المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كــــــــابوس رهيب


تراب البقيع
28-11-2008, 08:39 PM
كابوس رهيب
وتسلّم معاوية قيادة الدولة الاِسلامية بعد صلحه معالاِمام الحسن ( عليه السلام ) ، وقد تحقّقت آماله الشريرة في القضاء على الدولةالعلوية التي هي دولة المحرومين والمضطهدين ، والتي كانت امتداداً ذاتياً لحكومةالنبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وتجسيداً حيّاً لاَهدافه ومتطلّباته الرامية لرفعمستوى الاِنسان وتطوير حياته ، وقد انهارت هذه القيم حينما سقطت الدولة الاِسلاميةصريعة بيده ، فقد تبدّلت المبادئ والقيم والاَخلاق التي ينشدها الاِسلام إلى عكسها، وخرج العالم الاِسلامي من عالم الدعة والرخاء والاستقرار إلى كابوس مرعب تحفّهالمحن والكوارث ، وتخيّم عليه العبودية والذل.
لقد تنكّر معاوية لجميع القيموالاَعراف ، وساس المسلمين سياسة لم يألفوها من قبل ، ويرى المراقبون لسياسته انانتصاره انّما هو انتصاراً للوثنية بجميع مساوئها يقول السيّد مير علي الهندي:
« ومع ارتقاء معاوية الخلافة في الشام عاد حكم الثوليغارشية الوثنية السابقة ، فاحتلّموقع ديمقراطية الاِسلام ، وانتعشت الوثنية بكل ما يرافقها من خلاعات ، وكأنّهابعثت من جديد ، كما وجدت الرذيلة والتبذل الخلقي لنفسها متّسعاً في كل مكان ارتادتهرايات حكّام الاَمويين من قادة جند
الشام.. »(1).
لقد تعرّض المسلمون في ذلكالعهد الاَسود إلى أزمات شاقة وعسيرة وامتحنوا كأشدّ ما يكون الامتحان ، ونعرض ـبإيجاز ـ إلى بعض ما عانوه من الكوارث.

إبادة القوى الواعية:
وعمد ابنهند إلى إبادة القوى الواعية في الاِسلام ، وتصفيتها جسدياً فقد ساق كوكبة منهم إلىساحات الاعدام ، وفيما يلي بعضهم:

1 ـ حجر بن عديّ :
حجر بن عدي الكنديعلم من أعلام الاِسلام ، وبطل من أبطال الجهاد ومن أبرز طلائع المجد والفخر للاَمّةالعربية والاِسلامية ، ومن النماذج المشرقة الذين تخرّجوا من مدرسة الاِمام أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) ووعوا قيمه وأهدافه ، وقد وهب هذا العملاق العظيم حياتهلله فثار في وجه الاِرهابي المجرم زياد بن أبيه حينما أعلن رسمياً سبّ الاِمام أميرالمؤمنين مفجّر الفكر والنور في دنيا الاِسلام ، والمؤسس الثاني في بناء العقيدةالاِسلامية بعد ابن عمّه وسيّده الرسول الاَعظم ( صلى الله عليه وآله ) .
لقداستحلّ الطاغية المجرم زياد دم المجاهد الكبير حجر بن عديّ حينما جابهه بالانكارعلى سبّه للاِمام ، فألقى عليه القبض ، وبعثه مخفوراً مع كوكبة من أعلام المجاهدينفي الاِسلام إلى أخيه في الجريمة معاوية بن
هند ، فصدرت الاَوامر منه بإعدامهم في (مرجعذراء) ونفّذ الجلاّدون فيهم حكم الاِعدام فخرّت جثثهم الزواكي على الاَرض وهيمعطّرة بدم الشهادة والكرامة ، تضيء للناس معالم الطريق نحو حياة حرّة كريمة لاسيادة فيها للظالمين والمستبدّين.

