دور الإمام موسى الكاظم في مواجهة الانحراف

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • ابوجعفرالديواني
    • Nov 2008
    • 2856

    دور الإمام موسى الكاظم في مواجهة الانحراف

    بسم الالله الرحمن الرحيم
    دور الإمام موسى الكاظم في مواجهة الانحراف


    إن السمة العامة لعصر الإمام الكاظم عليه السلام هي التلون والتنوع في ادوار ومواقف الأحداث والمعطيات الفكرية والسياسية ، حيث حفلت حياته عليه السلام بمواقف ورؤى أنتجت لنا صورة واقعية عملية عن السبل السياسية التي انتهجها الإمام عليه السلام في حركته التي أراد بها إعادة الأمة الى الطريق الصحيح والأمثل في ممارسة الدور الحضاري في الحياة والتي يمكن الاستفادة منها في واقعنا المعاصر .
    إن محنة الإمام عليه السلام كانت شاقة وعسيرة ، فانه بحكم دوره القيادي للأمة فانه مسؤول عن رعايتها وصيانتها وإنقاذها مما ألم بها من المحن والخطوب طيلة فترة إمامته عليه السلام البالغة (35 سنة) - 148 هجرية وحتى سنة 183 هجرية - عاصر فيها المنصور الدوانيقي مدة تسع سنوات والمهدي عشر سنين والهادي سنة واحدة وهارون - اللارشيد - خمسة عشرة سنة . وتعد السنوات التي مرت على الإمام عليه السلام وعلى شيعته تحت ظل خلافة هارون من أسوأ وأفظع المراحل التاريخية التي قضاها في حياته بحكم طول مدة هذه الخلافة , حيث شاهد الإمام عليه السلام جميع الرزايا والنكبات التي حلت بالأمة الإسلامية عموما وشيعته وأهل بيته خصوصا , فانطوت نفسه على الحزن العميق والأسى المرير وقد صبر محتسبا كاظما للغيظ .
    نعم لقد أسرف هارون في محاربة الشيعة وقتلهم وتشريدهم , حتى قاسوا منه اشد أنواع التنكيل والتعذيب في الوقت الذي كان يعيش يه - خليفة المسلمين - الترف والبذخ وتبذير الأموال ، ذلك التبذير الفاحش على الجواري والمغنين والمطربين والشعراء المتملقين .
    ولابد من الإشارة الى أن أضخم ميزانية للدولة الإسلامية كانت في عهده , فقد توفر له من المال ما لم يتوفر لأحد من ملوك المسلمين ، وكانت هذه الأموال تجبى من الخراج والجزية والزكاة , حتى أن ذلك كان مدعاة لغروره وطيشه ، كما روي عنه انه كان يخاطب سحابة المطر بقوله : أمطري حيثما تمطرين فان خراجك إليّ .
    وعليه فان موقف الإمام عليه السلام مع حكومة هارون تمثل بما يلي :



    1- الصمود في وجه ظلمه وطغيانه وانطلاق الإمام عليه السلام في ميادين الجهاد المقدس وهو يحمل لواء المعارضة على حكام عصره الذين استباحوا جميع ما حرم الله واستبدوا بأرزاق الأمة وحقوقها واستهانوا بكرامة الإسلام , فلم يؤثر عنهم أنهم قاموا بعمل ايجابي في صالح المجتمع الإسلامي ، مما أدى الى إعلان الإمام عليه السلام الحرب بغير هوادة عليهم من خلال إسناده وتأييده للثورات المخلصة والتي قادها رجال مخلصون في انتمائهم للإمام عليه السلام كما رأينا في عدة تصريحات صدرت عنه عليه السلام تؤيد وتدعم حركة الحسين بن علي (صاحب فخ ) الذي ثار في المدينة المنورة ضد الخليفة الهادي واستشهد في فخ بالقرب من مكة سنة 269 هجرية ، ومن تلك التصريحات قوله عليه السلام للحسين بن علي : انك مقتول فأحدّ الضراب , فان القوم في العراق - ويقصد الخليفة العباسي - يظهرون إيمانا ويضمرون نفاقا وشركا فانا لله وإنا إليه راجعون وعند الله احتسبكم من عصبة.
    ولما سمع عليه السلام بمقتل الحسين (رض) بكاه وابّنه بهذه الكلمات : إنا لله وإنا إليه راجعون , مضى والله مسلما صالحا صواما قواما آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ما كان في أهل بيته مثله.
    كما انه حرم التعاون مع الظالمين بأي لون كان ومنع الركون إليهم بأي وجه من الوجوه, قال تعالى: ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار.
    وحرم على المسلمين الميل إليهم والرغبة في بقائهم , كنهيه عليه السلام لصفوان الجمال على الاكراء لهارون ، الأمر الذي دعا صفوان للمسارعة لبيع جماله فور ما طلب منه الإمام ذلك .
    كما حذر عليه السلام شيعته - في بعض أحاديثه – من الدخول في سلك حكومة هارون والتلبس بأية وظيفة من وظائف دولته فقال لزياد بن أبي سلمة : يا زياد لأن اسقط من شاهق فأتقطع قطعة قطعة أحب إلي من أتولى لهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم إلا لتفريج كربة مؤمن أو فك أسره أو قضاء دينه ، يا زياد إن أهون ما يصنع الله بمن تولى لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار الى أن يفرغ الله من حساب الخلائق , يا زياد فان وليت شيئا من أعمالهم فأحسن الى إخوانك فواحدة بواحدة والله من وراء ذلك...
    لقد بالغ الإمام عليه السلام , في رفضه للظلم والظالمين حتى اثبت ذلك في ادعيته المباركة التي وردتنا عنه عليه السلام.
    والذي يمكن أن نستوحيه من خلال هذا الموقف الحاسم الذي اتخذه الإمام عليه السلام في رفضه الدخول الى الواقع الذاتي والموضوعي لبنية السلطات الحاكمة , وهو إن ذلك يعطيها شرعية الوجود والامتداد كما ويقدم لها - من موقع قيادي وزعامة جماهيرية هي زعامة أهل البيت عليهم السلام - صك الغفران لممارستها وأفعالها اللاإنسانية بحق الناس و المجتمع .


