المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : استقبال شهر رمضان


** خـادم العبـاس **
14-08-2009, 10:55 AM
http://al-3abbas.com/bismilllah.gif
رمضان مدرسة ذات فلسفة ورسالة
فشهر رمضان، مدرسة الروح والفكر والضمير. ودورة تكميلية للنواقص البشرية. وحملة تطهيريّة، لتصفية الرواسب التي تتكلس في قرارات الإنسان. خلال أحد عشر شهراً.
وبعد ذلك فشهر رمضان فترة الحضانة والتفكير.
ولنشرح النقطة الرابعة ـ الآن ـ عسى أنْ تفصّل الثلاثة الأوليات أثناء البحث.
فالإنسان الذي يعيش الاجتماع سنة كاملة، يقتحم في غضونها كل جوٍ، ويباشر كل تفكير، ويمارس كل تجربة ومعركة ومحيط، تترسب على عقله وقلبه وعواطفه، أكوام باهضة من (الغبار الاجتماعي) الذي يثور في كل جو، نتيجة الصراع الاجتماعي الدائب في كل مكان، يعيشه أكثر من إنسان ويتحرك فيه أكثر من نشاط.
وليس من المضمون، أنْ يكون الإنسان أثيراً في كل جو وبيئة ومحيط، ومع كل نشاط وإنسان بحيث يعطي ويطوّر، ولا يأخذ ولا يتطوّر، بل الإنسان مهما صلب ونشط، يتأثر كما يؤثر، كلمات هنالك: إنّ العباقرة يؤثرون أكثر مما يتأثرون، والبسطاء يتأثرون أكثر مما يؤثّرون، وأمّا البوتقة الاجتماعية، فلا تبرد عن مزج الشخصيات المنصهرة فيها، وتفريغ النتاج المزدوج في نفوس المستلهمين من ذلك: (الجو الاجتماعي) المتألف من مجموع الشخصيات المتفاعلة فيه... فكل من يتغذى من ذلك الاجتماع، يتغذى من جميع الشخصيات التي عاشوا مترابطين منذ الأزل، فكان منهم ذلك الاجتماع، وكل تفكير صورة جماعية لملايين الأفكار، وكل شخصية نتاج ازدواج ملايين الشخصيات... ومن هنا ينشأ تطور الفكر البشري، الذي يوحي بتطور بقية مظاهر الحياة.
ومتى كان (التفاعل الاجتماعي) دائباً لا يفلُّ عن إنجاز هدف الطبيعة من الاجتماع، كان الفرد الذي يتكون تحت رعايته، ويدرج في أحضانه، مصباً قهرياً لكافة تياراته، ومعرضاً أكيداً للانحراف الطائش، مع اتجاهاته الكثيرة المتشابكة، من حيث يشعر ويريد، أم يكره ولا يشعر.
وإذا صحت هذه الحقيقة ـ هي صحيحة ـ واستسلم الفرد للتجاوب مع الاجتماع، والانصياع لإرادته وميوله، كان منقاداً للمجهولات المتحكمة في ذلك الاجتماع، وكان جديراً بأن يتكسر ويتهدم، ويترسب على عقله وقلبه وعواطفه، ما يعوّذ منه اليوم، ويغدو من العبر القائمة، التي كان يستجير منها بالأمس، ويكون ريشة على متن الإعصار، لا يعلم لماذا، ومتى، وأين يهوى به في القرار.
فلا بد لمن يعايش الاجتماع، من (عاصم واع) يسلس له حتى يتجاوب ويتفاعل مع الاجتماع، فينمو ويتطوّر، إلى حيث يحسن الانطلاق مع إرادة الاجتماع، والاندماج في مواكبه، والانضواء تحت راياته... ويكفكفه من الاندفاع الطائش مع الإرادات الأجنبية، التي تسلل إلى الاجتماع لتسخيره وتسييره في الاتجاهات المتطرفة، التي تبدأ من عقر بلادنا، وتنتهي بدر خيراتنا في لهوات المستغلين والانتهازيين...
وهكذا، كان لا بد لكل إنسان يعيش الاجتماع، من (مصقل) يتقن كشف واقع الحوادث، وتحديد موقف الفرد منها، كي لا تنتهي بخسارته.
وكذلك المجتمع، الذي يكون (وحدة) في المجموعة البشرية، المؤلفة من مجتمعات عديدة، يبقى عرضة دائمة، لشتى الانحرافات، ونهزة لأقوى المجتمعات المتفاعلة في المجموعة البشرية، وكتلة يترسب عليها الغبار العالمي.
فالمجتمع الحي الواعي، ليس هو الذي يبقى مغلفاً معصب العيون، حتى يغدو وكراً للعناكب، ونفقاً مظلماً للراقدين... ولا ذلك المائع السافر الذي لا يعرف الأسوار والحصون، ولا يعترف بالطهارة والصدق، بل يفتح أحضانه لكل وافد منبوذ، ويرحب بكل عابر ممسوخ... وإنّما ذلك المجتمع، الذي يفتح نوافذه على الشرق والغرب، لتختلف فيه الأنسام، وتعكس فيه الإشعاعات، وتفاض عليه الاتجاهات والآراء والميول، من قواعد الإرسال، فيدرس ويجرب كل واحد، فيغلق النافذة التي تتسلل منها الأوبئات باسم الثقافات، ويوّسع النوافذ التي تهمي الثقافات النافعة، فيعيش الموئل الخصب المأمون، الذي تتصافح فيه الحضارات والمدنيات، فتتفاعل وتزدهر، ولكن لا يهمل واقعه بلا ضمان، حتى يصبح مصباً للمستنقعات العفنة، ومرتعاً للزوائد الشاذة، وأرضاً للمعارك الأجنبية، التي تدور على حسابها، ويقتطف نتاجها الآخرون.


تحياتي