المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عاشوراء لكلّ العصور


خادم الباقرع
10-12-2008, 06:17 PM
عاشوراء لكلّ العصور



عندما نعيش في كل سنة ذكرى عاشوراء، فإننّا نبحث عن جمهور عاشوراء في كلّ مرحلة من مراحل حياتنا المعاصرة، لأن الهدف من بقاء هذه الذكرى على مدى الزمن، هو أن تُنتج لنا حالة حسينيةً في كلّ مرحلة من مراحل حركتنا الإسلامية في العالم، فإن المسألة هي أننّا لا نريد أن نجمّد التاريخ كما يفعل الكثيرون من النّاس الذين يعملون على أن يسكنوا في الماضي، من دون أن يواجهوا مسؤولياتهم في الحاضر. وهذا أمر مرفوض في التفكير الإسلامي، لأن الخطّ الإسلامي الّذي ركزه الله (سبحانه وتعالى) في كتابه، هو أن لكل أُمّة كتابها، ولكل أُمّة عملها نتيجة مسؤولياتها وواجباتها.

وهذا يعني أنّنا لسنا مسؤولين عمَّا حدث في زمان الإمام الحسين (ع)، إذ إن المسؤولين هم الناس الذين عاشوا هناك، سواءٌ منهم الذين تحركوا في خطّ المسؤولية فكانوا مع الحسين (ع)، أو الذين ابتعدوا عن خطّ المسؤولية فوقفوا على الحياد، أو الذين ضاعت مواقفهم أمام عواطفهم، فكان أمامهم مصالحهم، إذ كانت قلوبهم مع الحسين (ع) وسيوفهم عليه.

الموقف المطلوب أمام حقائق التاريخ

وعندما نستمع، بعد هذا الوقت الطويل من التاريخ، إلى سيرة الإمام الحسين (ع)، وجماعة الذين يلتزمون الباطل، وجماعة الذين يتعاطفون مع الحق ولكنهم يقفون مواقف الباطل، عندما نواجه هؤلاء، فعلينا أن نعيش في داخل نفوسنا موقفاً نفسياً تجاههم، فنرفض الذين التزموا الباطل، وننفتح على الذين عرفوا الحق فانطلقوا معه.

وعندما تعيش حالةً نفسية أمام التاريخ، فعليك أن تحدّد موقفك أمام النماذج الموجودة في الواقع، هل أنا من هؤلاء الناس الذين يقفون مع الحق ويواجهون التحديات؟ أو من الذين يتجنّبون الدخول في ساحة الصراع، فيجلسون على التل عندما تزدحم ساحات الصراع بالمواقف الصعبة؟ أو من الذين يقولون إننا لا نحب المشاكل لأنفسنا، ليتغلب هذا الجانب على ذاك ويتغلب ذاك الجانب على ذلك، إذ ليس لنا مصلحة هنا ولا هناك، وبذلك نكون حياديين بين الحقّ والباطل فلا نتّخذ موقفاً محدداً؟

بعض الناس على عهد الإمام الحسين (ع) كانوا يفكّرون بهذه الطريقة، كما كان بعض الناس في زمان الإمام علي (ع) يفكّرون بالطريقة نفسها، وهذا موقف مرفوض، لأن معنى أن تكون حيادياً هو أن تكون مع الباطل. بعض الناس قد يفكر بهذه الطريقة، فيقول: أنا ليست مع هذه الفئة ولا مع تلك، لا مع فلان ولا مع فلان. هذا أمرٌ تفعله إذا كانت الفئتان من أهل الباطل. عندها عليك أن ترفضهما معاً. وهذا ما قاله الإمام علي (ع): «كُنْ في الفتنةِ كابنِ اللبونِ، لا ظَهْرٌ فيُركَب، ولا ضَرْعٌ فَيُحْلَب»(1).

