المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرجل بصفته زوجا


تراب البقيع
25-03-2009, 12:51 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الرجل بصفته زوجا

لا شك إن الرجل في الأسرة يمارس، بصفته زوجا، مسؤوليات كثيرة وخطيرة، تتوقف على حسن أدائها ورعايتها، سعادته الزوجية واستمرار التعاطف الوجداني بينه وبين شريكة حياته، واستعداد كل منهما للتضحية في سبيل الآخر. وبمقدار ما يغض الزوج نظره عن هذه المستويات ويهمل أداءها، يمكنه أن يبتعد عن بيته، ويسقط نفسه كرب لعائلة وكزوج ناجح في الحياة.
والإسلام إذ لاحظ هذه الجهة بعمق وتدبر، وضع لها أحسن الحلول وأفضل التوجيهات، وأعطى بيد الزوج جملة من التعاليم التي يمكنه إن يسير ببركتها، لو أطاعها وامتثلها، على الطريق المستقيم ويطبق العدل الإسلامي على حياته الزوجية. روي عن رسول الله {صلى الله عليه وآله} انه قال: ألا أخبركم بخيار رجالكم. قلنا بلى يا رسول الله. قال: من خير رجالكم التقي النقي السمح الكفين الكريم الطرفين، البر بوالديه، لا يلجئ عياله إلى غيره. ثم قال: ألا أخبركم بشر رجالكم: فقلنا: بلى. فقال: من شر رجالكم البهات البخيل الفاحش، الآكل وحده المانع رفده الضارب أهله وعبده الملجئ عياله إلى غيره. العاق بوالديه.
فنرى انه أعتبر بالزوج عدة صفات وحمّله جملة من المسؤوليات:
فأولاً: يجب أن يكون الزوج تقيا. والتقوى عنصر فعال في صياغة سلوك الفرد وبلورته نحو العدل والكمال. إذ إن من صفات الفرد التقي استعداده الكامل لإطاعة أوامر الله وامتثاله تعاليمه في كل مجالات الحياة. إذن فالتقوى هي مفتاح سحري الذي به يكون الزوج صالحاً ومطبقا لمسؤولياته الإسلامية بجد وإخلاص.
وثانياً: يجب أن يكون نقياً. والنقاء عبارة عن إمساك النفس عن الانحدار في مهاوي المعاصي، كبيرها وصغيرها. فيجب أن يكون الفرد نقي القلب عن الضغن والعداء مع أفراد أو جماعة مؤمنين.. نقي الجيب من المال الحرام غير المشروع في الإسلام.. نقي الكلام من الكذب والنميمة والغيبة والسباب وغيرها من رذائل الألفاظ.. نقي السلوك من الانحدار في مهاوي الرذيلة، كالسرقة والفاحشة وشرب الخمر وغيرها من محرمات الإسلام.
وثالثها: ينبغي أن يكون الزوج كريم الطرفين، بمعنى انه ينبغي أن تختار الزوجة الشخص الكفؤ المولود عن طريق شرعي لم يشب بفاحشة أو حرام.
ورابعا: ينبغي أن يكون الزوج سمح الكفين، غير بخيل، بمعنى أن يكون على استعدادٍ ورضى بان يبذل أمواله في الطريق المحمودة في الإسلام المرضية لله تعالى. ولعل من أهم الطرق المطلوبة في الإسلام، هو صرف المال على العائلة والتوسع على أفرادها، على أن لا يصل إلى حد البذخ والتبذير المؤدي إلى الفساد. وأقله أن لا يلجئ عياله إلى غيره، بمعنى أن يضمن لهم النفقة الواجبة ولا يقتر عليهم بحيث يضطرهم إلى الرجوع إلى غيره في سبيل أداء حاجات حياتهم.
وعلى الزوج أن يسعى من أجل هذه الغاية، في طلب الرزق بكد يمينه وعرق جبينه وعمل يديه.
