
لم يأمر النبي

نحن نعلم أن النبي صلوات الله عليه كان ـ في بدء رسالته المباركة ـ يحتاج الى مزيد من المؤيدين والأعوان في داخل مكة، وفي خارجها. في داخل مكة، لتقوية الصف فيها، وليمنع نفسه من قريش! وفي خارج مكة، لنشر مبادئ هذا الدين الجديد الحنيف، واستقطاب أكبر عدد ممكن من الأفراد المسلمين كي ينهض بهذا الأمر جهرة وعلى الصعيد العام، وتكون لديه القوة الكافية لصد أعدائه الذين يتربصون به الغيلة ويخططون للقضاء عليه وعلى الرسالة في مهدها.
لقد آثر النبي

وهذا ما حصل، فقد نجح أبو ذر في ذلك، فقد أسلم نصف قومه على يده، وأسلم النصف الباقي عند مجيء النبي

وبقي أبو ذر بينهم فترة طويلة. لم يحضر في خلالها غزاة بدر ولا أحد، ولا الخندق (كما تقول الروايات)، بقي بينهم في خندق الجهاد الآخر، حيث كان يفقههم في دينهم، ويعلمهم أحكام الاسلام، وهذا جهاد يحتاج الى عزيمة وحكمة ودراية ونفس طويل.
وليس من الوارد في ذهن من يعرف أبا ذر، أن يعتقد بتخلفه عن هذه الغزوات الثلاث بمحض ارادته واختياره، بل من المؤكد أن تخلفه عنها، وبقاؤه في قومه إنما كان بإيعاز من الرسول الكريم


قال تعالى: (وما كانَ المؤمنونَ لِينفورا كافِّة فَلولا نَفَر مِن كُل فِرقة مِنهم طَائِفَة لِيَتفقَّهوا في الدِّين وليُنذِروا قَومَهم اذا رَجِعوا اليهم لَعَلَّهم يَحذرون) 9 ـ 122.
قضى أبو ذر، فترة بين بني قومه، ثم عاد ليصحب النبي

وقد حظي من رسول الله


فعن ابي الدرداء قال: «كان النبي

ويظهر من بعض الأخبار انه


فقد روي انه قدم الى المدينة، فلما رآه النبي قال له: « أنت أبو نملة!
فقال: أنا أبو ذر.
قال

وعن الصادق

طلب أبو ذر رسول الله

فتوجه في طلبه، فوجده نائماً، فأعظمه أن ينبهه. فأراد أن يستبرئ نومه من يقظته، فتناول عسيباً يابساً، فكسره ليسمعه صوته. فسمعه رسول الله

يا أبا ذر، تخدعني. أما علمت أني أرى أعمالكم في منامي، كما أراكم في يقظتي! إن عينيَّ تنامان، ولا ينام قلبي (3)!!
وكان في صحبته للنبي

لقد سألت النبي

وقال: لقد تركنا رسول الله

وقال: دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله



فقال


وفي ميدان معارفه وعلومه التي اكتسبها من النبي


وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه، ثم أوكأ عليه، فلم يخرج شيئاً منه (7). وانما أوكأ أبو ذر على ذلك العلم، ومنعه عن الناس، لأنه لا تحتمله عقولهم.
وفي رواية أخرى عن علي

«وعى علما عُجز فيه، وكان شحيحاً حريصاً على دينه، حريصا على العلم، وكان يكثر السؤال، فيُعطى ويَمنع، أما ان قد ملئ في وعائه حتى امتلأ » (8).
وجاء عن كتاب حلية الأولياء: في هذا الصدد:
كان أبو ذر رضي الله تعالى عنه، للرسول

وقد منحه النبي

قوله

وقد سئل الإمام الصادق

ففي معاني الأخبار بسنده، عن رجل. قال:
قلت لأبي عبد الله


قال: بلى.
قال: قلت: فأين رسول الله، وأمير المؤمنين؟ وأين الحسن والحسين؟
قال، فقال لي: كم السنة شهراً؟
قلت: إثنا عشر شهراً.
قال: كم منها حُرُم؟
قال: قلت: أربعة أشهر.
قال: فشهر رمضان منها؟
قال: قلت: لا.
قال

في غزوة تبوك
في غزوة تبوك، وقف بأبي ذر جمله، فتخلف عليه، فقيل: يا رسول الله: تخلف أبو ذر.
فقال

فوقف أبو ذر على جمله، فلما أبطأ عليه، أخذ رحله عنه، وحمله على ظهره، وتبع النبي

فنظر الناس، فقالوا: يا رسول الله، هذا رجل على الطريق وحده.
فقال رسول الله

فلما تأمله الناس، قالوا: هو أبو ذر!
فقال رسول الله

مقتبس من كتاب: أبو ذر الغفاري رمز اليقظة في الضمير الإنساني/الشيخ محمد جواد الفقيه
.............................
(1) الاصابة 4/63 والاستيعاب ص 64.
(2) الاصابة 4/63 والاستيعاب ص 64.
(3) معجم رجال الحديث 4/171.
(4) الغدير 8/312 عن مسند أحمد.
(5) الاستيعاب 4/64.
(6) تنبيه الخواطر 2/300.
(7) الاستيعاب/حاشية على الاصابة 4/64.
(8) الغدير 8/311.
(9) نفس المصدر 312.
(10) الاستيعاب/الاصابة 1/216.
(11) معاني الاخبار ص 179.
(12) الكامل 2/280 والاصابة ج 4/64 بلفظ قريب.
تعليق