عتاب الهي بليغ ‍‍!!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عاشق الامام الحسين

    عتاب الهي بليغ ‍‍!!


    عتاب الهي بليغ ‍‍!! (18-الحشر / ج28)
    {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}..
    إن هذه الآيات من سورة الحشر، يُقال بأنها من أبلغ الآيات المُشيرة إلى مسألة مراقبة النفس..
    وينبغي أن نخرج بدرس عملي، وقرار صارم من هذه الآية، في كيفية التعامل مع النفس.
    {يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ}..

    إن القرآن الكريم مليء بالأمر بالتقوى،وليست التقوى إلا الكفَّ عما لا يُرضي الله عز وجل: عملاً بالواجب، وإنتهاءً عن المحرم.

    {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}.. يا لها من روعة!..

    إن الأمر بالتقوى خطاب للمسلمين وللمؤمنين: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ}..
    ولكن عندما يصل الأمر إلى المحاسبة، فإننا نلاحظ تغيير في لحن الآية: {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}..

    ففي صدر الآية هناك خطاب وهو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوااللَّهَ}، ولكن {وَلْتَنظُرْ}..
    فإنه كلام مع الغائب، وليس هناك مواجهة في الخطاب.. يقول البعض -ونعم ما يقول!..
    - بأن هذه الآية لاتخلوا من عتاب، ومن تقريع مبطن.. وكأن الله عزّ وجل يُريد أن يقول: أُخاطب مَن؟
    فالأمر بالتقوى يمكن أن أخاطب به المؤمنين، لكن مراقبة النفس أمرٌ صعب، فهو أمرٌ لا يلتفت إليه الخلق..
    {وَلْتَنظُرْنَفْسٌ} فيه تنكير، وكأن هذه النفوس التي تنظر إلى ما قدمت لغد، نفوس في غاية القلةوفي غاية الندرة..
    وبالتالي، فكأن الله عز وجل لا يجد من يخاطبهم في الأمر بمحاسبة النفس..
    ويا له من تقريع، ومن تعظيم لأمر محاسبة النفس!..

    ولهذا فإن الله عز وجل،يبدو من خلال هذه الآية، أنه يشير إشارة خفية إلى أن الممتثلين لهذا الأمر الإلهي قليلون جدا.

    {وَاتَّقُوا اللَّهَ}.. مرة أخرى الأمربالتقوى..
    وكأن لب التقوى وثمرتها، هي عبارة عن محاسبة ومراقبة النفس.. فمن دون الاهتمام البليغ بمحاسبة النفس ومراقبتها، كأن هذه التقوى لا تتم..

    فكيف للإنسان أن يتقي غضب الله عز وجل وهو لا ينظر إليه، ولا يهتم بمراقبته لعبده؟..

    فيعصيه العبد،وقد جعله أهون الناظرين إليه..
    وعليه، فصحيح أن التقوى هي تكليف الجميع، ولكن هذه التقوى لا تتكامل ولا تعطي ثمارها المرجوة، يقول الكاظم (ع) كما في الرواية: (ليس منا مَن لم يحاسب نفسه في كلّ يوم)..

    والتعبير فيه شعار لطرد عن دائرة المعصوم،ومَن مع المعصوم من من الأولياء والمؤمنين.

    ثم تقولالآية: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}،
    إن نسيان الله عز وجل قد يجتمع مع الطاعة..
    يقال: بأن نسيان الشيء، هو عبارة عن ذهاب صورة الشيء من الذهن..
    أي إذا غابت صورة الشيءعن بالك، فإن ذلك الشيء منسي، وأنت ناسي لذلك الأمر..

    ولهذا فإن الإنسان قد يعمل في شركة لسنوات طويلة، أو في دائرة، وغير ذلك، ويؤدي واجبه اليومي..
    وينسى صاحب العمل وينسى الوزير والأمير.. فهو يعمل بشكل تلقائي، ولكن لا يذكر الآمر..
    وهكذا فإن البعض قد يطيع رب العالمين، ويتعود على الصلاة..
    فبعض الروايات تقول –ما مضمونه-: (لو ترك الصلاة لاستوحش من ذلك)..
    فهو وجود تلقائي يعبد الله عزّ وجلّ، ولكنه لايعيش حالة الذكر الدائم ولا المتقطع..
    فإذن، إن نسيان الله عز وجل يكون تارة بعدم الاعتراف به والتحدي؛ وهو الكفر..
    وتارة يكون في مقام العمل، ومن منا يذكر هذه الصورة العُظمى في الوجود؟..

    هذا الوجود الحقيقي الذي لا يساويه وجود!..
    فكل وجودرشحة من رشحات فيضه!..
    مَن منا يذكر الله عز وجل؟..

    والقرآن الكريم يهدد ويقول: لا بأس لا تذكروني، أنا أيضاً لا أذكركم.. وأمحوكم عن ديواني، {فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ}.. أي أنت لا وزن لك عندي، ولاوجود..
    إن الله عزّ وجلّ يُعامل بني آدم على أنه شيء في الوجود، لا على أنه عبدٌ لهصلة بالله عز وجل..
    فينظر إليه على أنه قطعة من الأرض، كالجبل الأشم الذي لا عقلله..

