المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صلاح الدين الأيوبي بين الخيانة والغدر والإدمان على الخمر


محـب الحسين
27-02-2009, 08:05 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم الشريف

((صلاح الدين الأيوبي بين الخيانة والغدر والإدمان على الخمر))

بعد أن انتهيت من إعداد الدراسة التاريخية عن صلاح الدين الأيوبي، وجدت أنه لا تزال هناك بعض الملاحظات الهامة، التي لا ينبغي إغفالها لمن يريد أن يستكمل الصورة الحقيقية لهذه الأسطورة، التي ألبسوها ثوب البطولة زوراً وبهتاناً، فكان لابد من هذا التذييل.

خيانة صلاح الدين وغدره بأولياء نعمته

أولاً- خيانته للخليفة الفاطمي العاضد:

يقول السيد حسن الأمين: (في عام 564هـ كان الصليبيون يهددون مصر (الفاطمية) ويتحفزون للوثوب عليها، بعد أن خبروا أحوالها قبل ذلك في أحداث ليس هنا مكان سرد تفاصيلها، فرأى الخليفة الفاطمي (العاضد)، أن لا قبل لمصر بمدافعة الصليبيين، لكثافة قواهم وتفوقها على القوى المصرية، فتجلّت وطنيته على أبرز صورها، فتناسى ما بينه وبين الآخرين من أوتار، وتجاهل ما يحملونه له من عداوة، وأغضى عما طالما بيتوه له ولأسرته من تآمر، وصمم على الاستنجاد بالقوى الإسلامية خارج مصر، مهما كان في هذا الاستنجاد من مخاطر عليه وعلى أسرته.

ورأى أن أقرب القوى إليه هي في الشام، وفيها نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، وكان الصليبيون زحفوا على عسقلان، حتى وصلوا إلى بلبيس فاحتلوها وفتكوا بأهلها، ثم مشوا إلى القاهرة وحاصروها، فتقرر إحراق مدينة الفسطاط المتصلة بالقاهرة، خوفاً عليها من الصليبيين، فأحرقت وظلت النار تعمل فيها أربعة وخمسين يوماً، ولعوامل عديدة، فك الصليبيون الحصار عن القاهرة وعادوا من حيث أتوا، ولكن الخطر مازال جاثماً، فكرر العاضد الاستنجاد بنور الدين، وأرسل في كتب الاستنجاد شعور النساء وقال له: (هذه شعور نسائي من قصري يستغثن بك لتنقذهنّ من الفرنج)(1).

ولم يكتفِ، بل بذل له ثلث بلاد مصر، وأن يكون قائد النجدة مقيماً عنده في عسكره، وأن يقطعه خارجاً عن الثلث الذي لنور الدين.

فقرر نور الدين تلبية الطلب، فأرسل حملة مؤلفة من ثمانية آلاف فارس، بقيادة أسد الدين شيركوه، ومعه ابن أخيه صلاح الدين، ... وجاءت الحملة إلى مصر حيث لقيت ترحيباً وابتهاجاً، وفعل العاضد أكثر من الترحيب، فأناط الحكم بأسد الدين شيركوه وجعله وزيراً له، ولكنه لم يلبث في الوزارة إلاّ شهرين وخمسة أيام، ثم توفي فجأة، وتطلع إلى الوزارة بضعة رجال من قواد الجيش الذي قدم مع أسد الدين، وكان التزاحم بينهم شديداً، ولكن العاضد آثر عليهم جميعاً صلاح الدين.

يقول أبو شامة في كتابه (الروضتين): (فأرسل الخليفة (العاضد) إلى صلاح الدين، فأمره بالحضور إلى قصره ليخلع عليه الوزارة ويوليه بعد عمّه).(2)

وهكذا أمدّ الخليفة (العاضد) وزيره صلاح الدين بالقوة، ووضع في يده أسبابها، ومكّن له في الحكم، استعداداً للدفاع في وجه الصليبيين إذا حاولوا إعادة الكرّة على مصر، ثم للهجوم عليهم فيما احتلوه من بلاد، وقد صحّ ما توقعه (العاضد)، فقد وصل الصليبيون في ربيع الأول سنة 565هـ.

