فلسفة خلق جهنم؛ آية الله الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي
شفقنا العراق-قد يسأل البعض: ما الذي كان يحصل لو لم يخلق الله جهنم؟ ألم يكن بمقدور الله أن لا يخلق جهنم؟
ان هذا التساؤل ناجم عن الجهل وعدم معرفة مستلزمات «اختیار» الانسان، وهؤلاء يجهلون أن الجنة وجهنم يمثلان في الواقع وجهين لقضية واحدة، فلو لم تكن جهنم لن تكون الجنة، والجنة ثواب الانسان المختار الذي سخر اختياره في طريق الخير والصلاح، والاختيار انما يتحقق معناه عندما يكون أمام الانسان مفترقا طريقين على الأقل وتكون لدى الانسان الرغبة والامكانيات لاختيار أي من هذين الطريقين، فلن يكون ثمة معنى للاختيار والانتخاب اذا كان أمام الانسان طریق واحد فقط، وكذلك ليس هنالك أي اختيار إن واجه الانسان عدة طرق، لكنه يكون ميالا بفطرته نحو واحد من هذه الطرق، أو لا يمتلك إمكانيات طي سائر الطرق، في كافة هذه الافتراضات يكون مضطرا إلى سلوك طريق واحد شاء أم أبي.
لقد تعلقت مشيئة الله تعالى بان يكون الانسان مختارا، وان اختيارية الانسان تتمثل بالدرجة الأولى بوجود نزعة الخير والصلاح ونزعة الشر والسوء في داخله، كما في قوله تعالى: «فألهمها فجورها وتقواها»، وفي المرحلة اللاحقة يفترض ان ينال الذين وظفوا اختيارهم باتجاه الخير والصلاح، ثواب اعمالهم فيما ينال الذين كانوا يستخدمونه في مسار السوء والفساد جزاء اعمالهم، فاذا ما كانت نهاية الصالح والطالح واحدة فما معنى عدل الله اذن؟! من هنا وجود جهنم ضروري بالاضافة الى وجود الجنة.
بناء على هذا فان أمام الانسان طريقين: أحدهما الطريق الذي يوصله إلى مرتبة «خليفة الله»، وطريق مآله الوصول بالانسان الى «شر الدواب»، وبمقدورنا استهلاك اعمارنا في واحد من هذين الطريقين، وهذا منوط بـ«اختيارنا»، فطريق منهما هو طريق احياء الليل والتهجد وطريق عبودية الله وطاعة اوامره ونواهيه، ونهاية هذا الطريق الجنة والنعيم الالهي المقيم في اعلى المراتب وهي «لقاء الله» والذي يسلك هذا الطريق ينال في النهاية النعم واللذائذ حيث يقول تعالى: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر). وفي هذا المجال يقول تعالى في القرآن: «لهم ما يشاؤن فيها» ثم يصرح بان في الجنة ليس ما يشاؤون فحسب بل فيها اشياء لا تطرق تصورهم كي يتسنى لهم تمنيها، ونحن سنعطيهم هذه الأشياء أيضاء ولدينا مزيد. وفي المقابل هنالك طريق آخر ينتهي إلى جهنم والعذاب الالهي والنيران الملتهبة والسقوط في ادنى مراتب المخلوقات: «إن شر الدواب عند الله البكم الذين لا يعقلون» وهذا الطريق الذي سيجعل الانسان يندم بحيث يتمنى لو كان ترابا: «ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا». وان أمر الانسان بين هذين الطريقين من الصعوبة والشدة بمكان، فمن ناحية هنالك الكمال والسعادة الأبدية ومن طرف آخر هنالك السقوط والشقاء الابدي، من هنا يتعين على الانسان التحرك بدقة وحيطة متناهية، وهذه هي الحالة التي يقال لها «التقوى».
على أي حال، لقد خلقنا الله عز وجل وأبان لنا الطريق من الحفرة: «ونفس وما سوالها * فألهمها فجورها وتقواها». الطريق هو «التزكية»: «قد أفلح من زكاها»، والحفرة هي «التدسية»: «وقد خاب من دساها»، فاذا ما اقتفينا طريق التزكية والتقوى فان الله يقول باننا نعادل كل خطوة بعشر خطوات: «من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها». وليست عشرة اضعاف فقط، بل ان الله يضاعف مرات عديدة إن اراد: «والله يضاعف لمن يشاء»، واذا ما ارتكبنا خطأ ـ لا سمح الله ـ فاننا سننال جزاءنا بما لا يفوق الخطأ الذي ارتكبناه بل بمثله: «ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها».