إن لشهر رمضان ميزة على سائر الشهور، فقد جعل الله له من الحرمات الكاملة التي توحي بقداسته في ما يلتزمه الناس من حدود الله فيه، ومن الفضائل المشهورة في ما جعل له من الخصائص الروحية والعملية مما يوحي فيه بالخير والفضل الكبير على مستوى النتائج الكبيرة التي يبلغها العاملون فيه في علوّ الدرجة عند الله..
وهكذا حرّم الله فيه المآكل والمشارب واللذات التي لم يحرِّمها في غيره كإيحاءٍ بعظمته من خلال ما يستهدفه هذا التحريم من غايات عظيمة على مستوى مصير الإنسان في الدنيا والآخرة، وكمظهر من مظاهر الإكرام له في ما أراد الله للناس أن يتعبّدوا له بذلك، ليكون الالتزام بترك المطاعم والمشارب عبادةً يتقرّبون بها إليه، كما يتقرّبون بالعبادة إليه.. وحدّد له وقتاً معيّناً، لا يتّسع للتقديم وللتأخير في المساحات الزمنية الاُخرى.. لأن الله أراد للزمن العمليّ أن يخضع للنظام العام الذي يريده الله للحياة في التزام الناس، أن تخضع له.. حتى يتعرّف الناس في علامات الزمن، علامات الطريق إلى الله..
"ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيالِيهِ عَلَى لَيالِي أَلْف شَهْرٍ، وَسَمَّاها لَيْلَةَ الْقَدْرِ، تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالْرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمُ مِنُ كُلِّ أَمْرٍ سَلاًمٌ دَائِمُ الْبَرَكَةِ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى مَنْ يَشاءُ مِنُ عِبادِهِ بِما أَحْكَمَ مَنْ قَضائِهِ".
وإذا كان الله قد فضّل شهر رمضان على غيره من الشهور لحكمةٍ يعلمها في تنظيمه لعلاقة الإنسان بالزمن، فقد فضّل الله ليلةً من هذا الشهر على سائر لياليه فجعل لها ميزةً كبيرةً تتصل بالنظام المنفتح على حياة الناس في التخطيط الإلهي لما يقضي لهم أو يقدّر لحركتهم في الحياة في أعمارهم وأرزاقهم وأوضاعهم العامة والخاصة من حربٍ أو سلمٍ أو خصبٍ أو جدبٍ، أو موتٍ أو حياةٍ، أو أمنٍ أو خوفٍ أو فقرٍ أو غنى.. وهكذا كانت هذه الليلة موضعاً لحركة التقدير الإلهي، مما يمكن لنا أن نصطلح عليه ببداية السّنّة الإلهية التي يتحرّك فيها البرنامج التنفيذي للنظام التقديري لحركة الحياة والإنسان.
وقد اُريد للملائكة وللروح الذي اختلف الرأي في تحديد طبيعته، أن يكن لهم دورٌ في ذلك في ما أوكله الله إليهم من المهمّات المتنوعة الخفية التي لم تُكشف لنا تفاصيلها.. كما اُريد التركيز على الاسلام الذي يحيط بأجواء هذه الليلة، في ما يلقيه الملائكة والروح من السلام على مَن يشاء الله من عباده أو في ما يثيره من أجواء السلام الذي يخيم على القلوب بالطمأنينة والصفاء ليعيش الناس معها تجربة الروح الخالية من العناصر السلبية التي توحي بالعداوة والبغضاء عندما يتفرّغون لعبادة الله في دعائهم وابتهالهم وصلاتهم، فيتحوّل الإنسان من شخص يعيش نوازع الأنانية في ذاته إلى شخصٍ يعيش رحابة الإنسانية في حياته كما يتطلّع إلى آفاق الروح التي تنفتح به على كل الناس من حوله عندما يتحسس موقعه منهم في دائرة العبودية لله.. ليطلع الفجر عليه، في يومٍ جديد، من أجل البدء بحياةٍ جديدةٍ خاليةٍ من التخطيط السلبي للعلاقات بين الناس، مليئةٍ بالتخطيط الإيجابي في تلك الدائرة.. ولينطلق مع الله في قناعةٍ يقينيةٍ بقضاء الله وقدره، وفي رضى نفسيّ يطمئن بأنّ الله لا يريد له إلاّ الخير في ما قسمه له من الرزق ومن الموقع في الحياة.. فلا ينفذ إليه الشك
في كل ذلك.. وبهذا تتأكّد علاقة المخلوق بخالقه في نطاق الإيمان المنفتح على الثقة المطلقة به، الأمر الذي يتحول إلى عنصر من عناصر الثبات الفكري والروحي البعيد عن أية حالة من حالات الاهتزاز..
