المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عذاب ثلاث سوات


نورجهان
10-03-2009, 12:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

عذاب ثلاث سنوات


هذه القصة تنقل أحداث عائلة عاشت مأساة حرب هي من وحي الخيال ولكنها قد تحدث أو قد حدثت فكل شئ ممكن الحدوث ...لأترك القراء الأعزاء يعيشون هذه الأحداث التي يرويها أحد أفراد شخصيات القصة وهو السيد محمود.
_____________________________

السيد محمود :لقد كان يوما رهيبا ، امتزجت فيه كل أنواع المشاعر من الحزن و الفرح ومن الدهشة والتوقع من القهر و الحرمان و الغيض .... في الواقع لا أستطيع أن أصف ماعشته و سمعته ... كيف أبدأ .... وأعذروني إن حدثت في روايتي قفزات لأنني لم أكن ... أعرف شئ منذ البداية لذلك كل ما كان يحدث لي عبارة عن مفاجآت غير متوقعة إطلاقا .... والآن اسمعوا .
____________________________

لقد كنت في يوم من الأيام جالس خلف مكتبي أتصفح بعض بيانات خاصة بالطلاب فأنا أدير مدرسة .. وبينما أنا منهمك إذ وقع على مسامعي همسات وأصوات إنذهال تنبعث من أفواه المدرسات الواقفات في الممر وميزت صوت الإدارية سلوى وهي تصدر أهات خافتة نعم لقد كانت أهات خافتة و كأنها كانت تخشى أ ن يسمعها أحد وما كدت أرفع رأسي حتى ظهر على عتبة الباب شاب في حوالي 29 من عمره له شعر بني يميل إلى الاصفرار وينسدل على جبينه بطريقة عشوائية وسيم الوجه أبيض البشرة ولكنه كان منهك القوى ويبدو من مظهره أنة لم يذق طعم الراحة لفترة طويلة و بدأ بالحديث.....

الشاب : السلام عليكم هل الأستاذة زينب جلال موجودة ؟
الأستاذ محمود : وعليكم السلام , نعم إنها موجودة , تفضل وسوف نستدعيها.

دخل الشاب وكان يمشى وعرجة تصحب قدمه اليسرى لقد كان يخاطبني بالعربية الفصحى مما دل على أنه ليس عربي المنشأ و ملامحه كذالك كانت توحي بأنة ليس عربي.

الأستاذ محمود: يا أستاذه سلوى , استدعي الأستاذة زينب .
كان فكري مشوشا من هذا الغريب؟ وما علاقته بالأستاذة زينب؟ وما قصة مظهره المرهق؟ من أين جاء؟ وماذا يريد؟... لقد تزاحمت كل هذه الأسئلة في عقلي وما عدت قادرا على التفكير بشكل سليم
__________________________
سلوى: زينب! الأستاذ محمود يطلبك على وجه السرعة للحظور إلى مكتبه .
زينب : ولكن لماذا؟
سلوى: لا أدري.
______________________________
بمجرد أن ظهرت الأستاذة زينب على عتبة باب الإدارة ووقع بصرها على هذا القادم حتى فتحت عينيها بشدة وشهقت شهقة شديدة مما زاد من علامات الاستفهام في رأسي ... لقد كانت تحرك شفتيها باسم ما وكأنها غير مصدقة ما ترى وأظن أنها كانت تقول ....مهدي لقد كان اسمه وتأكد لي ذالك عندما صرخت بصوت متقطع مبحوح..مه...دي...؟!
1
وأسرعت نحوه وجلست على أرضية الإدارة بقرب الكرسي الذي كان يجلس عليه هذا الغريب وطفقت تبكي بحرارة واضعة رأسها على ركبة هذا الرجل الغريب .. لم أدري كيف أتصرف في تلك اللحظة.. فالموقف يستدعي الخروج وفي ذات الوقت الفضول يكاد يقتلني يجب أن أفهم ما يحدث.. الأستاذة زينب فتاة واضحة وصريحة تعيش مع أسرتها ميسورة الحال لا يوجد في حياتها شئ غامض..فما كل هذا الغموض المفاجئ ؟! من هذا الغريب وماذا يعني لها؟!في هذه اللحظة أفقت من تفكيري وعزمت على الخروج مجبورا لأدع لهما مجال للحديث منفردين...
____________________________

رفعت زينب وجهها إلى مهدي وعينها لا تقوي على تحديد ملامح مهدي من كثرة الدموع المتزاحمة في عينيها...
زينب : أين ولدي ؟! أين مهدي وهادي؟
ومسحت عينيها لترى مهدي بوضوح .. فإذا به هو الأخر تقف الكلمات في حلقه وتنهمر الدموع بصمت على وجنتيه ... وفي أمل يأس كررت السؤال .. أين مهدي و هادي ؟
نطق مهدي وحشرجة تخرج من صوته إنهما بخير .. لقد استأجرت شقة وتركتهما فيها وجئت لأراك وأطمئنك علينا .
زينب: الآن ..بعد 3سنوات من الفراق والضياع يا مهدي ؟!
مهدي : لم يكن بيدي شئ يا زينب لقد كان رغما عني .
هزت رأسها وقالت: نعم أفهم ذلك ..أعذرني .. أريد أن أرى مهدي وهادي كيف حالهما؟
مهدي: إنهما ينتظرنك بلهفة وشوق .
نهضت زينب بحماس وأخذت بيد مهدي ليسرع بالنهوض ولكنها فجأة سمعته يصرخ متألما .
مهدي : آه ..اصبري يا زينب أنا جريح. تركت يده بسرعة
زينب :ماذا بك ؟ ماذا جرى لك؟
مهدي: لقد كنت في المعتقل .
زينب: المعتقل؟! ولكن ماذا جرى وكيف دخلت المعتقل ؟
مهدي : أولا نصل إلى الشقة ثم سأشرح لك كل شئ . حولي مساعدتي .
حاولت زينب رفع ذراع مهدي ووضعتها على كتفها ..وفتحت الباب .
وفجأة برز المدير أمامهما وقال : هل يمكنني مساعدتكما ؟! ولاإراديا وضعت كتفي تحت ذراع هذا الغريب وحملته إلى السيارة والأستاذة زينب برفقتنا وبينما نحن سائرون نحو السيارة جاء أخي وسألني : ماذا يجري ..فأجبت بسرعة : لا تقلقوا علي إن تأخرت ....ودخلت إلى سيارتي وتوجهة بها إلى الشارع الرئسي .
_________________________