2 ـ عمرو بن الحمق:
ومن شهداء الاِسلامالخالدين عمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي الجليل ، كان أثيراً عند النبيّ ( صلى اللهعليه وآله ) وقد دعا له بأن يمتّعه الله بشبابه ، فاستجاب الله دعاءه فقد أخذ عمروبعنق الثمانين عاماً ولم ترَ في كريمته شعرة بيضاء
وقد وعى عمرو القيمالاِسلامية وآمن بها إيماناً عميقاً ، وجاهد في سبيلها كأعظم ما يكون الجهاد ، ولماولي الجلاّد زياد بن أبيه على الكوفة من قبل أخيه اللاشرعي معاوية أوعز إلى مباحثهوجلاوزته بملاحقة عمرو ومطاردته لاَنّه من أعلام شيعة الاِمام أمير المؤمنين ( عليهالسلام ) ، وفرّ عمرو مع زميله رفاعة بن شداد إلى الموصل ، وقبل أن ينتهيا إليهاكمنا في جبل ليستجمّا فيه ، فشعرت بهما الشرطة المقيمة هناك ، فارتابت منهما ،فألقت القبض على عمرو ، وفرّ صاحبه ، وجاءت الشرطة بعمرو مخفوراً إلى عبد الرحمنالثقفي حاكم الموصل ، فرفع أمره إلى معاوية ، فأمر بطعنه تسع طعنات بمشاقص فبادرت الجلاوزة إلى طعنه ، فمات في الطعنة الاُولى ، واحتزّوا رأسه فأمر أن يطافبه في دمشق وهو أول رأس طيف به في الاِسلام ، ثم
لمشاقص: جمع مفرده مشقص ، النصل العريفي أو سهم فيه نصل عريض.
أمر به ابن هند أن يحمل إلى زوجته السيّدة آمنةبنت شريد ، وكانت في سجنه ، فلم تشعر إلاّ ورأس زوجها في حجرها فذعرت ، وكادت أنتموت ، ثم حملت إلى معاوية ، وجرت بينها وبينه محاورة شديدة دلّت على مسخ معاويةوتجرّده من جميع القيم الاِنسانية ، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في كتابنا (حياة الاِمامالحسن ( عليه السلام ) ).

3 ـ رشيد الهجري:
رشيد الهجري علم من أعلامالاِسلام ، وقطب من أقطاب الاِيمان وقد أخلص كأشدّ ما يكون الاِخلاص إلى وصيّ رسولالله ( صلى الله عليه وآله ) وباب مدينة علمه الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وقد اعتقلته جلاوزة ابن زياد ، وجاءت به مخفوراً إليه ، فلما مثل عنده صاح بهالباغي الاَثيم:
« ما قال لك خليلك ـ يعني الامام عليّاً ـ إنّا فاعلون بك؟.. »
فأجابه بصدق وإيمان غير حافل به:
« تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني.. ».
فأراد الخبيث الدنس أن يكذّب الاِمام فقال:
« أمّا والله لاَكذبنّ حديثهخلّوا سبيله.. ».
فخلّت الجلاوزة سبيله لكنّه لم يلبث إلاّ قليلاً حتى ندم علىذلك فأمر بإحضاره فلمّا مثل عنده صاح به:
لا نجد شيئاً أصلح مما قال صاحبك: « إنّك لا تزال تبغي لنا سوءاً إن بقيت ، اقطعوا يديه ورجليه.. ».
وبادرت الجلاوزةفقطعت يديه ورجليه ، ولم يحفل هذا العملاق العظيم بما كان يعانيه من الآلام ، وراحيذكر مساوىَ بني أميّة وجورهم
ويحفز الجماهير على الثورة عليهم ، وأسرعت الجلاوزةإلى زياد فأخبروه بالاَمر فأمرهم بقطع لسانه ، فقطع وتوفي في الحال هذا المجاهدالعظيم(1) الذي نافح عن عقيدته وولائه لاَهل البيت حتى النفس الاَخير منحياته.
هؤلاء بعض أعلام الاِسلام الذين صفّاهم ابن هند جسدياً لاَنّهم كانواينشرون القيم الاِسلامية ، ويذيعون بين الناس فضائل أهل البيت : الذين هم مصدرالوعي والفكر في الاِسلام.

