المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من مفاهيم التوبة عند أمير المؤمنين (عليه السلام)


ابوجعفرالديواني
03-01-2009, 02:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

إن من أهم الأبواب التي فتحها الله سبحانه وتعالى لعباده هو باب التوبة، وهو باب جليل يعد فرصة ثمينة ونعمة شريفة ورحمة واسعة منحها الحق سبحانه وتعالى الرؤوف الرحيم بعباده الضعفاء الأذلاء أمام أبسط المؤثرات.

ولولا هذه الفرصة لكان الإنسان من الهالكين لكثرة تورطه بالذنوب والعيوب، كما قال تعالى:﴿ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون﴾ النحل 61.

وهذا التأخير يكون لعدة أسباب ومنها أن يعطى الفرصة للتوبة والإنابة والاستغفار، وهذا من نعم الله سبحانه وتعالى على هذا العبد المذنب.

والمحروم الحقيقي هو من لم يستغل هذا الباب وتفوته هذه الفرصة، ويستمر سادراً في غيه وظلمه وضلاله، وماذا سوف يكون عذره أمام الله سبحانه وتعالى؟ كما ورد في الدعاء عن الإمام زين العابدين حيث يقول: (إلهي أنت الذي فتحت لعبادك باباً إلى عفوك سميته التوبة، فقلت: توبوا إلى الله توبة نصوحاً، فما عذر من أغفل دخول الباب بعد فتحه).

ويحسن بنا هنا أن نسلط بعض الضوء على أمر التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وبأي طريقة يتم ذلك.
فقد ورد أن شخصاً قال بحضرة أمير المؤمنين: أستغفر الله. فقال له الإمام: "ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين. وهو اسم واقع على ستة معان:











معان التوبة الستة

أولها: الندم على ما مضى.

والثاني: العزم على ترك العود إليه أبداً.

والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.

والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها.

والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد. والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول أستغفر الله".








ولا بأس بأن نتحدث ببعض الكلمات عن هذه الأقسام التي ذكرها أمير المؤمنين بحسب الرواية وذلك لأخذ العبرة، مع الالتفات إلى أننا كلنا إلا من عصم الله سبحانه وتعالى متورطون أمامه جل وعلا بالذنوب والخطايا. فيعتبر هذا الموضوع من المواضيع التي تهمنا بشكل رئيسي، بل هو محل ابتلاء دائم لكل منا بطبيعة الحال.

ولكننا وبسبب الغفلة التي هي محل ابتلاء دائم بالنسبة لنا أيضاً لا نلتفت إلى الكثير من الأمور المهمة والرئيسية مع شديد الأسف، وقد نهتم بالكثير من القضايا الهامشية والتي لا تشكل أهمية تذكر وخصوصاً فيما يعود لأمر أخرانا وحياتنا الأبدية.
وأول ما يواجهنا في الرواية هو الأسلوب الذي بدأ به الإمام كلامه مع ذلك الرجل، حيث قال له: "ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟" والذي يدل بشكل واضح على أنه يريد به أن يلفت نظر ذلك الشخص ونظر السامعين أيضاً إلى أن هذا الأمر لهو من الأمور العظيمة والتي تستحق الاهتمام والتوقف عندها، وليس هو بأمر هين ومعتاد على الألسن من دون إعطائه قيمته الحقيقية.

والفرد إذا اعتاد على بعض القضايا فإنها قد تهون في نظره مع أهميتها، ومع أنه وبهذه الاستهانة يكون قد فقد الكثير من المزايا فيما لو كان ملتفتاً إليها وإلى أهميتها. ويمكن أن نعطي لذلك مثالاً بقراءة سورة الفاتحة في الصلاة، فإن البعض ولأنه أصبح معتاداً على قراءتها بشكل يومي، فإنه قد يفقد الحضور القلبي أثناءها ولا يلتفت إلى مضامينها العالية والجليلة مع أنها أم الكتاب والسبع المثاني، ومع ما ورد عن أمير المؤمنين بما مضمونه: "إن كل العلوم تندرج في الكتب الأربعة وعلومها في القرآن وعلوم القرآن في الفاتحة وعلوم الفاتحة في بسم الله الرحمن الرحيم وعلومها في الباء من بسم الله وعلوم الباء في النقطة وأنا النقطة".

ثم أن أمير المؤمنين يبين حقيقة الاستغفار وأهميته بقوله: "الاستغفار درجة العليين".

