مناقشة الأدلة العقلية لبحث(التقليد والسير في طريق التكامل) للسيد محمود الحسني
نأتي الان الى مناقشة الادلة العقلية التي قدمها السيد على الادلة الروائية حين ناقش أدلة التقليد وهذه بحد ذاتها نقطة يؤاخذ عليها وعلى العموم نأتي الان لمناقشة الادلة العقلية :
قال تحت عنوان (الوجوب المقدمي العقلي) : (العقل يحكم بلزوم حق الطاعة) .
نقول اذا كانت الطاعة لغير المعصوم لازمة فيلزم احتمال طاعته في معصية الله أيضا ً من حيث لايشعر المكلف بذلك لعظيم مقام من يطيعة في نظره طبعا ً فعندما يصدر اي فقيه فتوى لايتردد اتباعه في طاعتها ولا يعلم الاعم الاغلب من الاتباع سبب الفتوى وهذا مانشاهدة بام أعيننا فهل استعلم المقلدون سبب حرمة أو حلية مسألة ما قد أختلف الفقهاء في حرمتها وحليتها والمسائل الخلافية بين الفقهاء بلا حسد قد ملئت الكتب الفقهية .
أضافة الى ان الله امرنا بطاعة من أمرنا بطاعتهم قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ }النساء59
وقد جاء في تفسير هذه الاية عن ائمة العصمة (ع) ما يؤكد ان الائمة من آل الرسول (ص) هم أولي الامر الواجب طاعتهم لاغيرهم فقد جاء عن بريد العجلي قال : سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عزوجل : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) قال : إيانا عنى ، أن يؤدي الأول إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الذي في أيديكم ، ثم قال للناس : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) إيانا عنى خاصة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا ، فإن خفتم تنازعا في أمر فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم هكذا نزلت ، وكيف يأمرهم الله عز وجل بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم ؟ ! إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) الكافي ج 1 - ص 276
وجاء عن ابي عبد الله الصادق (ع) انه قال في قول الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا ، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، قال : هم الأئمة منا وطاعتهم مفروضة ).
دعائم الإسلام ج 1 ص 25
ونلاحظ في قول الامام (ع) : (إيانا عنى خاصة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا) وفي قوله (هم الأئمة منا وطاعتهم مفروضة) صراحة اللهجة في الامر بطاعة الائمة (ع) خاصة الى يوم القيامة فهم أولي الامر الذين فرض الله تعالى طاعتهم على المؤمنين الى يوم القيامة بدون منازع فكيف تكون الطاعة لغيرهم واجبة علينا الا اذا قلنا بان الفقهاء في دائرة اولي الامر وهذا قول شاذ بل مناقض لقوله (ع) حين قال ( إيانا عنى خاصة)
مناقشة الدليل الرابع
الذي احتج به السيد الصرخي والذي سماه بالوجوب المقدمي الشرعي قال فيه: (الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع أي إن ما حكم به العقل حكم به الشرع فينتج ، وجوب التقليد بالوجوب المقدمي الشرعي)
وهذا قول شنيع مخالف لما أمرنا به أولي الامر (ع) فكيف تحكم بحكم العقل وهل العقل يصل الى حكم الله تعالى فقد جاء عن الائمة (ع) بان دين الله لايصاب بالعقول الناقصة و انه لا يصاب الا بالتسليم لآل الرسول (ص) فقد جاء عن الثمالي قال : قال علي بن الحسين (ع) : ( إن دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقائيس الفاسدة ، ولا يصاب إلا بالتسليم ، فمن سلم لنا سلم ومن اهتدى بنا هدي ، ومن دان بالقياس والرأي هلك ، ومن وجد في نفسه شيئا مما نقوله أو نقضي به حرجا كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم .
بحار الأنوار ج 2 - ص 303
ان حقيقة ما يدركة العقل لاتصل به الى حكم الله تعالى مهما بلغ في الرقي، فيضل ناقص عن أدراك حكم الجبار والوصول الى عله احكامه من الاساس ولا يسع العقل الا التعبد بما يصدر من أحكام الله تعالى فقد جاء عن عثمان بن عيسى قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن القياس فقال : ( مالكم والقياس إن الله لا يسأل كيف أحل وكيف حرم )الكافي ج 1 - ص 57
فكيف لنا ان نعلم وبعقولنا القاصرة علة الاحكام وكيف لنا ان نسأل عنها والامام (ع) يخبرنا بإن الله لا يسأل كيف أحل وكيف حرم فكيف بالعقل وهو لايدرك علل الاحكام ان يكون مشرعا ً للاحكام بذاته ؟
ومن جهة وصول العقل الى أدراك الاصول القرانية للاحكام الشرعية فقد أخبرنا الائمة (ع) بأن الكتاب حاوي على أصول المسائل كلها فما من أمر يختلف فيه أثنان الا وله أصل بكتاب الله ومع ذلك فأن العقل لايمكنه الوصول الى هذه الاصول فقد جاء عن المعلى بن خنيس قال قال أبو عبد الله ( ع) : (ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل ولكن لا تبلغه عقول الرجال ) . الكافي ج 1 ص 48
وجاء عن جابر بن يزيد قال : ( سألت أبا جعفر ( ع) عن شئ من التفسير فأجابني ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر فقلت : كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا فقال : يا جابر إن للقرآن بطنا وللبطن بطنا وله ظهر وللظهر ظهر يا جابر وليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن وإن الآية يكون أولها في شئ وآخرها في شئ وهو كلام متصل متصرف على وجوه ) وسائل الشيعة ج 27 - ص 192
ومن هتين الروايتين يتبن لنا بعد العقل من الادراك والوصول الى أحكام الله تعالى وذلك بقول الامام (ع) : (لا تبلغه عقول الرجال) وقوله (ع) : (وليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن) وبهذا نفهم بُعد العقل عن ادراك علة التشريع في الاحكام فأذا كان العقل لايدرك علل التشريع ولايحق له السؤال عن العلة فكيف يكون مشرعا بذاته , وان قلت ان هذا للعقول الناقصة فنقول ماقاله الشيخ الصدوق في قصة موسى والخضر (ع) حيث قال : ( ان موسى عليه السلام مع كمال عقله وفضله ومحله من الله تعالى ذكره ، لم يستدرك باستنباطه واستدلاله معنى أفعال الخضر حتى اشتبه عليه وجه الامر فيه وسخط جميع ما كان يشاهده حتى أخبر بتأويله فرضى ، ولو لم يخبر بتأويله لما أدركه ولو فنى في الكفر عمره فإذا لم يجز لأنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم ، القياس والاستنباط والاستخراج ، كان من دونهم من الأمم أولى بان لا يجوز لهم ذلك . علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 62
فكيف ان نبي الله موسى (ع) مع تمام عقله لم يستطع استنباط احكام الخضر (ع) وهو نبي ورسول ومن أولي العزم وصاحب كتاب سماوي , وقد بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ان رسل الله وأنبيائه أكمل الناس عقولاً في قوله ( ص) : (... وما بعث الله نبيا ولا رسولا حتى يستكمل العقل ، وكان عقله أفضل من عقل جميع أمته ...) مشكاة الأنوار ص 440
ومع ذلك فان مسألة الاحكام والتشريع لم يوكل بها حتى الرسل والملائكة المقربين فقد جاء عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال : وإن الله لم يجعل العلم جهلا ولم يكل امره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ولكنه أرسل رسولا من ملائكته فقال له : قل كذا وكذا ! فأمرهم بما يحب ونهاهم عما يكره ، فقص عليهم أمر خلقه بعلم فعلم ذلك العلم وعلم أنبيائه وأصفياءه من الأنبياء والأصفياء - إلى أن قال : ولولاة الأمر استنباط العلم وللهداة ، ثم قال : فمن أعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ، ونجا بنصرتهم ، ومن وضع ولاة أمر الله وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى من الله وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيه وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله فضلوا وأضلوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم القيامة - إلى أن قال : في قوله تعالى : ( فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) فإنه وكل بالفضل من أهل بيته والاخوان والذرية وهو قوله تعالى : إن يكفر به أمتك فقد وكلت أهل بيتك بالايمان الذي أرسلتك به لا يكفرون به أبدا ولا أضيع الايمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك من بعدك علماء أمتك وولاة أمري بعدك وأهل استنباط العلم الذي ليس فيه كذب ولا اثم ولا زور ولا بطر ولا رئاء - إلى أن قال : فاعتبروا أيها الناس فيما قلت ، حيث وضع الله ولايته وطاعته ومودته واستنباط علمه وحججه ، فإياه فتقبلوا ، وبه فاستمسكوا تنجوا ، وتكون لكم الحجة يوم القيامة وطريق ربكم عز وجل ، لا تصل ولاية الله إلا بهم فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يكرمه ولا يعذبه ، ومن يأتي الله بغير ما أمره كان حقا على الله أن يذله وأن يعذبه .
