المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحزن والبكاء في الشرع


محـب الحسين
27-12-2008, 04:39 PM
ان البكاء والحزن على الميت وعند المصائب سيرة عقلائية ومتشرعية عمل بها الأنبياء والأئمة والصالحون (صلوات الله عليهم أجمعين) وقد ثبت في الخارج الثمار الصحية والنفسية والأخلاقية والاجتماعية المترتبة على البكاء وتشير الروايات إلى استحباب الحزن والبكاء والتباكي وان فيه اجر شهيد بل مئة شهيد كما في بكاء يعقوب على يوسف (عليهما السلام) , ولا يخفى ان المراد في المقام ليس الجزع على المصائب بل البكاء والحزن لله وفي الله وبالله تعالى , واليك بعض ما يشهد لهذا المعنى :

آدم(عليه السلام)

يبكي ويحزن على هابيل(عليه السلام)

عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) : (انه لما سولت لقابيل نفسه قتل أخيه .... فلما قتله .... فحفر له حفيرة ودفنه فيها , فرجع قابيل لأبيه(عليه السلام) .... فانصرف آدم (عليه السلام) وبكى على هابيل أربعين يوماً وليلة ...)

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : (.... وان آدم أتى الموضع الذي قتل فيه قابيل أخاه فبكى هناك أربعين صباحاً)

وعن الإمام الصادق (عليه السلام) : (.... إلى ان قتل هابيل فجزع آدم عليه جزعاً قطعه عن إتيان النساء خمسمائة عام)

يعقوب النبي(عليه السلام)

يحزن ويبكي

بالرغم من ان الروايات تشير إلى ان يعقوب (عليه السلام) يعلم بوجود يوسف على قيد الحياة لكنه(عليه السلام) لم يتحمل فراقه وحزنه عليه وبكى لمدة عشرين أو أربعين أو ثمانين عاماً حتى التقى به . وقد أشار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان بكاء يعقوب(عليه السلام) على ابنه له فيه اجر مئة شهيد واليك ما يشير إلى هذا المعنى :

أ- عن الإمام الباقر (عليه السلام) عندما سئل عن يعقوب (عليه السلام) هل كان يعلم بحياة يوسف وذهب عينيه عليه من البكاء , أجاب(عليه السلام) : ( نعم علم يعقوب (عليه السلام) انه حي .... فكتب إلى (عزيز مصر) يعقوب (عليه السلام) : بسم الله الرحمن الرحيم , من يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ابن إبراهيم خليل الله

أما بعد : .... ثم رجعوا إليه وزعموا ان الذئب أكله, فاحدودب لهذا ظهري وذهب من كثرة البكاء عليه بصري ..... )

ب- ورد في تفسير الكشاف عند قوله تعالى (وأسفاه على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم) ... قيل : ما جفت عيناه من وقت فراق يوسف إلى حين لقاءه , ثمانين عاماً وما على وجه الأرض أكرم على الله تعالى منه .

ج- نفس المصدر السابق (الكشاف) , عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) : انه (صلى الله عليه وآله وسلم) سأل جبرائيل(عليه السلام) ,

ما بلغ وجد يعقوب على يوسف ؟

قال جبرائيل : وجد سبعين ثكلى .

قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) : فما كان له من الأجر ؟

قال جبرائيل : اجر مئة شهيد .

يوسف(عليه السلام)

يحزن ويبكي على يعقوب(عليه السلام)

بكى يوسف (عليه السلام) على فراق أبيه حتى تأذى أهل السجن من ذلك , فصالحهم على ان يبكي في الليل فقط أو في النهار فقط ويشهد لهذا

عن الإمام الصادق (عليه السلام) : (البكاؤون خمسة : آدم ويعقوب ويوسف (عليهم السلام) وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي ابن الحسين (عليه السلام)

1- أما آدم , فبكى على الجنة حتى صار خديه أمثال الأودية .

2- أما يعقوب , فبكى على يوسف حتى ذهب بصره.

3- أما يوسف , فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن , فقالوا له : أما ان تبكي بالليل وتسكت بالنهار , وأما ان تبكي بالنهار وتسكت بالليل فصالحهم (عليه السلام) على واحدة منهما .

4- وأما فاطمة (عليها السلام) فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) , حتى تأذى بها أهل المدينة , فقالوا لها : قد آذيتينا بكثرة بكائك , فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء , فتبكي , حتى تقضي حاجتها فتنصرف .

5- وأما علي ابن الحسين (عليهما السلام) فبكى على الحسين (عليه السلام) عشرين سنة أو أربعين سنة , ما وضع بين يديه طعام إلا بكى , حتى قال له مولى له : جعلت فداك إني أخاف ان تكون من الهالكين ؟

قال (عليه السلام) : انما اشكوا بثي وحزني إلى الله واعلم ما لا تعلمون , اني ما ذكرت مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة) .

