[frame="13 10"]
[/frame]
اللهم صل على محمد وآل محمد
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيات 15 - 19
﴿كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعَاً بِالنّاصِيَة (15) نَاصِيَة كَـذِبَة خَاطِئَة (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ
(17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ واقْتَرِب (19)﴾
(17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ واقْتَرِب (19)﴾
التّفسير:
السجود والتقرب:
توجّه هذه الآيات أشدّ التهديد للكافرين الصادين عن سبيل اللّه، وتقول: (كلاّ) لا يكون ما يتصور (لانّه تصور أن يصدّ عن عبادة اللّه بوضعه قدمه على رقبة النّبي صل الله عليه وآله). (كلاّ لئن لم ينته لنسفعنّ بالناصية) نعم، إذا لم ينته من إثمه وطغيانه سنجرّه بالقوّة من شعر مقدمة رأسه (وهي الناصية)، وثمّ وصف الناصية هذه بأنّها كاذبة خاطئة وهو وصف لصاحبها (ناصية كاذبة خاطئة).
"لنسفعاً": من السفع، وذكر له المفسّرون معاني متعددة: الجرّ بالشدّة، الصفع على الوجه، تسويد الوجه (الأثافي الثلاثة التي يوضع عليها القدر تسمى "سفع"
لأنّها تسوّد بالدخان)، ووضع العلامة والإذلال (1).
والأنسب المعنى الأوّل، وإن كانت الآية تحتمل معاني اُخرى أيضاً.
وهل حدوث هذا السفع بالناصية في يوم القيامة، حيث يسحب أبو جهل وأمثاله من مقدمة شعر الرأس إلى جهنم، أم في الدنيا، أم في كليهما؟ لا يستبعد أن يكون في كليهما، والشاهد على ذلك الرّواية التالية: "لمّا نزلت سورة الرحمن، علم القرآن... قال النّبي (صل الله عليه و آله) لأصحابه: من يقرؤها منكم على رؤوساء قريش؟ فتثاقلوا مخافة أذيتهم، فقام ابن مسعود وقال: أنا يارسول اللّه، فأجلسه عليه السلام، ثمّ قال: من يقرؤها عليهم؟ فلم يقم إلاّ ابن مسعود، ثمّ ثالثاً كذلك إلى أن أذن له، وكان عليه السلام يبقي عليه لما كان يعلم من ضعفه وصغر جثته.
ثمّ إنّه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة، فافتتح قراءة السّورة، فقام أبو جهل فلطمه فشقّ أذنه وأدماه، فانصرف وعيناه تدمع.
فلمّا رآه النّبي (صل الله عليه و آله) رق قلبه وأطرق رأسه مغموماً، فإذا جبريل (عليه السلام) يجيء ضاحكاً مستبشراً، فقال: يا جبريل تضحك وابن مسعود يبكي! فقال: ستعلم.
فلمّا ظهر المسلمون يوم بدر التمس ابن مسعود أن يكون له حظ في المجاهدين، فأخذ يطالع القتلى: فإذا أبو جهل مصروع يخور... فصعد على صدره، فلمّا رآه أبو جهل قال: يا رويعي الغنم لقد ارتقيت مرتقى صعباً.
فقال ابن مسعود: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
فقال أبو جهل: بلغ صاحبك أنّه لم يكن أحد أبغض إليّ منه في حياتي، ولا أحد أبغض إليّ منه في حال مماتي.
روي أنّه (صل الله عليه و آله) لما سمع ذلك قال: "فرعوني أشدّ من فرعون موسى فإنّه قال آمنت وهو قد زاد عتواً".
ثمّ قال أبو جهل لابن مسعود: اقطع رأسي بسيفي هذا، لأنّه أحدّ وأقطع.
فلمّا قطع رأسه لم يقدر على حمله، فراح يجرّه على ناصيته إلى رسول اللّه(صل الله عليه و آله) ، (وبذلك تحقق قوله سبحانه: (لنسفعن بالناصية) في هذه الدنيا أيضاً" (2).
"الناصية": شعر مقدم الرأس، و (السفع بالناصية) يراد به الإذلال والإرغام، لأنّ أخذ الشخص بناصيته يفقده كلّ حركة ويجبره على الإستسلام.
"الناصية" تستعمل لمقدمة رأس الأفراد، وللجزء النفيس من الشيء كأن نقول "ناصية البيت".
ووصف الناصية بأنّها "كاذبة خاطئة" يعني أنّ صاحبها كاذب في أقواله وخاطيء في أعماله، كما كان أبو جهل.
ولقد وردت بعض الرّوايات الصحيحة بأنّ السّورة - عدا المقطع الأوّل منها - قد نزلت في أبي جهل إذ مرّ برسول اللّه (صل الله عليه و آله) وهو يصلي عند المقام فقال (يا محمّد ألم أنهك عن هذا؟ وتوعده فاغلظ له رسول اللّه(صل الله عليه و آله) وانتهره...) ولعلها هي التي أخذ فيها رسول اللّه(صل الله عليه و آله) بخناقه وقال له: (أولى لك ثمّ أولى) فقال: يا محمّد بأي شيء تهددني؟ أما واللّه وإنّي لأكثر هذا الوادي نادياً) (3).
