المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فنّ التعامل مع المجتمع


تراب البقيع
20-11-2008, 04:41 AM
فنّ التعامل مع المجتمع



لو أردنا أن نضع لافتة كبيرة في مدخل هذا الموضوع ، فهل سنجد أفضل وأعمقوأكثر إيحاءً من اللاّفتة التالية :
« يابنيّ ! اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك ، فأحبب لغيرك ماتحبّ لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تَظلِم كما لا تحب أن تُظلَم ، وأحسِن كماتحبّ أن يُحسَن إليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك ، وارض من النّاس ماترضاه لهم من نفسك ، ولا تقل ما لاتعلم وإن قلّ ما تعلم ، ولا تقل ما لا تحبّ أنيقال لك » .

إنّها ـ باختصار ـ تقول لنا : اجعلوا المقياسبينكم وبين النّاس أنفسكم ، فالإيجابيّ بالنسبة لها إيجابيّ بالنسبة لهم ، والسلبيّبالنسبة لها سلبيّ بالنسبة لهم . فلو أخذنا بهذه النصيحة الذهبية،

ترى ماذا يمكن أن نحصل عليه؟

1 ـبالعمل بهـذه القاعدة نصبح العادلين ،والعدل هو غاية الانسانية كلّها ، فليس خلق أرفع وأجمل وأنفع من العدل يسود بينالناس . فأنت حسب هذه القاعدة لا تنتظر العدل يأتيك من الآخرين ، بل إنّك تبادرإليه لتكون اوّل عامل به ، وبطبيعة الحال فإنّ الخير يستجلب الخير ، وانّ العدلَيدفع إلى عدل مثله .
2 ـبالعمل بهذه القاعدة الثمينة ، نكون قد حوّلنا ساحة الحياة الواسعة من ساحة مزروعةبالألغام والمتفجرات ، إلى ساحة تكثر فيها الواحات الجميلة والخمائل النضرة ، أي أنّها تتحوّل إلى جنّة مصغّرة .
فحين يكون الآخرُ ـ أخاًوصديقاً وزميلاً أو أيّ إنسان آخر ـ نصب عيني .. أستذكره في غضبي ورضاي ، وأعرف مايزعجه ـ من خلال ما يزعجني ـ فلا آتي به ، وأعرف ما يحبّه من خلال ما أحبّه وأرضاه، فأفعله ، فإنّني أكون أحد الساعين إلى تحويل جفاف الحياة إلى جنّة وارفة الظِّلال، تجري فيها الأنهار ، وتحلق الفراشات ، وتعبق الأزاهير .
يضاف إلى ذلك ، أنّ هذه القاعدة ليست إسلامية فقط ، إنّها إنسانيةأيضاً ، والاسلام ـ كما هو معلوم ـ إنسانيّ في كلّ ما جاء به ، فحتّى أبناءالديانات الاُخرى يدينون بهذه القواعد الأخلاقية والاجتماعية ، بل إنّ بعضأخصّائيّي علم النفس والاجتماع يدعون إلى الأخذ بها في مجال التهذيب الاجتماعيوتطوير العلاقات الإنسانية .
يقول مدير معهد العلاقاتالإنسانية الأهلي في نيويورك (جيمس بندر) : «القاعدة الاُولى التي وصفها الحكماء هي تلك التي تمثّلت في القولالخالد : أحبب لأخيك ما تحبّ لنفسك »، فهو يصدّر بها لائحة القواعد التيتساعد على اجتذاب الناس ، ويعتبرها الخطوة الاُولى والمهمّة في الطريق إلى «الشخصية الجذّابة» .
