السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.. السلام على ابي الفضل العباس السلام على الحوراء زينب ورحمة الله وبركاته
مناهج البحث في زيارة عاشوراء
فيما يأتي من هذا المقال، نحاول أولاًـ إن شاء الله ـ أن نُلقي نظرة إلى سند هذه الزيارة لإثبات اعتبار هذه الزيارة من ناحية السند. ونحاول ثانياً أن نثبت صحة هذه الزيارة بالقرائن الموجودة في أسانيدها الخمسة عند الشيخين ابن قولويه وأبي جعفر الطوسي، حتى مع افتراض عدم اعتبار سند هذه الزيارة.
إذن؛ نتناول دراسة هذه الزيارة إن شاء الله في هذه المقالة ضمن منهجين:
المنهج الأول: إثبات اعتبار رواة الزيارة، وهو ما يُسمى بـمبنى الوثاقة.
المنهج الثاني: إثبات اعتبار الزيارة نفسها، عن طريق القرائن الموجودة في أسنادها، بغض النظر عن اعتبار الرواة وعدم اعتبارهم، وهو ما يسمّى بـمبنى الوثوق بالصدور.
المنهج الأول: تصحيح أسناد زيارة عاشوراء
رويت زيارة عاشوراء بعدة روايات وأسانيد وطرق مختلفة، تصل إلى خمسة طرق عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق علهيما السلام ، منها:
الرواية الأُولى: رواية الشيخ عن محمد بن خالد الطيالسي
روى الشيخ في المصباح، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، قال: «خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال ـ وعندنا جماعة من أصحابنا ـ إلى الغري بعدما خرج أبو عبد الله عليه السلام ، فسرنا من الحيرة إلى المدينة، فلمّا فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، فقال لنا: تزورون الحسين عليه السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام . من ها هنا أومأ إليه أبو عبد الله الصادق عليه السلام وأنا معه، قال: فدعا[1] صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام في يوم عاشوراء، ثم صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام ، وودّع في دبرها أمير المؤمنين، وأومأ إلى الحسين بالسلام منصرفاً وجهه نحوه وودّع. وكان فيما دعا في دبرها: يا الله يا الله يا الله، يا مجيب دعوة المضطرين...»[2].
سند الرواية:
الكلام في سند هذه الرواية يقع أولاً في طريق الشيخ إلى محمد بن خالد الطيالسي، ومن ثمّ في الطيالسي ومَن روى عنهم.
طريق الشيخ إلى محمد بن خالد الطيالسي
في طريق الشيخ أبي جعفر الطوسي إلى محمّد بن خالد الطيالسي يقع أحمد بن محمد بن يحيى.
توثيق أحمد بن محمد بن يحيى
يقول الشيخ في الفهرست في ترجمة محمّد بن خالد الطيالسي: «له كتاب رويناه عن الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه عن محمّد بن عليّ بن محبوب عنه»[3].
وقد انتهى الأُستاذ السيّد الخوئي قدس سره في كتابه الكبير المعجم إلى جهالة الرجل؛ لعدم ورود توثيق فيه[4].
ولكن المشهور كما يصرح به الأُستاذ رحمه الله هو الاعتماد عليه[5].
وقد وثّقه العلامة رحمه الله في الفائدة الثامنة من خاتمة الخلاصة، ووثّقه الشهيد الثاني في الدراية، وكذلك السماهيجي، والشيخ البهائي[6].
وكتب أبو العبّاس السيرافي إلى النجاشي في تعريف طرقه إلى كتب الحسين بن سعيد الأهوازي، فقال: فأمّا ما عليه أصحابنا والمعوّل عليه ما رواه عنهما: الحسين والحسن ابنا سعيد الأهوازيان[7]، فذكر طريقين، وفي الطريق الثاني يقع أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار...
وهذا كلام ظاهر في توثيق الرجل، وإن شكّك سيّدنا الأُستاذ رحمه الله في دلالته على التوثيق بـ «أن ذلك إنّما يتم لو كان الطريق منحصراً برواية أحمد بن يحيى، لكنه ليس كذلك، بل إن الكتب المعول عليها قد ثبتت بطريق آخر صحيح... ولعلّ ذكر الطريق الآخر إنّما هو لأجل التأييد»[8].