يقول المقريزي: (فخرجت العساكر من القاهرة، وقد بلغت النفقة عليها زيادة على 550 ألف دينار، فأقامت الحرب مدة خمسة وخمسين يوماً، وكانت صعبة شديدة ...إلى أن رحل الصليبيون عن دمياط ...، يضيف المقريزي: (وكان صلاح الدين يقول ما رأيت أكرم من العاضد، أرسل إليّ مدة إقامة الفرنج على دمياط ألف ألف دينار، سوى ما أرسله إليّ من الثياب وغيرها)(3).

ويقول يحيى بن أبي طي الحلبي، في كتابه الذي ألفه في سيرة صلاح الدين، واصفاً المدى الذي بلغته محبة العاضد لصلاح الدين: (وبلغ من محبته له، أنه كان يدخل إلى القصر راكباً، فإذا حصل عنده أقام معه في قصره اليوم والعشرة، لا يُعلَمُ أين مقرّه... وحكّمه في ماله وبلاده، فحسده من كان معه بالديار المصرية من الأمراء الشامية، ثم إنهم فارقوه وصاروا إلى الشام)(4).

ويقول صاحب كتاب (الروضتين): (إن العاضد أحب صلاح الدين محبة عظيمة)، ويقول عنه في مكان آخر، أنه لما تولى صلاح الدين الوزارة، مال إليه العاضد وحكّمه في ماله وبلاده)(5).

ولم يترك (العاضد) وسيلة تشيد بصلاح الدين، وترفع من شأنه وتزيد في تكريمه إلاّ اتّبعها، من ذلك أنه لما ارتحل (نجم الدين أيوب) والد صلاح الدين إلى مصر بأهله وجماعته، وسار إلى القاهرة، ركب العاضد بنفسه لاستقباله والترحيب به، وخلع العاضد عليه ولقّبه (الملك الأفضل)، وحمل إليه من القصر الألطاف والتحف والهدايا، كما يقول ابن أبي طي في كتابه السابق الذكر(6).

فكيف تُرى خلفه صلاح الدين في ماله وبلاده؟.. وكيف قابل نجم الدين كرمه وأريحيته وحسن استقباله؟!. لقد كان (العاضد) في وادٍ، وصلاح الدين وأبوه نجم الدين في واد آخر، ووطنية العاضد التي جعلته يستنجد بهم، ويضع سلطته وبلاده تحت تصرفهم، لم تمنعهم من التآمر عليه وعلى دولته.

كانت الخطة قد وضعت قديماً في الشام، بين نور الدين محمود وأسد الدين شيركوه، وصلاح الدين ونجم الدين عالمان بها، وذلك بأن تكون النجدة لا لإنقاذ البلاد مـن الصليبيين، بل للقضاء علـى العاضد ودولته، واستغلال الخطر الصليبي على مصر، وانشغال العاضد به لتنفيذها.

وهكذا يكون العاضد ودولته قد نكبا، وراحا ضحية مطامع نور الدين زنكي، وخيانات صلاح الدين وأبيه من طرف، ومن طرف آخر، إخلاص العاضد للإسلام، ووطنيته تجاه بلده مصر، وإيثاره الاستنجاد بإخوته المسلمين، بدلاً من التفاوض مع الصليبيين والرضوخ إلى ابتزازهم والنزول عند شروطهم، كما فعل صلاح الدين، وكثير غيره من الحكام والسلاطين المسلمين.

يقول المقريزي عن صلاح الدين: (واستبدّ بالأمور، ومنع العاضد من التصرف، ثم يقول: وصلاح الدين يوالي الطلب منه كل يوم ليضعفه، فأتى على المال والخيل والرقيق، حتى لم يبق عند العاضد غير فرس واحد، فطلبه منه وألجأه إلى إرساله، وأبطل ركوبه من ذلك الوقت، وصار لا يخرج من القصر البتة)(7).

والأنكى من ذلك، أن صلاح الدين الذي كان يتحدث عن كرم العاضد وحسن رفادته وضيافته، قد قابل كرم العاضد وحبه الشديد له بالجحود والنكران، فيقول المقريزي: وعاد فكثر القول عن صلاح الدين وأصحابه في ذم العاضد(8).

يقول أبو شامة في الروضتين: (إن صلاح الدين يوسف بن أيوب، لما ثبت قدمه في مصر، وزال المخالفون له، وضعف أمر العاضد - وهو الخليفة بها -، ولم يبق من العساكر المصرية أحد، كتب إليه الملك الفاضل نور الدين محمود، يأمره بقطع الخطبة العاضدية، وإقامة الخطبة العباسية، فاعتذر صلاح الدين بالخوف من وثوب أهل مصر وامتناعهم من الإجابة إلى ذلك، لميلهم إلى العلويين، فلم يصغ نور الدين إلى قوله، وأرسل إليه يلزمه بذلك إلزاماً... واتفق أن العاضد مرض، وكان صلاح الدين قد عزم على قطع الخطبة لـه، فاستشار الأمراء، كيف يكون الابتداء بالخطبة العباسية، فمنهم مـن أقدم على المساعدة وأشار بها، ومنهم من خاف ذلك، إلاّ أنه لم يمكنه إلاّ امتثال أمر نور الدين، وكان قد دخل مصر إنسان أعجمي يعرف بالأمير العالم، وقد رأيناه بالموصل كثيراً، فلما رأى ما هم فيه من الإحجام قال: أنا ابتدئ به(9).

وهكذا، فبعد انقضاء سنتين فقط على وصول شيركوه وصلاح الدين إلى مصر، كافأوا العاضد بالقضاء عليه وعلى دولته، ولم تدخل سنة 567هـ حتى (استفتحها صلاح الدين بإقامة الخطبة في مصر لبني العباس)، كما يقول صاحب كتاب (الروضتين)، والخليفة العاضد لا يزال حياً(10).


ثانياً - خيانته لولي نعمته نور الدين:

كان نور الدين زنكي قد عزم على التخلص من الصليبيين والقضاء عليهم، وبنى خطته على أن يزحف هو من الشام، ويزحف صلاح الدين من مصر، ويحصرا الصليبيين بين الجيشين، وسار صلاح الدين كما يقول ابن العديم في الجزء الثاني من كتابه (زبدة الحلب في تاريخ حلب): (فنازل حصن الشوبك وحصره... فلما سمع نور الدين بذلك، سار من دمشق ليدخل بلاد الإفرنج من الجهة الأخرى، فقيل للملك الناصر صلاح الدين، إن دخل نور الدين من جانب وأنت من هذا الجانب، ملك بلاد الإفرنج، فلا يبقى لك معه بديار مصر مقام، وإن جاء وأنت هاهنا، فلا بد من الاجتماع به، ويبقى هو المتحكم فيك يما يشاء، والمصلحة الرجوع إلى مصر، فرحل عن الشوبك إلى مصر)(11).

ولزيادة البيان، ورفع بعض اللبس في النص المتقدم، فقد كرر ابن العديم الرواية في مكان آخر قائلاً: (واتفق نور الدين وصلاح الدين على أن يصل كل منهما من جهة، وتواعدا على يوم معلوم أن يتفقا على قتال الإفرنج، وأيهما سبق أقام للآخر منتظراً أن يقدم عليه، فسبق صلاح الدين ووصل الكرك فحصره، وسار نور الدين فوصل الرقيم، وبينه وبين الكرك مرحلتان، فخاف صلاح الدين واتفق رأيه ورأي أهله على العودة إلى مصر)(12).

ويبدو جلياً أن صلاح الدين لم يتوقع النصر السريع على الصليبيين، لذلك زحف متجهاً إلى الكرك، فلما بدت طلائع النصر نكص على عقبيه، مؤثراً الاحتماء من نور الدين بالصليبيين، على معاضدة نور الدين عليهم، فاضطر نور الدين إلى الرجوع غاضباً على صلاح الدين، لإخلاله بخطة نور الدين التي كانا قد اتفقا عليها.

ولم يكن نور الدين بالذي يفوته قصد صلاح الدين من نكوصه عن تنفيذ ذلك الاتفاق، فعزم على القدوم بنفسه إلى مصر ليؤدبه، كما نص على ذلك ابن الأثير وأبو شامة وابن العديم وغيرهم، ونكتفي هنا بنص أبي شامة إذ يقول: (وكان نور الدين قد شرع بتجهيز السير إلى مصر، لأخذها من صلاح الدين، لأنه رأى منه فتوراً في غزو الفرنج من ناحيته، فأرسل إلى الموصل وديار الجزيرة وديار بكر، يطلب العساكر ليتركها بالشام لمنعه من الفرنج، ليسير هو بعساكره إلى مصر، فإنه- صلاح الدين - كان يعتقد أن نور الدين متى زال عن طريقه الفرنج أخذ البلاد منه، فكان يحتمي بهم عليه، ولا يؤثر استئصالهم)(13).

