من أهم الحروب التي شُنَّت على أئمة أهل البيت عليهم السلام؛ هي حرب الكذب عليهم، ووضع الأحاديث زوراً وبهتاناً على لسانهم، ونسبتها إليهم، ودسها بين أصحابهم، وكان ذلك بمكر وخديعة ودهاء، وقد وقع ذلك بشكل واضح وجلي في الدولة الأموية والدولة العباسية، وبالأخص قبل فترة الإمام الرضا عليه السلام، ومن الناحية السياسية قد سنحت الفرصة للإمام الرضا عليه السلام أن يكشف الكثير من هذه الأكاذيب والروايات الموضوعة على النبي صلى الله عليه وآله وعلى الأئمة الطاهرين عليهم السلام، ومن راجع كتاب (عيون أخبار الرضا عليه السلام) فمن المواضيع التي يدخل فيها الكذب والوضع بطريقة سهلة باب الفضائل والمعجزات، لأن السواد الأعظم من الناس لهم تعلق بهذا الجانب ويرغب أن يسمع منها الشيء الكثير، فمجال الوضع فيها أوسع من باب الفقه المختص بالعلماء.
الإمام الرضا عليه السلام يحذر من كثرة الكذب عليه، وعلى آبائه من قبل، وعلى شيعته ومواليه أن يتنبهوا وأن يكونوا على وعي تام، ولا يأخذهم الجانب العاطفي والمحبة الساذجة، سواء على مستوى العلماء المتهاونين والمتساهلين الذين تمرر عليهم كثير من الأكاذيب الموضوعة، أو على مستوى عموم الناس المستمعين لما يلقى عليهم أو ما يجدونه مكتوباً، وبعبارة أخرى يجب أن يكون هناك وعي تام للعالِم والمتعلم والملقي والمتلقي.
وإليك هذه الرواية المروية عن الإمام الرضا عليه السلام، التي تكشف عن مدى خطورة هذه الحرب المسعورة على أهل البيت عليهم السلام:
روى الشيخ الصدوق في [عيون أخبار الرضا عليه السلام] بسنده الصحيح عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ قَالَ: قُلْتُ لِلرِّضَا عليه السلام: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ عِنْدَنَا أَخْبَاراً فِي فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَفَضْلِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ مُخَالِفِيكُمْ وَلَا نَعْرِفُ مِثْلَهَا عِنْدَكُمْ[1] أَفَنَدِينُ بِهَا؟
فَقَالَ: يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عليه السلام أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله قَالَ: مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ، فَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ، وَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ عَنْ إِبْلِيسَ فَقَدْ عَبَدَ إِبْلِيسَ.
ثُمَّ قَالَ الرِّضَا [عليه السلام]: يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ إِنَّ مُخَالِفِينَا وَضَعُوا أَخْبَاراً فِي فَضَائِلِنَا وَجَعَلُوهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ[2] :
أَحَدُهَا: الْغُلُوُّ، وَثَانِيهَا: التَّقْصِيرُ فِي أَمْرِنَا، وَثَالِثُهَا: التَّصْرِيحُ بِمَثَالِبِ [3] أَعْدَائِنَا.
فَإِذَا سَمِعَ النَّاسُ الْغُلُوَّ فِينَا: كَفَّرُوا شِيعَتَنَا وَنَسَبُوهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِرُبُوبِيَّتِنَا.
وَإِذَا سَمِعُوا التَّقْصِيرَ: اعْتَقَدُوهُ فِينَا.
