
لم تکن ثورة الحسين(عليه السلام)لشخص و لا مال و لا جاه و إنما کانت لإعلاء کلمة «لا إله إلا اللّه محمد رسول اللّه»و لم لا تکون کذلک؟!و جدّه رسول اللّه(صلي اللّه عليه و آله و سلم) و أبوه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام)في حجور طابت و أرحام طهرت،لم تنجسه الجاهلية بأنجاسها،لقد کان امتدادا لمن وهبوا کل وجودهم و محياهم للإسلام وحده،کانوا إصرارا علي الدين،و ثباتا في يقين،و ها هو الحسين عليه السلام يبيّن لنا دوافع ثورته و قيامه:
«أيها الناس إن رسول اللّه(صلي اللّه عليه و اله و سلم)قال:من رأي سلطانا جائرا مستحلا لحرام اللّه ناکثا عهده مخالفا لسنة رسول اللّه يعمل في عباد اللّه بالإثم و العدوان،فلم يغيّر ما عليه بفعل و لا قول کان حقا علي اللّه أن يدخله مدخله،ألا و أن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان و ترکوا طاعة الرحمن،و أظهروا الفساد،و عطلوا الحدود و استأثروا بالفيء،و أحلّوا حرام اللّه و حرّموا حلاله»...
و ما هي أهداف ثورة الحسين(عليه السلام)العظيمة؟و ماذا کانت غايته من الثورة؟...إنّ الحسين(عليه السلام)يوضح ذلک بنفسه فيقول:
«...و إني لم أخرج أشرا و لا بطرا،و لا مفسدا،و لا ظالما،و إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(صلي اللّه عليه و آله و سلم)،و أريد أن آمر بالمعروف،و أنهي عن المنکر، و أسير بسيرة جدي و أبي علي بن أبي طالب...»...
و هکذا کان فقد ضمخ الحسين أرض کربلاء بدمائه النقيّة الطاهرة و عطّر أجواء کربلاء بأنفاسه الحارّة العطرة!...و هکذا قدّر لأرض العراق أن تکتنف في حناياها جدث الحسين و علي بن الحسين و أولاد الحسين و أصحاب الحسين صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين...فترکت هذه الواقعة في نفوس المسلمين أثرا کبيرا و حزنا طويلا،و دافعا عظيما للثأر للحق و الاقتصاص من الباطل،و کان لشعار(يا لثارات الحسين)دوي کبير في الأمة،
و قد رفع هذا الشعار أغلب من قام بالثورة بعد الحسين(عليه السلام)أمثال زيد بن علي(عليه السلام)و التوّابين و غيرهم و بالأخص العباسيين...
تشجيع الأئمة(عليهم السلام)لشعر الرثاء الحسيني
و في طليعة من تأثر بالثورة الحسينية هم الشعراء،لأن الشعراء هم نخبة المجتمع و هم الکوکبة المتقدمة و المؤثرة في الأمة،و أطلق شعراء أهل البيت قصائدهم في رثاء الحسين (ع)باکية نادبة و ناعية،و قد حث أهل البيت(عليهم السلام)الشعراء و شجّعوهم علي رثاء الحسين(ع)،«روي أبو هارون المکفوف قال:قال أبو عبد اللّه عليه السلام:يا أبا هارون أنشدني في الحسين(ع)،قال:فأنشدته فبکي،فقال:أنشدني کما تنشدون،يعني بالرقة (بأسلوب نائح باک)قال:فأنشدته:
أمرر علي جدث الحسين فقل لأعظمه الزکية [أأعظما لا زلت من و طفاء ساکنة رويه و إذا مررت بقبره فأطل به وقف المطيّة و إبک المطهر للمطهر و المطهرة للنقية کبکاء معولة أتت يوما لواحدها المنية]
قال:فبکي،ثم قال:زدني،قال:فأنشدته القصيدة الأخري،قال:فبکي و سمعت البکاء من خلف الستر.
و روي عن الإمام الصادق(عليه السلام)أنه قال:«من قال فينا بيتا من الشعر بني اللّه له بيتا في الجنة»...«ما قال فينا قائل بيتا من الشعر حتي يؤيد بروح القدس»1.
..و هکذا انطلق الشعراء يستوحون من تشجيع أهل البيت(عليهم السلام)و حثهم لهم المعين و العطاء فأکثروا من الشعر و الرثاء للحسين(عليه السلام)حبا بالإسلام و إرضاء للّه و لرسوله و حبا بالحسين الشهيد،فنري أن الکميت بن زيد الأسدي(توفي سنة 126 هـ) قال للإمام الباقر(عليه السلام)بعد أن أنشده قصيدته:
من لقلب متيم مستهام غير ما صبوة و لا أحلام بل هواي الذي أجنّ و أبدي لبني هاشم أجلّ الأنام و عرض عليه الإمام مالا فلم يقبل و قال«و اللّه ما قلت فيکم شيئا أريد به عرض الدنيا و لا أقبل عليه عوضا،إذ کان للّه و رسوله»فقال له الإمام:«فلک ما قال رسول اللّه(صلي اللّه عليه و آله و سلم):لا زلت مؤيدا بروح القدس ما ذببت عنا أهل البيت»
(1)-ثورة الحسين(ع)في الوجدان الشعبي(محمد مهدي شمس الدين)ص 137
تعليق