ويتابع أبو شامة كلامه قائلاً: وكان نور الدين لا يرى إلاّ الجدّ في غزوهم بجهده وطاقته، فلما رأى إخلال صلاح الدين بالغزو وعلم غرضه، تجهز بالسير إليه، فأتاه أمر الله الذي لا يُرَد)(14)، ولولا الموت الذي وافى نور الدين قبل تنفيذ عزمه، لكان تم تأديب صلاح الدين على يديه، وأقل ما كان يناله منه هو القتل، لأنه هو وحده جزاء من يحتمي بأعداء الأمة.



ثالثاً- خيانته للخليفة الناصر العباسي:

كان الخليفة العباسي الناصر، قد تخلص في بغداد من سيطرة السلاجقة، واستقلّ عنهم برقعة كبيرة من الأرض الإسلامية، وكما يقول ابن كثير (استحوذ جيش الخليفة على بلاد الري وأصبهان وهمذان وخوزستان وغيرها من البلاد، وقوي جانب الخلافة والخليفة على الملوك والممالك)(15) ، ولقد بنى فيها جيشاً قوياً، وعزم على أن يرسل جيشه هذا إلى فلسطين، للتعاون مع جيش صلاح الدين على تحرير ما لم يتحرر من الأرض الإسلامية من الصليبيين، فأرسل يستأذن صلاح الدين، فرفض قدوم جيش الخلافة، لأنه اعتقد أنه سيصبح والياً من ولاة الخليفة تابعاً له.

ويصف العماد الموقف بعد ذلك بقوله: (ووجد الأعداء حينئذ إلى السعاية طريقاً، وطلبوا لشمل استسعاده بالخدمة تفريقاً، واختلقوا أضاليل ولفقوا أباطيل، وقالوا: هذا – أي صلاح الدين - يزعم أنه يقلب الدولة ويغلب الصولة، وأنه يُنعَت بالملك الناصر، نعتَ الإمام الناصر، و يُدِلُّ بماله من القوة العسكرية)(16)"، ويبدو أن تلك السعايات لم تنبت من فراغ، فقد كان صلاح الدين يمنّ في مجالسه الخاصة على الخليفة العباسي بقضائه على الدولة الفاطمية، وربما كان يلوّح بالقوة والغلبة، وما إلى ذلك مما نقله السعاة لإثارة حفيظة الخليفة على صلاح الدين.

ولما بلغ الخليفة هذا الرفض، مع كل ما نقل إليه عن صلاح الدين، أرسل مبعوثاً وصل في شهر شوال من سنة 583هـ - أي بعد فتح القدس بثلاثة أشهر فقط - مع رسالة شديدة اللهجة، مملوءة بالتعنيف لصلاح الدين(17)، فتظاهر هذا بالسكوت، ولكنه راح يعرض الرسالة على من سماهم (أكابر القوم)، ونجح أسلوب صلاح الدين كما يقول العماد، في دفع أولئك الأكابر إلى نقد تلك الرسالة بعنف مماثل، وإلى تحريض صلاح الدين على التمرد على الخليفة، وهذا هو عين ما كان يبيته صلاح الدين في نفسه ويمهد له، ليكون هؤلاء مستعدين بل متحمسين لقتال جيش الخليفة إذا جاء إلى فلسطين.

ورأى صلاح الدين أن من الحكمة أن يؤخر الصدام بالخليفة، وأن لا يعجّل باستفزازه قبل أن يهيئ وسائل المقاومة ويرتب المحالفات، وبادر على الفور إلى التفاوض سراً مع الصليبيين

لعقد هدنة تنهي الحروب بينهما، وتتيح له التحالف معهم لقتال العدو المشترك (خليفة المسلمين) الذي لم تكن يومئذ خلافة شرعية لسواه.

