المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من حقوق المرأة في القرآن [تُستأمر في طلاقها - وجوب إمتاعها – تحريم ضربها ]


وائل الرميمه
13-07-2009, 08:55 PM
من حقوق المرأة في القرآن

[تُستأمر في طلاقها - وجوب إمتاعها – تحريم ضربها ]






للباحث / عدنان الجنيد:65:




















بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل:[ ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ]
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي هو بأشرف الخصال موصوف ، وعلى آله أهل الخير والمعروف ، ومن سار على نهجهم وكان في محبتهم مخطوف
وبعـــــــــــد
إن المرأة في مجتمعاتنا الإسلامية لاسيما في مجتمعنا اليمني نجدها مهضومة في حقوقها ومحرومة من إبداء رأيها...إن تكلمت فكلامها غير مسموع ، وإن أبدعت في عملها سخروا منها ولم يلتفتوا إلي إسهاماتها الإبداعية في مجال الحياة لأن عملها في نظرهم محظور وممنوع ، بل ووصل بهم الأمر إلى أن هضموها بحرمانها من الميراث بحجة أنها لو ورثت المال فسوف يعود إلى ملك زوجها وهو- أي زوجها -أجنبي عنهم..وهذا الجور مازال موجوداً في بعض المناطق اليمنية التي مازال الجهل والتخلف سائداً فيها ومسيطراً عليها ، وفعلهم الغاشم - هذا- هو عين ما كانت تفعله الجاهلية في هضم المرأة حتى جاء الإسلام وأعطاها حقها من الإرث كما هو مفصل في سورة النساء، فرفع من شأنها وأعطاها حقها واحترم رأيها لكن الأمة ابتعدت عن تعاليم الإسلام المثبوتة في القرآن ونظرت إلى المرأة بنظرة التراث-المخالف للقرآن- بأنها ناقصة عقل ودين وأنها خلقت من ضلع أعوج وللزوج أن يضربها وله متى شاء أن يطلقها ولا يستأمرها في ذلك ولايمتعها....
ونحن من خلال هذه الوريقات سنبين أن ضربها مخالف للقرآن الذي أمر بمعاملتها بالمعروف والإحسان وسنبين أن الآية التي استدل بها الفقهاء على جواز ضرب المرأه بأنها تخص أولياء الأمور وأن الخطاب متنوع كما سيأتي.لاكما ذهب إليه الفقهاء والمفسرون.
وسنبين- أيضاً- قضية الطلاق وأنه لابد أن يكون بقناعة ورضا كلا الزوجين وأنه-أي الطلاق - مرتان فقط وأما المراد من قوله تعالى:( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره ) فإنما هي طلقة المُخالع وليس هي الطلقة الثالثة كما زعموا إذ لا توجد طلقة ثالثة في كتاب الله - كما سيأتي لاحقاً - ولابد من إمتاع المطلقة فعلى الرجل أن يوفر لمطلقته بيتاً ويدفع لها مبلغاً مجزياً بعد طلاقها وهذا بنص القرآن . وسنبدأ بقضية الطلاق لأهميته ولأن المرأة مظلومة فيه كثيرا.


« حقائق مغفول عنها في الطلاق »

قضية الطلاق :
إن كلمة الطلاق أصبحت فاشية في مجتمعنا يلوكها الرجل صباح مساء ويتفوه بها في مزاحه وغضبه وفي ترحه ومرحه لايلقي لها بالاً بل ويصل به الحد إلى أن يهدد بها امرأته في كل لحظة وتظل أسيرة هذه الكلمة لاسيما إذا كان لها أولاد. وإذا قال لها-عن سبق لسان أوغضب-أنت طالق أنتهت حياتها لأنها ستحرم من جميع حقوقها فتلتجئ إلى أهلها أو إلى أحد من أقربائها لتكمل بقية حياتها وأمَّا إذا كانت مقطوعة من شجرة يعني لا أهل لها ولا أقرباء ترجع إليهم فإنها ربما تلتجئ إلى الفاحشة كمهنة لتكسب قوتها وقوت أولادها منها- هذا إذا لم تجد من يكفلها مع أولادها بقوت العيش- وهذا لاأخالك موجود في بلادنا لظروف المعيشة وعدم وجود الوازع الديني ناهيك عن تشرد الأطفال هنا وهناك حتى يصبحوا في صفوف الشحاذين والمتسولين.هذا إذا طلقها ولم يرجعها أثناء عدتها أو لم يتزوجها بعقد جديد بعد انقضاء عدتها. أما إذا طلقها ثلاثاً وندم الزوج وأراد أن يرجعها إلى عصمته رحمةً بأطفاله حتى لايحرموا من حنان الأم فإنها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره وهذا كله جهل فقهائنا بكتاب الله تعالى الذي بيَّن لنا الله فيه كيفية الطلاق وعدده ووجوب إمتاع المرأة المطلَّقة- كما سيأتي لاحقاً -
فالطلاق فعلي أكثر مما هو قولي ومثلما كان الزواج يكون كذلك الطلاق فإذا كان الزواج برغبة ورضا من الطرفين وشهود على عقد الزواج فكذلك يكون الطلاق- كما سيأتي- وقبل أن نأتي بآيات الطلاق من سورة البقرة ونستخرج منها بعض الحقائق الكامنة فيها مع شرحها وبيانها معتمدين على ماسمعناه من شيخنا الحجة السيد المجتهد/ محمد يحيى الجنيد في أمر الطلاق لابد لنا أولاً أن نذكر الآيات التي قبلها لارتباطها بها ولأن الله بين فيها حقوق المرأة والظلم الذي كان عالقاً بها مع شرح موجز عابر لها. قال تعالى) يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله...( (1) يريد الله تعالى منا أن نبني مجتمعاً راقياً وأسرة نقية طاهرة لأن مقاربتهن أثناء حيضهن أمر ترفضه الأذواق السليمه وتنفر منه النفوس المستقيمه لذلك أمر الله باعتزالهن أثناء المحيض ولا يقربوهن إلاَّ بعد أن يطهرن-وهو انقطاع الدم-ويتطهرن-وهو الإغتسال-.وحتى لايفهموا بأن اعتزالهن- إضافة إلى عدم وطئهن-عدم تفقدهن والالتفات إليهن بما يحتجن إليه قال-عقب الآية السابقه-:)نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنَّى شئتم.... ((2) فكما أن الزارع يتفقد حرثه وأشجاره بالدخول إلى حرثه وإزالة كل ما يعيق ظهور النبات فكذلك أنتم تفقدوا نساءكم وحافظوا عليهن واعطوهن مايحتجن إليه من أمور الدنيا.قال سيدي الشيخ/محمد يحيى الجنيد مانصه: )نساؤكم حرث لكم ( أي الموضع الذي يستحق اهتمامكم والحرث خلاصة ما اكتسبه الرجل في حياته وحرص عليه لأنه موضع أسباب العيش،كذلك المرأة موضع أسباب الحياة السليمة والعيش النقي.وكما يحتاج الحرث إلى تفقد واهتمام في مختلف أحواله،فكذلك يكون الاهتمام بالمرأة،خاصة بعد ذكر قوله تعالى:) فاعتزلوا النساء في المحيض( فكأنه يقول:لايعني الاعتزال الإهمال الذي يؤدي إلى سوء العشرة، ثم ذيل ذلك بقوله:)وقدموا لأنفسكم ...( يعني خير ماقدمتم لأنفسكم بالآخرة ماتقدمونه لأهليكم في الدنيا ثم قال) : واتقوا الله( أي في ما وكل إليكم وندبكم إليه بأنه ركن أساس في بناء المجتمعات.وشدد في ذلك بقوله: (واعلموا أنكم ملاقوه )أي فما يكون عذرهم في ما قصروه فيه وتهاونوا في أدائه.وقوله : (وبشر المؤمنين..) الذين امتثلوا الأوامر بعزيمة صادقة ويقين خالص. أما قوله : ) فأتوا حرثكم أنَّى شئتم (أي في أي وقت.»أھ
لله ما أحسن هذا الكلام الذي ذكره سيدي الشيخ فقد أجاد وأفاد وطرب بتفسيره الفؤاد ومن يقارن بين قول المفسرين في تفاسيرهم لهذه الآية وبين كلام سيدي الشيخ في تفسيره للآيه نفسها فلسوف يعلم بأن تفيسره قمة في الذوق وسموٌّ في التعبير فهم توقفوا في ظاهرها أما سيدي الشيخ فقد غاص في باطنها وكشف لنا حقائقها فجزاه الله خير الجزاء، وجعله من رفقاء سيد الأنبياء .
ولنعد إلى ماكنا بصدده فنقول: وبعد أن حثنا الله سبحانه وتعالى بالاهتمام بالمرأة- كما ذكره سيدي الشيخ في تفسيره للآية آنفاً- نهانا بعد تلك الآية عن الامتناع من البر والإحسان إليهن فقال تعالى:) ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم( (3)أي لا تجعلوا الله تعالى مانعاً بينكم وبين عمل الخير بسبب أيمانكم. فقد يحلف الرجل على ترك البر بأهله وأرحامه وغيرهم قائلاً (أخاف الله أن أحنث في يميني) فيترك البر إرادة البر في يمينه فجاءت الآية تنهاه عن ذلك وتأمره بالإحسان إلى ماهنالك.
أما إذا حلف بدون قصد ولا كسب في قلبه وغير قاصد الإيذاء فلا يؤاخذ لأنه يُعدُّ لغواً قال تعالى -عقب الآية السابقة-: ) لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم...((4) ثم ذكر تعالى بعد هذه الآية اليمين التى يؤاخذ الله عليها وهي المكتسبة في القلب ويقصد بها مضارة المرأة فقال تعالى:) للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم ((5) فعليها- إن حلف زوجها أن لا يطأها- أن تلبث وتنتظر أربعة أشهر فإن فاء إليها أى رجع إلى وطئها فإن الله غفور رحيم له إذا تاب من إضراره بها وإلا كان لها أن ترفع عليه قضية الطلاق (وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم( (6) فإذا طلقها فماذا يجب على المطلَّقة ؟
الجواب في الآية التي بعدها مباشرة وهي قوله تعالى:) والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء..( (7) أي فعلى المطلقات أن ينتظرن ثلاث حيضات أو ثلاث أطهار ولا داعي إلى الخلاف حول المراد بالقرء أهو الحيض أم الطهرلأن المقصود من هذا التربص براءة الرحم من الزوج السابق وهو يحصل بثلاث حيضات كما يحصل بثلاثة أطهار. وجــاء الحكم هنا بصيغة الخبر دون الأمــر وذلك لتــأكيده والاهتمام بــه.