قول وفعل وإقرار

النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

لقد بكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على عمه أبي طالب (عليه السلام) وعلى عمه الحمزة وجعفر الطيار وزيد ابن الحارث وعبد الله ابن رواحة وعلى ولده إبراهيم وعلى أمه آمنة عندما كان (صلى الله عليه وآله وسلم) , وعلى سعد ابن عبادة . وقد اقر (صلى الله عليه وآله وسلم) بكاء البكائين , وكذلك نراه (صلى الله عليه وآله وسلم) حث على البكاء كما حث وأمر بالبكاء على جعفر وحمزة (عليهما السلام) وقد تصدى (صلى الله عليه وآله وسلم) لمنع وزجر من يمنع البكاء كما حصل مع عمر ابن الخطاب عندما كان يمنع وينهى الناس عن البكاء فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يزجر عمر وينهاه عن مثل ذلك التصرف

أ- عن أبي داوود والنسائي ... عن علي (عليه السلام) لما مات أبو طالب (عليه السلام) فعندما اخبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكى وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (اذهب اغسله وكفنه وواره غفر الله له ورحمه)

ب- في سيرة الحلبي والدحلاني .... عن ابن مسعود : (ما رأينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باكياً اشد من بكاءه على حمزة , وضعه في القبلة , ثم وقف على جنازته وانتحب أي شهق حتى بلغ به الغشي يقول : يا عم رسول الله يا حمزة , يا أسد الله وأسد رسوله يا حمزة , يا فاعل الخيرات يا حمزة , يا كاشف الكربات يا حمزة . يا ذاب عن وجه رسول الله ....)

ج- البخاري في صحيحه : (ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نعى جعفراً وزيداً وابن رواحة , وان عينيه لتذرفان )

د- مسلم في صحيحه : (يوم زار (صلى الله عليه وآله وسلم) قبر أمه آمنة فبكى وأبكى من حوله )

هـ - مسلم والبخاري ... يوم مات صبي لإحدى بناته , إذ فاضت عيناه يومئذ , فقال سعد : ما هذا يا رسول الله ؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده , وانما يرحم الله من عباده الرحماء)

و- مسلم والبخاري .... يوم اشتكى سعد ابن عبادة فأتاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعوده ومعه بعض أصحابه فوجده في غاشية أهله , فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( قد قضى ) .

قالوا : لا يا رسول الله .

فبكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) , فلما رأى القوم بكاءه بكوا

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ان الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب)

ز- ابن عبد البر في الاستيعاب ..... يوم استشهاد جعفر الطيار , إذ جاءت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأته أسماء بنت عميس فعزاها , ودخلت فاطمة (عليها السلام) وهي تبكي وتقول http://www.al-mohd.com/forum/images/smilies/frown.gif وا عماه) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (على مثل جعفر فلتبكِ البواكي )

ح- احمد في مسنده عن أبي هريرة , يوم مرت جنازة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعها بواكي , فنهرهن عمر , فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (دعهن يا عمر فإن النفس مصابة والعين دامعة) .

وهكذا سيرة الأنبياء والمرسلين والصالحين (صلوات الله عليهم أجمعين) , ومن عارض ذلك فقد خرج عن الدين وخرج عن العقلاء وخرج عن الإنسانية إلى صنف السباع والوحوش الحيوانية .

الفصل الثاني

الثورة الحسينية

الثورة الحسينية وواقعة الطف عاشت حية في ضمير الأنبياء والمرسلين وملائكة الله الصالحين وهذا خير دليل وأوضحه على أهمية الثورة الحسينية المقدسة ومحوريتها في النظام العالمي والكوني وعمقها الفكري والنفسي لتهيئة البشرية بل المخلوقات جميعاً لتقبل فضل الله تعالى ونعمه بتحقيق العدالة الإلهية والانتصار للمستضعفين على يد قائم آل محمد(صلوات الله عليه وعلى آله) في دولة الحق الموعودة , واليك بعض ما يشير إلى تلك المعاني :

نــوح(عليه السلام)

و

واقعة الطف

نبي الله نوح (عليه السلام) يتبرك ويتشرف ويحافظ على سفينته المباركة سفينة النجاة والإيمان بحمل أسماء وأنوار المعصومين (عليهم السلام) على المسامير التي وضعت في مقدمة سفينته (عليه السلام) وعندما يريد تعليق المسمار الخاص بالإمام الحسين (عليه السلام) فإنه يشعر بنداوته فيستفهم من جبرائيل (عليه السلام) عن هذه النداوة فيخبره جبرائيل (عليه السلام) بواقعة الطف وما يجري فيها على الحسين (عليه السلام) وان النداوة تشير إلى سفك دماء سيد الشهداء عليه السلام ويشير لهذا المعنى :

ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لما أراد الله تعالى ان يهلك قوم نوح , أوحى الله إليه , ان شق ألواح الساج , فلما شقها لم يدرِ ما يصنع بها , فهبط جبرائيل فأراه هيئة السفينة ومعه تابوت به مئة ألف مسمار وتسعة وعشرون ألف مسمار , فسمر المسامير كلها في السفينة إلى ان بقيت خمسة مسامير , فضرب بيده إلى مسمار فأشرق بيده وأضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء , فتحير نوح , فانطق الله المسمار بلسان طلق ذلق فقال : إنا على اسم خير الأنبياء , محمد ابن عبد الله .

فهبط جبرائيل (عليه السلام) فقال له : يا جبرائيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله ؟

فقال جبرائيل (عليه السلام) : هذا باسم سيد الأنبياء محمد ابن عبد الله , أسمره على أولها (أي أول السفينة) على جانب السفينة الأيمن .

ثم ضرب بيده إلى مسمار ثانٍ , فأشرق وأنار , فقال جبرائيل (عليه السلام) : هذا مسمار أخيه وابن عمه سيد الأوصياء علي ابن أبي طالب فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أولها .

ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث فزهر وأشرق وأنار, فقال جبرائيل (عليه السلام) : هذا مسمار فاطمة فأسمره إلى جانب أبيها .

ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع فزهر وأنار , فقال جبرائيل (عليه السلام) : هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه .

ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس فزهر وأنار واظهر نداوة , فقال جبرائيل (عليه السلام) : هذا مسمار الحسين (عليه السلام) فأسمره إلى جانب مسمار أبيه .

فقال نوح (عليه السلام) : يا جبرائيل ما هذه النداوة ؟ فقال جبرائيل (عليه السلام) : هذا الدم , فذكر قصة الحسين وما تعمل الأمة به , فلعن الله قاتله وظالمه وخاذله)

إسماعيل الذبيح والحسين

(عليهما السلام)

في هذه النقطة وما بعدها نحاول إظهار البعد والعمق التاريخي للثورة الحسينية والسعة والشمولية لأهل الأرض والسماء , فإبراهيم الخليل (عليه السلام) عندما عقد العزم على السير والسلوك إلى اقرب الدرجات من الحضرة الإلهية

المقدسة , تمنى ان يقدم اعز قربان إلى الله تعالى حتى يرتقي في السلم القدسي , فاستجاب الله تعالى دعوته وأمنيته فأبدل التضحية والذبح لابنه إسماعيل الذبيح (عليه السلام) بتضحية وذبح أعظم واكبر وأكثر حزناً وألماً الذي يحصل في طف كربلاء حيث يذبح الإمام الحسين (عليه السلام) فيغتم إبراهيم (عليه السلام) ويحزن حزناً شديداً على هذا المصاب الجلل لان صاحب المصاب (عليه السلام) أفضل وأحب إليه من ابنه إسماعيل الذبيح (عليه السلام) . وبهذا يثبت ان الثورة الحسينية تعيش في واقع الحياة ووجدان المجتمع ونفوس وقلوب الأنبياء والصالحين (عليهم السلام) منذ بدأ الخليقة .

واليك بعض ما يشير إلى هذا المعنى :

1- عن الإمام الرضا (عليه السلام) : (لما أمر الله عز وجل إبراهيم (عليه السلام) ان يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي انزله عليه , تمنى إبراهيم (عليه السلام) ان يكون قد ذبح ابنه إسماعيل وتمنى انه يؤمر بذبح ذلك الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح اعز ولده بيده عليه , فيستحق بذلك ارفع درجات أهل الثواب على المصائب , .... فأوحى الله عز وجل : يا إبراهيم من أحب خلقي إليك ؟ قال إبراهيم (عليه السلام) : يا ربي ما خلقت خلقاً هو أحب إليّ من حبيبك محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)

فأوحى الله تعالى إليه : فهو أحب إليك أم نفسك ؟

قال إبراهيم (عليه السلام) : بل هو أحب إليّ من نفسي .

قال الله تعالى : فولده أحب إليك أم ولدك ؟

قال إبراهيم (عليه السلام) : بل ولده .

قال الله تعالى : فذبح ولده ظلماً على أيدي أعداءه أوجع لقلبك , أم ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟

قال إبراهيم (عليه السلام) : يا ربي بل ذبحه على أيدي أعداءه أوجع لقلبي .

قال الله تعالى : يا إبراهيم فإن طائفة تزعم انها من شيعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ستقتل الحسين من بعده ظلماً وعدواناً كما يذبح الكبش , ويستوجبون بذلك سخطي .

قال الإمام الرضا (عليه السلام) : فجزع إبراهيم (عليه السلام) لذلك وتوجع قلبه واقبل يبكي ...

فأوحى الله عز وجل إلى إبراهيم (عليه السلام) : قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك, بجزعك على الحسين وقتله , وأوجبت لك ارفع درجات أهل الثواب على المصائب) .

2- ومما يشير إلى حزن إبراهيم (عليه السلام) بعض ما ورد عن المعصومين (عليهم السلام) في احد وجوه تفسير قوله تعالى : (إني سقيم) الصافات / 88 .

انه سقم عندما علم بما يحصل للإمام الحسين (عليه السلام) في واقعة الطف , حيث ورد : (ان إبراهيم (عليه السلام) قال : اني سقيم , يعني بما يفعل بالحسين (عليه السلام) لأنه عرفه من علم النجوم ...)

موسى والخضر(عليهما السلام)

يعقدان مجلساً

عندما يلتقي موسى (عليه السلام) مع الخضر (عليه السلام) وفي حالة طلب العلم ومعرفة الأعلم بصورة مطلقة أو في بعض الحالات , فإنهما يستذكران المصائب التي تقع على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) فيبكيان كثيراً على تلك المصائب , وهذا الفعل واضح في كشف العمق والبعد والمركزية في قضية أهل البيت والحسين (عليه السلام) بصورة خاصة حيث ثبت ان الخضر (عليه السلام) سيظهر مع صاحب العصر والزمان (عليه السلام) وهو ينادي بشعار (يا لثارات الحسين) , وفي هذا الفعل دليل مشروعية المجالس الحسينية مع الأخذ بنظر الاعتبار ان المجلس عقد قبل ولادة الحسين (عليه السلام) واليك ما يشير إلى هذا المعنى :

عن الإمام الرضا (عليه السلام) : (أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر أما جالساً وأما متكئاً , .... فأنكر (الخضر) السلام , إذ كان بأرض ليس فيها سلام , فقال الخضر (عليه السلام) : من أنت ؟ فقال موسى (عليه السلام) : إنا بن عمران الذي كلمه الله تكليماً ... جئت (لتعلمني مما علمت رشدا)

قال الخضر (عليه السلام) : إني أوكلت بأمر لا تطيقه .