وفي داخل السيارة ....
زينب :ولأن أخبرني ماذا حدث لك بعد أن سافرت.
مهدي: هل تذكرين يوم توجهنا إلى المطار.
زينب : نعم . أذكر أن جهاد نصحنا وهو يودعنا بأن نبقى في المنزل ولم يفصح عن السبب.
مهدي : لقد كان يعرف ما سيحدث .
زينب :حسننا أكمل .
مهدي : عندما وصلنا إلى مراقب الجوازات ..وأعرض عن جوازي وأخذ جواز سفرك وتفحصه وسمح لك بالمرور ثم أخذ جوازي وظل يقلبه ما يقارب الخمس الدقائق , وعندما سألته أن يسرع شرع يسألني .
مراقب الجوازات : هل هذين الطفلين ولديك؟
2



مهدي : نعم .
مراقب الجوازات : أنت موقوف عن السفر ومطلوب للسلطات .
مهدي: ولكن لماذا ماذا جرى..؟ أنا مجرد صحفي!
مراقب الجوازات: هذه الأوامر.
مهدي:حسنا دع ولدي يذهبان إلى أمهما .
مراقب الجوازات:كلا فهما أيضا ممنوعان من السفر
واحتجزت أنا والولدين مع مجموعة من المسافرين حاولت أن ألقاك وطلبت مقابلتك ولكن حرس المطار منعوني من أن أخطو خطوة واحدة نحو بوابة الخروج وبعد نصف ساعة تقريبا ظهر ضابط أمن المطار العراقي وقال لنا : أنتم موقوفون بتهمة محاولة التخريب والعنف والإرهاب في العراق ....لقد صدمت بهذا الكلام ولم أستطيع أن أناقش ذلك الضابط ...وبعد ساعة من الانتظار ظل هذا الضابط يستجوبنا واحدا تلو الأخر . وجاء دوري ......
الضابط :اسمك , عمرك , عملك , جنسيتك؟
مهدي: أسمى (مهدي محمد بيكي) عمري 26 عاما أعمل (صحفي ) وأنا إراني من شيراز.
الضابط : إلى أين وجهتك ؟ ولماذا؟
مهدي : إلى اليمن ....لأزور أهلي .
الضابط : تقول أنك شيرازي فكيف يكون أهلك في اليمن؟
مهدي: زوجتي يمنية وأنا ذاهب برفقتها لزيارة أهلها.
الضابط : زوجتك فد تم ترحيلها .. أما أنت فستبقى في ضيافتنا إلى أن يتم التأكد من سلامة أقوالك ونوايك . مهدي: وماذا عن ولدي ؟
الضابط : دعهما حيث تحب.
مهدي : حسنا ..هل يمكنني استخدام الهاتف ؟
الضابط : نعم ...لك ذلك .
اتصلت حينها بجهاد وطلبت منه أن يأخذ الولدين معه لحين عودتي ....وعندما جاء إلى المطار أنكر أني صديق له وادعى أني مجرد جار مزعج ولكنه لفعل الخير فقط ومساعدة للسلطات العراقية سيحتفظ بالولدين.... وبعد يوم قضيته في السجن ظهر ضابطا أخر ونادى بأسمى : من منكم (مهدي محمد بيكي) نهضت ظنا مني أنهم سوف يخلو سبيلي ولكن صدمة أخرى ارتج لها قلبي ... حين قال الضابط: أنت موقوف بتهمة تحيزك لصور ممنوعة النشر
مهدي: ولكن لم أصور شئ خارج عن القانون؟! لقد دخلت قانونيا وبإذن من الإذاعة والتلفزيون العراقي لنقل احتفال تكريم العلماء هذا كل شئ وهذه الصور التي بحوزتي .
الضابط : هكذا وصلتنا الأوامر وأنت محجوز إلى أن يتم النظر في أمرك.
مهدي: إذا دعوني أتصل بسفارتي لتتفاهم معكم في أمري !
الضابط : انتهى النقاش.
وأخذت إلى مخفر سجنت فيه.
زينب : ولكن لماذا.. لم يكن هناك أي عداء بين إيران و العراق !
مهدي: لم يكن هناك أي عداء بين إيران و العراق في تلك الفترة ولكن كان هناك عداء بين العراق وأمريكا .
زينب :وما شأن الرعايا الإرانين بالعداء بين أمريكا والعراق ؟
مهدي : أن السلطات العراقية تشك في كل غريب له عداءات قديمة أو حديثة لذلك أصدر صدام حسين قرارات باعتقال جميع الأجانب من أي جنسية أجنبية.
_____________________________

