
يخافون فكره النير وإن قتلوه؛ د. عطور الموسوي
شفقنا العراق-أيام سوداء تلك التي عشناها بعد استشهاد المرجع المفكر السيد محمد باقر الصدر، ولعل أصعب ما فيها اننا لم نتمكن من التعبير عن ألمنا الكبير هذا، تسارع الأحداث المفجعة والاعتقالات التي طالت مجاميع الشباب تنذر بالمزيد من الأسى، وصار ممنوعا كل مباح ولولا أن سلطة البعث تدعي إن دين الدولة الرسمي هو الإسلام لمنعوا تواجد المصاحف ولأحرقوها.
ذات يوم مدرسي دخلت مديرة المدرسة ومعاونتها ومعلمة مادة الإسلامية الى قاعة الدرس بطريقة مفاجئة ومرعبة وطلبن منا بلهجة الآمر متابعة صفحات من كتابنا المنهجي لهذه المادة، كانت المديرة تقرأ رقم الصفحة وهن يتابعن معنا وتردف قائلة اقطعوها من الكتاب فورا! فعدد من الصفحات في فصول تضمنت الاقتصاد في الإسلام. ثم أمرتنا أن نتابع في فهرست الكتاب حذف وبالقلم الجاف أو الحبر اسم السيد محمد باقر الصدر وأسماء كتبه! كن يدققن كل ما ذكرت بالمعاينة المباشرة، وخيم الرعب في الصف والذي انعكس علينا من طريقة تعاملهن. كما كن يجمعن الصفحات المقتطعة قبل مغادرة المكان وكأنهن سيقدمنها دليلا على إنجازهن المهمة.
ولأن أي كتاب ديني يعني لدى البعثيون دليل إدانة فبدأت العوائل تخفي الكتب والمجلدات تحسبا لمداهمات أزلامها، فمكتبتنا ضمت كتبا متنوعة علمية وتاريخية ودينية، وثمة عدد من مجلدات لموسوعات قد اشتراها أخي جمال من مكتبات موثوقة في الكاظمية وكربلاء والنجف.. كتب أنيقة لا تقل كل موسوعة عن ستة مجلدات ضخمة ضمت صفحاتها فكرا عقائديا مسندا، فضلا عن مؤلفات الشهيد الصدر والرسالة الفقهية للسيد الإمام الخوئي، وكتب ألفها جهابذة علماء الإسلام؛ نعم كان أخي حريصا على شراء الكتاب ولا يبالي إن سافر لأجل الحصول على نسخة منه مهما كان سعره.
احتارت عائلتي كيف تخفي هذه التحف القيمة وهي تتوقع مداهمة منهم في كل لحظة! من يتحمل من الأقرباء مسؤولية إيداعها عنده؟ فقرروا أن يدفنوها بعد تغليفها بعدة طبقات من ورق البلاستيك لئلا تتلف.
كان دفنها مؤلما ومقلقا حتى في ساعات الليل فلا أمان من أعين جواسيس السلطة الذين انتشروا في كل زقاق واندسوا بين الناس. دفنت مع الكتب كاسيتات محاضرات الشيخ الوائلي وصور مراجعنا السيدان الخوئي والصدر؛ أي زمان هذا؟ هو زمان الحجّاج بلا أدنى فرق.
بقلم د. عطور الموسوي/وكالة براثا
تعليق