ثم حدثه العالم (الخضر (عليه السلام) ) بما يصيب آل محمد (عليهم السلام) من البلاء , .... حتى اشتد بكاؤهما ... ثم حدثه عن فضل آل محمد , حتى جعل موسى (عليه السلام) يقول : يا ليتني كنت من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى ذكر (الخضر (عليه السلام)) فلاناً وفلاناً ومبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما يلقي منهم ومن تكذيبهم إياه , وذكر له تأويل هذه الآية : (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة حين اخذ الميثاق عليهم)

فقال موسى (عليه السلام) : هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا)

إسماعيل صادق الوعد(عليه السلام)

يتمنى الرجعة

هذا إسماعيل (بن حزقيل) صادق الوعد , ضحى بنفسه بعد ان كذبه قومه فقتلوه وسلخوا فروة رأسه وجلد وجهه وفي هذا الموقف والمصاب ولتعبير النفس فإن إسماعيل (عليه السلام) يذكر مصيبة الحسين (عليه السلام) ويتأسى به , فنسمعه لا يطلب النصر على الأعداء في تلك الواقعة بل يدعو الله تعالى ان يكرّه ويرجعه كما يرجع الحسين (عليه السلام) فيكون معه ويدعو ان يرجع أعداءه كما يرجع أعداء الحسين (عليه السلام) فينتقم من أعداءه في الرجعة كما ينتقم الإمام الحسين (عليه السلام) من أعداءه في الرجعة , ويشير لهذا المعنى :

أ- عن الإمام الصادق (عليه السلام) : (ان إسماعيل الذي قال الله عز وجل في كتابه (واذكر في الكتاب إسماعيل انه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيا) لم يكن إسماعيل ابن إبراهيم , بل كان نبياً من الأنبياء , بعثه الله عز وجل إلى قومه , فأخذوه وسلخوا فروة رأسه ووجهه , فأتاه ملك فقال : ان الله جل جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت , فقال إسماعيل (عليه السلام) : لي أسوة بما يصنع بالحسين)

ب- سئل الإمام الصادق (عليه السلام) , عن إسماعيل الذي ذكره الله تعالى في كتابه حيث يقول : (واذكر في الكتاب إسماعيل انه كان صادق الوعد) , أكان إسماعيل ابن إبراهيم .... ؟ ..... أجاب الإمام (عليه السلام) : .... (انه) إسماعيل بن حزقيل النبي , بعثه الله إلى قومه فكذبوه وقتلوه وسلخوا فروة رأسه وجلد وجهه , ..... فغضب الله عليهم , فوجه سطاطائيل ملك العذاب , فقال له : يا إسماعيل إنا ملك العذاب وجهني رب العزة إليك لأعذب قومك بأنواع العذاب , ان شئت

فقال له إسماعيل(عليه السلام) : لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل

فأوحى الله إليه : ما حاجتك يا إسماعيل ؟

فقال إسماعيل (عليه السلام) : يا ربي انك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ولمحمد بالنبوة ولأوصيائه بالولاية , وأخبرت خلقك بما يفعل بالحسين بن علي من بعد نبيها ....

وانك وعدت الحسين (عليه السلام) ان تكرّه (ترجعه) إلى الدنيا حتى ينتقم ممن فعل ذلك به , فحاجتي إليك يا ربي ان تكرّني إلى الدنيا حتى انتقم مما فعل ذلك بي , كما تكر الحسين (عليه السلام) . فوعد الله تعالى إسماعيل بن حزقيل ذلك , فهو تعالى يكرّه مع الحسين بن علي (عليهما السلام) .

زكريا(عليه السلام) يختنق بعبرته

عند ذكر الحسين(عليه السلام)

كان نبي الله زكريا (عليه السلام) يدعو الله تعالى بأسماء الخمسة (محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين) (صلوات الله عليهم) وعندما يصل إلى ذكر الحسين (عليه السلام) تخنقه العبرة وتدمع عيناه وعندما أوحى الله إليه على ما يحصل على الحسين (عليه السلام) اعتزل زكريا (عليه السلام) الناس ثلاثة أيام واقبل على البكاء والنحيب واخذ يرثي الحسين (عليه السلام) ونصرة للحسين (عليه السلام) واحياءاً لثورته ومساعدة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة (عليهما السلام) ومشاركة لهم (عليهم السلام) بالكرب والحزن . طلب زكريا (عليه السلام) من الجليل الأعلى ان يرزقه ولداً تقر به عينه ثم يفجعه به كما فجع النبي وأهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين) بالحسين (عليه السلام) , فرزقه الله يحيى (عليه السلام) شبيه الحسين (عليه السلام) , وفجعه به (صلوات الله عليهم أجمعين) ومما يشير لهذا المعنى :

عن الإمام الحجة بن الحسن (عليه السلام) : (ان زكريا (عليه السلام) سأل ربه ان يعلمه أسماء الخمسة , فاهبط الله تعالى عليه جبرائيل فعلمه اياه فكان زكريا إذا ذكر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة والحسن (عليهم السلام) انكشف عنه وانجلى كربه , وإذا ذكر الحسين (عليه السلام) خنقته العبرة ووقعت عليه البهرة (الزفير) وتتابع النفس .

فقال زكريا (عليه السلام) ذات يوم : الهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي, وإذا ذكرت الحسين (عليه السلام) تدمع عيني وتثور زفرتي ؟

فأنبأه الله تعالى عن قصته ....