    2- عدم اعتراف الإمام عليه السلام بخلافة هارون وقد أصر على هذا الموقف المشرف حتى لفظ عليه السلام أنفاسه الأخيرة في السجن , وحتى أن يحيى البرمكي وزير هارون أراد أن يتوسط في أمر الإمام ويخرجه من السجن , فعرض على الإمام عليه السلام أن يعتذر لهارون ويطلب منه العفو حتى يخلي سبيله وينعم عليه لكن الإمام عليه السلام أصر على الامتناع وعدم الاستجابة وكان موقفه متميزا بالشدة والصرامة , بل إن الإمام عليه السلام قدمت له عدة عروض مشابهة مقابل إطلاق سراحه لكن موقفه كان الرفض بشدة.
    وإنما قاوم الإمام عليه السلام حكومة هارون بهذه المقاومة الشديدة لما في خلافة هارون من اندراس للعدل وتبديل لسنة الله ومحو للحق وإحياء للباطل وقتل للإسلام فلذا حرم على شيعته التعاون معه , ولكنه عليه السلام استثنى من ذلك ما إذا كان التعاون معهم لإنقاذ المسلمين من الظلم والجور وقضاء حوائج المؤمنين كما أباح ذلك لعلي ابن يقطين , حيث قال عليه السلام : كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الأخوان ... لذا فان موقف الإمام عليه السلام موقف صريح وواضح يقضي بوجوب تحطيم حكم هارون وإزالة ملكه.
    ويروى أن هارون الرشيد سأل الإمام الكاظم عليه السلام عن فدك وحدودها لكي يرجعها إليه فأبى الإمام عليه السلام أن يأخذها إلا بحدودها , فقال الرشيد: ما حدودها ؟
    فقال الإمام عليه السلام: إن حددتها لم تردها .. فأصر هارون عليه أن يبينها له ، فقال الإمام عليه السلام: أما الحد الأول : فعدن ، والحد الثاني : سمرقند ، والحد الثالث : أفريقيا ، والحد الرابع : فسيف البحر مما يلي الجزر وأرمينية .
    فثار الرشيد قائلا : لم يبق لنا شيء ؟ فقال الإمام عليه السلام : قد علمت انك لا تردها.
    نلاحظ من خلال هذا الحوار أن الإمام عليه السلام يحاول أن يؤكد الرؤية السياسية التي تتبناها مدرسة أهل البيت حول (مفهوم الولاية والخلافة ) وتأصيلها في وعي الأمة وتثبيتها في ذاكرة الأجيال
    وان كلفت الأئمة عليهم السلام ثمنا باهظا ، حيث واجهت أنظمة الحكم المتسلطة هذه الرؤى والمواقف بأساليب شرسة ووسائل قاسية.




    3- استفادته عليه السلام من الثورة الحسينية الكربلائية لتأصيل المخزون الثوري لأهل البيت عليهم السلام في ذهنية الأمة عاطفيا ووجدانيا وترشيد دعوته الجهادية في إطار رعاية بواعثها ومنطلقاتها ، لذلك دعا عليه السلام الى زيارة الإمام الحسين عليه السلام والقيام بمراسيم وشعائر كربلاء , حتى ورد عنه عليه السلام: أدنى ما يثاب به زائر الحسين عليه السلام بشط الفرات إذا عرف حقه وحرمته وولايته أن يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
    وقد عمل الإمام عليه السلام جاهدا وأكد على بناء الأمة الإسلامية وتقوية أواصرها وحفظ كيانها وصيانة تراثها وبالتالي امتلاكها للخصائص التي ذكرها القرآن الكريم والسنة الشريفة عن الأمة وهو من جهة أخرى يعمل بشكل خاص على تربية الفئة الواعية المتفاعلة تماما مع خطته والمتحملة بكل جدارة للمهام الصعبة التي يلقيها عليها مما يجعلها تشكل شعاعا من نوره ونماذج لسيرته ومظاهر قيادته من خلال ما يلي:

