السلام عليكم
تحرير فكر الاِنسان في العقيدة الاسلامية
ترتكز نظرة العقيدة الاِسلامية على كون الاِنسان موجوداً مكرَّماً: (ولقَدْ كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطَّيبات وفضَّلناهُم على كثيرٍ ممَّن خلقنا تفضيلاً) .
فهو خليفة الله في الاَرض، يمتلك العوامل التي تؤهّله للسمّو والارتفاع إلى مراتب عالية: (وإذ قال ربُّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الارض خليفةً قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونُقدسُ لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون) كما أن بإمكان الاِنسان أن ينحطّ ويتسافل حتى يصل إلى مرتبة الحيوانية: (... أخلدَ إلى الاَرضِ واتَّبعَ هواه فمثلهُ كمثل الكلبِ إن تحمل عليهِ يلهث أو تتركه يلهث..) .
ثم يتسافل أكثر فأكثر حتى يصل إلى مرتبة الجماد: (ثمَّ قست قُلوبُكُم من بعدِ ذلك فهي كالحجارةِ أو أشدُّ قسوة..) .
وعليه فالعقيدة الاِسلامية تراعي في الانسان عوامل القوة والضعف معاً، فقد وُصف الاِنسان في الكتاب الكريم بأنّه خُلِق ضعيفاً هلوعاً عجولاً، وأنه يطغى، وأنّه كان ظلوماً جهولاً وعلى هذا الاَساس لا تحاول الشريعة إرهاقه بتكاليف شاقة، تفوق طاقاته وقدراته النفسية والبدنية، قال تعالى: (لا يُكلِّفُ اللهُ نفساً إلاَّ وُسعَها..) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رُفعَ عن أُمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يعلمون، ومالا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطّيرة، والتّفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة» وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «رُفعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتّى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم» .
فالعقيدة الاِسلامية ـ إذن ـ تعتبر عوامل الضعف في الاِنسان حالة طبيعية ناتجة عن تكوينه البشري، ولم ترها معقدة بالمستوى الذي يفقد الاِنسان معها قدرته على البناء والحركة، وحرية الاختيار وفوق ذلك حاولت العقيدة ـ وهي تريد بناء الاِنسان وتكامله ـ أن تثير لديه شعوراً عميقاً بالجانب الاِيجابي من وجوده.
الخطيئة أمرٌ طارىء
من ناحية أُخرى فإنَّ العقيدة الاِسلامية تعتبر الخطيئة أمراً طارئاً على الاِنسان، وليس ذاتياً أصيلاً، وعليه فحين يسقط الاِنسان في مهاوي الخطيئة، فإنّه لا يتحول إلى شيطان تمنعه شيطنته من العودة إلى رحاب الاِنسانية، بل يبقى إنساناً مخطئاً يمكن أن يسعى إلى تصحيح خطئه، والنهوض من كبوته.
وهذا هو سر عظمة النظرة الاِسلامية إلى الاِنسان، فهي لا تجعله تحت رحمة الشعور بخطيئة أصيلة مفروضة عليه، كما تفعل النصرانية، بل هي تسعى إلى انتشال الاِنسان من وحل الخطيئة، وإشعاره بقدرته على الارتقاء، وتذكيره الدائم بعفو الله ورحمته الواسعة، وعدم اليأس منها ولا يوجد في الاِسلام «كرسي للاعتراف» كما هو الحال في النصرانية، بل يسعى أئمة الدين وعلماؤه إلى ستر عيوب الناس وذنوبهم مهما أمكن ذلك، لاَن الله تعالى يحبَّ الستر.
عن الاصبغ بن نباتة قال: أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي زنيت فطهّرني، فأعرض أمير المؤمنين عليه السلام بوجهه عنه، ثم قال له: «اجلس، فأقبل عليّ عليه السلام على القوم، فقال: أيعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر على نفسه كما ستر الله عليه ؟!..» .
الاِنسان موجود مكرَّم
ومن جانب آخر تحاول العقيدة إشعار الاِنسان ـ على الدَّوام ـ بأنّه موجود مكرَّم، له موقعه المهمّ في هذا الكون، من خلال وظيفة الاستخلاف فيه وما عليه إلاّ أن يقوم بأداء وظيفة الاستخلاف هذه على أحسن وجه، وأن يشكر خالقه على هذا التكريم والتمكين والهداية إلى الدين الحق.
سأل رجلٌ أمير المؤمنين عليه السلام عن حبه للقاء الله تعالى، فقال: بماذا أحببت لقاءه ؟ قال عليه السلام: «لمَّا رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه ، علمت أنَّ الذي أكرمني بهذا ليس ينساني، فأحببت لقاءه» .
________________________________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مركز الابحاث العقائدية
تحرير فكر الاِنسان في العقيدة الاسلامية
ترتكز نظرة العقيدة الاِسلامية على كون الاِنسان موجوداً مكرَّماً: (ولقَدْ كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطَّيبات وفضَّلناهُم على كثيرٍ ممَّن خلقنا تفضيلاً) .