ولكنه خلاف الظاهر من كلام السيرافي؛ فإن¬ّ ظاهر كلامه: أن¬ المعول عليه من كتب الحسين والحسن ابني سعيد الأهوازيين هو ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى الطريق الأوّل، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار القمّي الطريق الثاني...
وإليك نص كلام النجاشي والسيرافي:
يقول النجاشي رحمه الله ـ في ترجمة الحسين بن سعيد بن حماد بن مهران وفي تسمية كتب الحسين وأخيه الحسن بن سعيد ـ: «أخبرنا بهذه الكتب غير واحد من أصحابنا... منها ما كتب إليَّ به أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح السيرافي رحمه الله في جواب كتابي إليه، يقول: والذي سألت تعريفه من الطرق إلى كتب الحسين بن سعيد الأهوازي رضي الله عنه . فقد روى أبو جعفر أحمد بن خالد البرقي، والحسين بن الحسن بن أبان، وأحمد بن محمد... فأمّا ما عليه أصحابنا، والمعوّل عليه ما رواه عنهما أحمد بن محمّد بن عيسى، أخبرنا الشيخ الفاضل أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن سفين سفيان البزوفري فيما كتب إليَّ في شعبان سنة 352 هـ قال: حدّثنا أبو عليّ الأشعري، أحمد بن إدريس بن أحمد القمّي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد بكتبه الثلاثين كتاباً...
وأخبرنا أبو علي أحمد بن يحيى العطّار القمّي، قال: حدّثنا أبي وعبد الله بن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله جميعاً، عن أحمد بن عيسى» [9].
وهو كلام ظاهر في توثيق أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار القمّي.
فإنّ السيرافي يقول: إن¬ّ تعويلهم ـ أي أصحابنا ـ وتعويله هو في تسمية هذه الكتب بهاتين الروايتين، وفي إحداهما يقع أحمد بن محمد بن يحيى العطّار... وهو كما ذكرنا كلام ظاهر في المطلوب.
ولكن سيّدنا الأُستاذ رحمه الله يناقش مع ذلك في دلالة هذه الرسالة على توثيق الرجل، فيقول: «ويردّه:
أوّلاً: ما عرفت من أن اعتماد القدماء على رواية شخص لا يدلّ على توثيقهم إيّاه؛ وذلك لما عرفت من بناء ذلك على أصالة العدالة التي لا نبني عليها.
وثانياً: إن¬ّّ ذلك إنّما يتم لو كان الطريق منحصراً برواية أحمد بن محمّد بن يحيى، لكنه ليس كذلك. بل إن تلك الكتب المعوّل عليها قد ثبتت بطريق آخر صحيح، وهو الطريق الأوّل الذي ينتهي إلى أحمد بن محمّد بن عيسى. ولعلّ ذكر طريق آخر إنّما هو لأجل التأييد»[10].
والإيرادان الواردان في كلام سيّدنا الأُستاذ رحمه الله موضع تأمّل وتوقف.
أما الإيراد الأوّل: فإنّ التعويل على رواية، إخبار عن توثيق الرواة بالملازمة، فلا يصح التعويل من غير الوثوق إلّا أن يثبت خلافه بالاعتماد في التعويل على أصالة العدالة، وهذا إخبار من قبل أصحابنا ومن ناحية ابن نوح بتوثيق الرواة الذين ورد ذكرهم في هذين الطريقين.
فإن¬ّ الظاهر من التعويل هو التوثيق، واحتمال أن يكون التعويل والاعتماد قائماً على أصالة العدالة لا التوثيق لا يعتنى به ما لم يعلم بذلك، ولا شكّ في أن مثل هذا العلم منتفٍ في المورد.
كما أن الظاهر من التوثيق هو الاعتماد على الحس أو الحدس القريب من الحس، وليس على الحدس والاجتهاد البحت، كما يقول سيّدنا الأُستاذ نفسه رحمه الله في مقدمة كتابه: «قلنا: إنّ هذا الاحتمال لا يُعتنى به بعد قيام السيرة على حجّية خبر الثقة فيما لم يُعلم أنّه نشأ من الحدس، ولا ريب في أنّ احتمال الحس في إخبارهم، ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة موجود وجداناً»[11].