مناهضة أهل البيت:
ولمّا استتبّ الاَمر إلىمعاوية سخر جميع أجهزة دولته ووسائل إعلامه لمناهضة أهل البيت الذين هم وديعة رسولالله ( صلى الله عليه وآله ) في أمّته ، والعصب الحسّاس في هذه الاَمّة ، وقداستخدم هذا الذئب الجاهلي أخطر الوسائل في مناهضتهم ، ومن بين ما قام به:
1 ـ افتعال الاَخبار ضدّهم:
وأقام معاوية شبكة من عملائه لوضع الاَخبار وافتعالهاعلى لسان النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) للحطّ من شأن أهل بيته ، والتقليل منأهمّيتهم ، وقد عمد الوضّاعون لافتعال الاَخبار تارة في فضل الصحابة ، لجعلهم قبالالعترة الطاهرة ، وقد عدّ الامام الاَعظم محمد الباقر ( عليه السلام ) أكثر من مائةحديث افتعلت لهذا الغرض كما افتعلوا طائفة من الاَخبار في ذمّ أهل البيت عليهمالسلام ، كما وضعوا أحاديث أخرى في مدح الاَمويين ، وخلق الفضائل
لهم ، وهم الذين ناجزوا الاِسلام في جميع مراحلتأريخهم ، ولم تقتصر الشبكة التخريبية على ذلك ، وانّما عمدت لافتعال الاَخبار فيمايتعلّق بأحكام الشريعة الاِسلامية ، ومن المؤسف جدّاً انّها دوّنت في الصحاح والسنن، وجعلت جزءاً من الشريعة الاِسلامية ، ولم يلتفت المؤلّفون إلى وضعها ، وقد تصدّىبعض المحقّقين إلى تأليف بعض الكتب ، ذكروا فيها بعض الاَخبار الموضوعة ، فقد ألّفالمحقّق السيوطي كتابه الشهير (اللئالي المصنوعة في الاَخبار الموضوعة) ذكر فيهطائفة كبيرة من تلك الموضوعات ، وقد سجّل المحقق الاَميني في (الغدير) أرقاماً لبعضالاَخبار الموضوعة بلغت زهاء نصف مليون حديث ، وعلى أي حال فان من أعظم ما مُني بهالاِسلام من الكوارث هي الاَخبار الموضوعة التي شوّهت الواقع المشرق للاِسلام ،وألقت المسلمين في شرّ عظيم ، فقد حجبتهم عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام وما أثرعنهم من الاَخبار الصحيحة التي هي من ذخائر الاِسلام.
2 ـ سبّ الاِمام أميرالمؤمنين:
وأعلن معاوية رسمياً سبّ الاِمام أمير المؤمنين ، وأوعز إلى ولاتهوعمّاله أن يذيعوا ذلك بين المسلمين ، واعتبره عنصراً أساسياً في بناء دولته ،وإقامة حكومته ، وأخذ الاَذناب والعملاء ووعاظ السلاطين يصعّدون سبّ الاِماموينتقصونه لا في نواديهم الخاصة والعامة فحسب ، وانّما في خطب صلاة الجمعة ، وسائرالمناسبات الدينية ، معتقدين أن ذلك مما يوجب القضاء على شخصية الاِمام ، واندثارذكره ، وقد خابت ظنونهم ، وتبت أيديهم ، فقد عادت اللعنات عليهموعلى من ولاهمومكنهم من
رقاب المسلمين ، فقد برز الاِمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على مسرح التأريخ البشري كألمع قائد إنساني أسّس معالم العدالةالاجتماعية ، وأقام أركان الحقّ في الاَرض.
لقد عاد الاِمام في جميع الاَعرافالدولية والسياسية أعظم حاكم ظهر في الشرق ، وأول حاكم قد تبنّى حقوق المظلومينوالمضطهدين ، وأعلن حقوق الانسان ، وأما خصومه الحقراء فهم أقزام البشرية ، وأشرارخلق الله ، فقد جنوا على الاِنسانية جناية لا تعدلها أية جناية ، فقد حجبوا هذاالعملاق العظيم أن يقوم بدوره في بناء الحضارة الاِنسانية ، وتطوير الحياة العامةفي جميع مجالاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