وفي قوله:- ( يتربصن بأنفسهن ( إشارة جميلة وعبارة رفيعة ولفظة نزيهة فلم يُصرِّح تعالى بما يخفين من رغباتهن وما يتشوفن إليه من أمر الزواج فاكتفى بالكناية الرشيقة الحاوية على المعاني الدقيقة والحكم الأنيقة وذلك حتى لا يخجلهن بما تحرك في قلوبهن وخطر في أنفسهن فأمرهن بأن يمسكن رغباتهن ويكبحن جماح أنفسهن لماذا ؟ الجواب بنفس الآيه بقوله:) وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا...( يعني وإن كان معهن حق في أن يخترن بمن يرغبن به إلاَّ أن بعولتهن أحق بردهن.. ولاحظ هنا لم يقل (وأزواجهن أحق بردهن) بل قال): بعولتهن ( لأنَّ هناك فرق بين البعل وبين الزوج قال سيدي الشيخ- حفظه الله-:« إذا كانت مازالت في عصمته يسمى بعلاً فإن خرجت- يعني عن عصمته - يسمى زوجاً قال تعالى) :..وهذا بعلي شيخا( .»أھ
قلت وبعولتهن أحق يردهن إذا أرادوا الإصلاح بأن يلتزموا خطيَّاً بعدم الإساءة إليهن وحسن معاشرتهن وإعطائهن حقوقهن كما قال الله تعالى بنفس الآية- التى نحن بصدد تفسيرها-:)ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة..( في هذه الآية ساوى الله تعالى المرأة بالرجل في جميع الحقوق وأما الدرجة المذكورة في الآية فهي درجة تكليف لا تشريف وهي مُبينة في قوله تعالى في سورة النســــاء :) الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعظهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم( (8)
إذاً عرفنا مما سبق من الآيات كيف أن الله تعالى حث على أداء حق المرأة وحثنا على الاهتمام بشأنها ومعاشرتها بالمعروف وعدم مضارتها ثم بين لنا ما يجب على المطلَّقة من عدة وأن على بعلها إذا أراد أن يرجعها فإنه يشترط عليه إرادة الإصلاح ثم جعل لهن من الحقوق مثل مالهم عليهن إلا ماميزهم به من الرئاسه والقوامة. بعد تلكمُ الآيات شرع لنا كيفية الطلاق وعدده وما يجب مراعاته في شأن المطلَّقة فقال تعالى:) الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان...( (9) لم يقل الطلاق طلقتان لأن المقصود لا يتعلق بعدد الطلاق إذ المراد بذلك هو المرة الأولى. ومعنى مرتان أى مرة بعد مرة وهو فعلي أكثر مما هو قولي. إذاً الطلاق مرتان فقط فمن أين جاء الفقهاء والمفسرون بالثالثة ؟!
فالقرآن يقول الطلاق مرتان وهم يقولون ثلاث!! ويسمونه بالطلاق البائن فبعد الثلاث تكون قد بانت منه فلا تحل له حتى تنكح زوجــــاً غيره- على حــد زعمهم - وقريباً ستعرف بطلان قولهم.
هذا ولا يتلجئ الزوج إلى الطلاق إلاَّ عندما تخفق كل أساليب الجمع والوئام وتصبح الحياة جحيماً لا يطاق فحينئذٍ إذا بدا له أن يطلقها فعليه أن يراعي شروط الطلاق وكيفيته وهي كالتالي :
1- أن يكون المطلِّق عاقلاً قاصداً للطلاق مختاراً له غير مُكره لأن الله يقول:) وإن عزموا الطلاق(فلا بد من عزم وإرادة. كذلك أن لا يكون طلاقه إلاَّ عن قناعة كاملة وهو راغب فيه فكما كان زواجه بها عن رغبة وقناعة وشهود فكذلك يكون الطلاق.
2- أن تُستأمر المطلَّقة ويخبرها بما عزما عليه حتى تكون على علم بذلك وتكون طاهرة يعني خالية من الحيـض والنفاس لأن الله يقــــول في الآية الأولى من ســورة الطلاق: ) فطلقوهن لعدتهن...( أي وهن مستقبلات العدة . ويكون إيقاع الطلاق في طهر لم يواقعها فيه – للآية التى مرت- وعلى المرأة أن تعتد في بيتها ولا يحق لزوجها أن يخرجها لأن الله يقول : ) لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن ( ولاحظ هنا قال ): بيوتهن ( ولم يقل بيوتكم وذلك لأن لهن حقاً فيه. والحكمة من عدتها فى بيتها هي مذكورة في قوله تعالى- في آخر الآية الأولى من سورة الطلاق-: )لا تدري لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمرا ( باستثناء اليائسة والحامل والصغيرة وغير المدخول بها والمسترابة – وهي التي في سن من تحيض ولا تحيض – فلا يشترط فيهن الطهارة عند إيقاع الطلاق.
3- يشترط الإشهاد في الطلاق فلا يقع من غير إشهاد عدلين لقوله تعالى: ( وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر( (10) قوله: (وأشهدوا) راجع إلى الطلاق لأن السورة بصدد بيان أحكام الطلاق وقد افتتحت بقوله: ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء...(.
والأمر للوجوب ويشترط في الشاهدين الذكورة والعدالة وأن يكونا مجتمعين عند إنشاء الطلاق. والحكمة من الإشهاد- بحسب فهمي- كي يقوم الشاهدان مع القاضي أو الحاكم بمراجعة الزوجين بما عزما عليه من أمر الطلاق وإنهاء العلاقة الزوجية بينهما فيذكروا لهما عاقبة الطلاق وأنه السبب في انهيار بناء الأسرة وتشرد الأطفال وو.... فلعلهما أن يرجعا -عما عزما عليه- إلى الرشد والصواب.
أيضاً الحكمة من الإشهاد حتى لا ينكر أحدهما الطلاق.فبعض الناس – ممن لا يخافون الله - يخفي طلاقه عن زوجه بقصد إضرارها وقد أخبرني أحد الصالحين أن رجلاً طلَّق امرأته سراً- وكان قد هجرها- ولم يخبر أحداً من الناس بطلاقها حتى أولاده لم يعلموا بذلك ولما مات قام أولاده بفتح صندوقه الذي كان يضع فيه أوراقه وبصائره فوجدوا ورقة طلاق أمهم فدهشوا من ذلك وانهارت امهم لما علمتْ بطلاقها وكان هدفه من طلاقها كي يحرمها من الميراث، وهذا قمة في الإجرام وعدم الخوف من الملك العلاَّم.
وكم من قصص كثيرة كهذه تدل على ظلم المرأة في بلادنا يشيب لسماعها الوليد.
