بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً*
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى .)
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى .)
{وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي} الذي أنزلته عليه، فلم يحاول أن يتفهمه ويعيه ويلتزمه كخط للحياة، ولم يحسب حساب الله في كل صغيرة وكبيرة من عمله، بل حسب حساب هواه وشيطانه الذي يغويه ويضله، {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} أي ضيقة، لأنه لا يحصل على شيء منها إلا وتطلعت نفسه إلى شيء آخر، فيشعر بالقلق والحسرة إذا لم يحصل عليه، فإذا تحقق له ذلك انتقل إلى شيء آخر، فهو محاصر بحاجاته وتمنياته في ما يخلد فيه إلى الأرض، فلا يتجاوزها إلى الآفاق الرحبة التي ينطلق فيها إلى الله سبحانه، ولذلك فإنه يبقى مختنقاً بالآفاق الضيقة، والأجواء الخانقة التي مهما اتّسعت، فإنها تظل في دائرة محدودة تضيق به، فلا تمنحه الإحساس الغامر بالسعادة التي لن تحصل للإنسان إلاّ بالإشباع الروحي. حتى المادة التي يغذي بها حاجاته الجسدية، لا تعطيه اللذة إلاّ إذا ارتفع بها إلى أجواء الروح فأعطاها شيئاً من الروحية في النية والجو والحركة. ومهما امتدت به هذه الحياة الدنيا، ومهما أعطته من مباهجها، فإنها محدودة بالموت الذي يلغي ويفسد كل شيء فيها.
{وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمَى} لا يهتدي الطريق إلى الجنة، لأن الطريق مسدود أمامه، بما وضعه من حواجز أمام نفسه في طريق الوصول إليها من خلال أعماله..
{قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً} ربما يظهر من هذه الآية أن العمى هنا هو عمى الحس بدليل مقارنة الإنسان له بالبصر في الدنيا، فيأتي بذلك الاعتراض بأن الظاهر من الآيات التي تتحدث عن يوم القيامة، كقوله تعالى: {رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة:12]؛ وقوله تعالى {اقْرَأْ كَتَـابَكَ} [الإسراء:14]، أن هناك بصراً في يوم القيامة. ثم كيف يأتي هذا الكلام من الإنسان الذي كان بصيراً في الدنيا؟ وربما يوجه ذلك بأن «من الظاهر المسلّم به من الكتاب والسنة أن النظام الحاكم في الآخرة غير النظام الحاكم لها في الدنيا الذي تألفه في الطبيعة، وكون البصير مبصراً لكل مبصر، والأعمى غير مدرك لكل ما من شأنه أن يرى كما هو المشهود في النظام الدنيوي، لا دليل على عمومه للنظام الأخروي؛ فمن الجائز أن يتبعض الأمر هناك، فيكون المجرم أعمى لا يبصر ما فيه سعادة حياته وفلاحه وفوزه بالكرامة، وهو يشاهد ما يتم به الحجة عليه وما يفزعه من أهوال القيامة، وما يشتد به العذاب عليه من النار وغيرها».
قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا) في ما يعنيه النسيان من غفلة عنها، ومن بعد عن الصورة الحقيقية للمضمون الفكري لهذه الآيات، لأنه لا يملك الرؤية السليمة التي تجعله يبصر مواقع الهدى في كلمات الله، أو لأنه أهمل التركيز عليها من خلال أجواء اللامبالاة التي يمارسها تجاه الدعوة الإلهية. {وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} ولهذا كان جزاء ذلك هو إهماله يوم القيامة، ونسيانه العملي من قبل الله، بحيث لم يفتح الله له قلبه للأجواء الروحية المنفتحة على السعادة والطمأنينة الروحيين، كما لم يفتح قلبه لله في دار الدنيا، فكان العمى في الآخرة نتيجة للعمى في الدنيا، كما كان نسيانه لله هناك سبباً في نسيان الله له هنا، من ناحية عملية. والله العالم بحقائق آياته.
تفسير من وحي القرآن
تعليق