
ï´؟نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَï´¾1.
ورد عن الإمام الباقر

معنى الخوف
معنى الخوف هو الحذر، ذكر العلامة الطريحي في مجمع البحرين "الخوف من الشيء: الحذر منه"3، وهو يكون من المتوقّع.
ومعنى الحذر -هنا على ما يذكر صاحب تفسير الميزان- لا يرتبط بتأثير القلب، بل معناه التأثر عملاً بمعنى الإقدام على تهيئة ما يتعيى به المحذور وإن لم يتأثر القلب.
فخوفي من البرد هو أن أتأثر عملاً وأطفئها أو ابتعد عنها.
وخوفي من حادث سير هو أن أتأثر عملاً ولا أتجاوز السرعة العادية في قيادة سيارتي.
وخوفي من الرسوب في الامتحان أن أتأثر عملاً وأدرس جيداً.
إذاً، الخوف أمر طبيعي وليس بمنقصة عند الإنسان؛ لذا لم يمانع القرآن الكريم نسبة الخوف إلى الأنبياء عليهم السلام، قال تعالى: ï´؟وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةًï´¾4، وقال تعالى: ï´؟فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَىï´¾5.
نعم هناك فرق بين الخوف والخشية، فالخوف هو التأثر عملاً، بينما الخشية هي تأثر القلب من أمر يشوبه عظمة، وهذا الأمر هو الذي نفاه الله تعالى عن أنبيائه حينما يتعلّق بغير الله تعالى عزّ وجل، فقال تعالى: ï´؟وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَï´¾6.
فالمؤمن بشعوره بالعظمة الإلهية يشعر بالخشية من الله تعالى، وكلما زادت معرفته بالله كلما زاد هذا الشعور وبالتالي هذه الخشية، لذا قال تعالى: ï´؟إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءï´¾7. سلام الله على أمير المؤمنين حينما سمعه أبو الدرداء يدعو الله تعالى في ذلك الخلاء، فشدّه ذلك الصوت لاستماعه إلى أن انخفض حتى اختفى، فاقترب منه، حرّكه لم يتحرك، ظنَّ أنّ المنية قد وافته، فهرع ليخبر السيدة فاطمة الزهراء

ممّا يخاف المؤمن؟
نرجع إلى حديث الإمام الباقر

الأول: العقاب
يقول تعالى: ï´؟وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِï´¾8
ويقول تعالى: ï´؟قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍï´¾9.
الثاني: مقام الله
يقول تعالى: ï´؟وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانï´¾10.
والظاهر أن الخوف الثاني يختلف عن الأول، إذ خوفُ مقام الربّ تعالى يتلاءم مع خوف الأنبياء والأوصياء والأولياء الذي ينبع من الشعور بالصَّغار والمذلَّة والهوان تجاه ساحة العظمة والكبرياء والجبروت11.
أمّا الخوف الأول من العقاب فله مناشئه التي ينبغي الالتفات إليها لتحقيق نورانية الخوف.
أسباب الخوف من العقاب
1- الذنب السابق: ورد عن الإمام الصادق

ونور الخيفة من هذا الذنب يكون من خلال:
1- محاولة عدم تسجيله،، وذلك بالتوبة السريعة منه قبل تسجيل الملك لها على ما ورد في بعض الروايات.
2- محاولة ستره، وذلك بالتوبة التي يستر الله بها عليه في الدنيا والآخرة، فعن الإمام الصادق

3- محاولة محوه، وذلك من خلال الصلاة ï´؟وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِï´¾13.
2- الذنب اللاحق: ويكمل الإمام الصادق

ونور الخيفة من الذنب اللاحق يتحقق بتحصين النفس من خلال اتقاء الذنوب ولو كانت صغيرة، فعنه


3- النِّعم: "رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ"15.
كيف تكون النِّعم مخيفة؟
الجواب: حين تكون من باب الاستدراج
فعن الإمام الصادق

وعن أمير المؤمنين علي

ونور الخيفة من النعم يتحقق بأن يشكر الله تعالى على منّه بها عليه من خلال بذلها في طاعة الله تعالى.
سرّ نورانية الخوف
يُفهم ممّا مضى أن الخوف محرِّك نحو التوبة والتحصين والشكر، فهو خوف محفّز وليس خوفاً مرضيَّاً، هو ليس "فوبيا" بالمعنى المرضي الذي ينغّص حياة الإنسان ويربكه في حركته وقد يصل به إلى حالة اليأس، ففي الحديث عن الإمام الصادق

ماذا يرجو المؤمن؟
إنّه يرجو رحمة الله وفضل الله تعالى، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) أنه قال: قال الله تبارك وتعالى: لا يتَّكل العاملون لي على أعمالهم التي يعملونها لثوابي فإنهم لو اجتهدوا وأتعبوا أنفسهم –أعمارهم- في عبادتي كانوا مقصرِّين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي... ولكن برحمتي فليثقوا وفضلي فليرجوا وإلى حسن الظن بي فليطمئنوا فإن رحمتي عند ذلك تدركهم17.
إنّها رحمة الله التي وسعت كلّ شيء، والتي ورد في مشاهدها أنه تعالى يغفر يوم القيامة مغفرة ما خطرت قط على قلب أحد حتى أن إبليس يتطاول لها رجاء أن تصيبه18.
حدّ الرجاء
وكما أن للخوف حداً هو أن لا يصل بالإنسان إلى حالة اليأس، فالرجاء له حدّ هو أن لا يجرّه على المعصية، فعن الإمام الصادق

الرجاء يكون بالعمل
وكما كان الخوف بالتأثر في مقام العمل، كذا الرجاء لا يكون إلا كذلك، قال تعالى: ï´؟إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِï´¾19
وعن الإمام الصادق

وإلا فهو مثل الفلاح ينتظر الزرع دون أن يبذر ويروي ويقضي على الموانع.
التوازن بين الخوف والرجاء
إنَّ هذا التوازن بين الخوف من الله عزّ وجل ورجاء رحمته ضروري لتحقيق اطمئنان الإنسان وتطورّه.
فلو كان إنسان بلا خوف، فإنه سيكون بلا محفّز نحو التطوّر، وإن كان بلا رجاء فإنه سيكون بلا محفّز أيضاً.
وهذا ينبغي الالتفات إليه على المستوى الشخصي وعلى المستوى الاجتماعي العام.
فالمجتمع الإيماني ينبغي أن يبقى راجياً الله تعالى أن يعزّه وينصره على أعدائه وأن يظهر نور هذا الرجاء من خلال العمل والجهاد والصبر والمصابرة، وفي نفس الوقت ينبغي أن يكون خائفاً وحذراً من الأعداء وكيدهم من خلال أن يكون كل واحد منهم خفيراً مسؤولاً عن هذه الحصانة الاجتماعية، وكذا أن يكون حذراً من نعم الله على المجتمع حينما يعيش عيش العزّ والكرامة بأن يبقى المؤمنون فيه متواضعين لله تعالى ولأهل الإيمان، فـ: ï´؟إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا.ï´¾
سماحة الشيخ د. أكرم بركات
تعليق