
السجن أحبّ إلي ..
قال الله تعالى: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ... سورة يوسف
كل إنسان معرض في هذه الدنيا أن يقف في لحظة ما وفي موقع ما بين خيارين: الآخرة والدنيا، فهو إما أن يختار الآخرة وهذا قد يعني أن يتحمل العذاب والحرمان في هذه الدنيا، وأن يختار الدنيا وفي هذا خسارة الآخرة.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "من كانت الآخرة همه جمع الله شمله وجعل غناه بين عينيه وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه فرق الله شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله".
ولكن اختيار الإنسان للآخرة على الدنيا لا يكون على حد واحد، فمن الناس من يختار الآخرة ولكنه يختارها وهو فعلاً محب لهذه الدنيا، أي وهو يعيش حالة من الأسف على هذه الدنيا. ولكن العارف الحقيقي الذي وصل إلى اليقين في قلبه بأن هذه الدنيا مصيرها الفناء والزوال وأن الآخرة هي الحياة الدائمة السرمدية فإن موقفه سوف يكون موقف يوسف عليه السلام الذي تلخصه جملة واحدة قالها عليه السلام: "السجن أحب إلي"، أي ليست المسألة اختيار وتفضيل فقط. بل هذا العذاب الدنيوي أحب إليه من أن يقع في العذاب الأخروي ومعصية الله عز وجل.
وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إذا أردت أن تعلم أن فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة الله ويبغض أهل معصيته ففيك خير، والله يحبك، وإن كان يبغض أهل طاعة الله ويحب أهل معصيته فليس فيك خير، والله يبغضك، والمرء مع من أحب".
وقد تجلى موقف يوسف هذا (اختيار الآخرة على الدنيا) في موقف الحر بن يزيد الرياحي في معركة كربلاء حيث قال: "إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار، ووالله لا اختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وحرقت".

تعليق