4- أن تكون صيغة الطلاق بلفظ ﴿طالق﴾ باللفظ الصريح وهو مالا يحتمل غيره وكما كان عقد الزواج لايقع إلا بلفظ ﴿زوجتك وأنكحتك﴾ تعبداً من الشارع كذلك الطلاق لايقع إلا بلفظ ﴿طالق﴾ تعبداً من الشارع وما عدا ذلك يعتبر لغواً.
فانظر كيف أن الله تعالى صعَّب أمر الطلاق وجعل له شروطاً – كما في سورة الطلاق – وذلك حفاظاً على بناء الأسرة وتوطيد أركانها وعدم تفككها وانهيارها بسبب تلك الكلمة. فإذا تم الطلاق على ضوء الشروط المذكورة - آنفاً- كان الطلاق نافذاً ولاتحل له بعد المرتين إلاَّ بعقد جديد وأما إذا لم يتم الطلاق بالشروط السابقة أو فُقد أحد الشروط أثناء إيقاع الطلاق فإنه لا يعد طلاقاً حتى ولو كانت عشرين طلقة بل يُعد لغواً...
ثم بين تعالى قوله:) الطلاق مرتان (- بقوله:-) فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان...( الفاء للتفصيل والبيان
فإما أن تمسكوهن وتحسنوا إليهن بأداء حقوقهن وتعاشروهن بالمعروف الذي يعرفه الناس ويرتاح له العقل ويتوافق مع الأخلاق العالية وسنن الفطرة السليمة وهذه المراجعة قبل انتهاء عدتها.
أو تسرحوهن- بعد إمضاء الطلاق- بالإمتاع والإحسان إليهن كما قال الله تعالى): وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين( وسيأتي كيف يكون إمتاع المطلَّقة.
إذاً الطلاق مرتان الأولى ( فإمساك بمعروف ) وذلك قبل إنتهاء عدتها، والثانية ( أو تسريح بإحسان ) وذلك بعد إمضاء الطلاق وانتهاء عدتها فلا توجد ثالثة
ثم قال تعالى- في نفس الآيه الآنفة الذكر-:)ولايحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله.. (11)( أى إذا أمضيتم الطلاق فلا تأخذوا المهر أو غيره مما أعطيتموهن على سبيل التمليك فهو حرام عليكم إن أخذتموه بل الواجب عليكم أن تمتعوهن من مالكم كما قال تعالى:) فمتعوهن وسرحوهن ( (12)هذا إذا كان الزوج هو الذي اختار فراق المرأة ورغب عنها أما إذا كانت هي التي رغبت عنه وطلبت مفارقته من غير أن يضارّها أويضايقها فلا أثم ولا حرج عليه أن يأخذ منها عوضاً مقابل أن تخلعه. قال تعالى- تكملة للآية السابقة-: )فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به...((11) فالخطاب هنا للأمة لتكافلها في المصالح العامة أى إذا عرفتم وعلمتم من الزمان والمكان والظروف المحيطة بهما أنهما لن يقيما حدود الله بحسن المعاشرة وأداء كل منهما حق الآخر فلا إثم على الزوج من الأخذ منها مقابل أن يطلقها ولا إثم عليها-الزوجه- في أن تعطيه بما تفتدي به نفسها هذا إذا كان البغض منها وعدم رغبتها له وتخاف من هذا البغض المفرط أن لاتقوم بحقوقها نحوه وطالما أن المرأة هي الطالبة للمفارقة من زوجها من غير أن يصدر منه شيئاً يجعلها تضطر لأن تخلعه كمضارتها بل طلبت مفارقته لمجرد بغضها وكرهها له وعدم القدرة على مواصلة العيش معه كان رحمة من الله بالزوج أن يسمح له بأخذ ذلك العوض حتى لا يضيع ماله من غير ضرر صدر منه لها.
فالمرأة التي خلعت زوجها ملكت أمرها لأنها ردت له مهرها الذي أعطاه لها وهو بأخذه له مقابل أن يطلقها يكون قد تنازل عن حقه في الرجعة فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ثم قال تعالى-عقب الآيه التى نحن بصدد تفسيرها-: )فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله...( (13) قال سيدي الشيخ/ محمد يحيى الجنيد- حفطه الله-:والمراد من هذه الآية هوالمخالع بناء على طلب منها فلا تحل له لأنه تنازل عن حقه وأخذ المال الذي افتدت به نفسها ولهذا ملكت أمرها بقوله )افتدت( وفي هذه الحال لايحل المراجعة حتى تنكح زوجـاً غيره أى زوج جـديد فيعطيها مقابل مــا افتدت بـه للأول )فإن طلقها (الزوج الجديد ) فلا جناح عليهما أن يتراجعا (أى لها ولزوجها السابق- الذي اختلعت منه- أن يرجع كل واحد منهما إلى الآخر بزواج جديد....-ثم قال سيدي الشيخ- «إن» الشرطية قد تكررت في الآيتين فإذا جاء التعبير بها فذلك يدل على تقليل حدوث الفعل ولا يتوقع حصوله. وإذا جاء التعبيرب«إذا» فهي تفيد حصول الفعل وتغليب وقوعه وهذا الذي ذهب إليه سيدي الشيخ هو عين الصواب ولم أر أحداً من المفسرين ذهب إلى قوله ذلك فلا عجب في ذلك فمواهب الله لا تحجـــر على أحــــــد وعطاءه غـير موقــــوف على أُنـــاس بعـيـنـهم )وما كان عطاء ربك محظورا( (14) نعم ذهب المفسرون إلى أن قوله) : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره... (الآيه.هي الطلقة الثالثة ، وهذا بعيد جداً لا يستقيم مع نظم الآية التي قبلها ولا يلتئم مع سياقها،فلو قرأنا قوله تعالى: )الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان (ثم قرأنا بعده مباشرة )فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره... (فهل يستقيم السياق القرآني ؟!
