المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مرتبة الرّضا اعلى من مرتبة الصبر


تراب البقيع
25-11-2008, 12:32 PM
مرتبة الرّضا اعلى من مرتبة الصبر (file:///C:/********s%20and%20Settings/UserTK/Desktop/%D9%84%D9%81%D9%82%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%8 7%D9%84%D9%8A/book5004/data/m5.html#84)

رتبة الرضا عالية جداً على مرتبة الصبر، بل نسبة الصبر إلى الرضا عند أهل الحقيقة، نسبة المعصية إلى الطاعة، فإن المحبة تقتضي اللّذة بالبلاء، لأنّه يجد في البلاء نفسه على ذكر من محبوبه، فيزيد قربه وأنسه. الصبر يقتضي كراهة البلاء واستصعابه حتى يوجب الصبر عليه، والكراهة تنافي الأنس، فتبين بذلك أنّ الصبر والمحبة متنافيان.
وأيضاً، فإنّ الصبر إظهار التجلّد، وهو في مذهب المحبّة من أشد المنكرات نكراً، وأظهر علامات العداوة طراً، كما قيل:
ويحسن إظهار التجلّد للعدى * ويقبح إلا العجز عند الأحبة

ومن هنا قال أهل الحقيقة: الصبر من أصعب المنازل على العامّة، وأوحشها في طريق المحبة، وأنكرها في طريق التوحيد.
وإنّما كان أصعب عند العامة، لأن العامي لم يتدرب بالرياضة، ولم يتحنّك بالصبر على البلاء، ولم يتعوّد بقمع النفس، فلم يحتمل البلاء، ولم يكن من أهل المحبة حتى يتلذّذ بالبلاء، فإذا امتحنه الحق سبحانه بالبلاء ـ وهو في مقام النفس ـ لم يحتمل البلاء وغلبه الجزع، وصعب عليه حبس النفس عن إظهاره لعدم طمأنينتها.
وإنّما كان أوحش المنازل في طريق المحبة، لأنّ المحبة تقتضي الأنس بالمحبوب، والإلتذاذ بالبلاء، لشهود المتبلى فيه وإيثار مراد المحبوب، والصبر يقتضي كراهة البلاء كما مرّ، فيتنافيان.
وإنّما كان أنكر في مقام التوحيد، لأنّ الصابر يدّعي قوة الثبات، ودعوى الثبات والتجلّد من رعونات النفس، والتوحيد يقتضي فناء النفس، فيكون أنكر لأنّ إثبات النفس في طريق التوحيد من أقبح المنكرات، بل الرضا مع عظم قدره وعلوّ أمره عند أهل التحقيق في التوحيد من أوائل مسالكه، لأنّ سلوكهم في الفناء في التوحيد بذواتهم، والرضا هو فناء الإرادة في إرادة الحق تعالى، والوقوف الصادق مع مراد الله تعالى، وفناء الصفة قبل فناء الذات.
وقد تبيّن لك بذلك ما بين الصبر والرضا من المراتب البعيدة والمسالك الشديدة.
للرضا ثلاث درجات، مترتبة في القوّة ترتّبها في اللّفظ:
الدرجة الاولى:
أن ينظر إلى موقع البلاء والفعل الذي يقتضي الرضا، ويدرك موقعه، ويحسّ بألمه، ولكن يكون راضياً به، بل راغباً فيه، مريداً له بعقله، وإن كان كارهاً له بطبعه، طلباً لثواب الله تعالى عليه، ومزيداً لزلفى لديه، والفوز بالجنّة التي عرضها السموات والأرض، وقد أعدت للمتقين.
وهذا القسم من الرضا هو رضا المتقين.
ومثاله مثال من يلتمس الفصد والحجامة من الطبيب العالم بتفاصيل أمراضه وما فيه اصلاحه، فإنّ‍ه يدرك ألم ذلك الفعل، إلاّ أنّه راض به، وراغب فيه، ومتقلّد من الفصّاد منةً عظيمة بفعله.
ومثله من يسافر في طلب الربح، فإنّه يدرك مشقّة السفر، ولكن حبّه لثمرة سفره طيّب عنده مشقّة السفر، وجعله راضياً به، ومهما أصابته بليّة من الله تعالى ـ وكان له يقين بأنّ ثوابه الذي ادخر له فوق مافاقه ـ رضي به، ورغب فيه، وأحبّه، وشكرالله تعالى عليه.
الدرجة الثانية:
أن يدرك الألم كذلك، ولكنّه أحبّه لكونه مراد محبوبه ورضاه، فإنّ من غلب عليه الحب كان جميع مراده وهواه ما فيه رضا محبوبه، وذلك موجود في الشاهد بالنسبة إلى حبّ الخلق بعضهم بعضاً، قد تواصفه المتواصفون في نظمهم ونثرهم، ولا معنى له إلاّ ملاحظة حال الصورة الظاهرة بالبصر.
وما هذا الجمال إلاّ جلد على لحم ودم مشحون بالأقذار والأخباث، بدايته من نطفة مذرة، ونهايته جيفة قذرة، وهو فيها بين ذلك يحمل العذرة.