وسائل الشيعة ج 18 - ص 21
ومن هذه الرواية نفهم ان الله تعالى لم يوكل امر الاستنباط الا لولاة الامر وللهداة وقد بينا ان أولي الامر هي خاصة بالائمة المعصومين بدليل قول الامام (ع) : ( إيانا عنى خاصة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا) .
اما الهداة فقد تواترة الروايات بمصداقها الذي ينطبق على المعصومين (ع) فقد جاء في دعاء العشرات : ( وأشهد أن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حقا حقا وأن الأئمة من ولده هم الأئمة الهداة المهديون غير الضالين ولا المضلين) مصباح المتهجد ص 85
وجاء عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله المنذر ولكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي الله صلى الله عليه وآله ، ثم الهداة من بعده علي ثم الأوصياء واحد بعد واحد ) الكافي ج 1 - ص 191
ومن هذه الروايات نرى التأكيد من المعصوم (عليه السلام) بأن الاستنباط لايكون الا لولاة الامر المعصومين الصفوة من بيوتات الانبياء فهم ورثة العلم وأهل استنباطة ومن وضع الولاية لغيرهم وزعم بأنهم من أهل الاستنباط فقد خالف امر الله وجعل الجهال ولاة امر الله ومن يأتي الله وقد جعل له أولياء غير الائمة (ع) كان حقا على الله ان يذله ويعذبه يوم يلقاه يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم .
وبعد هذا الكلام هل يستطيع عقلنا القاصر ان يدرك احكام الله تعالى ويفسرها فضلا عن ان يكون مشرعا لها وكل ما يقول به العقل يقوله الشرع ؟ فان كان هذا القول في دائرة الامكان لكان ممكنا ً لرسل الله وملائكته المقربين أيضا فهل يعقل أن يمتنع الاستنباط والتشريع لرسل الله وأنبيائة وللملائكة المقربين ويكون ممكنا ً لفقهاء أخر الزمان ؟
ومع كل الذي مر علينا من كلام الائمة (ع) نرى الفقهاء يجوزون مسألة الاستنباط والتشريع لغير العترة الطاهرة ويجعلون جواز ذلك راجعا للبداهة ولنأخذ كلام السيد الصدر الاول حين تسائل عن شرعية ممارسة الاستنباط فقال : ( حين نتسأل : هل يجوز لنا ممارسة عملية الاستنباط أو لا ؟ يجئ الجواب على البداهة بالايجاب) المعالم الجديدة للأصول ص 22 - 28
يتبع
نأتي الان الى مناقشة الادلة العقلية التي قدمها السيد على الادلة الروائية حين ناقش أدلة التقليد وهذه بحد ذاتها نقطة يؤاخذ عليها وعلى العموم نأتي الان لمناقشة الادلة العقلية :
قال تحت عنوان (الوجوب المقدمي العقلي) : (العقل يحكم بلزوم حق الطاعة) .
