للقران درجات ومدارج

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • دمعة الكرار
    • Oct 2011
    • 21333

    للقران درجات ومدارج

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وال محمد


    وقال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}(3)،
    فالتأويل والبطون سوى ظاهره المنزّل، بل وتلك البطون التي لا تنفذ من بحور حقائق القرآن تترقّى وتتّصل بأصل حقيقة القرآن الغيبية التي يُطلق عليها: الكتاب المكنون، والكتاب المبين، أو اللوح المحفوظ، أو أُمّ الكتاب.

    ____________
    1- سورة آل عمران 3: 7.
    2- سورة الأعراف 7: 53.
    3- سورة يونس 10: 39.
    وعلى ضوء ذلك، فليست الشريعة والدين تقتصران وتنحصران في الظاهر المنزّل، بل هما يشملان تلك البطون، فلا ينحصر تبليغ وأداء الشريعة بأداء الظاهر المنزّل وإبلاغ آيات التنزيل، بل يعمّ تلك البواطن.
    ولم يقف على تلك البواطن وأُمّ الكتاب إلاّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) وعترته الذين ورثوه بوراثة الاصطفاء، فسنخ ونمط تحمّل النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتبليغه وتحمّل أهل بيته (عليهم السلام) عنه وتبليغهم ليس سنخ نمط تحمّل وتبليغ الرواة للأخبار الحسّية المسموعة لفظاً التي تحمّلوها ليؤدّوها إلى غيرهم، كي يكون الحال في هذا التبليغ (رُبّ حامل لا يفقه ما حُمّل أو رُبّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه)، لأن ما تحمّله النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى وتحمّله أهل بيته (عليهم السلام) عنه هو تحمّل للحقائق المهيمنة والمحيطة بالمعاني
    حقيقة تبليغ النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته
    المنزّلة في آفاق درجات المعاني الباطنة والظاهرة والألفاظ المقروءة.
    فمن ثمّ سُمّي هذا التبليغ والإبلاغ (إنزالاً) و (تنزيلاً)، بينما سُمّي تبليغ الرواة إلى غيرهم (نقلاً) وإيصالاً في خطّ أُفقي، ونقلاً للحديث الملفوظ وإسماع الكلام المسموع (ورواية) للخبر المعلوم بالحواسّ الظاهرة، فالذي تحمّلوه هو ألفاظ مسموعة وطبقة من المعاني الظاهرة لأفهامهم من وراء حجاب اللفظ، فهذا النمط والنوع من التحمّل والتبليغ يتحرّك في سير أُفقي، ومن ثمّ قد يصعد المنقول إليه ويتصاعد إلى بعض درجات المعاني وغورها، على عكس الناقل الذي ربّما يكون واقفاً على الألفاظ والدرجة الأُولى لمعانيها، فيكون المنقول والمحمول إليه الخبر أكثر إحاطةً من الناقل والحامل.
    وهذا لا يُتصوّر في التحمّل الوحياني والتبليغ النبويّ، وتحمّل الإمام عن النبيّ وتبليغه لا يكون إلاّ عن إحاطة بالحقائق الوجودية، فضلاً عن الإحاطة بكل آفاق المعاني التي هي صور منعكسة متنزّلة عن تلك الحقائق، وأشعة ولمعات يسيره من وهج نور الحقيقة، كيف لا، وتلك الحقائق لا يشذّ عنها رطب ولا يابس ولا غائبة في السماوات والأرض، ولا ما كان ولا ما يكون وكلّ شيء مستطرّ، وتحيط بكلّ هدى ونور وكلّ فلاح وصلاح وكل سعادة ونجاح، وتبيان لكلّ شيء.