وهذه هي فائدة الأجواء الروحية التي يستغرق فيها الإنسان المؤمن في ليلة القدر ليستفيد من مضمونها المنفتح على الكون والإنسان.
"أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلْهِمْنا مَعْرَفَةَ فَضْلِهِ وَأِجْلاَلَ حُرْمَتِهِ وَالتَّحَفُّظَ مما حَظرْتَ فِيهِ، وأَعِنَّا عَلَى صِيامِهِ بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعاصِيكَ وَاسْتِعْمالِها فِيهِ بِما يُرْضِيكَ، حَتَّى لاَ نُصْغِيَ بِأَسْماعِنا إِلَى لَغْوٍ، وَلاَ نُسْرِعَ بِأَبْصارِنا إِلَى لَهْوٍ، وَحَتَّى لاَ نَبْسُطَ أَيْدِيِنَا إِلَى مَحْظَورٍ، وَلاَ نَخْطُوَ بِأَقْدَمِنا إلَى مُحْجُورٍ، وَحَتَّى لاَ تَعِيَ بُطُونُنا إِلاَّ ما أَحْلَلْتَ، وَلاَ تَنْطِقَ ألْسِنَتُنا إلاَّ بِما مَثَّلْتَ، وَلاَ نَتَكَلَّفَ إلاَّ ما يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ، وَلاَ نَتَعاطَى إِلاَّ الَّذِي يَقِي مِنْ عِقابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِياءِ الْمُرائِينَ، وَسُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ، لاَ نَشْرِكُ فِيهِ أَحَداً دُونَكَ وَلاَ نَبْتَغِي بِهِ مُرَاداً سِوَاكَ".
المصدر: كتاب في رحاب الدُعاء
وهكذا حرّم الله فيه المآكل والمشارب واللذات التي لم يحرِّمها في غيره كإيحاءٍ بعظمته من خلال ما يستهدفه هذا التحريم من غايات عظيمة على مستوى مصير الإنسان في الدنيا والآخرة، وكمظهر من مظاهر الإكرام له في ما أراد الله للناس أن يتعبّدوا له بذلك، ليكون الالتزام بترك المطاعم والمشارب عبادةً يتقرّبون بها إليه، كما يتقرّبون بالعبادة إليه.. وحدّد له وقتاً معيّناً، لا يتّسع للتقديم وللتأخير في المساحات الزمنية الاُخرى.. لأن الله أراد للزمن العمليّ أن يخضع للنظام العام الذي يريده الله للحياة في التزام الناس، أن تخضع له.. حتى يتعرّف الناس في علامات الزمن، علامات الطريق إلى الله..
"ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيالِيهِ عَلَى لَيالِي أَلْف شَهْرٍ، وَسَمَّاها لَيْلَةَ الْقَدْرِ، تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالْرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمُ مِنُ كُلِّ أَمْرٍ سَلاًمٌ دَائِمُ الْبَرَكَةِ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ عَلَى مَنْ يَشاءُ مِنُ عِبادِهِ بِما أَحْكَمَ مَنْ قَضائِهِ".
وإذا كان الله قد فضّل شهر رمضان على غيره من الشهور لحكمةٍ يعلمها في تنظيمه لعلاقة الإنسان بالزمن، فقد فضّل الله ليلةً من هذا الشهر على سائر لياليه فجعل لها ميزةً كبيرةً تتصل بالنظام المنفتح على حياة الناس في التخطيط الإلهي لما يقضي لهم أو يقدّر لحركتهم في الحياة في أعمارهم وأرزاقهم وأوضاعهم العامة والخاصة من حربٍ أو سلمٍ أو خصبٍ أو جدبٍ، أو موتٍ أو حياةٍ، أو أمنٍ أو خوفٍ أو فقرٍ أو غنى.. وهكذا كانت هذه الليلة موضعاً لحركة التقدير الإلهي، مما يمكن لنا أن نصطلح عليه ببداية السّنّة الإلهية التي يتحرّك فيها البرنامج التنفيذي للنظام التقديري لحركة الحياة والإنسان.