نقول اذا كانت الطاعة لغير المعصوم لازمة فيلزم احتمال طاعته في معصية الله أيضا ً من حيث لايشعر المكلف بذلك لعظيم مقام من يطيعة في نظره طبعا ً فعندما يصدر اي فقيه فتوى لايتردد اتباعه في طاعتها ولا يعلم الاعم الاغلب من الاتباع سبب الفتوى وهذا مانشاهدة بام أعيننا فهل استعلم المقلدون سبب حرمة أو حلية مسألة ما قد أختلف الفقهاء في حرمتها وحليتها والمسائل الخلافية بين الفقهاء بلا حسد قد ملئت الكتب الفقهية .
أضافة الى ان الله امرنا بطاعة من أمرنا بطاعتهم قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ }النساء59
وقد جاء في تفسير هذه الاية عن ائمة العصمة (ع) ما يؤكد ان الائمة من آل الرسول (ص) هم أولي الامر الواجب طاعتهم لاغيرهم فقد جاء عن بريد العجلي قال : سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عزوجل : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) قال : إيانا عنى ، أن يؤدي الأول إلى الإمام الذي بعده الكتب والعلم والسلاح ، وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الذي في أيديكم ، ثم قال للناس : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) إيانا عنى خاصة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا ، فإن خفتم تنازعا في أمر فردوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أولي الأمر منكم هكذا نزلت ، وكيف يأمرهم الله عز وجل بطاعة ولاة الأمر ويرخص في منازعتهم ؟ ! إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) الكافي ج 1 - ص 276
وجاء عن ابي عبد الله الصادق (ع) انه قال في قول الله عز وجل : ( يا أيها الذين آمنوا ، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، قال : هم الأئمة منا وطاعتهم مفروضة ).
دعائم الإسلام ج 1 ص 25
ونلاحظ في قول الامام (ع) : (إيانا عنى خاصة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا) وفي قوله (هم الأئمة منا وطاعتهم مفروضة) صراحة اللهجة في الامر بطاعة الائمة (ع) خاصة الى يوم القيامة فهم أولي الامر الذين فرض الله تعالى طاعتهم على المؤمنين الى يوم القيامة بدون منازع فكيف تكون الطاعة لغيرهم واجبة علينا الا اذا قلنا بان الفقهاء في دائرة اولي الامر وهذا قول شاذ بل مناقض لقوله (ع) حين قال ( إيانا عنى خاصة)
مناقشة الدليل الرابع
الذي احتج به السيد الصرخي والذي سماه بالوجوب المقدمي الشرعي قال فيه: (الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع أي إن ما حكم به العقل حكم به الشرع فينتج ، وجوب التقليد بالوجوب المقدمي الشرعي)
وهذا قول شنيع مخالف لما أمرنا به أولي الامر (ع) فكيف تحكم بحكم العقل وهل العقل يصل الى حكم الله تعالى فقد جاء عن الائمة (ع) بان دين الله لايصاب بالعقول الناقصة و انه لا يصاب الا بالتسليم لآل الرسول (ص) فقد جاء عن الثمالي قال : قال علي بن الحسين (ع) : ( إن دين الله لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقائيس الفاسدة ، ولا يصاب إلا بالتسليم ، فمن سلم لنا سلم ومن اهتدى بنا هدي ، ومن دان بالقياس والرأي هلك ، ومن وجد في نفسه شيئا مما نقوله أو نقضي به حرجا كفر بالذي أنزل السبع المثاني والقرآن العظيم وهو لا يعلم .
