الإمام علي بن الحسين وقصص الأنبياء

شفقنا العراق ــ إنّ في قصص القرآن الكريم ذكراً لسيرة الأنبياء والصالحين، عبرةً للناس وتنويها بفضل أولئك الأنبياء والصالحين، ورفعهم أسوة حسنة, والإمام علي بن الحسين (عليه السلام) هو من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا، في طليعة فئة الأنبياء والرسل والصالحين، ولذلك فهو أسوة حسنة، وسيرته مثالٌ يحتذى.
فلنقف نتأمل ما جاء عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)؛ واكتفى البحث بأنموذجين 1- قصة يعقوب(عليه السلام). 2- قصة موسى (عليه السلام) وغيبته.
1- قصة يعقوب (عليه السلام)عن أبى حمزة الثمالي قال : (( صليت مع علي بن الحسين (صلوات الله عليه) الفجر بالمدينة في يوم الجمعة، فدعا مولاة له يقال ، لها وشيكة وقال لها : لا يقفن على بابي اليوم سائل إلا أعطيتموه ، فان اليوم الجمعة فقالت : ليس كل من يسأل محق جعلت فداك ؟
فقال : أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقا فلا نطعمه ونرده ، فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله ، أطعموهم.
ثم قال(عليه السلام) : إن يعقوب كان كل يوم يذبح كبشا يتصدق منه ويأكل هو وعياله ، وان سائلاً مؤمناً صواماً قواماً له عند الله منزلة مجتازا غريبا اعتر بباب يعقوب عشية جمعة عند أوان إفطاره ، فهتف ببابه : أطعموا السائل المجتاز الغريب الجائع من فضل طعامكم ، يهتف بذلك على بابه مرارا وهم يسمعونه جهلوا حقه ولم يصدقوا قوله ، فلما أيس منهم أن يطعم وتغشاه الليل استرجع واستعبر وشكى جوعه إلى الله وبات طاوياً وأصبح صائماً جائعاً صابراً حامداً لله ، وبات يعقوب وآله شباعاً بطاناً وأصبحوا وعندهم فضلة من طعامهم .
قال(عليه السلام) : فأوحى الله إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة : لقد أذللت عبدي ذلة استجرت بها غضبى ، واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي وبلواي عليك وعلى ولدك يا يعقوب ، أما علمت أن أحب أنبيائي إلى وأكرمهم على من رحم مساكين عبادي ،وقربهم إليه وأطعمهم وكان لهم مأوى وملجئا ، يا يعقوب أما رحمت دميال عبدي المجتهد في عبادي ، القانع باليسير من ظاهر الدنيا عشاء أمس لما اعتر ببابك عند أوان إفطاره ، يهتف بكم : اطعموا السائل الغريب المجتاز فلم تطعموه شيئا ، واسترجع واستعبر وشكا ما به إلى ، وبات طاويا حامدا صابرا وأصبح لي صائما ، وبت يا يعقوب وولدك ليلكم شباعاً وأصبحتم وعندكم فضلة من طعامكم ،وما علمت يا يعقوب أنى بالعقوبة والبلوى إلى أوليائي أسرع منى بها إلى أعدائي ،وذلك منى حسن نظر لاوليائى ، واستدراج مني لاعدائي ، أما وعزتي لأنزلن بك بلواي ولاجعلنك وولدك غرضا لمصابي ولاؤدبنك بعقوبتي ، فاستعدوا لبلائي و ارضوا بقضائي واصبروا للمصائب .
قال أبو حمزة : فقلت لعلي بن الحسين عليه السلام : متى رأى يوسف الرؤيا ؟ فقال :
في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وولده شباعا ، وبات فيها دميال جائعاً رآها فأصبح فقصها على يعقوب من الغد فاغتم يعقوب لما سمع من يوسف الرؤيا مع ما أوحى الله إليه أن استعد للبلاء ، فقال ليوسف : لا تقصص رؤياك هذه على أخوتك فأنى أخاف أن يكيدوك ، فلم يكتم يوسف رؤياه وقصها على أخوته .
فقال علي بن الحسين (عليه السلام) : فكان أول بلوى نزلت بيعقوب وآله الحسد ليوسف لما سمعوا منه الرؤيا التي رآها ، قال : واشتد رقة يعقوب على يوسف وخاف أن يكون ما أوحى الله إليه من الاستعداد للبلاء إنما ذلك في يوسف فاشتدت رقته عليه ، وخاف أن ينزل به البلاء في يوسف من بين ولده فلما أن رأوا أخوة يوسف ما يصنع يعقوب بيوسف من إكرامه وإيثاره إياه عليهم اشتد ذلك عليهم ، وابتدئ البلاء فيهم ، فتآمروا فيما بينهم ….)).
أسرار وعظات من السرد القصصي القرآنيوتنتهي هذه القصة التي جاءت في القرآن العظيم وما اعتبر به الإمام (عليه السلام) منها بسؤال أبو حمزة: لعلي بن الحسين (عليه السلام)ابن كم كان يوسف يوم ألقوه في الجب؟ فقال(عليه السلام): ابن تسع سنين فقلت: كم كان بين منزل يعقوب يومئذ و بين مصر فقال(عليه السلام): مسيرة اثنا عشر يوما.