    ففيما يبلّغه النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) لا تقف الرعية بما فيها من الفقهاء والعلماء والحكماء والعارفين ـ إلاّ على الألفاظ المتنزّلة والمعاني الظاهرة، وقد يترقّى الحال في بعضهم للوصول إلى بعض درجات المعاني أو لمح بعض لمعان أنوار الحقائق، من دون التحقّق بعينية تلك الحقائق فضلاً عن اكتناهها، ولا الإحاطة بجميع مدارج المعاني.
    من ثمّ تدوم وتظلّ حاجة الرعية والبشرية قائمة ومستمرّة إلى تواصل بيانات النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) وهدايتهم وتبليغهم، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: {مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}(1)، وقوله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ}(2).
    وكذلك يشير قول الإمام الصادق (عليه السلام) في رواية إسحاق بن عمار، قال: "إنّما مثل عليّ (عليه السلام) ومثلنا من بعده من هذه الأُمّة كمثل موسى (عليه السلام) والعالم حين لقيه واستنطقه وسأله الصحبة، فكان من أمرهما ما اقتصّه الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) في كتابه، وذلك أنّ الله قال لموسى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ}(3)، ثم قال: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الاَْلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْء مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْء}(4)
    ____________
    1- سورة آل عمران 3: 7.
    2- سورة العنكبوت 29: 49.
    3- سورة الأعراف 7: 144.
    4- سورة الأعراف 7: 145.
    وقد كان عند العالم علم لم يكتب لموسى في الألواح، وكان موسى يظنّ أنّ جميع الأشياء التي يحتاج إليها في تابوته وجميع العلم قد كتب له في الألواح، كما يظنّ هؤلاء الذين يدّعون أنّهم فقهاء وعلماء وأنّهم قد أثبتوا جميع العلم والفقه في الدين ممّا تحتاج هذه الأُمّة إليه وصحّ لهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلموه وحفظوه، وليس كلّ علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) علموه ولا صار إليهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا عرفوه، وذلك أنّ الشيء من الحلال والحرام والأحكام يرد عليهم فيُسألون عنه، ولا يكون عندهم فيه أثر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويستحون أن ينسبهم الناس إلى الجهل ويكرهون أن يُسألوا فلا يجيبوا فيطلب الناس العلم من معدنه، فلذلك استعملوا الرأي والقياس في دين الله وتركوا الآثار ودانوا الله بالبدع، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): كلّ بدعة ضلالة، فلو أنّهم إذا سُئلوا عن شيء من دين الله فلم يكن عندهم منه أثر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ردّوه إلى الله وإلى الرسول وإلى أُولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم من آل محمّد، والذي منعهم منّا العداوة والحسد لنا.
    لا والله ما حسد موسى (عليه السلام) العالم، وموسى نبيّ الله يُوحي الله إليه حيث لقيه واستنطقه وعرّفه بالعلم، ولم يحسده كما حسدتنا هذه الأُمّة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على علمنا وما ورثنا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يرغبوا إلينا في علمنا كما رغب موسى (عليه السلام) إلى العالم وسأله الصحبة ليتعلّم منه ويرشده، فلمّا أن سأل العالم ذلك علَم العالم أنّ موسى (عليه السلام) لا يستطيع صحبته ولا يحتمل علمه ولا يصير معه، فعند ذلك قال العالم: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}(1)؟ فقال موسى (عليه السلام) له وهو خاضع له يستعطفه على نفسه كي يقبله: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}(2)
    ____________
    1- سورة الكهف 18: 68.
    2- سورة الكهف 18: 69.
    وقد كان العالم يعلم أنّ موسى (عليه السلام) لايصبر على علمه، فكذلك والله - ياإسحاق بن عمار- حال قضاة هؤلاء وفقهائهم وجماعتهم اليوم، لايحتملون والله علمنا ولا يقبلونه ولا يطيقونه ولا يأخذون به ولا يصبرون عليه، كما لم يصبر موسى (عليه السلام) على علم العالم حين صحبه ورأى ما رأى من علمه، وكان ذلك عند موسى (عليه السلام) مكروهاً وكان عند الله رضاً وهو الحقّ، وكذلك علمنا عند الجهلة مكروه لا يؤخذ وهو عند الله الحق"(1).
    فإذا التفتّ بنحو الإجمال إلى سنخ تحمّل وتبليغ النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن الله تعالى وتحمّل وتبليغ أهل بيته (عليهم السلام) عنه، يجدر بالمقام الالتفات إلى كون القرآن ذا حقيقة عينية غيبية، والتي هي الكتاب المبين وأُمّ الكتاب واللوح المحفوظ والكتاب المكنون، كما في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَاب مَكْنُون * لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(2)، حيث يشير إلى وجود كينونة للقرآن علوية تُدعى بالكتاب المكنون، أي المحفوظة من أن يصل إليها إلاّ المطهرون من الذنوب والرجس، وأنّ ما بين الدفّتين من القرآن تنزيل ونزول من ذلك المقام العلوي له.
    ومثل هذه الإشارة نجدها في قوله تعالى: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْح مَحْفُوظ}(3)، فوصف القرآن بالمجد والعظمة لكينونته العلوية، أي أنّ المجد والعظمة وصف لذلك الوجود، ولا يغرق الباري تعالى في وصف موجود بالعظمة إلاّ لخطورة موقعيته في عالم الأمر والخلقة، وتلك الكينونة هي المسمّاة باللوح المحفوظ، والوصف بلفظ المحفوظ مع لفظ المكنون مترادف.
    وكذلك نجد الإشارة نفسها في قوله تعالى: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ}(4)
    ____________
    1- العياشي 2 / 330 ح 46، والبرهان 3 / 651 في ذيل سورة الكهف آية 18.
    2- سورة الواقعة 56: 77 - 81.
    3- سورة البروج 85: 25.
    4- سورة الزخرف 43: 4.
    فوصف القرآن بأنّ له كينونة في أُمّ الكتاب وهي وجود علوي لدني عنديَّ لدى الباري تعالى، وهذا الوجود موصوف بالعلوّ والإحكام في قبال التفصيل الذي طرأ على القرآن حين النزول، كما يشير إليه قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَاب فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْم هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْم يُؤْمِنُونَ}(1).
    وكذلك قوله تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيم خَبِير}(2)، وكذلك قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}(3)، فالقرآن النازل تفصيل ونجوم للكتاب العلوي، ويشير إلى الوجود العلوي للقرآن قوله تعالى: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَة مُبَارَكَة إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}(4)، أي أنّ القرآن متنزّل من الكتاب المبين، وقد وصِفَ الكتاب المبين بعدّة أوصاف:
    منها: قوله تعالى: {وَمَا مِنْ غَائِبَة فِي السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين}(5)، وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّة فِي ظُلُمَاتِ الاَْرْضِ وَلاَ رَطْب وَلاَ يَابِس إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين}(6)، وقوله تعالى: {.. وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّة فِي الاَْرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين}(7)، وقوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الاَْرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَاب مُبِين}(8).
    ____________
    1- سورة الأعراف 7: 52.
    2- سورة هود 11: 1.
    3- سورة يونس 10: 37.
    4- سورة الدخان 44: 1 - 3.
    5- سورة النمل 27: 75.
    6- سورة الأنعام 6: 59.
    7- سورة يونس 10: 61.
    8- سورة هود 11: 6.
    ثمّ إنّ هناك تعدّداً أيضاً بين مقام وموقع القرآن الكريم بحسب الكتاب المبين واللوح المحفوظ وأُمّ الكتاب، وبين إنزاله جملةً واحدة، وبين تنزيله مفصّلاً مفرّقاً بحسب الزمان، فهناك ثلاثة مقامات ومواقع ومراحل رئيسية للقرآن الكريم لا يسع المقام الخوض في تفصيلها، إلاّ أنّ المحصَّل ممّا مرّ أنّه (صلى الله عليه وآله) عالم بالكتاب المبين واللوح المحفوظ.
    وكذلك أهل بيته المطهّرون، كما أنّه (صلى الله عليه وآله) قد أُنزل إليه القرآن جملة وهي المرحلة الثانية، كما تنزّل عليه القرآن نجوماً مفصّلاً أو تفصيلاً وهي المرحلة الثالثة، كما تبيّن أنّ حقائق القرآن العينية موجودة بوجود علوي، وأنّ المعاني وطبقاتها متنزّلة من تلك الحقائق معاكسة وحاكية لها، وأنّ ألفاظ التنزيل ثوب وصورة.





