المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل خرج الحسينُ (ع) من المدينة خائفاً؟!


سيد فاضل
12-08-2021, 05:20 PM
هل خرج الحسينُ (ع) من المدينة خائفاً؟!



بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد



المسألة:

هل خرج الإمام الحسين (ع) من المدينة خائفاً كما قال الشاعر:

خرج الحسين من المدينة خائفاً ** كخروج موسى خائفاً يتكتَّمُ



الجواب:

لم يخرج الحسين (ع) من المدينة خائفاً إذا كان المراد من ذلك أنَّه كان مرعوباً يخشى القتل أو بطش الظالمين، فالحسين (ع) لا يخطرُ في رَوعه الخوف فضلاً عن أنْ يستحكِم في قلبِه فيدفعه للفرار أو الخنوع، فهو (ع) من أكمل مَن قال الله تعالى فيهم: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾([1]).



منشأ المبادرة للخروج من المدينة:

نعم خرج الحسينُ (ع) من المدينة حذرَاً مِن أنْ تعملَ السلطةُ الأمويَّة على إجهاض نهضتَه قبل أنْ تستحكِم، فكانَ بوسعِها أنْ تفرضَ عليه إقامةً جبريَّة أو أنْ تقتله غيلةً أو حتى جهاراً فيحولُ ذلك دون أنْ يجنيَ قتلُه الأثرَ الذي يجنيه لو وقع بعد ثورةٍ مجلْجِلة كالتي وقعت يوم عاشوراء.



ثم إنَّه لم تكن المدينةُ صالحةً لاحتضان نهضته، كما أنَّ معالم النهضة وأهدافها وغاياتها لم تتبلور بعدُ في وعي الأمة والتأريخ، فكان يخشى لو بقيَ في المدينة أنْ لا يُتاحَ له بلورتُها وإنضاجها، فكانَ عليه أنْ يختار بيئةً صالحة لذلك فلم تكن سوى مكة الشريفة.



فذلك هو ما دفعَ الإمامَ الحسين (ع) للمسارعة إلى الخروج من المدينة، إذ كان يخشى أنْ تُفوَّت عليه السلطةُ الأمويَّة القدرةَ على التمهيد والإعداد الكافي لنجاح نهضته، والذي يؤكِّد أنَّ خروجه من المدينة لم يكن عن خوفٍ وأنَّه كان حمايةً لنهضته التي كان قد عقدَ العزمَ عليها دون تردُّد أو تراجع، الذي يؤكِّد ذلك وصيتُه التي كتبها قُبيل خروجِه من المدينة واستأمنَ عليها أخاه محمدَ بن الحنفية والتي ورد فيها: ".. وأنِّي لم أخرج أشرا ولا بطراً ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنَّما خرجتُ لطلب الاصلاح في أمَّةِ جدِّي صلَّى الله عليه وآله أُريد أنَ آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسيرَ بسيرة جدِّي وأبي عليِّ بن أبي طالب عليه السلام، فمن قبلني بقبول الحقِّ فاللهُ أولى بالحقِّ، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبرُ حتى يقضيَ اللهُ بيني وبين القوم بالحقِّ وهو خيرُ الحاكمين"([2]).



فهو إذن لم يخرج من المدينة خوفاً وإنَّما خرج لطلب الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلأنَّ طلبَ الإصلاح يحتاجُ إلى إعدادٍ وتمهيد وخلْقِ المناخِ واختيار الحاضنة المناسبة لذلك سارعَ بالخروج.



وعليه فإذا كان مقصود الشاعر من قوله: خرج الحسين من المدينة خائفاً هو أنَّه خرج محاذراً يستهدفُ حمايةَ نفسِه لحماية نهضتِه المكلَّفِ بها من قِبَل ربِّ السماء فهو صحيح وإلا فهو تعبيرٌ خاطئ، إذ أنَّ الخوف بمعنى الرهبة من القتل والخشية من بطش الظالمين منقَصَةٌ يتنزَّهُ عنها أهلُ العصمةِ والكمال.



لماذا تمثَّل(ع) بقوله تعالى:﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا﴾:

والظاهرُ أنَّ مقصود الشاعر هو المعنى الأول الذي ذكرناه وأنَّه اقتبسَ ذلك ممَّا أورده المؤرِّخون من تمثُّل الإمام الحسين (ع) حين خروجه بقوله تعالى: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾([3]).



فأراد الحسينُ (ع) -ظاهراً- من تمثُّله بالآية الشريفة أنَّ يؤكِّد للمسلمين وللتأريخ أنَّ ابن رسول الإسلام (ص) لم يكن آمناً على نفسِه في وطن جدِّه (ص) وأنَّ دمَه قد يُستباح لمجرَّد أنَّه رفض البيعة، وأراد كذلك أنْ يؤكِّد أنَّ السلطة الأمويَّة لا تختلف عن فرعون وملئه الذين وصفتهم الآيةُ بالقوم الظالمين.



فذلك هو المستظهَر من تمثلُّه (ع) بالآية الشريفة، فلم يكن خوفُه بمعنى رهبته من الموت أو بطش الظالمين -معاذ الله- فهو ابنُ أبيه (ع) الذي قال: "واللَّه لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا"([4]).



وهو القائل قُبيل خروجه من المدينة: "وَاللهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنيا مَلْجَأٌ وَلا مَأْوىً لَمَا بايَعْتُ يَزيدَ أَبَداً"([5]).