وهنا نزلت الآية التالية تقول لأبي جهل: فليدع هذا الجاهل المغرور كل قومه وعشيرته وليستنجد بهم. (فليدع ناديه).
ونحن سندع أيضاً زبانية جهنم: (سندع الزبانية) ليعلم هذا الجاهل الغافل أنّه عاجز عن فعل أي شيء وإنّه في قبضة خزنة جهنم كقشة في مهبّ الريح.
"النادية" من مادة (ندا) وهو المكان الذي يجتمع فيه القوم، وتارة يطلق على مركز التفريح، لأنّ القوم فيه ينادي بعضهم بعضاً، أو من"النَّدا" بمعنى الكرم، لأنّ الأفراد يكرم فيه بعضهم بعضاً.
ومنه أيضاً "الندوة" وهي مكان يتشاور فيه الجماعة.
و"دار الندوة" مقر معروف لتشاور قريش.
و"النادي" في الآية يقصد به القوم الذين يجتمعون في النادي.
وأرادت منه الآية اُولئك الذين يستند إليهم أمثال أبي جهل من أهل وعشير وأصحاب.
و"الزبانية" جمع "زبنية" وهو في الأصل بمعنى الشرطة من مادة "زَبن" - على زنة متن - وهو الدَفع والردع والإبعاد.
وهنا بمعنى ملائكة العذاب وخزنة جهنم.
وفي آخر آية من السّورة وهي آية السجدة يقول سبحانه: (كلاّ) أي ليس الأمر كما يتصور بأنّه قادر على أن يمنع سجودك: (لا تطعه واسجد واقترب) فأبو جهل أقل من أن يستطيع منع سجودك أو الوقوف بوجه دينك، فتوكل على اللّه وأعبده واسجد له، وبذلك تقترب منه سبحانه على هذا المسير أكثر فأكثر.
ويستفاد ضمنياً من هذه الآية أن "السجود" عامل اقتراب من اللّه، ولذا ورد في الحديث: "أقرب ما يكون العبد من اللّه إذا كان ساجداً".
وفي روايات أهل البيت (عليهم السلام) أنّ القرآن يتضمّن أربعة مواضع فيها سجود واجب وهي في "ألم السجدة" و"فصلت" و"النجم"وفي هذه السّورة "العلق" وبقية المواضع السجدة فيها مستحبة.
ملاحظة:
الطغيان والإحساس بالإستغناء:
أغلب مفاسد العالم مصدرها الفئات المرفهة والمستكبرة في المجتمع.
وهذه الفئات كانت دائماً في مقدمة أعداء دعوة الأنبياء.
وهؤلاء يطلق عليهم القرآن أحياناً: (الملأ) (4) وأحياناً (المترفين) (5) وأحياناً (المستكبرين) (6).
المجموعة الاُولى: هم الأشراف المنتفشون في الظاهر، الفارغون في الداخل.
والثّانية: هم الغارقون في الرخاء ويعيشون في سكرة وغرور بمعزل عن الآم الآخرين.
والثّالثة: هم الراكبون رؤوسهم كبراً وغروراً والغافلون عن اللّه وعن الخلق.
ودافع كل اُولئك إحساسهم بالإستغناء، وهذه طبيعة أفراد أفق تفكيرهم ضيق، تسكرهم النعمة، ويزلزل توازنهم المال والمقام، فيغطون في شعور بالإستغناء ينسيهم ذكر اللّه، بينما نعلم أنّ نسمة من الهواء قادرة على أن تطوي سجل أيّامهم، وأنّ حادثة كسيل أو زلزال أو صاعقة قادرة على أن تبيد أموالهم... وأنّ شرقة بالماء قادرة على أن تخطف أرواحهم.
أية غفلة هذه تصيب جماعة تجعلهم يشعرون بالإستغناء، وتدفعهم إلى امتطاء مركب الغرور ليصولوا ويجولوا في الساحة الإجتماعية!! نستجير باللّه من هذا الجهل ومن هذه الغفلة والطغيان!
وللتغلب على هذه الحالة يكفي أن يلتفت الإنسان قليلاً إلى ضعفه الشديد وإلى قدرة اللّه المطلقة، وأن يتصفح تاريخ السابقين ليرى مصير أقوام أكثر منه قوّة ومكنة.
اللّهم احفظنا من الكبر والغرور فهما أساس الإبتعاد عنك.
ربّنا! لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين في الدنيا والآخرة يا ربّ العالمين! وفقنا لأن نمرّغ في التراب اُنوف هؤلاء المستكبرين المغرورين الذين يصدون عن سبيلك، وأن نحبط مخططاتهم ومؤامراتهم.
المصادر
تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل
1- التّفسير الكبير، ج32، ص23.
2- الفخر الرازي، ج32، ص23.
3- تفسير في ظلال القرآن، ج6، ص3942 ذيل الآية.
4- الاعراف، الآية 60.
5- سبأ، الآية 34.
تفسير الأمثل في كتاب الله المنزل
1- التّفسير الكبير، ج32، ص23.
2- الفخر الرازي، ج32، ص23.
3- تفسير في ظلال القرآن، ج6، ص3942 ذيل الآية.
4- الاعراف، الآية 60.
5- سبأ، الآية 34.
تعليق