    وهكذا يتحول الإنسان إلى موجودٍ، لا شعور ولا روح له في الوجود..
    وإذا نسي الله عبدا أنساه نفسه.. أي أن نسيان الله عزّ وجلّ، سوف يدعوه إلى نسيان نفسه بترك المراقبة..
    فالإنسان الذي لا يراقب نفسه، قد نسي نفسه.. ولهذا فإن الإنسان المصلي الذي يصلي بقلب غافل، فهو إنسان نسي نفسه..
    ويوم القيامة قد يصبح هناك جدال، وهذا الجدال قد يكون بين النفس والجوارح.. فكما أن الجوارح يوم القيامة تتحدى بني آدم،وتشهد عليه..

    {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ}..
    فيُحتمل وجود جدال آخر ومنازعة أخرى،
    تقول الجوارح: يا نفس!.. أنا كجوارح، وأنا كلحم وعظم ودم، ركعت وسجدت لله عزّوجلّ.. وأنتِ يا نفسي مابالكِ كُنتِ من الغافلين!..
    فأنا كلحم وعظم لا شعور له ولاعقل له، خضعت بين يدي الله، وكنت ساهياً تذهب يمينا وشمالاً.. وقد تفكر بالحرام وأنت قائماً بالصلاة.. ما هذا الغبن الفاحش!..

    فكما أن الجلود تشهد على الإنسان يوم القيامة، فمن الممكن أن تقوم بهذا العتاب البليغ أيضاً.

    {أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}..

    إن هذه الآية لا تقول: أولئك هم الخاسرون.

    فالذي نسي الله عز وجل نحن في عرفنا أنه إنسان غافل، فقد نسي الله عزّوجلّ كباقي أهل الأرض..
    ولكن القرآن الكريم يقول: {أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}..

    فنسيان الله عز وجل: إما هو فسقٌ خفي، أو مقدمة لفسق جليّ.

    {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}..

    إن هذه الآية فيها أيضا عتابات مبطنة.. إنها تقول: يا بني آدم!.. لقد أنزلنا عليك القرآن،وكلفناك بالقرآن الكريم، وأمرناك بتلاوته، وجعلناك أهلاً لتحمل معانيه..
    فالوجودالبشري بعقله وبقلبه، يستوعب القرآن إجمالاً، أنزلنا عليك القرآن..
    فقد أنزله على النبي كمتلقٍ وكمرسل، وأنزله على قلب كل تالٍ للقرآن الكريم..

    {لَوْ أَنزَلْنَاهَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}..

    ونحن ماذا نعمل أمام القرآن الكريم، إننا لا نعيش أدنى درجات الخشوع، الذي يخشعه الجبل لو أنزل الله القرآن عليه..
    {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

    ثم يبدأ بختام بسورة الحشر، وهذه الآيات من الآيات البليغة في القرآن،آيات ربوبية وملكية :
    {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُالْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ، هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}..

    فحسب الظاهر أن هذهأسماء الله الحسنى.. ولكن هناك ترابط بليغ مع آيات المراقبة، فقد بدأت الآية بذكرالله عزّ وجلّ،
    وهو ان لا ننسى الله عز وجل، {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}.. لماذا؟..

    لأنك ستلاقي هكذا رب، فعندما يدعوك القرآن لعدم نسيان الرب،الرب الذي له هذه الصفات الحسنى.. فإذن، إن القضية منطقية جداً.. أي بما أني ما دمت ارجع لهكذا رب: مهيمن، ومصور، وقدير، وجبار.. فهو أهل لأن يُراقَب، وأهل لأنيُذكر.

    فكأن ختام هذه الآيات تشجيع للعبد على أن يلتزم بالمراقبة الدقيقة المستوعبة لكل آن من آنات الحياة.

    ولهذا فإن التدبرفي القرآن الكريم، هو مفتاح التكامل.. فهذه الآيات مفتاح الفلاح، لأنها تؤكد على عنصر جوهري، وهو مسألة المراقبة، والمراقبة متوقفة على معرفة المراقَب، وصفات جلاله وكماله..
    فإذن، علينا التدبر في هذه الآيات، واتخاذها ورداً في اليوم، لأن هذه الآيات من الآيات التي يستحسن قراءتها دائماً..


    من قوله تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَاهَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}..


    لتكون عنصر ردعٍ وتذكير للمؤمن، كلما أراد أن ينسى ربه.

    نسألكم الدعاء....

  • عاشقة السيدة زينب ع
    • Jul 2010
    • 8202

    #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطااهرين
    وعجل فرجهم وألعن أعداائهم
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاااته
    مشكور خيي على الموضوع النوراااني
    نور الله قلبك
    في ميزااان أعماالك

    تعليق

    • ناصرة ام البنين
      • Oct 2009
      • 3252

      #3

      تعليق

      • عاشق الامام الحسين

        #4

        احسنتي اختي الكريمه
        دائما مبدعه اختي الفاضله

        تعليق

        • الـدمـع حـبـر العـيـون
          • Apr 2011
          • 21803

          #5

          اللهم صل على محمد وآل محمد

          جُزيت خيراً

          تعليق

          • ** خـادم العبـاس **
            • Mar 2009
            • 17496

            #6
            احسنت واجدت اخي الكريم
            بارك الله بك
            وجزاك كل خير
            تقبل مروري

            تعليق

            يعمل...
            X