ويقول صاحب كتاب «كيف تكسب الأصدقاء ؟! » (دايل كارنيجي) : « أظهر ما استطعت من اهتمام بالناس ، فهو ثروتك التي تزدادنموّاً كلّما أنفقت منها » .
فهل أنّ الطريق إلى الشخصيةالاسلامية الاجتماعية الجذّابة .. تلك التي تُحِبُّ وتُحَبُّ .. تحبّ الناس ويحبّهاالناس .. سالكة ؟!
بكلّ بساطة نقول : نعم.. ولكن !
وكلمة (ولكن ) الاستدراكية كثيراً ما تقلب الصورة ، لكنّها هنامجرد تنبيه إلى أن الـ (نعم) تحتاج إلى جهد معين نبذله في طبيعة التعامل مع الآخرينحتّى نحسنه ونتقنه ونجيده ، تماماً كما هو تعلّم أيّة مهارة من المهارات ، ففنّالتعامل الاجتماعي شأنه شأن أي فنّ من الفنون لا يتأتّى بالتمنّي ، إنّما هو حصيلةنشاط يبذله الشاب أو الشابّة ، وقد يبدو في البداية ـ كما هو طبيعة البدايات ـصعباً لمن لم يتعوّده ، لكنّه مع مرور الأيام وتكرار التجربة والابتهاج بحصادهاالوفير ، سيشكِّل متعة نفسية واجتماعية وروحية ما بعدها متعة ، يومَ تجد أ نّك وقدفتحت أحضانك للناس من حولك لتقوم لهم : أنا على استعداد إلى أن أضمّكم إلى قلبي ..وها أنذا أفعل !!
ستجد أنّ الأحضان المقفلة التي سبق أن واجهك بها الآخرون ، لا تلبثأن تتفتّح بمجرّد أن تستشعر صدق حبّك واحترامك لها .. فليس أجذب إلى الحبّ من الحبّ، وإلى القلبِ من القلب ، وإلى الألفة من الألفة ، وإلى حسن المعاشرة من حسنالمعاشرة . يقول حكيم مجرّب : «أصحاب العقول حسّادهم كثيرون ،أمّا أصحاب القلوب فأصدقاؤهم كثيرون » !!
وباعتراف جميع الأمم ، على اختلاف مشاربها ، فإنّ الانسان كائناجتماعيّ يألف ويؤلف ، حتّى أ نّه لو عاش لوحده فترة من الزمن لاستوحش ، فهو فيحالي ـ السعادة والشقاء ـ يحتاج إلى من يعيش معه دمعته وابتسامته، فيبادله فرحاًبفرح وحبّاً بحبّ، وهمّاً بهمّ وحزناً بحزن .
ومن هنا ، فإنّ مقولة «الجحيم هم الآخرون» التي أشاعها بعض أدباء الغرب قد تنطلق منواقع يفتقر إلى دفء العلاقات الاجتماعية ، ومن وطأة الإحساس بالمشاكل التي يخلقهاالمجتمع غير المؤمن ، ومن أجواء المنافسة غير الشريفة التي تدفع أحياناً إلى تحطيمالآخر وازاحته من الطريق بكلّ الوسائل والطّرق .
إنّ الإنسان المؤمن الذي يتّسم باللباقة واللياقة والدماثة لا يعيشهذه النظرة السوداوية للآخرين ، فهم قد يسبّبون لنا المتاعب ، لكنّنا ـ بشيء منالحكمة وشيء من الصبر وشيء من المواظبة ـ نعرف كيف نجعلهم أصدقاء .
فممّا ينقل عن الرئيس الاميركي الأسبق (ابراهاملنكولن) أن سيِّدة سمعته يثني على أعدائه ، فسألته متعجّبة :
أتخصّ بهذا الثّناء أعداء تسعى إلى تحطيمهم؟!
فقال : أوَ لستُ أحطّمهم ياسيِّدتي حين أجعلهم أصدقائي ؟!
