المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شاطروني برأيكم يا من تقرؤون رسالتي هذه


جواد المنتفجي
12-06-2009, 03:23 PM
من مكابدات العشق المشنوق

-2-



إلى من استكانت لغربتها

جواد المنتفجي

-1-

ما بين الحلم واليقظة..

يباغتني صوت غربتك اللئيمة..

آتيا من آماده البعيد ،

فاتحا بوابات صدري على مصارعيها بعنوة

فأجالسه مناشدا إياه :

- للأحبة الساكنين بأحضانك

شلال حنين ،

وفيض مده الاشتياق !

- لأفواج سيل دمع الفراق،

المتقاطرة بلا هوادة على وجنتي

فكأنها جمر من لهب واحتراق،

-2-

بعد ذلك وبينما كنت اخلد للنوم ، اضطربت حالتي بغتة عندما ضايقني بضع من حرقة لأنين كانت قد تراكمت بدواخلي منذ زمن ليس بالبعيد ، وبت أحسها كجيثومه هفت متراصة مع خافقي عند أعالي بيادر الروح ، وثمة من ندوب راحت تغطي كل بوصة من فكري وعقلي ، اقصد حيثما كان قد نمت أول بذرة غرزناها يوم ابتدائنا بوادر عشقنا والتي شتلناها سوية قرب رياض بساتين كنا نلفها قبل أن تغادريني وبلا رجعة ، ساعتها توددت لي لتخبرني قائلة :

- مهما حدث سنكون صديقين ابد العمر ، لذا فعلينا ومنذ اللحظة أن نتقاسم الألم وبروية .. فما بالك من تلك الأكداس الكبيرة الملوحة بالذكريات وهي تتزنر بالآهة والحسرة؟ .. نعم آهاتنا تلك التي غدت مشروخة لنصفين والتي اثأر حفيظة مواجعها طيفك بعد أن تبدد شوقي من الضفتين ، إذ ذاك أيقنت جيدا، بل ولمت نفسي سائلا إياها:

- وهل يعقل أن كل هذا قد حصل لي وأنا الذي لم يتبقى لدي من ذكراك سوى شوقي الملتاع ؟

ومن وهج لوميض ذلك الحلم المجتث تزامن حدوثه ذات الصدفة ، جاءني على شكل أحاسيس مروعة، حلم كان قد جرى وقعه في تواتر زمن أسموه العرافة وقارئات الفنجان بالغفوة ما بين أحلام الصبا ويقظة الرجولة ، قصص وأحاجي حلت ضيفا عزيزا علي ّفجأة توافدت من الماضي المنسي لتحجم مجرياتها وتحسم أمرا كانت ترانيمه تبشرني بعودة الجميع إلى الوطن سالمين عندما آيل كل شيء للسقوط .. ولكن وا أسفاه من ظني فها هو يخيب مرة أخرى .

وبلا أمل مرجوا كانت ضبابيته كالدخان لاح لي في لحظات الحسم الأخيرة .. أمل نسجته ببالي لعله ينعش تفاصيل الق كل ما عشناه سوية، إذ ذاك راودتني فكرة عنيدة :

بان انهض من سريري وأعدو متواريا بين طوابير المنازل، كنت مشدوها بسبب بينما ظلي الذي كان يسلك اتجاهي الأخر.. كنت خائفا من حلكة تلك الظلمة التي اخترقتها وبلا تردد صدى وهسهسة أزيز رصاصات بعض من ما تبقى من الشرذمة الحاقدة التي قطعت الطريق منذ أوار الليلة الفائتة ، ألا أنني قررت بيني ونفسي أن أواجه عفونتهم بشجاعة مرتديا كل ما خلفته الشمس من ضوء النهار الذي أشرق مؤخرا على وطني المفدى ، لذا فلا تتعجبي وأن وصلت باب دارك وأنا جدا مرور.. مرتديا ثياب بهجة لقائي بك ، منصتا لضجيج زحام كل من هب ودب في خنادق الشوارع الغير مأهولة ، متورعا بمطاردة سرى صوتك الوهم ، وعند قفر باب دارك القابعة في ( حي الأمين )، وفي نفس المكان الذي كان شاخصا فيه بضع ما تبقى من أطلال تذكارك ، توقفت هنيئة .. وأضحيت اضغط بجوارحي على تراح نفسي ، مادا يدي وبخشوع نحو نافذتك التي تركتيها بغيابك مفتوحة ، أي منذ أولى ساعات ترحالك ، لعلني أجس شيئا من ما تبقى من ملامحك المتاخمة بعمق خيالي ، وبدون أن ادري ، وبلا شعور مني .. عرجت أطراف أناملي على ملمس زجاجها البارد ، فبانت من فوقها ظل هيئتي البليدة !