الأستاذ محمود: لقد كان حوارهما يدور وكان رأسي يدور معهما . 3
لقد كان كلاما ليس بعيدا عن الواقع ولا المنطق ولكن ليس في واقعنا نحن أو على الأقل ليس للأستاذة زينب.
_______________________________
مهدي: توقف هنا يا سيدي ...لقد وصلنا .
الأستاذ محمود: حسنا هل تريدان أي مساعدة؟
زينب : يا أستاذ محمود أرجو منك مساعدة مهدي لأن ساقيه مصابتان.
الأستاذ محمود: على الرحب والسعة.
مهدي : شكرا جزيلا.
الأستاذ محمود : وصلنا إلى أحد الشقق في ذالك المبنى الذي يطل على شارع التحرير وضرب مهدي الجرس .... وبعد دقائق فتح الباب وطل من عتبته طفل في الــ11 من العمر . وبكل حنان الدنيا وبكل الشوق والحنين صرخت زينب واحتضنت الطفل بحرارة وهي تهتف باسمه ...مهدي .....مهدي حبيب قلبي روحي كيف حالك ...بادلها الطفل ذلك الشعور الجارف والمتدفق وصرخ والدموع تقفز من عينية .
مهدي: أمي ....أمي ...لقد اشتقت لك كثيرا .
زينب : يا روحي كيف حالك ..كيف صحتك . ...
وضلت تقبله في كل جزء من وجهه بكل ما تملك من حب وأمومة . تارة تحتضنه بقوة , وتارة تبعده عن صدرها لتتأمله..هكذا لبرهة وفجأة وقع بصرها على ذراعه ولكنها كانت ذراع بدون كف , وحينها صرخت بصوت عالي .. ورفعت ذراعه نحوها تتأملها بحرقة وقهر .
زينب : ماذا بك ماذا جرى لك يا ولدي ؟!
اغرورقت عينا مهدي بالدموع : لقد أصبت في بيتنا يا أمي لقد قطعت يدي في العراق .
زينب: قطع الله قلوبهم...وأوقف الدماء في عروقهم ...
وفي هذه اللحظة خطر الهادي بفكرها
زينب : أين الهادي ؟ يا صغيري.
مهدي : سوف أذهب لإحضاره حالا . يا أمي .
الأب مهدي : لندخل ....تفضل يا أستاذ .
الأستاذ محمود: شكرا جزيلا.
ودخلنا جميعا إلى الشقة .
ومن إحدى الغرف طل علينا مهدي (الطفل ) برفقته أخاه الصغير هادي ولكنه كان يتخبط فقد كان أعمى إنه فاقد لنعمة البصر ولكن ليس منذ ولادته فشكله يوحي أنه تعرض لحادث شوه منطقة العينين...لقد كانت فاجعة حقا للأم المسكينة لم تتحمل الصدمة لقد خرت من فورها مغشيا علنها .. حس الطفل بسقوط أمه فصرخ: أمي ...أمي....ماذا بك أين أنت أمي !
مهدي : لاتخف يا ولدي لقد أغمي عليها فرحا برؤيتك . أبتسم هادي بهدوء.
_______________________________

وجدت نفسي أسأل وبدون مقدمات وعيني على وجه الطفل المنكوب .
الأستاذ محمود: ولكن ماذا حدث له؟
مهدي: لقد أصيب بشظايا أثناء القصف .
الأستاذ محمود : لاحول ولاقوة إلا بالله .
وبعد أن مرت بضع دقائق....خرج مهدي من عند زينب وطلب مني الجلوس ...لأنه يحتاج لمن يخاطب , ورحبت بالفكرة.
__________________________

مهدي : لا أدري كيف أشكرك يا سيدي . 4
الأستاذ محمود: لاشكر على واجب .. يا أخ مهدي أعذرني إن كنت فضوليا ولكن من خلال ما سمعتك تتكلم مع الأستاذة زينب فهمت أنك من إيران ..ولكن ...أنا ....لا ...
مهدي : لا تحرج مني أرجوك اسأل .
الأستاذ محمود: لقد أحسست ببلاهة سؤالي ..ولكن لم أصدق ما يجري أمام عيني وسألت : ما علاقتك بالأستاذة زينب ؟!
مهدي: هي زوجتي.!
الأستاذ محمود: أنا أعرف ..أعني لقد سمعت ذلك ولكن كيف ؟ أعني إنها طوال عملها في المدرسة لم يكن أحد يشك في أنها ليست متزوجة . حتى أنها لاتحمل خاتما يدل على ذلك.
مهدي : لاأحد يعلم ما الظروف القاسية التي مرت بها أثناء عودتها من العراق بدون ولديها . مما جعلها تتصرف بهذه الطريقة....
____________________________

سكت بعدها أفكر ...لقد كان السيد مهدي يخاطبني ...ولكنني كنت في عالم أخر كنت أسترجع ما حدث منذ أن طل هذا الغريب إلى أن أغمى على الأستاذة زينب ...لا أكذبكم لقد أحسست بغصة في حلقي ودموع تتجمع في عيني....فحاولت الخروج من دائرة التفكير بسؤال
الأستاذ محمود: عذرا يا سيد مهدي ..ولكنني أتسأل كيف تعرفت على الأستاذة زينب؟
مهدي : لقد كان والدها سفيرا في إيران وكانت هي طالبة في الجامعة ، لقد كان والدي دبلوماسيا يعمل برفقة والدها .. تعرفت عائلتي بعائلتها وتوطدت العلاقة عائليا وطلبت يدها للزواج .
الأستاذ محمود: وكيف انتقلتم إلى العراق ؟!
مهدي: لقد استمرينا بعد زواجنا في إيران لمدة سنتان حتى حصلت على وظيفة صحفي في الإذاعة الإيرانية .. وبعد السنتين تمت فترة عمل والد زوجتي , فتوجهت مع أسرة زوجتي إلى اليمن ...وفي أحد الأيام طلب المركز الرئيسي في إيران إرسال أحد الصحفيين في إطار تحسين العلاقات بين الدولتين لنقل مراسيم احتفالات تكريم العلماء في العراق ..ووقع اختيار مدير مكتبي علي وهذا سبب انتقالنا إلى العراق ..لقد أستمر الأعداد لهذا الاحتفال ما يقارب الأربعة أشهر...
_______________________________

الأستاذ محمود: بعد أن غادرت منزل السيد مهدي أحسست أني في حلم ..لا لا بل كابوس خاصة عندما رأيت عيني الطفل الصغير هادي ...عدت إلى المنزل حوالي الساعة الخامسة ..دخلت فيها إلى شقتي وعقلي منهمك كليا .... أذكر أن زوجتي كانت تكلمني ولكنني لم أكن أعي ما تقول ..وتابعت طريقي إلى مكتبي وهي تلحق بي وتتابع كلامها ..أقفلت الباب في وجهها ..لم أكن أقصد ..ولكن هذا ما حدث ..جلست بهدوء صامتا مهموما حزينا ..لا أدري كيف أصف حالتي ومشاعري ...... دفنت وجهي بين كفي وطفقت أبكي بحرقة وحرارة لم أتستطيع أن أتوقف ..كانت غصة تقف في حلقي تمنعني من الصراخ.
__________________________________