فلما سمع ذلك زكريا (عليه السلام) لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ومنع فيهن الناس من الدخول عليه , واقبل على البكاء والنحيب

وكان زكريا (عليه السلام) يرثيه ويقول : الهي أتفجع خير خلقك بولده ؟

الهي أتنزل بلوى هذه الرزية بفناءه ؟ الهي أتلبس علياً وفاطمة ثياب هذه المصيبة ؟ الهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتها ؟

ثم كان زكريا (عليه السلام) يقول : الهي ارزقني ولداً تقر به عيني على الكبر , فإذا رزقتني فافتني به , ثم افجعني به كما تفجع محمد حبيبك بولده .

ثم قال الإمام (عليه السلام) : فرزقه الله يحيى (عليه السلام) وفجعه به وكان حمل يحيى ستة اشهر , وحمل الحسين (عليه السلام) كذلك)

النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)

يقيم مجالس العزاء الحسيني

تضافرت الروايات السنية والشيعية على ان النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) عقد مجالس عديدة ذكر فيها الحسين (عليه السلام) وما يلاقيه في طف كربلاء0 وقد بكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبكى الصحابة معه ، فالرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لا ينطق عن الهوى والذي لا يحب إلا في الله وبالله ولله يعقد المجالس الحسينية ، قبل وفاة الحسين (عليه السلام) والآن أيها العاقل النبيه اسأل نقسك بل وجرب بنفسك واعقد مجلس تعزية لنفسك أو لأحد أرحامك وهو على قيد الحياة ، بل وجرب بنفسك واعقد مجلس تعزية لنفسك أو لأحد أرحامك وهو على قيد الحياة ، بحيث لو قدم إليك المعزون وسألوك عن الميت الذي أقيم من اجله المجلس ، فأنك تجيب بأنك تقيم المجلس على روحك التي لم تقبض بعد وتقول لهم هذا المجلس على روحي أو روح فلان التي ستقبض في المستقبل ،تصور ما هو الموقف في ذلك المجلس ؟ والمتوقع جدا ان أصحابك سيسخرون !!!

والآن ارجع إلى فعل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) بل أفعال الأنبياء السابقين (عليهم السلام) الذين عرفنا بعض أخبارهم في النقاط السابقة ، أليس فعلهم (صلوات الله عليهم وعلى آلهم أجمعين ) كفعلك ، لكن يوجد فرق بين الحالتين وهو ان السخرية والاستهزاء متوقعه بخصوص فعلك أما فعل الأنبياء السابقين(عليهم السلام) وفعل خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو تشريع مقدس ناشئ عن الحكمة والمصلحة النوعية للسماوات والأرض وسكانها ، والمعترض على فعل الأنبياء (عليهم السلام) فضلاً عن الساخر به يكون خارجاً عن الدين فيصبح في زمرة المنافقين والكافرين .

ويبقى السؤال عن العلة لذلك الفعل المقدس والحث عليه ؟ وليس عندنا من جواب إلا القول ان الله تعالى هو العالم بعلل الأحكام ، أما الكلام ببعض الحكم والاغراض على نحو الأطروحات المحتملة التي تنقدح في أذهان القاصرين فلا بأس بالتعرض لها خلال البحث ان شاء الله تعالى ، واكتفي في المقام بذكر بعض الموارد عن طريق أهل السنة التي تشير إلى تلك المجالس الحسينية التي عقدها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منها:

1ـ احمد في مسنده ، وابن عبد البر ، والعسقلاني، من الاستيعاب والإصابة ، وفي الصواعق : ان ابن عباس رأى في المنام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نصف النهار، أشعث اغبر وفي يده قارورة فيها دم يلتقطه ،

فسأله ابن عباس (عن الدم)

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : دم الحسين وأصحابه لم أزل أتتبعه منذ اليوم .... فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم .

2ـ الصواعق والترمذي : ان أم سلمة رأت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ( فيما يراها النائم ) باكياً وبرأسه ولحيته التراب ،

فسألته (أم سلمة عن ذلك)

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : قتل الحسين آنفاً .

3ـ أعلام النبوة / للماوردي الشافعي .... عن عائشة قالت: دخل الحسين بن علي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) يوحى إليه

فقال جبرائيل (عليه السلام): ان أمتك ستفتتن بعدك، وتقتل ابنك هذا من بعدك ،

ومد يده فأتاه بتربة بيضاء ، وقال جبرائيل (عليه السلام): في هذه يقتل ابنك ، اسمها الطف .

فلما عرج جبرائيل (عليه السلام): خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أصحابه والتربة بيده ، وفيهم أبو بكر وعمر وعلي وحذيفة وعمار وأبو ذر ، وهو (صلى الله عليه وآله وسلم) يبكي

فقالوا: ما يبكيك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

فقال (صلى الله عليه واله وسلم): اخبرني جبرائيل ان ابني الحسين(عليه السلام) يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاء بهذه التربة فأخبرني ان فيها مضجعه.

4ـ المالكي في العقد الفريد ، وفي الصواعق ....عن أم سلمة قالت: كان عندي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) , ومعه الحسين (عليه السلام) فدنى من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذته فبكى الحسين (عليه السلام) فتركته فدنى الحسين (عليه السلام) منه (من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ) فأخذته , فبكى الحسين (عليه السلام) فتركته فقال جبرائيل (عليه السلام) : أتحبه يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : نعم

قال جبرائيل (عليه السلام) : أما ان أمتك ستقتله وان شئت أريتك الأرض التي يقتل بها .

فبكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

5- الصواعق لابن حجر .... عن الشعبي قال : مر علي (عليه السلام) .... ثم قال علي (عليه السلام) : (دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يبكي فقلت : ما يبكيك ؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : كان عندي جبرائيل آنفاً واخبرني ان ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال لها (كربلاء)) .

6- احمد بن حنبل في مسنده (ان علياً (عليه السلام) .... فقال (عليه السلام) : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وهو يبكي , فسألته فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : قام من عندي جبرائيل فحدثني ان الحسين يقتل بشط الفرات

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : قال جبرائيل (عليه السلام) : هل لك ان أشمك من تربته ؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : قلت نعم

فمد يده فقبض قبضة من تراب فاعطانيها) .

7- ابن عساكر والبيهقي , والبداية والنهاية .... عن أم الفضل (قالت رأيته في منامي قبل مولد الحسين (عليه السلام) كأن قطعة من لحم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قطعت فوضعت في حجري فقصصت ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): رأيت خيراً ان صدقت رؤياك , فإن فاطمة تلد غلاماً وادفعه إليك لترضعيه

قالت أم الفضل : فجرى الأمر على ذلك فجئت به يوماً إليه , فوضعته في حجره فبينما هو (صلى الله عليه وآله وسلم) يقبله , بال فقطرت من بوله قطرة على ثوب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقرصته فبكى الحسين (عليه السلام) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كالمغضب : مهلاً يا أم الفضل , فهذا ثوبي يغسل وقد اوجعتي ابني ....

قالت أم الفضل : فتركته في حجره وقمت لآتيه بماء , فجئت إليه فوجدته يبكي فقلت : مم بكاؤك يا رسول الله ؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ان جبرائيل أتاني فاخبرني ان أمتي ستقتل ولدي , لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة) .

أمير المؤمنين(عليه السلام)

يحيي واقعة الطف

وعلى سيرة المصطفى الأمجد (صلى الله عليه وآله وسلم) سار المرتضى (عليه السلام) ومن المجالس التي عقدها أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت في نفس طف كربلاء وقد عقد المجلس بنفسه وكان(صلوات الله عليه) هو صاحب المنبر حيث اخذ يرثي الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه وبكى (عليه السلام) وأبكى , واستشهد في مجلسه بمجالس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وبكاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على الحسين (عليه السلام) واليك بعض ما يشير لهذا المعنى عن طريق أهل السنة :

1- احمد بن حنبل في مسنده عن عبد الله بن نجا عن أبيه : انه سار مع علي (عليه السلام) , فلما حاذى نينوى وهو (عليه السلام) منطلق إلى صفين نادى : (صبراً أبا عبد الله , صبراً أبا عبد الله بشط فرات )

فسئل عن ذلك فقال (عليه السلام) : ( دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وهو يبكي فسألته , فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : قام من عندي جبرائيل فحدثني ان الحسين يقتل بشط الفرات

قال فقال : هل لك ان أشمك من تربته ؟

قال : قلت , نعم ,

فمد يده فقبض قبضة من تراب فاعطانيها) .

2- في الصواعق لابن حجر : ان علياً (عليه السلام) مر بموقع قبر الحسين (عليه السلام) فقال: (ها هنا مناخ ركابهم , وها هنا موضع رحالهم , وها هنا مهراق دمائهم , فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض ) .

3- في الصواعق لابن حجر , والطبقات لابن سعد, عن الشعبي قال : مر علي (عليه السلام) بكربلاء عند مسيره إلى صفين فوقف وسأل عن اسم الأرض فقيل : كربلاء ,

فبكى (عليه السلام) حتى بلَّ الأرض من دموعه ثم قال (عليه السلام) : { دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يبكي فقلت : ما يبكيك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : كان عندي جبرائيل آنفاً واخبرني ان ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال لها كربلاء} .

أهل بيت النبوة(صلوات الله عليهم أجمعين)

ومصاب الحسين(عليه السلام)

لترسيخ الثورة الحسينية واهدافها في أذهان الناس وقلوبهم ولشحذ المخلصين وتأسيس الاستعدادات الروحية والجسدية وتحقيق التكاملات الفكرية والعاطفية والسلوكية , ولتهيئة القواعد والشرائح الاجتماعية التي تحتضن أطروحة الأخذ بالثأر والمحقق للعدل (عليه السلام) والانتصار له (عليه السلام) والثبات على ذلك , تصدى الأئمة المعصومون (عليهم السلام) لتربية الأجيال وتحقيق الأهداف , وقد جعلوا المنبر الحسيني الوسيلة الرئيسية في تلك التربية الرسالية الإلهية, فقد عقدوا المجالس وارشدوا الناس إلى ما يترتب عليها من آثار في الدنيا والآخرة , واليك بعض ما يشير إلى سيرة المعصومين (عليهم السلام) في إحياء ثورة الحسين (عليه السلام) وواقعة الطف :

1- الإمام السجاد (عليه السلام) يأمر برثاء الحسين (عليه السلام)

ورد ان الإمام السجاد (عليه السلام) أمر بشراً (بشر بن حذام) برثاء الحسين (عليه السلام) إذ قال (عليه السلام) : ( يا بشر , رحم الله أباك لقد كان شاعراً , فهل تقدر على شيء منه ) ؟