3 ـ استخدام معاهدالتعليم:
واستخدم معاوية معاهد التعليم ، وأجهزة الكتاتيب لتغذية النشء ببغض أهلالبيت عليهم السلام الذين هم المركز الحسّاس في الاِسلام ، وغذّت هذه الاَجهزةالناشئة المسلمة ببغض عترة النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وذريته ، ولم يكن ذلكإلاّ إجراءاً مؤقّتاً ، فقد عكس الله إرادته ، وخيّب آماله ، فها هو الاِمام أميرالمؤمنين ملء فم الدنيا ، قد استوعب ذكره المعطر جميع لغات الاَرض ، وهو أنشودةالاَحرار في كل زمان ومكان والكوكب اللامع في سماء الشرق يهتدي بضوئه المصلحون ،ويسير على منهجه المتّقون ، وها هو معاوية وبنو أميّة قد صاروا جرثومة الفساد فيالاَرض ، ولا يذكرون إلاّ مع الخسران وسوء المصير.
لقد هزم معاوية في الميدانالسياسي والاجتماعي ، وأبرزت مخططاته السياسية المناهضة لاَهل البيت عليهم السلامواقعه النفسي الملّوث بالجرائم والآثام
واستبان للجميع أنّه أحطّ حاكم ظهر في الشرقالعربي والاِسلامي.

إشاعة الظلم:
وأشاع معاوية الظلم والجور في جميعأنحاء العالم الاِسلامي ، فقد سلّط على المسلمين ولاة إرهابيين ، قد نزعت الرحمة منقلوبهم فأسرفوا باقتراف الجرائم والاِساءة إلى الناس ، وكان من أشدّهم قسوة ،وأكثرهم جرماً الاِرهابي زياد بن أبيه فقد صبّ على العراق وابلاً من العذاب الاَليم، فكان يسوق المتّهمين إلى ساحات الموت والاِعدام من دون اجراء أي تحقيق معهم ، فقدكان يحكم بالظنّة والتهمة ، ـ كما أعلن ذلك في بعض خطبه ـ ولم يتحرّج من سفك الدماءبغير حقّ ، ولم يتأثّم في نشر الرعب والخوف بين الناس ، فكان كأخيه اللاشرعي معاويةقد انتهك جميع حرمات الله.
لقد عجّت البلاد الاِسلامية من الظلم والجور ، حتىقال القائل: ان نجا سعد فقد هلك سعيد ، وكان من أشدّ الناس بلاءً وأعظمهم محنة شيعةأهل البيت عليهم السلام فقد أمعنت السلطة في ظلمهم ، والاعتداء عليهم فزجّت الكثيرمنهم في ظلمات السجون وزنزانات التعذيب ، وسلمت منهم الاَعين ، وأذاقتهم جميع صنوفالتعذيب ، لا لذنب اقترفوه وانّما لولائهم لاَهل البيت عليهم السلام .
وقد شاهدأبوالفضل ( عليه السلام ) الصور المفجعة من الاضطهاد والتنكيل التي حلّت بشيعة أهلالبيت ، مما زاده ذلك إيماناً بضرورة الجهاد ، والقيام بثورة ضدّ السلطة الاَموية ،لاِنقاذ الاَمة من محنتها ، وإعادة الحياة الاِسلامية بين المسلمين.
منح الخلافة ليزيد:
واقترف معاوية أخطر جريمة فيالاِسلام فقد منح الخلافة الاِسلامية إلى ولده يزيد الذي كان ـ فيما أجمع عليهالمؤرّخون ـ مجرداً من جميع القيم الاِنسانية ، وغارقاً في الآثام والجرائم وكانجاهلياً بما تحمل هذه الكلمة من معنى ، فلم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر كما أعلنذلك فيما أثر عنه من شعر ، فقد قال حينما أشرفت سبايا آل النبيّ ( صلى الله عليهوآله ) على دمشق:
نعب الغراب فقلت صح أولا تصح * فلقد قضيت من النبيديوني
نعم لقد استوفى ديون الاَمويين من ابن فاتح مكّة فقد قتل أبناءهوسبى ذراريه ، وقال مرّة اُخرى:
لست من خندف إذ لم انتقم من * بني أحمدما كان فعل
هذا هو يزيد في الحاده ومروقه من الدين وقد سلّطه معاوية علىرقاب المسلمين ، فأمعن في إعادة الحياة الجاهلية ، وإزالة الاِسلام فكراً وعقيدة منالصعيد الاجتماعي ، كما أخلد للمسلمين المحن والكوارث ، وذلك بإبادته لعترة النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) ، وسبيه لذراريه.