من هنا نجد أن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) قد أبان ما في هذا السرد القصصي القرآني , من أسرار وعظات , تلمسنا منها الاعتبار بالحث على إطعام المساكين, وعدم رد المستضعفين, كما نلحظ أن الإمام (عليه السلام) قد ربط القصة بواقعها الزمني, وأبرز أسماء شخوصها, وإلمامه الكامل بكل تفاصيلها.
كما أفادت القصة ضمنياً بأن الصيام كان مفروضاً على الأمم السابقة, إذ أن السائل كان صائماً وجاء وقت الإفطار, الأمر الذي يصدقه القرآن بقوله تعالى : }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (سورة البقرة – الآية 183).
قصة موسى (عليه السلام) وغيبتهعن سعيد بن جبير عن سيد العابدين علي بن الحسين عن أبيه سيد الشهداء الحسين بن على عن أبيه سيد –الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه وعليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، لما حضرت يوسف (عليه السلام) الوفاة جمع شيعته وأهل بيته فحمد الله وأثنى عليه ثم حدثهم بشدة تنالهم تقتل فيها الرجال ، وتشق فيها بطون الحبالى ، وتذبح الأطفال ، حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوى بن يعقوب ، وهو رجل أسمر طوال ، ووصفه ونعته لهم بنعته ، فتمسكوا بذلك ووقعت الغيبة والشدة ببني إسرائيل وهم ينتظرون قيام القائم أربعمائة سنة ، حتى إذا بشروا بولادته و رأوا علامات ظهوره اشتدت البلوى عليهم ، وحمل عليهم بالحجارة والخشب ، وطلب الفقيه الذي كان يستريحون إلى أحاديثه ، فاستتر فراسلوه فقالوا : كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك فخرج بهم إلى بعض الصحارى ، وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الأمر ، وكانت ليلة قمراء – فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم موسى (عليه السلام) وكان في ذلك الوقت حديث السن وقد خرج من دار فرعون يظهر النزهة ، فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة ، وعليه طيلسان خز فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت ، فقام إليه وانكب على قدميه فقبلهما ،
ثم قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك فلما رأى الشيعة ذلك علموا انه صاحبهم ، فانكبوا على الأرض شكرا لله (عز وجل) ، فلم يزدهم إلا أن قال : أرجو أن يعجل الله فرجكم ثم غاب بعد ذلك وخرج إلى مدينة مدين ، فأقام عند شعيب النبي ما أقام ، فكانت الغيبة الثانية اشد عليهم من الأولى ، وكانت نيفا وخمسين سنة ، واشتدت البلوى عليهم ، واستتر الفقيه فبعثوا
إليه انه لا صبر لنا على استتارك عنا ، فخرج إلى بعض الصحارى واستدعاهم وطيب نفوسهم ، وأعلمهم أن الله (عز وجل) أوحى إليه انه مفرج عنهم بعد أربعين سنة ، فقالوا باجمعهم : الحمد لله فأوحى الله (عز وجل) إليه قل لهم قد جعلتها ثلثين سنة لقولهم الحمد لله فقالوا : كل نعمة فمن الله فأوحى الله إليه قل لهم : قد جعلتها عشرين سنة ،
فقالوا : لا يأتي بالخير إلا الله فأوحى الله إليه قل لهم : قد جعلتها عشرا ، فقالوا : لا يصرف السوء إلا الله ، فأوحى الله إليه قل لهم : لا تبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم ، فبيناهم كذلك ، إذ طلع موسى (عليه السلام) راكبا حمارا فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه ، وجاء موسى (عليه السلام) حتى وقف عليهم فسلم عليهم فقال له الفقيه : ما اسمك ؟
قال : موسى قال : ابن من ؟ قال ابن عمران قال : ابن من ؟ قال ، ابن قاهب بن لاوي بن يعقوب ، قال : بماذا جئت ؟ قال جئت بالرسالة من عند الله(عز وجل)، فقام إليه فقبل يده ثم جلس بينهم فطيب نفوسهم وأمرهم أمره ثم فرقهم فكان بين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون أربعين سنة .
الغيبة من السنن الإلهيةفالمتأمل في القصة يجد أن الإمام (عليه السلام) قد حدد الفترة الزمنية التي كانت بين موسى ويوسف(عليهما السلام) ب(400) سنة , كما أن الغيبة كانت من السنن الآلهية, فلا غضاضة أن الله (سبحانه وتعالى) يجريها على غير موسى من الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام), كغيبة الإمام المهدي(عجل الله تعالى فرجه الشريف) وأن الإيمان بذلك والصبر وانتظار الفرج هو من أسمى العبادات.
أضف إلى ذلك أن من السنن أن يبشر الرسول أو النبي السابق باللاحق ويوصي بإتباعه وتصديقه, وإن كانت المسافة الزمنية بينهما بعيدة كم هو الحال في يوسف وموسى(عليهما السلام) وكذلك الحال ببشارة عيسى بالنبي (صلى الله عليه وآله) وهو ما أشار إليه قوله تعالى:} وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ………(سورة الصف الآية 6).
جاسم محمد علي الغرابي/المصدر: العتبة الحسينية المقدسة
تعليق