المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معالم شخصية أبي الفضل العباس (ع)


العلوية ام موسى الاعرجي
01-01-2015, 12:58 PM
http://al-serat.com/pic/8888.jpgزار الإمام الصادق عمه العباس (ع) فقال: (سَلامُ اللهِ, وَسَلامُ مَلائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ, وَأَنْبِيَائِهِ الْمُرْسَلِينَ, وَعِبادِهِ الصَّالِحِينَ, وَجَمِيعِ الشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ، وَالزَّاكِياتِ الطَّيِّبَاتِ فِيمَا تَغْتَدِي وَتَرُوحُ, عَلَيْكَ يَا ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، أَشْهَدُ لَكَ بِالتَّسْلِيمِ, وَالتَّصْدِيقِ, وَالْوَفَاءِ، وَالنَّصِيحَةِ لِخَلَفِ النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ...
السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الْمُطِيعُ للهِ, وَلِرَسُولِه, ولأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ, وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِم وَسَلَّم، السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوَانُهُ عَلَى رُوحِكَ وَبَدَنِكَ .
أَشْهَدُ وأُشْهِدُ اللهَ أنَّكَ مَضَيْتَ عَلَى مَا مَضَى بِه الْبَدْرِيُّونَ, وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ، الْمُنَاصِحُونَ لَه فِي جِهَادِ أَعْدَائِهِ, الْمُبَالِغُونَ فِي نُصْرَةِ أَوْلِيَائِهِ، الذَّابُّونَ عَنْ أَحِبَّائِهِ.
أَشْهَدُ أنَّكَ قَدْ بَالَغْتَ فِي النَّصِيحَةِ, وَأَعْطَيْتَ غَايَةَ الْمَجْهُودِ... وَأَنَّكَ مَضَيْتَ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِكَ مُقْتَدِياً بِالصَّالِحِينَ، وَمُتَّبِعاً لِلنَّبِيّينَ...)(1).
في هذا النص الشريف أثبت الإمام الصادق (ع) خمس شهادات واضحة بيّنة أوضحت معالم شخصية أبي الفضل العباس (ع) وما اتسمت به من سمات رسالية, وأبعاد واسعة المدى جعلت من العباس إسلاماً متجسداً يمشي على الأرض, وهذا خير دلالة على عمق الرعاية التي تلقاها أبو الفضل في تربيته وإعداده على يد أبيه أمير المؤمنين (ع) وأَخويه الحسنين، هذه الشهادات هي:
الشهادة الأولى: بيان لوعي أصول الإسلام كاملة في نفس وروح وقلب أبي الفضل، وتجسيد تلك الأصول وانعكاسها على سلوكه فيكون العباس (ع) بذلك إسلاماً متجسداً، وبكلمة أوضح إنَّ هذا العبد الصالح مَثَّلَ الإسلام في سلوكه إيماناً, وعلماً, وعملاً... قال (ع): (أَشْهَدُ لَكَ بِالتَّسْلِيمِ) والتسليم درجة إيمانية عليا لا يبلغها إلا الخلص من أولياء الله؛ لأنَّ الإنسان فيها يُسلم نفسه لله مختاراً مطيعاً, بلا قيد ولا شرط, وقد أكد القرآن الكريم على عملية التسليم في عدة آيات, قال تعالى: ((ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور)) (لقمان:22)
((بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) (البقرة:112)
والتسليم لله معنى جامع لأعمق ألوان الارتباط بالله تعالى, وامتثال أمره (والتوجه الكامل وبكل الوجود إلى الذات المقدسة) حتى يعود المستسلم خاضعاً, مطيعاً، مفوضاً، متواضعاً لله تعالى لا يريد من وراء ذلك جزاء ولا شكوراً. وبعبارة أوضح أنَّ التسليم هو الانقياد, والطاعة المطلقة بتجرد كامل عن إرادة كل شيء سوى الله تعالى, وهذه هي أول درجات الإسلام والإيمان, ومنها يرتقي إلى درجات أعلى وإن كانت هذه الدرجات هي ثمرات التسليم منه تنبع, وبه تثمر, وإليه تعود, وقد أوضح أمير المؤمنين علي (ع) هذه الحقيقة بقوله:
(لأَنْسُبَنَّ الإِسْلامَ نِسْبَةً لَمْ يَنْسُبْهَا أَحَدٌ قَبْلِي: الإِسْلامُ هُوَ التَّسْلِيمُ, وَالتَّسْلِيمُ هُوَ الْيَقِينُ, وَالْيَقِينُ هُوَ التَّصْدِيقُ, وَالتَّصْدِيقُ هُوَ الإِقْرَارُ, وَالإِقْرَارُ هُوَ الأَدَاءُ, والأَدَاءُ هُوَ الْعَمَلُ)(2).
بهذا التسلسل البديع بيَّن الإمام جذور الإسلام وكيفية امتداده في الجوانح وسيطرته على الجوارح (إنَّه الاستسلام المطلق لله - مع إحسان العمل والسلوك - الاستسلام بكامل معناه, والطمأنينة لقدر الله والانصياع لأوامر الله وتكاليفه وتوجيهاته مع الشعور بالثقة، والاطمئنان للرحمة, والاسترواح للرعاية, والرضى الوجداني, رضى السكون والارتياح... كل أولئك يرمز لـه بإسلام الوجه إلى الله. والوجه أكرم وأعلى ما في الإنسان)(3).
هذه أبرز صفة برزت في شخصية قمر بني هاشم حتى عاد لا يرى مؤثراً في الوجود إلا الله, ولا شيء يستحق أن يبذل الإنسان مهجته من أجله إلا دين الله.
والله إن قطعتم يميني * إني أحامي أبداً عن ديني
ومن هذا التسليم جاءت الصفة الثانية, وهي التصديق الذي يلازم التسليم, ولا ينفك عنه فلا يكون تسليم بلا تصديق ويقين (فالتسليم الذي هو حقيقة الإسلام يخص القلب, هذا التسليم يوصله الإمام إلى جذور الحقيقة وهو التصديق, ومن التصديق يصعد الفرع الثاني للتسليم حيث يمتد إلى الجوارح وهو الأداء, والأداء هو العمل. إذن أساس الإسلام التصديق, ومن التصديق يتفرع فرعان: فرع يتصل بالقلب وهو اليقين والتصديق, وفرع يتصل بالجوارح, وهو الأداء والعمل الصالح)(4).
ومن هذه الخصلة العرفانية العالية التي تجسدت في سلوك أبي الفضل (ع) اتضحت لنا معالم شخصيته - فهو صادق مع الله تعالى في إيمانه: حباً, وخوفاً, ورجاءاً, وورعاً وتقوى, وهو صادق مع أخيه الحسين امتدادُ رسول الله (ص) - برز الوفاء في موقفه بأروع صوره وأعلى مراتبه. فكان مصداقاً رائعاً للموفين بعهدهم إذا عاهدوا, وضرب بذلك المثل الرائع الذي بقى إلى اليوم, وسيبقى إلى يوم القيامة يرن في آذان أبناء آدم .
ومع التسليم, والتصديق, والوفاء كان ناصحاً أي أنه لم يكن يطلب بذلك سوى رضا الله تعالى في جهاد أعدائه تعالى...
بهذه السمات العالية تحلى العباس بن علي (ع) فوصل إلى أعلى مراتب الكمال البشري فأصبح مثالاً, وأسوةً, ومقتدى, ومحركاً للتاريخ إلى يوم القيامة. والإمام الصادق (ع) إنما أشار في الزيارة إلى تلك الخصال لا ليمدح العباس (ع) وحسب, ولا ليبين مقامه فقط - ففضائله ومقامه أوضح من الشمس في رابعة النهار - وإنما يريد أن يهدينا ويرشدنا من خلال ذلك إلى مكارم الأخلاق .
الشهادة الثانية: شهد له (ع) بالعبودية الكاملة لله تعالى؛ وهي فرع التسليم له تعالى, فلا يكون الإنسان لله عبداً ما لم يسلم نفسه لله تسليماً مطلقاً, ولا يصل الإنسان إلى تلك المرتبة ما لم يتحرر من كل الضواغط الداخلية والخارجية كي يُعَبِّدَ نفسه لله تعالى عن علم وطواعية واختيار. وبذلك يصبح حراً من كل القيود الشهوانية أو الطاغوتية .
(إنَّ هذه الصفة (العبودية لله) أرقى مراتب الإنسان الكامل؛ لأنَّها حلقة الوصل بين المولى والعبد, وأفضل حالات أي فاضل، حيث يجد نفسه الطرف الرابط لموجد كيانه جل وعلا, وإنَّ من أكمل مراتب الوجود فيما إذا التأم المنتهى مع المبدأ بنحو الصلة, وهذا لا يكون إلا إذا بلغ العبد أرقى مراتب الإنسانية التي تلحقه بعالم البساطة, وتنتهي به إلى صقع التجرد فتؤهله؛ لأن يتصل بالمبدأ الأعلى فلو فقد الإنسان تلك الملائمة دحره عن حضيرة القداسة انقطاع النسبة, وبُعْد المَرمَى وشسوع المسافة)(5). فالعباس بن علي (ع) كان مصداقاً تاماً للعبد الصالح؛ لأنَّه بذل كل شيء في سبيل الله تعالى كما قال الإمام الصادق (ع): (السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الْمُطِيعُ للهِ, وَلِرَسُولِه, ولأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ...)
