ولاية الله-1

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • العلوية ام موسى الاعرجي
    • Dec 2014
    • 1699

    ولاية الله-1

    بسم الله الرحمن الرحيم
    ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾
    (الولي) وصف للّه تعالى تجاه عباده، ووصف للعباد تجاه الله فهو من الأوصاف المشتركة المتقابلة.
    في الجانب الأول يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾
    ويقول تعالى: ﴿أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الراحمين﴾
    عن ولاية العباد للّه تعالى يقول تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
    وولاية الله تأتي بمعنيين:
    الولاية بمعنى الحكم والأمر والسيادة، يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ﴾.
    والولاية بمعنى التدبير والرعاية، يقول تعالى: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ﴾.
    ونحن نقصد بـ (ولاية اللّه) في هذه المقالة... هذا المعنى الأخير.
    ولا بد من توضيح لهذه النقطة:
    خلق الله تعالى الناس ووهبهم العقل والمعرفة ليؤمّن لهم معاشهم ومعادهم ووهبهم العصمة التي تعصمهم من الذنوب، والحب والعاطفة الذي يؤلف بينهم وحب الأزواج والبنين الذي يجمع شملهم وألْهَمهُم الصدق والعدل والحق، وغرس في نفوسهم الفطرة التي يعرفون بها الهدى عن الضلال ورزقهم الغيرة والغضب والألفة والإرادة والعزم والشجاعة ورزقهم كل ما يحتاجون إليه في حياتهم الفردية والاجتماعية وفي دنياهم وآخرتهم ورزقهم من الطيبات من كنوز الأرض في البر والبحر ما يغنيهم ويكفيهم وحملهم في البر والبحر... وكل ما يحتاجه الإنسان من رزق، وطعام، وشراب، ولبس، وايواء، وسكن، وعلاج، وطب ، وعلّمهم ما لا يعلمون، ورزقهم غير ذلك مما يحتاجون إليه وهو كثير كثير.
    ولكن مع ذلك لم يكلهم الله تعالى إلى أنفسهم، وإنما تولاهم برعايته وتأييده وتسديده بصورة دائمة، ولولا أن الله تعالى يتولى الإنسان في حياته الاجتماعية والفردية بالرعاية والتدبير والتوفيق والتسديد لسقط الإنسان واختلت حياته، فما أكثر ما يصل الإنسان إلى حافّة السقوط والهلاك، سواء في حياته الفردية أو الإجتماعية، ولكن الله تعالى يدركه في اللحظة المناسبة ويتولاه برعايته وفضله بالتدبير والتسديد والإنقاذ والخلاص... وقد عاصرنا نحن في كل التقادير حربين كونيتين وصل الإنسان فيه إلى حافة السقوط والهلاك لولاه تدركه رحمة اللّه، وتنقذه، وتسلمه.
    وما يقال في الحياة الاجتماعية يقال في الحياة الفردية. وكل واحد منّا قد مرَّ بأمثال هذه الحوادث في حياته، ولمس فيها رعاية الله تعالى وتدبيره وتسديده وتوفيقه وانقاذه له، لو أمعن النظر في ذلك.
    وهذه الحالات الكثيرة من التدبير والرعاية الالهية لعباده في الغرائب والشدائد والتوفيق والتسديد الالهي هي ما نقصده من الولاية الالهية العامة والخاصة، في حياة الناس عامة، وفي حياة المؤمنين خاصة.
    وهذه (الولاية) هي أمر وراء ما رزق الله تعالى الناس بالخلق والتكوين.
    فان الله تعالى هو الخالق المدبّر، يخلق الخلق ويرزقهم ما يحتاجون ثم لا يكلهم إلى أنفسهم، وإنما يواصل تدبيرهم ورعايتهم بعد ذلك... وهي الولاية الالهية.
    بعكس النظرية اليهودية إلى تقرر أن الله تعالى خلق الخلق وأعطاهم ما يحتاجون ثمّ أوكلهم إلى أنفسهم وتركهم لشأنهم، وهي المقولة اليهودية المعروفة التي يشجبها القرآن: ﴿قالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان﴾.

    الولاية العامة للّه:
    وللّه تعالى ولايتان على عباده:
    ولاية عامة تعم الناس جميعاً، وولاية خاصة يخص بها الله تعالى الصالحين من عباده.
    وولاية الله تعالى العامة تعمّ الناس المؤمنين وغير المؤمنين والصالحين والفاسقين، يعمّهم الله تعالى بالرحمة والرزق والفضل، يطعمهم إذا جاعوا، ويشفيهم إذا مرضوا، ويرزقهم الأمن إذا خافوا، ويدفع عنهم البلاء كلما روّعهم البلاء، ويغنيهم إذا افتقروا، ويعلّمهم ويفتح عليهم أبواب العلم إذا جهلوا، وييسر لهم الأمور إذا تعسّرت عليهم الأمور ويعيد إلى قلوبهم الأمل إذا يئسوا، ويلقي في قلوب بعضهم الرحمة للبعض، وحب التعاون، لتنظم أمور حياتهم.
    وكم من خطر يدفعه الله تعالى عن حياة الناس برّهم وفاجرهم، وكم من رزق يرزق الله عباده، وكم من أزمة يفرجّها الله عن عباده من غير طلب ولا سؤال من الناس، ومن غير شكر أيضاً، بل من غير معرفة باللّه؟
    وقد ورد في دعاء شهر رجب: (يا من يُعطي من سأله يا من يُعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة).
    وهذه الولاية العامّة للّه تعالى يتمتّع بها كل الناس وليس بإمكان الإنسان أن يعيش ويقاوم ابتلاءات الدنيا ومشاكلها وينظّم حياته لولاها... ويعيشها الإنسان في كل يوم بل لا تفارقه في أية لحظة، ومع ذلك فلا يشكرها الإنسان، بل لا يعرفها، فإذا مات ورجع إلى الله عرفها عند ذلك ﴿وَرُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾
    عندئذ يعرف الله ويعرف رعاية اللّه، وتدبيره له في حياته ولكن بعد فوات الأوان، عندما تنجلي حجب الغفلة عن عينيه. ﴿فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم جديد﴾