وقد اُريد للملائكة وللروح الذي اختلف الرأي في تحديد طبيعته، أن يكن لهم دورٌ في ذلك في ما أوكله الله إليهم من المهمّات المتنوعة الخفية التي لم تُكشف لنا تفاصيلها.. كما اُريد التركيز على الاسلام الذي يحيط بأجواء هذه الليلة، في ما يلقيه الملائكة والروح من السلام على مَن يشاء الله من عباده أو في ما يثيره من أجواء السلام الذي يخيم على القلوب بالطمأنينة والصفاء ليعيش الناس معها تجربة الروح الخالية من العناصر السلبية التي توحي بالعداوة والبغضاء عندما يتفرّغون لعبادة الله في دعائهم وابتهالهم وصلاتهم، فيتحوّل الإنسان من شخص يعيش نوازع الأنانية في ذاته إلى شخصٍ يعيش رحابة الإنسانية في حياته كما يتطلّع إلى آفاق الروح التي تنفتح به على كل الناس من حوله عندما يتحسس موقعه منهم في دائرة العبودية لله.. ليطلع الفجر عليه، في يومٍ جديد، من أجل البدء بحياةٍ جديدةٍ خاليةٍ من التخطيط السلبي للعلاقات بين الناس، مليئةٍ بالتخطيط الإيجابي في تلك الدائرة.. ولينطلق مع الله في قناعةٍ يقينيةٍ بقضاء الله وقدره، وفي رضى نفسيّ يطمئن بأنّ الله لا يريد له إلاّ الخير في ما قسمه له من الرزق ومن الموقع في الحياة.. فلا ينفذ إليه الشك
في كل ذلك.. وبهذا تتأكّد علاقة المخلوق بخالقه في نطاق الإيمان المنفتح على الثقة المطلقة به، الأمر الذي يتحول إلى عنصر من عناصر الثبات الفكري والروحي البعيد عن أية حالة من حالات الاهتزاز..
وهذه هي فائدة الأجواء الروحية التي يستغرق فيها الإنسان المؤمن في ليلة القدر ليستفيد من مضمونها المنفتح على الكون والإنسان.
"أَللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلْهِمْنا مَعْرَفَةَ فَضْلِهِ وَأِجْلاَلَ حُرْمَتِهِ وَالتَّحَفُّظَ مما حَظرْتَ فِيهِ، وأَعِنَّا عَلَى صِيامِهِ بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعاصِيكَ وَاسْتِعْمالِها فِيهِ بِما يُرْضِيكَ، حَتَّى لاَ نُصْغِيَ بِأَسْماعِنا إِلَى لَغْوٍ، وَلاَ نُسْرِعَ بِأَبْصارِنا إِلَى لَهْوٍ، وَحَتَّى لاَ نَبْسُطَ أَيْدِيِنَا إِلَى مَحْظَورٍ، وَلاَ نَخْطُوَ بِأَقْدَمِنا إلَى مُحْجُورٍ، وَحَتَّى لاَ تَعِيَ بُطُونُنا إِلاَّ ما أَحْلَلْتَ، وَلاَ تَنْطِقَ ألْسِنَتُنا إلاَّ بِما مَثَّلْتَ، وَلاَ نَتَكَلَّفَ إلاَّ ما يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ، وَلاَ نَتَعاطَى إِلاَّ الَّذِي يَقِي مِنْ عِقابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِياءِ الْمُرائِينَ، وَسُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ، لاَ نَشْرِكُ فِيهِ أَحَداً دُونَكَ وَلاَ نَبْتَغِي بِهِ مُرَاداً سِوَاكَ".
المصدر: كتاب في رحاب الدُعاء
تعليق