لا يستقيم بأي وجه من الوجوه.فالآية معطوفة على ماقبلها والضمير يعود إلى أقرب مذكور فالذي قبلها هو قوله تعالى: )فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به... (بعدها قوله تعالى: ) فإن طلقها... (الفاء تفيد التعقيب. أي هذا المخالع الذي تنازل عن حقه في الرجعة مقابل ما تعطيه من مال. ثم نقول للفقهاء والمفسرين من أخبركم بأن الطلقة الثالثة هي قوله تعالى : ( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره...)؟
وما هي الفائدة أو الحكمة فيمن طلق امرأته ثلاثاً أنه لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ؟!
وإذا طلق الرجل امرأته ثلاثاً وله عشرة أولاد فهل يظل ينتظر حتى يأتي رجل يتزوجها ثم يطلقها وبعد ذلك ترجع له بعقد جديد فهل يعقل هذا ؟!
وإذا لم يطلق الزوج الجديد فكيف يفعل زوجها الأول ؟!
وأين يذهب بأولاده العشرة ؟! فهل يتركهم عرضة للضياع ؟!
فليجب على هذه الأسئلة حضرة الفقهاء وأتحداهم يأتوني بحديث - ولو ضعيفاً فضلاً عن الصحيح - يثبت بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال بأن الطلقة الثالثة هي قوله تعالى :( فإن طلقها فلا تحل له...)الآية
لا يوجد أي حديث بل آراء ابتكروها من ذات أنفسهم تقليداً لمن سبقهم ... إذاً المخالع إذا طلق امرأته هو الذي لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره والفائدة أو الحكمة لأنه تنازل عن حقه في الرجعة بأخذ المال وهي ملكت أمرها فكان حكم الله بأنه لا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره .
ثم لاحظ في قوله تعالى: )فإن خفتم ألا يقيما حدود الله( مع قوله في الآية التى بعدها )إن ظنا أن يقيما حدود الله ( فكلا الآيتين دالتان على أنهما المتخالعان.
فهذا التوافق يدل على أن المخالع هو المعني بقوله تعالى: )فإن طلقها فلا تحل له...(وكذلك إذا كان المراد بقوله: )فإن طلقها فلا تحل له...(هي الطلقة الثالثة،فلماذا قال بعدها: )وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا.. (15)( وقال : )وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف...( (16)
وما معنى الآيتين ؟
في الآية الأولى يقول إذا أردتم تطليق النساء وقاربن آخر عدتهن فأمسكوهن بمعروف- وقد سبق أن فسرنا المعروف-) أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا...(وذلك أن المطلِّق قد يترك المطلَّقة حتى تقارب الأجل ثم يراجعها وهكذا في كل طلقة يفعل ذلك كي تلتجئ إلى الافتداء إذاً فأين الطلقة الثالثة التي من خلالها لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ؟!!
وفي الآية الثانية يخاطب الله تعالى الأمة وكل واحد يعلم نصيبه من الخطاب )فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن...( فعلى أولياء أمورهن أن لا يمنعوهن من أن ينكحن أزواجهن سواء السابقين أو الجدد والعرب قد تسمي الشيء باسم ما يؤول إليه . ( إذا تراضوا بينهم بالمعروف...) يعني رضي كل من الرجل والمرأة بالآخر زوجاً. وفي هذه الآية فائدة لطيفة وهي : أنه لامانع أن يخطب الرجل المرأة إلى نفسها ويتفق معها على التزوج بها ولا يجوز - بل يحرم- على وليها أن يمنعها منه، طالما أن التراضي بالمعروف شرعاً وعادة شريطة أن لا يلحق العار والشين بأهلها كأن يكون الرجل فيه منقصة خلُقية وله سمعة سيئة ،أما إذا كان الرجل ليس فيه مايشينه فإنهم يأثمون بمنعها بالزواج منه وللأسف نجد أكثر الآباء يمنعون بناتهم- لاسيما الموظفات- من الزواج لا لنقص خلُقي في الرجل الخاطب ولكن طمعاً في رواتبهن. وأعرف شخصاً كلما جاء عريس لابنته اشترط عليه أن يكون راتبها له. وهكذا ظلت ابنته بلا زواج نتيجة طمعه وجشعه
ومنهم من يمنع ابنته من الزواج خوفاً من الزوج أن يرثها لا سيما إذا كان لها مال . إذاً لا يجوز لولي المرأة أن يمنع ابنته من الزواج بمن تحب ولا يجوز له أن يكرهها على الزواج بمن تكره مطلقاً . لكنهم - أولياء الأمور- يفعلون عكس ذلك لجهلهم بكتاب الله تعالى. وهذا الظلم فاشي في مجتمعنا ومطبق في واقعنا ولم نجد رادعاً له.
هذا ويصح أن يكون المراد – بأزواجهن – في قوله:) أن ينكحن أزواجهن ( هم الأزواج قبل الطلاق فلا يحق لولي أمر المرأة المطلَّقة أن يمنعها من زوجها السابق إذا أراد أن يتزوجها بعد إنتهاء عدتها بعقد جديد . وهذا-أيضاً-يبطل قول الفقهاء بأن المراد من قوله: )فإن طلقها فلا تحل له..)هي الطلقة الثالثة.
فلا أدري من أين أتوا بهذا القول البدع الذي يخالف القرآن. فلو أنهم قرأوا آيات الطلاق بإمعان،وبنور من النبي العدنان،ولم يلتفتوا إلى رواية فلان عن فلان لعرفوا الحق والصواب،ونالوا من الله جزيل الثواب باتباعهم لهذا الكتاب.