توجهت زوجتي حينها إلى الشقة المقابلة غاضبة ومستغربة ...لقد كانت أول مرة أعاملها بهذا الأسلوب...وطرقت بابها ليفتح لها أخي الأكبر...
سليم : ماذا بك يا حنان ؟
حنان بغضب : أين ذهب محمود اليوم؟
سليم : بالتحديد لا أدري , ولكن كان برفقة رجل غريب وإحدى المدرسات , ولكن لماذا ؟
حنان : منذ أن عاد وهو في حالة غريبة.
سليم: اليوم هوغريب ..لقد جاء رجل غريب إلى المدرسة وقالت لي الأستاذة سلوى أن له علاقة بهذه الأستاذة 5
حنان : هل يعني هذا أن يتجاهلني وأنا أكلمه .. لقد أغلق الباب في وجهي حتى دون أن يقرئني السلام .
سليم : هذا غريب! إن هذا الموضوع يثير الفضول سأتكلم معه فلا تغضبي وسأعرف منه ماذا جرى وأين كان .
_________________________________
سليم : محمود ...محمود ....أفتح الباب.
فتح محمود الباب لقد كانت الستائر مسدلة دخل سليم إلى الغرفة وأضاء مصباحها فإذابة يرى محمود يبكي بصمت ...نعم دموع على وجه محمود .!
سليم : صلي على محمد وآله ماذا بك ؟ ماذا جرى ؟ منذ أن خرجت اليوم وحالتك لاترضي أحدا .
محمود: لا تقلق أنا بخير .
سليم : كيف لا أقلق وأنت تبكي أين ذهبت هذا الصباح وما قصة هذا الغريب الذي ظهر في المدرسة فجأة .!
محمود: آه......آه يا سليم لو تعلم ماذا رأيت وسمعت كل صور الرعب والخوف ..هل تعلم يا سليم نحن لا نعيش الواقع.
سليم : ماذا بك يا محمود ..أنا لا أفهم شئ مما تقول ؟!
محمود: اجلس يا سليم .. اجلس يا سليم ...اجلس وأسمع ما رأيت وسمعت
__________________________