روي عن الإمام الصادق {عليه السلام}، انه قال: الكاد على عياله كالمجاهد في سبيل الله. وعن الإمام الرضا {عليه السلام} انه قال: الذي يطلب من فضل الله ما يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله عزوجل.
وان العمل والكدح محبوب إلى الله عزوجل ومطلوب من الفرد، بحيث انه كان من عمل الأنبياء والأوصياء والصالحين. قال الراوي: رأيت أبا الحسن وهو الإمام الكاظم {عليه السلام} يعمل في أرض له، قد استنقعت قدماه في العرق. فقلت: جعلت فداك، أين الرجال؟ (يعني لأجل معاونته في عمله). فقال للراوي: ياعلي، قد عمل باليد من هو خير مني ومن أبي في أرضه. فقلت: ومن هو؟ فقال: رسول الله {صلى الله عليه وآله} وأمير المؤمنين {عليه السلام}، وآبائي كلهم كانوا قد عملوا بأيديهم. وهو من عمل النبيين والمرسلين والأوصياء والصالحين.
فنرى من هذا كيف إن العمل في سبيل التوسعة على العيال، مطلوب في الإسلام، وكيف إن الكاسب والعامل والفلاح والتاجر، محبوبون لله عزوجل مرضيون عنده، إذا كانوا واقفين عند تعاليمه وإرشاداته في عقائدهم وعباداتهم ومعاملاتهم. وليس أدل على هذا الحث الإسلامي للزوج بالتوسعة على العائلة، من قول الإمام الكاظم {عليه السلام}: عيال الرجل أسراؤه، فمن انعم الله عليه بنعمه فليوسع على أسرائه. فان لم يفعل أو شك أن تزول تلك النعمة.
وخامساً: يجب أن يكون الزوج رحيماً بأهله، خلوقاً مع زوجته عطوفاً عليها، لا فظّاً غليظاً معها، يغتنم ضعفها أمامه وحاجتها إليه فيكيل لها أنواعاً من سيئ القول والفعل. بل يحرم عليه ضربها من دون مبرر شرعي. وينبغي أن يغفر لها هفوتها وتعديها عليه.
فعن إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله {عليه السلام}: ما حق المرأة على زوجها، الذي إذا فعله كان محسنا؟ قال: يشبعها ويكسوها، وان جهلت غفر لها، يعني إذا اعتدت عليه سمح لها وعفا عنها. وعن رسول الله {صلى الله عليه وآله} انه قال: خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي. وفي رواية: خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي.
ولا يستثنى من ذلك إلا الزوجة التي يخاف الرجل نشوزها، فانه من المعلوم إن الإسلام حينما جعل على الزوج هذه الواجبات، وجعل من حق الزوجة عليه القيام بها، لم يجعله على أساس تحرر الزوجة من المسؤوليات وتهاونها في حق زوجها، بل جعل له بإزاء ذلك على زوجته واجبات مماثلة يجب أن تبادله إياها، تضحية بتضحية وعطف بعطف. فإذا أصبحت الزوجة فضة الأخلاق كريهة السلوك لا يسرها مسامحة زوجها معها وعفوه عن سيئاتها وقيامه بواجباتها، فغمطت حقوقه وأهملت واجباتها تجاهه. ففي مثل ذلك يأمر الإسلام في القرآن الكريم بتدارك حال مثل هذه الزوجة، بالوعظ أولا، بمعنى تذكيرها بالتعاليم الإسلامية وتخويفها من غضب الله عزوجل، فان حركت الموعظة أوتار قلبها وعقلها وأعادتها إلى شدها، فهو المقصود.
وإلا هجرها زوجها في المضجع، ولم يتصل بها من الناحية الجنسية، لتشعر بالألم وتأنيب الضمير عقاباً لها ولتمردها. فان أفاد هذا السلوك معها فهو المقصود، وإلا جاز له ضربها توصلا إلى تقويمها والحصول على حسن سلوكها. قال الله عزوجل: (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) .