وخلاصة الكلام: العبودية هي الطاعة المطلقة لله تعالى بالانقياد لأوامره والتسليم لقضائه وقدره, ودلالة ذلك بذل كل شيء في سبيل الله, والذوبان في حبه وطاعته بمنع النفس عما تهوى وتحميلها ما تكره, وجعل رضوان الله غاية في كل عمل يقوم به العبد, وهذا ما نفهمه من كلمات الزيارة لأبي الفضل (ع) التي تجلت فيها معالم شخصية أبي الفضل؛ ولهذا (كان الحري بأرباب المقاتل والنسب أن يدونوا لـه هذا اللقب المعرب عن أسمى منزلة له (ع) وهو العبد الصالح)(6).
الشهادة الثالثة: إنَّه امتداد للسائرين الأوائل في نصرة الحق وهم البدريون الذين بذلوا مهجهم في سبيل الله يوم الفرقان (أَشْهَدُ وأُشْهِدُ اللهَ أنَّكَ مَضَيْتَ عَلَى مَا مَضَى بِه الْبَدْرِيُّونَ, وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ...) وقد وصفهم الإمام (ع) بأربعة أوصاف:
الأولى: أنهم مجاهدون في سبيل الله.
الثانية: أنهم مناصحون أي مخلصون لله بتجرد كامل.
الثالثة: المبالغة في نصرة أولياء الله.
الرابعة: الذب عن أحباء الله تعالى.
وهذه الأوصاف الأربعة كلها تجسدت عملياً في العباس (ع).
الشهادة الرابعة: المبالغة في النصح, وهو تعبير ينبئ عن الجهود العالية التي بذلها أبو الفضل في نصرة الحق والعدل, وببذل منقطع النظير: (وَأَعْطَيْتَ غَايَةَ الْمَجْهُودِ).
الشهادة الخامسة: عارف بربه, فقيه في دينه, بصير في أمره؛ ولهذا وصفه الإمام (ع) بأنَّه نافذ البصيرة, صلب الإيمان, ثابت الجنان, وأقدم على ما أقدم وهو واعيٌ لتلك المهمة الصعبة التي ناء بها, وبذل كل غال ونفيس في سبيلها ومضى إلى الله راضياً مرضياً, يقول الإمام السجاد (ع): (رحم الله عمي العباس فلقد آثر, وأبلى وفدى أخاه بنفسه, حتى قُطعت يداه, فأبدله الله بجناحين, يطير بهما مع الملائكة في الجنة, كما جعل لجعفر بن أبي طالب, وإنَّ للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة)(7).
هذه بعض خصال هذا العبد الصالح, ولا عجب إذا كان كذلك فقد تربى في مدرسة النبوة والإمامة, ورضع من ثدي الإيمان، زق العلم زقاً... وكان كما يحدثنا المؤرخون إنَّه من سادة فقهاء أهل البيت (ع) ... ولهذا كان (ع) حامل لواء الحسين (ع) في معركة الطف الفاصلة (وقد خصه به دون أهل بيته وأصحابه, وذلك ما تتوفر فيه من القابليات العسكرية, ويعتبر منح اللواء في ذلك العصر من أهم المناصب الحساسة في الجيش)(8).
ولهذا كان الحسين (ع) حريصاً على بقاء أبي الفضل إلى جنبه؛ ليبقى لواء التوحيد مرفرفاً بيده؛ ولذا قال الحسين (ع) للعباس حينما أراد أن يبرز لمنازلة الأعداء: (يا أخي أنت صاحب لوائي)(9).
وحينما سقط العباس مضرجاً بدمه قال الحسين (ع): (الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي)(10).
نادى وقد ملأ البوادي صيحة * صم الصخور لهولها تتألم
أأخي يهنيك النعيم ولم أخل * ترضى بأن أرزى وأنت منعم
أأخي من يحمي بنات محمد * إن صرن يسترحمن من لا يرحم
هذا حسامك من يذب به العدى * ولواك هذا من به يتقدم
هونت يا ابن أبي مصارع فتيتي * والجرح يسكنه الذي هو آلم(11)