تشنيف الأسماع بوجوب الإمتاع

قضية الإمتاع:
إن المرأة مازالت مهضومة من الحقوق التى أوجب الله لها ومن هذه الحقوق إمتاعها إذا ماطُلِّقت وحتى لو لم يوجب لها الشارع المتعة لكان من باب الذوق والإنسانية أن تُمتع بمال يقيها ظروف الحياة وقساوة الأيام فإذا كان الموظف في مؤسسات الدولة أو في إحدى الشركات الخاصة له التأمين في حياته فإذا قاعدوه من عمله فإنهم يعطونه المال الذي أمَّنوه له طيلة السنوات التى كان مستمراً في عمله معهم ويعطونه جميع الحقوق مكافأة منهم له.
فكيف بالمرأة التي وهبت حياتها لزوجها وأعطته أعزما تملك- هذا مع أنه لا وجه للمقارنة بينها وبين المثل الذي أوردناه في الموظف- وشاركته في أفراحه وأتراحه وواسته بمالها بل ويصل الأمر بها لدرجة أنها تبيع ذهبها من أجله إذا ماقستْ عليه الأيام وأُصيب بالإملاق ناهيك عن الأساليب التى انتهجتها في إسعاده وتحمل المسؤولية في تربية أولاده...فهل يعقل بعد هذا- إذا أبغضها وكرهها وطلقها- أن تحرم من حقوقها وترمى كاللعبة التى يرميها الطفل بعد الاستغناء عنها وكل هذا بمجرد لفظة تفوه بها (أنت طالق) وأين تذهب إن لم يكن لها أهل وأقرباء؟!
لهذا أوجب الله تعالى على الزوج أن يُمتع امرأته إذا طلقها وذلك عوناً لها وإكراماً،ودفعاً لوحشة الطلاق الذي وقع عليها قال تعالى: )وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين((17)فهذه الآية للعموم فى كل مطلَّقة ومقدارها-أي المتعة-موكلة إلى أريحية المؤمنين بحسب إعسارهم وإيسارهم قال تعالى: )ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين((18) فلم يحدده بل وصفه بالمعروف وذكَّرهم عند إيجابه بالإحسان فلا بد أن يكون كريماً في إمتاعه لها فإذا لم يكن للمطلَّقة أهل أو أقرباء تعود إليهم فليبنِ لها بيتاً ويدفع لها مبلغاً مجزياً أو على الأقل غرفة ومكاناً لقضاء حاجتها تستطيع أن تعيش بقية عمرها فيه وإذا كان لها أهل وكان موسراً فلا مانع أن يزيدها إلى المليون ولا حد لأكثره ﴿روي أن سيدنا الحسن السبط-عليه السلام-أنه أمتع بعشرين ألف -أي درهم- وزقاق عسل﴾(19) وإن كان معسراً فليمتعها بالمبلغ الذي يقدر عليه بحيث يعجز عن إعطائها أكثر منه إكراماً للعشرة الزوجية التى قضاها معها(ولا تنسوا الفضل بينكم).ونحن نهيب بأولياء أمورنا من الحكام وأصحاب السلطة التشريعية (ممثلة بمجلس النواب) أن يصدروا قانوناً يكفل حق المرأة المطلَّقه بما يقيها ظروف الحياة كما أمرهم الله بذلك وأن لا يتساهلوا فيه فكم من أُسر شُرِّدت، وبيوت هُدِّمت، ومطلَّقات انخرطن في سلك الفجور بحثاً عن قوتهن وقوت أولادهن كل هذا بسبب حرمانهن من المتعة التي أوجبها الله لهن. فهم مسؤولون أمام الله تعالى إن قصَّروا في ذلك.
تبديل الأسى بعدم ضرب النساء

قضية ضرب المرأة:
الإسلام هو الوحيد الذي رفع من شأن مكانة المرأة وجعل لها المكانة اللائقة بها. رفعها من التخوم إلى النجوم ومن الرعاع إلى الشعاع فجعلها عنصراً فعَّالاً في نهوض المجتمعات وأعطاها من الحقوق مالم تعهده أمة من الأمم قديماً وحديثاً ،ويكفي أنه تكلَّم عنها في أكثر من موضع في القرآن الكريم من حيث الأحكام الخاصة بها فأوصى بحقها وعدم ظلمها وجعلها أهلاً للتملك والتصرف- كما في آيات المواريث-وجعلها صنو الرجل وقوله:)...وللرجال عليهن درجة ((20)يعني درجة تكليف لاتشريف فربَّ امرأة تقية أفضل من ألف رجل غير تقي.
وكفاها فخراً أن الله تعالى سمى سورة في القرآن باسمها «سورة النساء» وأي كرامة أعظم من أنه جعل لها حق الافتداء لتملك أمرها وليعرف الرجل قدرها فالله تعالى أوصى بحقها ونهى عن الإضرار بها أو ضربها نعرف ذلك من مفهوم الآيات ) وعاشروهن بالمعروف ((21) فهي مكرمة بتكريم الله لها لكن الفقهاء والمفسرين أحتجوا على جواز ضرب النساء بقوله تعالى:)...واضربوهن...( ومن يمعن النظر في هذه الآية- وسيأتي ذكرها كاملة- لسوف يدرك خطأ ماذهبوا إليه من هذا التفسير العقيم الذي يتنافى مع آيات القرآن العظيم- التى تأمر الأزواج بحسن معاشرة أزواجهم-
وقبل أن نأت بالأدلة على عدم جواز ضرب النساء لابد أن نذكر تفسير شيخنا الحجة السيد محمد يحيى الجنيد لهذه الآية لتعرف بأن الضرب خاص بأولياء الأمور وليس بالأزواج ) واللاَّتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان علياً كبيرا ((22)
قال سيدي الشيخ-بما معناه-:« إن هذه الآية الكريمة جاءت تبين الخطوات المنهجية المتبعة في إصلاح نشوز المرأة حتى تعود إلى امتثال أمر زوجها ورضا ربها، والخطاب في الآية ليس للأزواج فحسب بل لكل من يهمه أمر المرأة سواء الأقارب أو أولياء الأمر،أو غيرهم ممن له صلة بذلك. ولكل واحد من هذه الأصناف له خطاب موجه إليه لا يتعداه إلى غيره وإليكم بيان ذلك فقوله: ) واللاتي تخافون نشوزهن...(خطاب عام لجميع الرجال يدخل فيه الزوج والأقارب،وولي أمر المرأة،وكل من يهمه الأمر.أي اللاتي تخافون عصيانهن وترفعهن على أزواجهن- والنشوز في الأصل بمعنى الترفع والنَّشْزُ المرتفع من الأرض ويقال نشز الجبل أو الوادي أي الزائد منه . ونشوز المرأة بغضها لزوجها ورفع نفسها عن طاعته إذاً نشزت المرأة إذا ترفعت على زوجها وعصته - ) فعظوهن (فالخطاب هنا موجه إلى من كان كلامه مؤثراً ومقبولاً عند المرأة من أقاربها وليس الخطاب للزوج كما يقول المفسرون، لأنها إذا كانت قد عصته ورفضت أمره وترفعت عنه فكيف ستقبل وعظه ؟!!