إغتيال الشخصياتالاِسلامية:
وأقدم معاوية على اغتيال الشخصيات الاِسلامية التي لها مكانة مرموقةفي العالم الاِسلامي ، والتي تحظى باحترام بالغ في نفوس المسلمين ، حتّى لا يزاحمأحد منهم ولده يزيد ، ولا تتجه إليهم الاَنظار ،
وفعلاً قام باغتيال هؤلاء وهم:

1 ـ سعد بنأبي وقاص:
أما سعد بن أبي وقاص فهو فاتح العراق ، وأحد أعضاء الشورى الذين رشحهمعمر إلى الخلافة الاِسلامية ، وقد ثقل وجوده على معاوية فدسّ إليه سمّاًفقتله(1).

2 ـ عبد الرحمن بن خالد:
أمّا عبد الرحمن بن خالد فكان له رصيدشعبي في أوساط أهل الشام وقد استشارهم معاوية فيمن يعقد له البيعة بعد وفاتهفأشاروا عليه بعبدالرحمن ، فأسرّها معاوية في نفسه ، وأضمر له السوء ، ومرض عبدالرحمن فأوعز معاوية إلى طبيب يهودي أن يعالجه ويسقيه سمّاً فسقاه السمّ فمات علىأثر ذلك(2).

3 ـ عبد الرحمن بن أبي بكر:
كان عبد الرحمن بن أبي بكر منأبرز العناصر المعارضة لمعاوية في أخذه البيعة ليزيد ، وقد أعلن معارضته له ، وأشيعذلك في يثرب ودمشق ، وقدم له معاوية رشوة لينال رضاه ، وكانت مائة ألف درهم فأبى أنيقبلها ، وقال: لا أبيع ديني بدنياي ، وتعزو بعض المصادر أن معاوية دسّ له سمّاً
فقتله(1).