الفتنة هي الّتي لا يعرف فيها وجه الحق من الباطل، هنا لا تدع أحداً يركب عليك، ولا تدع أحداً يحلب مواقفك، كُنْ كابن اللبون _ وهو ابن الناقة الذكر في السنة الثانية من العمر _، هذا في الفتنة، لكن عندما تكون المسألة مسألة أن هناك حقاً وباطلاً، فإن عليك أن تكون مع الحقّ ضدّ الباطل.

يقول الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع): «أبلِغْ خَيْراً وقُلْ خَيراً ولا تكُنْ إمَّعَةً». قلت: وما الإمّعة؟ قال: «لا تقُلْ أنا مع الناسِ، وأنا كواحدٍ من الناس»(2).

أما النموذج الثالث، فهو نموذج الناس الذين يتعاطفون مع الحق، كمن يُحبّ أهل الخير، ولكنّه ليس مستعداً أن يلتزم مسؤولية الخير، يحب أهل العدل، ولكنه ليس مستعداً أن يلتزم خط العدل، يحب أهل الحق، ولكنه ليس مستعداً أن يتحمل مسؤولية الحق معهم... بل كل ذلك وفق حساباته الخاصة، وعلى أساس مصالحه المادية، بحيث يلاحظ ما هي مصالحه المادية فيحاول أن يتحرك فيها.

وهناك حالة الذين يلتزمون الحق ويتحركون من خلاله. هنا علينا _ ونحن نقرأ ذلك التاريخ وننفعل به_ أن نحدد مواقفنا: من نحن؟ هل نحن من فريق الحياديين؟ هل نحن من فريق الذين يُغلِّبون مصالحهم على مبادئهم؟ هل نحن من فريق الذين يؤمنون بالباطل أو نحن من فريق الذين يؤمنون بالحق؟

من نحن؟ وعلى أساس تحديد الشخصية يتحدّد الانتماء.

هل نحن ممن يتحرّك في خطّ إصلاح الأُمة على خطِّ رسول الله (ص)، أو نحن ممن لا يهتمون بذلك؟ ما هو الخط؟

«أُريدُ أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».

إنّ الحسين (ع) يقول: أريد أن أدرس واقع الأُمة كلها في سلبياته وفي إيجابيته، ما هي السلبيات، هي مواقع السلوك الّذي يتحرك في مواقع غضب الله مما حرّمه الله على الناس. وما هي الإيجابيات؟ هي مواقع السلوك فيما يرضاه الله في الواجبات الّتي أراد الله لنا أن نتحرك فيها.

الحسين (ع) كان يريد لحركته أن تكون صدمةً قويةً للواقع الفاسد، أراد أن ينتقي لها الذين يعيشون الرسالة بكل معانيها في عقولهم ومشاعرهم وخطواتهم العملية في الحياة. لهذا أن تكون حسينياً، يعني أن تكون آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر في خط الإسلام، وأن ترفض كل ما عدا الإسلام.

بعض الناس يقول: هل تريدنا أن نعادي الناس كلهم ونقول: نحن مسلمون ونرفض الخط الماركسي، والخط الاشتراكي، وطريقة التفكير من خلال بعض النظريات على أساس قومي، ونرفض الليبرالية وما إلى ذلك؟ هل تريدنا أن نعادي الناس؟ بعض أولادنا ينتمون إلى هذا الخط، وبعضهم الآخر ينتمون إلى ذاك الخط. لماذا تريد أن تضيّق الإسلام؟

بعض الناس يفكرون بهذه الطريقة أو يردون على هذا الطرح بهذه الطريقة، وبذلك يعتبرون ما نطرحه تطرفاً ويصنّفوننا في دائرة المتطرفين.

الحسين كان مسلماً وليس عنده شيء زائد عن الإسلام. وقد انطلقت شخصيته من موقع إسلامه حين قالها رسول الله (ص): «حُسينٌ مِنّي وأنا مِنْ حُسين»(1).هل الخأ

كيف هو هذا التفاعل بين الحسين (ع) وبين النبي؟ هل هو تفاعل النسب؟ إذا كان الحسين من رسول الله لأنّه جده، فكيف يكون رسول الله من الحسين، والحسين ابن بنته؟ إن هذا التفاعل هو بتجسّد الإسلام فيهما. ولهذا كان كل واحد منهما من الآخر لكونهما معاً في خدمة الإسلام.