نعم، إذا عرفنا من شخص أن اعتماده على راوٍ، يبتنى على أصالة العدالة عندئذٍ لا نأخذ باعتماده وتعويله. وأنّى لنا مثل هذا العلم؟!
كيف؟! ومعظم ما لدينا من التوثيقات من القدماء , في الفهارس والرجال والتراجم، وقد بلغت كتب القدماء في التوثيق والتجريح إلى عهد الشيخ رحمه الله نيفاً ومائة كتاب، كما يظهر من الشيخ والنجاشي..
ولو كان دأْب القدماء ـ أو غالبهم ـ اعتماد أصالة العدالة في التعويل والاعتماد على الرواة لم يكتب القدماء هذا العدد الكبير من كتب التوثيق والتجريح، وما الحاجة إلى مثل هذا الجهد الكبير في التوثيق؟!
يقول الشيخ رحمه الله ـ في العدّة في آخر فصل في ذكر خبر الواحدـ: «وممّا يدل أيضاً على صحة ما ذهبنا إليه: إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، فوثّقت الثقات منهم، وضعّفت الضعفاء، وفرّقت بين مَن يُعتمد على حديثه وروايته وبين مَن لا يُعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم، وذمّوا المذموم. وقالوا: فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مختلط في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي. وغير ذلك من الطعون التي ذكروها.
وصنفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال[12] من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتى أن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعف بروايته، هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم»[13].
هذه كلمات الشيخ رحمه الله عن دأب الطائفة في التعامل مع الرواة على أساس التوثيق، ورغم أن كلامه رحمه الله ليس في هذا السياق، إلّا أنه واضح وصريح في أن منهج القدماء هو التحرّي والتوثيق، وليس البناء على أصالة العدالة، كما يقول سيّدنا الأُستاذ قدّس الله نفسه.
ويقول الشيخ رحمه الله أيضاً في العدّة: «فأمّا ما اخترته من المذهب، فهو أن¬ّ خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا.. وكان ممّن لا يُطعن في روايته ويكون سديداً في نقله جاز العمل به... حتى أن واحداً منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه: من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور، وكان راويه ثقة لا يُنكر حديثه سكتوا وسلّموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله. وهذا عادتهم وسجيتهم من عهد النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده من الأئمة عليهم السلام ، ومن زمن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام الذي انتشر العلم عنه، وكثرت الرواية من جهته»[14].
هذا صريح كلام الشيخ رحمه الله ، وهو شيخ القدماء وخبير علم الرجال، وهو صريح في أن التعويل والاعتماد في الفتاوى والروايات على الموثوق من الروايات والرواة، وبغير ذلك لا تصح الفتاوى، ولا يسكتون عنها، ثم يصرّح بأن هذا ديدنهم في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بعده من الأئمة عليهم السلام ، وأحاديث الصادق جعفر بن محمد عليه السلام إلى عهد الشيخ. ولو كان المتقدّمون , يعوّلون على الراوي بناءً على أصالة العدالة ـ إذا ثبت إيمانه ـ ولم يثبت عليه طعن لما صحّ هذا الكلام كلّه.
ويقول الحر العاملي رحمه الله ـ في خاتمة الوسائل في الفائدة التاسعة في الوجه الرابع عشر ـ: «فإن أجابوا بأصالة العدالة، أجبنا بأنه خلاف مذهبهم، ولم يذهب إليه منهم إلّا القليل. ومع ذلك يلزمهم الحكم بعدالة المجهولين والمهملين، وهم لا يقولون به، ويبقى اشتراط العدالة بغير فائدة»[15].
وبناءً على ذلك؛ فإنّنا نعتمد تعويل القدماء واعتمادهم على الرواة، ونعتقد أن الظاهر من الاعتماد والتعويل هو التوثيق.
ولا شكّ في أنّنا نعمل بتوثيق القدماء ممّن كان في عصر السيرافي ابن نوح، كما نعمل بتوثيقات الشيخ والنجاشي.. وقد كان ابن نوح في عصر النجاشي، وموضع ثقة النجاشي، يعتمده ويراسله ويطلب منه التعريف بالرجال والكتب[16].