وقوله ) واهجروهن في المضاجع ( فالخطاب موجه للأزواج لأنه لا يملك المضجع إلاَّ الزوج وهذا أمر بديهي وقوله ) واضربوهن ( فالخطاب موجه لولي أمر المرأة سواء كان أبوها أو أخوها أو عمها أو من يلي أمرها. ولايمكن أن يكون الخطاب هنا للزوج فإن الله تعالى أمر بالرفق بالنساء واجتناب ظلمهن وعدم الإضرار بهن كما في الآيات القرآنية وإذا جاز للزوج ضرب المرأة فما هو الشقاق المنتظر بعد الضرب فلا يمكن للخطاب القرآني أن يعارض قاعدة مسلم بها...»أھ
فهذا التفسير الذي ذكره سيدي الشيخ للآية هوالذي يقبله العقل وتطمئن إليه النفس ولم أر أحداً من المفسرين ذهب إلى هذا المعنى-الذي ذكره شيخنا- فهو المتفرد بهذا المعنى ولاضير في مخالفته لهم لأن المسألة اجتماعية وله أن يبدى رأيه واجتهاده.
ولقائل يقول : لقد جعلتم الخطاب- في تفسيركم للآية-متعدد بين الزوج وولي الأمر والأقارب مع أن الخطاب كله للزوج وليس لكم دليل واضح فيما ذهبتم إليه
أقول : إن من يستقرئ القرآن الكريم سيجد آيات تنوع الخطاب الإلهي فيها مثل قوله تعالى:) وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن...( فالخطاب عام للأمه لتكافلها في المصالح العامة وعلى هذا كل واحد يأخذ حظه من الخطاب للمجموع.) وإذا طلقتم النساء ( هنا الخطاب للأزواج وقوله :) فلا تعضلوهن ( الخطاب لأولياء الأمور.ولهذا قال بعض المفسرين الخطاب للأزواج والأولياء على التوزيع وقالوا لابأس بالتفكيك في الضمائر لظهور المراد وعدم الاشتباه.
إذا فهمت هذافكذلك آية النشوز الخطاب فيها للأمة وكل واحد يأخذ حظه من الخطاب الإلهي فلا اشتباه في ذلك وهذا يُدرك بالعقل من خلال سياق الآية كذلك أي خطاب ب ) يا أيها الذين آمنوا ( تدخل فيه النساء باستثناء بعض الخطابات كقوله : ) يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله...((23) فهنا عرفنا بالعقل أن المرأة خرجت من هذا الوجوب
ذكرنا هذا حتى تدرك بأن العقل له دور في فهم الخطابات الإلهية والمخاطبين بها فكذلك أدركنا بالعقل أن الخطاب في قوله: ) ...فاضربوهن...( هو لأولياء الأمر وليس للأزواج ولئلا يراودك الشك فيما ذكرناه سابقاً فسوف آتيك بأدلة-إضافة لما سبق- تثّبت فؤادك وتزيدك يقيناً في عدم جواز ضرب النساء وهي كالتالي:
1- لوكانت آية النشوز دالة على جواز ضرب النساء لكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم-أول من قام بتطبيقها والعمل بها فقد روى أنه لما نشزت السيدة عائشة-رضي الله عنها- وعصت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأساءت إليه بالكلام لم يضربها بل دعا بأبيها واستشهده فقال لها رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- تكلمي أو أتكلم؟ فقالت بل تكلم أنت ولاتقل إلا حقاً وفي رواية قالت له اقصد أي أعدل.فلطمها أبوبكر حتى سال الدم على ثيابها.(24) وكذلك فعل عمر مع حفصة لما نشزت « روى الواحدي بالإسناد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً مع حفصة فتشاجرا بينهما ، فقال لها : هل لك أن أجعل بيني وبينك رجلاً ؟ قالت: نعم . فأرسل إلى عمر فلما أن دخل عليهما قال لها : تكلمي ، فقالت : يارسول الله تكلم ولا تقل إلا حقاً ، فرفع عمر يده فوجأ وجهها ثم رفع يده فوجأ وجهها . فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : كف . فقال عمر : ياعدوة الله النبي لايقول إلا حقا والذي بعثه بالحق ، لو لا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي . فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصعد إلى غرفة فمكث فيها شهراً لا يقرب شيئاً من نسائه يتغدَّى ويتعشى فيها ... »(25)اھ
المهم من هذا تعلم أن التأديب والضرب خاص بولي أمر المرأة في حالة أنه لم ينفع الوعظ ولا الهجر عند ذلك يلجأ الزوج إلى ولي أمرها كما فعل رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- حينما دعا أبا بكر في شأن ترفع عائشة عليه.