4 ـ الاِمام الحسن:
وأقضالاِمام الحسن ( عليه السلام ) مضجع ابن هند ، وراح يطيل التفكير للتخلّص منه ،لاَنّه قد شرط عليه في بنود الصلح أن ترجع إليه الخلافة بعد هلاكه واستعرض معاويةحاشية الامام وخاصته ليشتري ضمائرهم بأمواله لاغتيال الاِمام ، فلم يقع نظره علىأحد سوى الخائنة جعدة بنت الاَشعث زوجة الاِمام ، فهي من أسرة لم تنجب شريفاً قطّ ،ولم يؤمن أي فرد منها بالقيم الاِنسانية ، وأوعز معاوية إلى مروان بن الحكم عاملهعلى يثرب فاتّصل بها ، وقدم لها الاَموال ، ومنّاها بزواج يزيد ، فاستجابت نفسهاالخبيثة لاقتراف الجريمة ، فناولها سمّاً فاتكاً ، فأخذته ، ودسّته للاِمام ، وكانصائماً ، ولما وصل إلى جوفه تقطّعت أمعاؤه ، فالتفت إلى الخبيثة ، فقال لها:
« قتلتيني ، قتلك الله ، والله لا تصيبنّ منّي خلفاً ، لقد غرّك ـ يعني معاوية ـ وسخرمنك ، يخزيك الله ويخزيه.. ».
وأخذ سبط النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وريحانتهيعاني آلاماً قاسية من شدّة السم فقد تفاعل مع أجزاء بدنه ، وقد ذبلت نضارته ،واصفّر لونه ، وكان يلهج بذكر الله وتلاوة كتابه حتى ارتفعت روحه العظيمة إلىبارئها تحفّها ملائكة الرحمن وأرواح الاَنبياء.
لقد وافاه الاَجل المحتوم ،ونفسه العظيمة مترعة بالمصائب من ابن
هند الذي جهد في ظلمه ، وصبّ عليه ألواناًقاسية من المحن والكوارث فسلب منه الخلافة ، وتتبع شيعة أبيه قتلاً وسجناً ، واسمعهسبّه ، وسبّ أبيه وأخيراً سقاه السمّ فقطع أحشاءه.
تجهيزه:
وقام سيّدالشهداء ( صلى الله عليه وآله ) بتجهيز جثمان أخيه فغسّل جسده الطاهر ، وحملهالمشيّعون ، وفي طليعتهم العلويون ، وهم يذرفون أحرّ الدموع على فقيدهم العظيم ،وجاءوا به إلى المرقد النبوي ليواروه بجواره.
فتنة الاُمويين:
ولما جيءبالجثمان المقدّس إلى قبر الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ليوارى إلى جنبه ثارالاَمويون وعلى رأسهم الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم ، فرفعوا أصواتهم أمامالمشيّعين « أيدفن الحسن بجوار جدّه ، ويدفن عثمان بأقصى المدينة لا كان ذلكأبداً.. ». واشتدّوا كالكلاب نحو السيّدة عائشة ، وقد عرفوا انحرافها عن أهل البيتفأثاروا حفيظتها قائلين:
« لئن دفن الحسن بجوار جدّه ليذهبنّ فخر أبيك ،وصاحبه.. ».
فوثبت وهي مغيظة محنقة تشقّ الجماهير ، وقد رفعت عقيرتهاقائلة:
« لئن دفن الحسن بجوار جدّه ـ لتجز هذه ـ وأومأت إلى ناصيتها.. ».
والتفتت إلى المشيّعين قائلة:
« لا تدخلوا بيتي من لا أحب.. ».
وقدأعربت بذلك عن كوامن حقدها على آل البيت عليهم السلام ، ويتساءل
السائلون من أين جاء لها البيت ، ألم يروِابوها عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال:
« نحن معاشر الاَنبياء لانورث ذهباً ولا فضّة » فبيت النبيّ ـ حسب هذه الرواية ـ كبيت من بيوت الله لا يملكهأحد ، وانّما هو لجميع المسلمين ، وعلى هذا فكيف سمحت لاَبيها وصاحبه أن يدفنا فيه، وإذا لم تعمل عائشة بهذه الرواية وان النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) كبقيّةالاَنبياء يرثه ذرّيته ، فالامام الحسن ( عليه السلام ) هو الذي يرثه لاَنّه سبطه ،أما أزواج النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) فلا يرثن من البيت ، وانّما يرثن منالبناء حسبما ذكر الفقهاء.
وعلى أيّ حال فقد تمادى الاَمويون بالشر ، وظهرتخفايا نفوسهم المنطوية على الحقد والعداء لآل البيت فقد أو عزوا إلى عملائهم برميجنازة الاِمام ، فرموها بقسيّهم وسهامهم ، وكادت الحرب أن تقع بين الهاشميينوالاَمويين ، فقد أسرع أبو الفضل العبّاس ( عليه السلام ) إلى مناجزة الاَمويين ،وتمزيقهم ، فمنعه أخوه الامام الحسين ( عليه السلام ) من القيام بأي عمل امتثالاًلوصيّة أخيه ، فقد أوصاه بأن لا يهراق في امره ملَ محجمة من دم.. وجيء بالجثمانالطاهر إلى بقيع الغرقد ، فواروه فيه ، وقد واروا معه الحلم والشرف والفضيلة ، وقدانطوت بذلك أروع صفحة مشرقة من صفحات النبوة والاِمامة.
لقد شاهد أبو الفضلالعبّاس ( عليه السلام ) الاَحداث المروعة التي حلّت بأخيه الامام أبي محمد ( عليهالسلام ) فزهدته في الحياة ، وكرهت له العيش ، وحببت له الثورة والجهاد في سبيلالله.