وغني عن البيان أن هذه الخيانات الثلاث: للخليفة الفاطمي (العاضد)، والخليفة العباسي ( الناصر)، والسلطان الأيوبي (نور الدين زنكي)، تعتبر خيانة عظمى للإسلام والمسلمين في ذلك الحين، عدا عن أن مجرد وقف الحرب ضد الصليبيين قبل إخراجهم من بلاد المسلمين، وتحريرها من نير سلطانهم واحتلالهم الغاشم، يعتبر بحد ذاته خيانة عظمى لا جزاء لها إلاّ القتل، فكيف بالتحالف معهم ضد المسلمين وخليفتهم الشرعي؟!.


عنف صلاح الدين وبطشه

ما أن قويت سلطة صلاح الدين على الخليفة الفاطمي العاضد، واستتبّ له الأمر في مصر بعد التآمر عليه وقطع الخطبة له وإقامتها لبني العباس، حتى أقدم صلاح الدين على جريمة لم يسبق لحاكم أن أقدم على مثلها أبداً، حتى في أشد العصور طغياناً وهمجيةً وظلماً(18)، (فقد احتجز جميع رجال الأسرة الفاطمية في مكان، واحتجز جميع نسائها في مكان آخر، ومنع الفريقين من الزواج لئلا يتناسلوا...) يقول العماد: (وهم إلى الآن محصورون محسّرون لم يظهروا)(19)، ثم أعمل النهب والسلب في دورهم وقصورهم، وقد تبجح بهذه الأعمال شعراء صلاح الدين، ومن ذلك ما قاله العماد الأصفهاني في قصيدة بذيئة طويلة:

عاد حريم الأعداء منتهك الحمى وفيء الطغــاة مقتَسَمـــا

ثم عمد صلاح الدين إلى المذهب الجعفري فأبطله وحرّم تدريسه ومنع الناس من العمل به، ومال على أشياعه وأتباعه فأوقع فيهم القتل والحرق والتشريد، وقد وصف عبد الرحيم بن علي البيساني قاضي صلاح الدين، الملقب بالقاضي الفاضل، ولم يكن في الواقع فاضلاً، بل كان من الوصوليين الانتهازيين المنافقين، عبيد كل سلطة، وعملاء كل حكومة، وصف وضع الشيعة بعد العاضد بقوله: (... والمَذَلَّة في شيع الضلال شائعة، ومُزِّقوا كل ممزَّق، ورغمت أنوفهم ومنابرهم، وحقت عليهم الكلمة تشريداً وقتلاً)(20).

ومن الذين قتلهم صلاح الدين، وحفظ لنا التاريخ أسماءهم رغم كل محاولات الطمس والإخفاء، الشاعر عمارة اليمني، الذي عاش في مصر وأدرك أواخر الدولة الفاطمية، ورغم أنه لم يكن على مذهب الفاطميين، ولكنه كان منصفاً مخلصاً للحق، معترفاً بالفضل لأهله، وحيث أنه رأى بأم عينيه فضائل الفاطميين ومحاسنهم، ولمس بنفسه مخازي الأيوبيين ومساوئهم، وما ارتكبوه فيهم من جرائم، فرثى الدولة الفاطمية أشجى رثاء في قصيدته اللامية التي مطلعها:

رميتَ يا دهرُ كفَّ المجدِ بالشللِ وجيدَه بعد حسن الحَلْيِ ِ بالعطَلِ

وختمها بقوله:

والله مازِلتُ عن حبي لهم أبـداً ما أخّرَ اللهُ لي في مدة الأجـــلِ(21)

وبسبب هذه القصيدة الصادقة، قُتِلَ هذا الشاعر الفاضل الوفي يرحمه الله، الذي طبع على النبل والوفاء، وتُمُحلت له الذنوب(22).