قال بشر : نعم يا ابن رسول الله

قال (عليه السلام) : (ادخل المدينة , وانعَ أبا عبد الله)

قال بشر : فركبت فرسي , وركضت حتى دخلت المدينة فلما بلغت مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رفعت صوتي بالبكاء وأنشدت :

يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فادمعي مدرارُ

الجسم منه بكربلاء مضرج والرأس منه على القنا يدارُ

2- الإمام الصادق (عليه السلام) يأمر بالإنشاد الرقيق المشجي فعن ابن هارون الكفوف قال : دخلت على أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) فقال (عليه السلام) : (يا أبا هارون أنشدني في الحسين)

قال أبو هارون : فأنشدته فلم يعجبه الإنشاد لخلوه من الرقة الشجية فقال (عليه السلام) : ( لا ) أي ليس بهذه الطريقة (بل) كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره

قال أبو هارون : فأنشدته حينئذ :

امرر على جدث الحسين فقل لأعظمه الزكية

يا أعظماً لا زلت من وطفاء ساكبة روية

وإذا مررت بقبره فاطل به وقف المطية

وابكِ المطهر للمطهر والمطهــرة التقيـة

فبكاء معولة أتت يـوم لواحدها المنية

قال أبو هارون : فبكى (عليه السلام) ثم قال (عليه السلام) : ( زدني )

فقال أبو هارون : فأنشدته القصيدة الأخرى :

يا مريم قومي واندبي مولاك وعلى الحسين اسعدي ببكائك

قال أبو هارون : فبكى الصادق (عليه السلام) وتهايج النساء من خلف الستر , فلما ان سكتن قال الإمام (عليه السلام) : (يا أبا هارون من انشد في الحسين فبكى وأبكى عشرة , كتبت لهم الجنة ) إلى ان قال (عليه السلام) : (ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينه مقدار جناح ذبابة كان ثوابه على الله ولم يرضَ له بدون الجنة) .

3- الإمام الرضا (عليه السلام) يبكي مصاب الحسين .

لا يخفى على الجميع قصيدة دعبل الخزاعي التي تلاها في دار الإمام الرضا (عليه السلام) فبكى الإمام (عليه السلام) اشد البكاء وكذلك علا صراخ النساء وعويل الأطفال من وراء الستار .

سكان السماوات

يحيون مصاب الحسين(عليه السلام)

عرفنا مما سبق وسنعرف ان السماء وسكانها ذكروا الحسين واحيوا ذكراه وبكوا , فجبرائيل(عليه السلام) وفي مناسبات عديدة يتحدث بهذه الواقعة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكذلك هبطت الملائكة لتعزية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمصاب الحسين (عليه السلام) واليك ما يشير لهذا المعنى :

1- احمد بن حنبل في مسنده : .... فقال (عليه السلام) : (دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وهو يبكي , فسألته فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : قام من عندي جبرائيل (عليه السلام) فحدثني عن الحسين يقتل بشط الفرات

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : فقال جبرائيل , هل لك ان أشمك من تربته ؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : قلت , نعم

فمد جبرائيل يده فقبض قبضة من تراب فاعطانيها).

2- عن ابن سعد وابن حجر , عن الشعبي قال : مر علي (عليه السلام) ..... ثم قال علي (عليه السلام) : (دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت ما يبكيك ؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : كان عندي جبرائيل آنفاً واخبرني ان ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات بموضع يقال لها كربلاء ....) .

3- في الصواعق لابن حجر .... ان علياً مر بموضع قبر الحسين (عليه السلام) فقال : (ها هنا مناخ ركابهم .... فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض) .

4- العقد الفريد للمالكي .... عن أم سلمة قالت : كان عندي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه الحسين .....

فقال له جبرائيل (عليه السلام) : أتحبه يا محمد ؟

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : نعم

قال جبرائيل (عليه السلام) : أما ان أمتك ستقتله , وان شئت أريتك الأرض التي يقتل بها ,

فبكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

5- اعلام النبوة للماوردي الشافعي عن عائشة قالت : دخل الحسين بن علي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يوحى إليه فقال جبرائيل (عليه السلام) : ان أمتك ستفتتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك ,

ومد يده , فأتاه بتربة بيضاء وقال جبرائيل : في هذه يقتل ابنك اسمها الطف .

6- عن أم الفضل قالت : ....... فتركت الحسين(عليه السلام) في حجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقمت لآتيه بماء , فجئت إليه(صلى الله عليه وآله وسلم) فوجدته يبكي , قلت : مم بكاؤك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ان جبرائيل أتاني فاخبرني ان أمتي ستقتل ولدي لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة) .

7- وروي انه لما أتت على الحسين(عليه السلام) من مولده سنة كاملة هبط على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر ملكاً محمرة وجوههم باكية عيونهم وهم يقولون : انه سينزل بولدك الحسين ما نزل بهابيل من قابيل , وسيعطى مثل اجر هابيل ويحمل قاتله وزر قابيل .....

ولم يبقَ في السماوات ملك مقرب إلا ونزل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأه السلام , ويعزيه عن الحسين , ويخبره في ثواب ما يعطى ويعرض عليه تربته , والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : (اللهم اخذل من خذله , واقتل من قتله , ولا تمتعه بما طلب) .