بحار الأنوار ج 2 - ص 303
ان حقيقة ما يدركة العقل لاتصل به الى حكم الله تعالى مهما بلغ في الرقي، فيضل ناقص عن أدراك حكم الجبار والوصول الى عله احكامه من الاساس ولا يسع العقل الا التعبد بما يصدر من أحكام الله تعالى فقد جاء عن عثمان بن عيسى قال : سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن القياس فقال : ( مالكم والقياس إن الله لا يسأل كيف أحل وكيف حرم )الكافي ج 1 - ص 57
فكيف لنا ان نعلم وبعقولنا القاصرة علة الاحكام وكيف لنا ان نسأل عنها والامام (ع) يخبرنا بإن الله لا يسأل كيف أحل وكيف حرم فكيف بالعقل وهو لايدرك علل الاحكام ان يكون مشرعا ً للاحكام بذاته ؟
ومن جهة وصول العقل الى أدراك الاصول القرانية للاحكام الشرعية فقد أخبرنا الائمة (ع) بأن الكتاب حاوي على أصول المسائل كلها فما من أمر يختلف فيه أثنان الا وله أصل بكتاب الله ومع ذلك فأن العقل لايمكنه الوصول الى هذه الاصول فقد جاء عن المعلى بن خنيس قال قال أبو عبد الله ( ع) : (ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله عز وجل ولكن لا تبلغه عقول الرجال ) . الكافي ج 1 ص 48
وجاء عن جابر بن يزيد قال : ( سألت أبا جعفر ( ع) عن شئ من التفسير فأجابني ثم سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر فقلت : كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا فقال : يا جابر إن للقرآن بطنا وللبطن بطنا وله ظهر وللظهر ظهر يا جابر وليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن وإن الآية يكون أولها في شئ وآخرها في شئ وهو كلام متصل متصرف على وجوه ) وسائل الشيعة ج 27 - ص 192
ومن هتين الروايتين يتبن لنا بعد العقل من الادراك والوصول الى أحكام الله تعالى وذلك بقول الامام (ع) : (لا تبلغه عقول الرجال) وقوله (ع) : (وليس شئ أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن) وبهذا نفهم بُعد العقل عن ادراك علة التشريع في الاحكام فأذا كان العقل لايدرك علل التشريع ولايحق له السؤال عن العلة فكيف يكون مشرعا بذاته , وان قلت ان هذا للعقول الناقصة فنقول ماقاله الشيخ الصدوق في قصة موسى والخضر (ع) حيث قال : ( ان موسى عليه السلام مع كمال عقله وفضله ومحله من الله تعالى ذكره ، لم يستدرك باستنباطه واستدلاله معنى أفعال الخضر حتى اشتبه عليه وجه الامر فيه وسخط جميع ما كان يشاهده حتى أخبر بتأويله فرضى ، ولو لم يخبر بتأويله لما أدركه ولو فنى في الكفر عمره فإذا لم يجز لأنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم ، القياس والاستنباط والاستخراج ، كان من دونهم من الأمم أولى بان لا يجوز لهم ذلك . علل الشرائع - الشيخ الصدوق - ج 1 - ص 62
فكيف ان نبي الله موسى (ع) مع تمام عقله لم يستطع استنباط احكام الخضر (ع) وهو نبي ورسول ومن أولي العزم وصاحب كتاب سماوي , وقد بين الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم تسليما) ان رسل الله وأنبيائه أكمل الناس عقولاً في قوله ( ص) : (... وما بعث الله نبيا ولا رسولا حتى يستكمل العقل ، وكان عقله أفضل من عقل جميع أمته ...) مشكاة الأنوار ص 440