الهوامش:
(1) المحدث المجلسي، بحار الأنوار: 101/277-278 .
(2) نهج البلاغة، الكلمات القصار: 125.
(3) سيد قطب، في ظلال القرآن: 6/492.
(4) من محاضرات الأستاذ الشيخ محمد مهدي الآصفي.
(5) المقرم، العباس (ع): 140-141.
(6) المقرم، العباس (ع): 140 .
(7) الشيخ القرشي، العباس بن علي (ع) رائد الكرامة والفداء في الإسلام: 35-36.
(8) نفس المصدر: 28.
(9) المحدث المجلسي، بحار الأنوار: 45/41.
(10) نفس المصدر: 42.
(11) السيد جعفر الحلي، ديوان سحر بابل وسجع البلابل: 432.

خادمة فضه
05-05-2015, 11:09 PM
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
موفقه اختي الكريمه لكل خير

حسن جميل الربيعي
25-05-2015, 07:13 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أحسنتم النشر ولكن لا بد أن تشيروا إلى المصدر الذي نقلتم منه وهو كتاب (الإمام الحسين (ع) شمس لن تغيب) لسماحة الشيخ جميل الربيعي وهو من مطبوعات دار الاعتصام في سنة 2005 في قم المقدسة، كما أن البحث منشور على (موقع الصراط.. نهج السعادة والتقدم) على الرابط الآتي:
ظ…ظˆظ‚ط¹ ط§ظ„طµط±ط§ط·... ظ†ظ‡ط¬ ط§ظ„ط³ط¹ط§ط¯ط© ظˆط§ظ„طھظ‚ط¯ظ… (http://www.al-serat.com/content.php?article=469&part=maintable)

عاشقة ام الحسنين
27-06-2015, 10:48 PM
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم ياكريم

بارك الله فيك على


الطرح الراااقي


يعطيك العافية