وَإِذَا سَمِعُوا مَثَالِبَ أَعْدَائِنَا بِأَسْمَائِهِمْ: ثَلَبُونَا بِأَسْمَائِنَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [4]
يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ: إِذَا أَخَذَ النَّاسُ يَمِيناً وَشِمَالًا فَالْزَمْ طَرِيقَتَنَا فَإِنَّهُ مَنْ لَزِمَنَا لَزِمْنَاهُ وَمَنْ فَارَقَنَا فَارَقْنَاهُ، إِنَّ أَدْنَى مَا يُخْرِجُ الرَّجُلَ مِنَ الْإِيمَانِ أَنْ يَقُولَ لِلْحَصَاةِ هَذِهِ نَوَاةٌ ثُمَّ يَدِينُ بِذَلِكَ وَيَبْرَأُ مِمَّنْ خَالَفَهُ
يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ احْفَظْ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ فَقَدْ جَمَعْتُ لَكَ فِيهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ [5]
وما يهمنا في هذه الرواية الصحيحة الآن؛ هو أنها تكشف لنا أن أعداء أهل البيت عليهم السلام قد جدوا واجتهدوا في وضع الأحاديث على ألسنتهم والكذب عليهم، وقد صدقهم الناس وسرت بينهم وأخذوا بها، ولم يكن ذلك مقصوراً على كتب أهل السنة فقد شملت كتب الشيعة، كما فعل المغيرة بن سعيد بكتب أصحاب الإمام الباقر عليه السلام، والتنقية والتصحيح التي قام بها الأئمة ومنهم الإمام الرضا عليه السلام لا يعني هذا خلو كتبنا الحديثية الآن من ذلك الكذب [6] خصوصاً وأن الأئمة عليهم السلام كانوا مطاردين من قبل السلطات الظالمة، ورويت بعدهم الروايات الكثيرة والمؤلفات العديدة.
والعلماء الأعلام قد بذلوا أعمارهم في سبيل تنقية رواياتنا وكتبنا من الروايات الموضوعة والمكذوبة، ولكن لا يعني ذلك أن كتبنا خلت منها، بل ما أكثرها، فمن البساطة وتهوين الأمر القول بعدم وجود روايات مكذوبة في كتبنا ورواياتنا المنسوبة إلى أهل البيت عليهم السلام، وإذا صح كلام السيد المرتضى علم الهدى في مدرسة قم فتلك كارثة كبيرة في هذا الجانب.
----------------
[1] في البحار: عَنْكُمْ.
[2] في البحار: على أقسام ثلاثة.
[3] الثَّلْبُ: شدة اللوم، والأخذ باللسان. وثلبه ثلباً: إذا صرح بالعيب وتنقصه. والمثالب: العيوب، الواحدة مثلبة.
[4] سورة الأنعام: 108.
[5] الرواية هذه رواها الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا ) ج 1 ص 272 باب 28 فيما جاء عن الإمام علي بن موسى المقطع الأخير من حديث رقم 63 طبع الأعلمي. ورواها المجلسي في عدة مواضع من بحار الأنوار منها في ج: 26 ص: 239.
[6] انظر إلى الكذب الصراح في تفضيل وكثرة ثواب اللعن على الصلاة على محمد وآل محمد. هذا الكلام المضطرب الركيك الذي لا مصدر له ينسبه ناقله إلى أمير المؤمنين عليه السلام ثم إن ناقله حيث لم يجد له مصدراً في رواية أو في كتاب علمي ينسبه إلى خط الحر العاملي المتوفى (1104 هـ) صاحب الوسائل دون أن يذكر مصدره من كتبه وكأن صاحب الوسائل من المجهولين الذين لا أثر لهم ولا مؤلف، وهذه من عادة الأحاديث المكذوبة التي لا مصدر لها تنسب إلى خطوط العلماء الأعلام دون ذكر المصدر كما حدث في الحديث المنسوب إلى فاطمة الزهراء عليها السلام وهي القصة الموضوعة المنسوبة إلى حديث الكساء فقد نسبت باسم الرواية: أنه وجد بخط السيد هاشم البحراني هذا الحديث مع أن كتب السيد البحراني معروفة ومنتشرة ولم يذكر فيها هذه القصة فهل الواضع لهما واحد أم متعدد.
انظر مصدر هذه الكذبة: كتاب مجمع النورين وملتقى البحرين ص243. دون أن يذكر لها المؤلف مصدراً وكذلك محقق الكتاب لم يتمكن أن يثبت له مصدراً.
المواضيع المتشابهه
أشد الحروب حرب الكذب على أهل البيت عليهم السلام
العرض العادي