وعلى حين غرة ..

يدكني عناء وتعب الانتظار ،

انتظارك الذي دام طويل،

ورغم أن أنفاسي كانت جدا موهنة ألا أنني صررت على الجثو منهمكا.. منكبا على ناصية عتبة الدار، متوخيا الحذر كي أصغي لخفق آهاتي الوئيدة !

كانت ظنوني قد تحولت إلى شكوك لا حدود لها..

كانت تزخر بوهج تلكم الأنواء !

كدت أعلو زغب لهثي الذي خلفه الزبد المتراكم فوق يباس شفتي، وغدوت مثل القشة ..

طافح فوق ما جف من ماء!

وهكذا بقيت انتظرك بفارغ من الصبر وأنا ملتصقا بحميمة بفكرة ما يسمونها بعودة ترنيمة الحياة مجددا، رغم أني كنت لا املك وقتها أية خيار سوى تلك الرغبة المدفونة التي بدت وكأنها مجنونة ،

ولكنها كانت فكرتي الوحيدة !

وبغتة، وخلال توالي ثواني معدودة، تلوح لي من بعيد شتى أنواع من صور الوهم:

- أنا: كنت مولعا عندما التقيك مجددا بان اعيد معك كل أحلامي المشنوقة ، مشددا على ذلك العناق والذي لطالما افتقدته كثيرا، أرمق بشغف كيف هي حالك وأنت تركضين مقبلة نحوي بشوق !

- الغربة: كانت تتمايل بخطواتها غنجا، مترنحة من ثمالة كاس هوى عشقها المغبون والذي لطالما هب من تباريح أواسط منتصف نيسان!

- أنا: صار على التمعن بشدو لتلك الرغبة المجنونة التي اكتنزتها عيوني طيلة سني غربتك.. الفرح الذي اختفى منذ اليوم الذي يوم اعتلت بك رغبة هجرة الوطن لتركبين وعلى عجل دفة إحدى سفن المهاجرة هربا ممن كانوا ينتمون لفصيلة الثعالب من الأنس والجان!

- الغربة: كانت فرحة وهي تستقبلك بترحاب لا نظير له بينما كانت صواريها مشرعة بما تبقى من رايات الإحزان الممزقة ، والمرقعة من منتصفها بجماجم الرعاع من القرصان!

- أنا: كنت آسف لما كان يطربك من صرخاتها المدوية وهي تستبيح حرمة موانئ الوافرة بسفني المركونة على الأرصفة والمحملة بعقيق الذهب الأسود الخالص ، والممتلئة بأفول الآس وحقول المحار والمرجان!

-الغربة: كانت تتشمت مزهوة .. يخالها الفخر بما راحت تعبث به من ما تبقى من الروح التي غادرت الأجساد والأبدان!

- الغربة أيضا:كانت تتأبط حقائب القرامطة الحفاة ممن استروا عريهم بجلد الوحشة، وأفواههم الشرهة كانت تقضم ما أسقطته الفصول المتعاقبة من فاكهة حدائقي التي كانت يانعة بالخوخ والرمان !

- وكذلك الغربة أيضا: كانت لا تتأسف ندما عندما رأت بأم عينيها كيف أمسى دغل الشوق يتوغل قدما بين فنارات مزارع جزري ، وهو يقتل على أراضيّ التي احتلتها عنوة أجنة الفراشات وتلوح بقنص زغاليل الحمام!

- أما أنا: فقد كانت جزري وقبل قدوم على الفراق ليغزوا حياتي عبارة عن غابات حناء، حيثما كان يتجول في ليالي أنسها العشاق، والقوالين، والفوالين، وقارئي الأبراج والفنجان!

- أما الغربة : فقد عادت ليّ أخيرا رافعة راياتها البيضاء، وبود أشاح عنه لونه لتقول للقلوب التي كنا نألفها سالفا:

- ها أندا جئتكم مندلقة ،

مستسلمة بصبر وإناء:

ابحث عن حضن يدفئني !