معارضة الامام الحسين لمعاوية:
ولمّا تمادى معاوية في سياستهالملتوية المناهضة لمصالح المسلمين
والمعادية لاَهدافهم ، قام أبو الاَحرار الاِمامالحسين ( عليه السلام ) بالاِنكار على معاوية ، وأخذ يعمل بشكل مكثف إلى فضح معاوية، ويدعو المسلمين إلى الانتفاضة والثورة على حكومته ، ونقلت اجهزة الاَمن والمباحثفي يثرب إلى معاوية هذه النشاطات السياسية المناهضة لحكومته ففزع من ذلك أشدّ الفزع، ورفع إليه مذكّرة شديدة اللهجة يطلب فيها الكفّ عن معارضته ، وهدّده باتخاذالاجراءات القاسية ضدّه ان لم يستجب له ، فأجابه أبو الاَحرار بجواب شديد اللهجةوضعه فيه على طاولة التشريح ، ونعى عليه سياسته الظالمة التي تفجّرت بكل ما خالفكتاب الله وسنّة نبيّه ، وندّد بما اقترفه من ظلم تجاه الاَحرار والمصلحين أمثالحجر بن عدي وعمرو بن الحمق الخزاعي ، ورشيد الهجري ، وغيرهم من أعلام الفكر فيالوطن الاِسلامي.
انّ جواب الاِمام أبي الشهداء من ألمع الوثائق السياسية ، فقدوضع الاِمام فيها النقاط على الحروف ، وعرض بصورة مفصّلة الاَحداث الرهيبة التي جرتأيام حكومة معاوية ، كما حدّد فيها موقفه المتّسم بالثورة على حكومةمعاوية(1).

مؤتمر الامام الحسين في مكّة:
وعقد الاِمام أبو عبداللهالحسين ( عليه السلام ) مؤتمراً سياسياً في مكّة المكرّمة حضره جمهور غفير منالمهاجرين والاَنصار والتابعين ممن شهدوا موسم الحج ، فقام فيهم خطيباً ، وتحدّثببليغ بيانه عمّا ألمّ بهم وبشيعتهم من ضروب المحن والبلاء في عهد الطاغية معاوية ،وقد روى سليم بن قيس







قطعة من خطابه جاء فيه بعد حمد الله والثناءعليه:
« أمّا بعد! فان هذا الطاغية ـ يعني معاوية ـ قد فعل بنا وبشيعتنا ما قدرأيتم وعلمتهم ، وشهدتم ، وانّي أريد أن أسألكم عن شيء ، فان صدقت فصدقوني وان كذبتفكذّبوني ، اسمعوا مقالتي ، واكتبوا قولي ، ثم ارجعوا إلى أمصاركم ، وقبائلكم ، فمنأمنتم من الناس ، ووثقتم به فادعوهم إلى ما تعلمون من حقنا ، فانّي أتخوّف أن يدرسهذا الاَمر ، ويغلب ، والله متمّ نوره ولو كره الكافرون ».
ويقول سُليم بن قيس: وما ترك الحسين شيئاً مما أنزله الله فيهم من القرآن إلاّ تلاه وفسّره ، ولا شيئاًمما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أبيه وأخيه ، وفي نفسه وأهل بتيه إلاّرواه ، وفي كل ذلك يقول أصحابه: اللهم نعم قد سمعنا وشهدنا ، ويقول التابعي: اللهمّقد حدّثني به من أصدقه ، وأئتمنه من الصحابة ، فقال ( عليه السلام ) : أنشدكم اللهإلاّ حدّثتم به من تثقون به وبدينه.. »(1).
وكان هذا أوّل مؤتمر سياسي عرفهالمسلمون في ذلك الوقت ، فقد شجب فيه الامام سياسة معاوية الهادفة إلى حجب المسلمينعن أهل البيت عليهم السلام وستر فضائلهم ، وقد دعا الاِمام حضّار ذلك المؤتمر إلىإشاعة مآثرهم ، وإذاعة مناقبهم ، وما ورد في حقّهم من النبيّ ( صلى الله عليه وآله) ليعرف المسلمون النوايا الشريرة التي يبّيتها معاوية ضدّ أهل البيت الذين همالعصب في جسم الاَمة الاِسلامية.