مناهج البحث في زيارة عاشوراء
فيما يأتي من هذا المقال، نحاول أولاًـ إن شاء الله ـ أن نُلقي نظرة إلى سند هذه الزيارة لإثبات اعتبار هذه الزيارة من ناحية السند. ونحاول ثانياً أن نثبت صحة هذه الزيارة بالقرائن الموجودة في أسانيدها الخمسة عند الشيخين ابن قولويه وأبي جعفر الطوسي، حتى مع افتراض عدم اعتبار سند هذه الزيارة.
إذن؛ نتناول دراسة هذه الزيارة إن شاء الله في هذه المقالة ضمن منهجين:
المنهج الأول: إثبات اعتبار رواة الزيارة، وهو ما يُسمى بـمبنى الوثاقة.
المنهج الثاني: إثبات اعتبار الزيارة نفسها، عن طريق القرائن الموجودة في أسنادها، بغض النظر عن اعتبار الرواة وعدم اعتبارهم، وهو ما يسمّى بـمبنى الوثوق بالصدور.
المنهج الأول: تصحيح أسناد زيارة عاشوراء
رويت زيارة عاشوراء بعدة روايات وأسانيد وطرق مختلفة، تصل إلى خمسة طرق عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق علهيما السلام ، منها:
الرواية الأُولى: رواية الشيخ عن محمد بن خالد الطيالسي
روى الشيخ في المصباح، عن محمّد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، قال: «خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال ـ وعندنا جماعة من أصحابنا ـ إلى الغري بعدما خرج أبو عبد الله عليه السلام ، فسرنا من الحيرة إلى المدينة، فلمّا فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، فقال لنا: تزورون الحسين عليه السلام من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام . من ها هنا أومأ إليه أبو عبد الله الصادق عليه السلام وأنا معه، قال: فدعا[1] صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمّد الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام في يوم عاشوراء، ثم صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام ، وودّع في دبرها أمير المؤمنين، وأومأ إلى الحسين بالسلام منصرفاً وجهه نحوه وودّع. وكان فيما دعا في دبرها: يا الله يا الله يا الله، يا مجيب دعوة المضطرين...»[2].
سند الرواية:
الكلام في سند هذه الرواية يقع أولاً في طريق الشيخ إلى محمد بن خالد الطيالسي، ومن ثمّ في الطيالسي ومَن روى عنهم.
طريق الشيخ إلى محمد بن خالد الطيالسي
في طريق الشيخ أبي جعفر الطوسي إلى محمّد بن خالد الطيالسي يقع أحمد بن محمد بن يحيى.
توثيق أحمد بن محمد بن يحيى
يقول الشيخ في الفهرست في ترجمة محمّد بن خالد الطيالسي: «له كتاب رويناه عن الحسين بن عبيد الله، عن أحمد بن محمّد بن يحيى، عن أبيه عن محمّد بن عليّ بن محبوب عنه»[3].
وقد انتهى الأُستاذ السيّد الخوئي قدس سره في كتابه الكبير المعجم إلى جهالة الرجل؛ لعدم ورود توثيق فيه[4].
ولكن المشهور كما يصرح به الأُستاذ رحمه الله هو الاعتماد عليه[5].
وقد وثّقه العلامة رحمه الله في الفائدة الثامنة من خاتمة الخلاصة، ووثّقه الشهيد الثاني في الدراية، وكذلك السماهيجي، والشيخ البهائي[6].
وكتب أبو العبّاس السيرافي إلى النجاشي في تعريف طرقه إلى كتب الحسين بن سعيد الأهوازي، فقال: فأمّا ما عليه أصحابنا والمعوّل عليه ما رواه عنهما: الحسين والحسن ابنا سعيد الأهوازيان[7]، فذكر طريقين، وفي الطريق الثاني يقع أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار...
وهذا كلام ظاهر في توثيق الرجل، وإن شكّك سيّدنا الأُستاذ رحمه الله في دلالته على التوثيق بـ «أن ذلك إنّما يتم لو كان الطريق منحصراً برواية أحمد بن يحيى، لكنه ليس كذلك، بل إن الكتب المعول عليها قد ثبتت بطريق آخر صحيح... ولعلّ ذكر الطريق الآخر إنّما هو لأجل التأييد»[8].
ولكنه خلاف الظاهر من كلام السيرافي؛ فإن¬ّ ظاهر كلامه: أن¬ المعول عليه من كتب الحسين والحسن ابني سعيد الأهوازيين هو ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى الطريق الأوّل، وأحمد بن محمّد بن يحيى العطّار القمّي الطريق الثاني...