لم يخرج الحسين(ع) مُتكتِّماً:

وأمَّا قول الشاعر(رحمه الله): "يتكتمُ" فليس دقيقاً فخروج الحسين (ع) من المدينة إلى مكَّة لم يكن كخروج عبد الله بن الزبير، فابنُ الزبير خرج بصحبةِ أخيه جعفر متنكباً الطريق الأعظم وسلك غير الجادَّة وأمَّا الإمام الحسين (ع) فخرج في قافلةٍ تضمُّ بنيه وإخوته وبني إخوته ونسائه وجُلَّ أهل بيته ومواليه، ولم يتخلَّف عنه سوى محمد بن الحنفيَّة -كما في أنساب الأشراف وغيره([6])- وسلك الطريق الأعظم([7]).



يقول عقبةُ بن سمعان -مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكلبية امرأة الحسين- كما في تاريخ الطبري: "خرجنا فلزمنا الطريق الأعظم، فقال للحسين أهل بيته: لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير لا يلحقك الطلب، قال: لا والله لا أفارقه حتى يقضى الله ما هو أحب إليه"([8]).



ويقول الشيخ المفيد في الإرشاد: "ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته: لو تنكَّبتَ الطريقَ الأعظم كما صنع ابنُ الزبير لئلا يلحقَك الطلب، فقال (ع): "لا واللهِ لا أفارقُه حتى يقضيَ اللهُ ما هو قاضٍ"([9]).



وفي كتاب الفتوح لابن أعثم قال: "وخرج في جوف الليل يريد مكة بجميع أهله... فجعل يسير ويقرأ هذه الآية: ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾. فقال له ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب: يا بن بنت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم لو عدلنا عن الطريق وسلكنا غير الجادَّة كما فعل عبدُ الله بن الزبير كان عندي الرأي، فإنَّا نخافُ أن يلحقَنا الطلب فقال له الحسين: لا والله يا بن عمِّي لا فارقتُ هذا الطريق أبداً أو أنظر إلى أبيات مكة أو يقضيَ اللهُ في ذلك ما يُحبُّ ويرضى، ثم جعل الحسين (ع) يتمثل بشعر يزيد بن المفرغ الحميري وهو يقول:



لا ذعرتُ السوام في فلق الصبـــــ ** ـــــــح مغيراً ولا دعيت يزيدا

يوم أُعطى من المخافة ضي‍ـــ ** ــــــما والمنايا يرصدنني أنْ أحيدا([10])



فسلوكُ الطريقَ الأعظم الذي يسلكُه عامَّةُ الناس، والخروجُ في قافلةٍ تضمُّ نساءً وأطفالاً يُنافي دعوى الخروج من المدينة متكتِّماً، فلو أراد الخروج متكتِّماً لركب جواده وصحب معه أحد إخوته أو أبنائه وخرج في جنح الليل متنكباً طريق الجادَّة كما فعَلَ ابنُ الزبير، أمَّا أنْ يسلكَ الطريقَ الأعظم الذي يسلكه عامَّةُ الناس، ويخرج في قافلةٍ على الجمال تضمُّ نساءً وأطفالاً فذلك لا يكون من التكتُّم، وأمَّا الخروج في الليل فلا يُعدُّ من التكتُّم إذ أنَّه لن يذهبَ بعيداً بثقلِه وسيره البطيء قبل أنْ يطلع النهار، وهو بحاجة إلى خمسة أيام على أقلِّ تقدير قبل أنْ يصلَ إلى مكَّة فلو كان يخشى الطلب لتنكَّب الطريق وسلكَ غيرَ الجادَّة.



ثم إنَّ البيتين اللذين تمثَّل بهما تعني أنَّه لا يقبل بالضيم ولا يُعطي الدنيَّةَ مخافة المنايا التي ترصدُه.



والحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صنقور

1 / محرم / 1443هـ

10 / أغسطس / 2021م

[1]- سورة الأحزاب / 39.

[2]- بحار الأنوار -المجلسي- ج44 / ص330.

[3]- سورة القصص / 21.

[4]- نهج البلاغة -خطب الإمام علي- ص418. الأمالي -الصدوق- ص640 .

[5]- الفتوح -ابن أعثم الكوفي- ج5 / ص21.

[6]- أنساب الأشراف -البلاذري- ج5 / ص303، الأخبار الطوال -الدينوري- ص248. البداية والنهاية -ابن كثير- ج8 / ص147،

[7]- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص260، الإرشاد -المفيد- ج2 / ص35، الفتوح -ابن أعثم- ج5 / ص22.

[8]- تاريخ الطبري -الطبري- ج4 / ص260.

[9]- الإرشاد -المفيد- ج2 / ص35.

[10]-الفتوح -ابن أعثم- ج5 / ص22. نقل الكثير من المؤرخين تمثل الحسين (ع) بالبيتين منهم: أنساب الأشراف -البلاذري- ج5 / ص303، تاريخ الطبري- الطبري- ج4 / ص253، الأغاني -أبو الفرج الأصفهاني- ج18 / ص447، الشعر والشعراء -ابن قتيبة الدينوري قال: وكان الحسين بن علي تمثّل بهذين البيتين الآخرين حين بلغته بيعة يزيد بن معاوية، فعلم من حضر أنّه سيخرج عليه ج1 / ص350، وفيات الأعيان -ابن خلكان- ج6 / ص353 وغيرهم.

محـب الحسين
13-08-2021, 12:10 AM
احسنت اخي العزيز

سيد فاضل
13-08-2021, 11:15 AM
سلمكم الله