-3-

وتتمادى في غيها غربتك اللعينة وهي تناشدني وبإسهاب :

-افتح لي ذراعيك يا من كنت حبيبها لارتاح بين حنوك قليلا، فأنا منذ أن عدت بأدراجي إليك أمسيت خائبة ولهذا تراني ألان جدا متعبة.. مرهقة من سفر أمده العناء الطويل بعد أن عم المدن التي يسكنها أحبابك الجوع والقحط والبارود والدخان.

وفي أخر الليل وبينما كانت تخفق بلهث أنوثتها ، راحت تنعتني بالفشل بسبب الوهن الذي أصاب رجولتي ، ساعتها كانت تقعي على فراشي جالسة حد الصباح ، تندب حظها العاثر تارة .. كانت تتمادى بتقليم أظافرها بما تبقى لديها من أنياب وأسنان ،

وفي أخرى فتئت تمسي مرتلة على أنشودة كلمات قصيدتها العجفاء حينما غدر بها شيوخ الجان ،

والتي عجز ابخس الملحنين من تحويلها إلى نشيد كان خاتمة مقاطعه: "هي ذي معاناة عراة العالم ممن غادروا الوطن مضطرين وهم من محبي الله الفقراء"

فبأس لذلك العالم الذي كان يبدو باعتقادها :

انه ربما في غدا،

أو بعده،

أو في أية لحظة فجأة سينهار !

ورغم ذلك لم تذهلني ألا بتلك المصيبة عندما أخذتك مني على حين غرة، وها هي اليوم جاءت وبكل صلافة لتعزيني بصورة مباغتة مفاجئة ،

وهكذا اكتشفت نفسها بأم عينها صدفة :

بأنها أصبحت في هذا العالم الدوار مثلي وحيدة

تائهة بين صخب ودبكات صبية الشمال !

وعلى الحلبة ، ومن بين المتفرجات اللواتي كنا يتقاتلن من اجل الفوز بالذكر الفالح الذي يشفي لهن جروحهن وآهات غرائزهن .. راحت تمشي بين المرائين مرفوعة الرأس هائمة ،

متلفته بخجل من الشيب الذي خط فوديها :

علّ ذكرا منهم ينتشي بزهو لمراقصتها ؟

عسى وان تلثم من رائحته أنوثتها ؟

كانت تتجسس علي ّبغلو المغامرة لتتأكد جيدا من أنها أفقدتني تماما الكثير من صنج رجولتي ، متباهية بإرث ما تيبس على وجهها من زخارف الجمال، ولكنها أيقنت أخيرا بأنها صارت مثلي ألان منفية خارج حدود العمر والزمان:

لتبقى مثلي وحيدة !!

-4-

وتحلو لنا جميعا ساعات المصادفة عندما اكتشفنا معا، بأننا صرنا مثلما ذلك الخفاش الهرم الذي اصطدم من قنوط يأسه بما تبقى من الجداران!

فراحت تتشبث بأسمال مناديل العشاق من المساكين واليتامى:

مرة : كانت تبحث عن شرارة حضن يدفئها !

وتارة: تناشد أي حنو لذراعين تلفيها !

أو ربما: فم يحسوا مخلفات ما تبقى من زبد الفتنه المتلألئة بأفقها ما بين مس شفتيها !

وعند أخر فاصلة:

أدركت جيدا بأنها أصبحت مثلي تضحك من أعماقها على نفسها كلما بانت هيئة شيخوختها في إحدى الزاوية الميتة من قعر المرآة،

فتمر ببالها،

مثلما اختمرت يوما في بالي تلك الفكرة العنيدة !

وما بين الواقع،

أو بالأحرى ما بين الحلم واليقظة:

من أن خلاصة أحزانها،

كانت لتبدوا مثل القتلة في العالم أجمع :

من أن الغربة حقا صارت وحيدة

فآه ..

ثم واه :

من تلك الفكرة العنيدة

محـب الحسين
12-06-2009, 03:52 PM
رائع ماطرحت اخي الكريم
ادام الله سبحانه مدادك القيم وأدامك لنا
دمت موفقا

*llعاشقة الزهـراءll*
16-06-2009, 03:40 PM
رااااااائعه اطروحااتك اخي الفااضل
سلمت الاياااااادي
باااانتظاااارجديدك

خادم الائيمه
22-06-2009, 07:08 PM
رااااااائعه اطروحااتك اخي الفااضل
سلمت الاياااااادي
باااانتظاااارجديدك