وإليك نص كلام النجاشي والسيرافي:
يقول النجاشي رحمه الله ـ في ترجمة الحسين بن سعيد بن حماد بن مهران وفي تسمية كتب الحسين وأخيه الحسن بن سعيد ـ: «أخبرنا بهذه الكتب غير واحد من أصحابنا... منها ما كتب إليَّ به أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن نوح السيرافي رحمه الله في جواب كتابي إليه، يقول: والذي سألت تعريفه من الطرق إلى كتب الحسين بن سعيد الأهوازي رضي الله عنه . فقد روى أبو جعفر أحمد بن خالد البرقي، والحسين بن الحسن بن أبان، وأحمد بن محمد... فأمّا ما عليه أصحابنا، والمعوّل عليه ما رواه عنهما أحمد بن محمّد بن عيسى، أخبرنا الشيخ الفاضل أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن سفين سفيان البزوفري فيما كتب إليَّ في شعبان سنة 352 هـ قال: حدّثنا أبو عليّ الأشعري، أحمد بن إدريس بن أحمد القمّي، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد بكتبه الثلاثين كتاباً...
وأخبرنا أبو علي أحمد بن يحيى العطّار القمّي، قال: حدّثنا أبي وعبد الله بن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله جميعاً، عن أحمد بن عيسى» [9].
وهو كلام ظاهر في توثيق أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار القمّي.
فإنّ السيرافي يقول: إن¬ّ تعويلهم ـ أي أصحابنا ـ وتعويله هو في تسمية هذه الكتب بهاتين الروايتين، وفي إحداهما يقع أحمد بن محمد بن يحيى العطّار... وهو كما ذكرنا كلام ظاهر في المطلوب.
ولكن سيّدنا الأُستاذ رحمه الله يناقش مع ذلك في دلالة هذه الرسالة على توثيق الرجل، فيقول: «ويردّه:
أوّلاً: ما عرفت من أن اعتماد القدماء على رواية شخص لا يدلّ على توثيقهم إيّاه؛ وذلك لما عرفت من بناء ذلك على أصالة العدالة التي لا نبني عليها.
وثانياً: إن¬ّّ ذلك إنّما يتم لو كان الطريق منحصراً برواية أحمد بن محمّد بن يحيى، لكنه ليس كذلك. بل إن تلك الكتب المعوّل عليها قد ثبتت بطريق آخر صحيح، وهو الطريق الأوّل الذي ينتهي إلى أحمد بن محمّد بن عيسى. ولعلّ ذكر طريق آخر إنّما هو لأجل التأييد»[10].
والإيرادان الواردان في كلام سيّدنا الأُستاذ رحمه الله موضع تأمّل وتوقف.
أما الإيراد الأوّل: فإنّ التعويل على رواية، إخبار عن توثيق الرواة بالملازمة، فلا يصح التعويل من غير الوثوق إلّا أن يثبت خلافه بالاعتماد في التعويل على أصالة العدالة، وهذا إخبار من قبل أصحابنا ومن ناحية ابن نوح بتوثيق الرواة الذين ورد ذكرهم في هذين الطريقين.
فإن¬ّ الظاهر من التعويل هو التوثيق، واحتمال أن يكون التعويل والاعتماد قائماً على أصالة العدالة لا التوثيق لا يعتنى به ما لم يعلم بذلك، ولا شكّ في أن مثل هذا العلم منتفٍ في المورد.
كما أن الظاهر من التوثيق هو الاعتماد على الحس أو الحدس القريب من الحس، وليس على الحدس والاجتهاد البحت، كما يقول سيّدنا الأُستاذ نفسه رحمه الله في مقدمة كتابه: «قلنا: إنّ هذا الاحتمال لا يُعتنى به بعد قيام السيرة على حجّية خبر الثقة فيما لم يُعلم أنّه نشأ من الحدس، ولا ريب في أنّ احتمال الحس في إخبارهم، ولو من جهة نقل كابر عن كابر وثقة عن ثقة موجود وجداناً»[11].
نعم، إذا عرفنا من شخص أن اعتماده على راوٍ، يبتنى على أصالة العدالة عندئذٍ لا نأخذ باعتماده وتعويله. وأنّى لنا مثل هذا العلم؟!
