بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
نهاية العالم وبداية يوم القيامة ....
الدنيا والآخرة ككفتي الميزان، الحديث 95.الخصال، للشيخ الصدوق(رحمه الله) الجزء الأول...
الآيات
وَأَمَّا مَن أُوتِىَ كِتَـبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ(10) فَسَوفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً(11) وَيَصْلَى سَعِيراً(12) إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ مَسْرُوراً(13) إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ(14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً(15)
التّفسير
الذين يستلمون كتابهم من وراء ظهرهم:
بعد أن عرضت الآيات السابقة أحوال فريق أصحاب اليمين، تأتي الآيات أعلاه لتعرض لنا أحوال الفريق الآخر، وتوصف لنا كيفية إعطاء كتاب كلّ منهم مشرعة لتقديم المشاهد الاُخرى: (وأمّا مَن اُوتي كتابه وراء ظهره)..فيصرخ وينادي الويل لي لقد هلكت (فسوف يدعو ثبوراً).
(ويصلى سعيراً)
ذكرت الآية بأن المجرمين سيؤتون كتبهم من وراء ظهورهم، في حين أنّ آيات اُخرى تقول بأنّ المذنبين سيعطى كتاب كلّ منهم بيده الشمال.
فهل من تأليف فيما بين العرضين؟
للمفسّرين جملة آراء في ذلك، منها:
قيل: إنّ يدهم اليمنى تُغلّ إلى أعناقهم، ويعطون الكتاب باليد اليسرى من وراء ظهورهم إيغالاً في إذلالهم وإخجالهم.
وقيل: إنّ كلتي يديهم تربط من خلفهم ـ كما يفعل بالأسير ـ ويعطون الكتاب باليد اليسرى من وراء الظهر.
وقيل أيضاً: ستكون وجوه المجرمين من الخلف، بدلالة الآية (47) من سورة النساء: (من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها)، فيعطون كتبهم من وراء ظهورهم وبيدهم اليسرى، كي يقرؤوها بأنفسهم.
والأنسب أن نقول: سيأخذ أصحاب اليمين كتبهم بافتخار ومباهاة في يدهم اليمنى، وكلّ منهم يقول: (هاؤم اقرأوا كتابيه)(1)، ولكن المجرمين سيأخذون كتبهم بأيديهم اليسرى وبسرعة ويضعونها وراء ظهورهم خجلاً وذلاً، ولكي لا يطّلع على ما فيها أحد، ولكن، هيهات.. فكلّ شيء جينئذ بارز، كيف لا وهو «يوم البروز»!...
(يدعو ثبوراً): يصرخ بالويل والثبور، كما هو متعارف عليه عند نزول بلاء، أو وقوع حادث شديد الخطورة.
و«الثبور»: الهلاك.
ولكنّ صراخه سوف لا يدر عليه نفعاً أبداً أبداً، ولابدّ من نيله جزاء ما اقترف: (ويصلى سعيراً) أي يدخل نار جهنم.
وتبيّن الآية التالية علّة تلك العاقبة المخزية: (إنّة كان في أهله مسروراً).
سروراً ممتزجاً بالغرور، وغروراً احتوشته الغفلة والجهل بربّ الأرباب سبحانه وتعالى، فالسرور المقصود في الآية، هو ذلك السرور المرتبط بشدّة بالدنيا والمنسي لذكر الآخرة.
_______________________________________
1 ـ سورة الحاقة، الآية 19.
وبديهي فالسرور والإرتياح ليس مذموم بذاته، ولكنّ السرور المذموم هو الذي يغفل فيه الإنسان عن ذكر مولاه عزّوجلّ، ويغرق به في بحر شهواته الموصل إلى التيه والضلالة والجهل. أمّا سرور المؤمن بلطف اللّه ونعمائه، وبشاشته عند مصاحبة إخوانه، فما احلاها وأزكاها.
ويتقرب لنا المعنى من خلال الآية التالية: (إنّه ظنّ أن لن يحور).
فاعتقاده الفاسد وظنّه الباطل الدائر على نفي المعاد، مصدر سروره وغروره وهو ما سيوصله إلى الشقاء الأبدي، لأنّه ابتعد عن ساحة رضوانه سبحانه وتعالى بعد أن أوقعته شهواته في هاوية الإستهزاء بدعوة الأنبياء(عليهم السلام) الربانية، حتى أوصلته حالته المرضية تلك لأنّ يستمر في استهزاءه وسخريته حتى في حال عودته إلى أهله، كما أشارت الآية (31) من سورة المطففين: (وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين)، وكما وردت الإشارة أيضاً على لسان علماء بني إسرائيل حينما خاطبوا قارون الثري المغرور الجاهل: (لا تفرح إن اللّه لا يحب الفرحين).(1)
«لن يحور»: لن يرجع، من(الحور) ـ على زنة غور ـ بمعنى: الرجوع، التردد، الذهاب، والإياب (سواء كان في العمل أو الفكر)، و«حار الماء» في الغدير: تردد فيه، ويقال «المحور»: للعود الذي تجري عليه البكرة وتدور حوله والمحاورةو(الحوار): المراودة في الكلام، و(تحير في الأمر): تردد فيه بين أن يقدم أو لا يقدم.
وعلى أيّة حال، فيقصد من الكلمة في الآية المبحوثة، الرجوع والمعاد، لإيضاح أنّ عدم الإيمان بالمعاد يؤدي إلى الوقوع في اُتون الغفلة والغرور وارتكاب المعاصي.
ولنفي العقائد الضالة، تقول الآية: (بلى إنّ ربّه كان به بصيراً).
فكل أعمال الإنسان تسجل وتحصى عليه، لتعرض يوم الحساب في صحيفته.
والآية تشارك الآية السابقة: (يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه) في كونها دليلاً على المعاد أيضاً. فتأكيد الآيتين على كلمة«ربّ» يدل على أن الإنسان في سيرة التكاملي صوب ربّه لا ينتهي بالموت، وأنّ الحياة الدنيا لا يمكنها أن تكون هدفاً وغاية لهذا الخلق العظيم وهذا المسار التكاملي...
وكذلك كون اللّه «بصيراً» بأعمال الإنسان وتسجيلها لابدّ من اعتباره مقدمةً للحساب والجزاء وإلاّ لكان عبثاً، وهذا ما لا يكون.
اللهم صل على محمد وآل محمد
نهاية العالم وبداية يوم القيامة ....
الدنيا والآخرة ككفتي الميزان، الحديث 95.الخصال، للشيخ الصدوق(رحمه الله) الجزء الأول...
الآيات
وَأَمَّا مَن أُوتِىَ كِتَـبَهُ وَرَآءَ ظَهْرِهِ(10) فَسَوفَ يَدْعُواْ ثُبُوراً(11) وَيَصْلَى سَعِيراً(12) إِنَّهُ كَانَ فِى أَهْلِهِ مَسْرُوراً(13) إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ(14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً(15)
التّفسير
الذين يستلمون كتابهم من وراء ظهرهم:
بعد أن عرضت الآيات السابقة أحوال فريق أصحاب اليمين، تأتي الآيات أعلاه لتعرض لنا أحوال الفريق الآخر، وتوصف لنا كيفية إعطاء كتاب كلّ منهم مشرعة لتقديم المشاهد الاُخرى: (وأمّا مَن اُوتي كتابه وراء ظهره)..فيصرخ وينادي الويل لي لقد هلكت (فسوف يدعو ثبوراً).
(ويصلى سعيراً)
ذكرت الآية بأن المجرمين سيؤتون كتبهم من وراء ظهورهم، في حين أنّ آيات اُخرى تقول بأنّ المذنبين سيعطى كتاب كلّ منهم بيده الشمال.
فهل من تأليف فيما بين العرضين؟
للمفسّرين جملة آراء في ذلك، منها:
قيل: إنّ يدهم اليمنى تُغلّ إلى أعناقهم، ويعطون الكتاب باليد اليسرى من وراء ظهورهم إيغالاً في إذلالهم وإخجالهم.
وقيل: إنّ كلتي يديهم تربط من خلفهم ـ كما يفعل بالأسير ـ ويعطون الكتاب باليد اليسرى من وراء الظهر.
وقيل أيضاً: ستكون وجوه المجرمين من الخلف، بدلالة الآية (47) من سورة النساء: (من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها)، فيعطون كتبهم من وراء ظهورهم وبيدهم اليسرى، كي يقرؤوها بأنفسهم.