    1-عمله عليه السلام على إيجاد حركة علمية وثقافية واسعة ونشيطة ، وقد انطلقت هذه الحركة في الواقع الإسلامي آنذاك استكمالا للجهود العلمية الجبارة التي أرسى قواعدها أبيه الصادق عليه السلام ، فأخذت العلوم والحقائق تنتشر بين الناس ، فقد برز دوره عليه السلام في أجوبته ومناظراته ورده على الشبهات والمزاعم التي أثارتها التيارات الفكرية والسياسية ، وهكذا استطاع عليه السلام أن يكمل دور أبيه عليه السلام في توسيع وتدعيم أركان تلك الحركة العلمية الواسعة الأبعاد التي تمكن روادها من نشر الوعي الفكري والديني.



    2-كما إن الإمام عليه السلام رغم الظروف الصعبة فقد كان ينشر تعاليمه على أيدي أصحابه الأوفياء ممن نقلوا هذه التعاليم الذين بلغ عددهم ثلاثمائة شخص وكانوا أصحاب كتب ورسائل ومخطوطات استطاعوا أن ينقلوا كتاباتهم الى الأجيال القادمة ومن بين هؤلاء من عرف بالصدق والأمانة كيونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى ومحمد بن عمير وعبد الله بن المغيرة والحسن بن محبوب واحمد بن محمد ، حيث أمضى هؤلاء حياتهم في التصدي لطواغيت زمانهم وعملوا على نقل الأحاديث والعلوم القرآنية والإسلامية الى الأجيال القادمة بعدهم.
    ولابد من الإشارة الى أن الأمة تبقى غير قادرة على تشخيص مظاهر الانحراف وعاجزة عن مقاومته ....ورغم الحصار والتضييق علي الإمام عليه السلام وحبسه في السجون والمعتقلات إلا انه تحمل مسؤولية الإمامة كاملة وساهم مساهمة فعالة في إيقاف الانحراف الذي حملته بعض التيارات في الفلسفة والعقائد وعلم الكلام المتأثرة بالزنادقة ..لقد كان الإمام عليه السلام يتصل سرا بأصحابه - وهو في السجن - ويسألونه عن القضايا والأحكام فكان يراسلهم ويجيبهم بل أن السجن لم يكن عائقا لانفصال الأمة عن إمامها ولم يمنعه من التوجيه وممارسة دوره الرسالي عليه السلام فقد أغنى مدرسة الفقه الشيعي بحديثه ورواياته وأنمى ثمارها وحفظ الدين من الانحراف وعمق جذوره في نفوس أبناء الأمة واوجد الفرقة الناجية التي تحتضن الإسلام الصحيح الطويل.
    إن الإمام عليه السلام كان له دوره المعنوي الذي به ملك القلوب وكان كل خليفة منهم يخشى جاذبيته الحقيقية , فالقلق والتوتر الذي عاشته الدولة العباسية على اختلاف زعمائها وملوكها جسدته عمليا من خلال مراقبة وملاحقة الإمام عليه السلام وسجنه وتعذيبه وإيذائه حتى مات شهيدا في احد سجونها ، كان بسبب شعورهم بالخطر المحدق بهم الذي يهدد مصالحهم واستئثارهم بالسلطة لذا لاحقوه واعتقلوه ومن ثم قتلوه ..

    إن حياة الإمام الكاظم عليه السلام تمثل مرحلة سياسية وتاريخية بارزة لإنضاج التجربة الإسلامية من خلال مواقفه ومنجزاته التي رفدت الحركة الثورية المعارضة للظلم والانحراف وبالتالي تثبيت حلقة من الحلقات المترابطة في المسيرة الإسلامية فكلما تقدمت الأيام أشرفت المسيرة على الكمال وقربت ساعة انجاز العمل الإسلامي وبالتالي ساعدت على تجسيد الإسلام في الأمة بصورة عملية وبما تتمكن به البشرية من استيعاب الأطروحة الكاملة العادلة لدولة العدل الإلهي بقيادة الإمام الحجة بن الحسن عليه السلام وعجل الله فرجه الشريف.







  • احاسيس الورد
    • Jan 2009
    • 2840

    #2
    :65::65:بيسلمووو
    اخي ابوجعـــــفر .....
    عوافــــــــــــي.....:65::65:

    تعليق

    • عاشقة الابتسامه
      • Dec 2008
      • 9239

      #3
      جزاك المولى خيرا

      تعليق

      • ابوجعفرالديواني
        • Nov 2008
        • 2856

        #4
        الشكر الجزيل على المرور اخواتي

        تعليق

        • :: بحر ::
          • Jan 2009
          • 7359

          #5
          سلام الله عليه
          باركَ الله بكَ

          تعليق

          • راحيل
            • Jan 2009
            • 2216

            #6
            السلام عليك ياسيدي ومولاي ياموسى بن جعفر الكاظم ولعن الله ظالميك وقاتلك
            احسنت الطرح اخي ابو جعفر ورحم الله والديك
            تحياتي
            :65:

            تعليق

            يعمل...
            X