وفي موقف آخر، اتفق أن اجتمع هذا الشاعر الوفي،عند نجم الدين أيوب – والد صلاح الدين - مع شاعر آخر، هو أبو سالم يحيى الأحدب بن أبي حصيبة، في قصر اللؤلؤة الذي كان يقيم فيه، وكان من أحسن قصور الفاطميين، فأنشد ابن أبي حصيبة نجم الدين قصيدة منها:

يا مالك الأرض لا أرضى لها طرفاً منها وما كان منها لم يكن طرفــــا

قـد عجّل الله هذي الدار تسكنهــــا وقـد أُعدّت لك الجنات والغرفـــــا

تشرفت بـك عمـن كان يسكنهــــــا فالبس بها العز ولتلبس بك الشرفا

كانوا بها صَـدفاً والـدار لؤلـــــــؤةٌ وأنت لؤلؤةٌ صـارت لها صـَدفــــــا

فعزّ على عمارة هذا الغمز بالفاطميين، ولم يسكت على هذا الغمط لحقهم، والغض من مكانتهم، فقام يرد عليه بكل جرأة وشجاعة قائلاً:

أثمتَ يا من هجا السادات والخُلَفا وقلـتَ ماقلتَه فـي ثلبهم سـخَـفا

جعلتَهم صـدفاً حَلّوا بلـؤلـؤةٍ والعُرفُ مازال سُكنى اللؤلؤ الصدفـا

وإنما هـي دارٌ حـلّ جوهرهم فيها وشـفّ فأسـناها الـذي وصفـــــا

إلى آخر هذه القصيدة الارتجالية الرائعة، التي علّق عليها المقريزي بقوله: (فلله دَرُّ عمارةَ، لقد قام بحق الوفاء، ووفّى بحسن الحفاظ كما هي عادته، لا جرم أنه قُتل في واجب من يهوى، كما هي سنّة المحبين، فالله يرحمه ويتجاوز عنه)(23).

على أن أفجع الفواجع ما لحق خزانة الكتب، التي (كانت من الضخامة بحيث أنها ضمّت (600) ألف كتاب مخطوط، ثم ما لبثت أن أُنشئت دار الحكمة القاهرية، وهي لم تكن أرففاً لاحتواء الكتب فقط، ولكنها كانت تضم جيوشاً من المترجمين والعلماء والنسّاخين، وكانت بذلك جامعة متخصصة لإنتاج الكتب)(24)، هذه الكنوز العلمية من نفائس الكتب التي تعب الفاطميون في جمعها، وأنفقوا من الأموال ما أنفقوا في الحفاظ عليها، أصابها من صلاح الدين ما أصاب الفاطميين أنفسهم، ومثلما شهد العصر الفاطمي ازدهار المكتبات القاهرية، شهدت بداية عصر صلاح الدين انهيارها بفعل النهب والحرق واللامبالاة(25).

يصف الدكتور محمد كامل حسين كيف أُحرق ورقُ كتب هذه المكتبات، وأخذ العبيد والإماء جلودها لعمل ما يلبسونه في أرجلهم، والذي بقي فيها مما لم يحرق، سفت عليه الرياحُ الترابَ، فصارت تلالاً باقية تعرف بتلال الكتب(26)، ثم يقول: (وكذلك ضاعت كنوز الفاطميين بيد التعصب الممقوت)، ويختم كلامه بالقول: (ولكن هذه الموجة الفنية التي طغت على مصر، سرعان ما أبادها الأيوبيون فيما أبادوه من تراث هذا العصر الذهبي في تاريخ مصر الإسلامية، فضاع الشعر ولم يبق منه إلاّ اسم الشاعر أحياناً إن قُدِّر لاسمه البقاء، ونحن لا نتردد في اتهام الأيوبيين بجنايتهم على تاريخ الأدب المصري، لتعمدهم أن يمحوا كل أثر أدبي يمت للفاطميين بصلة، فقد أحرقوا كتبهم بما فيها من دواوين الشعر)(27)، فإذا كان هذا فعلُهم في الشعر، فما بالك بما فعلوا في الفكر؟!.

ويقول ابن أبي طي في وصف ما حلّ بهذه المكتبة الكبرى: (ومن جملة ما باعوا خزانة الكتب، وكانت من عجائب الدنيا)(28)، لأنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من التي بالقاهرة في القصر، ومن عجائبها أنه كان بها ألف ومائتان وعشرون نسخة من تاريخ الطبري، ويقال أنها كانت تحتوي على ألفي ألف وستمائة ألف كتاب، وكان فيها من الخطوط المنسوبة أشياء كثيرة(29).