ومن ثم يبين أقسامه والتي ينبغي لنا أن نعيها حقيقة وأن نجعلها دائماً نصب أعيننا لكي نكون من المستغفرين بشكل صحيح ومن التائبين توبة نصوحاً.

وأول تلك الأقسام هي قوله: "الندم على ما مضى".

فليس من الصحيح أن يستغفر الفرد عن ذنب يميل إليه نفسياً ويكون حال استغفاره راضياً عن هذا الفعل ومحباً له ومتعلقاً به، فإن هذا الموقف يكون من النفاق أمام الله سبحانه وتعالى، وهو سوء أدب بحضرته جل وعلا. ومن جانب آخر فإن الندم يجعل من المستغفر شخصاً يكره ذلك الفعل الذي صدر منه لأنه سبب إلى تورطه بغضب الله سبحانه وتعالى، وابتعاده عن الرحمة الإلهية، وسلب التوفيق منه. وسوف ينتهي به في الآخرة إلى العذاب الذي تطول مدته ولا يخفف عن أهله. وكل هذه الأمور مما ينفر الإنسان منها بشكل واضح. فيكون هذا الشعور رادعاً في المستقبل عن مقارفة هذا الذنب أو غيره.

وإذا كان المستغفر حال استغفاره راضياً عن تلك المعصية التي صدرت منه وليس متأسفاً بسببها، فإنه يكون ذا سريرة ملوثة تسبب مستقبلاً إلى وقوعه في نفس المعصية أو غيرها بشكل أسهل وأسرع.

وأما القسم الثاني فقوله: "العزم على ترك العود إليه أبداً" وذلك لكي يبدي حسن النية أمام الله سبحانه وتعالى، ويكون صادقاً في استغفاره مما يؤدي بالنتيجة إلى صفاء النفس وخلوصها، لكي يكون الفرد أهلاً للاستحقاق الإلهي بالتوفيق للطاعة والارتداع عن المعاصي. فإن ذلك كله لا يكون إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى وحسن تفضله. وإلا فإن الإنسان لو خلي وطبعه فإنه خاسر أكيداً فيما لو فقد التأييد الإلهي.

وإلا فما فائدة الاستغفار فيما إذا كان الفرد يمني نفسه أو يفكر بأنه يعاود إلى ارتكاب المعصية أمام الله سبحانه وتعالى.
ثم يقول : "والثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة".

وهو ما قد يعبر عنه بمداينات العباد، وهي من الحقوق المهمة جداً، والتي لا يتجاوزها الله سبحانه وتعالى حتى مع توبة المذنب واستغفاره، بل لابد من أخذها بنظر الاعتبار وإعطاء كل ذي حق حقه.

وليس من العدل الإلهي أن يراعي الله سبحانه وتعالى حقه ويترك حقوق الناس، بل لابد من مراعاتها وأدائها قبل قبول التوبة من المستغفر.

وإلا فإن هذه التبعات مما تثقل ظهر الإنسان ومما قد تكون سبباً لحرمانه من الرحمة الإلهية الواسعة ومن شفاعة المعصومين، فإذا كان الله سبحانه وتعالى من له الخلق والأمر ومع ذلك فإنه لا يتجاوز حقوق الناس فكيف يتجاوز المعصومون ذلك؟.

فلابد للإنسان من أن يصفي حساباته مع الآخرين بشكل تام وكامل، لكي يرجع إلى ربه وقد تخفف من هذه الأثقال كما ورد عن أمير المؤمنين أنه قال: "فإن الغاية أمامكم وإن من وراءكم الساعةَ تحدوكم، تخففوا تلحقوا، فإنما ينتظر بأولكم آخركم".
فلابد لمن تعدى على حقوق العباد من أن يتحلل منهم وأن يبرئ ذمته أمامهم، سواء كانت هذه الحقوق مالية أو غيرها كالتعدي عليهم بالغيبة أو البهتان أو الشتم أو الضرب أو القتل أو غير ذلك.

ثم قال : "والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها".

فإن توبة الفرد لا تلغي من ذمته العبادات والفرائض التي ضيعها فيما سبق، بل لابد له من أدائها وقضائها، سواء كانت هذه الفرائض مالية كالخمس والزكاة والكفارات والنذور، أو غير مالية كالصلاة والصوم.

فهذه الأمور مما تبقى متعلقة في ذمة الفرد حتى من بعد موته ولا تفرغ ذمته أمام الله سبحانه وتعالى إلا بأدائها.
ويحسن بالإنسان أن يبادر إلى أدائها قبل موته، فإنه لا يضمن أن غيره سوف يؤدي عنه أم لا.