    الولاية الخاصة
    وعدا الولاية العامّة التي تعم الناس جميعاً بالتدبير والرعاية والتسديد والتيسير... هناك ولاية أخرى يخصّ الله تعالى بها المؤمنين الصالحين من عباده، يفرّج عنهم الكربات، وييسر لهم أمورهم، ويفتح لهم مغاليق الأمور ويهديهم صراطه المستقيم، ويمنع عنهم شياطين الجن والإنس، ويخصهم من رعايته وفضله وكرمه بما لم يعرفها غيرهم من الناس.
    يقول تعالى: ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا﴾
    وهذه ولاية خاصة بالمؤمنين لا ينالها غيرهم.
    يقول تعالى: ﴿اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾
    هذه الولاية خاصة بالذين آمنوا ﴿الله ولي الذين آمنوا﴾.
    وهذه الولاية: ﴿يخرجهم من الظلمات إلى النور﴾.
    ولاجتماع المؤمن منزلة ورعاية خاصة عند الله تعالى والله عز شأنه يمنح اجتماع المؤمن من رعايته وفضله ما لم يعرفه غيرهم.

    شواهد من الولاية الخاصة في القرآن
    وفي القرآن الكريم نلتقي شواهد كثيرة على ولاية الله تعالى ورعايته لعباده المؤمنين في البأساء والضراء، وفي نوائب الحياة وشدائدها يقول تعالى مخاطباً رسوله(صلى الله عليه وآله) عندما رمى الكفار في معركة بدر بحفنة من التراب، وقال(صلى الله عليه وآله): شاهت الوجوه، فما بقي أحد من المشركين إلاّ ودخل التراب في عينه... يقول تعالى لرسوله(صلى الله عليه وآله) في ذلك: ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾
    فقد كانت هذه الرمية بتسديد من اللّه، وهو الرامي في الحقيقة، وإن كانت بيد رسول اللّه(صلى الله عليه وآله).
    وتذكّر سورة (الأنفال) المسلمين بطائفة من الشواهد على تأييد الله تعالى وإسناده لهم في معركتهم مع المشركين.
    ﴿إذ تستغيثون ربّكم فاستجاب لكن أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين * وما جعله الله إلاّ بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلاّ من عند الله إن الله عزيز حكيم﴾
    ﴿إذ يغشيكم الله أمنةً منه وينزّل عليكم من السماء ماءً ليُطهركم به ويُذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام * إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سأُلقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان﴾
    يذكرهم الله بما سبق من رحمته وفضله وإمداده لهم في ساحة المعركة إذ مدَّهم بألف من الملائكة مردفين في ساحة المعركة، ليثبّتوا قلوب الذين آمنوا، ويطمئنوهم، ويبشّروهم بالنصر.
    ويذكّرهم بما ألقى عليهم من النعاس قبل المعركة، وكان لذلك النعاس الخفيف الذي غلبهم قبيل المعركة دور في إزالة القلق والارتباك عن قلوبهم وإدخال الأمن والاطمئنان إلى نصر الله تعالى في نفوسهم.
    ويذكرهم الله تعالى بما أنزل عليهم من المطر قبيل المعركة ليطهّرهم من خبث الجنابة ويزيل عنهم رجز الشيطان، وقد كان المطر سبباً في تلبيد الأرض التي كان عليها المسلمون، فقد كانت أرضاً رملية فتلبدت بالمطر بينما كانت الأرض عليها المشركون أرضاً طينية فتطيّنوا وتطينت دوابهم وأصبحت الأرض من تحتهم زلقة: (وليربط على قلوبكم ويثبّت به الأقدام).
    ويذكرهم الله بما ألقى في نفوس المشركين من الرعب، ودور الملائكة في ضرب الأعناق والبنان في ساحة المعركة، ويذكرهم الله تعالى بما كان من تأييده تعالى لهم ونصره إياهم ويذكرهم بما رزقهم من الطيبات، بعد أن كانوا يخافون أن يتخطفهم الناس من حولهم.
    (واذكروا إذا أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون)
    وفي سورة البقرة يذكر الله تعالى بني اسرائيل بطائفة كبيرة من الشواهد على رعايته تعالى لهم وتأييده إياهم ونصره لهم على أعدائهم ورزقه لهم.
    ﴿وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذالكم بلاء من ربكم عظيم * وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون﴾
    ﴿وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المنّ والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾
    ﴿وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل اُناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾
    وكثيرة الآيات التي تشير في القرآن إلى تأييد الله تعالى ودعمه ونصره لعباده المؤمنين.
    يقول تعالى: ﴿بل الله مولاكم وهو خير الناصرين﴾
    ﴿ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز﴾
    ﴿إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا﴾
    ﴿وان تولوا فاعلموا ان الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير﴾
    ﴿وكفى بالله ولياً وكفى بالله نصيرا﴾
يعمل...
X