المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : “لقاء النجف.. حدث يمكن أن يصنع التاريخ”


سيد فاضل
08-03-2021, 12:21 PM
“لقاء النجف.. حدث يمكن أن يصنع التاريخ”؛ بقلم مسيح مهاجري رئيس تحرير صحيفة جمهوري إسلامي

شفقنا العراق-فيما يلي ترجمه افتتاحية رئيس تحرير صحيفة جمهوري إسلامي الإيرانية، مسيح مهاجري، نشرت يوم الأحد 6 مارس 2021.

شهدت الأيام الأخيرة من العام الإيراني (1399) والأشهر الأولى من السنة الميلادية (2020) حدثًا تاريخيًا بالغ الأهمية على صعيد العلاقات الإنسانية بالقرب من مرقد الإمام علي عليه السلام وذلك عندما التقى بابا الفاتيكان بالمرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى السيد علي السيستاني، فتبادلا -الزعيمان الدينيان الكبيران-وجهات النظر حول أهم المشاكل التي تعاني منها الشعوب.

ومما ميز هذا اللقاء التاريخي هو أن البابا فرنسيس لا يمثل، على صعيد الرأي العام، الكاثوليك فقط، وإنما المسيحيين كلهم؛ الأمر ينطبق كذلك على آية الله السيستاني، فهو لا يمثل الشيعة فقط وإنما كافة المسلمين. كما إنه وعلى صعيد ثقافة الشعب العراقي، وبصفته مرجعية دينية، لا يمثل العراقيين المسلمين فقط، بل يمثل العراقيين المسيحيين وأتباع جميع الديانات والمجموعات العرقية التي تعيش في العراق، وهذا هو بالضبط ما جعل من اللقاء، حدثًا تاريخيًا فريدًا.

اللقاء حمل دلالة أخرى كبيرة الأهمية، تتمثل في المكان الذي عقد فيه: منزل آية الله السيستاني البسيط والمتواضع، وهو أمر لفت انتباه البابا والرأي العام العالمي على حد سواء، لما فيه من دروس وعبر، أولها أن هذا البيت، وبعيدا عن الكلمات والعبارات الرنانة، بيّن للجميع وبكل وضوح، كيف يمكن لفكر حٌرّ يعتمد على الله، ولإرادة قوية عزمت خدمة خلق الله، أن تلحق، انطلاقا من بيت متواضع وصغير، الهزيمة بأكبر القوى العالمية في دعمها للإرهاب والشر واحتلالها لأراضي الضعفاء المتشردين، فتصبح ملجأً للمظلومين.

وهذا ما يؤكده البيان الصادر عن الفاتيكان عقب اللقاء، فقد جاء فيه: “قد شكّل هذا اللقاءُ فرصةً لقداسة البابا حتى يشكرَ آيةَ الله العظمى السيستاني لأنّه رَفَعَ صوته، مع الطائفة الشيعيّة، إزاء العنف والصعوبات الكبيرة التي شَهِدَتها السنوات الأخيرة، دفاعًا عن الضعفاء والمُضطَّهَدين، مؤكّدًا قدسيّة الحياةِ البشريّة وأهمّية وَحدة الشعب العراقي”.

وحسنًا فعل السيد السيستاني، وهذا يحسب لدهاءه، عندما اشترط عدم حضور أي مسؤول سياسي في لقاءه بالبابا، وبذلك لم يعد هناك أي مجال أو إمكانية لوصف هذا اللقاء التاريخي بـ “السياسي”. وهذه الخطوة تأتي من صميم سيرته العملية المعتادة، فسماحته لا يسمح حتى لأكثر الممارسات سياسة، أن تأخذ طابع السياسة الحالية المنتشرة في العالم، كما أنه لا يسمح بأن تتلطخ خدمة خلق الله تعالى بكل ما هو غير إلهي.

وبعيدًا عن هذه الأمور، فإن محتوى اللقاء بين الزعيمين الدينيين، وخاصة ما قاله آية الله السيستاني، يمكن أن يكون تاريخياً إذا تم تنفيذه، وكان من أهم المحاور التي تطرق إليه سماحته خلال استقباله البابا: “ما يعانيه الكثيرون في مختلف البلدان من الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات الأساسية وغياب العدالة الاجتماعية، وخصوص ما يعاني منه العديد من شعوب منطقتنا من حروب وأعمال عنف وحصار اقتصادي وعمليات تهجير وغيرها، ولا سيما الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة”.

ولم يكتف هذا المرجع البصير بالتطرق إلى ما يعانيه الإنسان المعاصر من آلام وأوجاع، وإنما أظهر أسلوب معالجتها أيضًا، فأشار سماحته إلى “الدور الذي ينبغي أن تقوم به الزعامات الدينية والروحية الكبيرة في الحد من هذه المآسي، وما هو المؤمل منها من حثّ الأطراف المعنيّة ـ ولا سيما في القوى العظمى ـ على تغليب جانب العقل والحكمة ونبذ لغة الحرب، وعدم التوسع في رعاية مصالحهم الذاتية على حساب حقوق الشعوب في العيش بحرية وكرامة”.

كان هذا أهم النقاط التي تميز به لقاء يوم السبت في النجف الأشرف.

لا يخفى على أحد إن أصحاب السلطة وعلى مر التاريخ وحتى يومنا هذا، لم يكونوا على استعداد -وما زالوا كذلك- بأن يتجاهلوا مصالحهم الشخصية. ومن هذا المنطلق، يمكن للقادة الدينيين، وإلى جانب الإعلان عن مواقفهم، نصحًا وإرشادًا، أن يبادروا، عبر هذه اللقاءات، إلى تأسيس مركز عالمي مشترك للأديان يعلن، وباستمرار، مواقفهم الداعمة للشعوب وكذلك لمقارعة الظلم والفساد وانتهاك حقوق الإنسان، وكذلك متابعة مثل هذه المطالب. وبإمكان هذا المركز أن يصبح قوة عالمية ناعمة بفضل ما يتمتع به من دعم جماهيري أكسبته إياه إرادة الشعوب وأتباع الديانات، مما يمكّنه من تحقيق نجاحات في اقتلاع جذور الظلم، والقضاء على الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والتمييز بكل أشكاله. وهذا أقل ما يمكن أن تجنيه البشرية من نصيب من اللقاء التاريخي بين الزعيمين الدينيين لعالمنا المعاصر، فتجعل منه حدثًا يصنع التاريخ.