وقبل أن يكون (لنكولن) فقد تحرّك الأنبياء (عليهمالسلام) وسيِّدهم النبيّ المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) في اتِّجاه كسر عداوة الخصوم وإحالتهم إلى أصدقاء ، وبهذا النهج أيضاًتحرّك الأئمّة والأولياء الصالحون ، حتّى لقد تحوّل الكثير ممّن يحملون الضغينة في صدورهم إلى أصدقاء وأولياء يحملون الحبّ والولاء في قلوبهم لمن ناصبوهم العداوةوالبغضاء .
إنّه مبدأ إنسانيّ عظيم ذاك الذي يواجه الإساءةبالإحسان ، فهو إذ يصرع الإساءة فيجعلها ترفس كالذبيحة حتّى تلفظ أنفاسها ، يرفع منقيمة المحسن إلى درجة العفوّ الغفور ، وذلك خلق من أخلاق الله التي يجدر بناكمسلمين أن نتخلّق بها .
جاء في الحديث الشريف : «افعل الخير مع أهله ومع غير أهله ، فإن لم يكن من أهله فأنت منأهله » . فبهذا الاُسلوب الأخلاقيّ الرفيع ينتقل أحدنا من درجة (العدوانيّ المحارب) إلى درجة الذين ينشدون الحبّ والخير والسلام للآخرين ، والدرجة الاُولى قاتلة بينما الدرجة الثانية باعثة على الحياة .
وعلى هذا ، فإذا أردنا مقياس رقي مجتمع ومستوى إنسانيّته وحضارته ،فإنّنا ننظر إلى كيفيّة تعامله الاجتماعي ، فإذا كانت قواعد السلوك وآدابه تحكم فالعلاقات بين أبنائه فإنّنا نحكم على أنّ المجتمع يدرج في مدارج الرقي ، وأنّأبناءه الذين يراعون قواعد السير الاجتماعي كما يراعي سائقو السيّارات قواعد السيرالمروري ، هم على جانب من الوعي الحضاري التواصلي الراقي .
ويخطئ من يظنّ أنّ القواعد والضوابط والآداب الأخلاقية تقيّد الفرد وتعيق حركته في المجتمع ، أو أ نّها تتعارض مع معنى الحرِّيّة ، فإشارات المرور هي لضبط حركة السير ، وتقليل نسبة الحوادث المؤسفة ، وللحفاظ على السلامة العامّة ،لالشلّ الحركة المروريّة ، وكذلك قواعد السلوك فإنّها تبعث على الشعور بالأمانوالتناغم والتحابب وحسن المعاشرة وسعادة الجميع .
إنّنا إذاً اجتماعيون بطبعنا ، وهذا ما أكّدت عليه أحاديث شريفةكثيرة ، منها : « من يخالط الناس ويصبر على آذاهم خير ممّن لميخالط الناس ولم يصبر على أذاهم » ، وفي حديث آخر «خالطالناس ودينك لا تكلمنّه » ، وفي آخر « الانقباض من الناسمكسبة للعداوة » .
فهناك إذاً دعوة إسلاميةواسعة النطاق لأن نُنشئ شبكة من العلاقات السليمة الحسنة مع الدائرة الإسلاميةالأوسع ، وليس فقط مع المسلمين من أبناء ديننا ، شريطة الحفاظ على تعاليم وقيموأخلاق ديننا الإسلامي وقواعده الشرعية .
فالذي يهرب من الناس مؤثراًالعزلة ، والذي يلقي بمشاكله على شمّـاعة الآخرين ويعتبرهم «الجحيم» ويتذمّر من سوء تعاملهم وسلاطة ألسنتهملا يريد أن يعيش الواقع ، وهو حريّ به أن يشعل شمعة أو شمعتين بدلاً من أن يبقىيطارد الظلام بلعناته التي لاتزيح أنملة منعتمة.