2- جاءت آيات كثيرة تأمر الأزواج بحسن معاشرة النساء قال تعالى:) فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ( وقال : ) فاءمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ( وقال : )وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا ( وقال: ) ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا..( وهل الضرب إلاَّ اعتداء عليها والآيات من هذا النوع كثيرة والأحاديث وفيرة التى جاءت توصي بالنساء خيرا وقد استوفيناها في رسالتنا المسماة « رسالة إلى الخنساء بمنع الأزواج من ضرب النساء » وهي معدة للطبع(26) فمن هذه الأحــاديث
قوله صلى الله عليه وآله وسلم:« ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم-أي أسيرات-ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك..» رواه ابن ماجه والترمذي. والأحاديث من هذا النوع كثيرة جاءت توصي بمدارة النساء وتحمل مايقع منهن والإغضاء عن بعض تقصيرهن قال تعالى: ) فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا ((27) ولم يأمر بضربهن فهل ضرب الرجل لامرأته من حسن المعاشرة التى أمر بها الله ورسوله؟!! أم هي من علامة الجفا التي تتنافى مع ما أمر به المصطفى-صلى الله عليه وآله وسلم- من الملاطفة والإحسان ؟ جاء في الحديث :« أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله » أخرجه الترمذي.
فكيف يليق بالرجل أن يجعل امرأته مهانة كعبده وهي كنفسه بل عضو من أعضائه يسطو عليها بالضرب فتكون منه كالشاة من الذئب خائفة مرعوبة يركلها برجله ويهوي بكفه على رقبتها بل ويصل الأمر به إلى أن يلطمها في خدها ثم يطلب منها منتهى القرب !!
إذا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوجب على من ضرب عبده بكفارة فكيف بمن ضرب امرأته
3- إذا كان الله سبحانه وتعالى قد أعطى المرأة حق الافتداء بقوله: ) فلا جناح عليهما فيما افتدت به ( فأي معنى في ضربها وهي قد تملك أمرها بأن تخلع زوجها مقابل تعويضه بمال أو تسمحه في مهرها !!
4- إذا كان الله عز وجل أمر الرجل بالصبر على زوجه عند عدم أدائها للصلاة - ومعلوم أن ترك الصلاة كبيرة- قال تعالى:) وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها...( فكيف يجوز ضربها على أمر هو دون ترك الصلاة كتركها للزينه وهو يطلبها أو خروجها من منزله بدون عذر فهذا يُعد نشوزاً بنظر الفقهاء جاء في تفسير المنار للسيد رشيد رضا [5/76] مانصه : « قد خصوا النشوز الشرعي الذي يبيح الضرب بخصال قليلة كعصيان الرجل في الفراش، والخروج من الدار بدون عذر، وجعل بعضهم تركها الزينة وهو يطلبها نشوزاً...»أھ
5- إذا كان الله تعالى قد شرع اللعان في حال اتهام الزوج لزوجته بالزنا وهو أمر أكبر من النشوز فكيف يجوز ضربها لمجرد أنها لم تتزين له أو عصته في الفراش أوأو....!!
6- إن جواز ضرب المرأة ترفضه العقول وتمجه النفوس لأنه يهدر حق المرأة من أساسه فلا يُقبل لها قول ولا رأي والقول النافذ والمُصدَّق سيكون للزوج وهذا منتهى الظلم والتعسف
7- إذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- في أحاديثه ينهانا من تعذيب الحيوان ويأمرنا بالرفق به ،فكيف يجوِّز فقهاؤنا ضرب المرأة وهي إنسان مثلها مثل الرجل؟!
ثم من يرضى لابنته أو لأخته أن تضرب كالعبد أو الأمة ؟!
فلا أظن أحداً يرضى بهذا الظلم !! ولا يقدم أحد على ضرب امرأته إلا من كان متحجر الطبع قاسي القلب خبيث النفس منزوع الرحمة بعيداً عن كتاب الله وسنة رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- لأنه صار أشبه بالحيوان المفترس الضار لا يؤمن من الاقتراب منه.... هذا وكل راعٍ مسؤول عن رعيته....والزوج راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته ، ومن أراد رضا الرحمن والفوز بالغفران وأن يدخل فسيح الجنان فعليه أن يعامل أهله بالمعروف والإحسان كما أمره الله في القرآن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,















ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ الهوامش ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ


(1)البقرة:222 (2)البقرة:223 (3)البقرة:224 (4)البقرة:225
(5)البقرة:226 (6)البقرة:227 (7)البقرة:228 (8)النساء:34
(9)البقرة:229 (10)الطلاق:2 (11)البقرة:229 (12)الأحزاب:49
(13)البقرة:230 (14)الإسراء:20 (15)البقرة:231 (16)البقرة: 232 (17)البقرة:241 (18)البقرة:236 (19)تفسير المنار:[2/431]
(20)البقرة:228 (21)النساء:19 (22)النساء:34 (23)الجمعة:9 (25)تفسير الميزان للطباطبائى[16/321-322]
(24)انظر كنز العمال [7/116] برقم (1020) ط حيدر آباد
وإحياء علوم الدين [مجلد2/136] آداب النكاح . دار الفكر الطبعة الأولى 1395ھ -1975م
(26)كُنا قد ألفناها قبل تسع سنوات تقريباً وتم إنزالها في صحيفة الأمة آنذاك
(27)النساء:19

عاشقة الابتسامه
16-07-2009, 05:48 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

محب ال البيت ع
19-07-2009, 01:03 PM
بارك الله فيك اخي على هذا الطرح
تحياتي محب ال البيت ع (العـــــــــــايديal-aide)

:: بحر ::
11-08-2009, 03:09 PM
باركَ الله بكَ اخي الكريم