والناظر لهذا الجمال الخسيس هو العين الخسيسة، التي تغلط في ما ترى كثيراً، فترى الصغير كبيراً، والكبير صغيراً، والبعيد قريباً، والقبيح جميلاً.
فإذا تصوّر الإنسان استيلاء هذا الحبّ، فمن أين يستحيل ذلك في حبّ الجمال الأزليّ الأبديّ، الذي لاينتهي كماله المدرك بعين البصيرة، التي لايعتريها الغلط، ولا يزيلها الموت، بل يبقى بعد الموت حيّاً عندالله، فرحاً مسروراً برزق الله، مستفيداً
بالموت مزيد تنبّه واستكشاف، وهذا أمر واضح من حيث الإعتبار، وتشهد له جملة من الآثار، وردت من أحوال المحبيّن وأقوالهم، يأتي بعضها إن شاءالله تعالى، وهذه مرتبة المقرّبين.
الدرجة الثالثة:
أن يبطل أحساسه بالألم، حتى يجري عليه المؤلم ولايحس، وتصيبه جراحة ولايدرك ألمه.
ومثاله الرجل المحارب، فإنّه في حال غضبه أو حال خوفه قد تصيبه جراحة وهو لا يحسّ بها، حتى إذا رأى الدم استدلّ به على الجراحة، بل الذي يعدو في شغل مريب قد تصيبه شوكة في قدمه، ولا يحسّ بألمه لشغل قلبه، بل الذي يحجم، أو يحلق رأسه بحديدة كالّة يتألم بها، فإن كان قلبه مشغولاً بمهمّ من مهماته، يفرغ الحجام أو الحالق، وهو لا يشعربه.
وكلّ ذلك لأنّ القلب إذا صار مستغرقاً بأمر من الأمور لم يدرك ماعداه.
ونظائر ذلك في هموم أهل الدنيا، واشتغالهم بها، واكبابهم عليها، حتى لا يتألمون، ولا يحسّون بالجوع والعطش والتعب ـ لذلك ـ كثير مشاهد عياناً، فكذلك العاشق المستغرق الهم بمشاهدة محبوبه، قد يصيبه ما كان يتألّم به، أو يغتمّ لولا عشقه، ثمّ لا يدرك غمّه وألمه، لفرط استيلاء الحب على قلبه، هذا إذا أصابه من غير حبيبه، فكيف إذا أصابه من حبيبه؟!
وشغل القلب بالحبّ والعشق من أعظم الشواغل، وإذا تصوّر هذا في ألم يسير بسبب حبّ خفيف، تصوّر في الألم العظيم بالحبّ العظيم، فإنّ الحب أيضا يتصوّر تضاعفه في القوة، كما يتصوّر تضاعف الألم، وكما يقوى حب الصور الجميلة المدركة بحاسّة البصر، فكذا يقوى حب الصور الجميلة الباطنة المدركة بنور البصيرة الربوبيّة، وجلالها لا يقاس بها جلال، فمن انكشف له شيء منه فقد يبهره، بحيث يدهش ويغشى عليه، فلا يحس بما يجري عليه.
كما روي عن امرأة أنها عثرت فانقطع ظفرها، فضحكت، فقيل لها: أما تجدين الوجع؟ فقالت: إن لذّة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه.
وكان بعضهم يعالج غيره من علّة فنزلت به، فلم يعالج نفسه، فقيل له في ذلك، فقال: ضرب الحبيب لا يوجع.
تراب البقيع
منقول للفائده
بحار الانوار -2
----------------------------------
دمتم بحب الزهراء عليه السلام

أم الحلوين
25-11-2008, 04:44 PM
تسلم اخوي ع الطرح
جزاك الله كل خير
في ميزان أعماللك

تراب البقيع
25-11-2008, 05:51 PM
تسلم اخوي ع الطرح
جزاك الله كل خير
في ميزان أعماللك
بســـــــــــــــم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم
ولعنة الابديه على اعدائهم الى يوم الدين
اشكرك اختي أم الحلوين لمرورك الكريم
رحم الله ولديك ان شاء الله موفقه للخير
اخوك تراب البقيع
========
دمتم بحب الزهراء عليه السلام

ابوجعفرالديواني
25-11-2008, 07:09 PM
بارك الله بك اخي على هذا
البحث الشيق والمفيد للغايه

تراب البقيع
25-11-2008, 07:49 PM
بارك الله بك اخي على هذا
البحث الشيق والمفيد للغايه
بســـــــــــــــم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وال محمد وعجل فرجهم
ولعنة الابديه على اعدائهم الى يوم الدين
اشكرك اختي أبو جعفر لمرورك الكريم
رحم الله ولديك ان شاء الله
موفقين للخير
اخوك تراب البقيع
========
دمتم بحب الزهراء عليه السلام