قال موسى (عليه السلام) يناجي ربّه « ربّ نجِّني من ألسنة الناس . قال : يا موسى ! أنت تطلب شيئاً لم أصنعه لنفسي » . وفي القصّة الشهيرة التيتتحدّث عن أب وابن وحمارهما عبرة لمن يريد أن يعتبر ، فكيفما تعاملا مع حمارهما لميرض الناس عنهما ، فرضا الناس غاية لا تدرك .

شيء واحد يمكن أن يرضي الناسعنك ، ويجعلهم يأنسون بك وتأنس بهم هو انصافهم من نفسك ومخالقتهم بخلق حسن . فلقدأتى أعرابي من بني تميم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له : أوصني . فكان ممّا أوصاه به: «تحبّب إلى النّاسيحبّوك»، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : « إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم » ، وهذاما استوحاه الشاعر في قوله :

لا خيلعندك تهديها ولا مال***فليُسعدِ النطق إن لميُسعدِ الحالُ
ولذا جاءت الدعوة الاسلامية الرائدة إلى أن نكون دعاةللناس بغير ألسنتنا ، فالتقوى دعوة إسلامية ، والورع دعوة إسلامية ، والمعاشرةالطيِّبة بالتي هي أحسن دعوة إسلامية، والصدق في الحديث ، والمعاملة المخلصة ،والرفق ، وانصاف الناس وعدم بخسهم أشياءهم ، كلّها دعوة إسلامية بليغة ومؤثرة أعمقَ التأثير بما لا تستطيع أن تفعله الكلمات أنّى كانت على جانب من البلاغة .
فلقد أثّرت صحبة عليّ بن أبي طالب (عليهالسلام) ليهودي يسكن خارج الكوفة في تشييعه له إلى حيث يسكن ، في نفسية ذلكاليهودي الذي تعجّب من هذا الخلق الذي تعلّمه عليّ (عليهالسلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآلهوسلم)فكان مدعاة لأن يُسلم على يديه ، وفي بعض أمثال الشعوب « الأعمال تتكلّم بصوت أعلى من الأقوال » .
ومن المؤسف هنا ، أنّ بعض شبّاننا وشاباتنا يتّخذون أحياناً منالأمثلة والنماذج السيِّئة قدوة لهم ، فيفقدون بذلك اعتبارهم الاجتماعي بين الناسويرتضون لأنفسهم التبعية السلبية المرفوضة والمذمومة ، فقول « حشرمع الناس عيد » هو قول «الإمّعة» الذي يقول :أنا من الناس وأنا واحد من الناس، وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون المسلم إمّعة لا يعرف نجدالخير من نجد الشرّ ، فالامّعة هو أخو ذاك الشاعر الجاهلي الذي يقول:
وما أنا إلاّ من غُزيّة إنْغوتْ***غويتُ وإن ترشد غُزيّةأرشدِ
فمن بين اُصول هذا الفن (فنّ التعامل معالمجتمع) أن تكون قدوة غيرك في الخير ، وإذا كان لك أن تتأسّى فبأولئك الذينهداهم الله ، وأحسن خُلقهم ، وطيّب معاشرتهم ، ونفع بصحبتهم ، ودعا إلى الاهتداءبهديهم (أُولئِكَ ا لَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُاقْتَدِهْ )() .
عن معاوية بن وهب ، قال : قلتلجعفر الصادق (عليه السلام) : «كيفينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممّن ليسوا علىأمرنا ؟ قال : تنظرون إلى أئمّتكم الذين تقتدون بهمفتصنعون ما يصنعون ، فوالله إنّهم يعودون مرضاهم ، ويشهدون جنائزهم ، ويقيمونالشهادة لهم وعليهم ، ويؤدّون الأمانة إليهم » .





اخوكم تراب البقيع

أسئالكم الدعاء

سكون الليل
20-11-2008, 08:28 AM
موضوع جميل بارك الله بك اخي

تراب البقيع
21-11-2008, 11:40 AM
موضوع جميل بارك الله بك اخي

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمدوعجل فرجهم
ولعنة الابديه على اعدائهم الىيوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي محمد اشكرك لمرورك وتعقيبكم على الموضوع رحم الله ولديك ان شاء الله
موفقين للخير
اخوك تراب البقيع
http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-2f92a76bb4.gif (http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-2f92a76bb4.gif)
دمتم بحب الزهراءعليه السلام

محـب الحسين
21-11-2008, 11:56 AM
احسنت اخي الكريم
بارك الله بك ووفقك لكل خير

تراب البقيع
21-11-2008, 05:19 PM
احسنت اخي الكريم
بارك الله بك ووفقك لكل خير

بسم اللهالرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمدوعجل فرجهم
ولعنة الابديه على اعدائهم الىيوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي محب الحسين (ع) اشكر على تعقيبك هلى الموضوع ومرورك الكريم
جزاك الله كل خير
موفقين للخير
اخوك تراب البقيع
http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-2f92a76bb4.gif (http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-2f92a76bb4.gif)
دمتم بحب الزهراءعليه السلام

محب ال البيت ع
22-11-2008, 08:56 PM
جميل هو فنون التعامل ،، وتبادل المشاعر مع الآخرين

وجميلٌ ان تكون الروح جميله على من يتلقاها بروح رحبه

يعطيك العافية أخوي على هذا الموضوع

تراب البقيع
22-11-2008, 09:48 PM
جميل هو فنون التعامل ،، وتبادل المشاعر مع الآخرين


وجميلٌ ان تكون الروح جميله على من يتلقاها بروح رحبه


يعطيك العافية أخوي على هذا الموضوع

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمدوعجل فرجهم
ولعنة الابديه على اعدائهم الىيوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي محب ال اليبت (ع) اشكر على تعقيبك هلى الموضوع ومرورك الكريم
جزاك الله كل خير
موفقين للخير
اخوك تراب البقيع
http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-2f92a76bb4.gif (http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-2f92a76bb4.gif)
دمتم بحب الزهراءعليه السلام

شيعي للابد
19-10-2009, 12:28 AM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .

تراب البقيع
01-11-2009, 02:46 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .
شششششششششششششششششششششششششششكرآآآآ