ، ولكن الجزع شر منه ، لأن النفوس البشرية تميل إلى التخلق بأخلاق النظراء والمعاشرين والخلطاء ، فيفشوا الجزع فيهم ، وإذا رأوا أحوال الصابرين مالت نفوسهم إلى التخلق بأخلاقهم ، فربما صار ذلك سبباً لكمالهم ، فيحصل منه فائدة في نظام النوع ، وإن لم يعد على هذا الصابر .
والصبر عند الإطلاق يحمل على القسم الثاني .
واعلم أن الله ـ سبحانه ـ قد وصف الصابرين بأوصاف ، وذكر الصابرين في القرآن في نيف وسبعين موضعاً ، وأضاف أكثر الخيرات والدرجات إلى الصبر وجعلها
ثمرة له ، فقال عز من قائل : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ اَئِمّةً يَهْدُونَ بِاَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا ) وقال : ( وتَمَتْ كَلَمَتُ رَبِكَ الْحُسْنى عَلَى بَني اِسْرَآئيلَ بِمَا صَبَرُوا) وقال تعالى : ( وَلَنَجْزينَّ الذينَ صَبَروا اجْرَهُم بِاحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ) وقال : ( اُلئِكَ يُؤْتَوْنَ اَجْرَهُمْ مَرَّتَيْن بِمَا صَبَرُوا ) وقال : ( انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) .
فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر ، ولأجل كون الصوم من الصبر ، وأنه نصف الصبر كان لا يتولى أجره إلا الله ـ تبارك وتعالى ـ كما ورد في الأثر .
قال الله تعالى : « الصوم لي ، وأنا اجزي به » فأضافه إلى نفسه من بين سائر العبادات ، ووعد الصابرين بأنه معهم ، فقال : ( واصبروا ان الله مع الصابرين ) وعلق النصرة على الصبر ، فقال : ( بلى إن تصبروا وتتّقوا ويا توكم من فورهم هذا يمددكم ربُكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) . وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم ، فقال : ( اولئك عليه صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون ) فالهدى والصلوات والرحمة مجموعة للصابرين ، واستقصاء جميع الآيات في مقام الصبر يطول .
وأما الأخبار
فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « الصبر نصف الإيمان » .
وقال صلى الله عليه وآله : « من أقل ما اوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ، ومن اعطي حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار ، ولئن تصبروا على مثل ما أنتم عليه ، أحب إلي من أن يوافيني كل امرئ منكم بمثل عمل جميعكم ، لكني أخاف ان تفتح عليكم الدنيا بعدي ، فينكر بعضكم بعضاً ، وينكركم أهل السماء عند ذلك ، فمن صبر واحتسب ظفر بكمال ثوابه ، ثم قرأ : ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا ) الآية » .
وروى جابر : أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الإيمان ، فقال : « الصبر كنز من كنوز الجنة » ، وسئل مرة ؟ ما الايمان ، فقال : « الصبر » وهذا نظير قوله عليه السلام : « الحج عرفة » .
وقال صلى الله عليه وآله : « أفضل الاعمال ما اكرهت عليه النفوس » .
وقيل : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : « تخلق باخلاقي ، وإن من أخلاقي الصبر » .
وعن ابن عباس رضي الله عنه لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الأنصار ، فقال : « أمؤمنون أنتم ؟ » فسكتوا ، فقال رجل : نعم ، يا رسول الله . فقال : « وما علامة إيمانكم ؟ » قالوا : نشكر على الرخاء ، ونصبر على البلاء ، ونرضى بالقضاء ، فقال : « مؤمنون ورب الكعبة » .
وقال صلى الله عليه وآله : « في الصبر على ما يكره خير كثير » .
وقال المسيح عليه السلام : « إنكم لا تدركون ما تحبون ، إلا بصبركم على ما تكرهون » .
وقال صلى الله عليه وآله : « لو كان الصبر رجلا لكان كريماً » .
وقال علي عليه السلام : « بني الإيمان على أربع دعائم : اليقين ، والصبر ، والجهاد ، والعدل ».
وقال أيضاً : « الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا جسد لمن لا رأس له ، ولا ايمان لمن لا صبر له » .
وقال علي عليه السلام : « عليكم بالصبر ، فإنه به يأخذ الحازم ، وإليه يعود الجازع » .
وقال علي عليه السلام : « إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور ، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور » .
وعن الحسن بن علي عليهما السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : « إن في الجنة شجرة يقال لها : شجرة البلوى ، يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة ، فلا يرفع لهم ديوان ، ولا ينصب لهم ميزان ، يصب عليهم الأجر صباً ، وقرأ عليه السلام : ( انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) » .