هلاك معاوية:
واستقبل معاوية الموت ،ونفسه قلقة ومضطربة مما اقترفه من
الاَحداث الجسام التي باعدت بينه وبين الله ،فكان يقول متبرّماً: ويلي من ابن الاَدبر ـ يعني حجر بن عدي ـ ان يومي منه لطويل ،نعم ان يومه لطويل وان حسابه لعسير أمام الله لا في حجر فقط ، وانّما لدماءالمسلمين التي سفكها بغير حقّ ، فقد قتل عشرات الآلاف من المسلمين ، وأشاع فيبيوتهم الثّكل والحزن والحداد ، وهو الذي حارب دولة الاِسلام ، وأقام الدولةالاَموية التي اتخذت مال الله دولاً ، وعباد الله خولاً ، وهو الذي سلّط علىالمسلمين عصابة من أشرار خلق الله أمثال زياد بن أبيه الذي أمعن في إذلال المسلمين، وظلمهم بغير حقّ ، وهو الذي استخلف من بعده ولده يزيد صاحب الاَحداث والموبقات فيالاِسلام ، وشبيه جدّه أبي سفيان في اتجاهاته وميوله المعادية لله ولرسوله ، وهوالذي دسّ السمّ إلى ريحانة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسبطه الاِمام الزكيأبي محمد ( عليه السلام ) ، وهو الذي أعلن سبّ أهل البيت عليهم السلام على المنابر، وجعل ذلك جزءاً من حياة المسلمين العقائدية إلى غير ذلك من الموبقات التي اقترفهاوالتي تجعل حسابه شاقاً وعسيراً أمام الله.
وعلى أيّ حال فقد هلك معاوية فأهونبه هالكاً ومفقوداً فقد انكسر باب الجور ، وتضعضعت أركان الظلم ، كما أبّنه بذلكالزعيم العراقي الكبير يزيد بن مسعود النهشلي ، أما خليفته وولي عهده يزيد فلم يكنحاضراً عند وفاته ، وإنما كان مشغولاً برحلات الصيد وعربدات السكر ونغمةالعيدان.
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن حكومة معاوية التي هي أثقل كابوس مرّ علىالعالم الاِسلامي في ذلك العصر ، وقد شاهد سيّدنا أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) المآسي الرهيبة التي دهمت المسلمين في ظلال هذا الحكم



اخوكم تراب البقيع


موفقين للخير


-----------------


دمتم برعاية بقية الله الاعظم

خادم الباقرع
29-11-2008, 10:46 AM
بارك الله فيك اخي الكريم تراب البقيع على الموضوع

محـب الحسين
29-11-2008, 11:50 AM
وفقك الله
معلومات تاريخيه نافعه

انوار ولائيه
29-11-2008, 02:38 PM
مشكور للموضوع

ابوجعفرالديواني
29-11-2008, 06:53 PM
الشكر اخي نورتنه
بالفائده
انار الله دربك

تراب البقيع
29-11-2008, 09:18 PM
بارك الله فيك اخي الكريم تراب البقيع على الموضوع




بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
ولعنة الابديه على اعدائهم الى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكرك اخي خادم الباقر (ع)على مرورك
الكريم رحم الله ولديك ان شاء الله
موفقين للخير
اخوك تراب البقيع
http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-55d81067e3.gif (http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-55d81067e3.gif)
دمتم بحب الزهراء عليها السلام

تراب البقيع
29-11-2008, 09:19 PM
وفقك الله
معلومات تاريخيه نافعه


بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
ولعنة الابديه على اعدائهم الى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكرك اخي محب الحسين (ع) على مرورك
الكريم رحم الله ولديك ان شاء الله
موفقين للخير
اخوك تراب البقيع
http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-55d81067e3.gif (http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-55d81067e3.gif)
دمتم بحب الزهراء عليها السلام

تراب البقيع
29-11-2008, 09:20 PM
مشكور للموضوع


بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
ولعنة الابديه على اعدائهم الى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكرك اختي انوارولائيه على مرورك
الكريم رحم الله ولديك ان شاء الله
موفقين للخير
اخوك تراب البقيع
http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-55d81067e3.gif (http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-55d81067e3.gif)
دمتم بحب الزهراء عليها السلام

تراب البقيع
29-11-2008, 09:21 PM
الشكر اخي نورتنه
بالفائده
انار الله دربك


بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم
ولعنة الابديه على اعدائهم الى يوم الدين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اشكرك اخي ابو جعفر على مرورك
الكريم رحم الله ولديك ان شاء الله
موفقين للخير
اخوك تراب البقيع
http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-55d81067e3.gif (http://www.al3lwih.net/up//uploads/images/al3lwih.com-55d81067e3.gif)
دمتم بحب الزهراء عليها السلام