فهو خليفة الله في الاَرض، يمتلك العوامل التي تؤهّله للسمّو والارتفاع إلى مراتب عالية: (وإذ قال ربُّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الارض خليفةً قالوا أتجعلُ فيها من يُفسدُ فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونُقدسُ لك قال إني أعلمُ ما لا تعلمون) كما أن بإمكان الاِنسان أن ينحطّ ويتسافل حتى يصل إلى مرتبة الحيوانية: (... أخلدَ إلى الاَرضِ واتَّبعَ هواه فمثلهُ كمثل الكلبِ إن تحمل عليهِ يلهث أو تتركه يلهث..) .
ثم يتسافل أكثر فأكثر حتى يصل إلى مرتبة الجماد: (ثمَّ قست قُلوبُكُم من بعدِ ذلك فهي كالحجارةِ أو أشدُّ قسوة..) .
وعليه فالعقيدة الاِسلامية تراعي في الانسان عوامل القوة والضعف معاً، فقد وُصف الاِنسان في الكتاب الكريم بأنّه خُلِق ضعيفاً هلوعاً عجولاً، وأنه يطغى، وأنّه كان ظلوماً جهولاً وعلى هذا الاَساس لا تحاول الشريعة إرهاقه بتكاليف شاقة، تفوق طاقاته وقدراته النفسية والبدنية، قال تعالى: (لا يُكلِّفُ اللهُ نفساً إلاَّ وُسعَها..) .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «رُفعَ عن أُمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يعلمون، ومالا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطّيرة، والتّفكّر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة» وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «رُفعَ القلم عن ثلاثة: عن المجنون المغلوب على عقله حتّى يبرأ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم» .
فالعقيدة الاِسلامية ـ إذن ـ تعتبر عوامل الضعف في الاِنسان حالة طبيعية ناتجة عن تكوينه البشري، ولم ترها معقدة بالمستوى الذي يفقد الاِنسان معها قدرته على البناء والحركة، وحرية الاختيار وفوق ذلك حاولت العقيدة ـ وهي تريد بناء الاِنسان وتكامله ـ أن تثير لديه شعوراً عميقاً بالجانب الاِيجابي من وجوده.
الخطيئة أمرٌ طارىء
من ناحية أُخرى فإنَّ العقيدة الاِسلامية تعتبر الخطيئة أمراً طارئاً على الاِنسان، وليس ذاتياً أصيلاً، وعليه فحين يسقط الاِنسان في مهاوي الخطيئة، فإنّه لا يتحول إلى شيطان تمنعه شيطنته من العودة إلى رحاب الاِنسانية، بل يبقى إنساناً مخطئاً يمكن أن يسعى إلى تصحيح خطئه، والنهوض من كبوته.
وهذا هو سر عظمة النظرة الاِسلامية إلى الاِنسان، فهي لا تجعله تحت رحمة الشعور بخطيئة أصيلة مفروضة عليه، كما تفعل النصرانية، بل هي تسعى إلى انتشال الاِنسان من وحل الخطيئة، وإشعاره بقدرته على الارتقاء، وتذكيره الدائم بعفو الله ورحمته الواسعة، وعدم اليأس منها ولا يوجد في الاِسلام «كرسي للاعتراف» كما هو الحال في النصرانية، بل يسعى أئمة الدين وعلماؤه إلى ستر عيوب الناس وذنوبهم مهما أمكن ذلك، لاَن الله تعالى يحبَّ الستر.
عن الاصبغ بن نباتة قال: أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي زنيت فطهّرني، فأعرض أمير المؤمنين عليه السلام بوجهه عنه، ثم قال له: «اجلس، فأقبل عليّ عليه السلام على القوم، فقال: أيعجز أحدكم إذا قارف هذه السيئة أن يستر على نفسه كما ستر الله عليه ؟!..» .
الاِنسان موجود مكرَّم
ومن جانب آخر تحاول العقيدة إشعار الاِنسان ـ على الدَّوام ـ بأنّه موجود مكرَّم، له موقعه المهمّ في هذا الكون، من خلال وظيفة الاستخلاف فيه وما عليه إلاّ أن يقوم بأداء وظيفة الاستخلاف هذه على أحسن وجه، وأن يشكر خالقه على هذا التكريم والتمكين والهداية إلى الدين الحق.
سأل رجلٌ أمير المؤمنين عليه السلام عن حبه للقاء الله تعالى، فقال: بماذا أحببت لقاءه ؟ قال عليه السلام: «لمَّا رأيته قد اختار لي دين ملائكته ورسله وأنبيائه ، علمت أنَّ الذي أكرمني بهذا ليس ينساني، فأحببت لقاءه» .
________________________________
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
مركز الابحاث العقائدية
تعليق