والأنسب أن نقول: سيأخذ أصحاب اليمين كتبهم بافتخار ومباهاة في يدهم اليمنى، وكلّ منهم يقول: (هاؤم اقرأوا كتابيه)(1)، ولكن المجرمين سيأخذون كتبهم بأيديهم اليسرى وبسرعة ويضعونها وراء ظهورهم خجلاً وذلاً، ولكي لا يطّلع على ما فيها أحد، ولكن، هيهات.. فكلّ شيء جينئذ بارز، كيف لا وهو «يوم البروز»!...
(يدعو ثبوراً): يصرخ بالويل والثبور، كما هو متعارف عليه عند نزول بلاء، أو وقوع حادث شديد الخطورة.
و«الثبور»: الهلاك.
ولكنّ صراخه سوف لا يدر عليه نفعاً أبداً أبداً، ولابدّ من نيله جزاء ما اقترف: (ويصلى سعيراً) أي يدخل نار جهنم.
وتبيّن الآية التالية علّة تلك العاقبة المخزية: (إنّة كان في أهله مسروراً).
سروراً ممتزجاً بالغرور، وغروراً احتوشته الغفلة والجهل بربّ الأرباب سبحانه وتعالى، فالسرور المقصود في الآية، هو ذلك السرور المرتبط بشدّة بالدنيا والمنسي لذكر الآخرة.
_______________________________________
1 ـ سورة الحاقة، الآية 19.
وبديهي فالسرور والإرتياح ليس مذموم بذاته، ولكنّ السرور المذموم هو الذي يغفل فيه الإنسان عن ذكر مولاه عزّوجلّ، ويغرق به في بحر شهواته الموصل إلى التيه والضلالة والجهل. أمّا سرور المؤمن بلطف اللّه ونعمائه، وبشاشته عند مصاحبة إخوانه، فما احلاها وأزكاها.
ويتقرب لنا المعنى من خلال الآية التالية: (إنّه ظنّ أن لن يحور).
فاعتقاده الفاسد وظنّه الباطل الدائر على نفي المعاد، مصدر سروره وغروره وهو ما سيوصله إلى الشقاء الأبدي، لأنّه ابتعد عن ساحة رضوانه سبحانه وتعالى بعد أن أوقعته شهواته في هاوية الإستهزاء بدعوة الأنبياء(عليهم السلام) الربانية، حتى أوصلته حالته المرضية تلك لأنّ يستمر في استهزاءه وسخريته حتى في حال عودته إلى أهله، كما أشارت الآية (31) من سورة المطففين: (وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين)، وكما وردت الإشارة أيضاً على لسان علماء بني إسرائيل حينما خاطبوا قارون الثري المغرور الجاهل: (لا تفرح إن اللّه لا يحب الفرحين).(1)
«لن يحور»: لن يرجع، من(الحور) ـ على زنة غور ـ بمعنى: الرجوع، التردد، الذهاب، والإياب (سواء كان في العمل أو الفكر)، و«حار الماء» في الغدير: تردد فيه، ويقال «المحور»: للعود الذي تجري عليه البكرة وتدور حوله والمحاورةو(الحوار): المراودة في الكلام، و(تحير في الأمر): تردد فيه بين أن يقدم أو لا يقدم.
وعلى أيّة حال، فيقصد من الكلمة في الآية المبحوثة، الرجوع والمعاد، لإيضاح أنّ عدم الإيمان بالمعاد يؤدي إلى الوقوع في اُتون الغفلة والغرور وارتكاب المعاصي.
ولنفي العقائد الضالة، تقول الآية: (بلى إنّ ربّه كان به بصيراً).
فكل أعمال الإنسان تسجل وتحصى عليه، لتعرض يوم الحساب في صحيفته.
والآية تشارك الآية السابقة: (يا أيّها الإنسان إنّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه) في كونها دليلاً على المعاد أيضاً. فتأكيد الآيتين على كلمة«ربّ» يدل على أن الإنسان في سيرة التكاملي صوب ربّه لا ينتهي بالموت، وأنّ الحياة الدنيا لا يمكنها أن تكون هدفاً وغاية لهذا الخلق العظيم وهذا المسار التكاملي...
وكذلك كون اللّه «بصيراً» بأعمال الإنسان وتسجيلها لابدّ من اعتباره مقدمةً للحساب والجزاء وإلاّ لكان عبثاً، وهذا ما لا يكون.
المصدر.....
نسألكم صالح الدعاء...
تعليق