  • محب الرسول

    • Dec 2008
    • 28579

    #2

    تعليق

    • دمعة الكرار
      • Oct 2011
      • 21333

      #3

      تعليق

      • عاشقة النور
        • Jan 2009
        • 8942

        #4
        سلمت اناملك
        على المشاركة النورانية



        "عاشقة النور"

        تعليق

        • دمعة الكرار
          • Oct 2011
          • 21333

          #5

          تعليق

          • الـدمـع حـبـر العـيـون
            • Apr 2011
            • 21803

            #6


            تعليق

            • دمعة الكرار
              • Oct 2011
              • 21333

              #7

              تعليق

              • رونق الروح
                • May 2012
                • 492

                #8


                تسلم يمينكـ وَ يسلم إنتقائكـ الرائع بروعتكـ ..
                يعطيكـ الف عافيه على الطرح الرائع ..
                لا حرمنا من إبداعكـ ..
                بَ إنتظار جديدكـ المتميز وَ تواجدك المتألق ..
                لَ قلبَكـ طُوق الياسمين ..

                تعليق

                • دمعة الكرار
                  • Oct 2011
                  • 21333

                  #9

                  تعليق

                  • سكون الليل
                    • Nov 2008
                    • 2787

                    #10
                    موضوع رائع وجميل تقبلي مروري

                    تعليق

                    • دمعة الكرار
                      • Oct 2011
                      • 21333

                      #11

                      تعليق

                      • صدى الطف
                        • Jun 2012
                        • 1464

                        #12
                        شـۓـہہـي روعـۓـہہـة تقبـۓـہہـلي مروري

                        تعليق

                        • دمعة الكرار
                          • Oct 2011
                          • 21333

                          #13

                          تعليق

                          يعمل...
                          X