ومع ذلك فان مسألة الاحكام والتشريع لم يوكل بها حتى الرسل والملائكة المقربين فقد جاء عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل قال : وإن الله لم يجعل العلم جهلا ولم يكل امره إلى أحد من خلقه لا إلى ملك مقرب ولا نبي مرسل ، ولكنه أرسل رسولا من ملائكته فقال له : قل كذا وكذا ! فأمرهم بما يحب ونهاهم عما يكره ، فقص عليهم أمر خلقه بعلم فعلم ذلك العلم وعلم أنبيائه وأصفياءه من الأنبياء والأصفياء - إلى أن قال : ولولاة الأمر استنباط العلم وللهداة ، ثم قال : فمن أعتصم بالفضل انتهى بعلمهم ، ونجا بنصرتهم ، ومن وضع ولاة أمر الله وأهل استنباط علمه في غير الصفوة من بيوتات الأنبياء فقد خالف أمر الله وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدى من الله وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فقد كذبوا على الله ورسوله ورغبوا عن وصيه وطاعته ولم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله فضلوا وأضلوا أتباعهم ولم يكن لهم حجة يوم القيامة - إلى أن قال : في قوله تعالى : ( فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين ) فإنه وكل بالفضل من أهل بيته والاخوان والذرية وهو قوله تعالى : إن يكفر به أمتك فقد وكلت أهل بيتك بالايمان الذي أرسلتك به لا يكفرون به أبدا ولا أضيع الايمان الذي أرسلتك به من أهل بيتك من بعدك علماء أمتك وولاة أمري بعدك وأهل استنباط العلم الذي ليس فيه كذب ولا اثم ولا زور ولا بطر ولا رئاء - إلى أن قال : فاعتبروا أيها الناس فيما قلت ، حيث وضع الله ولايته وطاعته ومودته واستنباط علمه وحججه ، فإياه فتقبلوا ، وبه فاستمسكوا تنجوا ، وتكون لكم الحجة يوم القيامة وطريق ربكم عز وجل ، لا تصل ولاية الله إلا بهم فمن فعل ذلك كان حقا على الله أن يكرمه ولا يعذبه ، ومن يأتي الله بغير ما أمره كان حقا على الله أن يذله وأن يعذبه .
وسائل الشيعة ج 18 - ص 21
ومن هذه الرواية نفهم ان الله تعالى لم يوكل امر الاستنباط الا لولاة الامر وللهداة وقد بينا ان أولي الامر هي خاصة بالائمة المعصومين بدليل قول الامام (ع) : ( إيانا عنى خاصة ، أمر جميع المؤمنين إلى يوم القيامة بطاعتنا) .
اما الهداة فقد تواترة الروايات بمصداقها الذي ينطبق على المعصومين (ع) فقد جاء في دعاء العشرات : ( وأشهد أن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حقا حقا وأن الأئمة من ولده هم الأئمة الهداة المهديون غير الضالين ولا المضلين) مصباح المتهجد ص 85
وجاء عن بريد العجلي ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) فقال : رسول الله صلى الله عليه وآله المنذر ولكل زمان منا هاد يهديهم إلى ما جاء به نبي الله صلى الله عليه وآله ، ثم الهداة من بعده علي ثم الأوصياء واحد بعد واحد ) الكافي ج 1 - ص 191
ومن هذه الروايات نرى التأكيد من المعصوم (عليه السلام) بأن الاستنباط لايكون الا لولاة الامر المعصومين الصفوة من بيوتات الانبياء فهم ورثة العلم وأهل استنباطة ومن وضع الولاية لغيرهم وزعم بأنهم من أهل الاستنباط فقد خالف امر الله وجعل الجهال ولاة امر الله ومن يأتي الله وقد جعل له أولياء غير الائمة (ع) كان حقا على الله ان يذله ويعذبه يوم يلقاه يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من أتى الله بقلب سليم .
وبعد هذا الكلام هل يستطيع عقلنا القاصر ان يدرك احكام الله تعالى ويفسرها فضلا عن ان يكون مشرعا لها وكل ما يقول به العقل يقوله الشرع ؟ فان كان هذا القول في دائرة الامكان لكان ممكنا ً لرسل الله وملائكته المقربين أيضا فهل يعقل أن يمتنع الاستنباط والتشريع لرسل الله وأنبيائة وللملائكة المقربين ويكون ممكنا ً لفقهاء أخر الزمان ؟
ومع كل الذي مر علينا من كلام الائمة (ع) نرى الفقهاء يجوزون مسألة الاستنباط والتشريع لغير العترة الطاهرة ويجعلون جواز ذلك راجعا للبداهة ولنأخذ كلام السيد الصدر الاول حين تسائل عن شرعية ممارسة الاستنباط فقال : ( حين نتسأل : هل يجوز لنا ممارسة عملية الاستنباط أو لا ؟ يجئ الجواب على البداهة بالايجاب) المعالم الجديدة للأصول ص 22 - 28
يتبع
تعليق