وأما القسم الخامس فقوله : "أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد".

وهذا الأمر يمكن أن يفهم على عدة أشكال:

أولاً: هو كناية عن اتعاب النفس وتحميلها المصاعب لأجل التكفير عما مضى من الذنوب والعيوب.

ثانياً: الابتعاد عن الراحة والملذات الدنيوية ومفارقتها حتى يجعل الإنسان نفسه في مصاف المرضي عنهم من قبل الله سبحانه وتعالى.

ثالثاً: التقليل من الطعام فعلاً فإنه يعد من الرياضات الروحية المهمة التي يمكن للفرد أن يتوصل من خلالها إلى صفاء النفس وابتعادها عن الكدورة والظلمانية.

رابعاً: هو رمز إلى الابتعاد عن كل النتائج السيئة التي حصلت من ارتكاب المعاصي والآثام.

ويختمها (ع )بقوله : "والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول أستغفر الله".

فإن الله سبحانه وتعالى لا يستحق من الإنسان إلا كل جميل، ولو قدم روحه بين يديه لكان أقل من حق الله سبحانه وتعالى عليه بما لا يتناهى. ومهما قدم من عمل لكي يغسل به الأدران السابقة فإنه لا يستحق ذلك لولا الرحمة الإلهية. كما ورد في الدعاء عن الإمام السجاد أنه قال: "يا إلهي لو بكيت إليك حتى تسقط أشفار عيني، وانتحبت حتى ينقطع صوتي، وقمت لك حتى تتنشر قدماي، وركعت لك حتى ينخلع صلبي، وسجدت لك حتى تتفقأ حدقتاي، وأكلت تراب الأرض طول عمري، وشربت ماء الرماد آخر دهري، وذكرتك في خلال ذلك حتى يكل لساني، ثم لم أرفع طرفي إلى آفاق السماء استحياء منك، ما استوجبت بذلك محو سيئة واحدة من سيئاتي. وإن كنت تغفر لي حين أستوجب مغفرتك، وتعفو حين أستحق عفوك، فان ذلك غير واجب لي باستحقاق ولا أنا أهل له باستيجاب، إذ كان جزائي منك في أول ما عصيتك النار، فإن تعذبني فأنت غير ظالم لي".

فلابد للإنسان من أن يكثف الطاعات في سبيل الله سبحانه وتعالى، ويجهد نفسه في ذلك لكي يستحق التوبة من قبل الله سبحانه وتعالى، ولكي يغسل ما علق بقلبه من تلك الذنوب فيكون أهلاً للمغفرة بعد عناية الله تعالى وحسن توفيقه.

وائل المفلحي
03-01-2009, 05:09 PM
قال رسول الله عليه الصلاه والسلام (( ياآيها الناس توبوا الى الله فاني اتوب أليه في اليوم مآئه مره ))

محـب الحسين
03-01-2009, 08:45 PM
وفقك الله اخي ابو جعفر
وجزاك خير الجزاء

تراب البقيع
03-01-2009, 09:04 PM
http://www.alfaris.net/up/11/alfaris_net_1230523512.gif
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
اَلسَّلامُ عَلَى الْحُسَيْنِ وَعَلى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَوْلادِ الْحُسَيْنِ وَعَلى اَصْحابِ الْحُسَيْنِ،..: اَللّـهُمَّ خُصَّ اَنْتَ اَوَّلَ ظالِم بِاللَّعْنِ مِنّي وَابْدَأْ بِهِ اَوَّلاً ثُمَّ (الْعَنِ) الثّانيَ وَالثّالِثَ وَالرّابِعَ اَللّـهُمَّ الْعَنْ يَزيدَ خامِساً وَالْعَنْ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ زِياد وَابْنَ مَرْجانَةَ وَعُمَرَ بْنَ سَعْد وَشِمْراً وَآلَ اَبي سُفْيانَ وَآلَ زِياد وَآلَ مَرْوانَ اِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليك ياامير المؤمنين
اشكر اخي ابو جعفر على الطرح القيم
ثبتنا الله على ولاية امير المؤمنين
موفقين للخير
اخوك تراب البقيع
http://up.damasgate.com/files/9e67phpk5ne8hmvac997.gif (http://up.damasgate.com/)
دمتم بحب الزهراء عليها السلام

ابوجعفرالديواني
03-01-2009, 11:02 PM
بارك الله بكم اخوتي
والشكر على مروركم