عنه عليه السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها رجل ، أو جرعة صبر على مصيبة ، وما من قطرة أحب إلى الله تعالى من قطرة دمع من خشية الله ، أو قطرة دم أهرقت في سبيل الله » .
وعنه عليه السلام : « المصائب مفاتيح الأجر » .
وعن زين العابدين عليه السلام : « إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي منادٍ : أين الصابرون ؟ ليدخلوا الجنة بغير حساب ، قال : فيقوم عنق من الناس ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : إلى أين ، يا بني آدم ؟ ! فيقولون : إلى الجنة ، فيقولون : وقبل الحساب ؟ ! فقالوا : نعم ، قالوا : ومن أنتم ؟ قالوا : الصابرون . قالوا وما كان صبركم ؟ قالوا : صبرنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معصية الله ، حتى توفانا الله عزوجل ، قالوا، أنتم كما قلتم ، أدخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين » .
وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « قال الله عزوجل : إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ، ثم أستقبل ذلك بصبر جميل ، استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً ، أو أنشر له ديواناً » .
وعن أبن مسعود ، عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : « ثلاث من رزقهن فقد رزق خير الدارين : الرضا بالقضاء ، والصبر على البلاء ، والدعاء في الرخاء » .
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : « يا غلام ـ أو ياغليم ـ ألا اعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ فقلت : بلى ، فقال : إحفظ الله يحفظك ، إحفظ الله تجده أمامك ، تعرف ( إلى الله ) في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وأنّ النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً » .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « يؤتى الرجل في قبره بالعذاب ، فإذا أُتي من قبل رأسه دفعه تلاوة القرآن ، وإذا أُتي من قبل يديه دفعته الصدقة ، وإذا أتي من قبل رجليه دفعه مشيه إلى المسجد ، والصبر حجزه ، يقول : أما لو رأيت خللاً لكنت صاحبه » .
وفي لفظ آخر : « إذا دخل الرجل القبر قامت الصلاة عن يمينه ، والزكاة عن شماله ، والبر يظل عليه ، والصبر بناحية يقول : دونكم صاحبي ، فإني من ورائه ، يعني : إن استطعتم أن تدفعوا عنه العذاب ، وإلا فأنا أكفيكم ذلك ، وأدفع عنه العذاب » .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له » .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « ألا أجبكم إن المؤمن إذا أصاب خيراً حمد الله وشكر ، وإذا اصابته مصيبة حمد الله وصبر ، فالمؤمن ، يؤجر في كل شيء حتى اللقمة يرفعها إلى فيه».
وفي حديث آخر : « حتى اللقمة يرفعها إلى فم امرأته » .
وعنه صلى الله عليه وآله : « الصبر خير مركب ، ما رزق الله عبداً خيراً له ولا أوسع من الصبر » .
وسئل صلى الله عليه وآله : هل من رجل يدخل الجنة بغير حساب ؟ قال : « نعم ، كل رحيم صبور » .
وعن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « إن الحر حر على جميع أحواله ، إن نابته نائبة صبر لها ، وإن تراكمت عليه المصائب لم تكسره ، وإن أُسر وقهر واستبدل باليسر عسراً ، كما كان يوسف الصديق الأمين عليه السلام ، لم يضرر حريته أن استعبد وأُسر وقهر ، ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته ، وما ناله أن من الله عليه ، فجعل الجبار العاتي له عبداً بعد أن كان ملكاً ، فأرسله ورحم به أمة ، وكذلك الصبر يعقب خيراً ، فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر تؤجروا » .
وعن الباقر عليه السلام : « الجنة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة ، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات ، فمن اعطى نفسه لذّاتها وشهوتها دخل النار».
وعن عليّ عليه السلام ، قال : «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الصبر ثلاثة : صبر عند المصيبة ، وصبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية ، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاث مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ست مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسع مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش » .
وعن أبي حمزة الثمالي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه ، كان له مثل أجر ألف شهيد » .
وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله عزوجل : إني جعلت الدنيا بين عبادي قرضاً ، فمن أقرضني منها قرضاً أعطيته بكل واحدة عشراً إلى سبعة مئة ضعف وما شئت من ذلك ، ومن لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه شيئاً قسراً ، أعطيته ثلاث خصال ، لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني .
ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام قول الله عزوجل : ( الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ) فهذه واحدة من ثلاث خصال ( ورحمة ) إثنان ( واولئك هم المهتدون ) ثلاث .
ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : « هذا لمن أُخذ منه شيئاً قسراً » .
نسألكم الدعاء
تعليق