
ذم الإمام علي (ع) أصحابه لمّا كرهوا المسير إلى الشام
في السیرة الإمام عـلي /
1 – الغارات عن قيس بن السكن : سمعت عليّاً ( عليه السلام ) يقول ونحن بمَسكِن ( 1 ) :
يا  معشر المهاجرين ! ( ادْخُلُواْ الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ  اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ  خَاسِرِينَ ) ( 2 ) . فتلكّؤوا ، وقالوا : البرد شديد ، وكان غزاتهم في
البرد .
فقال  ( عليه السلام ) : إنّ القوم يجدون البرد كما تجدون . قال : فلم يفعلوا  وأبوا ، فلمّا رأى ذلك منهم قال : أُفٍّ لكم ! إنّها سُنّة جرت عليكم ( 3 )  .
2  – شرح نهج البلاغة عن أبي ودّاك : لمّا كره القوم المسير إلى الشام عقيب  واقعة النهروان أقبل بهم أمير المؤمنين ، فأنزلهم النُّخَيلة ، وأمر الناس  أن يلزموا معسكرهم ويوطّنوا على الجهاد أنفسهم ، وأن يُقِلّوا زيارة النساء  وأبنائهم حتى يسير بهم إلى عدوّهم ، وكان ذلك هو الرأي لو فعلوه ، لكنّهم  لم يفعلوا ، واقبلوا يتسلّلون ويدخلون الكوفة ، فتركوه ( عليه السلام ) وما  معه من الناس إلاّ رجال من وجوههم قليل ، وبقي المعسكر خالياً ، فلا مَن  دخل الكوفة خرج إليه ، ولا من أقام معه صبر ، فلمّا رأى ذلك دخل الكوفة .
قال نصر بن مزاحم : فخطب الناسَ بالكوفة ، وهي أوّل خطبة خطبها بعد قدومه من حرب الخوارج ، فقال :
أيّها  الناس ! استعدّوا لقتال عدوّ في جهادهم القربة إلى الله عزّ وجلّ ، ودرك  الوسيلة عنده ؛ قوم حَيارى عن الحقّ لا يبصرونه موزَعِين ( 4 ) بالجور  والظلم لا يعدلون به ، جفاة عن الكتاب ، نُكْب عن الدين ، يعمهون ( 5 ) في  الطغيان ، ويتسكّعون في غمرة الضلال ، فأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن  رباط الخيل وتوكّلوا على الله ، وكفى بالله وكيلاً .
قال  : فلم ينفروا ولم يَنشَروا ( 6 ) ، فتركهم أيّاماً ، ثمّ خطبهم فقال ( 7 )  : أُفٍّ لكم ! لقد سئمت عتابكم ! أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضاً ،  وبالذلّ من العزّ خلفاً ؟ إذا دعوتكم إلى جهاد عدوّكم دارت أعينكم ،  كأنّكم من الموت في غمرة ، ومن الذهول في سكرة . يُرتَج عليكم حِواري  فتعمهون ، فكأنّ قلوبكم مألوسة ، فأنتم لا تعقلون ، ما أنتم لي بثقة سجيس  الليالي ، وما أنتم بركن يُمال بكم ، ولا زوافر ( 8 ) عزّ يُفتقر إليكم .  ما أنتم إلاّ كإبل ضلّ رعاتها ، فكلّما جُمعت من جانب انتشرت من آخر .
لبئس  – لعمر الله – سَعْر نار الحرب أنتم ! تُكادون ولا تكيدون ، وتُنْتَقص  أطرافكم فلا تمتعضون ، لا يُنام عنكم وأنتم في غفلة ساهون ، غُلب والله  المتخاذلون ! وأيم الله إنّي لأظنّ بكم أن لو حَمِس الوغى ، واستحرّ الموت ،  قد انفرجتم عن ابن أبي طالب انفراج الرأس .
والله إنّ امرأً يمكّن عدوّه من نفسه يعرُق لحمه ، ويهشِم عظمه ، ويفري جلده ، لعظيم عجَزُه ، ضعيف ما ضمّت عليه جوانح صدره .
أنت  فكن ذاك إن شئت ؛ فأمّا أنا فوالله دون أن اُعطي ذلك ضربٌ بالمشرفيّة تطير  منه فراش الهام ، وتطيح السواعد والأقدام ، ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء .
أيّها  الناس ، إنّ عليكم حقّاً ، ولكم عليَّ حقٌّ ؛ فأمّا حقّكم عليَّ فالنصيحة  لكم ، وتوفير فيئكم عليكم ، وتعليمكم كيلا تجهلوا ، وتأديبكم كيما تعلموا .  وأمّا حقّي عليكم فالوفاء بالبيعة ، والنصيحة في المشهد والمغيب ،  والإجابة حين أدعوكم ، والطاعة حين آمركم .
أنتم اُسود الشرى في الدَّعة ، وثعالب روّاغة حين البأس . إنّ أخا الحرب اليقظان . ألا إنّ المغلوب مقهور ومسلوب ( 9 ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(  1 ) مَسْكِن : موضع بالكوفة قريب من أوانا على نهر دُجيل عند دير الجاثليق  ، وقعت عندها معركة بين عبد الملك بن مروان ومصعب بن الزبير ، قُتل فيها  مصعب ، وبها قبره ( راجع معجم البلدان : 5 / 127 ) .
( 2 ) المائدة : 21 .
( 3 ) الغارات : 1 / 26 ؛ شرح نهج البلاغة : 2 / 193 نحوه .
( 4 ) مُوْزَع به : أي مولَع به ، وقد أُوزع بالشيء : إذا اعتاده ، وأكثر منه ( النهاية : 5 / 181 ) .
( 5 ) من العَمَه : التحيّر والتردّد . والعَمَهُ في الرأي ، والعَمَى في البصر ( لسان العرب : 13 / 519 ) .
( 6 ) يُقال : جاء القوم نَشَراً ؛ أي منتشرين متفرّقين ( النهاية : 5 / 55 ) .
( 7 ) من هنا إلى آخر الخطبة نقلناه من نهج البلاغة : الخطبة 34 .
( 8 ) زوافر : جمع زافرة ، وزافرة الرجل : أنصاره وخاصّته ( النهاية : 2 / 304 ) .
(  9 ) شرح نهج البلاغة : 2 / 193 وص 189 ، تاريخ الطبري : 5 / 90 ، أنساب  الأشراف : 3 / 153 ، الكامل في التاريخ : 2 / 408 ، الإمامة والسياسة : 1 /  170 ؛ الغارات : 1 / 29 وص 33 كلّها نحوه ، نهج البلاغة : الخطبة 34 ،  بحار الأنوار : 34 / 48 .
المصدر: موسوعة الإمام علي (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ / الشيخ محمد الريشهري
							
						 
		
	
 
		
	

 
		
	



تعليق