كيف؟! ومعظم ما لدينا من التوثيقات من القدماء , في الفهارس والرجال والتراجم، وقد بلغت كتب القدماء في التوثيق والتجريح إلى عهد الشيخ رحمه الله نيفاً ومائة كتاب، كما يظهر من الشيخ والنجاشي..
ولو كان دأْب القدماء ـ أو غالبهم ـ اعتماد أصالة العدالة في التعويل والاعتماد على الرواة لم يكتب القدماء هذا العدد الكبير من كتب التوثيق والتجريح، وما الحاجة إلى مثل هذا الجهد الكبير في التوثيق؟!
يقول الشيخ رحمه الله ـ في العدّة في آخر فصل في ذكر خبر الواحدـ: «وممّا يدل أيضاً على صحة ما ذهبنا إليه: إنّا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار، فوثّقت الثقات منهم، وضعّفت الضعفاء، وفرّقت بين مَن يُعتمد على حديثه وروايته وبين مَن لا يُعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم، وذمّوا المذموم. وقالوا: فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مختلط في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفي، وفلان فطحي. وغير ذلك من الطعون التي ذكروها.
وصنفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال[12] من جملة ما رووه من التصانيف في فهارسهم، حتى أن واحداً منهم إذا أنكر حديثاً نظر في إسناده وضعف بروايته، هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم»[13].
هذه كلمات الشيخ رحمه الله عن دأب الطائفة في التعامل مع الرواة على أساس التوثيق، ورغم أن كلامه رحمه الله ليس في هذا السياق، إلّا أنه واضح وصريح في أن منهج القدماء هو التحرّي والتوثيق، وليس البناء على أصالة العدالة، كما يقول سيّدنا الأُستاذ قدّس الله نفسه.
ويقول الشيخ رحمه الله أيضاً في العدّة: «فأمّا ما اخترته من المذهب، فهو أن¬ّ خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا.. وكان ممّن لا يُطعن في روايته ويكون سديداً في نقله جاز العمل به... حتى أن واحداً منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه: من أين قلت هذا؟ فإذا أحالهم على كتاب معروف أو أصل مشهور، وكان راويه ثقة لا يُنكر حديثه سكتوا وسلّموا الأمر في ذلك وقبلوا قوله. وهذا عادتهم وسجيتهم من عهد النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده من الأئمة عليهم السلام ، ومن زمن الصادق جعفر بن محمّد عليه السلام الذي انتشر العلم عنه، وكثرت الرواية من جهته»[14].
هذا صريح كلام الشيخ رحمه الله ، وهو شيخ القدماء وخبير علم الرجال، وهو صريح في أن التعويل والاعتماد في الفتاوى والروايات على الموثوق من الروايات والرواة، وبغير ذلك لا تصح الفتاوى، ولا يسكتون عنها، ثم يصرّح بأن هذا ديدنهم في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بعده من الأئمة عليهم السلام ، وأحاديث الصادق جعفر بن محمد عليه السلام إلى عهد الشيخ. ولو كان المتقدّمون , يعوّلون على الراوي بناءً على أصالة العدالة ـ إذا ثبت إيمانه ـ ولم يثبت عليه طعن لما صحّ هذا الكلام كلّه.
ويقول الحر العاملي رحمه الله ـ في خاتمة الوسائل في الفائدة التاسعة في الوجه الرابع عشر ـ: «فإن أجابوا بأصالة العدالة، أجبنا بأنه خلاف مذهبهم، ولم يذهب إليه منهم إلّا القليل. ومع ذلك يلزمهم الحكم بعدالة المجهولين والمهملين، وهم لا يقولون به، ويبقى اشتراط العدالة بغير فائدة»[15].
وبناءً على ذلك؛ فإنّنا نعتمد تعويل القدماء واعتمادهم على الرواة، ونعتقد أن الظاهر من الاعتماد والتعويل هو التوثيق.
ولا شكّ في أنّنا نعمل بتوثيق القدماء ممّن كان في عصر السيرافي ابن نوح، كما نعمل بتوثيقات الشيخ والنجاشي.. وقد كان ابن نوح في عصر النجاشي، وموضع ثقة النجاشي، يعتمده ويراسله ويطلب منه التعريف بالرجال والكتب[16].
تعليق