حسين مني وأنا من حسين

بعد تسلط الطواغيت والظلمة على رقاب المسلمين وتصديهم وتقمصهم المناصب الإلهية ظلماً وجوراً, وبعد تزلف أئمة الضلالة , وعاظ الشياطين والسلاطين لأولئك الطغاة وتزييفهم للحقائق وخداع الناس وإيقاعهم في الشبهات وإضلالهم وعملهم على إبعاد الإسلام والدين وحرفه عن مساره الصحيح الإلهي الرسالي كما فعل رؤساء وعلماء اليهود عندما حرفوا الدين والإسلام الذي أتى به موسى (عليه السلام) وبعد تعطل أو ضمور فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ..... وبعد ...... وبعد ...... وبعد انحراف دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) , لم يكن أمام الإمام الحسين (عليه السلام) إلا التصدي بنفسه وأهل بيته وأصحابه والتضحية بالأهل والمال والنفس من اجل إحياء دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وتصحيح مساره والحفاظ على استقامته ولهذا سمعناه (عليه السلام) يرفع شعار (ان كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني) ونسمعه (عليه السلام) يقول : (..... ان الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت هذاء , ولم يبقَ منها إلا صبابة كصبابة الإناء , وخسيس عيش كالمرعى الوبيل , إلا ترون إلى الحق لا يعمل به , والى الباطل لا يتناهى عنه , فليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً , فإني لا أرى الموت إلا سعادة , والحياة مع الظالمين إلا برما .....)

ولهذا الموقف وغيره يحصل عندنا الاطمئنان بل اليقين ان ما صدر من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من قول (حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا) يريد (صلى الله عليه وآله وسلم) الإشارة والتأكيد على ان الثورة الحسينية هي المصححة للمسيرة المهدوية من الانحراف بل هي الحياة للرسالة المحمدية المقدسة بعد ان حاول أئمة الضلال والمنافقون إماتتها ودفنها .... وإذا أضفنا لذلك قول الإمام الحسين (عليه السلام) : (إني لم اخرج أشراً , ولا بطراً , ولا مفسداً , ولا ظالماً , وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمتي جدي (صلى الله عليه وآله وسلم) أريد ان آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر , وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب ....)

نجد ان شخص الحسين وثورته ونهضته وتضحيته تمثل المثل الأعلى والقدوة الحسنى والتطبيق الصادق الواقعي للقوانين الإلهية الروحية والاجتماعية , حيث جسد (عليه السلام) بفعله وقوله وتضحيته , توثيق العلاقة بين العبد وربه وتعميقها والحفاظ على استقامتها وكذلك جسد (عليه السلام) العلاقة الإسلامية الرسالية بين الإنسان وأخيه الإنسان حيث الاهتمام لأمور الأخوان وهمومهم ورفع الظيم عنهم ومساعدتهم وتوفير الأمان والتضحية من اجل ذلك حتى لو كلفه حياته (عليه السلام) وهكذا انتهج أهل بيته وأصحابه المنهاج المقدس الذي خطه الإمام الحسين (عليه السلام) فأصبح ثورة الحسين ونهضته وتضحيته هي الهدف والغاية التي ملكت القلوب وصهرت أمامها النفوس فانقادت لها بشوق ولهفة حاملة الأرواح على الأكف راغبة في رضا الله تعالى لنصرة أولياءه وتحقيق الأهداف الإلهية الرسالية الخالدة , وبعد معرفة هذا يحصل عندنا الاطمئنان بل اليقين ان إحياء ثورة الإمام وامتدادها عبر التاريخ حتى قبل وقوعها وقبل ولادة الإمام الحسين (عليه السلام) على أيدي الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام) وعلى يد خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه (عليه السلام) وامتدادها عبر العوالم في السماوات والأرضين كما عرفنا سابقاً كل ذلك لم يكن إلا من اجل تحقيق الأهداف الإلهية التي خلق الإنسان من اجلها وصدرت الأحكام الشرعية من اجل تحقيقها وتلك الأهداف وتحقيقها جعلها الله تعالى مرتبطة ومتلازمة مع ثورة ونهضة الإمام الحسين (عليه السلام) .

تراب البقيع
27-12-2008, 04:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
السلام عليك يا ابا عبدلله
ولعنة الابديه على اعدائهم الى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جعله الله في ميزان حسناتك اخي محب الحسين (ع)
جزاك الله خير الجزاء ان شاء الله
بحث جدآآ قيم
موفقين للخير
اخوك تراب البقيع
http://up.damasgate.com/files/9e67phpk5ne8hmvac997.gif (http://up.damasgate.com/)
دمتم بحب الزهراء عليها السلام

محـب الحسين
27-12-2008, 04:55 PM
شكرا لمرورك عزيزي
بارك الله بك

خادم الباقرع
27-12-2008, 05:37 PM
في ميزان حسناتك اخي محب الحسين (ع)

.،{عآشقة قالع خيبـر}،.
27-12-2008, 06:44 PM
محب الحسين
طرح جدا رائـع
سلمت آناملك
يعطيك العافيــه
جُزيت الجنـــه

ابوجعفرالديواني
27-12-2008, 11:14 PM
بارك الله بك اخي على هذا
الطرح موفق

أم الحلوين
28-12-2008, 11:45 AM
احسنت الطرح اخي
باراااك الله فيك

نور فاطمه
28-12-2008, 03:41 PM
موضوع قيــم بحق الامام الحسين عليه السلام

يعطيك الف عافيه ع الطرح المتميز

دمت موالي ومحب لآل بيت رسول الله

لاعدمناك

محـب الحسين
28-12-2008, 04:48 PM
اخوتي احباب الحسين
جزيل الشكر لمروركم الذي اسرّني