وفي مكان آخر ومشاعر أخرى
نهضت زينب من إغمائها مفزوعة وهي تصرخ فأسرع مهدي الصغير إليها مهدأ ..ودخل مهدي إلي زوجته برفقة ولدهما هادي ...
مهدي : زينب هل أنت بخير ؟
زينب: أين الهادي ؟ أين ابني؟
هادي : أمي أنا هنا يا أمي.
توجهت زينب بكل وجدانها نحو ولدها الضرير ..و نهضت من فوق السرير احتضنت طفلها بشدة لقد كانت عيناه مشوهتين تشوه تام مما يعني أنه لاأمل مطلقا في الشفاء مما زادها حرقة وبكاء وقهرا ...
زينب : ولدي يا نور عيني وقلبي يا مهجتي وروحي ..حطم الله أيديهم وأعمى أبصارهم .
مهدي : اهدئي يا زينب ..كفى
زينب : هذا كثير ...كثير جدا يا مهدي ابني لن يرى النور بعد اليوم .
انهمرت دموع مهدي بصمت , ولم يدري ما يجيب ..نعم هادي لن يري ضوء الشمس من جديد .
وفجأة أحست زينب بقطرات تبلل كتفها فإذا بهادي يبكي بهدوء فأبعدت زينب ولدها من صدرها .
هادي : أمي ..ما تزال الدموع تخرج من عيني وهذا يكفي أنهما يعبران عن مشاعري ولو بالدموع ..
عادت زينب تضم طفلها إلى صدرها .
مهدي : اصبري يا زينب فلن بكون محنتنا أقسى من محنة أهل البيت عليهم السلام.
زينب : أنت محق .. إلى الله المشتكى و إياه أسأل الرحمة بنا .
وبعد أن هدأت مشاعر هذه الأسرة البائسة .. توجهت زينب لتصنع كوبين من الشاي لها ولمهدي وجلس كليهما في الردهة.
زينب : والآن أخبرني بكل شئ لا أعرفه .
مهدي : حسنا .. سأقول لك ما حدث وبالتفصيل . لقد أمر صدام حسين باعتقال الأجانب الذين لدولهم عداءات حديثة أو قديمة مع العراق ولسوء الحظ كنت من بين الأجانب الذين تم اعتقالهم.
زينب : وأين بقي الهادي والمهدي أثناء اعتقالك؟ 6
مهدي: هل تذكرين جهاد , جارنا في العراق .
زينب : نعم ماذا به؟
مهدي: لقد خدمني خدمة لن أنساها طوال حياتي .. لقد عرض علي الاعتناء بالولدين أثناء فترة اعتقالي.
زينب : وكيف تمت معاملتك ؟
مهدي: في نظام صدام لا يخفى على أحد كيف تكون معاملة المعتقلين . لقد أوسعوني ضربا وعذبت بوسائل شتى ولكن ليس كبعض المعتقلين الذين تعرضوا للتنكيل .
زينب : ماذا فعلوا بك أخبرني؟!
مهدي: لقد ركز المسئول عن التعذيب على ساقي مما أضعفها
زينب : ولكن كيف؟
مهدي : أحيانا يقوم بضربي بهراوة خشنة فيها الكثير من النتؤات وأحينا يضعها في ماء مثلج جدا حتى أني أحيانا لا أحس بها .. وأحيانا كان يضعها في مياه ساخنة .
صمت لبرهة وتحشرج صوته وانسابت الدموع من عينية ..
مهدي: لقد كنت أصرخ .. أصرخ يا زينب مثل الثكالا ولكن لارحمة في قلوبهم كنت لا أصدق أنني أعامل من قبل بشر وليس أي بشر بل مسلمون .. يعلمون بالجنة والنار ..آه يا زينب لقد أذللت, أهنت .. لقد جرحت كرمتي .. ما أصعب قهر الرجال يا زينب.
ودفن وجهه بين كفيه معرضا عن الكلام وضل ينتحب .. لقد كان ينتحب بشدة مثل الثكالا ..
زينب : كفى يا مهدي كفى بالله عليك لا تبك ...لا... لم تتمالك زينب نفسها وجلست بجواره باكية لا تدري كيف تواسيه .
هادي: أبي أري أمي جراحك .
زينب: أرني جراحك يا مهدي .
مهدي : لا تهتمي لقد زال ألمها, أحس فقد بآلام شديدة في قدمي, وأشعر بأنني سأفقدها قريبا.
حنت زينب بيدها على كتفه مهدئة من روعة قائلة : لا تقل هذا فأنت أساس هذا المنزل ستعالج وتكون في أحسن حال .. ولكن أخبرني لماذا عذبوك أصلا ولا توجد لديهم اتهامات صريحة وواضحة ؟
مهدي : صدام حسين لا يحتاج لأدلة وهذا معروف للجميع .. ولم أعاقب لأنني متهم ولكنني عذبت لأعترف بأني من عناصر التخريب في العراق ..ولم أفهم ذلك .
زينب : ولكن لماذا ؟
مهدي : لقد جن جنون صدام .. فأصدر قرارات عشوائية باعتقال أي غريب داخل البلاد وإن كان دبلوماسيا .
زينب: وكيف خرجت؟
مهدي : بعد أن نفذت أمريكا تهديداتها بإرسال قوات عسكرية إلى العراق أصبح الجميع يتصرف بعشوائية كل واحد يتصرف من تلقاء نفسه ..في ذلك اليوم تقدم مدير المخفر وفتح أبواب جميع السجون ..وخرجنا جميعا غير مصدقين , جميع المذنبين والأبرياء عراقيون و أجانب.
زينب : وبعد ماذا فعلت ؟ إلى أين توجهت ؟
مهدي : توجهت على الفور إلى منزل جهاد فوجدت بيته وبيوت أخرى كومة من الرمال والصخور المحطمة .. لم أتمالك نفسي فلقد كانت أحفر بين الأنقاظ على أجد ما يدلني إلى طريق ولدي... وبينما أنا كذلك ظهرت إمراءة وقالت : لا تبحث كل من كان في هذا المنزل نقل إلى المشفى في المنطقة الثالثة . فأسرعت مهرولا إلى المشفى لأبحث عن ولدي و صديقي لقد كانت المروحيات الأمريكية تخترق صمت مدينة بغداد الحرة ووصلت أخيرا إلى المشفى وكان مكتض بالجرحا والقتلى بسبب القصف على المدينة ..كنت أبحث بين الأحياء عن صورة أعرفها عن أحد ولادي أو عن صديقي وجاري .. فوقع بصري على هادي ووجهه مغرقا بالدماء فأسرعت إليه واحتضنته .. 7
وفي هذه اللحظة صمت مهدي ليسترجع ما حدث ويستجمع قواه ليسرد الأحداث لزوجته الغائبة , وتابع بصوت متهدج : سألت هادي , أين مهدي وأين العم جهاد.. ؟ ولكن هادي لم يجيب وإنما ظل يسأل ..
هادي: هل أنت أبي ..؟ هل أنت أبي ..؟
انتبهت حينها أن هادي بلا عينين .. بلا عينين يا زينب ولكنني تمالكت نفسي واحتظنته أكثر .
مهدي : نعم يا حبيبي ..نعم أنا أبوك . لاتخف .. ستكون بخير.
هادي: أنا خائف .. أنا لا أراك .. وجهي يؤلمني
.مهدي: وظل ينتحب طويلا ولكنه لم يبكي بدموع وإنما بدم فقلت له : لا تقلق الآن نذهب إلى الطبيب وسترتاح لا تخف كن رجلا .
هادي: حسنا .
مهدي: ولكنه ظل ينتحب .. حملته على ذراعي وضللت أبحث عن مهدي وجهاد وفجأة وقع بصري على جثة شخص أعرفه .. أعرفه جدا إنه هو لقد كان جهاد ! ..أسرعت إليه وحركته لقد كان جسده باردا جدا .فصرخت كالمجنون : جهاد ..! جهاد..جهاااااااااد.استيقظ ...؟!
لم يكن في جسده شئ سليم سوى وجهه الطيب .. لقد ذهب إلى العالم الآخر العالم الأبدي ..لقد استشهد وتركني وحدي .. أعاني اللوعة والخوف أخشى أني لن أري مهدي أيضا . فأسرعت كالمجنون إلى الممرات ابحث عن ولدي .. وأثناء مروري من أحد الممرات رأيت مهدي مسجى على سرير وكان ساكنا لا يبدي أية حركة فوقع قلبي بين قدمي ظنا أنه مات فتقدمت نحوه فلاحظت إحدى الممرضات حالتي فأسرعت نحوي قائلة : لاتخف هو حي ..لكنة مخدر ..ومع كلماتها عادت روحي إلى جسدي, وتحولت إليها أسألها ما حالته ؟
قالت: لقد فقد دما كثيرا بسبب انقطاع كفه عن ذراعه بعد انتزاع شظية ..لقد حمى هذا الطفل والطفل الذي بين ذراعيك رجل وكأنه كان يحاول أن يحميهما بجسده لقد مات الرجل , وهذه حالة الطفلين كما ترى .. حينها أخذت هادي من بين ذراعي وتوجهت به إلى غرفة العمليات فانتظرت حتى انتهت عملية نزع الشظايا لقد استغرق وقتا طويلا جدا , وبقيت في بغداد ما يقارب الشهرين حتى هدأ الولدين وتعودا على الوضع الجديد , ثم توجهت بهما إلى خارج بغداد قاصدا سوريا, أنها الطريق الوحيد المفتوح أمامنا للخروج من بغداد لقد قطعنا مسافة طويلة سيرا على الأقدام .. إلى أن وصلنا إلى منطقة مقفرة خالية من السكان بل حتى خالية من المباني ...
ويا ليتني ما دخلتها .
زينب: لماذا ؟!
مهدي : لقد كانت مركز للقوات الأمريكية , ووقعت بين أيديهم وكأنهم كانوا في انتظاري . تم الإمساك بي أنا والطفلين , وأخذنا إلى مسؤولهم .
__________________________________

المسؤول الأمريكي : من أنت ؟ وماذا تفعل هنا ؟
مهدي : أنا عابر سبيل. أمشي
_________________________________

مهدي مخاطبا زينب : لم يكن ذلك المغفل يعلم أني لا أجيد اللغة الإنجليزية ..ظل يتكلم ويتهكم وطلق أوامره لعساكره. المهم أن أخر المطاف كان في زنزانة صغيرة حوتني وولدي إلى أن تم إرسال مترجم عربي وهو إنجليزي الأصل .
المترجم : ما أسم؟ وماذا تفعل هنا ؟
مهدي : اسمي مهدي . وأنا عابر سبيل .
المترجم : مسؤول السجن يتهمك بالتجسس لحساب السلطات العراقية .
مهدي : لا .. أنا لست جاسوسا أنا لست عربيا أنا فارسي الأصل . 8
المترجم متوجها بحديثة نحو العسكريين الأمريكيين .. لم أفهم ما يقول ولكنني أحسست بالخطر خاصة عندما تقدم ذلك الجندي حاملا ولدي رغما عني وأخرجهما من الزنزانة, كنت أصرخ : أترك ولدي , أين ستذهب بهما إنهما معاقين ,أعد ولدي .
ولكنه لم يتوقف بل تابع سيره إلى الخارج و الطفلين يبكيان من الخوف , وفي ذات اللحظة توجه اثنين من الجنود وقيداني إلى حائط أسمنتي . وبدأت رحلة عذاب جديدة .
حمل أحد الجنديين مخرز صغير , والمترجم يقوم بعملية الاتصال بيني و بينهم .
___________________________

المترجم : اعترف من أرسلك و ما خطط السلطات العراقية ؟
مهدي : أنا لا أعرف أنا كنت سجين لديهم فكيف أعرف .
المترجم : إذا تحمل أصناف العذاب و عندها ستخرج اعترافاتك بسهولة ويسر.
مهدي: ولكنني أقول الحقيقة ,لماذا لا تصدقني .!
المترجم : لأنك مسلم يجب أن تعذب.
وعندها بدأ العذاب يا زينب.
______________________________-

زينب: إذا اعتقلك الأمريكيين.
مهدي : وكان هذا أسوء ما رأيت ...لقد استخدم المخرز كوسيلة بسيطة لنزع لاعترافات فغرس بين أصابعي, ومع كل وخزة تنطلق من حنجرتي صرخة موت . وأحيانا كنت أفقد الوعي من شدة الألم . حتى مرر المخرز على جميع أصابع يدي وعندما انتهى تحول إلى قدمي فلا حظ أن هناك أثار جروح وكدمات فطلب طبيب المعسكر فكشف على جسدي كشفا دقيقا
زينب: الحمد لله أنهم عرفوا الحقيقة .
مهدي: كنت أظن ذلك ولكنهم وبمجرد معرفتهم أني تعرضت لتعذيب سابق كثفوا تعذيب الأجزاء المنهكة من جسدي .
زينب: ماذا ؟! هذا غير ممكن ..أإلى هذا الحد من الوحشية !
مهدي: وأكثر . لقد أصبحت نزيلا عندهم لمدة عام تقريبا أعاني ويلات الفراق والعذاب ولكن لطف الله بي لقد نسوا أمري بسبب أعمال المقاومة العراقية التي أفقدتهم السيطرة في ذلك المعسكر , استولت المقاومة على ذلك المعسكر وحررت السجناء ولن تصدقي ما حدث.
زينب : ماذا حدث؟
مهدي: مجموعة من الجنود الأمريكيين يفرون من العراق خوفا من الحرب , إنهم لا يستطيعوا الوقوف أمام رجال المقاومة . ومجموعة أخرى تقتل نفسها خوف من العودة إلى أمريكا لأنهم سيقتلون بسبب الخيانة والتولي , وبعظهم كان يجري كالمجنون متلفتا خلفه متوقعا ظهور أحد رجال المقاومة , لم يعلموا أن رجال المقومة يأتون من الأمام وليس فقط رجال المقاومة بل ونسائها أيضا .
زينب: وبعد ! كيف التقيت بالهادي و المهدي ؟
مهدي : عندما أخذهما الجندي توجه بهما إلى منزل أحد العملاء الخونة وطلب منه رعايتهما إلى أن يتم طلبهما .
الطفل مهدي: نعم أذكر ذلك اليوم .. لقد سمعت الرجل الذي كان يهتم بنا يقول ..سوف يستخدمون هذين الطفلين كوسيلة للضغط على أبيهما . ولكن الله أنقذنا منهم بعد أن أستول رجال المقاومة على المنطقة .
زينب: وبعد ماذا حدث؟
مهدي:مشينا مسافة طويلة حتى وصلنا إلى الطريق المؤدي إلى سوريا وكانت هناك جموع المهاجرين, فصعدت مع الصاعدين على إحدى الحافلات المكتضة بالنساء والجرحى والأطفال9 وعندما وصلنا إلى سوريا توجهت مباشرة إلى السفارة الإيرانية وشرحت لهم كل ما جرى لي وكان هناك الكثير من الإيرانيين الذين ذاقوا ويلات الحرب البغيضة .
زينب: وبعد كيف وصلت إلى هنا .
مهدي: لقد أعد المسؤولون أوراقي للعودة إلى إيران , وعند وصولي إلى هناك توجهوا بي إلى المشفى مباشرة أنا والأطفال وتم الاتصال بوالدي . وبقيت لمدة عام أخر أتلقى فيه علاجا لجسدي , وعلاج لنفسي المتدهورة والطفلين .إلى أن شفيت.
زينب: لقد عانيتم الكثير , ليتني كنت معكم لأواسيكم .
مهدي: وأنت أيضا يا زينب عانيت الفراق , والضياع بدوننا
زينب : حسبي الله ونعم الوكيل , اللهم أنصر الفدائيين العرب و المسلمين في كل بقاع الأرض وكل مظلوم وغريب , اللهم أنجدهم من أعدائهم .
______________________________-

مهدي: وأنت ماذا حدث لك بعد مغادرة المطار ؟
زينب: مقارنة بما رويته لي لم يحدث لي أي شئ.
مهدي: ولكنني أود أن أعرف !
زينب: لقد أجبرت في صالة المغادرة على الرحيل ومنعوا عودتي إليك , وعندما وصلت إلى اليمن, وضعت جوازي وجميع أوراقي , ولم أتمكن من كبح مشاعري فتركت لدموعي العنان واسترسلت في البكاء.والنحيب.
مراقب الجوازات: يا سيدتي ...خذي أوراقك ...ماذا جرى لك ؟
زينب: لاشيء
وغادرت صالة الدخول , وفي ساحة المطار الداخلية كان الجميع ينتظر , وبمجرد أن وقع بصري على والدي أسرعت نحوه صارخة : أبي أنجدني ..أنجدني لقد فرقوا بيني وبين روحي , لقد أجبروني على الرحيل دون ولدي وزوجي آاااااااااه
ولكن ولدي لم يفهم شئ وذهل من منظري وأخذ بيدي إلى السيارة كانت والدتي تنتظر ظهور مهدي وهادي ولكن بعد أن شاهدت حالتي ألغت فكرة سؤالي عنهما , ولأنها لم تفهم ماجرى ظنت أنك أخذت الولدين في خلاف بيننا, وفي السيارة .
أمي : لا تقلقي سوف نأخذهم منة بالقوة , من يظن نفسه حتى يأخذهما بغير حق .
أبي : أسكت يا عفاف!
أمي : الأتسمع لقد فرق بينها وبين ولديها بأي حق ؟
أبي : نحن لم نفهم الأمر بعد من زينب حتى نحكم!
ووصلنا إلى المنزل . وهناك.
أبي:أدخلي يا ابنتي . يا هناء كوب حليب بالعسل بسرعة, لم تذق أسرتي لذة لقاء أبنتها المسافرة
هناء: سلامتك يا زينب إهدائي كل شئ سيكون على ما يرام .
واصبح كل فرد في أسرتي يحاول مواساتي ويهدئ من روعي ويؤكد أنه سوء فهم سيزول إنشاء الله .
__________________________________

ونمت في ذلك اليوم بمهدئ وصفه لي الطبيب , وفي اليوم التالي دخل علي أبي وأنا جالسة أذرف دموع الحسرة والفراق .
أبي : كيف حال أبنتي الغالية؟
زينب: لا أدري ماذا أقول ولكنني لم أعد أفهم شئ يأبي
أبي: هل يمكن أن أفهم ماذا جرى ؟
وسرت كل شئ مر بي إلى أن وصلت . 10
أبي : ولكن لماذا ؟
زينب: أنا لا أفهم وإلى الآن لم أفهم وهذا ما سيفقدني صوابي !
توجه أبي حينها إلى الهاتف وأتصل بأبويك , ودار ينهما حوار كانت نهايته أن الجميع لا يدري ماذا يجري حينها .
وبعد ثلاثة أيام ,, رن جرس هاتفنا وردت هناء على الهاتف وكان أباك
السيد محمد : السلام عليكم ..أين زينب؟
هناء: لحظة يا عماه .......زينب أسرعي والد مهدي ينتظرك على الهاتف
أسرعت وأجبته زينب: نعم يا عماه هل من أخبار عن مهدي والأولاد؟
السيد محمد: لاأحد يعلم أين هم حتى أن جميع معارفي في العراق يؤكدون أنهم لا يعلمون أين هم ,, الظروف هناك سيئة جدا .
زينب : إذا ما العمل ؟
السيد محمد : لا أدري علينا بالتضرع والدعاء إلى الله أن يعيدهم لنا سالمين
وسقطت مغشيا علي.
___________________________

أسعفت إلى المشفى ذلك اليوم , وفحصني الطبيب
الطبيب : إنها مصابة بانهيار عصبي , وفقدان جزئي للذاكرة
أبي: وما العمل ؟
الطبيب: يبدو أنها تعرضت لصدمة قاسية , يجب أن تنسى كل متعلقات الصدمة.
أبي: ولكنها ...كيف .... كيف.أنسيها أسرتها ؟!
الطبيب: يجب فعل ذلك انزع من إصبعها خاتمها ,أبعد كل الصور الموجودة في المنزل إلى أن تهدأ وتعود إلى حالتها .
_________________________________________

وفعلا حدث ذلك وحاولت النسيان ولكن كانت صوركم تزاحم أفكاري في نومي ويقظتي , أستشار أبي الطبيب فنصحه بأن يشغل وقتي وأقترح أبي أن أعمل كمدرسة محاولة أن أشغل وقتي بطلابها ومشاكلها .
مهدي: ألم تفصحي يوما عن مشاعرك لأحد ما.
زينب:لم أجرؤ أن أذكر مأساتي ,لأني لن أهدأ وسأعود لحالتي المرضية , ولكن وبعد 3 سنوات من اليأس والقهر من المجهول تظهر أمامي وبكل بساطة ....كم أنا مسرورة .
__________________________________

مهدي (الطفل ): أبي أروي لأمي عندما دخلت مشفى شيراز .
زينب : نعم لقد قلت أنك أستمريت لفترة تتلقى العلاج كيف كانت حالتك؟
مهدي: عندما وصلت إلى أيران كانت حالتي مزرية جدا وأسعفت من المطار إلى المشفى مباشرتا , وهناك خضعت لجدول علاجي جسدي ونفسي , وبعد أن شفيت نسبيا من جراحي كثف الأطباء في علاجي النفسي لأنني أصبت بصدمات نفسية قاسية خصوصا بعد المشاهد التي رأيتها في السجون , ومنظر جهاد إلى اليوم لا يفارقني ...هل تعلمي لم ألتقي أهلي إلا بعد أسبوعين من العلاج وعندها بدأ يسألني الطبيب : ماذا حدث لك في العراق؟
وكان ردي عبارة عن صراخ , ومن ثم يهدئني إلى أن طل أبي علي فأسرعت أرتمي بين ذراعيه ,صارخا : أين أنت , تركتني وحيدا ,أين كنت .فأو ماء الطبيب إلى أبي أن يسألني عما جرى ليتمكن الطبيب من علاجي .
فسألني والدي بعد أن هدأ من روعي :ماذا حدث في العراق ؟ 11
فرويت كل ما جرى لي وللولدين.
__________________________________-

زينب : ومهدي , و هادي , ماذا حل بهما؟
هادي: أنا أخبرك يا أمي لقد حملتني إمراءة طيبة في مطار شيراز وطلبت مني أن أخبرها عن اسمي وما جرى فأخبرتها بكل شئ لقد كانت حنونة جدا يا أمي ثم ذهبنا إلى بيت جدي .
مهدي(الطفل) : لقد كانت العمة( فائزة) يا أمي.
هادي : ولكنها قالت أنا صديقة أمك.
مهدي : لقد أخبرها الطبيب أن تقول هذا .
هادي : لقد خدعتني إذا لن أكلمها عندما أذهب إلى إيران
ضحكت حزينة بدت من الجميع وكل منهم ينظر إلى الأخر بكل حنين ومحبة وشوق.
___________________________________

وفي منزل الأستاذ محمود و حوالي الساعة التاسعة , خرج سليم ووجهه يعكس كل صور الحزن والألم .
حنان : ماذا به يا سليم ؟
سليم : حنان إن محمود بحاجة إلى الراحة وبعد قليل سنجتمع و نتكلم , وبعد بضع ساعات , اجتمع محمود وأفراد أسرته المكونة من حنان وسليم وابن الأستاذ محمود البالغ من العمر 14 عاما
لقد مررت اليوم بقصة غريبة جدا , وأريد أن تقترحوا علي ما أستطيع تقديمه , فأنا أحس بأني مسؤول عن ما رأيت وسمعت .
حنان : احكي لنا عن هذه القصة التي قلبت كيانك بهذه الطريقة .
وشرع محمود في رواية القصة ,,,,,,,,وفي نهاية القصة بكت حنان متأثرة لما سمعت
أما أبن الأستاذ محمود فد أطلق للسانه العنان سبا وشتما للغزاة المحتلين.
حنان : أنا أقترح أن نقدم لهم مساعدة معنوية لرفع معنوياتهم .
سليم : وأنا أقترح أن نقوم بمواساتهم بطرق مختلفة .
ابن الأستاذ محمود : وأنا أظن بأننا من يحتاج إليهم وليسوا هم , فما رأيكم أن ندعوهم ليلقوا بقصتهم على الطلاب لتزداد فيهم روح المقاومة ضد العدو والثبات على المبدأ وحماية الدين و العقيدة.
محمود : مقترحا رائع يا بني , لنعد لذلك.
__________________________________

وبعد يومين من غيبة الأستاذة زينب .
جاءت إلى المدرسة منذ الصباح الباكر , وتجمعت كل المدرسات حولها إحدى المدرسات : سلامتك يا زينب , ماذا بك ؟
واحدة أخرى: أهلا كيف حالك يا زينب ؟
وخرجت سلوى من خلف مكتبها لتعرف ما جرى و من يكون ذلك الغريب .
انتبه الأستاذ محمود للضجيج الذي يصدر من المدرسات وإذا بالأستاذة زينب تدلف إلى مكتبه .
محمود : مرحبا بالأستاذة زينب كيف حالك اليوم؟
زينب: الحمد لله .
محمود :تفضلي ...تفضلي .
_______________________________________12


تبادلت المدرسات نظرات الاستغراب للترحيب الذي نالته رفيقة العمل الغائبة , وفي مكتب المدير.
محمود: أستاذة زينب أرغب في أن يسمع الطلاب قصتكم لدعمهم وطنيا ودينيا و أخلاقيا .
زينب : بكل سرور يا أستاذ.
محمود: أنت أذا مدعوة مع جميع أفراد أسرتك يوم غدا إنشاء الله .
زينب : بأذن الله.
______________________________

وفي اليوم التالي :
محمود : سلوى ابلغي جميع المدرسين والمدرسات أن الحصص الأولى ستكون في ساحة المدرسة.
سلوى : ولكن لماذا يا أستاذ ؟
محمود: نفذي وستعرفين لاحقا يجب أن يتواجد جميع المدرسين أمام الصفوف .
سلوى : حاضر يا أستاذ
وأثناء طابور الصباح ,أخذ الأستاذ محمود مكبر الصوت . قائلا : بسم الله الرحمن الرحيم , اليوم سنستمع إلى ضيوف حلوا علينا ليعلمونا جميعا درسا في (الحب).
تلفت الجميع إلى بعضهم البعض مستغربين ومتمتمين ....الحب .؟!
تابع الأستاذ محمود : نعم حب الوطن و العقيدة , ستسمعون واقع يعيشه الكثير من البشر في العديد من الأوطان المحتلة فسمعوا و تعلموا .
______________________________

وبعد أن أنهى السيد مهدي و عائلته سرد قصتهم و ما تعلموه قام بعض المدرسين و المدرسات و الطلبة بإلقاء الأسئلة عليهم .
أحد المدرسين : الأستاذة زينب ماذا تخططين للمستقبل بعد هذه التجربة؟
زينب : سأتابع طريق التوعية للجيل القادم .
طالب: يا سيد مهدي ما هو مشروعك في المستقبل ؟
مهدي : سأنخرط في طريق الجهاد و المقاومة وسأنضم إلى حركات التحرير الإسلامية . في جنوب لبنان.
مدرسة : سؤالي إلى الطفلين هادي ومهدي ماذا تحبان أن تكونا في المستقبل ؟
أجاب الطفلين في وقت واحد مجاهدين .
تابع مهدي (الطفل ) : بالصوت والكلمة والفكر و السلاح.
مدرس: يا سيد مهدي لماذا حددت انضمامك لحركة المقاومة اللبنانية مع أن حركات المقاومة في العراق وفلسطين تحتاج إلى من يدعمها .!
مهدي: الوصول إلى لبنان سهل , ولكن الحدود العراقية والفلسطينية ملغمة بجنود حاقدين أمريكيين وإسرائيليين وسنصل من كل مكان تشع فيه كلمة الحق والمقاومة ضد الباغي والمحتل المشؤوم إن شاء الله , فقد ادعوا لنا بالنصر في صلواتكم وناجوا إله العالمين في خلواتكم لينصرنا الله بدعائكم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وانتهى ذلك اليوم وكل من حضر يعاهد نفسه بالدعاء والنصرة للمظلومين .
أما السيد مهدي وأسرته البسيطة ساروا إلى الطريق الذي حدده كل واحد منهم لنفسه وسعوا للنضال والمقاومة . للحرية من العبودية الفكرية والنفسية والتعليمية.


قصة : وصيفة زينب عام : 2000م 13

للامانة منقول اعذب التحايا اختكم شمس الشموس

لحظات الصمت
14-03-2009, 07:20 AM
لاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم
حزينه جدا .. اعتصر قلبي من الألم
ساعد الله قلوب الاسارى والمعتقلين ..
وفرج الله عنهم ..
وجعل بلاد المؤمنين آمنه ..

احسنت اخيتـي بارك الله فيك
دمت موفقه