لهذا لنتفق على أن تكون لنا عاشوراء إسلامية نؤكد فيها خطوط عقائدنا ومواقفنا ومواقعنا ومناهجنا وسياستنا في الحياة... وعندما نقول ذلك، لا نقول إننا ننغلق على الآخرين، بل إننا مسلمون ومستعدون أن نتعايش ونتعاون حتى مع غير المسلمين، على أساس الخطوط المشتركة الّتي تقتضيها طبيعة الحياة، ولذلك نعيش مع الحسين (ع) لنكون من جمهوره ومن أتباعه.

لنفكر في قضية الحق

القضية هي قضية الحق والباطل، ذلك لأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل. هذا هو الأساس الّذي ينبغي أن يكون أساس كل تحركنا في الحياة، أن يكون التحرك الّذي يخدم خط الله، وهكذا عندما نريد أن نصدق الله ما عاهدنا عليه، فإنّ الصدق يكلّف الكثير، أن تخاف وأن تخسر بعض الأصدقاء والمواقف، فإن الإنسان عندما يتحمل ما يتحمل من مسؤولية، لا بدّ من أن يوحي لنفسه بالثمن الّذي يستطيع من خلاله أن يخسر بعض الأشياء والأوضاع.

لا بد أن نعمِّق الجانب الروحي

لقد علّمنا الله أن نفكّر أن خسارة الدنيا قد يعوضها الله في الدنيا، وقد تكون لحساب المستقبل. والمؤكد أن الله يعوِّضها على الإنسان في الآخرة. لا بد أن نفكر في الآخرة، وفي الله، وفي الجانب الروحي في حياتنا الّذي يجعل كل واحد منّا يعيش الهم الكبير في حياته: أن يرضى الله، ذلك هو الهمّ الكبير. إذا استطعنا أن نعيش هذا الهمّ الكبير في حياتنا، فسوف نواجه المشاكل بقلب مفتوح، كما كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.

ماذا كان يقول رسول الله (ص)؟ يرفع طرفه إلى السماء ويقول: «أنتَ رَبُّ المسْتَضْعَفِينَ وأنتَ رَبِّي إلى مَنْ تَكِلُني»(1) ثم يقول بعد ذلك: «إنْ لَم يكنْ بكَ عليَّ غضبٌ فلا أبالي»(2).

إذاً فالهمّ الكبير أن لا يغضب الله.

وعلى هذا، فمن الضروري أن يكون لنا شعب يعيش الوعي السياسي. فالشعب الواعي سياسياً، والّذي يحمل في قلبه رسالته وخوفه من الله وحب الله _ سبحانه وتعالى _، إنّ شعباً كهذا لا يمكن أن يسيطر عليه أحد.

وعلينا أن نعرف ماذا وراء الشعار، وكيف ينطلق في حياتنا، بحيث لا نبقى مجرد أُناس نشغل حناجرنا وأفواهنا بالهتافات، بل أن نشغل عقولنا حتى نفكّر فيما هناك من الخطط الّتي تدبّر لنا في الخفاء.

هذا الواقع نعيشه نحن اليوم، ولا بدّ من علاجه، حتى لا يكون واقعنا _ عندما نتحرّك _ واقع أولئك الناس، الذين كانت قلوبهم مع الحسين (ع) ولكن سيوفهم عليه، حتى لا تكون قلوبنا مع القادة الطيّبين ومع الناس المخلصين ولكن سيوفنا عليهم، عندما تتحرّك الدنانير أو الليرات أو الدولارات أو غير ذلك من العملات الصعبة وغير الصعبة، الّتي لا يزال الناس يلهثون وراءها ليبيعوا مبادئهم، وخططهم، وحياتهم...

الإرادة الصلبة تحسم المعركة