ويقول العماد الأصفهاني في ذلك: (وفيها من الخطوط المنسوبة ما اختطفته الأيدي واقتطعه التعدي، وكانت كالميراث مع أمناء الأيتام، يتصرف بها بشرَه الانتهاب والالتهام)(30)، وهكذا شتتوا هذه الكتب وأضاعوها فغدت هباء منثوراً، وأتلفوا هذه الكنوز العلمية التي لم يجتمع مثلها لا قبلها ولا بعدها في مكتبة قط، وهل فعل التتار والمغول في مكتبات بغداد أكثر مما فعله صلاح الدين هذا بخزانة كتب القاهرة ومكتباتها؟.

ورغم أن نور الدين كان ولي نعمته، وهو الذي رشحه للوزارة لدى العاضد بعد وفاة أسد الدين شيركوه، إلاّ أنه لم يسلم من تنكّر صلاح الدين له والتنمر عليه في حياته، والاحتماء منه بالصليبيين، ثم القضاء على مملكته وضمها إليه بعد وفاته، لكنّ الأشد انتقاماً من نور الدين ما فعله مع ابنه (الملك الصالح).

لقد كان ابن نور الدين هذا مقيماً في حلب، وكان على صغر سنه محاطاً برعاية الحلبيين باعتباره ملكهم المقبل بعد أبيه، فكان أول ما فعله صلاح الدين بعد استيلائه على الشام، أن قصد إلى حلب للقضاء عليه.

يقول ابن الأثير: (لما ملك صلاح الدين حماة، سار إلى حلب فحصرها ثالث جمادى الآخرة، فقاتله أهلها، وركب الملك الصالح - وهو صبي وعمره اثنتا عشرة سنة - وجمعَ أهل حلب وقال لهم: قد عرفتم إحسانَ أبي إليكم ومحبته لكم وسيرته فيكم، وأنا يتيمكم وقد جاء هذا الظالم الجاحد إحسان والدي إليه، يأخذ بلدي ولا يراقب الله تعالى ولا الخلق ... وبكى وأبكى الناس، فبذلوا له الأموال والأنفس، واتفقوا على القتال دونه والمنع عن بلده)(31)، ولكن صلاح الدين تمكّن منه واعتقله وعاد به إلى دمشق، ولزيادة التشفي بنور الدين وولده، تزوج زوجة نور الدين، ودخل بها وبات عندها ليلة واحدة، وخرج بعد يومين إلى مصر(32)، لقد شفت الليلة غيظه، وانتقم من نور الدين انتقام الأنذال(33).

ولا تسل بعد ذلك عن المجازر التي أوقعها صلاح الدين بأهل حلب، ولا عن الحرائق التي استهدفت منابر العلم ودور الكتب، ولا عن الإعدامات التي كانت تنتظر العلماء والحكماء، مما ملأ بطون كتب التاريخ، وكان على رأسهم جميعاً، الفيلسوف الإشراقي العظيم، شهاب الدين بن يحيى السهروردي(34) ، الذي قُتل عام 1191م خنقاً بوتر، وقيل بالسيف، وقيل سوى ذلك، وكان الفيلسوف السهروردي من أكبر علماء عصره(35)، ولا تسل كذلك عن الضرائب الباهظة والمقتطعات التي أثقلت كاهل جميع المسلمين من أهل حلب في تلك الحقبة السوداء.

ابوجعفرالديواني
02-03-2009, 06:53 PM
اللهم العن كل من ظلم حق محمد وال محمد
(عليهم السلام)
والله اخي لقد اظهرت الحقيقه
وكشفت غطاء الريب
بصدق الحديث
بارك الله بك اخي

عاشقة الابتسامه
02-03-2009, 10:21 PM
اللهم العن الظالمين لمحمد وال محمد
انهم قد بالغوا في تلميع هذه الشخصيه
كلام لاغبار عليه
يسلموو على كشف الغطاء
سلمت الايادي

دمعة اشتياق
06-03-2009, 05:02 AM
اللهم العن كل من ظلم محمد صلٍ الله عليه وآله وسلم عليهم السلام
:66:ظهرت الحقيقهـ الله يلعنهم
يسلمووو اخووي محب الحسين(ع) على الطررح
تحياتي لك

عاشق الامام الحسين
18-03-2009, 01:32 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية .